مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 04:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-14-2008, 10:24 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر

    بطلب من الأخ/ المنصور جعفر... سأقوم بنشر خمسة مساهمات ضخمة
    له في هذا الحيز.. ....................
    والهدف بالطبع اثراء للحوار الدائر أصلا.
                  

04-14-2008, 10:28 PM

امبدويات
<aامبدويات
تاريخ التسجيل: 06-06-2002
مجموع المشاركات: 2055

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    سلام عاطف و للمنصور جعفر خمسة مساهمات من المنصور دا معناه كتاب
                  

04-14-2008, 10:35 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)


    المساهمة الأولي:

    المنـصـور جـعـفـر
    [email protected]

    http://www.rezgar.com/m.asp?i=1248

    دراسة ملخص المناقشة العامة
    الكتاب الثاني (أ) عن البرنامج، واللائحة، و إسم الحزب

    نقاط حركة الدراسة:
    1- مقدمة للتعريف بموضوع الدراسة وتناولاته.......... .................... )3)
    2- شرح لطبيعة وأهداف الدراسة ........................................... (4)
    3- نهج الدراسة ومحاولة تطبيقه................................................. (5)
     فحص ظروف تكون الملخص ............................................... (5)
     عرض عام للملخص............................................................ (7)
     ملاحظات حول نهج وأسلوب التلخيص.....................................(26)
     بعض ملامح البنية العامة للملخص..........................................(27)
     وجوه الإيجاب...................................................................(27)
     بعض التناقضات في الملخص................................................(28)
    4- عرض التناقضات العامة في السياق التاريخي...............................(28)
    5- أسئلة................................................................................ (28)

    1- مقدمة للتعريف بموضوع الدراسة والكيفية العامة لتناولاتها له.

    هذه محاولة دراسة لمعرفة وإيضاح بعض أبعاد موضوع: تلخيص "المناقشة العامة" (الكتاب الثاني (أ) وهي المناقشة التي (بدأت) بصورة مكثفة في أول العقد الأخير من القرن العشرين، وتتجه محاولة الدراسة إلى توضيح الطبيعة العامة للتلخيص وعناصره وإلى توضيح الترابط أو التنافر بين كل من شكل التلخيص ومضمونه أو التناسق أو التناقض بين الإتجاهات الموضوعية للتلخيص وحيثياته.

    وتعتمد هذه المحاولة على معيار وميسم عام لتكوين نفسها وإنجاز عملها هو معيار "التناسق" المنطقي والموضوعي حيث تعتمده الدراسة دون غيره من المعايير النظرية والفكرية لقضايا الوجود والنشاط الطبقي والسياسي التي أضحت هي نفسها موضوعاً مختلفاً عليه، فبهذا المعيار تزول الصعوبة في تناول موضوع مركب مرتين مثل موضوع دراسة تلخيص لموضوع آخر هو المناقشة العامة للأسس والمعايير الموضوعية والفكرية لوجود وطبيعة نشاط حزب معين هو الحزب الشيوعي السوداني في السودان والعالم.

    وتتكون الدراسة بتوخٍ حذر لعناصر الإنسجام أو عناصرالتعارض في كل قضية يطرحها التلخيص، وكذلك في جملة تكوينه ووضعه العام لها، لتبيين مدى نجاحه في إستخلاص بعض عناصر النقاش العام التي تغلب هذا الرأي أو ذاك دون أن نحكم على موضوعية هذا الرأي أو ذاك، بل تكتفي هذه الدراسة بشكل نسبي بعرض مدى التناسق والإنسجام المنطقي بين عناصر التلخيص في ذاتها، وبين عناصره وشكله، وبينه ككل والظروف العامة لتبلوره، وإلى حد قليل بينهم ككل والظروف التاريخية لبداية المناقشة ونهايتها.

    ولبعض الطول والإسهاب في فقرات التلخيص، وبعض الخلل في تواصل سلسلته بأرقام أو حروف متتابعة نسبة لتكرر عرض بعض المناقشات وتلخيصها فإن الدراسة تكتفي في تناولاتها لمثل هذه الفقرات وموضوعاتها بإيراد أجزاء من هذه الفقرات مع تمييز بسيط واضح لها، وذلك لسببين:
    1- التغلب على حالة ضيق الزمن في التكليف بالدراسة وإنجازها وعرضها، وتجاوز تكرر الإشارات والترقيمات
    2- تحرير الدراسة وبالتالي الذهن من مشاكل التركيب اللغوي والعددي وبعض مضاعفاته الواردة في التلخيص التي قد تحول هذه الدراسة حال تناولها له إلى حشو تتكرر فيه الإشارات وتتوالى بنحو: إن النقاش الفلاني سرد إن النقاش العلاني ذكر إن رأي فلان في الفقرة رقم كذا تناول رأي عبد الخالق في الكتاب كذا في سنة كذا صفحة ..! فهذه الدراسة تتجنب حدوث هذا الحشو بتقديم موجز للفقرات موضحة مالها وماعليها.

    في ناحية جغرافية إقتصادية إجتماعية وسياسية تتوخى الدراسة تمحيص التلخيص ومثاقفته بصورة عامة بإعتباره أي التلخيص نفسه جزءاً نظرياً عملياً من الأزمة الإقتصادية الإجتماعية الثقافية السياسية العامة للسودان وأقاليمه وهي الأزمة المتصلة نوعاً ما بسيادة شرائح ومفاهيم البرجوازية الصغيرة وحكمها الطويل للسودان وحمايتها النشاط الرأسمالي بأشكال عددا وهي سيطرة ذات نفوذ في المجتمع السوداني وثقافاته ولها بهذا النفوذ وجودها في بعض الإتجاهات في الحزب الشيوعي السوداني وتظهر بعض ملامحها في كثير من عناصر التلخيص.

    وإذ تتناول الدراسة التلخيص كجزء من أحوال وأزمات السودان وصرعات قواه وطبقاته حول السلطة والثروة، فإنها لا تكتفي بتناوله كقضية محلية معزولة وشأن خاص بأهلها محدود الأصل والأثر نبت وحده، بل تتناول الدراسة هذا التلخيص كنبات وجزء من أزمات العالم والتنازع المتصل إلى الآن على مصير مجتمعاته ودوله بين قوى الرأسمالية العالمية وإحتكارها موارد الإنتاج والمحركات التجارية والمالية والسياسية العامة لتبادل منافعه وقوى التحرر الطبقي والوطني في دول العالم. ففي هذا الزمن المسمى"العولمة" تقوم الدراسة بفحص التلخيص ومواقفه من قضايا الديمقراطية والسيادة الوطنية وعلاقتها الوطيدة بترابط أحوال ومفاهيم الديمقراطية والإشتراكية والتحرر الوطني والتنمية والتقدم الإجتماعي وبقضية الصراع في العالم بين قوى ونظم الإمبريالية والإستعمار الحديث والإستعمار الداخلي وقوى التنمية المتوازنة في كل بلد وإقليم.

    وتبعاً لذلك فإن تناول قضايا الديمقراطية والتنمية المتوازنة والسيادة الشعبية والوطنية الموجهة لها ورفضها أسس ومظاهر النظام الإقتصادي الرأسمالي العالمي تتصل في العالم والسودان بصراع محلي ودولي وعالمي متنوع المجالات والقوى ومتنوع اللوازم النظرية والعملية الضرورة لربط أو لتفكيك العناصر الفكرية والنقابية والحزبية والدولية التي تشكل جملةً إتجاه العالم إما إلى الخضوع لمصالح قوى السوق الأقوى وزيادة أرباحها على حساب النمو المتناسق لدول العالم وشعوبه أو إلى مصلحة عمال العالم وشعوبه المضطهدة في تأسيس نظم علمية للإشتراكية في موارد الإنتاج وجهوده وثمراته وصولاً إلى شيوعية الخيرات الضرورة لنمو الإنسان وحياته المادية والثقافية.

    وفي إتجاهها العام لتقييم الموضوع (=التلخيص والمناقشة) تسير الدراسة بعد طرح السلبيات والموجبات العامة فيه إلى طرح أسئلة أولية ثم معيارية وأخرى عملية قد تفيد في تقييم هذا التلخيص وتقدير مدى توازنه أو في تكوين ملخص جديد يكون أكثر إتساقاً في نواحيه المنطقية والإقتصادية السياسية من سابقه.

    2- شرح لطبيعة وأهداف الدراسة:

    1- طبيعة هذه الدراسة مثل معظم الدراسات طبيعة مزدوجة تعريفية ونقدية، ولكنها تختلف بطبيعة تناول موضوعها الذي يتميز بدوره بطبيعة تركيب خاصة جداً فهو في حد ذاته تلخيص لنقاش حول معايير ومفاهيم وأسس نظرية، لتلخيص مبادئي ونظريات وممارسات وخبرات مما يجعل حال الحياد الموضوعي المفترض في الدراسات للنظر المتوازن إلى جهات الموضوع وعوامله، مسألة صعبة، فالمطلوب هو عرض محايد ومتوازن لتلخيص نقاش عدد من وجهات النظر (أ) و(ب) حول أو إلى وجهات النظر نفسها (ب) و (أ)، وفوق ذلك توضيح نقاط موضوعية يسهل بها تقدير مدى نجاح التلخيص في القيام بهذه المهمة أي مهمة عرض وجهات النظر المختلفة بشكل ملخص.

    2- ولهذا التعقيد الذي هو مثال واضح للسفسطة وهي فن أو علم ترجيح الأقوال ووجهات النظر من زمن جورياس وسقراط إلى زمن فوكو ودريدا كان إجتهاد الدراسة لإتخاذ نهج يناسب جهد التلخيص في عرض هذا النقاش العارم المترواح بين نقد العقلانية ونقد الفلسفة ونقد النظرية ونقد الدولة ونقد النظام العالمي ونقد الوضع الإقتصادي ونقد الممارسة ونقد الشخصيات ونقد السلوك، وتكون وتراكم هذا النقاش بشكل ملتبس لا تبدو فيه أي حلقة رئيسة يمكن الإمساك بها سوى الرغبة في التخلص من العيوب، وهذه وحدها لا تكفي للإمساك بأي حلقة موضوعية في نقاش حول الموضوعية نفسها في التاريخ وفي النظرية والممارسة والحزب ..إلخ

    3- فلمجابهة هذا التعقيد والإغلال النظري الذي يحيط به ويمنع لأغراض الموضوعية إستعمال هذه النظرية أو تلك لقياس موضوعية هذا الرأي أو ذاك جهة هذه النظرية كان ترجيح الدراسة لإتخاذ نهج ملاحظة الإتساق كموجه لأعمالها وتحريها مدى وجود هذا الإتساق والتناسق في عناصر التلخيص. وذلك بإعتبار ملاحظة الإتساق والإنسجام في العناصر وبينها هو الأدآة (الموضوعية) الأنجع في علاج الطبيعة الهوجاء لمثل هذه الإشتباكات النظرية والخروج منها بما يفيد.

    4- طُلب التناسق قديماً بين سنة 470 ق م 320 ق م حين زاد إختلاف اليونان حول قيم الأعمال والسلع والمنافع وصلاحيتها وصلاحية الحكم المتعلق بها وظهر ذلك في صراع بين الفيثاغورثيين التكنوقراط القائلين بالقياس العلمي والعملي لصلاحية الرأي وفائدته قبل تحكيمه وعلى رأسهم منظريهم سقراط، والديمقراط المتدينين القائلين بالحق في الرأي والتعبير عنه في الحكم أياً كان وتحكيمه بإقرار أكثر الناس له، و(إنتهى) النزاع بثورة وإنقلاب عسكري قاده الديمقراط وقتلوا فيه قادة التكنوقراط وجمهور منهم، ورغم تراجع سقراط قبل الإنقلاب بزمن قليل إلى دور الحكيم المحايد وطرحه على الفريقين وما إختلفوا فيه أسئلة كلية جامعة لهم وكلمة منافقة سواء أُعدم هذا الأستاذ لرفضه التخلي عن تدريس العقليات ضداً لدين الأغلبية. ومنذ ذاك الحين بدأ تبلور الفلسفة بنسق تأمل في وجهات النظر وعد لأوجهها في أخاديمية أفلاطون التي بناها على رسل المدن العلمية القديمة مروي، أدفو، طيبة، بابل أو الإسكندرية ثم إنتقل أفلاطون من التأمل (المحايد) في وجهات النظر ومحاوراتها إلى كتابتها والتدقيق فيها وفي منطقها وبالكتابة والتمحيص إنتقل إلى تنظير "الجمهورية" و"القوانين" التي تبلورت كخلاصة للحكمة في ذلك الزمان ومرجع أعلى سامي للأفكار السياسية إلى أن جاء أرسطو إلى العالم بنهج الفلسفة العلمية والعلم التقريبي القائم بنزعة عملية حركية إلى درس تفصيلات الوجود المباشر بقوانين الأسئلة وعمليات التحديد والفرز والتمحيص والرصد والتلخيص والسؤال، وبداية منطقه وكتابته بهذه القوانين من "الطبيعة" وتصنيفه لها ولكائناتها إلى "الطبيعة العليا"جامعاً فيها بتمييز موضوعات الفكر والتاريخ والأخلاق والقيم والسياسة ونظم الحكم وجاعلاً المناقشة المفتوحة للأمور العامة أرقى مراتب الوجود. وإستمر مجد المناقشة العامة إلى أن جدده جون لوك في القرن السابع عشر برسائله في الحرية وأدب النقاش الحر وكفاءة أساليبه وأطرافه، حتى لا يحتاج وجود النهار إلى دليل وحتى لا ينشأ حوار بين العاقل وغيره.

    5- هذه الدراسة تحاول تحديد وفرز ماهو متناسق في تلخيص النقاش العام وما هو بعيد عن بنيته أو هدفه بهدف تكوين أسئلة أولية ثم أسئلة معيارية عن طبيعة التلخيص وطبيعة المناقشة لمعرفة كيفية الإفادة بما أُنجز وتطويره وتنميته.

    3- محاولة الدراسة :

    1- فحص ظروف تكون الملخص
    أ- الظروف العامة:
    كان الوجود الضعيف للطبقة العاملة وقوى السودان المهمشة في الأحزاب السياسية السودانية ولم يزل نتاجاً لتاريخ رأسمالي وإستعماري طويل ومتصل، ومن ذلك حال وجودها الضعيف داخل الحزب الشيوعي السوداني ومؤسساته، ونتيجة هذا الضعف المفترض معالجته حزبيةً ضعفت أيضاً السياسة السودانية إذ أضحت تنويعاً صوتياً لحكم التحالف الطبقي الدقيق بين قوى البرجوازية الصغيرة والكبيرة وشبه الإقطاع وهو تحالف ذي طبيعة عنصرية دقيقة، تتبادل إذاعة مواقفه بينما رزحت الجماهير في الريف وهوامش المدن تحت أنماط الظلم الطبقي والإقليمي وحكوماته المدنية وحكوماته العسكرية، وبعضها ينتظر الخلاص بالحزب الشيوعي الذي سادته البرجوازية الصغيرة ويأسها السريع سواء من الديمقراطيات المختلة أو من الحكومات العسكرية بدلاً عن التصدي لمهام توحيد وقيادة نضالات الجماهير المضطهدة في الريف والمدن معاً وضفرها في نضالات جديدة أقوى ضد النظام الرأسمالي الحاكم لإقتصادات ومجتمعات السودان.
    بهذا الضعف، فإن تكوين المناقشة العامة وتعويم النظرية الماركسية-اللينينية فيها وملخصها، ماثل عملية تعويم الجنيه والعملات الوطنية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية على الدول التي تقوم النظم التجارية والمالية الدولية لهذه المؤسسات في نفس الوقت بتفليسها، فتكون زيادة الإفلاس من نتائج هذه العملية والإجراءات الأخرى المرتبطة بها العاملة لعزل الإقتصاد من السيادة الشعبية والوطنية وتحويله إلى خدمة الرأسمالية المحلية والعالمية. وفي ظل هذا التعويم والتفليس وإفتقاد الطبقة العاملة وعموم الكادحين إمكانات مقاومته داخل الحزب أو خارجه جاءت بلورة النقاش العام وتلخيصه كتحصيل حاصل للضعف النظري والعملي الذي كنف بأشكال متنوعة تكوين الحزب وممارسته لنشاطه رغم كل لمحات القوة والإنتصار التي كانت- ولم تزل- تظهرها قواه الحية في المنعطفات التاريخية.

    وقد خلت بداية المناقشة العامة من أية معايير فكرية أو نظرية أو عملية سوى تقديرات المرحوم الخاتم ثم موجهات الزميل عبدالرحمن التي أنزلها من فوق ولم يقدمها لأي هيئة تضبط بنيتها، ضاراً تماسك الحزب النظري والعملي ضرر الحل الفوقي لإتحاد السوفييت، وحتى ما ألحقته بها اللجنة المركزية من موجهات ومعايير كان بعد زمن طويل تغلغل فيه الإنقسام سارياً في جسد الحزب خاصةً مع أزمة الصلة فلم تظهر إعتبارات هذا الملحق في النقاشات التي تمت ولا في ملخصها بشكل واضح حيث جرى التلخيص على رسل ما طرحه الزميل عبدالرحمن حاوياً المناقشة العامة جملة عشواء جهة الماركسية-اللينينية وجملة منظومة جهة غيرها، مما لا يحتاج لحزب جديد في السودان. فرغم موجهات اللجنة المركزية اللاحقة لإنفتاح النقاش إلا إن العشوائية كانت قد إستشرت فيه وتمثلت في تغييب المعيار المنطقي أو أوليات ترتيبب الموضوعات الشتى التي شملتها المناقشة العامة مثل نقد العقلانية، ونقد الفلسفة، ونقد النظرية، ونقد الدولة، ونقد النظام العالمي، ونقد الإقتصاد، ونقد الممارسة الحزبية إستراتيجياتها وتاكتيكاتها، ونقد الشخصيات عنفها وبساطتها، ونقد السلوك الموجب منه والسالب، فدون أولويات منطقية أو معايير نظرية دفعت هذه الطريقة العشواء العقل والحزب الشيوعي السوداني والمهتمين به في العالم إلى حلبة تخبط وتجريب، وعلى هذا النول غزل الملخص خيوطه.

    كان من الأفضل بعد توزيع إستقصاء أولي تجميع نتائجه وتوضيح المعايير أو المواضيع محل الخلاف، وتياراته العامة وتوضيح الهيئات والمراحل والمواقيت اللازمة للقيام بنقد ذاتي عام وحسم الخلافات بشكل عقلاني مفيد لتطور الحزب الشيوعي ، إلا إن الإتجاه القائد لتيار المناقشة العامة سار بقوة في إتجاه تلخيصها في جهة الإستغناء والتخلي عن الماركسية-اللينينية وعن الحزب الشيوعي نفسه مواكبة لسياسات البرجوازية الكبيرة والصغيرة العالمية والسودانية في جهة إضعاف الوجود السياسي للطبقة العاملة وعموم الكادحين والمهمشين حتى بدأ وجود السودان نفسه في الزوال.

    ب- الظروف الخاصة للتلخيص:
    1- في الزمن:
    في الملخص إشارات مختلفة إلى سنوات ماضية(2001) و(2002)، مما يشير إلى طول الزمان الذي إستغرق فيه التلخيص وبالأدق طول الزمان الذي إستغرقته المناقشة لأكثر من عشر سنوات قبل أن تأتي للتلخيص في صورة شبيهة بـ(دفن الليل أب كراعاً بره) إذ إنعكس ترهل النقاش على تماسك عرض الإسهامات وتماسك التلخيص والملخص نفسه بل وتماسك فهم القارئي له ضمن تغير الزمان والظروف المحلية والدولية.

    2- في الموضوعات:
    عرض الملخص موضوع البرنامج ثم موضوع اللائحة ثم موضوع إسم وتسمية الحزب القديم | الجديد بشكل مرتب ولكن التلخيص قدم هذه النقاط الثلاثة في 12 إثنتي عشر نقطة منها مقدمتان لموضوع المناقشة العامة ومقدمة أخرى ثالثة للبرنامج، وتلخيصان ختاميان للمناقشة العامة وخلاصتان لموضوع واحد هو اللائحة والتنظيم كان الأول فيهما من 10عشرة نقاط بما فيه مقدمتان وثبت مساهمات والثاني من 8 ثمان نقاط وفيه نقطة فلسفية عن الستالينية والمركزية وهل نتخلى عن كل ما أُسيئ تخديمه في الممارسة الحزبية وغيرها؟، وفي كل هذه التلخيصات والملخصات ومقدماتها وتقديماتها نجد إن ملخص المناقشة العامة هو عبارة عن مجموعة ملخصات جمعت إلى بعضها كل منها بقوامه المستقل.

    3- في عرض الإسهامات:
    عرض التلخيص عدداً كثيراً من الإسهامات القيمة والمفيدة من الناحية العملية إما في تجديد برنامج الحزب الشيوعي السوداني أو في تكوين برنامج حزب جديد ولكن كثير منها مجهول التاريخ ومجهول العيار إذ لا تظهر في الكتاب إمكانية لحساب وثوقية التلخيص ووثائقيته فالكتاب والتلخيص لايقدمان تصنيفاً إجمالياً لهذه الإسهامات ووضعها التنظيمي إذ يستوي رأي الهيئة ورأي العضو، والرأي من الهامش والرأي من المركز، ورأي الجديد ورأي الخبير!؟
    ولا يفسر حشد الأراء ظروف عرضها بالذات أو كيفية تقدير تفاصيلها عند التلخيص أو عند العرض: فتفصيل رأي قدم ضمن إجتماع قصير يختلف عن تقديم وإعتبار الرأي في كتاب كامل مطبوع على نفقة الحزب وموزع بصورة إجبارية تنظيمية مركزية ديمقراطية على كل الفروع، ويختلف عن مقال في صحيفة أو في مقالات مشتتة، وعن الرأي المُركز بإقتضاب تفرضه طبيعة المراسلة الحزبية. وهي مشكلات تحدد طبيعة ومدى حرية التعبير. وعتب ذلك على عشواء المناقشة أو الإدارة العشوائية لها ثم على التلخيص الذي لم يقدم للقارئي معياره الموضوعي لإنتقاء الأراء في كل فقرة أو للتوسع والبسط في عرض رأي معين والإقتضاب والقبض في عرض رأي آخر أو حيثية عنايته برأي دون آخر.

    4- في ظروف تشكيل وعمل هيئة التلخيص:
    لا يوجد عرض لطبيعة تنظيم هيئة التلخيص لعضويتها وخبرتها ورأيها في المناقشة أو لطبيعة وشكل الأداء والتكاليف وكيفية مراجعة عملها، من ذلك تثور أسئلة هي:
    1- هل تستلم الهيئة الإسهامات نفسها أم تستلم محاضر وملخصات لها؟
    2- ما هو معيار إختيارها من الأراء المتشابهة أو المختلفة وتصعيد بعضها دون بعض وتبويبه وتلخيصه؟
    3- ما هي معدلات إختصار سطور الرأي وشروحه المطبوع في ورقة أو مجلة، جريدة أو كتاب؟
    4- هل تقارن لجنة التلخيص عدد ما وصل إليها بجدول ما وصل إلى لجنة المناقشة؟
    5- هل خضعت أعمال التلخيص للمراجعة ؟
    6- هل هناك نقد أو مراجعة لما تم إنجازه أم إن بعض الأراء وهذا التلخيص يمثل حقيقة نهائية ؟


    ج -عرض عام لبعض النقاط الرئيسة في الملخص:
    أ‌- في البرنامج (بمقدماته):
    هناك 63 ثلاثة وستون مساهمة: 51 واحد وخمسون داخلية و10 فقط من قضايا سودانية، و 2 مجهولات، إضافة إلى مساهمة مذكورة بالإسم فقط وهي مساهمة "كرري" ذات العدد 59 (نحو موجهات أخرى لتجديد البرنامج) .
    في فقرات تلخيص البرنامج:
    1- السلطة – الديمقراطية- وجهاز الدولة :
    (( مع التعددية السياسية بتعويل على القوى الحديثة والقوميات، وتثبيت حق الإضراب كوسيلة وحيدة لإستعادة الديمقراطية ، ورأي يقترح الإدارة الشعبية والإدارة الأهلية مع إشاعة الديمقراطية في أجهزة الإدارة الأهلية لحل التوترات القبلية، ورأي ينادي بالبحث عن وسيلة فعالة لحماية الديمقراطية إضافة إلى فك التركيبة الإجتماعية المسيطرة على جهاز الدولة وتعديل التشريعات وإعتماد الكفاءة معياراً للعمل في أجهزة الدولة، دراسة للموقف السياسي السليم حول موضوع طبيعة رئاسة الجمهورية أن تكون برلمانية أو رئاسية، مع ميل ضد الرئاسية))

    هنا دون تناسق أو فرز موضوعي نجد في فقرة واحدة تشمل ثلث صفحة ثلاث قضايا لكل منها شأنها الخاص:
     طبيعة السلطة وهي قضية سياسية تتصل بتحديد الطبيعة السياسية للحزب المنادي بتغييرها،
     الديمقراطية وهي قضية نظرية في تحديد أبعادها تتعلق بالطبيعة الطبقية لتعادل أو تفاوت الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية مدى سيطرة الناس على موارد عيشهم وحياتهم وأدوات إنتاجهم وتنظيمهم للمنافع وكسبها،
     طبيعة جهاز الدولة وهي قضية عملية تتحد بعد تحديد الحزب لطبيعته وطبيعة المصالح والقوى التي يدافع عنها أو يهاجم لأجلها فبعد ذلك يمكن منطقياً لأي حزب تحديد شكل وطبيعة جهاز الدولة الذي يريده.
    وقد يكون إجمال الفقرات معاً لأسباب موضوعية منها غياب أو تغييب أي مقدمة نظرية متناسقة يستند إليها النقاش أو التلخيص في فرز وتوضيح طبيعة هذه القضايا وطبيعة البرنامج والدولة التي يرغب فيها الحزب الذي هو نفسه ووجوده في محل تسآؤل هذا النقاش فمن الغريب تحديد طبيعة هدف سياسي قبل تحديد طبيعة القوة السياسية الهادفة له!؟


    2- الإقتصاد والتنمية:
    1- هذه الفقرة الضخمة (5 صفحات ونصف) الموجزة إلى 22 سطراً والمنفصلة عن فقرة الإصلاح الزراعي، أشارت إلى قضايا ((الخراب والحرب والجفاف والطفيلية و وتوزيع الثروة والفقر والفساد)) وهي قضايا موضوعية لكنها جاءت متنافرة و سابقة للأسباب المنتجة لها فالخراب والحرب والفقر والطفيلية والفساد نتائج، والسبب المنتج لهم وهو طبيعة التنظيم السياسي لتوزيع موارد وقوى الإنتاج وعائداته أو طبيعة تنظيم الإقتصاد لم يذكر بوضوح لعلاجه!

    2- ((يُتجه لبرنامج إقتصادي يقوم على دراسات علمية والإفادة من تجاربنا وتجارب الدول ا(لمماثلة لنا في التطور) يعتمد على الجماهير وقناعاتها، مراجعة الخصخصة والسياسات البنكية، وإسترداد ما نهب، ثم في البداية نحتاج لبرنامج لوقف التدهور تشارك فيه جميع الأحزاب، أهمية دراسة المجتمع السوداني والقطاع التقليدي تحولاته وتركزاته، مشاركة إتحاد المزارعين، أهمية كل القطاعات الإنتاجية عام خاص تعاوني مختلط، الأنشطة الإستراتيجية في يد الدولة، الإستفادة من رأس المال الأجنبي -الحاجة ماسة إليه- تتم وفق المنفعة المتبادلة أولوياتنا، قسمة شعبية للثروة وجهوية، مبادئي موجهة ونظرية للتنمية!! كل هذا في كفة 19 سطراً سميناها (أ) معها كفة أخرى نسميها (ب) أقل من3 سطور عن إمكانية التحول الإشتراكي شملت القطاع العام وتحديث وسائل الإنتاج والإدارة وتحفيز العاملين وتوجيه القطاعين العام والخاص لإصلاح البنى التحتية ومراجعة سياسات التمويل مع وضع إعتبار للحساسية الدينية لمسألة الفائدة))
    بعض الخطوط في الكفة (أ) تشير إلى حالة داوني بالتي كانت هي الداء وفي(ب) سؤال: من يقود هذه السياسات ولماذا؟


    الملاحظات عن حالة التناسق في الفقرة رقم (2)عن الإقتصاد والتنمية:
    في أ- هناك فروق نظرية وحياتية بين الدراسة، و الإفادة، و الفوز بقناعات الجماهير، و مراجعة الخصخصة:
     فالدراسة علم له نظرياته الإجتماعية- والإقتصادية السياسية الموجهة التي يجري نقاشها أو رفضها دون ضوابط
     الإفادة بتجارب الدول المماثلة لنا في التطور مسألة ممارسة سياسية ، وهي غريبة بكونها إفادة ممن هو بنفس أزماتنا
     قناعات الجماهير بسياسة ما أمر يخضع لظروف الإغتراب والإستلاب الذي يزيد التدهور الذي يزيد هذا الإغتراب
     مراجعة الخصخصة تحتاج مقدمات نظرية وسياسية ضد التسليم بحرية السوق والتجارة وأهمية (الإستقرار) لهم
     في الحاجة إلى برنامج إسعافي لوقف التدهور:
    تصور مسألة وقف التدهور ولحقان الأمور قبل إستفحالها يعارض القول بخراب الأوضاع، ويعارض القول بالحاجة إلى دراسة المجتمع أو القطاع التقليدي بـ(مشاركة) إتحاد المزارعين، دون بقية النقابات، ومع ذلك فالفقرة تفتقد التناسق لسبب أخر هو التصور المسبق بوجود تدهور وهو بالتأكيد موجود، ولكنه موجود في جهة لايعترف بوجودها أو بموضوعيتها الثورية التصور السائد للمناقشة العامة وهي جهة الطبقة العاملة وعموم الكادحين وهم بدورهم مقيدين لم يكونوا ولن يكونوا فاعلين في أي إنتخابات عامة قريبة سوى لجهة أعدائهم الطبقيين من زعماء الطوائف والقبائل ووكلائهم التجاريين والإداريين. هذا الموقف الطبقي السالب هو نتيجة منطقية للنظم والسياسات السائدة التي تميل بعض الأراء التي قدمها التلخيص إلى التعامل مع نتائجها دون أسبابها، وإذ تعاملت المناقشة وتلخيصها مع أسباب الأزمات فبشكل طفيف بإعتبارها بداهات تاركة أصل الأزمة العامة الذي أنتج الخراب والحروب وقعد بالبلاد وتركها نهباً للفقر والطفيلية والفساد والخصخصة وهو نظام التملك الخاص لموارد معيشة المجتمع وأدوآت ومعاملات الإنتاج الضرورة لحياة القائمين به حياة حرة كريمة. فدون تكسير هذا النظام المطفف والمبخس لأعمال الناس والدعوة لذلك سراً وجهراً والنضال له سلماً وثورة لا يمكن وقف الإنهيار الذي وقع بأي دراسات أو صيغ بنكية أو برامج سياسية محدودة .

     في تلخيص الأراء عن نظرية تنمية وعن تقسيم للثروة القومية غير جهوي أو إضافة إليه، وردت الأراء بشكل محدود مما يبدو إما عرضاً مجحفاً في حق هذه الأراء أو إن هذه الأراء لم تقدم من الحيثيات ما يكفي لعرضها!! ولكن:
    1. هل يحتاج العالم أو السودان إلى نظرية جديدة للتنمية وماذا فعلنا بالنظريات السابقة وبالنقد الذي وجه إليها ؟
    2. ماهو وجه إستعياب نظريات التنمية أو إستيعاب النقد الموجه إليها في المناقشة العامة؟
    3. ما هو تصور لجنة الإقتصاديين في الحزب؟ أو تصور النقابيين؟ أو تصور دُراس الإقتصاد السياسي لهذا الأمر؟

    من غياب إجابة متماسكة يتضح إن سير المناقشة العامة أو التلخيص خطو عشواء بعيداً عن الإستيعاب المنظوم لأراء أهل الإختصاص في الإقتصاد والتنمية والكفاية فيه ووضعه في صدارة ملخص الشأن الإقتصادي، و بالمثل سارت بعيداً عن أراء المزارعين والعمال أصحاب الإسهام الأساسي في الإنتاج ونقابييهم، وكذلك بعيداً عن المثقفين المهتمين بالشأن تاركة حبل التنمية للجميع كل منه يتجاذبه حسب مستوى تنظيمه أو مستوى إمكانياته الفردية أو إمكانات وحدته أو فرعه ولم يجد التلخيص والحالة اللانظرية أو الضدنظرية الموجهة له بداً من عرض بعض الأراء القريبة للسخط اليومي: فلا هي فعل موضوعي يتم تأطيره وتطويره بالتنظيم والتمحيص والتنظير، ولا هي قنوع بالموجود مع جِد فردي أو جمعي وإجتهاد في زيادة هذا الموجود وتحسينه، حتى أضحت كما في تعبير المرحوم صلاح حافظ كـ (شيئ ما) يبدو هنا في مثل هذه الأراء التي تحمل في آن واحد ملامح الحسرة والندامة والخوف وملامح الشوق إلى العدل والحرية والكرامة! تيه لا يستغرب حدوثه في ظل تغييب مقومات نظرية شمولية لم تزل بشمولها صالحة لتنسيق الوجود والعقل والوجدان جهة الحاجات والحلول المصيرية لحياة أكثر الناس.

    3- الإصلاح الزراعي:
    (( الزراعة كمركز للحياة الإقتصادية.. بناء برامج إصلاح زراعي تتوخى الدقة، العدالة في توزيع الأراضي المروية والمطرية، تحسين أحوال المزارعين والرعاة، والتنسيق مع الدول المجاورة، وتصنيع خامات الزراعة ومنتجاتها)) وردت الفقرة أولاً في حوالى صفحة كاملة وأوجزت في 4 أربعة سطور وربع بما فيها من شرح وقدمناها في سطرين.

    الأسئلة المنطقية لتناسق الموضوع في الفقرة(3) حول قضية الأرض والإصلاح الزراعي هي :
    1. ما هو المنهج الفلسفي والعلمي لقرآءة قضية الأراضي وتوزيعها في السودان هل هي سلعة أم حق خاص؟ أو عام؟
    2. ما هي أبعاد قضية الأرض: أين التركزات أو الإحتكارات أو إختناق ملكية الأرض؟ وأين فضاها وضياعها؟
    3. ماهي الطبيعة العامة للإقتصاد الشامل لها، أو المطلوب و طبيعة الإنتاج الحاضر والمستهدف في كل منطقة؟
    4. ماهو المستقبل والتخطيط المقترح لتلك المنطقة ووفق أي رؤية أو علاقات إستراتيجية؟
    5. ما هو الوضع الإجتماعي المتصل بكل منطقة وكيفية معالجته ؟ ضمن خطة عامة أو بشكل جزئي شعبي محلي؟
    6. هل من مواقيت للتعامل مع هذه الأرض أو تلك (خمسة سنوات؟ عشر سنوات؟) وما طبيعة إستثمارها أثناء ذلك؟
    7. ماهي الطبيعة السياسية للإقتصاد الذي يمكن أن تنهض فيه الزراعة بدور عادل في توفير أسباب الحياة وفي توزيع الثروة القومية ( الأراضي والمياه والمدخلات) بواسطتها؟

    في المشروع العالمي (المقترح) للتنمية المستدامة في كل دولة، جانب إستعماري حديث يتجه إلى تحرير الأرض من (الملكية التقليدية) كأراضي الحكومة والقبائل [الرعوية] وحتى أراضي الأوقاف والطوائف، وإدخالها السوق. أهملت هذه النقطة سواء في سياق الحديث عن الإقتصاد والتنمية ونظرياتها أو في سياق الحديث عن الإصلاح الزراعي لوحده.

    ولكن ما عرضه التلخيص (الثاني) فيه نقطة مهمة للربط بين قضية الأرض و(تحسين) أحوال المزارعين والرعاة، وفي ذلك توجد دراسات مهمة بل وخبرة البنك الزراعي القديم كلها متاحة، ودراسات الزراعة والأراضي والإصلاح الزراعي وافرة في السودان ومزدهرة، ونظرة بسيطة إلى بعض الأراشيف الجامعية تغني عن السؤال، تأسست في السودان بتضحيات جمة من طلاب وأساتذة أجلاء بذلوا جهودهم في مراكز البحوث الزراعية في الجزيرة وفي شمبات وأبو نعامة، وفي مراكز البحوث البيطرية وحتى في مصر وعبر عشرات السنين، ولا أدري كيف تعاملت أرآء المناقشة العامة مع هذه الأطنان من الأبحاث؟

    هنا يمكن إفتراض ان نظم الإقتصاد السياسي والخبرات الفنية في الأراضي والزراعة والإصلاح الزراعي تم تجاهلها وإن ذلك التجاهل يجافي مصلحة الرعاة أو الزراع الذين وصلت بهم سياسات السوق والرسملة والإختلاف في تخديم الأراضي في الجنوب وجنوب النيل الأزرق والأنقسنا وفي القضارف والبجا وفي جنوب كردفان وفي الشمالية في الحماداب وكجبار إلى حالة نزاعات دموية وفوق هذه وتلك قضية الأراضي والزراعة والرعي ومجتمعاتها في دارفور.

    إن حصر هذه القضايا في خانة الإصلاح الزراعي أو حصر الإصلاح الزراعي في خانة قضية الأرض وتجريدها من أبعادها الأخرى أمر لم تقبله بعض الأراء التي عرضت في نقاط مختلفة. كما إن تناولها بمعزل عن قضية علاقات الإنتاج والسلطة المركزية، أو بمجرد تلميح لها، لا تنجح في حله محاولات الحكم الشعبي المحلي واللامركزية خاصة في ظل مركزة المؤسسات المالية الدولية والشرائح الحاكمة للقرار السياسي والإقتصادي وتركيزها وتحويرها كل تكوينات "اللامركزية" بكل مجالسها الشعبية مدناً وقرى وتنظيماتها الفئوية والمهنية رعاة وزراع وعمال إلخ وتنظيماتها الجماهيرية إلى (مشغلة) للجماهير في الأرياف. إن قضايا الزراعة والصناعة تتصل بالطبيعة الطبقية للدولة وسياساتها الإقتصادية وعلاقات الإنتاج اللازمة لإشتراك الناس في موارد وجهود وثمرات الإنتاج إشتراكية علمية.

    4 - البيئة:
    في هذه الفقرة ورد عرض لموضوع البيئة جمع بين:1- التنظيم و2- السياسة و3- إثبات الحاجة إلي الهم بها ((تضمينها في البرنامج، وأهميتها كقضية عالمية لها تطلعات في السودان أن يكون ومياهه خالياً من التلوث ومصادره، مع تبيين تدهور اوضاع الغابات والرعي والزراعة التقليدية، وأهمية علاجها والحاجة لإستقطاب جهد المنظمات))

    ملاحظات على التناسق في الفقرة رقم (4) حول البيئة:
    عالمياً وصلت التعارضات بين إتجاهات صيانة البيئة وإتجاهات النشاط الرأسمالي إلى كثير من نقاط التناقض، رغم محاولة بعض إتجاهات المراكز الرأسمالية لتحويل قضايا البيئة إلى محور تفريغ لطاقة الأحزاب والشباب اليسارية ، و إستغلالها لمصلحة الرأسمالية مثل إستغلالها قضية حقوق الإنسان ففي بعض الأحيان كانت قضايا صيانة البيئة تُخدم في الحروب التجارية الدولية والمحلية أو لعرقلة تطور بعض الدول أو التحكم فيها. ومن هنا الحاجة لبناء تحكم وطني في هذه القضية داخل السودان مما قد يبين أهميتها، ولكن من ناحية موضوعية لا يمكن إنكار أو تجاهل إن السودان اليوم في حاجة إلى العناية بمفاهيم ونشاطات العناية بالبيئة وصيانتها وحمايتها وتطويرها ضمن خطة تنمية متوازنة توافق كثير من الجوانب المفيدة في مشروع "التنمية المستدامة" المقر ضمناً عبر قمة رؤساء الدول في الثمانينيات والتي تقلصت لـ"أهداف الألفية" التي أعلنتها الأمم المتحدة بمؤتمر مماثل وإنتهت بدورها إلى "الوصايا الخمس" لكوفي عنان، فبالأهمية المحلية والأهمية الدولية تأتي موضوعية تمثيل قوى البيئة في اللجنة المركزية لأي حزب سياسي مع تمثيل نسبي مماثل لغيرها من القضايا والمصالح العامة الأساسية أولاً ، وهنا يظهر سؤال بسيط هو :
     هل يمكن صيانة البيئة وتنميتها بمعزل عن تغييرات إقتصادية وسياسية كبرى؟
    كتاب "حروب الموارد والهوية" للدكتور صلاح آل بندر والدكتور محمد سليمان معاً أمسك مسألة البيئة بقوة: شارحاً مفاعلاتها تاريخاً وجغرافيةً وسياسةً وإقتصاداً وإجتماعاً وثقافةً وأمناً وطنياً وقارياً وسلاماً عالمياً، وهو كتاب يثير أسئلة مهمة طرحتها حروب الموارد والهوية في السودان مثل العلاقة بين غياب التنمية والنمو غير المتوازن وإرتباطهما بحالات زيادة النزاعات والتدهورفي الأمن الوطني كتاب مفيد لا يوجد شيء منه أو ضده في الأراء أو النقاشات المقدمة.

    5- التعليم والثقافة:
    الأراء الواردة في هذا الموضوع الحيوي نبهت إلى ((المنهجية، والمجانية، ومحو الأمية، والتعليم الفني، وتطوير مناهج الجامعات، وضمان حرية البحث العلمي، والبعث الحضاري للوطن، ومحاربة الرجعية، والتعصب، ومعالجة أزمات التباين بين كل من: الريف والحضر، الرجل والمرأة، التعليم والتنمية. كذلك نبهت إلى تلبية حاجات الإنسان الروحية والمادية، ونمو ااشخصية وقدراتها، وإضافة لهذه النقاط التقدمية الفلسفية والعملية المختلطة تحت عنوان التعليم، هناك: الإنفتاح الفكري، التربية الوطنية، دعم وحماية حرية النشر والصحف من الرسوم، وتمويل العملية التعليمية بالجهد الذاتي للمواطنين)) ووضح ذلك في الأهداف بثلاثة قضايا هي: البعث الحضاري الوطني ضد الثقافة الإستعمارية والرجعية،2- الربط بين منهجية التعليم وخطة التنمية، 3- إشباع حاجات الإنسان الروحية والمادية أما في الفلسفة فوضحت بنقاط : نمو الشخصية، إحترام العمل اليدوي، تمازج الحضارات والثقافات، تيسير المثافقة ، ترقية اساليب التفكير والبحث لإنماء القدرة على التمييز، الحفاظ على التراث السوداني والعالمي، رفع الوعي بمهمة الإنتاج في الحياة ، مجلس قومي للتعليم، تمويل الدولة التعليم بالنسبة العالمية 15% - 20%، + إسهام الخيرين.

    في هذه الفقرة تبيوب مزدوج لفلسفة ولأهداف التعليم،ولكن الأهم هو تأخير قضية الثقافة لفقرة لاحقة بينما الثقافة تسبق من ناحية موضوعية قضية التعليم سواء لقدمها التاريخي أو لتأثيرها على التربية أو لبلورتها قيم التعليم ومدى النفع به.

    ملاحظات على حالة التناسق في الجزء (أ) من الفقرة رقم (5) حول التعليم:
    رغم إنه كان من الأفضل تقديم الموقف السياسي للحزب من قضايا الإقتصاد والحياة العامة التي تتبلور فيها قضايا التربية والتعليم والثقافة، أو تقديم الموقف العلمي من القضايا السياسية البارزة المؤثرة على قضايا التربية والتعليم أو مؤشرات للموقف العملي للحزب من الإثنين، إلا إن الإلتزام في هذه الملاحظة بإعمال نهج تحري التناسق أو تحديد التعارض دون إعلاء أو تحكيم أي رؤية موضوعية تدخل في سياق الماركسية اللينينية أو أي نظرية سياسية أخرى يجعل هذه المحاولة الدراسية تكتفي فقط في هذه الفقرة الثرية بالإشارة إلى بعض النقاط مثل:

     في أصولية التعليم وإنسانيته:
    جمعت المقدمة العامة للفقرة بين العودة إلى عصر الفونج لنفع التعليم و إستيعاب عصارة الفكر الإنساني والغوص بهذه العصارة في مكونات (الشخصية السودانية) مع مراعاة ظروف البيئة التعليمية، وذلك لتحرير الطفل من التقليد وتشجيع ثقافة الديمقراطية والسلام والوحدة وإحترام التنوع وحرية التفكير. ففي أول الفقرة إتجاه من التكوين المحلي أو من جزء منه إلى الحياة العامة أما الإتجاه الآخر فمن الحياة الفكرية للإنسانية إلى داخل الشخصية السودانية. وهو جمع متصل بمنظور مادي جدلي تاريخي إلى تركيبة السودان القديمة والحديثة بأبعادها التاريخية السودانية والعروبية وإلى تركيبة التعليم القديمة والحديثة في العالم والسودان بأبعادها العالمية والمحلية. وفي هذه المسألة يبدو موضوع الدولة الوطنية والفقر الثقافي إليه في أنحاء السودان وصرف ذلك الفقر للناس في معظم أنحاء السودان عن تكوين أو إعتبار وجود شخصية سودانية أو وطنية عامة، حيث يتجذر الوعي القبيلي والعشائري في كل منطقة وصقع [وفق تاريخها وحالها البعيد عن الدولة السودانية] وينحصر معنى الدولة (ككيان وطني) في بعض المدن ومثقفيها لأسباب تاريخية تتعلق بإتجاهات وتركزات المصالح الإقتصادية والسياسية (القومية) فيها. وهذه بلا شك قضية الأبعاد المختلفة للبداوة والمدينية والحضارة في السودان تحت النظام الرأسمالي لدولة الهامش وفيها مؤلفات إدارية وتعليمية عددا لم يتم تناولها في بحث موضوع الشخصية السودانية والتعليم

     إن قضية التعليم والبيئة الطبقية لمصروفاته وتمويلاته وطبيعة مناهجه وفاقده التعليمي والإفادة من خريجي التعليم العام والعالي في مجالات الإنتاج تتطلب، لأجل عرض أشد تناسقاً لهذا الموضوع، تتطلب معالجة ناجعة لقضايا:
    1- التكوين العام وفلسفة التعليم ونواحيه العامة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية الثقافية
    2- المباني والأدوات المادية
    3- المناهج الأساسية والعليا
    4- المناشط التربوية الثقافية العقلية والبدنية وإحترام فاعليتها وتنوعها
    5- علاقات العمل بالنسبة للأساتذة والمعلمين وبالنسبة للخريجين والفاقد التعليمي
    6- علاقات التقييم العلمي والتربوي وطبيعة قياس المستويات والنتائج
    7- التدريب ومواصلة التعليم كهدف أسمى للدولة والمجتمع والعملية التربوية-التعليمية
    8- القضايا الخاصة:
     الفاقد التعليمي والمجهود المناسب لحل إشكالاته أو طبيعة التأهيل المناسب لظروفه
     التمييز العنصري بأشكاله الدينية واللغوية والعرقية والنوعية ...إلخ
     العنف البدني والمعنوي ضد الطلاب: الضرب(وأكثره بأشكال سادية) التهكم والسخرية والهرش والطرد
     الكذب، السرقة، التدخين، العادة السرية، الميول الجنسية المثلية، الموضات، الكورة، التعصب..إلخ.
    في مواجهه كل هذه المهام يلاحظ شح الدولة في الصرف على التعليم وبذخها وإسرافها على كبار موظفيها المدنيين والعسكريين، وكذلك ملايين الدولارات التي تنفق على بعض المؤسسات الدينية والمدارس إلى جوارها جائعة وخربة.

    ب- في الثقافة :
    ((إضافة إلى ما ورد في "مبادئي موجهة": إحترام الثقافات، الديمقراطية والبحث العلمي والإنفتاح على الثقافات العالمية والفكر الإنساني المستنير، تشجيع الثقافات المحلية، ترجيع دور الدين وإتاحة الفرصة لثقافة القبيلة، الآثار، الإعلام، إعفاء دور النشر من الرسوم، المكتبات، تحرير الإنسان من الخوف والجوع والفاقة ليطور ثقافته وإنتاجه وإقتصاده الريفي، خلق ثقافة سودانية مناهضة للإستعمار والتعصب وضيق الأفق،تستند للفكر الإنساني العلمي،قومية حقيقية للثقافة، إستقلال الجامعات وحرية البحث العلمي، الإهتمام بالعمل الدعائي في حياة الحزب الشيوعي، وأن يخطط ليكون حزباً عريضأ يستقطب الناخبين.)) 10 نقاط.

    الملاحظات على تناسق الجزء (ب) من الفقرة رقم (5) حول الثقافة :
    هناك تغييب لأساس الثقافة أي "نمط الإنتاج" وما ذكر عن تحرير الإنسان قد يقوي الإتجاه إليه ، ويفيد جداً في بلورة شكل عملي لهذه التصورات الثقافية، لكن المسألة البعيدة عن التناسق هي مسألة أخذ (كل الثقافات) في الإعتبار الذي لم يتم تحديده هويته هل هو الإعتبار الوطني أو السياسي أو القومي؟ فأياً كان لا منطق في عملية أخذ كل عفش البيت في كل رحلة مواصلات أو سفرية خارجية!؟ ثم من هو الذي يأخذ كل الثقافات؟ فرد أو حزب أم دولة أوإلى أين؟ ولِم؟

    إن التفاوت النوعي بين الثقافات السودانية يتنوع ويتنوع، بحيث يصعب جمعه أو حصره ولو على طريقة جمعية أو فرقة الفنون الشعبية العظيمة التي تقدم تنوعاً محدداً حاولت به تغطية جهات السودان الشمال الشرق الغرب الجنوب، والرقص الشعبي وإحترام تنوع الثقافات ممارسة ماركسية-لينينية-ستالينية أصيلة شوهتها الإستلابات الثقافية في العالم والسودان ولكنها في السودان بالذات أسهمت لا في تنبيه أهل الوسط إلى تنوع بلادهم وحق الناس فيها في دخول الموجات العامة لإذاعة وتلفزيون الدولة التي يدفعون ضرائبها بل أسهمت أيضاً في تزييف وتغبيش وعي الناس في أنحاء السودان بأنهم جزء أصيل من ثقافة المركز أو حتى من ثقافة السودان بينما أهلها في الواقع مكدسون في هوامش البؤس في المدن والريف، وأهل الرقص في الواقع ضيوف في تلفزيون وإذاعة المركز العام للدولة، مجرد كموفلاج، وتغطية وزينة وبهارات لتغطية الطبيعة الإصطفائية والإقصائية للمركز كله وتغطية الوجه العنصري لسياساته برقصات شعبية شوهت لتناسب الذوق (العام) ولتتطابق مع ما سموه "الشريعة الإسلامية" بينما تلفزيون الشريعة نفسها حافل بمشاهد ومسلسلات الطفيلية والخداع والجريمة السرقة والقتل وما إلى ذلك. إن إحترام التعدد الثقافي فيما غاب عرضه، يتطلب إدانة الظلامات والإغتصابات التاريخية التي إرتكبتها الدولة في السودان منذ ما قبل أيام الإنكليز وإلى أيام البنك الدولي والزمن الحاضر بما فيها مركزة للموارد وتهميش بشع لحاجات الإنسان وحقوقه والنقد المرير لتلك الظلامات من الحزب ضرورة لتجديد مواقفه بصورة موضوعية وليس بتحويل برنامجه من حالة الأهداف الإستراتيجية في المجالات العامة إلى حالة التفاصيل الفنية والعملية التي تختلف خبراتها وفنونها. ولكن هذه الإدانة جاءت ضمنية ومغلفة في سياق الفقرة مما يوجب إظهارها وتوسيعها لتأتي الفقرة متناسقة

    ليس ذلك فحسب، فالحزب من ناحية ثقافية إجتماعية - على الأقل في أصوله النظرية والجزء الأعظم من نضاله- ليس حزب الأقلية المستعربة أو حزب لثقافة الجلابة في العمل السياسي وممارسة (البيع) وتخليهم عن القضايا الإستراتيجية لأجل ربح عاجل زائل، من هنا يبدو بعض التنافر في تناول الأبعاد الثقافية للمسألة التاريخية الثقافية السكانية في السودان بأفق الجمع والوحدة والإنصهار في بوتقة (قومية) بينما يتم تناول مسألة وجود الحزب وقبائله الماركسية اللينينية بمنهج الإقصاء أو الصهر والتذويب!! فكيف للحزب إحترام وجود كل الثقافات وجمعها والعناية بها وهو مقصر في ذلك جهة ثقافته الماركسية-اللينينية؟

    كيف يستوي الحديث عن الوفاء للأصول والبعث الحضاري الوطني وإحترام كل الثقافات في كيان سياسي حمل بعض قادته نظريته في السراء الآيديولوجي مشاعلاً للنضال ولم يتحملوا نظريته في الضراء؟
    هل بإمكانهم إحترام كل الثقافات؟

    بحكم تطورات الواقع التاريخي والسكاني فمن الضرورة لأي حزب سوداني يبتغي جماهيرية حقيقية أن ينبذ عملياً كونه حزباً عاصمياً للأقلية التي غرفت خيرات السودان، وإلا صار كالحزب الشيوعي الفرنسي في الجزائر المستعمرة، أو الحزب (الوطني) في جنوب أفريقيا القديمة أيام الفصل العنصري، من الضرورة إستلهام موقف الحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا وكونه حزباً للغالبية السوداء في بلد كان مجتمعها الحاكم مجتمعاً أوربياً، لا من منطلق كينونة المجتمعات السودانية الأصيلة وأقدميتها التاريخية وحقوقها وغالبيتها السكانية فحسب بل من منطلق إن هذه الغالبية المهمشة هي صاحبة القوة والمصلحة في الإنتاج والتنمية والعدالة الإجتماعية تحتاج فقط بعد كل هذه القرون من القهر والإستلاب والتهميش إلى ممارسة ثورية تحشد نضالها في الريف مع نضالها في المدن لدك النظام الرأسمالي ووجوهه دولته المتهالكة القومية والليبرالية والإشتراكية والإسلامية في السودان وإقتلاع جذور طبقته وثقافته السائدة المخاتلة المراوغة.

    الأهم لتناسق الثقافات هو النشاط الثوري لإتاحة إمكانيات متساوية للتطور الإقتصادي والإجتماعي والثقافي لكيانات السودان المضطهدة وللحفاظ على هذه الإتاحة حتى لا تأكلها هذه الظروف أو تلك الأنشطة بحيث يتنافس الناس في مدن السودان وأريافه رجالاً ونساء علماً وعملاً، بصورة تفتح لهم آفاقاً سلمية ديمقراطية لمزيد من الحرية والبناء. ولكن لذلك ثمنه، فبدون نظرية ثورية لا يمكن بناء حركة ثورية، وبدون حركة ثورية لايمكن إحداث تغيير جذري في الإقتصاد والسياسة والثقافة الإجتماعية المتصلة بهم ودون إحداث تغيير ثقافي جذري يجدد الحياة السودانية ويشكل قوميتها بصورة حقيقية فإن مصير السودان بظلاماته ومراوغة سياسييه ونقضهم المواثيق والعهود كما هو واضح الآن هو التفكك والإنهيار والموت الزؤام . أما الحلم بإمارة عرقية آمنة كمثلث حمدي مثل طليطلة أو غرناطة بعد تفكك الأندلس فهو مجرد طغث حلم إنكسرت قواعده الإقتصادية الإجتماعية ومصيره التاريخي هو الزوال السياسي والثقافي.

    إن مواجهة قضايا الإغراق الثقافي الخارجي أو التفكك الثقافي داخلياً وما يتصل بها من قضايا الإستعمار والرجعية تتصل في السودان بتجديد الثقافة الوطنية الديمقراطية التقدمية بأشكالها النظرية والعملية في الريف والمدينة تجديداً شاملاً بنهج ثوري فلسفي علمي وعملي متصل في تنظيره وأهدافه وأعماله بقضايا وقوانين وأشكال وجود الطبيعة والطبيعة الإجتماعية وكرامة وحرية الإنسان والتنمية الشاملة المتوازنة لهم، وتناولها في أحوالها المفردة أو الجمعية كمسألة ضرورة وتلبية حاجة أساسية لحياة السودان وبقاء مجتمعاته حرة سيدة في وجه الثقافات المدينية الإستعمارية والثقافات البدوية القبيلية منها والطائفية بميسمها الإقطاعي القديم والحديث، وبدون تصور هذه الحاجة والضرورة والشروع في تلبيتها لا تبدو فائدة نظرية أو عملية كبرى من التناول الشكلي لمسألة الثقافة الوطنية وإحترام تعدد الثقافات في ظل نظام إقتصادي إجتماعي سياسي تحكمه طبقة واحدة.








    6- الدين:
    تحدث التلخيص في هذه الفقرة عن ((إحترام الدين والمتدينين وتمييز الدين عن الدولة، ونبذ إستغلاله فيها لإجل تحقيق مصالح خاصة ودعم الإستنارة الدينية وقواها ومعالجة التعصب ودور الدين في المجتمع ومدى تعلق كينونته بالنصوص أو بـ[تغيرات] الواقع ..إلخ))

    ملاحظات حول تناسق أجزاء الفقرة رقم (6) حول الدين:
    في الفقرة في عرضها الأول والثاني ناحيتان ناحية إسلامية وناحية تتحدث عن الدين بصفة عامة، مما يجافي مافي الفقرة الخامسة الجزء (ب) عن الثقافة وإحترام كل الثقافات وقومية الثقافة والحد من التعصب إلخ، ولم تذكر أية من الفقرتين الدينيتين طبيعة الدور المفيد الذي لعبه الدين في الحياة الإجتماعية للسودان؟ وقد يصعب هذا الذكر الآن خاصة وأن أغلب حروب السودان والدنيا إتصلت بالتدين بشكل ما والذي يسميه كل خصم له تطرفاً. ولفحص التناسق في هذه الفقرة ومدى إتساق مضامينها يمكن إستعمال الأسئلة التالية:
     ما هو موقف الدولة من الصلاة في أوقات العمل أو في وقت الدراسة والمواقف الدينية أو غير الدينية للمعلمين؟
     ماهو موقف الدولة من جمع التبرعات وجمع النذور والزكاة وإستثمارها؟ أو الفوز بها؟
     ما هو موقف الدولة من الوصاية الدينية على الحريات الشخصية والعلاقات الجنسية؟
     ما هو الموقف الديني من قضية حرية الطبقة العاملة أو من العلم التطبيقي لتحريرها وهو الشيوعية؟
     ما موقف الإسلاميين أو الكاثوليك من نظام الربا والفائدة يرفضونه في البنوك ويطبقونه في سوق العمل؟
     ما هي أهمية نقد الفكر والتاريخ الديني؟
     هل يمكن تفكيك العداء التقليدي بين الشيوعيين والإخوان على أساس قناعات بأهمية الدين؟ دون أهمية الثورة؟

    ربط التطرف الديني أو غير الديني بمركب الشعور بالنقص يقود بصورة موجبة إلى مجال علم النفس الجماعي أو السياسي وهو مجال وارف بنظرياته وتطبيقاته رغم فشله في الحد من هذه الظواهر وإنهيار تجاربه الأولى منذ عشرات السنين! وهو الآن سيد بمجالات علوم توجيه السلوكيات والإدارة والتسويق والحروب والسيطرة النفسية. ولكن هناك مشكلة في تناول التطرف كحالة مرضية وتكمن هذه المشكلة في تحديد طبيعة التطرف نفسه: فجميع الرسل(ع) والثوار أتهموا بالتطرف والنقص والجنون، والحسين بن علي والثوار من آل البيت (ع) كانوا متطرفين في الأخذ بالحق، وكذا قادة الثورات الرأسمالية ضد الإقطاع كانوا متطرفين، وأيضاً قادة الإشتراكية العلمية والتحرر الوطني كانوا متطرفين: ماركس وإنجلز متطرفين، والرفيق لينين متطرف، وتروتسكي متطرف، وماو متطرف، وجيفارا متطرف، وعلي عبداللطيف متطرف وعبدالفضيل الماظ متطرف وعبدالخالق متطرف، وهاشم العطا متطرف، وأبو شيبة متطرف ، وجورج حبش متطرف، ومانديلا متطرف وكل الأنظمة الليبرالية الأوربية والأمريكية أسسها ثوار كانوا متطرفين جداً ضد الأنظمة الإقطاعية وضحايا التطرف الليبرالي منذ ثورات شمال ألمانيا وهولاند وإنجلترا ثم الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية والمضاعفات الرأسمالية والإستعمارية لهذه الثورات قد تصل حصيلة ضحاياها منذ حوالى سنة 1500 وإلى الآن إلى حوالى ثلاثة بلايين نسمة، والموضوع لم ينته بعد، فهناك بالطبيعة نقص إجتماعي في النظام الرأسمالي يحاول سده بالعنف المعنوي والمادي وتقابله الشعوب أو بعض المجتمعات والفرق والأفراد بعنف مضاد سواء لوعي متناسق أو لوعي مشوه زيف بحقيقة مصدر مشكلاتها وطبيعة حل هذه المشكلات ولوازم هذا الحل وأسلوب تنفيذه.
    الأفضل لتناسق الفقرة معالجة النقص الأساسي في النظام الإجتماعي، بطريقة ثورية، فالمسكنات والمخدرات والأفيون لا تفيد كثيراً في علاج الأمراض المستعصية ومنع تفاقمها، ومادامت خلافات البشر لا تأتي من نصوص الدين بل من ظروف الحياة البشرية وطبيعة إمتلاك موارد حياة الناس في القرى والمدن وإحتكار هذه الموارد لقلة تستغلها وحاجة الناس بصورة تجارية،لذ تبقي الثورة الشاملة هي العلاج الأنجع لجذور المشكلات التي تأخذ شكلاً ثقافياً أو دينياً.

    أسلوب المقاومة السلمية في الهند لم يؤت ثماره في المدن إلا مع تصاعد النضال المسلح في أرياف الهند ضد الإستعمار الإنجليزي، وتغليب هذا الأسلوب الصوفي أمر صعب بحكم طبيعة الحياة وتفاقم الأزمات، فهل نحصر معالجة الأمور الدينية وأزماتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي تفرزها في المنطقة والسودان منذ أقدم العصور وحتى الآن في مجال الدراسات والبحوث، والحوار الواسع مع بعض المثقفين الدينيين الذين يقبلون بالحوار دون نتائجه أم نتجه إلى تغيير الظروف المنتجة للشكل التجاري أو السياسي من التدين؟

    التفاسير القريشية التجارية للدين التي حولت العقيدة الإسلامية وحرفتها من مجال للإسلام من الجوع والإيمان من الخوف ونشاط جهادي للحرية ومحاربة "الطاغوت" (= مشاركة الربوبية صفات التحكم في أرزاق أو أفكار الناس) وحولتها إلى مجال للغنائم والفيئ والرزق الحسن والإستبداد و"الملك العضوض" والجواري والعبيد تحتاج إلى جهود الإصلاح الديني والعلماني لشأنها، ولكن تبلور وتكون الإعتقادات الدينية عامة مع تطور العمل وتعدد قدراته ومنافعه وتقسيماته وتحولها إلى دين وإلى تفاسير دينية تتدخل في فهم الناس للطبيعة والطبيعة الإجتماعية والحرية والكرامة الإنسانية بصورة كثيفة لا يمكن تقويمها بمجاراة ومحاباة بعض الإصلاحات والتيارات "المستنيرة" في نفس الظروف الإقتصادية السياسية والتناقضات الثقافية التي تولد عشرات التيارات "الظلامية" و"المتطرفة" و"الإرهابية" التي تستأثر بمشاعر الجماهير الكادحة وأرائها، لا لأموالها التي دخلت دوائر التجارة الدولية وثبتت، بل لقوة تلك التيارات في الهجوم على أعدائها، والهجوم على الأعداء هو عنوان وميسم صدق تفتقده الناس، أثرياءهم وفقراءهم، وتظهر في الوله بهذا الصدق مركب نقص كبير مثلما الذي يظهر في حبها وتطرفها لكرة القدم في تعويض لعجزها ونقصها في مواجهة الأعداء، ولو كان ذاك الصدق وتلك العداوة شكلاً ومظهراً (فارغاً) أو خاطئي موضوعيةً، كانت جماهير المدن في الستينيات تشجع الأحزاب الشيوعية لعداوتها أمريكا، ولذا تشجيع الإعلام الإمبريالي للهوس بالرياضات السجالية وغمره الأعمال الثقافية الجادة، وكما نبهت الأراء يظهر ذلك التطرف أو الهوس الديني في حالة عالمية ممتدة في كل البلاد وفي كل الإعتقادات من الإتحاد المسيحي في أمريكا، والأحزاب الصهيونية الدينية والعلمانية في إسرائيل، وليس نهاية بالأحزاب المسيحية والوطنية وتياراتها النافذة في الأحزاب (الإشتراكية) الديمقراطية في أوربا ولا آخراً بالعديد من التنظيمات الإسلامية في الشرق الأوسط والسودان، ولا نهاية بمتطرفي الفالكونغ في الصين أوالحقيقة الكاملة في اليابان أو بجيش الرب.

    ورغم إن كثير من هذه التيارات كغيرها من التيارات السياسية فيها (إن) إستخباراتية فلهذه التيارات أيضاً وجود في هذه أو تلك من الإستخبارات، ولكن الناس في معمعة نظم كاملة من الأكاذيب العامة والعالمية منصرفون عن هذا الشان وقد شغفوا بالصدق في محاربة الأعداء وولهوا به مثلما أحبوا في القديم وقت الهزائم العسكرية والسياسية الساحقة الأحزاب الشيوعية وبذلوا لأجلها النفس والنفيس قبل أن تتحول عن الصدق الثوري في مواجهة أعدائها بتكاليفه الباهظة وتضحياته الجسام وتنحرف إلى خانة السياسة البرجماتية والإصلاحية التي يرى الناس في حلبتها من هو أخبر بأكاذيبها وأنفع لمصالحهم من مستجدي المداورة.

    وجهة فوز التطرف بثقة الناس الإنتخابية من إيران إلى الجزائر إلى تركيا مصر والأردن وفلسطين ولبنان وأندونيسيا نجد إن مفاهيم الوسطية تضم بطبيعتها تطرفات مختلفة يسارية ويمينة، إيمانية وعقلانية في آن واحد ولكنها بذلك تفتقد الصدقية، وثقة الجماهير، مما يظهر تنافر الفقرة 6 في تحليل غربة التطرف بكشفها غربة العقلانية. وكذا يفتقد الإتجاه الموجب للتحليل النفسي لظاهرة التطرف في الدين أو غيره عنصراً مهماً هو تحليل عنصر "التساهل" أو"المهادنة" وما تحمله من عناصر الهزيمة والإنسحاق، أو التربص والغيلة والغدر. وكذلك تحليل "قرع الخصوم وتوبيخهم" وما فيه من دالات نفسية خطيرة مثل "الإحتقار" و"الإهانة" التي لها أصولها في نفسية كل مجتمع. وفي هذا الشأن إهتم جانب من الأراء بشكل عقلاني بما تثيره أو أثارته تصرفات عدم الإحترام من ضغائن وعداوات عرقلت عمل الحزب.


    إن الحديث عن وسطية الدين أو التدين أو عن ثنائية الإستنارة والتطرف لا يتيح مجالاً علمياً أو لحرية النقاش لمواجهة الفروق الموضوعية بين الفهوم الدينية للحياة والفهوم العلمية للحياة والطبيعة الموضوعية العلمية-الإجتماعية لفهم أزماتها وحلها والخير العميم في ذلك، مما يشير إلى المهمة الجسيمة التي تواجه الناس أجمعين ملحدين كانوا أم مؤمنين في تحويل الإيمان الديني بأشكاله أو اللاإيمان بأشكاله في السودان والعالم إلى مهام ونضالات للعدالة الإجتماعية السياسية منها والطبقية وإزاحة النظم التي تنتج الطواغيت وكسر عملية الإستعمار العالمي الحديث في أضعف حلقاتها.

    إن تحريم الإلحاد في الحزب والحياة السياسية للشيوعيين السودانيين على بساطتها وثراء قناعاتها وعمق تضحياتها فيه تعارض مع حرية العقيدة وحقوق الإنسان وكرامة عقله وفهمه لطبيعة الحياة إما بوجود إله أو مصدرمحرك لحروبها وأمراضها وكوارثها ورؤوس أموالها أو وجود فرقة أو جماعة أو مجتمع يمكنهم بالعقلانية والرشد الإقتصادي الإجتماعي السياسي والجوانب العقلانية والتقدمية في ثقافة المنفعة الوصول إلى تحديد المشكلات الأساسية التي تواجههم وإلى فهم لطبيعة الحلول المناسبة لعلاجها، وإلى تلبية الحاجات المادية والثقافية لحرية الإنسان وكرامته، دون أن يكون مؤمناً بالألهية أو بالديانات أو حتى بنظرية معينة للوجود مثل كثير من العلماء المحترمين.

    إن الربط العفوي بين الإلحاد وسوء السلوك والتحلل الإجتماعي خطأ شائع مثل الربط بين الشيوعية والإلحاد يفسد تناسق أراء الفقرة عن إحترام التدين ومغزاها العام العميق عن إحترام حرية العقيدة، فالإلحاد لا يعني رفض حرية التدين، أو حرية الإعتقاد، أو محاربة القيم الأحدية أو الجمعية في السلوكيات الإجتماعية، وكثير منها زيف وقشور، وهو كذلك لايعني محاربة النظام الإجتماعي أو أصوله أو أشكاله، بل هو جزء أصيل من الفهوم المختلفة للحياة والطبيعة ليس على أي إنسان ولو كان رئيس طائفة دينية أو رئيس دولة أو رئيس حزب أو مواطن أو لاجئي سوى إحترام صاحبه وتقدير خيارات الشخص الملحد بصورة موضوعية دون تمييز عنصري بين المهندس المؤمن والمهندس الملحد، فإن لم نحترم حرية الإيمان وحرية عدم الإيمان فكيف نطالب الأغلبية بإحترام حقوق الأقلية في أي مجال آخر؟

    في كثير من التنظيمات تتحد الأفكار الدينية السياسية، بحيث تبقى مهمة فرزهم والصياح بنقاء الدين تمثل عبثية سياسية، كذلك في الجانب الآخر للمسألة تبقى عملية دغم الإلحاد وربطه بإنهيار القيم السلوكية في المجتمع أو الإنحلال الإجتماعي، فقد كانت الدولة علمانية بمعنى ملحدة في إصطلاحات الإتحاد السوفييتي(سابقاً) ولم تزل، كما في أمريكا وفرنسا، وكانت الناس في درجة عالية من الإحترام سوى ظاهرة الكحول وهي ظاهرة شعبية قديمة، لكن التحلل الإجتماعي نبت بقوة بعد حل الإتحاد السوفييتي والتخلص من عناصر التماسك والتعاضد الإجتماعي، ووقت كان الإتحاد السوفييتي في إلحاده كانت الجوامع والكنائس والسيناغوغات مليئة يلتمس فيها أهل الإيمان التقوى من الزيف الذي كسى الإشتراكية العلمية وتغلغل فيها بعد المؤتمر العشرين سنة 1956 وإنقلاب طرد البلاشفة سنة 1957، والآن في عهد حرية السوق والثراء السريع إنفرط التماسك الإجتماعي وخلت بعض الكنائس والجوامع من الرواد والمؤمنين بينما إزدحم بعضها الآخر بـ"المتطرفين"، وأضحت المدن السوفييتية المهيبة ككل المدن الرأسمالية ملئية بالإعلانات الفجة وديانة المتعة والملاهي الليلية والدعارة، والمخدرات، كذلك في السودان زادت هذه الظواهر مع زيادة النشاط التجاري وتطوير الدورة الرأسمالية للتناقضات الثقافية والإجتماعية مع وبإمتلاك أقلية لموارد ووسائل معيشة الناس وفرضها (الديني) للجبروت والعنف اللفظي والمعنوي والمادي على حياة الناس رجالاً ونساءاً حتى أضحى ديدن كثير من الناس المؤمنين والملحدين البحث عن السلوان وعن الحنان وعن المتعة وإستخلاصها بمزآج أغرم بإنجاز لذة المغامرات الصغرى وإخراجها من تلافيف أو من عيون مشروع الإيمان الحضاري وتفتيحها سمندليات وجلنارات في "المطارات" وفي جلسات السمر أوالتحليق، في سلوى أو غذاء فقير للإيمان بالروح السليبة.

    إن الإلحاد أو الإيمان ليس صنواً بتماسك أو بتحلل الأخلاق: فأكثر خلفاء الدولة الإسلامية هم كما تعلمون، وكذلك كثير من الباباوات ورجال الدين وأباطرة المسيحية، وقادة بعض الأحزاب الدينية في إسرائيل وهي دولة دينية يهودية وإن رفضها بعض "المتطرفين" اليهود (طائفة الناطوري كارتا التي كان لها ممثل في منظمة التحرير الفلسطينية آيام المرحوم المتطرف سابقاً ياسر عرفات) كذلك كثير من ملوك وأمراء وقادة العالم الإسلامي كلهم لهم أخطائهم العامة والخاصة التي لا علاقة لها بالإيمان أو عدمه إلا إلتباساً، أما ما تسميه الأراء "التحلل الأخلاقي" –فلمصلحة تنسيق هذه الأراء- لابد من التذكير بكونه حالة عامة لفقدان القيم والنظريات الموجهة ناتجة من الإغتصاب الإقتصادي الإجتماعي السياسي والثقافي الذي تمارسه القوى الحاكمة ضد القوى والطبقات المحكومة: إذ تحصرها في زاوية، وتجردها بقوة من قيم عملها ومن قيم وجدانها، وتغتصبها، ثم تأخذ في تكرار هذه العمل الوحشي بشكل مستمر يومياً يحسه الناس ولكن أكثرهم عنه معرضون، لما طالهم أو قد يطولهم منه، وحل هذا التحلل الإخلاقي يكمن في القضاء على مصدره الرئيس وهو نظام التملك الخاص للموارد والمنافع العامة، وهو حل يتسنى فقط بالثورة الشاملة على نظم الإغتصاب هذه لا توقيرها ومهادنتها، وبما في تلك الثورة من نقد المفاهيم الدينية التي تغبش الوعي الموضوعي أو الوعي ثوري بحقيقة المآسآة الإجتماعية.

    إن القلق على إحترام التدين أو القلق على النفس من عدم إحترام التدين، والضجر من تفلت السلوك الجنسي والتجاري وإنحدار الإحترام في التعاملات الأسرية في المدن وإنفكاكها من قيود هيئات المجتمع والدولة ونظمها، يجافي السكوت المريب عن الظلم والإستغلال اليومي للناس في مجالات المعيشة وعن الفظائع التي ترتكبها القوى الحكومية وأوليائها بما يطرح مسألة أخلاقية الحديث الكثير عن الأخلاق بهذا الشكل المتنافر وغياب أو تغييب المعيار الموضوعي لرصد وتحليل وفهم الظواهر والتعاملات الإجتماعية في تماسكها أو في تحللها وتوضيح مواطن الخلل وأشكال معالجته الجذرية، وهو معيار كانت تتيحه كثير من الدراسات الإجتماعية الماركسية والماركسية اللينينية ومتوالياتها، ولكن....

    جهة التعامل مع الكليات النظرية والمعان الدائرة كانت العرب تفضل لأبناءها قبل تحفيظ القرآن أن يمتلكوا بالشعر وحكمة البادية سعة فهم يدركوا بها معان القرءآن، كذلك فإن إستيعاب الدين كعامل للثورة ومضاد للقيم الرأسمالية والإقطاعية أو بصورة سلب كعامل مكرس لهذه القيم، يقود إلى ضرورة المعرفة المتناسقة للحياة ومنها معرفة كل وجه من وجوه الدين الأساسية والخبرة بالوجوه التقدمية لتخديمه والوجوه الرجعية، وهو سلاح ذو حدين لابد لحسن إستخدامه في مجتمع متناقض الطبقات والمصالح من التأهل له بعلم تحرير الطبقة العاملة وعموم الكادحين وهو الشيوعية وإدراك طبيعة قضايا المجتمعات وتعلقها بعصب الحياة وإدارة مواردها وتوزيع جهودها ومنافعها بميزان معاملات قاسط لا تبخيس فيه لقيم العمل أو لحقوق العاملين وإدراك طبيعة النضال الثوري لتحرير البشرية من صنوف الإستبداد والقهر والإستغلال والتهميش كأشرف مدرسة أخلاقية على وجه الأرض عرفت في التاريخ كرستها مبادئي الديانات القديمة والفلسفة العلمية الحديثة بصورة لا تحدها عنصريات بعض المفاهيم الدينية أو الإجتماعية والسياسية ضد الأديان الأخرى أو ضد النساء أو ضد الثورة لأجل الحقوق العامة، نأهيك عن حقوق العبيد في الثورة على أسيادهم ونيل الحرية منهم بالثورة ، مثلما لاتحدها المفاهيم العقلانية أو المستنيرة حيث كانت مدرسة النضال الثوري أفضل مولدة ومربية لها.

    إن الإستيعاب المفيد لأوليات ومقتضيات التدين ومعاملاته وتحريرها من ربقة الفهوم التجارية الرأسمالية أو الإستهلاكية والفهوم السياسية المرتبطة بها تتطلب ماركسيين لينيين قادرين على ربط الدين بقضية حرية الطبقة العاملة وعموم الكادحين-وهم عصب حياة المجتمع- من الربا الطبقي، وتحرير الناس من مؤسسات ومكونات الإستكبار المحلي والإستكبار العالمي.

    7- المسألة القومية :
    أشار المساهمون إلى ((عمق جذورها الإقتصادية الإجتماعية الثقافية-الدينية وإن حلها الشامل متصل بتحديد الهوية القومية والثقافية لسكان السودان)) وفُصل ذلك بـبرنامج لحلها إحتوى نقاط كبرى هي: 1- الإقرار بالتعددية الإثنية والثقافية والدينية، 2- فصل الدين عن السياسة والإلتزام بحقوق المواطنة، 3- دستور ديمقراطي يتضمن حق تقرير المصير والحكم اللامركزي أو الحكم الذاتي الإقليمي 4- التنمية المتوازنة واضعين في الإعتبار المناطق المهمشة واضعين في الإعتبار ما سمي في الملخص بين قوسين (مناطق الأقليات)، نهضة ثقافية تبدأ بمحو الأمية ونشر التعليم في المناطق المظلومة وإدخال موروثاتها وثقافاتها في دائرة الضوء.)) وفي الملخص الأول ((..مع طلائع القوميات المهمشة في بناء السودان الواحد على أسس الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان))

    ملاحظات حول تناسق عناصر أجزاء المسألة القومية في الفقرة رقم(7):
     الإقرار بالتعددية الإثنية والثقافية والدينية يفتقد الإقرار بعنصر التعدد الطبقي الذي يلزم ذكره هنا لعلاج جذور الأزمة
    فالأحدية والسيادة الإثنية والثقافية والدينية لم تتكون في السودان أولاً بشكل عنصري بل بشكل طبقي.
    أما إن الحل الشامل للمسألة القومية متصل بـ((تحديد الهوية القومية والثقافية لسكان السودان)) فهو دورة كلام حول نفسه من شاكلة حل الأزمة الطبقية بمعالجة القضايا الطبقية! أو حل الأزمة في التعليم بمعالجة قضايا التعليم! وحتى البرنامج الموضح أعلاه لا يحل أي الأزمة القومية، لأنه لا يعالج الأزمة من جذورها التاريخية الطبقية بل من ظواهرها الحديثة في الدستور والتنمية وطبيعة الحكم، وهو إتجاه مفيد وعملي في الحد من تفاقم الأزمة، مثل الحل القديم لقضية الجنوب بحكم ذاتي إقليمي سوى ان البرجوازية الصغيرة والكبيرة أكلته قطعة قطعة تلبية لمصالحها الطبيعية.

    في ذلك من المهم إستعراض بعض الأوضاع العالمية البارزة في موضوع تكون الدولة القومية أو المتعددة القوميات والعطب الكامن فيها والظروف الإصطناعية لحياتها ومهم تقديم أمثلة مهمة لهذا الموضوع الذي وردت وستظل الآراء ترد بشأنه والأمثلة من بريطانيا وأمريكا وفرنسا والإتحاد السوفييتي وجنوب افريقيا ونيجيريا والسودان:

    تكونت نظم الحكم المحلي الحديثة ببروز نشاط الحرف والمطالبة بالحقوق ضد الإقطاعيين، وأخذ أشكالاً متنوعة منها:
    تبلور الحالة القومية في بريطانيا الذي بدأ مع إستعمار (الإنجليز) القادمين من شمال ألمانيا وجنوب الدنمارك وفرنسا لـ(إنجلترا) ثم شمل إستعمارهم ويلز وأسكوتلاند وآيرلندا وجزء كبير من العالم مكونين ثروة لا علاقة لها بالنظام (الديمقراطي) الذي ظهر منتصف القرن 19 بل بل ثروة بريطانيا من تجارة العبيد وما وفرته من إمكانات للإستعمار والصناعة والإستعمار الحديث مما وسع قدرة المركز فيها خلال القرنين الأخيرين على نقد المجالس المحلية أموالاً لإدارتها وظل بناء المستشفيات والمدارس والمساكن العامة مرهوناً بما يحدده المركز، عدا بعض الدوائر الخاصة، ومع ذلك تقدمت الحركات القومية بمطالب الإستقلال من إيرلاند إلى أسكوتلاند مروراً بويلز كاشفة إطفاء ثقافاتها والنهب الذي تعرضت له مواردها.

    الثورة الأمريكية إنتهت إلى مجموعة الدول المتحدة الـ13 الواقعة في الساحل الشمالي الشرقي وهي ذات حكم مركزي ، وإلى إتحاد أو كونفدرالية لدول الغرب والجنوب المستقلة كل منها بشؤونها، وتم توحيدهما بضم الدول الكنفدرالية إلى الدول المتحدة بالقوة الحربية في خمسينيات القرن التاسع عشر بأوضاع قلقة لأول القرن العشرين لا تحريراً للعبيد من سخرة دول الجنوب الكاثوليكي الآيرلاندي اللاتيني للعمل في مصانع الشمال الإنجليزي-الهولاندي الألماني البروتستانتي بل لأن إنتاج الجنوب الرخيص بهذه العبودية كان مصدر ضعف لبرجوازية الشمال وحتى لبريطانيا إضافة لميل تحالف نيويورك وقوى السيتي والمال في لندن إلى كسب مناجم الثروات وحقول النفط في داخل المكسيك وبكل إنتهى أمر اللامركزية والحكم الذاتي في أمريكا إلى سيطرة رأسمالية زوج مركزها سيتي نيويورك وسيتي لندن، ومداها العالم كله.

    في فرنسا في بواكير وبدايات الثورة من 1785-1792 تبلورت اللامركزية الإدارية في كل منطقة وبمحتوى طبقي عمالي-برجوازي متقدم ولكنها إنتهت لإنقلاب البرجوازية الكبيرة عليها عبر نظام مجلس القناصل وتصعيدها نابليون من خلاله لنشر الليبرالية والحريات العامة بالقوة في عدد كبير من الدول الأوربية -بدعم إنجليزي- وبهذه السياسة العسكرية للرأسمالية التي كرستها المصالح المالية للرشالدة في فرنسا وإنجلترا إنطفأت شعارات الحرية والتعاضد والإخاء والمساواة وإنتهى الحكم اللامركزي لفرنسا إلى مركزية شديدة وأضحت ككل أوربا الإستعمارية تعيش أقاليمها وتدعم المزاعين والعمال والإداريين فيها بخيرات الإستعمار القديم والحديث دعماً ملحوظاً في السلفيات والديون السهلة.

    أما إتحاد السوفييت فبعد قيام الثورة الشيوعية بإشاعة الأرض لزارعيها والمصانع لعمالها ومنح كل السلطة للمجالس الشعبية (السوفييت) والتوسع في الإعتراف للمناطق بالحكم الذاتي والجمهوريات ذات الإستقلال الإتحادي إلخ ، أكلت الصراعات القومية الثقافية رأس الإتحاد بتطورات الصراعات الغليظة والدقيقة بين طلائع قواه الثلاث الكبرى التي أسست الثورة وهي قوة الروس الفلاحين والعمال والطبقة وسطى، وقوة الكادحين في مناطق قوميات وقبائل المسلمين، وقوة اليهود الذين كان لهم قبل الثورة وجود كبير بين العمال الحرفيين والعلماء والطبقة الوسطى والكولاك أغنياء الزراعة ومرابينها. فبعد إنحصار القرار السياسي بفعل التناقضات الداخلية والخارجية والحروب في قمة الحزب وإجتماعاته وغرفه المغلقة، تفاقم ذلك الصراع القومي الثقافي بشكل سياسي منذ أيام نزاع الإشتراكيين والشعبيين ثم نزاع الإشتراكيين الديمقراط (تروتسكي) والثوريين البلاشفة (لينين) وبعد فوز البلاشفة وركوب الإشتراكيين معهم سفينة السلطة نشأ نزاع الإشتراكيين الديمقراط المناشفة المدينيين مع القائد البلشفي (الفظ) ستالين وقواه الريفية، وإنتهى الصراع بينهما بوفاة ستالين وإستيلاء المناشفة على أمور الحزب والإتحاد وإعادتهم علاقات النقود-السلع التي زادت فوارق السلطة والمعيشة وفككت الأيديولوجيا والحزب والإتحاد.

    أما في جنوب أفريقيا فقد مر تكون "إتحاد" جنوب أفريقيا بمراحل بدأت بالإستعمار البرتغالي فالهولاندي فالإنجليزي بتحول دفة يهود الإندلس من البرتغال إلى هولاندة إلى إنجلترا عبر فترة مرت فيها هولاندة نفسها بتطورات سياسية ، وإنتهى الأمر بعد حربين إلى تقاسم الهولانديين القدماء والمحدثين سلطات البلاد مع الإستعمار الإنجليزي الحديث، وبوضع خاص لبعض المناطق الثرية بالمناجم. ورغم الإستقلال عن بريطانيا في الخمسينيات فشلت تراتيب ماسمي بإسم "المناطق الخاصة" أو الباتستونات و"التنمية المستقلة" في ضمان حكم المجموعة العنصرية الفاشية والتغلب على نضال الأغلبية التي منعت عن الحقوق الديمقراطية لأسباب واهية مثل "الجنسية" "الوضع الإداري" لشكل أو منطقة الحكم أو "الإقامة"، وفي سنة 1994 جاء إلى الحكم المؤتمر الوطني الأفريقي مكوناً من النقابات والحزب الشيوعي والمنظمات والقوى الإجتماعية والمدنية، لفوزه بالإنتخابات الحرة بعد تسوية دولية ضمنت حرية البيزنس وأملاكه مقابل ضمان مكاتب الحكم والوظائف العامة لغالبية السكان، فلم يتغير الوضع بعمق، والإضرابات والمظاهرات متصلة .

    في الولايات المتحدة النيجيرية كرس الإستعمار الإنجليزي الوضع القديم للممالك وإعتنى قليلاً بأصدقائه، وكانت نتيجة التطور المتفاوت هي حرب بيافرا بعد الإستقلال، ورغم الولايات والحكم الذاتي والشعبي إلخ فمازال الحكم المركزي هو الذي يحدد إتفاقات النفط والتوزيع الأساسي لعائداته. وكذا حال السودان أكلت مركزية السوق والسلطة لامركزيته.

    المسألة إذن ليست في إقرار هيكلة أو حقوق، مع أهمية ذلك، بل المحاور الرئيسة للحركة القومية تتحرك وفق ثقل "علاقات السلع – النقود" وتتوازن بحسن توزيعها ولذلك يلعب التقسيم العادل للموارد دوراً مهماً في تكريس إمكانات حل قومي، ولكن أيمكن لحكومة مركزية غير قومية كحكومات السودان المألوفة أن تكرس هذا الحل أو أن تستمر فيه؟؟

    8- القضايا الإجتماعية:
    تناولت الفقرة عدد من القضايا الإجتماعية المختلفة الأبعاد وهي قضايا ((المرأة ، التعاون، الرياضة، الشباب، منظمات المجتمع المدني، النزوح والهجرة ))

    الملاحظات حول تناسق الفقرة رقم (8) المتعلقـة بالقضايـا الإجتماعيـة:
    1- حول قضية المرأة وأبعادها:
    ((إقرار بما ورد في المبادئي الموجهة والتنبيه إلى أهمية دراسة الواقع وإلى إن القضية لا تحل إقتصادياً فقط ولا تحل تلقاء ذاتها [بل عبر] التمسك بالحقوق التي كسبتها ومحاربة إرجاعها للبيت، نهضة المرأة لا تتم بمعزل عن المجتمع وتتحقق بسلطة ديمقراطية، تحتاج لخبرات تنقل عبر مكاتب تضم الخبرة والجيل الحالي، برنامج لإستقطاب النساء))
     الملاحظة:
    يلاحظ إفتقاد النظرية الموجهة والدراسة المطلوبة لصحة المناقشة رغم وجود كثير من الدراسات والإسهامات، إضافة إلى وضع قضية المرأة بمعزل عن القضايا الأخرى في التعليم والإقتصاد والسياسة أو بتناول طفيف لها كما لايوجد حديث عن تكريم رائدات العمل النسائي والإتحاد النسائي في الأرياف والمدن والقطاعات المختلفة.

    2- حول قضية التعاون:
    ((نقد لإهماله في المبادئي الموجهة، وأهمية دراسته وفحصه، وتوضيح كينونته الإقتصادية الإجتماعية ودوره الفاعل كأحد المكونات الأصيلة للمجتمع المدني.))
     الملاحظة:
    الوضع العائم للتعاون في هذا البند العمومي جداً، عدم التعامل بجدية مع الدراسات الكثيرة عنه والرسائل الجامعية والخبرات الحية التي رسخته، إضافة لأهمية الإفادة من من الدراسات والخبرات الكبرى في العالم بشأنه مثل خبرات الإنتاج الهولاندي والألماني والبريطاني والسويسري والسويدي والنمساوي والصيني والكوري إضافة للخبرة السوفيتية بعهديها في عهد ما قبل العلاقات السلعية النقدية1930- 1955وفي عهد علاقات السلع والنقود من 1956-1991.

    3- الشباب:
    60 % من السكان والحاجة للهم بهم، وإستنفار القاعدة الشبابية وتبصيرها بنضال الحزب
     الملاحظة:
    ضآءلة الفقرة عن الهم بمشكلات 60% من السكان بتجاهل قضايا النظرية الثورية والتمرد الإجتماعي المنظوم، وقضايا الثقافة المهيمنة وقضايا التركيبة والتحولات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، وأزمات التطور الجماهيري وقضايا التاريخ والوجود القومي والفردي وطبيعة الحقوق والحريات والنظم العامة التي يحتاجها الشباب والأنشطة المفيدة لهم ولمصالحهم والعلاقات التعليمية والإنتاجية التي يحتاجونها لدفع كل هذه المسائل إضافة لمشكلات الإغتراب والإستلاب ومشكلات العلاقات بين الجنسين ومشكلات الأسر الجديدة إلخ كلها مفقودة وكان يمكن أن تعطي لهذا الفقرة قيمة أكثر .

    4- منظمات المجتمع المدني:
    منظمات المجتمع المدني والشباب والنساء والهم بقيام أشكالها الحرفية والمهنية برؤية واضحة لكيفية إدارة هذا القطاع، والحفظ على اهليته وديمقراطيته
     الملاحظة:
    فقر الفقرة رغم كثرة الإسهامات في هذا المجال، وعدم ربطها بين النظام الإقتصادي وعلاقاته وحيوية هذا القطاع أو تقوقعه وتكلسه ومواته، ومدى تشكيله لعلامة عافية في المجتمع أو علامة مرض، كما لم تهتم الفقرة بأي رؤية لمعالجة الأزمة الفكرية والسياسية لنشاط المجتمع المدني بشكل ديني أو للنشاط الديني في شكل مجتمع مدني، وفي كلٍ لا توجد إشارة للدور السياسي للدولة جهته أو منه جهتها، أو لطبيعة علاقته بالقطاعات الإنتاجية العامة أو الخاصة أوالتعاونية، أو لطبيعة علاقاته المحلية أو الدولية وتقويم الإفادة بها أو حتى الضرر منها، ومدى تشكيله في المجتمع لفرع عمل خاص بأجوره وإمتيازاته وعلاقة ذلك بقوانين العمل، وقوانين تنظيم الجمعيات ومدى توفيرها الدعم والحريات المناسبة له أو مدى وقايتها له من الأضرار المتحققة على أهليته وديمقراطيته وماهي الخبرات الدولية الأنسب في كل مجال للتعامل معها؟ الأمم المتحدة والمنظمات ملحقة بهيئاتها؟ منظمات الإتحاد الأفريقي أوالإتحاد الأوربي، أو الصين ؟ ؟؟

    5- مشاكل النزوح والهجرة:
    ((تنظيم الهجرة والدخول للبلاد بصورة محكمة، والنظر في عودة النازحين من البلاد المجاورة إلى دولهم))
     الملاحظة:
    لا حديث عن السياسة الخارجية للدولة وتأثيرها في عمليات الحروب والسلام في الدول المجاورة وما ينتج منها من لجوء إلى السودان أو عودة من اللجوء ولا حديث عن حقوق اللاجئين في السودان أوعن أجهزة تختص بالعناية بهم ولا حديث عن اللجوء من السودان إلى دول أخرى وقوانين وأعراف التعامل الدولي في هذا الصدد، ولا حديث عن قيمة العمل المنتج الذي يقدمونه ولا عن الفقر في إستثمار طاقاتهم وطاقات السكان بصورة عادلة، ولا عن قوانين العمل المعطلة فعلياً ولا عن المستوى العالي للهجرة من السودان لرداءة علاقاته الإنتاجية والسياسية، ولا حديث عن التضامن مع قضايا اللاجئين الأساسية والمعيشية في فقرة تذكر بالكشات العنصرية في الدول الأفريقية والعربية، وهي لاتصلح بهذه الصورة إلا أن تكون ضمن برنامج حزب فاشي عنصري، في قديم السودان أتى أبناء هاجر النوبية ضيوفاً إلى السودان وإستوطنوه الآن أضحوا يطردون الناس منه!

    9- العلاقات الخارجية:
    (( على أساس مصلحة الوطن، والحزب يتخذ فيها قراره بحرية، توضيح الرأي بحياد تام جهة الأحزاب والشعوب التي يجمعنا بها تضامن وتوجه فكري واحد، تقييم ونقد التجارب السابقة، مواصلة تقاليد التضامن إنهيار المعسكر الإشتراكي لا يعني إنهيار العلاقة مع الشعوب ))
    الملاحظة على الفقرة رقم (9) حول العلاقات الخارجية:
    لا بد أولاً من تحديد طبيعة الوطن، وطبيعة الحزب، وطبيعة العلاقة الخارجية المعنية، فدون ذلك قد يستوي نظام الجبهة والدولة في السودان وقد يتمايزان بسهولة أو بصعوبة جهة هذه القضية أو تلك، ولكن هل من مطالبة بنظام عالمي جديد؟ أو بنظام إقتصادي دولي؟ أو بنظام إعلامي جديد؟
    ما الموقف من (تعديلات) نظام هيئة الأمم المتحدة؟ أو مناقشة الطبيعة المحبوسة للجنة حقوق الإنسان في جنيف؟
    وأسئلة أخرى مهمة في مجال العلاقات الدولية مثل:
     طبيعة التعامل مع عقود شركات النفط أو المشتروات العسكرية وإتجاهها إلىالشفافية أو السرية؟
     ماهية طبيعة قبول وتوجيه بعض الإستثمارت الكبرى ؟
     كيف نواجه منافسة تجارية ضارة بالسلع السودانية هل نخوض حروباً تجارية مع دول شقيقة وصديقة ؟؟

    ملاحظات حول النظرة الحزبية الأفضل لعلاقات الدولة الخارجية:
     موقفنا من النشاط الأمريكي المسمى"الحرب ضد الإرهاب" ؟
     الموقف من عضوية السودان وكل الدول العربية الميتة في الجامعة العربية، وكيف يمكن جعلها عضوية فاعلة ؟
     حيثيات نقد الحزب لمواقفه القديمة من الصين؟
     الموقف من القضية العامة التي تواجه الطبقة العاملة في العالم الإستغلال والتغريب والإستلاب؟
     موقف الحزب من القضية الدولية لتعويض أفريقيا عن تجارة الرقيق؟ أثر ذلك فيه داخل السودان؟
     أهمية طرح و(تسويق) مشروع إستراتيجي للعلاقات الخارجية كمشروع "السودان الكبير" مع إرتريا وإثيوبيا وتشاد والنيجر ونيجيريا وغانا وحتى مصر وليبيا؟

    رغم ورود بعض إجابات لهذه الأسئلة في فقرة العلاقات الخارجية إلا إنه لا يعفي هذه الفقرة من التنافر بين طبيعة عنوانها الضخم وفقر محتواها فالعلاقات الخارجية ليست عبارة مبتورة من نوع (وفق مصلحة الوطن) فلابد ان يسبقها تحديد للفروق الموضوعية بين ماهية الدولة؟ وماهية الوطن؟ مما تكمن إجابته في توضيح طبيعة النظام الإجتماعي الضروري لشعور المواطن بأن الدولة المحيطة به هي وطنه فرأس المال لا وطن له والفقير كذلك يفتقد المواطنة، والعلاقة الخارجية الصحية والفعالة لمصلحة عموم المواطنين لا تأتي من سياسة داخلية هوجاء أو غلواء غير متوازنة.

    10- العولمة:
    (( النظام العالمي الجديد واقع مفروض ونحن لسنا ضده ولكن مع مراعاة حقوق الإنسان والسلام وسيادة القانون والديمقراطية وعدم الإستغلال وحماية المستضعفين، لبنة علمية، التعاون الإقليمي، دعم التعاون مع جنوب أفريقيا، التعاون الإقليمي، مجابهة الديون، قضايا الإنتاج والطبقة العاملة المحلية والعالمية، حماية الإنتاج الوطني وسبل نفعه، مواجهة التسلح والتلوث والأمراض، رفض التدخلات السياسية وفرض الإستثمارات نواجهه حسب الحاجة والأولوية))

    الملاحظات على تناسق أجزاء الفقرة عدد (10) عن العولمة:
    1- أهمية التفريق بين العولمة والنظام الرأسمالي العالمي الجديد
    2- التفريق بين المراحل المختلفة للعولمة على الأقل بمعيار الإستعمار القديم والإستعمار الحديث وفيه بين مرحلة بداية وفرض الديون الدولية وبين مرحلة دفع هذه الديون وردها مضاعفة ومرحلة الخصخصة وفق برنامج برادلي ومتوالياته، ومرحلة "الحرب على الإرهاب" الإرهابية الدولية.
    3- التفريق بين موضوعات العلاقات الخارجية وموضوع العولمة كأحد الحيثيات السياسية للعلاقات الخارجية،
    4- الإهتمام بالصين والتطورات الوطنية الديمقراطية في دول أمريكا الجنوبية، وتوسيع الصلات مع الهند وروسيا،

    11- الإشتراكية:
    ((الإشتراكية كعلم غير محدود بكلمة نهائية، وهي باقية برغم إنهيار معسكرها، ببقاء إسهامات ماركس، ووجود الرأسمالية كتشكيلة إقتصادية إجتماعية لها مآسيها ،الحاجة لقيادة طبقية جديدة تعبر عن مصالح العمال والكادحين، بعد فشل القيادات الرأسمالية المدنية والعسكرية في قيادة النهضة الوطنية والديمقراطية، وهي أفق نضال للنهضة الوطنية الديمقراطية، وضرورة التخلص من المفاهيم الساذجة لها، وهي حصيلة نشاط ونضال يومي للإرتقاء بالإنسان، وهي تنمو تحت ظلال الديمقراطية الوارفة، مكافأة الإنسان حسب عمله، وتملك الشعب لوسائل الإنتاج الأساسية، وعدم حبس الثروة [العامة] في يد طبقات معينة نعيد النظر في سلبيات نقدنا تجارب الثورات العربية والأفريقية ونتمسك بما هو صحيح، بفشل التجارب السابقة ينداح أفق بلا ضفاف لإسهام وإبداع كافة المدارس الإشتراكية، الدور القيادي بالنضال اليومي، تراعي خصائص البلاد: السلطة للجماهير وملكية وسائل الإنتاج، التضامن مع الشعوب، الدور القيادي للحزب الماركسي، خصائص الثورة في السودان تنبعث من ثلاثة: الخصائص التاريخية لشعب السودان، خصائص مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، ومدى نجاحها في تطبيق المنهج العلمي))

    ملاحظات حول تناسق أجزاء الفقرة ذات العدد (11) عن الإشتراكية:
    1- الوجود الغريب لفقرة عامة عن "الإشتراكية" دون توضيح لطبيعة هذا الوجود هل هو قطع بنتيجة معينة في النقاش العام؟ أو أمنية لبعض تياراته؟ لماذا لم يتم تعريف "الليبرالية" مثلاً أو "الإسلام" وإن كان في البرنامج مقدمات نظرية فالأفضل أن تكون متسلسلة منطقياً ضمن إطار فلسفي وتاريخي متماسك، يبين طبيعة نشؤها وتميزها عن غيرها من التيارات العدوة أوالشبيهة.

    2- الركون إلى مسألة وجود الرأسمالية ومآسيها لإثبات صلاحية التفكير الإشتراكي العلمي، يجافي تمسك كثير من الأراء الواردة بمعيار التجربة الحياتية لإثبات صحة وقابلية فكرة ما للوجود في البرنامج رغم فشل الديمقراطية أو الرأسمالية ثلاث مرات في السودان! دعك عن مرات فشلهما في بقية دول العالم الثالث. إن العلوم والنظريات الإجتماعية لا تسقط بتجربة أو بعشرة لا إذا تكررت نفس ظروفها إلى درجة التطابق وهو المستحيل نفسه في الحياة الإجتماعية.

    3- الفرق بين إصطلاح ومفهوم "النهضة" وإصطلاح ومفهوم "الثورة" فرق كبير فالنهضة ترتبط بالإصلاح بالإعتماد على ما هو موجود ومتاح في هذا الجانب أو ذاك غض النظر عن إستمرارية هذا الإنجاز مثال له بناء مدرسة في الريف دون كتب أو معلمين أو موارد أو أدوات، أما الثورة فترتبط بالتغيير الجذري لمركز السلطة العامة في المجتمع بالقوة الجماهيرية بتمرد منظوم مسلح نظرياً وعملياً لإحداث تغييرات شاملة متقدمة في طبيعة الحياة الإنتاجية وعلاقات توزيع مواردها وجهودها ومنافعها، والنظام الثقافي والسياسي الحاكم لهم، بعد ذلك كما في الثورة الإشتراكية تبني المدارس والجامعات ضمن خطة شاملة تحددها تشكيلات إجتماعية وحسابية شتى تراعي كثير من الحاجات والقدرات والظروف المحلية والدولية إلخ وحشو الفقرة بهذين الإصطلاحين قد يكون المقصود به سهولة التخلص من الفقرة كلها، وقد يكون ذلك نتيجة تسجيل رأيين حتماً هما في صراع فكري، إن لم يكن الحزب الشيوعي السوداني في حالة زعزعة أو إنقسام.

    4- الإشتراكية كعلم أو بالضبط الإشتراكية العلمية لا تعرف الكلمة النهائية ولكن لها معالم بارزة مثل علامات الحساب في الرياضيات، والحروف والقواعد في اللغة، والرموز والمعادلات في الكيمياء، والأدوات المعينة في العمل المعين، فكذا الإشتراكية العلمية لها علامات وأدوات ومظاهر محددة لا تقبل حالة السيبان الحاضرة وهذه العلامات هي:
    1- المفاهيم المادية الجدلية والتاريخية للطبيعة والطبيعة الإجتماعية على مستوى الفلسفة السياسية وغيرها،
    2- التنظيم الثوري للحزب وفق هذه الفلسفة وتمثلها في أيديولوجيته وبرنامجه وممارساته متصلة بقيم وأحوال تحرير وتقدم الطبقة العاملة وعموم الكادحين
    3- الممارسة الثورية في المستوى العام وتشمل:
    أ- تحديد المنظمة الحزبية لأهدافها العامة ووسائلها وأهدافها الجزئية
    ب- طبيعة تحديد مهامها وأشكال تنفيذها
    ج- عملية متابعتها وتقويمها ونقدهالأوجه القصور فيها
    أما على المستوى الخاص فالمسألة تخرج عن تعاملات السياسة العادية كجمع أو تفريق لمصالح أو جماعة من الناس بفهلوة أوحذق بل تنتمي إلى جانب آخر فيه الملامح السابقة(1-3) فبجانب النظرية العلمية والبرنامج السياسي والعملي والتخطيط العام وخطوات التنفيذ بحيث يرتبط النضال الفردي والنضال الجماعي وينصهر في فعل جماعي (حزبي) مستمر ومتصل إلى الأبد تؤخذ المسألة فيه كبذل وتضحيات وكنضال فيه صور عملية عميقة للتجرد والتضحية والرهبانية أو الفدائية أرسخها ماثل في (جهاز المتفرغين) الذي يواجه وبقدر متفاوت من النجاح المهام الجسيمة المختلفة بتنظيم دقيق للأولويات والطاقات والقدرات، يقدم فيها كل فرد منه أقصى إمكانيات إبداعه في هذا الشأن وفي ظروف غالباً ماتكون خطرة على الصحة أو الحياة. كما إن المسألة برمتها ليست لكل الجماهير العريضة، مع الأمنية بذلك، بل هي للأصلح لأداء هذه المهام الحزبية أو تلك ومدى همه بها دون سواها من مشاغل الحياة ومباهجها.
    4- بعد هذه الأسس والعلامات النظرية والعملية التي تفرق "الإشتراكية العلمية" عن الإشتراكيات الأخرى الموهومة أو الخيالية والإصلاحية والديمقراطية وحتىعن الإشتراكية كعلم وماإليها تأتي العلامات الشكلية التي تعطي الأصوات لغتها وللقماش طبيعة الملبس وللغناء رونقه وطربه وللإنسان روحه.

    هنا كينونة الإلتزام بالإشتراكية العلمية والبعد عن الهلامية الفكرية والتذاكي بعبارة (إن الإشتراكية كعلم) فلايمكن بمنطق تاريخي متقدم إرجاع تسمية حزب "شيوعي" إلى مرحلة "إشتراكي ديمقراطي" كأن تسمي الأسد قطاً أو الفرس النبيلة حماراً أو المرسيدس دابة أو تسمي الديمقراطية شورى، لماذا الرفض هنا والقبول بنفس الفعل في جهة الشيوعية؟ لمجاراة من؟ ومصلحة من؟ وعلي أي أساس علمي تغير الأسماء والصفات؟ لماذا لا تجرب إصطلاحات أخرى في مجالات أخرى كالتحول من فكرة السياسة الإقتصادية والإقتصاد السياسي والإنصراف عنها تماماً إلى فكرة حزب البهجة؟ أو حزب الله بما لهم من قبول ثم نفرض المفاهيم الأنسب لإصلاح السودان؟

    12- النهج :
    ((في إعداد البرنامج لا نبدأ من الصفر، وإنما ننطلق من إرث الحزب في برامجه السابقة والنفي الديالكتيكي الذي يبقي على ما هو أفضل في القديم القابل للإستمرار والحياة، والبرامج السابقة هي:
    1- برنامج الحركة السودانية للتحرر الوطني 1946
    2- برنامج الجبهة المعادية للإستعمار
    3- برنامج سبيل السودان لتعزيز الديمقراطية والسلم المجاز من المؤتمر الثالث في فبراير 1956
    4- البرنامج المجاز في المؤتمر الرابع للحزب في أكتوبر 1967 وصدر مع اللائحة بعنوان دستور الحزب
    5- كتاب عبد الخالق محجوب "حول البرنامج "
    6- وثيقة اللجنة المركزية في 1977 و1985 وبرنامج 1986 إضافة إلى برنامج التجمع الوطني الديمقراطي والتقويم الناقد للمبادئي والمفاهيم والمقولات والأراء والإفادة من حصيلة دراسات ومناقشات وأراء ومقترحات الأعضاء))

    الملاحظات على التناسق في الفقرة ذات العدد(12) عن النهج:
    الفقرة تشير إلى أسلوب عقلاني ومفيد في بداية تنقيح الإرث النظري والعملي للحزب الشيوعي السوداني ولكنها تتنهي في جزءها الأخير إلى صياغات مفتوحة لا ضابط فيها إلا إرادة أصحاب الشأن وهي نفسها فيها قولان: واحد يتحدث عن العلمية ولكنه أقرب لسياسة التجريب ومحاولة الإلتحاق بمنظومة الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية بمركزها الأوربي، والثاني يتحدث عن مبادئي الإشتراكية ويدافع عنها ولكنه مضيع وسط التنظيم العجيب للنقاشات والجهد المتنوع في النقاشات والمحاضر والتلاخيص.

    ب‌- اللائحة
    شملت النقاشات موضوعات عددا تتعلق باللائحة تشمل الصفحات من 34 إلى 104 سنتناولها بتوسع في حلقة قادمة إن سمحت الظروف ولكن نورد هنا مادار فيها حول موضوعاتها العشرة:
    1. طبيعة الحزب: حزب ثوري للإشتراكية أو لقدِم هذه الفكرة حزب غير شيوعي لكل الطبقات لكنه وطني ديمقراطي إشتراكي يسترشد بالدين، مع تسآئل عن تعريف الطبقة العاملة [دون تسآئل عن تعريف الطبقة الرأسمالية!؟]
    2. طبيعة المركزية الديمقراطية : خاصية النظام وخاصية الحقوق والواجبات فيها وأهميتها.
    3. العمل القيادي والإرتقاء به: العمل وسط القوميات، دور المتفرغ وطبيعة أداءه وتوظيفه،
    4. تسميات وإصطلاحات الحزب الستالينية واللينينية، وهل نتخلى عن كل ما أساء ستالين تخديمه
    5. التعليم والتثقيف والترشيح: التوسع والنظامية فيه
    6. المالية: معالجة طبيعة الإشتراكات والتوسع في الإستثمار،
    7. التداول الديمقراطي للسلطة أو التداول السلمي
    8. الديمقراطية كمفتاح للحل؟؟ والمشاكل في الأحزاب الشيوعية بسبب غياب الديمقراطية،
    9. الحاجة لهيئة إستئنافات في الحزب تفصل في القرارات حين التقصير والخلاف،
    10. المنظمات الجماهيرية والديمقراطية: الجبهة الوطنية الديمقراطية متعددة الأشكال والمراكز بإستلهام تاريخ تجارب الحزب الإشتراكي وإتحاد القوى الإشتراكية))

    الملاحظات حول التناسق في هذه الفقرة (ب) حول اللائحة:
    1- طبيعة الحزب لا يحسمها مؤتمر بل المؤتمر نفسه يخرق دستور الحزب بنقاش تعديل هذه الطبيعة وعملياً فالأحزاب الشيوعية قد تكون بقرارات ولكنها في الحياة الإجتماعية كالشمس في الطبيعة: أبدية لاتحل بقرارات أو بغيرها.
    2- المركزية موجودة في الطبيعة في كل الهيئات الإدارية أما ديمقراطيتها فتختلف وتتباين ممارستها بين كل قائد وأخر ويكمن الفيصل في تحديد نجاحها أو فشلها في مدى تنفيذ الخطة المحددة عقب كل مؤتمر أو دورة لجنة مركزية وفي النجاح العام للحزب في دفع أفكار وقوى الثورة في المدن أو الأرياف أو الإثنين معاً.
    3- العمل القيادي وسط القوميات يتطلب تغيير تكتيكات الحزب بترك الإتكال الكتير على قدوم الديمقراطية ثم نشاطها وتطورها، فالديمقراطية كما في ولادتها القديمة والحديثة في أوربا تنجز بالثورة التي لها تاكيتيكات مختلفة عن المناقشة.
    4- في الستالينية: ذكر الرأي السلب ضد ستالين دون الأراء الموجبة عن تاريخه النضالي ومنجزاته، ودون إيضاح موقفه الريفي والبلشفي الجميل من قضية الثورة ونصرها ضد أعداءها الداخليين والخارجيين: فإذ تحورت الثورة الإشتراكية في عهدها الأول لعسكرية عنيفة بقيادة المنتقم تروتسكي زهقت الزراعة حتى ظهر الجوع ثم إرتدت الثورة بصدمة ذلك الجوع على أعقابها خطوتين بقيادة لينين في الخطة الإقتصادية الجديدة (النيب) متجهة إلى الرأسمالية في الزراعة لتسريع الإنتاج، فقد كانت مرحلة ستالين نتاجاً جدلياً من المرحلتين إذ إتجهت إلى القضيتين معاً وهما قضيتي البناء والدفاع ونجحت فيهما أبلغ درجات النجاح ولكن مع تصفية تروتسكي والتيارات (الألمانية) مال كل المناشفة وأكثرية الكتاب اليهود ضد ستالين حتى الآن رغم إنه منح اليهود جمهورية مستقلة لتكون وطناً قومياً لهم!إن تقديم صور متوازنة لشخصيات قادة الإشتراكية وفهمهم تتطلب في السودان بدلاً عن نقد الحزب القيام بنقد السكرتير العام للحزب.
    5- كورس المرشحين يحتاج لتطوير المهارات النظرية والمهارات العملية وطبيعة تنظيم المتفرغين بداية من الكورس
    6- الإستثمارات متاحة مع الكنغو وتشاد وأنجولا وجنوب أفريقيا وفنزويلا والصين والهند أما تمويلات أوربا فكلتانة.
    7- تداول السلطة يخضع لظرفين موضوعي وذاتي والثورة للتغيير الشامل تختلف بقوتهاعن التداول وهي مطلوبة أكثر
    8- مشاكل الأحزاب الشيوعية سببها غياب الخط الثوري فبدونه تنقسم، وكذا بالمناقشة العامة المبهولة أيضاً تنقسم.
    9- هيئة الإستئنافات موضوعية جداً لحل كثير من النواقص والسلبيات في التقديرات الذاتية وغيرها.
    10- إقتراح الجبهة الوطنية الديمقراطية دون حزب له خطوط إستراتيجية، يحول الحزب ويحولها إلى حالة للإزدواجية والتكرار والتواكل والضياع التنظيمي، والأنفع تمتين الخط الثوري في الحزب قبل أن تأسيسه لأي جبهة أو تجمع.

    ج - حول إسم الحزب:
    عرض الملخص إحصائية قديمة مجهولة الظروف كان عدد المنصرفين فيها عن موضوع تغيير الإسم أكثر حيث كان عددهم 168 نسبتهم61.1 % بينما تطرق فيها للتغيير 107 مآئة وسبعة فقط مثلوا نسبة قدرها 38.9% ولكن ضمن الذين تناولوا تغيير الإسم كان هناك 91 بنسبة 85.1% رافض لمسألة إسم الحزب الشيوعي بينما ثبت المسألة في ذلك الجمع للأراء 16 بنسبة 14.9 % كانوا ضد تغيير إسم الحزب الشيوعي ونسب أخرى أقل بتنويعات مختلفة منها النسبة الأكبر لحزب إشتراكي ديمقراطي 29 بنسبة 31% و7 لحزب إشتراكي مثلوا 7.7% ونفس العدد والنسبة لمن يرون الإرتباط بالثورة الوطنية الديمقراطية و7.7% من عدد الأصوات في ذلك الجمع المجهولة طبيعته التنظيمية أو اللائحية.

    ملاحظات حول الفقرة (ج) من الكتاب الثاني لملخص المناقشة العامة وهي حول إسم الحزب:
     هذا الجمع للأراء لا يمثل إستفتاء بل هو مجرد (عينة) لايعلم أحد طبيعتها التنظيمية أو اللائحية، أو ظروف إجراء هذا الجمع للأراء حول هذه المسألة بالذات في تلك المجموعة أو طبيعة إستمرار هذا الجمع أو توقفه. وقراءتها تعطي نتيجيتين متغايرتين واحدة أغلبية منصرفة عن مناقشة موضوع الإسم، وأقلية متجهة إليه! وحتى الأقلية لم تتفق على بديل (مناسب) لما تريد تغييره مما يضعف موضوعيتها.
    -------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    ملاحظات حول نهج وأسلوب التلخيص
    المنهجية الإشتراكية العلمية مفتقدة تظهر ومضات ولمحات كالبداية بالفلسفة والبرنامج والنزول إلى الممارسة واللائحة الضابطة لمجريات حركة أفكار وعناصر وقوى الحزب وصولاً إلى قضية الإسم وهو العلامة السياسية العامة للحزب وعنوانه، ولكن الغياب العام لهذه المنهجية في سياق ترتيب وبسط الأراء قد يكون لسبب من تغييب نظرية الحزب بدعوى الحياد أو لأسباب أخرى، ولكن من ناحية الأسلوب هناك إسهاب وبسط واضح في عرض الأراء التي تتناول المناقشة العامة لجهة تصفية المعالم الأساسية في الحزب الشيوعي السوداني أيديولوجيته وطبيعته التنظيمه وممارسته، وقلة وقبض في جهة الأراء الملتزمة به تراها نادرة كالذهب في الرمال.


    بعض ملامح البنية العامة للملخص وما تتطلبه من مهام لإكمالها:
    الملخص هو مجموع عدد من المحاضر والملخصات، بعضها ذي أسلوب واحد وبعضها مختلف، ولكنه بعيد عن طبيعة التلخيص فالملخص لا يكون من 109 صفحات وهو ما عدا بعض الملخصات الداخلية أقرب أن يكون مجموعة محاضر تم تجميعها في ظروف غير معروفة، ولكنها تكشف بعمق طبيعة الحذر والخلاف القائم في الحزب الشيوعي السوداني والحاجة الماسة لحسمه أو لإعادة نقاش هذه النقاط بصورة متوازنة في زمنها وفي هيئات متوازنة في تنظيمها من الدنيا إلى العليا في تيار مركزي ديمقراطي لفلترة الكم الكبير من الأراء بصورة منيرة وحسنه و جميله في هذه الليالي النظرية والعملية المدلهمة على الحزب لنصل من خلال هذه العملية إلى مشروع مقترح لثلاثة كل واحد منها 10 صفحات:
    1- دستور للحزب يركز إسمه وطبيعته ومياسم تنظيمه وحركته
    2- برنامج للحزب يوضح القضايا والقوى والوسائل التي يستند إليها كما يتناول بتفصيل مثلث 1-2-3 الجوانب الأساسية لعمله في فترة زمنية عامة وفي الأجل القصير .
    3- لائحة تحدد عناصر أفكار الحزب وطبيعة تنظيمه وهيكلته والإجراءات الأساسية لإتخاذ خطواته

    وجوه الإيجاب:
     التناول الكثيف لعدد كبير من القضايا بشكل بسيط وواضح في إشاراته (مع أو ضد) سوى قلة
     الروح الرفاقية المحترمة للإختلاف.

    بعض النواقص والتناقضات الأساسية والفرعية في سياق تاريخي موجز:
    1- الوجود الفقير الى الإصطلاحات -عدا مركزية ديمقراطية- في سياق المناقشة والتلخيص وقد يكون هذا الفقر إلىالإصطلاحات لإعتبار خطأ هو إن تخديم الإصطلاحات في الكلام يعد من قبيل التنظير والتقعر وهو خطأ لأن الإصطلاح عيار مفاهيمي يضبط حجم الفكرة في نظاق ظروف وفلسفة وتطبيقات الموضوع وهو ضبط ضرورة للإرتقاء بالجدل والتفكير والممارسة من كم أكبر من الشروح إلى معان أدق كانت حاجة المرحلة التاريخية أشد إليها في السودان في آثناء النقاش العام الذي إستوت خلاله قضية الجنوب وإنقسمت الجبهة وتفجرت خلاله قضية دارفور وبدأت التمايزات والإنقسامات والخسائر والتظاهرات تتكاثر في أوربا وأمريكا على القوى الإمبريالية، والنقاش بفقره الإصطلاحي ولعله لسبب من ذلك لم يزل مناجشة ومراوحة في مكانه معطلاً إمكانات ومبادرات الحزب إلا ما ندر، فأضحى الحزب بعيداً عن قيادة السياسة السودانية وإن سار فيها فسيره رد فعل.

    2- بعض الفقر في المجادلة فالبعض يرى الإستغناء عن المركزية الديمقراطية لأن ستالين أو الحزب خدموها بطريقة خاطئة ولم يسال هؤلاء أنفسهم ما هو الشيء الذي لم يساء تخديمه في دنيا السياسة؟ والأدهى والأمر هو التصور المتناقض لمسالة الأسماء ومدى تأثيرها مرة يراها شكلية غير مؤثرة ومرة يصر على تسميات بعينها، دون توضيح للتناقض بين فلسفة الأسماء وجدلها المسمى السفسطة دون قيم محددة، ومسألة القيم المعيارية ووجهات النظر الراكزة عليها وجدلها المسمى "الفلسفة" ومنها الفلسفة العلمية ومنها الفهم المادي للتاريخ والفهم المادي للطبيعة وإصطلاحاتهم، وحال الخلط بينهم التي تحدث المصائب كأن تسمي السم دواء أو أن تسمي العقرب حشرة ، أو الوقود ماء.

    3- عدم فرز الإستراتيجي عن الظرفي والفلسفي عن العملي رغم عن أن كل منها له حق معلوم في الوجود والإحترام.

    4- النواقص والتناقضات في سياق تاريخي موجز
    نكرر ماسبق إن الحاجة إلى طاقات النقاش كانت أشد في السودان آثناء إحتدامه حيث إستوت خلال زمن إحتدامه أزمة السودان في الجنوب وإنقسمت الجبهة الإسلامية وتفجرت خلاله قضية دارفور وبدأت التمايزات والإنقسامات والخسائر والتظاهرات تتكاثر على القوى الإمبريالية التي أضحت سياساتها الإستعمارية أوضح في العراق، والنقاش بفقره الإصطلاحي ولعله لسبب من ذلك، ما برح مراوحة مكانه مُعطلاً إمكانات ومبادرات الحزب، إلا ما ندر، فأضحى الحزب عامةً في واد والسياسية السودانية والعالمية في واد آخر رغم محاولات شكلية معزولة في البرلمان والميدان وفي بعض اللقاءات الدولية .

    5- أسئلة:
    1- هل من سبيل لإصلاح أخطاء المناقشة العامة وإتمام نواقصها التي تناولتها هذه الدراسة أم هي حقيقة نهائية؟
    2- هل من التناسق تحديد طبيعة وأهداف للحزب ضد دستوره وفي نفس الوقت الحديث عن التداول الديمقراطي للسلطة؟
    3- هل يمكن محاربة ثقافة الإقصاء والتغييب وفي نفس الوقت يتم إقصاء الشيوعية وعلاماتها العامة من حزبها في السودان بينما الشيوعيـة الآن تزدهر في آسيا وأمريكا الجنوبية وفي جنوب أفريقيا؟ إنتهت الدراسة
                  

04-14-2008, 10:38 PM

Hussein Mallasi
<aHussein Mallasi
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 26230

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    يا مكاوي .. هل المنصور جعفر هو ذو النون المنصور؟
                  

04-14-2008, 11:20 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)


    المساهمة الثانية:

    المنصور جعفر
    [email protected]

    نقاط في مشروع دستور ولائحة وبرنامج الحزب

    دستور الحزب الشيوعي السوداني.
    1- مقدمة:
    الحزب الشيوعي السوداني جزء فعال من عناصر وأحوال التطور التاريخي لتراكيب الإقتصاد والإجتماع والثقافة والسياسة في عموم العالم والسودان، وقد واشج هذا التطور بأصوله الطبقية الأبعاد المتنوعة للوضع العام في أفريقيا والشرق الأوسط بما فيه من مزيات وأزمات. وكان الحزب وليد الفكر الإشتراكي العلمي وحركة المفاعلات والتناظير المادية والتاريخية المؤثرة في تطور المجتمعات البشرية والسودانية وبلورة للأشكال الثورية والسياسية المتصلة بالنضال ضد الإستعمار والإستغلال ومواشجاته العنصرية العرقية والدينية والثقافية والسياسية حيث إرتبط نضال الحزب ولم يزل ببذل الجهود الفكرية والعملية وتقديم التضحيات لأجل حرية الطبقة العاملة وعموم الكادحين في السودان والعالم والإنتعاق من صنوف القهر والإستغلال والإستبداد والتهميش التي تحرم غالبية المجتمع البشري من المقومات العادلة لكرامة الإنسان وتقدمه من حالة نقص الضرورات والتكالب عليها، بما في تلك المقومات من قواعد نظرية وعملية للحرية والسواء بين الناس والعقلانية والتقدم المتناسق والسلام.

    بناء على ما سبق فإن الحزب الشيوعي السوداني يعد نفسه كياناً نضالياً لكرامة الإنسان وحرية المجتمع من القهر والإستغلال والتهميش وتحقيق المقومات المتصلة بهذه الكرامة والحرية وفي لبها كرامة وحرية الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وتفعيل جهد الشعب في القضاء على الموازين المطففة لتوزيع موارد وأدوات الإنتاج وثمراته المادية والثقافية، وتحقيق نماء وشيوع الخيرات المادية الروحية بين الناس في معاملاتهم المختلفة، وجريان ذلك وفق مواد هذا الدستور الآتي نصها في الفقرات التالية:

    2- إسم الحزب:
    الحزب الشيوعي السوداني.

    3- طبيعة الحزب:
    الحزب الشيوعي السوداني كيان ثوري للطبقة العاملة وعموم الكادحين في السودان يناضل بشكل وطني ديمقراطي ضد كل علاقات المركزة والتهميش المحلية والدولية في أصولها الطبقية وفي أشكالها الإجتماعية والثقافية والإدارية والسياسية المختلفة لأجل سواء الناس في الحقوق وفي الواجبات العامة.

    4- أهداف الحزب:
    أ- إنتظام القوى الطليعية في مجتمعات السودان في تنظيمات متنوعة تسهم في فرز حقوق وواجبات كل تشكيلة إجتماعية في مجالات الإقتصاد الإجتماع والسياسة والثقافة.

    ب- النضال ضد كل الأصول والأشكال الطبقية وغير الطبقية للإستغلال والتميز العنصري .

    ج - شيوع الخيرات المادية والثقافية بين الناس بتكوين مجتمع تزول فيه الإمازات والفوارق الطبقية والعنصرية بين الأفراد وبين الجماعات المختلفة وإشتراكهم سواسية بحرية في السلطة على موارد وجهود وثمرات إنتاجهم كمحرك لرفع معدلات التنمية وبناء المجتمع لإمكانات الحرية والسلام وخروجه من حالات الإستبداد والإستغلال ونتائجهم الوخيمة.

    5- هيكل الحزب وعمله:
    يتكون هيكل الحزب من مؤتمر عام ولجنة مركزية، ومكاتب وفروع وسكرتارية عامة وهيئات مساعدة، وتنظيمات، ويؤدي الحزب أعماله بالشكل الوطني الديمقراطي لتحقيق ثورة شاملة في كينونة المجتمع ضد التمييز الطبقي والعنصري بأشكاله.

    6- عضوية الحزب:
    عضوية الحزب مفتوحة لكل السودانيين من الجنسين في سن الأهلية الذين يتمتعون بقدرات مفيدة للعمل الحزبي الشيوعي ويوافقون على الإلتزام بدستور الحزب وبرنامجه ولائحة تنظيم أعماله.

    7- مالية الحزب:
    تتكون مالية الحزب بصورة رئيسة من إشتراكات أعضاءه والتبرعات وتنظمها لائحة الحزب بأصول المحاسبة المالية

    8- تنظيم عمل الحزب:
    أ- تنظم أعمال الحزب وفق هذا الدستور والبرنامج العام لتحقيقه بواسطة لائحة تنظيم أعماله المقرة من المؤتمر وبالكيفية التي تراها الهيئات القائدة للحزب في مجالها الزماني والموضوعي والجغرافي المُحدد أو المعين لها بواسطة اللائحة.
    ب- تضبط الهيئات القائدة المختصة عمل الحزب رأسياً وأفقياً وينظم هذا الضبط بتقارير وموجهات هذه الهيئات.
    ج- ممارسة النقد والنقد الذاتي هي العصب الحيوي للحياة الحزبية وتقدير نقاط القوة ونقاط الضعف في كل أمور الحزب وشؤونه.

    لائحة الحزب الشيوعي السوداني:
    أ‌- طبيعة هذه اللائحة وأغراضها:
    تحدد اللائحة التفاصيل المتعلقة بتكوين الحزب وهيئاته وكيفية أداءها أعمالها ومواقيتها وبيان المهمات والمسئوليات المناطة بهذه الهيئات وإيضاح الإلتزامات والحقوق الفردية والجماعية الموصولة بتكوينها وأدآءها لأعمالها.
    كما تقوم اللائحة بإيضاح القواعد النظرية والعملية الأساسية المتصلة بعمل كل أو بعض هيئات الحزب في الظروف الخاصة وفي الحالات التي تهدد سلامة أو حرية أو نشاط الحزب أو أعضاءه في مجال معين.

    ب- تكوين اللائحة:
    تتكون اللائحة من فقرات توضح كل واحدة منها طبيعة الهيئة المعينة دستوراً وأسس عملها وإختصاصاتها ومواقيتها وعضويتها ومجالها الجغرافي والواجبات والحقوق المتصلة بها وبعضويتها. وفق السياق التالي:

    1- في الطبيعة النظرية والعملية لتكوين الحزب:
    أ- يتصل التكوين الثقافي والسياسي للحزب الشيوعي السوداني إتصالاً وثيقاً بقضايا تقدم المجتمع السوداني من حالة النقص في الضرورات والتكالب عليها إلى حالة الكفاية منها والعدالة في توزيعها وما يتطلبه ذلك من إرتباط الحزب بقضايا التنمية العددية والنوعية المتوازنة لعناصر وطبيعة الحياة ومعيشة الناس في السودان والطبقات المؤثرة فيها والطبقات المتأثرة بها ، ومن ذلك تأتي صلة الحزب بقضية حرية وكرامة الطبقة العاملة وعموم الكادحين وإنعتاقهم من صنوف الإستغلال والتهميش.

    ب- من هذا الإتصال الطبقي بين الحزب الشيوعي وطبيعة الحياة الإجتماعية-السياسية بإقتصادها وثقافاتها تتفصل السمات النظرية والعملية العامة لتكوين ووجود هيئات الحزب وتتحدد مسئوليات هذه الهيئات وإختصاصاتها وطبيعة أعمالها في تناسق يعكس وحدة عامة بين فكر الحزب وإرادته وفعله الثوري الخلاق. وبهذا التواشج الحيوي بين الحزب والمجتمع وقضايا الطبقة العاملة تتحدد أيضاً السمات العامة لتركيبة ونوعية وعضوية الهيئات ومهامها وطبيعة تقويم عملها والكيفية العامة لتنميتها بالتحديث والتجديد الملائم لإحقاق دستور الحزب الشيوعي السوداني وبرنامجه في الظروف المختلفة.

    2- البنية العامة للحزب ونشاطه:
    الحزب الشيوعي السوداني بنية نظرية عملية واحدة منسقة بدستوره وبرنامجه ولائحته لنظم وتكريب قوى الشعب العاملة وتشكيلاتها في نضال متنوع شامل راكز إلى تنظيم ونضال الطبقة العاملة وعموم الكادحين لإشاعة خيرات مجتمعها في المعاملات المادية والثقافية بين الناس وإشتراكهم المقسط في موارد تلك الخيرات وفي عملية إنتاجها وفي قسمة ثمراتها حسب قدراتهم وإسهامهم وحاجاتهم، وفي هذا الصدد يتصل نشاط الحزب الشيوعي ونضاله لهذه الإشتراكية والشيوعية إتصالاً وثيقاً بتنمية الكفاية في إنتاج هذه الخيرات والقسط في توزيع مواردها وآلاتها ومقاديرها دون تهميش وتطفيف باخس كانز أو إخسار أو سفه متلف. وتتطلب هذه البنية تضامناً وإستقلالاً في تكوين وعمل هيئات الحزب وفي محاسبتها وتنمية تكوينها وأعمالها، كذلك تتطلب الوحدة العامة لنظرية الحزب وأعماله إلتزام هيئاته وعضويته إلتزاماً وثيقاً بدستور الحزب وبرنامجه ولائحته ومرونة فعالة في التعامل مع نصوص وثائقه ومقراراته بشكل يناسب في سياسيته تغير الأحوال والظروف المادية والثقافية في مجالات الإقتصاد والإجتماع والسياسة بما لا يخل بموضوعية مبادئ الحزب وإلتزاماته.

    3- هيئات الحزب:
    أ- هيئات الحزب هي: المؤتمر واللجنة المركزية والمكاتب المختصة والفروع والسكرتارية العامة والتنظيمات واللجان المؤقتة أوالمستدامة التي يقيمهاالحزب بنضاله الخاص أو بالإشتراك مع جهود أخرى لتحقيق أو تفعيل أهدافه والمكاتب واللجان المساعدة التي تكونها هيئات الحزب للمساعدة في أداء بعض أعمالها.

    ب - تفصل هذه اللائحة تكوين وعمل الهيئات الحزبية وفق السياق التالي:

    1- المؤتمر العام:

    1- طبيعة ومهمة المؤتمر:
    المؤتمر العام هو الهيئة الأساسية للحزب الشيوعي السوداني التي تقر برنامج الحزب العام ولائحته وتنتخب هيئاته وتضع الأطر العامة لنشاطه وسياساته وحسابات أمواله ومدى و جهة التشدد أو التيسر في أموره.

    2- عمل المؤتمر:
    أ- يحدد المؤتمر جدول أعماله بنفسه مسترشداً بموجهات اللجنة المركزية، وتنظم عملية إدارته بلائحة إدارة مجازة من عضويته في الإطار الزماني والجغرافي المحدد له.

    ب- يمارس المؤتمر أعماله بعرض عام للأمور التي يراها مهمة بالصورة التي تحددها إجراءاته وتقديم التصورات والإقتراحات المتصلة بهذه الأمور وإقرار الموجهات التي يراها مناسبة جهة تعامل الحزب مع هذه الأمور.

    3- عضوية المؤتمر:
    تتكون عضوية المؤتمر بالإنتخاب من وحدات فروع العمل ووحدات فروع السكن بنوعين من التمثيل الأول تمثيل حر مباشر يصعد ممثلاً من كل وحدة حزبية حسب فوزه بأكثرية أصوات ناخبيها وأيضاً بتمثيل نسبي مميز نوعيةً يشكل به ممثلي العمال والمرأة أكثرية نسبية في تكوين المؤتمر.

    4- إنعقاد المؤتمر:
    يعقد المؤتمر في الظروف العادية مرة كل 4 سنوات، وتحدد اللجنة المركزية كيفية إنعقاده في الظروف الطارئة والإستثنائية بما لا يخل بالأسس النظرية والأعراف العملية للحزب .

    2- اللجنـة المركزيـة:
    1- طبيعة ومهمة اللجنة المركزية:
    اللجنة المركزية هي هيئة قيادة الحزب الشيوعي بين دورات إنعقاد مؤتمره، وتصوغ اللجنة المركزية مقررات مؤتمر الحزب وتضع الموجهات اللازمة لتنفيذها ولتحقيق أهداف الحزب الموضحة في دستوره وبرنامجه حسب تلك المقررات. كما تحدد اللجنة المركزية نقاط القوة والضعف في تنظيم ونشاط الحزب وهيئاته وتأخذ الإجراءات والقرارات والأعمال المناسبة لمضاعفة تلك القوة أو تقليل ذلك الضعف.
    2- عمل اللجنة المركزية:
    أ- تنظيم عقد الحزب لمؤتمره
    دراسة أعمال المؤتمر وإيضاح المهمات النظرية والعملية التي تتطلبها
    ب- وضع خطة عامة لعمل الحزب بالتنسيق مع الهيئات الحزبية المعنية
    ج- تشكيل وتنظيم عمل المكاتب التنظيمية والمالية والإعلامية والسياسية للحزب
    د- تقرير ومتابعة الأدآء العام لمكاتب الحزب وهيئاته وتنفيذها خطة الحزب وتحديد نقاط القوة والضعف
    هـ - التقرير المُفصل نظرياً ورقمياً ومالياً لعدد ونوع الأعمال الحزبية وإتجاهات إرتقاءها أو تدرجها
    و- تحديد التناقضات النظرية والعملية الرئيسة والثانوية في نشاط الحزب والإسهام في حلها
    ز- رفع تقرير دوري بأعمالها إلى المكتب السياسي لتحديد إتجاهات عملها بدقة أكثر،
    ح - يقوم الحزب عمل اللجنة المركزية من خلال نشاط هيئاته ومن خلال المؤتمر العام له

    3-عضوية اللجنة المركزية:
    أ- تتكون اللجنة المركزية بالإنتخاب من المؤتمر العام للحزب وبتصعيد لا يتجاوز 10% من عدد المنتخبين
    ب- تمثل عضوية اللجنة تكوين وهيئات الحزب بتمييز موجب للعمال والنساء والفئات المهمشة.
    ج- تستمر عضوية اللجنة المركزية حتى إنعقاد المؤتمر، ولا يجوز لأعضاءها خفض عضويتها
    د- يلتزم أعضاء اللجنة جماعة وفرادى بمقرراتها ويصونون أعمالها.

    4- إنعقاد اللجنة المركزية :
    أ- تنعقد اللجنة المركزية مرتين في العام
    ب- في الأحوال الخاصة والظروف الإستثنائية تنعقد اللجنة وفق ما تراه
    ج - في الظروف الأكثر إستثناء تحدد سكرتارية زمان أول إنعقاد للجنة تلو تلك الأحوال .


    3- السكرتارية العامة:

    1- طبيعة ومهمة السكرتارية العامة:
    أ- السكرتارية العامة هي محور قيادة الحزب في الفترات الواقعة بين أدوار إنعقاد اللجنة المركزية،
    ب- مهمة السكرتارية تنظيم النشاط النظري والعملي اليومي لهيئات وقوى الحزب ونضاله لأجل تحقيق القيم والأهداف التي حددها دستور ومؤتمر الحزب ولجنته المركزية ومكتبها السياسي وضبط التعامل مع المستجدات التنظيمية والسياسية.
    ج- تقوم السكرتارية بتنظيم ومباشرة أعمالها وفق موجهات اللجنة المركزية والمكاتب المختصة.

    2- عمل السكرتارية العامة:
    أ- رصد وقائع العمل التنظيمي والمالي والإعلامي والسياسي داخل الحزب ومتابعة إلتزامها بخطة الحزب وبرنامجه
    ب- تحديد العناصر والقوى والفعاليات وإتجاهات الواقع العام الموجبة والسالبة جهة أهداف الحزب
    ج- تحديد موضوعات وجهات العمل وفرز نقاط الإختلاف ونقاط التقارب في الحياة السياسية عامة وفي عمل الحزب
    د- حشد وتنظيم القوى والطاقات الحزبية جهة كل عمل وهدف حزبي وفق معالم موضوعية زمنية مناسبة
    هـ- رصد نشاطات الحزب وتقرير نقاط الفاعلية والقوة ونقاط الضعف في عمله بين أدوار إنعقاد اللجنة المركزية
    و- رصد جملة الوضع العام، ووجوه نشاط الحزب فيه، وتلخيص ذلك لأعضاء الحزب وهيئاته وجمهوره.

    3- عضوية السكرتارية العامة:
    تتكون السكرتارية العامة للحزب من مسؤولي مكاتب المالية والتنظيم والإعلام والمكتب السياسي بالتصعيد من اللجنة المركزية عدا مسؤول المكتب السياسي الذي يتولى بحكم مسئوليته مهمة السكرتير العام وينتخب للمسئوليتين المتلازمتين بواسطة مؤتمر الحزب، ويحدد المؤتمر واللجنة المركزية الموجهات والضوابط العامة لعمل السكرتارية.

    4- إنعقاد السكرتارية العامة:
    تعقد السكرتارية العامة إجتماعاتها بالصورة الزمانية والموضوعية التي تتيح لها مباشرة مهام العمل اليومي وإنجاز التكاليف التي تنيطها بها اللجنة المركزية ومكاتبها المختصة، وتقوم بإجراء عمل الحزب ومتابعة ورصد وتقويم أداء هيئاته في المجالات المختلفة بما لا يتعارض وتوجيهات اللجنة المركزية أو المؤتمر.

    4- المكاتب المختصة:
    1- طبيعة ومهمات المكاتب المختصة:
    تقوم المكاتب المختصة بإنجاز أعمال الحزب وتصريف أموره كل في مجال عمله وفق الأسس الحزبية والإدارية المألوفة، المكاتب المختصة أربعة مكاتب هي مكتب التنظيم ومكتب المالية ومكتب الإعلام والمكتب السياسي.

    2- عمل المكاتب المختصة:
    تحدد اللجنة المركزية الخطوط العامة الموضوعية والزمانية لعمل هذه المكاتب ونشاطها وتقوم المكاتب بالآتي:
    أ- وضع الخطط المفصلة لأعمالها ورسم الأسلوب العام لتحقيقها،
    ب- تكريس الأليات والجهود النظرية والعملية الملائمة لتحقيق هذه الأهداف بالتنسيق مع هيئات الحزب الأخرى
    ج- متابعة أداءها لأعمالها وتقويم هذه الأعمال وحصحصة متابعتها
    د- رصد نقاط الضعف والقوة ونقاط التوافق ونقاط الإختلاف في أعمالها وتوصيلها بصورة مباشرة إلى اللجنة المركزية وكذلك
    إلى المكتب السياسي لحصرها وتقويمها وإتخاذ ما يلزم بشأنها.

    3- عضوية المكاتب المختصة:
    أ- تتكون عضوية كل مكتب بالإختيار من أعضاء الهيئات الأخرى عبر اللجنة المركزية بمعايير الفاعلية والكفاءة والإنجاز العددي والنوعي والسرعة عند القياس الزمني لعدد وحجم الأعمال المنجزة في الوقت المعين.
    ب- يتكون المكتب السياسي من مسؤولي المكاتب الأخرى وتصعيد اللجنة المركزية من تراه مناسباً من أعضاء الحزب لأداء مهام المكتب السياسي من أعضاء الحزب بمعايير الفاعلية والكفاءة على أن لا يتجاوز عدد الأعضاء المصعدين عدد الأعضاء الأصيلين في المكتب السياسي وعند تعادل الأصوات ترجح كفة الرأي الذي يصوت لصالحه المسؤول السياسي | السكرتير العام.

    4- إنعقاد المكاتب المختصة :
    أ- تعقد المكاتب المختصة إجتماعاتها وتسير أعمالها بصورة منظومة تؤسس لأعمال الهيئات العليا والدنيا منها،
    ب- تكرس المكاتب الجهود العملية والنظرية اللازمة لأداء أعمالها بتوقيت منظوم يلائم حاجات العمل الراتبة ومتطلباته الإستثنائية وظروف الأعضاء.

    5- فروع الحزب:
    1- طبيعة فرع الحزب ومهمته:
    أ- يؤسس الحزب فروعاً له في مجالات السكن وفي مجالات العمل كل على حدة، والفرع هو الوحدة الأساسية لبناء الحزب في محليته ومنطقته السكنية وفي مجال العمل وهو الكيان اليومي الماثل في حياة الناس وشؤون عيشهم، وأعمال الفرع في الظروف العادية والإستثنائية هي مظهر الحياة الحزبية والمعنى الماثل له في حياة الناس
    ب- مهمة فرع الحزب مهمة شاملة تتضمن الأعمال التنظيمية والمالية والإعلامية والسياسية والتأمينية .

    2- أعمال فرع الحزب:
    أ- تنظيم عضوية الحزب وعملها في مكاتب مختصة وأعمال مفصلة منظومة
    ب- تحديد مشكلات المجال وأزماته
    ج- طرح الحلول المناسبة لعلاج هذه المشكلات والأزمات
    د- ربط جماهير المجال بقضاياه من خلال الأنشطة المتنوعة
    هـ- تنظيم الناس بصورة مفيدة لتعرفهم بقضايا وجودهم وطبيعة تكوينها وتفاقمها وأشكال مباصرتها وحلها
    و- فتح المجال وتوسيع دوائر التعاون بين الناس وتضافر جهودهم الفردية والجمعية في أعمال عامة مفيدة لهم.
    ز- الإسهام في رصد ومعالجة الظواهر السالبة
    ح- توسيع نطاق النظر العقلاني والفعالية والمعالجة الجماعية الحكيمة للأمور العامة
    ط- ربط الجهود العامة في المجال المحلي بالجهود العامة الأخرى في المجالات الوطنية والعالمية المتنوعة
    ك- فتح آفاق التقدم النظري والعملي أمام الناشئين والفئات المستضعفة والمهمشة، وإمازة المتقدمين منهم
    ل- توطيد مناخ حر لترسية سواسية الناس في الحقوق والواجبات العامة دون ميز طبقي أو عنصري
    م- إثراء الشعور والوجدان الإنساني بفتح آفاق فنية وجمالية في حياة الناس
    ن- تكريس حالة موضوعية من الطمأنينة والسلام النفسي والإجتماعي في المجال المحلي المعين مستندة إلى حيوية وفاعلية الفرد وجماعته والتنمية المنظومة لقدراته وقدرات كيانه بآليات التضامن الحزبي والإجتماعي والوطني والعالمي.

    3- العضوية في فرع الحزب:
    أ- العضوية في فرع الحزب هي عضوية في الحزب، تتم فق نظم الإلتحاق به.
    ب- لعضوية الفرع في جميع الحقوق وعليها جميع الواجبات التي تقررها مواثيق الحزب وهيئاته للأعضاء بما في ذلك الإطلاع
    على تفاصيل تاريخ الحزب وجميع أعماله أو وثائقه المتوفرة ونتائجها، ولهم إبداء الرأي إزائها وفق نظام الحزب.
    ج- إلتزم أعضاء فرع الحزب بالواجبات النظرية والعملية لأعضاء الحزب.

    4- إنعقاد أعمال الفرع وإدارته لأموره:
    أ- يعقد الفرع إجتماعاته وينظم نشاطاته بصورة منظومة مخططة بما ييسر له إنجاز اعماله وتحقيق أهدلفه،
    ب- يجري الفرع أعماله بمعالم إدارية وزمانية واضحة يحاسِب ويُحاسب على مدى إنتظامها وعلى مدى الإلتزام بها.
    ج- يؤدي الفرع أعماله وفق أسس العمل الجماعي، وحرية النقد والنقد الذاتي، وترسيخ القيم العلمية والعملية للحزب الشيوعي

    6-التنظيمات الجماهيرية و المجتمع المدني:
    1- طبيعة ومهمات التنظيمات:
    أ- الحزب الشيوعي السوداني جزء أصيل من حياة "المجتمع المدني" أسهم بالإشتراك مع غيره في تأسيس ونشاط تنظيمات متنوعة في السودان وفق ظروف كل قضية أو مجال للعمل ويشمل ذلك مجال حقوق الطبقة العاملة والحياة النقابية والمهنية لعدد كثير من الفئات، وكذا في مجالات ربات البيوت وقضايا المرأة وحقوقها، إصلاح أحوال الاطفال المشردين، النشائين والشباب، المعاشات، التعاون، أعمال الصحة، الثقافة والإعلام، حقوق الإنسان، مناهضة التعذيب، إعادة المفصولين عسفاً إلى أعمالهم، حرية الإقامة وحرية السفر، عودة اللاجئين، حماية اللاجئين من العسف والإبعاد القسري، صيانة البيئة والتنمية، تأسيس المنتديات والجمعيات والروابط الرياضية والثقافية، تدعيم مجالات التعليم ومجالات الثقافة والفنون، كما رفض الحزب بنضالاته المتنوعة قيم وممارسات الجهالة والقبيلية والطائفية والتعصب وحارب العادات الضارة، ورافق ذلك نشاط الحزب عالمياً في منتظمات ومنظمات مدنية إمتازت بعداء أصول واشكال الإستعمار الحديث في نطاق العالم وشملت الإتحادات والنشاطات الدولية للعمال والشباب والنساء وحماية الأطفال وصيانة السلم العالمي، وحقوق الإنسان، وحركة إلغاء الديون على دول العالم الثالث، والحركة لأجل تجارة عادلة بين الدول، ونشاط الحركة المناهضة للرأسمالية، والحركة ضد العولمة [الرأسمالية]، وفي أعمال التضامن العالمي ضد الحروب والعسف بحقوق الشعوب وفي محاولات لجم إنتهاك مبادئي الأمن والسلم في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.

    ب- تتبلور أعمال الحزب في هذه التنظيمات ومثيلاتها بحرص أعضاءه على الإلتزام بدساتيرها ولوائحها والنضال لإحقاق وجودها وأهدافها والدفاع عنها بإعتبارها أدوات مدنية ذات خصائص وطنية ديمقراطية مفيدة لنضال الشعب لأجل التقدم الشامل المتناسق إذ تتجاوز بتخصصها الدقيق الكينونة العامة لعمل الحزب ونضاله كما تتواضع بأحديتها وتفردها وتخصصها عن عمومية وجماعية وشمول نضالات الحزب الشيوعي السوداني.

    2- أعمال الحزب وأعضاءه في التنظيمات المدنية ونسق توجيههم ومحاسبتهم:
    أ- تنظم هيئات الحزب المختصة التركيبة العددية والنوعية لنشاط أعضاءها في هذه التنظيمات بحيث يشكلون إضافة نوعية وعددية مفيدة لفاعلية عملها وإنجاز أهدافها وبلورة خبرات نوعية متقدمة في مجالات عملها ومجالات الحزب.
    ب- تنظم هيئات الحزب المختصة بشؤون التنظيمات المدنية وتقوم عمل أعضاء الحزب في مجالات:
    1- خدمة العضوية ، 2- إنجاز الأهداف المحددة في الجمعية العمومية، 3- أداء الأعمال اليومية، 4- إنجاز الأعمال الختامية،
    ج- تضع الهيئة المعنية تقريراً مفصلاً بهذه النقاط يحدد إنجازات وإخفاقات كل عضو حزب في هذا الجانب من العمل أو ذاك.


    7- اللجان والمكاتب المساعدة:
    طبيعة ومهام اللجان والمكاتب المساعدة وكيفية أدائها أعمالها:
    أ- تكون الهيئات القائدة لجاناً أو مكاتب تساعدها في أداء مهامها وإنجاز أهدافها
    ب- مهمة هذه الهيئات تكويناً وأداءاً موضوعاً وزماناً تنحصر في ما تحدده قرارات تكوينها، وصرفها،
    ج- مع حصر وتحديد اللجان والمكاتب المساعدة فلها إستقلال نسبي في تقدير مهامها وكيفية أداءها لتكليفها وأبعاد توزيعها مهام وجهود إنجاز تكاليفها والقيام بمتطلباتها وفق موجهات عمل الحزب وتقاليده الديمقراطية في معرفة وإستيضاح عناصرالأعمال والمعلومات المتعلقة به وفرزها وتقويمها وبيانها وتلخيصها وتسطير نقاطها وتنظير مقوماتها ومألآتها وتبويب سيرورتها وصيرورتها وتنمية أعمالها وإثرائها.
    د- تقوم اللجان والمكاتب المساعدة عمل أعضاءها بالنقد والتوجيه والإثابة والرصد الدقيق والعام لعملهم وسلبياته وموجباته.

    -إنتهت الفقرة 3 من اللائحة وهي الفقرة المتعلقة بتحديد هيئات الحزب ووصف طبيعتها ومهماتها-

    4- التركيبة النظرية والعملية للحزب:
    أ - في طبيعة الظروف التاريخية لتكون تركيبة الحزب:
    في عصر تتأزم فيه حوالى 180 دولة رأسمالية أصيلة أو تابعة تترابط قضايا الحرية والعدالة والسلام في العالم بصورة عضوية مع طبيعة التنظيم الإقتصادي الإجتماعي السياسي للمجتمعات وثقافاتها وتتصل هذه القضايا جملةً بطبيعة النظام العالمي لتوزيع الموارد، مما يتصل تغييره العام بتغييره في كل دولة ويتصل تغييره في كل دولة بتغييره في كل إقليم منها وفي عموم مجتمعاتها. ولأن النظام المأزوم السائد في العالم وأكثر دوله ومجتمعاتها نظام تراتبي طبقي إستعلائي ذي ثقافة عنصرية بسمات طبقية وعرقية ولغوية ودينية ولادينية متنوعة تغذي بعضها البعض، فإن النضال ضد هذا الطاغوت يتطلب وحدة نظرية وعملية في تناول أموره وشمولاً في تناولها لايصطنع تجزئة جهة واحد منها دون الآخر كما يتطلب عمقاً في إقتلاع جذورها الطبقية المختلفة وقلب تربتها الماثلة في هيئة التملك الرأسمالي الخاص للموارد العامة للمجتمع والإنفراد بثمراتها مما تنتهي حالة تفاقمه وعولمته الحاضرة إلى مآس عدداً وكوارث وحروب تفوق نتائجها السالبة بعض الفوائد التي تظهر منها.

    ب- طبيعة هذه التركيبة وكينونتها النظرية:
    للحزب الشيوعي السوداني وضعه الفريد بين الأحزاب الإشتراكية الخام والأحزاب الليبرالية والأحزاب المتصلة بالدعاوى والأوضاع الطائفية والقومية والعنصرية بأشكالها الدينية وغير الدينية والأحزاب الهجين والبين بين: ففي نضاله ضد النظم الإستعلائية والإستغلالية ولأجل حيوية ونشاط الطبقة العاملة وعموم الكادحين وحريتهم من مركبات الإستعمار والإستغلال والتهميش والقمع فإن الحزب يمتاز بتنظير وتنظيم أعماله بقيم الماركسية-اللينينة المتصلة ببناء حزب جديد في نوعية عناصره (العنصر الطبقي) وطروحه (التغيير الجذري) وطبيعة تنظيمه (النظام المحوري) وأهدافه (شيوع موارد وأدوات الإنتاج وخيراته). وهو حزب متصل في رؤيته للحياة بالنظرة الماركسية-اللينينية لتطور الأشياء والمجتمعات وإرتقاءها بتحول التراكم العددي في عناصرها إلى تحول في نوعها، وجدل وتنوع التطور الإجتماعي فئات وطبقات ومجتمعات وظروف ومراحل، وفهم الطبيعة المادية والجدلية لتاريخ هذا التطور وإقتصادياته السياسية وفقاً لهذا المنطق، وتخديمه في التكريس الإجتماعي لتطور العلوم والزيادة في تخصص وتنوع المعارف وفي عدد ونوعية الآلآت وتخديم جميع هذه التطورات بشكل متناسق في نضال طبقي ضد الإستغلال والتهميش والعنصرية والرأسمالية والإمبريالية والإستعمار وبناء حالة إشتراكية علمية لإشتراك الناس سواسية في السلطة على موارد إنتاجهم وآلاته وثمراته، وبدايةً ذلك بالتكريب النظري والعملي لبناء الحزب الشيوعي كحزب ثوري أصيل لحرية الطبقة العاملة وعموم الكادحين، هدفه كسر الأجزاء المتآكلة في بنية الإستغلال المحلي والدولي في السودان ، وإقامة تنظيم وطني ديمقراطي شامل يعزز به الحزب الإتجاهات الوطنية والعالمية الى الثورة الإشتراكية ضد المظالم الإجتماعية وإلى شيوعية موارد وأدوات وخيرات الإنتاج بين الناس في عصر مميز بإنهيار نظام الإستعمار القديم بنشاط حركات التحرر الوطني والطبقي والمجتمعي وبتأزم الإمبريالية بالتناقض البنيوي والظاهري بين مفاعيل الإستعمار الحديث الماثلة في زيادة الفقر والمجاعات والعنصريات والديكتاتوريات والحروب والهجرات وتعارض هذه الأوضاع المعيقة للتراكم الرأسمالي مع الأهداف الربحية التي توختها الإمبريالية من عمليات الإستعمار وعولمة موارد الشعوب المضطهدة.

    ج- الطبيعة والفوائد العملية لهذه التركيبة:
    أ- النظر الشامل والناقد علماً للظواهر الإقتصادية الإجتماعية السياسية والثقافات المرتبطة بها
    ب - الممارسة المنظومة المستدامة، القائمة عملاً على الجماعية، والنقد، والتنمية العددية والنوعية المتوازنة لأعمال الحزب
    3- التنمية المستمرة للنظرية والتطبيق في النواحي المختلفة التي تأخذها في تشكيلات تاريخه وعمله ومستقبله

    5- مالية الحزب:
    1- طبيعة العمل المالي في الحزب الشيوعي:
    المال عصب الحياة الحديثة ونظامها القاسي لمبادلة المنافع بالنقود حيث يقرر الوضع المالي عدد ونوعية نشاطات الحزب كما يعكس طبيعتها ومن هذه النقطة الحيوية تنشأ أهمية الوضع المالي وإلتزام هيئات الحزب وأعضاءه بجميع أسسه وموجباته، وجعل الهم النضالي به في مستوى متقدم مع بقية الهموم النضاليةفي أمور التامين والتنظيم والإعلام والسياسة.

    2- مصادر مالية الحزب:
    أ- الإشتراكات الشهرية من 2.5% إلى 5% من الدخل الفعلي للعضو بعد خصم الإلزامات القانونية المتوجبة عليه
    ب- إسهامات أعضاء الحزب
    ج- أعمال الحزب
    د- التبرعات غير المشروطة

    3- وجوه الإنفاق والصرف:
    أ- الإلتزامات الأممية
    ب- الإتزامات القانونية بدفع إلإيجارات، قيم الرسوم القانونية على أعمال الحزب بصفته المدينية أو القضائية
    ج- مصروفات الأجهزة والمعدات، والنثريات والنفقات الجانبية
    د- اجور المتفرغين لشؤون الحزب بقرار من اللجنة المركزية
    هـ- النفقات الخاصة لأسر الشهداء والمعتقلين
    و- نفقات المتعاونين

    4- تنظيم مالية الحزب:
    أ- تنتخب اللجنة المركزية من بين اعضائها مسؤولاً لديها بصفة أولية عن مالية الحزب يسمى المسؤول المالي
    ب- يكون المسؤول المالي عضواً أصيلاً في سكرتارية اللجنة المركزية
    ج- يشكل المسؤول المالي بالتعاون مع السكرتارية مكتباً مالياً ينظم العمل المالي وفق الأسس الحزبية والقانونية اللازمة
    د- المهمة الأساسية في العمل المالي هي رصد وتنظيم الأموال والحسابات المتصلة بعمل الحزب،وإحاطة هيئات الحزب به
    هـ - تنمية العمل المالي بوضع الخطط والخرط المالية وتقديم الإقتراحات والإسهام في تنفيذها ومتابعتها
    و- رصد سلبيات الوضع المالي وموجباته وتقريره بكل شفافية لهيئات الحزب
    ز- تراجع هيئات الحزب الوضع المالي في إجتماعاتها بصورة منظومة، ويقرر المؤتمر مدى سلامة الوضع المالي للحزب.
    ح- في الظروف الإستثنائية لنشاط الحزب تقرر السكرتارية بالتعاون مع المكتب المالي واللجنة المركزية كيفية العمل المالي.

    6- العضوية في الحزب:
    1- العضوية في الحزب الشيوعي السوداني حق لجميع المواطنين والمتوطنين في السودان من الأفراد من الجنسين على أن يكونوا كاملي الآهلية ذوي قدرات مفيدة لنضال الحزب الشيوعي وفقاً الشروط التالية:
    أ- أن يقدم طلباً معيناً صريحاً واضحاً للإنضمام للحزب الشيوعي السوداني يحتوي على بياناته الشخصية ومزياته الفردية
    ب- أن توافق على طلبه الهيئات الحزبية حسب تقاليد عملها
    ج- ن يطلع بصورة منظومة حزبياً على المصادر النظرية والتجارب العملية التي يرتبط بها تاريخ الحزب ويبدي نشاطاً موجباً جهتها يمكن ملاحظته بمعايير موضوعية متنوعة.
    د- أن يدرس طالب الإنضمام دستور وبرنامج الحزب ولائحة تنظيم أعماله وأدبه التأهيلي ويوافق عليهم
    هـ- أن يلتزم بإحترام إلتزاماته الحزبية والقيام بمسؤولياته التي تحددها الهيئات واداء الموجبات العامة لهذا الإلتزام

    2- بداية ونهاية العضوية:
    أ- تبدأ عضوية الحزب بفترة أولى تسمى فترة الترشيح تنظر فيها الهيئات في طلب الإنضمام وأبعاده ويمارس فيها العضو جميع نواحي الحياة الحزبية بواجباتها وحقوقها عدا ان يكون له حق التصويت أو تولي المسؤوليات القيادية و تأتي بعدها فترة التدريب فترة العضوية الكاملة التي يضحى للفرد فيها الحق في التصويت على القرارات وتولي المهام القيادية الهيئة.
    ب- تنتهي عضوية الفرد في الحزب بالإستقالة او الوفاة أوالعجز التام أو الفصل

    3 - حقوق الأعضاء:
    أ- يحق لعضو الحزب الشيوعي السوداني الإطلاع على تفاصيل أعماله ووثائقه
    ب- أن يأخذ التدريب العملي والنظري الكافي لتاهيله لأداء وتحسين نضاله
    ج- أن يطلب معاونة الحزب واعضاءه في أي مهمة عامة يؤديها لصالح الحزب
    د- أن يمارس حقوق وواجبات الرأي والإعتراض والنقد والنقد الذاتي والتنظيم وأن يؤدي جميع الواجبات والمهام الحزبية المتاحة حسب ظروفها ومتطلباتها وحسب تقديره لإمكاناته ملتزماً برأي هيئات عمله ومبادئي العمل الحزبي.

    4- واجبات الأعضاء :
    أ- الإطلاع على تجارب الحزب ووثائقه والتدرب والمران على أعماله وعلى الإتقان في العمل والتفاني الموضوعي في النضال
    ب- الحضور لإجتماعات الحزب ونشاطاته ودفع إلتزاماته المالية
    ج- ممارسة النقد والنقد الذاتي
    د- عكس نشاط الحزب في مجاله وفقاً لخطة عامة
    هـ - تقوية العلاقات الرفاقية وإثراءها
    و- الإضافة العددية والنوعية إلى أعمال الحزب

    5- ضوابط العضوية :
    أ- يقوم عمل الأعضاء بالمعرفة والمران والخبرة والمعاونة والتشجيع والتقدير السليم لبذلهم وإمكاناتهم وتقدير ظروفهم.
    ب في حالة إرتكاب عضو لخطأ ما تضبط هيئات الحزب نشاطه بنظام متدرج في الحالات العامة بضوابط معينة هي:
    التنبيه، والتوجيه، واللوم، والإدانة، والإنذار بالفصل، والفصل
    ج- في بعض الحالات التي ترى فيها الهيئات إن عضو الحزب قام بخرق كبير للدستور أو البرنامج أو للائحة الحزب يمكن تجاوز مبدأ التدرج في ضبط العمل وفرض الإجراء الأشد على أن يكون تطبيق ذلك في حدود دنيا تقدرها هيئات الحزب.

    6- ضوابط اللائحة:
    أ- دستورية اللائحة:
    تسري هذه اللائحة بإرادة المؤتمر وفق دستور الحزب وبرنامجه العام، تنظيماً لحركة الحزب وتنفيذه لدستوره وبرنامجه
    ب-النطاق الزماني للائحة:
    تسري هذه اللائحة بعد أن يوافق عليها المؤتمر وتصوغها اللجنة المركزية بداية من تاريخ التصديق النهائي عليها وعلم الأعضاء به
    ج- النطاق المكاني والموضوعي لهذه اللائحة:
    تسري هذه اللائحة على الحزب الشيوعي السوداني وهيئاته وأعضاءه وأعمالهم المقرة وفق هذه اللائحة
    د- وحدة اللائحة وتطبيقها:
    اللائحة وحدة ضبط واحدة تسري بجميع محتوياتها على الحالات المتناسبة معها في الهيئات والأعمال فلا تتم تجزئتها في التطبيق
    هـ - تعديل اللائحة:
    في الأحوال الإستثنائية التي تقدرها الهيئات يجوز تعليق سريان بعض بنود هذه اللائحة بما لا يخل بمبادئي ودستور وبرنامج الحزب أو يغير من طبيعته العامة.


    البرنامج العام للحزب الشيوعي السوداني

    1- الموجهات النظرية للبرنامج:
    في قلب القضايا التي تؤثر على حياة الناس ووعيهم وما يتصل بها من نظم عامة لشؤون الإقتصاد والسياسة والإجتماع والثقافة، فإن دستور الحزب الشيوعي السوداني يوجه هذا البرنامج في نواحيه النظرية والعملية القائمة على الإلتزام الوطني الديمقراطي بأصول الحزب النظرية المتعلقة بوحدة عملية دراسة وتغيير التركيبة المادية والثقافية لمجتمعات السودان والعالم تغييراً جذرياً يتصل إتصالاً وثيقاً بصيرورة تاريخ تطورها الجدلي من حالات النقص في موارد الإنتاج وخيراته والتكالب عليها نتيجة الإنفرادات المحلية والدولية بتملك وسائل الإنتاج وإرتقاء هذه المجتمعات من هذا النقص والتكالب إلى حال جديدة لإشتراك المجتمعات السودانية في موارد الإنتاج ووسائله وفي السلطات الناظمة لهذه الموارد والوسائل بهدف تنمية هذا الإنتاج والإرتقاء بعدد وتوزيع خيراته وشيوع هذه الخيرات على مجتمعاته في تحسين متوازن لمعيشتها وفق حاجاتها وقدراتها الحقيقية بالتنمية المتوازنة لإمكاناتها المحلية والدولية في حال إشتراكية قاسطة لهذه الموارد والجهود والسلطات وبناء متصل لشيوع تملك الناس أمور حياتهم المادية والثقافية.

    2- في الظروف العالمية والمحلية لنشاط الحزب:

    أ - في الترابط بين الأزمة الوطنية والأزمة الدولية:
    ينشط الحزب الشيوعي السوداني لتحقيق أهداف دستوره في عصر تتأزم فيه حوالى 190 دولة رأسمالية أصيلة أو تابعة بالقهر والمظالم والحروب التي تغذي بعضها بحيث أصبحت الحاجة واضحة إلى ربط تناول قضايا الحرية والعدالة والسلام في العالم كما أصبح واضحاً أيضاً إتصال هذه القضايا بصورة عضوية مع طبيعة التنظيم الإقتصادي الإجتماعي السياسي للمجتمعات وثقافاتها، وكذلك إتصال هذه القضايا جملةً بطبيعة النظام العالمي لتوزيع الموارد، الذي يتطلب تغييره العام حدوث تغيير شامل في كل دولة ويتصل هذا التغيير في كل دولة بتغيير مماثل جذري وشامل في كل إقليم منها وفي عموم مجتمعاتها.

    ب- الطبيعة الطبقية المتنوعة للأزمة الوطنية والعالمية:
    النظام المأزوم السائد في العالم وأكثر دوله ومجتمعاتها نظام تراتبي طبقي إستعلائي ذي ثقافة عنصرية بسمات طبقية وعرقية ولغوية وأخرى دينية ولادينية متنوعة تغذي بعضها البعض، فإن النضال الجماعي الشامل ضد هذا الطاغوت يتطلب وحدة نظرية وعملية في تناول أموره وشمولاً في تناولها لايصطنع تجزئة جهة واحد منها دون الآخر، كما يتطلب عمقاً في إقتلاع جذورها الطبقية المختلفة وقلب تربتها الماثلة في هيئة التملك الرأسمالي الخاص لموارد المجتمع العامة والإنفراد بثمراتها مما تنتهي حالة تفاقمه وعولمته الحاضرة إلى المآسي المشهودة في بلادنا والعالم وإلى كثير من الكوارث والحروب التي تفوق نتائجها السالبة بعض الفوائد التي تظهر منها.
    ج-التحولات والأزمة:
    وفي العقود السابقة طرأت تحولات عظمى في جميع جوانب الحياة في العالم لعل بعضها الأكثر أهمية ماثل في زيادة وتائر الإستعمار الحديث بعد حل الإتحاد السوفييتي وتحول مراكز قوة الحركة الوطنية الديمقراطية والإشتراكية في العالم من روسيا وشرق أوربا إلى آسيا الصين والهند وأمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا وإلى عمق أرياف عدد كثير من الدول، ورافق هذا التحول إرتفاع وتائر الأزمة العالمية للإمبريالية وهي الأزمة الماثلة في التناقض بين حاجاتها إلى توسيع الأسواق وتضررها من هذا التوسع وإتجاهها من ثم إلى تشديد تحكمها في موارد المجتمعات عن طريق الضغوط الإعلامية والمالية والسياسية والعسكرية المتوالية إلى حد خصخصة وعولمة الموارد أو التمزيق والإحتلال الذي أضحى أيضاًذمكلفاً للمحتلين ومخسراً لمشاريعهم الإستعمارية.

    د- بعض دروس الأزمة:
    1- على المستوى العملي:
    أكدت التحولات الدولية والسودانية أهمية الترابط بين الإشتراكية والديمقراطية والتغيير الجذري الشامل لأوضاع المجتمعات، فنتيجة لتجزئة تناول هذه التركيبة المثلثة تفاقمت التناقضات الثانوية وتآكلت كثير من النضالات الشعبية والحزبية والوطنية والدولية.

    2- على المستوى النظري:
    كرست هذه التحولات خطل كثير من التنظيرات والتناولات الشعاراتية سواء الجانحة إلى الموضوعية مثل الليبرالية، الإنفتاح، والطريق الثالث، والتنمية بالديون، أو التنمية بإستيراد الألات، أو التنمية بتعديل المسميات، أو خطل الأفكار والتنظيرات الجانحة إلى الذات والأحدية والصهر والتفرد مثل الحركات الفاشية والدينية بأصولها الإقطاعية أو البدوية، وقد خبأت نيران كثير من الحركات الثقافية والدعاوى السياسية التي عاشت طفيلية البرجوازية الكبيرة والصغيرة متغذية بالتباينات الفكرية والعملية أو بمحاولة صهر أو جمع أطرافه أو بعضها سواء في الدعاوى الأصولية أو دعاوى التجديد الأيديولوجي أو دعاوى الحداثة الجزئية وما شاكل ذلك من دعاوى ونضالات إشتراكية جزأْت ضرورة الربط بين ضرورات الإشتراكية والديمقراطية والتغيير الجذري وأبخست بضرورة أحدها الضرورتين الأخريتين اللازمتين لحياته وتطوره.

    هـ - الآثار الواقعية للتحولات العالمية والمحلية:
    ألقت مواشجات الأزمة العالمية للإمبريالية والنظام الرأسمالي العالمي لتقسيم الموارد آثاره على طبيعة الإنتاج والحياة في العالم وفي السودان ومن أهم هذه الآثار الملموسة لهذه التحولات التفاوت الطبقي الشديد في الأحوال الإقتصادية-السياسية وفي الأوضاع الإجتماعية وثقافاتها ومن ذلك يمكن الإشارة إلى الوضع المتفاقم الماثل في المجتمعات السودانية في مختلف اقاليمها حيث يلاحظ:
    الإنخفاض المريع في معظم مؤشرات الحياة بالنسبة لغالبية السكان رغم الإرتفاع النسبي الظاهري في الأجور والعائدات وبعض التحسن النوعي في الإمكانات، ومع هذا الإنخفاض يظهر الإرتفاع المذهل في مستويات الحياة والإستهلاك المسرف بالنسبة للفئات الرأسمالية التي تعيش في مناخ الإستغلال الطبقي بتجارته الدولية المخسرة ومشاريعه الزراعية ومصانعه وبنوكه ومايتبعه من ديكتاتوريات مدنية وعسكرية وفساد وطفيلية وإمتيازات وفوارق طبقية تعكس في تركيزها وتبديدها للموارد والأموال وتهميشها للناس ثقافة عنصرية تثير في المجتمع كثير من المواجع والمحن والتمردات والحروب والتعارضات والإتفاقات السياسية المشوهة التي تتيح إمكانات جديدة لتفاقم النزاعات بحكم إنعزالها عن معالجة أزمة الإستغلال وطبيعته الطبقية المتعددة الأشكال.

    3- الضرورة النظرية والعملية لوجود برنامج جديد للحزب الشيوعي السوداني:
    أ- فرز المهام النظرية والعملية الضرورة لتقدم المجالات الرئيسة في الحياة السودانية ووصف التغييرات المطلوبة لها
    ب- التحقيق النظري-العملي للحيوية التاريخية العلمية والإجتماعية لأيديولوجيا وأفكار الحزب الشيوعي جهة قضايا الواقع
    ج- الإستيعاب الناقد لتراكم المتغيرات الموضوعية والشكلية في الحياة السودانية والعالمية منذ آخر مؤتمر للحزب.
    4- الخط الرئيس لتركيب البرنامج:
    تشكلت معالم تركيب هذا البرنامج بالنظر إلى ما في السودان والعالم من تفاقم التفاوت الطبقي الشديد بين أقلية مترفة وأغلبية مستغلة ومهمشة وما رافق هذا التفاوت الطبقي من تفاقم في الصراعات وفشل في حلها بكافة الصور الجزئية التي سارت عليها الحلول تحت الشعارات الوطنية أو القومية أو الإشتراكية أو الإسلامية مما يتبدى في أحوال المجتمعات وما تعانيه من قهر وإستغلال وتهميش وحروب حيث تظهر بذلك كما سبق القول الصلة الموضوعية الوثيقة بين قضايا الحرية والعدالة والسلام وقضية التركيبة الإقتصادية الإجتماعية السياسية الثقافية لتوزيع الموارد في السودان والعالم وضرورة تناول هذه التركيبة الرأسمالية المزدوجة إلى مراكز رأسمالية أصيلة ودول وأقاليم تابعة وتغييرها بصورة جذرية تتعاقد فيها المحركات والقوى والتغييرات الإشتراكية والديمقراطية بقضية التغيير الجذري الشامل والتنمية النظرية والعملية لمفاهيم الثورة الوطنية الديمقراطية التي كانت إلى حد ما وبصورة دقيقة تفصل بين هذه التغييرات وتجزئي تشكيلاتهم، والتغيير عن ذلك الأسلوب القديم إلى هذا الإتجاه الجديد الشمولي المضاد للجزئية.

    من هذا الخط الموجب بربطه قضايا التطور الوطني الديمقراطي والإشتراكية والديمقراطية بقضية التغيير الجذري الشامل لتركيبة توزيع الموارد في السودان يتقدم البرنامج الجديد للحزب السوداني على ثلاث نقاط سالبة متأخرة فكرياً وعملياً سادت الحزب في الفترة الماضية حيث يتجاوز هذا البرنامج الإتجاهات التي تتجنب الصراعات الموضوعية الطبقية والإقليمية وتعمل على الإنعزال عنها بدعوى ضعف الحزب أو تأمينه، كما يتجاوز هذا البرنامج الإنكفاء على بعض قضايا التغيير الديمقراطي الفوقية دون جذورها الإقتصادية الإجتماعية، كذلك يتجاوز هذا البرنامج إتجاهات الإنكفاء على الشعارات الوطنية الديمقراطية أو الضجيج بالحداثة والعلمية والمجتمع المدني في مجتمع يئن أبناءه بل ويموتون موتاً بطئياً أو موتا سريعاً بأبشع الأشكال وأوحشها جراء موبقات الإستغلال والإستعمار الحديث ومرابيه الإستعمار الداخلي، وبهذه الخطوات الثلاث إلى الأمام يستوعب البرنامج القيم النظرية والعملية التي إنتهت إليها طريقة (السير) والمراوحة بخطوة إلى الإمام وخطوتان إلى الخلف المسببة أو الناتجة من تجزئة أيديولوجيا الحزب أو تقسيم الواقع بصورة نظرية غاضة للنظر عن ترابطاته العضوية الداخلية والخارجية.

    هذا البرنامج هو مجرد ثلاث خطوات ضرورية في عملية التغيير الإجتماعي الأكثر إشتراكية وعلمية التي تندرج فيها جملة الأحزاب الشيوعية في العالم وهو بطبيعته قاصر عن التناول الدقيق والمفصل جداً لكل المسائل الأساسية التي يتناولها، ولكنه في هذا التناول يحاول أن يقدم جزءاً نظرياً عملياً خلاقاً من عزم وإرداة الحزب الشيوعي السوداني في حل الأزمات الرئيسة في الموارد والسلطات والأوضاع الإجتماعية والثقافية التي تواجه مجتمعات السودان وفي قلب هذه المجتمعات الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذين يعانون من الإستغلال والتهميش الطبقي المباشر والإقليمي حيث ينتجون حوالى80%- 90% من جملة الناتج القومي وفيوضه ولا ينالون عند توزيعه إلا حوالى 10%- 15 % منه بينما يذهب أكثره إلى الفئات الرأسمالية المستغلة بأشكالها المختلفة.

    وضمن الحلول المجربة تأكدت في تاريخ السودان وعدد من الدول المماثلة والمختلفة عنا النواحي السلبية لفصل القضايا العامة للحرية والعدالة الإجتماعية والسلام عن بعضها مثلما تأكدت النواحي السلبية لفصل الإشتراكية عن الديمقراطية عن التغيير الجذري الشامل ومن هنا تأتي طبيعة التفريد الموضوعي للمجالات والتغييرات المطلوبة فيها مواشجة لطبيعة التبلورالإجمالي الدقيق لها وتشكلها في الواقع بقوة النضال الحزبي النظري والعملي المتنوع والمتواشج في المجالات النقابية والمجالات الثقافية وفي نطاق حركات التحرر الإجتماعية والإقليمية في السودان، وكذلك على النطاق العالمي حيث لا يمكن عزل قضية الإستغلال الإقتصادي الإجتماعي في المدن عن قضية الإستغلال الإقتصادي الإجتماعي في الريف والأقاليم المهمشة، ولايمكن عزل قضيتي الإستغلال والتهميش في المدن والإرياف، عن التقسيم الرأسمالي العالمي لموارد المجتمعات وإنفراده الإمبريالي بها في عنصرية غاشمة، من هنا يأتي خط تركيب هذا البرنامج في الوحدة الموضوعية لمشكلات السودان والعالم والوحدة الموضوعية للتغييرات الجذرية في المطللوبة في مجالات الحياة الأساسية في توزيع الموارد والسلطات وإحترام التنوع الإجتماعي وحقوق الإنسان والإحياء الفعلي والعلمي للثقافات الوطنية بذخر مجتمعاتها وأقاليمها بمقومات الحياة المادية والمعنوية.

    برنامج الحزب الشيوعي السوداني في المجال السياسي:

    1- في التعريف بالدولة والطبيعة الرأسمالية لأزماتها بأشكالها المختلفة:
    الدولة في بعض تعريفات القانون شعب وإقليم جغرافي وسيادة ووشائج طبيعة وثقافية جامعة بينهم، والدولة كمنظومة حكم وتوزيع للموارد وضبط للحقوق والإلتزامات بين الناس ثلاث سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وتمتاز كأي تنظيم بالتمركز ولكن الطبيعة الرأسمالية التابعة للدولة السودانية وقوانينها مثل كل الدول التابعة للمراكز الرأسمالية في العالم وقوانينها قننت تسلط مصالح الطبقة المتملكة لموارد المجتمع على أجهزة الحكم منفردة فيه بتقرير مصالحها الرأسمالية بالتراخيص والإعفاءات والإتفاقات والإستيراد السفيه والديون والفساد والإستبداد دون إكتراث لطبيعة مفاقمة هذه المصالح لأزمات الإستغلال والتهميش الماثلة في زيادة العددية والبنيوية لأوضاع الفقر والأمية والتخلف والأمراض والحروب في المجتمع والدولة وفقدهما لكينونتهما ووجودهما.

    ب- فمن جهة خارجية إرتبطت حياة الدولة السودانية (المستقلة) عضوياً بالحياة الإقتصادية السياسية الرأسمالية الدولية في العالم وثقافة مؤسساتها السوقية والمصرفية التي تحدد قدرة الدولة وعملاتها على التبادل الإقتصادي والثقافي الدولي للمنافع، كان إرتباط الدولة الرأسمالية في السودان بالحياة الإقتصادية الداخلية -ولم يزل- إرتباطاً فوقياً من ناحية سوقية تجارية تهتم فيها الدولة بجمع الضرائب التي توفر بها الموارد للخارج الرأسمالي ولأفراد هيئاتها الحاكمة وما يتبقى يدفع لتقديم بعض الخدمات لمحكوميها.

    ج- التناقض الرأسمالي بين هذين الإرتباطين المتعارضين في الخارج الداخل يزيد فشل الدول الرأسمالية التابعة ومن بينها السودان في حل أزمات الوضع الذي يفرضه عليها التنظيم الرأسمالي العالمي للموارد وتوزيعه السوقي المجحف لها: فمن جهة خارجية يمارس التنظيم السوقي الرأسمالي للموارد تبخيساً متافقماً في التجارة الدولية لصادرات الدولة ويفرض عليها أسعاراً باهظة لصادراته إليها مما يضعف القدرات الإنتاجية للدولة ويفسدها، ومن جهة ثانية يؤدي هذا الإستضعاف إلى فشل الدولة في القيام بالحد الأدنى من واجباتها ويشدد فيها التوترات والأزمات خاصة ما إذا كانت الدولة تتبع في تنظيمها الداخلي للموارد ما ترفضه في المجال الدولي من سوقية ومركزية رأسمالية وإحتكارات طبقية للموارد والخدمات، وقد زادت أزمة الدولة في السودان بإستمرار هيئاتها الحاكمة الليبرالية والبيروقراطية في السير في الطريق الرأسمالي محلياً ودولياً، مما إرتبط بإستبداد الحكم وفقر الشعب ودمار ونهب قدراته الإنتاجية وشظف حياته ومعيشته بالسوقية العشواء وزيادة التفاوت الطبقي وتفاقم الأزمات الإجتماعية والثقافية وتفكك هيئات الدولة وفسادها وتقطع أرحام المجتمع فئات كانزة مترفة مسرفة متعالية تنوء بها الطبقات الكادحة الممحوقة والأقاليم المهمشة التي تقدم حوالى 80% - 90 % من دخل الدولة التي تعيد لها الفتات أو أقل مما فقدت به الدولة السودانية بالتدريج المشروعية والسيادة السياسية على المستوى الشعبي وصارت شرعيتها وسيادتها السياسية رغم كل التحسينات اللامركزية والإقليمية والإتفاقات الثنائية على المستوى الدولي إلى زوال إذ تقطع المؤسسات الدولية الرسمية والمؤسسات الدولية المدنية كل يوم طرفاً من السودان تضعه تحت وصايتها، وفي يحموم الإستبداد والإنفراد السياسي والإنفصام بين وجهي العملة الليبرالي والبيروقراطي قد لا يدري بعض الناس غياب وكيفية ضياع هذا الطرف وقد لا يعرفون كيفية إستعادته، ومن هنا تأتي طبيعة معالجة الحزب لموضوعات المجال السياسي والدولة وأزماتها معالجة مفصلة نسبيةً توضح بصورة عامة الإجراءات المطلوبة فيه لعلاج الأزمة وحل تناقضاتها على النحو التالي.

    2-- مجال فلسفة الحكم ونظام الدولة:
    أ- إلتزام فلسفة حكم الدولة بالأصول العلمية الإجتماعية في أنساقها الإشتراكية لقضايا الحرية والعدالة الإجتماعية والسلام والمعالجة الجذرية الشاملة لكينوناتها في بنيات الإقتصاد والإجتماع والسياسة والثقافة المختلفة داخل المجتمعات السودانية وفي الشؤون الدولية معالجة تربطها بقضية التوزيع المتوازن لموارد الإنتاج والتوزيع المتوازن للسلطات الناظمة له وتفعيل هذا الإرتباط بخطة تنمية متوازنة علمية ديمقراطية شعبية تسثمر قدرات الناس وحاجاتهم بصورة إشتراكية فعالة تبعدهم من تكالبات ومضاربات الإنفراد بتملك الخيرات العامة لوجود وإنتاج المجتمع وعن عشواء تسويق وخصخصة الموارد والحاجات الأساسية للناس.

    ب- يقوم التنظيم العام للدولة وأجهزتها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس التنظيم اللامركزي والحكم الشعبي في جمهوريات مستقلة بكامل مواردها وسلطاتها ومتعاقدة بوضوح على حقوقها وإلتزاماتها التي تسري بشكل مطابق مناسب داخل كل جمهورية منها مثلما تسري في النطاقات الموحدة بين جمهوريات السودان.

    ج- بناء العلاقات الخارجية للدولة الإتحادية الجديدة على أساس تكافوء المصالح، وتوسيع الإرتباطات الإقليمية والسياسية للجمهوريات السودانية بصورة جماعية جهة المنظومة الأفريقية الشرقية والغربية والجنوبية وجهة جميع دول التوجه الإشتراكي، وتفعيل علاقات السودان العربية والدولية لخدمة هذا الإتجاه.

    3- في مجال التشريع العام:
    أ- قيام المؤسسة التشريعة الإتحادية وداخل كل جمهورية سودانية على أساس التعاضد بين القوى الفاعلة في المجتمع وهي جملةً :
    القوى النقابية والمهنية والتنظيمات المدنية، القوى النظامية للدولة وحركات التحرير، القوى الحزبية والتنظيمات السياسية.

    ب- يتم تكوين الموسسة التشريعية بإنتخابات تصاعدية تنظمها المؤسسات المعنية .

    ج- إلتزام كافة التشريعات السارية في نطاق الدولة بكافة العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

    4- في مجال جهاز الدولة وسلطاته:
    أ- تقوم فلسفة جهاز الدولة وطبيعته العامة على كونه وحدة خدمة إجتماعية شاملة ترتبط فاعليتها بقدرته على تنسيق السياسات المختلفة في إطار المصالح الإقتصادية الأساسية لمجتمعات السودان وثقافاته التي تقرها خطة التنمية العلمية المتوازنة ومؤسسات المجتمع والدولة في هيئاتها الديمقراطية الشعبية.

    ب- يتم تولي الوظائف العامة في أجهزة الدولة الإدارية بالتصعيد وبالإنتخاب من بين أكفأ القدرات في كل مجال على حدة، على أن تكون كل وظيفة محلاً للمحاسبة والإنتخاب بشكل دوري يقرر بالتوافق بين الهيئات القاعدية والهيئات الإتحادية في الدولة ويجري ضبطه بقوانين ولوائح مناسبة.

    ج- تكتفي الدولة في كثير من المجالات بتقصير ظلالها الإدارية لصالح المؤسسات الطوعية والمدنية وتتوسع في ذلك حسبما تقره خطة التنمية العلمية المتوازنة ومؤسسات المجتمع والدولة في هيئاتها الديمقراطية الشعبية، وتتجه الدولة عموما إلى تحويل مؤسساتها وإداراتها الكبرى الإقتصادية والسياسية إلى هيئات تعاونية وشراكات متساوية الأسهم تتملكها الجمهوريات والأقاليم والمحافظات في كل جمهورية وإتحادات ونقابات العاملين عليها بأنصبة متساوية تخضع في توزيعها وإداراتها وضبط كفاءتها إلى وحدات ومعايير علمية وقانونية مناسبة لمهامها وللمصالح الإجتماعية المرتبطة بها عن طريق رقابة وتوجيهات الجهاز التشريعي.

    د- مجانية الخدمات العامة للمواطنين كإصدار الوثائق الشخصية والجوازات، والأراضي، والمياه والكهرباء والمجاري، والمواصلات، والإتصالات، والتعليم بجميع مراحله، والصحة العامة والعلاج والنظافة، وخدمات العدل والأمن والنظام العام، وإستخراج الأذون والرخص المفيدة للتطور الإقتصادي، والحق العام لجميع المواطنين في نيل هذه الخدمات العامة في اقاليمهم وجمهورياتهم وفي نطاق الدولة الإتحادية دون أية رسوم أو ضرائب إضافية سوى التي يتم إستقطاعها مسبقاً من أجورهم ودخولهم، وتغطي أجهزة الدولة ومؤسساتها العاملة في هذه المجالات نفقاتها من نشاط المؤسسات الإقتصادية الأخري للدولة.

    هـ- فاعلية عناصر المجتمع وجمهورياته في السلطة التشريعية الإتحادية وإرتكاز خطة التنمية المتوازنة على تعزيز التركيبة الإشتراكية العلمية والديمقراطية الشعبية في جهاز الدولة ومؤسساتها الإقتصادية وتحقيقها لغاية تسهيل مقومات الحياة هي أساس نجاح السلطة التنفيذية في تحقيق المعني الحيوي للنظام الديمقراطي في معيشة الناس وتقليل أسباب ووتائر الفساد والإستبداد

    5- في مجال القانون والقضاء:
    أ- المعرفة والخبرة الحقوقية أو العدلية المنظمة هي أساس العمل في الأجهزة والهيئات المتعلقة بالقضاء وأعمال المحاكم
    ب- المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هي المصدر الأساسي للتشريع والمرجع الرئيس لإستنباط الأحكام عند إختلاف الأعراف المحلية أو الأعراف القانونية أو القضائية أو تعارض الإختصاصات..إلخ .
    ج - ينتخب أعضاء الهيئات القضائية والحقوقية ممثلين لهم ولأرائهم في أمور تنظيم المهنة وفي النشاطات العامة للدولة
    د- إستقلال شؤون القضاء والقضاة وأعمال المحاماة وخضوع كل منها لهيئتها التي تحدد ضوابط ونظم مهنتها وكيفية تفعيلها على أن ينشأ بينها جهاز تنسيق إتحادي له صلة بأعمال السلطات التشريعية والتنفيذية.
    هـ - تمول الدولة أعمال القضاء وإجراء العدالة بسخاء وتدفع الدولة أتعاب المحاماة للمعسرين بضوابط تحددها الهيئات المختصة
    و- تتولي السلطات الثلاثة وفق نظامها العام تقرير دواعي فرض أحكام حالة الطوارئي في البلاد وتبين أسبابها ونطاقها الزماني والمكاني وفي حالة تعذر ذلك ودعت الضرورة يمكن لرؤساء السلطات الثلاثة القضائية والتنفيذية والتشريعية أن يقرروا بالإجماع فرض حالة الطوارئي مبينين أسبابها نطاقها الجغرافي ومداها الزماني.

    6- القوات النظامية:
    أ- في الطبيعة الوطنية والإجتماعية للقوات النظامية:
    في ظل التباين النظري والواقعي في القدرات والموارد والحقوق العامة والخاصة الطبيعة فإن الطبيعة المتنافرة لعناصر الوجود الدولي وعناصر الوجود الإجتماعي تتطلب وجود قوات نظامية وأمنية على أعلي مستوى من الجاهزية والإستعداد والفاعلية وكذلك من المعرفة الوطيدة بأبعاد الحقوق والقضايا الوطنية والإجتماعية والإدراك العميق لأوليات حقوق الإنسان ومجتمعاته، وطبيعة التنظيم العام للدولة وإختصاصات وحداتها ونقاط قوتها ونقاط ضعفها وإمكانات معالجاتها بصورة موضوعية تتيح لهذه القوات تطوير قدراتها والتحول من عصا للحكومات ضد مجتمعات إلى كينونة فاعلة مع وحدات المجتمع الأخرى في تحقيق الأمان لعملية تنمية متوازنة ديمقراطية شعبية كما تسهم فيها بجهود منتسبيها في أعمال التعمير والهندسة والتمويل والمساعدة الفنية ..إلخ مما يرسخ الشعارات الشعبية القديمة عن وحدة الجيش والشعب وخدمة الشرطة للشعب والأمن للبلد لا لحاكم مستبد وغير ذلك بعيداً عن حالة الكره المتبادل مع الأنشطة السياسية والمدنية التي زرعها الإستعمار وعملاءه عقب ثورة سنة 1924 العسكرية-المدنية المجيدة.

    ب- العوامل الأساسية في تنمية القوات النظامية:
    1- الإستقرار السياسي الموضوعي لمجتمعات السودان بالحرية والعدالة والسلام ،
    2- تنمية القدرات الذاتية للقوات النظامية في مجالات الإدارة والتجهيز المعنوي والمادي والتسليح والتدريب والإنضباط.

    2- برنامج الحزب الشيوعي السوداني في مجال الإقتصاد:

    1- إيضاح بعض النقاط في فلسفة وتنظير عملية الإقتصاد:
    الإقتصاد هو نشاط المجتمع لتجديد حياته وزيادة منافعه بمعادلة أقل قدر من الجهود والموارد بأعظم ما يمكن كسبه وتحقيقه بها.
    وتتم هذه المعادلة بنشاطين أساسسين متصلين هما: إنتاج البضائع والسلع وتوزيعها. ويرتبط النشاطان بالحجم الطبيعي والإجتماعي للموارد والقوى والأدوات الإنتاجية المتاحة، وبظروف سياسية وإجتماعية وثقافية تواشج ذلك وتفاضل وتكامل الإفعال الإقتصادية للأفراد والمجموعات والمجتمعات في منظومة حياتية متنوعة يتحدد طابعها العام بالعلاقة الإنتاجية التي تحكم توزيع قوى وموارد الإنتاج وهي علاقة مركزها ملكية وسائل الإنتاج الإجتماعية. وبشكل عام يمكن تمييز ما هو أساس وقاعدي في منظومات الإقتصاد وما هو تالي وعلوي وفوقي مترئس لها، عن طريق رصد تقسيم موارد ووسائل وجهود الإنتاج وإتجاه العائدات العظمى منه.

    وقد ألفت العملية الإقتصادية طوال تاريخها ككل العمليات الطبيعية قطبين متنازعين كانا في القديم مع بعض التغيرات هم المستعبدين والسادة ثم تحول الأمر إلى مابين سادة الإقطاع وباشاوته ولورداته والإقنان زراع الأرض، ووسطهما فئات من البنائين والصناع والحرفيين والتجار الذين تحولوا فيما بعد بتطور الموارد والألات ووسائل الإنتاج والحاجات والقدرات إلى طبقة رأسمالية صناعية تغذت نوعاً ما من تجارة العبيد ومن الإستعمار الأوربي لأمريكا وإبادة شعوبها القديمة ولأنحاء العالم الآسيوي والأفريقي والأسترالي وخلقت النمط الصناعي في الإنتاج لأجل الربح وشكلت بقوة قطبيها الإجتماعيين المتنافرين الحديثين وهما قطب الطبقة العاملة الصناعية وعموم الكادحين، وقطب الطبقة المالكة الرأسمالية، وبينهما طبقة وسطى ينافق زعمائها بمصالحها بين الطبقتين.

    ورغم طابعها الرأسمالي العام فإن العملية الإقتصادية تختلف في أفريقيا مثالاً عنها في أوربا ففي بلدان المراكز الرأسمالية تتميز بطبيعة تركيزها رؤوس الأموال المصرفية والتجارية والصناعية مجتمعة مع القدرات والسلطات الإعلامية والأمنية والسياسية والعسكرية في هذه الدول المتحكمة من حالة الإستعمار القديم وآثاره في قدرات الدول الغضة اليافعة التي صارت مكبلة بعلاقات الإستضعاف والتبعية الرأسمالية بالدول المركزية المسيطرة بينما العملية الإقتصادية في الدول الرأسمالية التابعة وهي أغلب دول العالم مفككة عضوياً وظاهرياً مشتتة الموارد والقوى مناقضة لبعضها بصورة أشد مما هي متكاملة مع بعضها، ونتيجة هذا الضعف البنيوي أضحت كفتها ضعيفة في ميزان الإنتاج والتوزيع المنصف لمواردها بصورة قاسطة في مجتمعها مما يعف أكثر قواه الإنتاجية وفي ميزان التبادلات الدولية مما رمى دولتها ومواردها وقدراتها بالأزمات والديون والخصخصة والعولمة زائدا فيها الحرمان والتذمر والإستبداد والبطش بصورة أكبر عما كان يحدثه الإستعمار القديم القائم على توسيع إستغلال الريف والإنماء البطئي للمدن والمدنية وفق متطلبات شركاته القابضة وهو ما كسرته حركات التحرر الوطني. ولكن هذه الحركات فشلت بطابعها الملتبس وظروف الحرب الباردة في أن تأخذ جهة الرأسمالية أو ان تأخذ جهة الإشتراكية مما زاد البلدان الرأسمالية التابعة ضعفاً وخار بقواها الإنتاجية والسياسية ومزق مجتمعاتها وبدد ثقافاتها وأخفت ما بقى لها من إشعاعات حضارية قديم.

    ويمكن القول بان نضالات التحرر الوطني ومكاسبها وخسائرها فتحت بشكل جدلي أفق موضوعي لإكمال مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية وربط عمليات التنمية بقضايا الإشتراكية والديمقراطية المحلية والدولية والتغيير الجذري الشامل للأوضاع الإقتصادية السياسية والإجتماعية الثقافية في نطاق ترسيخ الأسس الموضوعية للحرية والعدالة الإجتماعية والسلام بأوطان إشتراكية متقدمة يشترك الناس في مواردها وسلطاتها إشتراكية فعالة متطورة.


    1- القضية الأساسية في مجال الإقتصاد، والمطالب الأساسية لتجديد قطاعاته:

    1- الإستراتيجية الإقتصادية لعملية التنمية المتوازنة ووسائل تحقيقها:
    أ- يهدف هذا البرنامج إلى تناول قضية التنمية المتوازنة كقضية تكتيكية وإستراتيجية وتحقيقها من منظور إقامة وحدات إقتصادية سودانية متكاملة في داخل البلاد وحتى في خارجها قابلة للتبادل المريح مع الوحدات الإقتصادية الأخرى في السودان والعالم وفق مبدأ الوزن المخطط للمصالح المتبادلة والزيادة الكمية والنوعية للمنافع.

    ب- والتبادل الحيوي المنظوم حسب المصالح والحاجات والقدرات بين المجتمعات السودانية وبعضها ومع المجتمعات الأخرى في العالم هو الطريق الأسلم لخروج مجتمعات السودان من حالات النقص والتكالب إلى حال للكفاية في الضرورات وبعض الكمالات والعدل في توزيع موارد ووسائل وجهود وخيرات إنتاجها ولكن تحقيق هذا التبادل يرتبط بضرورة نشاط مؤسسات المجتمع والدولة في التخطيط وفي التنفيذ نشاطاً عاماً متصلاً منظوماً يلعب فيه الحزب دوراً فاعلاً في الدعوة والحشد والتنظيم له.

    ج- يتطلب تحقيق فاعلية مستدامة لهذا التبادل دفع قدرات العمل الفردية والجماعية ومضاعفتها بعلاقات إنتاج إشتراكية متنوعة في أشكالها بداية من التعاون والشراكة تناسب قدرات وقوى ومصالح السيطرة الشعبية على مقاليد أمورها وفق مساطر إجتماعية وعلمية في كل مجال تزكيها الأعمال العلمية الجماعية بخطة علمية للتنمية المتوازنة تضع خطوطها العامة وتقرها هيئات الدولة الديمقراطية الشعبية.



    2- الطبيعة العامة لقضية الإنتاج وعلاقاته:
    أ- تتصل قضية الإنتاج والتطور العددي والنوعي في الإقتصاد بصورة عامة بقضايا التطور السياسي والإجتماعي والحقوقي والثقافي من خلال علاقات الإنتاج والمدى الذي تتيحه لسواد الناس في تملك مواردهم وووسائل عيشهم وجهودهم، من هنا لابد أن تتصل أي محاولات جدية لإستثمار الموارد أو توزيع الفوائض الإقتصادية بإزالة علاقات الإنتاج القديمة التي أعاقت التطور العام لمجتمعات السودان وأضعفتها وفرقتها ومزقتها مثل بقية مجتمعات الدول الرأسمالية التابعة.

    ب- كانت العلاقات الإنتاجية المتخلفة عن حاجات الناس - ولم تزل- مرتبطة بالتملك الفردي الخاص للموارد العامة لتنميتها في مجتمع تسوده الأمية والأمراض والفقر وفي ذلك تقاصر العمر الرأسمالي والحياة في السوق من 20 سنة إلى بضعة شهور وفي بعض الأحيان إلى بضعة أسابيع أو أيام، وينتهي أغلب المسجلين في السجل التجاري إلى دائرة الإفلاس أيما كانت نواياهم وقدراتهم.
    وأظهر قطاع العمل المأجور شموله وضعفه في الحياة العامة حيث يعمل به العدد الأكبر من السكان النشطين إقتصادياً ولكنه حسب معدلات الفقر لايفي بحاجات أكثر من 90% من السكان. وفي دائرة إنتهاء النشاط الخاص إلى الديون والسجون والحروب تتمركز دائرة أضيق للمنتفعين بهذا النظام الرأسمالي تتعدد وجوهها العلمانية والإسلامية والحزبية والإقليمية ولكنها تظل في النهاية دائرة عنصرية لفئة الجلابة وسيطرتهم التجارية والمصرفية والسياسية على الدولة السودانية بكل أجهزتها وكل مجتمعاتها وثقافاتها وأزماتها. من هنا تأتي الضرورة الموضوعية لتجاوز هذه العلاقات الإنتاجية المتخلفة والمدمرة الأحدية إلى علاقات أرحب وأفيد أكثر إشتراكية وأغزر إنتاجاً وخيراً للغالبية العظمى من الناس الذين أضنكتهم العلاقات الأولى بزيادتين متواليتين نقيضتين لبعضهما وهما زيادة العمل وزيادة الفقر.

    ج- يتطلب بناء العلاقات الإنتاجية الجديدة في الدولة السودانية تقديم الأشكال العملية في التعاونيات والشراكات في المشروعات الإقتصادية المختلفة الكبرى منها والصغرى وخضوع ملكيتها وسياسات إداراتها لنقابات العاملين أو إتحادات المزارعين المتصلة بها خضوعاً تاماً وذلك لتحقيق الإنتقال الإقتصادي الإجتماعي والسياسي والثقافي من النظام القديم وفق قدرات وجهود ومصالح المستفيدين من النظام الجديد على تنوع أرائهم وأقاليمهم وإنتماءاتهم والخروج بمجتمعات السودان من نظام الإفقار والتنازع إلى نظام مفيد للإثمار والرشادة الإقتصادية وتكامل الجهود والقدرات وتوافق المصالح الإجتماعية-الإقتصادية والسياسية.

    د- ويقتضي أمر التجديد الجذري لعلاقات الإنتاج مصادرة مفسدات التخطيط والتنظيم الإقتصادي الوطني الماثلة في طبيعة ملكية المبهمة والفردية لعديد من المؤسسات والمشاريع الإستراتيجية أو المتصلة بها ويطرح هذا الأمر أهمية تأميم كثير من المؤسسات التي تمت خصخصتها وفي مقدمة تأميم جميع مؤسسات الموارد والخدمات العامة التي خصخصت جزئياً أو كليا ووضعها بالكامل تحت سلطة الشعب والهيئات النقابية الشرعية لإدارييها وعمالها، وتصريف أمورها كتشاركيات أو تعاونيات بسياقات جماعية كبرى أو صغري حسب حجمها الإقتصادي وطبيعتها التقنية في جملة الإقتصاد الوطني العام وعملية تنميته تنمية متوازنة وما تمثله في هذا الشأن من كينونة إقليمية-سياسية مثل مشروع الجزيرة أو السكك الحديد أو الإتصالات أو الكهرباء والمياه أو النفط أو المواني...إلخ

    3- الشكل العملي للتغيير في عملية الإنتاج وعلاقاته:
    والحديث العام عن الأزمة الشاملة وإتصال الخروج منها بعلاقات إدارة وتملك وإنتاج جديدة لا يغني عن طرح الحزب لمطالب وحاجات تنمية قطاعات الإقتصاد الأساسية وإيضاح الطبيعة والفائدة الموضوعية والعملية لهذه المطالب وفتح التصور العام لإستيعابها وإثراءها وتنميتها فبرنامج الحزب يتطور بالعرض الذكي والصبور للجماهير وبالإستلهام العلمي الناقد لأرآءها وتصوراتها ودراسة وتحقيق مطالبها الموضوعية ومن ذلك يأتي تقديم الفقرات المفصلة للمطالب والإتجاهات اللازمة لتجديد وتنمية قطاعات الإقتصاد تنمية متوازنة في أعداد ونوع عناصرها وذلك على النحو الأتي بيانه:
    1- المطالب والإتجاهات اللازمة لتجديد قطاع الزراعة والرعي بأشكاله:
    ترتبط هذه المطالب والإتجاهات بكون الزراعة والرعي تمثل المصدر الحيوي لمعيشة المجتمعات السودانية والكيان الفعال عدداً ونوعاً لإستيعاب الموارد الطبيعية من مياه وأراضي والموارد الإجتماعية الماثلة في جهود ملايين البشر وهي مطالب وتوجهات تتصل بعدد من النقاط منها:
    أ - تمليك الأراضي الزراعية مهما بلغت لإتحادات المزارعين
    ب - تحويل إدارات المشاريع إلى هيئات خاضعة لإتحادات المزارعين لقاء نسبة مئوية من عائدات المشروع لها للدولة
    ج- زيادة الدولة للإمكانات التقنية والمصرفية والتعليمية والإرشادات العلمية والمساعدات التجارية لعمليات الزراعة والرعي
    د- ربط تجارة الماشية بإتحادات الرعاة والتوسع في الإتجاه بها إلى التصنيع الداخلي بأنواعه بمقادير متوازنة.
    هـ- ربط الإنتاج الرعوي بإمكانات زراعية وبيطرية وخدمية وصناعية وتجارية مواشجة لعلاقات تعاقدية متنوعة ترعاها الدولة
    و- تحويل المصارف والبيوت التجارية المختصة في هذه النشاطات إلى شراكات وتعاونيات وشركات مساهمة يكون لإتحادات المزارعين والرعاة ومؤسسات خدماتهم نصيب الأسد فيها بينما تحول إداراتها إلى أيضاً إلى شراكات متخصصة في الإدارة.
    ز- توازن سياسة الدولة إتجاهات الزراعة التقليدية المحدودة بكفاء متطلبات العيش وإتجاهات الزراعة الواسعة لأجل النقود
    ح- تعفي جميع الأنشطة الزراعية والرعوية وما يتعلق بها مباشرة أصلاً أو فرعاً من أية ضرائب أو رسوم
    ط- المؤسسات الزراعية تؤدي نفقاتها بنشاطها الخاص وفق خططها الديمقراطية الشعبية
    ك- تدعم الدولة بأشكال مباشرة أو غير مباشرة الإحتياجات الأساسية للنشاط الزراعي والرعوي وتقوم بتخديم قواها وعلاقاتها
    الإقليمية والداخلية والدولية في هذا السياق.
    ل- تخطط الحياة السياسية والثقافية بأولية لهذي القطاعات وما قدمته طوال ألاف السنين قوبلت فيها بالإستغلال والتهميش والحرب ومن مقومات هذه الأولية لحياة المزارعين والرعاة النقاط الثلاث الآتية:
    ا- تمثيل هيئاتهم ضمن هيئات العاملين بصورة تناسب عددهم وإسهامهم في الحياة والتطور الإجتماعي
    2- تكريم المتفوقين في أعمال الزراعة والرعي، والإهتمام بنشاطاتهم وأخبارهم ومنحهم ما يستحقون من تقدير معنوي ومادي
    3- الزيادة والتنويع العددي والعملي للخدمات التي تقدمها الدولة من دخل النفط والموارد المعدنية للمجتمعات الزراعية والرعوية.

    2- المطالب والإتجاهات المتعلقة بالصناعة:
    أ- تحويل مؤسسات الدولة الصناعية أو ما تبقى منها بمختلف أشكالها إلى شراكات وتعاونيات لنقابات وإتحادات العاملين فيها
    ب- التشجيع الضرائبي لتجميع أو توزيع الورش ومحلات الإنتاج الحرفي بمعايير خطة التنمية المتوازنة
    ج إعفاء جميع المؤسسات الصناعية العامة والخاصة من الضرائب والرسوم والجمارك
    د- تسهيل إمكانات الدعم المصرفي والعلمي والتجاري والخدمي للصناعات وفق الخطة العامة للتنمية المتوازنة
    هـ -تأسيس البنية التحتية للصناعة بما في ذلك من تنقيب وصناعات أساسية وخدمات عامة
    و‌- توزع وتكامل الإنتاج الصناعي وحداته وانواع نشاطه حسب إمكانات تنسيق الحاجات والقدرات
    ز‌- ربط الدخل بالإنتاج على ثلاث:1- وسيلةالعمل 2-العمال والهندسة والتنظيم والإدارة، 3- الدولة.
    الدعم العام من الدولة ومؤسساتها وفق خطة التنمية لعلمية لمؤسسات المجتمع

    3-- المطالب والإتجاهات المتعلقة بالخدمات العامة:
    1- الطبيعة العامة للخدمات العامة والنقود والأموال:
    أ- الخدمات العامة حق أصيل للإنسان يتقرر له من مولده في المجتمع بإعتباره عضواً في وجزءاً من جماعة منتجة وهو يتلقاها ويستخدمها ويبيح إستخدامها دون أية قيود مالية أو إدارية أو أي تمييزات سوى المتعلقة بالصحة العامة والإلزامات القانونية، وتسير مؤسسات المجتمع والدولة هيئات الخدمات العامة وفق الخطة العلمية للتنمية المتوازنة المقرة من الهيئات الديمقراطية الشعبية.

    ب- المبدأ العام لهذا البرنامج في تكييف طبيعة الأمور المالية وصياغتها وتداولها في المجتمع والدولة فبإعتبارها أداة لتبادل المنافع ومعيار شكلي للقيم الحقيقية الكامنة في المنتجات المختلفة ومخزن لهذه القيم أخذت تحل محله كروت الإئتمان والدفع وغيرها وهي يجميع هذه التأصيلات والصور تمثل وسيلة عامة لأداء وإقتضاء الحقوق والإلتزامات الفردية والجماعية الخاصة بدفع قيم مالية معينة إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين في الآجال وبالأشكال المنصوص عليها، برمزها لقيم وجهود عينية وأعمال مبذولة، وتصدرها الدولة بواسطة سلطة خاصة هي البنك المركزي بالضوابط المحققة لفوائدها العينية والمعنوية المتعارف عليها.

    2- تكوين وطبيعة البنك المركزي وإدارته:
    أ- يتم تكوين أصول وإدارة البنك المركزي من ممثلي الأقاليم في النطاق المحلي والجمهوريات في النطاق الإتحادي ويشترك معهم ممثلو الهيئات الإنتاجية والخدمية الكبرى في الدولة وممثلين للنقابات وللإتحادات التجارية والصناعية وفق دورة إنتخابية تؤمن للبنك عنصري الفاعلية والإستقرار وتكفل للحياة الإقتصادية عناصر التوازن والسرعة والآمان. وهو السلطة العليا في الأمور النقودية وجزء من ألية الدولة العامة لإدارة الأموال بما في ذلك من وزارات وهيئات مالية وإقتصادية.
    ب- يحدد البنك المعايير والإجراءات الضرورة لجريان أعماله وسلاستهاا وفق ما تراه إدارته بإستقلالية وتكامل مع الإستراتيجية الإقتصادية العامة للدولة وخطتها الديمقراطية الشعبية للتنمية المتوازنة ووفي تحقيقه لدوره يتوائم البنك المركزي بقدر لا يمس هذه الإستراتيجية والخطة مع متطلبات النشاط الرأسمالي الدولي في حركاته المالية والتجارية الضرورة لخدمة مصالح البلاد.

    3- الخدمات العامة التجارية:

    أ - تتولى الدولة بنفسها أو عبر وكالاتها وتراخيصها أمور الإنتاج والتوزيع الأساسية،

    ب- التوجيه العام للحركة التجارية والمالية المحلية والدولية وفق التخطيط الشعبي والخطة العامة للتنمية المتوازنة بحيث يتم هذا
    التوجيه بالأدوات الإقتصادية والضرائبية المألوفة والمناسبة التي تحفظ إستقرار الادوات التجارية والمالية وتوجه الإستثمارات إلي
    ما هو أفيد موضوعياً لقضية التنمية المتوازنة .

    ج- تمارس لهيئات التجارية والمالية الخاصة أعمالها بحرية وفق الأسس والضوابط وتفرض عليها ضرائب متناسبة عكسيا مع
    الفوائد التي تحققها للدولة القطاع المصرفي ونشاطات الزراعة والتصنيع والتصدير وتشييد مرافق الخدمات العامة فكلما زادت
    نشاطاتها في هذه المجالات قلت عليها الضرائب.

    هـ- تدعم الدولة الإتحادات التجارية والتشاركيات والتعاونيات عند قيامها بإنجاز أعمال كبرى ضمن الخطة الإقتصادية وتسهل لها أعمالها وتمولاتها الخارجية المتصلة بخطة التنمية.

    و- الغرفة التجارية والهيئات المماثلة كإتحاد أصحاب الصناعات وإتحاد أصحاب العمل وإتحادات المقاولين وإتحادات الأعمال الهندسية ومجالس رجال وسيدات الأعمال وإتحادات الإنتاج الحرفي المواشجة لها وإتحادات أصحاب الحافلات ..إلخ تشكل بالتوافق العام الهيئات التي تمثلها في أعمال المجتمع والدولة.

    4- 1- الخدمات (الحقوق) العامة:
    أ- توفير الخدمات العامة (الإسكان المياه والكهرباء والنظافة والإتصالات، والمواصلات والصحة والتعليم والإتصال وخدمات الثقافة (المشاتل والبساتين والحدائق العامة المكتبة المسرح السينما المراسم دورالرياضة وصالات الفنون والمعارض ونواحي الترفيه والإبداع) لجميع السكان مجاناً دون أي مقابل.

    ب- مع توفير مقوماتها الأساسية تكمن المسألة الأساسية في الخدمات العامة في تناسب العدد والنوع المقدم منها للسكان إنسجامه مع توزعهم العددي والجغرافي والجنساني، وديمقراطية إدارتها مع رقابة شعبية- حكومية فعالة عليها.

    ج- تشيد الدولة المرافق العامة عن طريق شراكات وتعاونيات محلية تلتزم الضوابط الفنية والزمانية للوحدات الإقتصادية المطلوبة.

    د- تراعى في تقديم المرافق والخدمات العامة سياسة الموازنة الفوارق العددية والنوعية ومقتضيات العدالة الإجتماعية بحيث تتساوى الفرص والإمكانات العامة للمواطنين، فتراعي مع ذلك التطورات العددية والنوعية في نوعية الخدمات وفي قدرات تقديمها وحاجات وقدرات إستعمالها حيث يختلف توفير المساكن وخدمات المياه والكهرباء والنظافة بالأولوية في لمواطني المناطق المعسرة عن تلك التي تحتاج لطرق أكبر، وكما يختلف توفير المواصلات للطالبات والطلاب عنه لعموم المواطنين فكذلك تختلف مواصلات عمال المصانع والوحدات المبكرة العمل عن مواصلات غيرهم، وتختلف عملية دعم تعاونيات ربات البيوت عن دعم التعاونيات الصناعية ..إلخ ويختلف دعم المراكز الصحية والعيادات التعاونية والمستشفيات العامة عن دعم بعض القطاعات الطبية الأخرى وأولوية دعم خدمات النظافة على دعم الخدمات الأخرى . .. إلخ

    4-2- خدمات التعليم وخدمات الصحة والعلاج:
    أ- يتم بنائها على فلسفة إجتماعية تتيح التطور العددي والنوعي في وحداتها وإفادة جميع أنحاء البلاد بها،وهي فلسفة علمية ذات منطق إجتماعي سياسي جهة حاجات الناس وتداويهم من الجهل والأمراض والأوبئة الثقافية والمرضية المختلفة. ويجب أن تقر هذه الفلسفة وتنظم نقاطها في الهيئات الديمقراطية الشعبية لهذه الخدمات مثل إتحادات المعلمين ومجالس الآباء وإتحادات الأطباء والعاملين في المهن الصحية ونقاباتهم وهيئاتهم المهنية وفق الموجهات العمومية للمعاهد والأقسام العلمية المختصة في أساليب تنمية هذه المجالات.

    ب- تحويل هذه الفلسفة إلى برامج عمل وخطط تنموية عاجلة ومتوسطة وبعيدة المدى توضع لها الاولوية ضمن خطة التنمية المتوازنة التي تقرها هيئات المجتمع والدولة الديمقراطية الشعبية.

    ج- متابعة الإتحادات والجهات المختصة لتنفيذ هذه الخطط والإتزام بها ومعالجة معوقاتها وتوسيع الممارسة المنظمة لمقتضيات هذه الخطط بدعم هيئات المجتمع والدولة،التي تنفق عليها من عائدات النفط والموارد الأخرى.

    د- دعم الدولة لحرية تكوين الإتحادات الطلابية وأعمال الإدارات الطبية والصحية


    القضايا الهامة والمعالجات المطلوبة في مجال إصلاح التعليم:

    أ- التكوين العام لبنية وفلسفة التعليم ونواحيه العامة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية الثقافية

    ب- المباني والأدوات المادية

    ج- المناهج الأساسية والعليا
    د - المناشط التربوية الثقافية العقلية والبدنية وإحترام فاعليتها وتنوعها
    هـ- علاقات العمل بالنسبة للأساتذة والمعلمين وبالنسبة للخريجين والفاقد التعليمي
    و- علاقات التقييم العلمي والتربوي وطبيعة قياس المستويات والنتائج
    ز- التدريب ومواصلة التعليم كهدف أسمى للدولة والمجتمع والعملية التربوية-التعليمية
    ح- حرية النشاط النقابي والثقافي في مجال التعليم
    ط- معالجة القضايا الخاصة في مجالات:
     الفاقد التعليمي وفي هيئات التدريس المجهود المناسب لحل إشكالاته أو طبيعة التأهيل المناسب لظروفه
     التمييز العنصري بأشكاله اللغوية والثقافية والنوعية والدينية...إلخ
     العنف البدني والمعنوي ضد الطلاب: الضرب (وأكثره بأشكال سادية) التهكم والسخرية والهرش والطرد
     الكذب، السرقة، التدخين، العادة السرية، الميول الجنسية المثلية والمألوفة، الموضات، الكورة، التعصب..إلخ.
    في مواجهه كل هذه المهام يلاحظ شح الدولة في الصرف على التعليم وبذخها وإسرافها على كبار موظفيها المدنيين والعسكريين، وكذلك الإنفاق غير المتوازن على بعض المؤسسات الكمالية والمظهرية والمدارس والجامعات إلى جوارها جائعة خربة.

    القضايا الهامة والمعالجات المطلوبة في مجال الصحة :
    أ‌- فلسفة العمل الصحي وتقديم العلاج للناس كحق وواجب إنساني
    ب‌- المباني والأجهزة والأدوات والمواد الطبية والامصال والأدوية ومستلزماتها
    ج‌- مناهج التعليم الطبي والتدريب في مجال العلوم والأعمال المتعلقة بالصحة والعلاج
    د‌- المناشط المتعلقة بتأهيل الكوادر الطبية في داخل السودان وخارجه
    هـ- علاقات العمل والإدراة في الوحدات العلاجية ومجال أعمال الصحة وتحويل وحداته إلى تشاركيات وتعاونيات بين الدولة والعاملين فيها تقوم الدولة بتمويلها من عائدات مشاريعها وأعمالها الإقتصادية (نفط ذهب معادن ..جمارك ...إلخ)
    و- قضايا تنمية أعمال الصحة والعلاج وبيئاتهم وما يتصل بذلك من أمور طبقية في توزيع الموارد ووسائل العيش وتحكم الناس في مقاليد أمور حياتهم في ظروف تكفل لهم الصحة والسلامة الجسمية والذهنية، بما في ذلك قواعد التأمين الصحي.
    ز- القضايا التقنية المتعلقة بـ:
     الصناعات الدوائية، وهندسة المعدات الطبية،
     تجهيز وإدارة المعامل وتنظيفها وصيانتها
     تجهيز المستشفيات والإمدادات الطبية
     الأحوال القانونية المتصلة بأعمال الصحة والعلاج
     وضع وتنظيم ومتابعة الضوابط الصحية لجميع السلع والخدمات وفق رأي المجالس الطبية المختصة
     متابعة تنفيذ قواعد الصحة العامة وإجراءات الأمن الصناعي والسلامة من حوادث العمل وآثاره الضارة القريبة والبعيدة
     حرية التعليم والقرارات الطبية وحرية الهيئات والأعمال النقابية المتعلقة باعمال الصحة والعلاج

    برنامج الحزب الشيوعي في المجال الإجتماعي والثقافي :

    بعض القضايا والإتجاهات والمطلوبات اللازمة لتحقيق تقدم عام في حل بعض القضايا الإجتماعية:

    -1- لمحة من تاريخ تكون البؤس والعنصرية:
    إضافة إلى تفاصيل القضايا والأزمات الإجتماعية المتعلقة بالفقر والجهل والمرض والأمية والتخلف وقضايا الشباب والمرأة التي لها إتحادات خاصة بها وقضايا كثير من الفئات الإجتماعية فإن هناك قضية أساسية عامة تشمل هذه القضايا ولا تلغيها وهي قضية البؤس العام والعنصرية في حياة المجتمعات السودانية وهي قضية قديمة متجددة تجاوز عمرها آلاف السنوات وفي التاريخ(الحديث) لم يكن البؤس والظلم أمراً جديداً بل كان قديماً في الأرض وفي السودان، ولكنه أخذ في الأزمان الحديثة في السودان أبعاداً أخبث عنصرية مما سبق، خاصة بعد قيام تحالف المهمشين العرب والسودان وتمكنه من هدم النظم والممالك الهرمية النوبية حين كان نظامها الإستعبادي يأفل في العالم الأفريقي القديم آنذاك في تخوم سنة 1504، وقد قام هذا التحالف آنذاك الزمان بتأسيس الممالك الموسومة بالعربية والإسلامية في أواسط مناطق الشمال والنيل، وفي مناطق النيل الأزرق في سنار وما يوازيها في مناطق النيل الأبيض متمددا إلى غرب السودان حيث كانت العروبة قد دخلته قبل ذلك من نواحي شمال وغرب أفريقيا وشمالها متجسدة فيما بعد في سلطنته الكبرى دارفور. ورغم نهاية الظروف التاريخية لهذه السياسات فقد تواصلت طبقية الدولة وعنصريتها، فقد زاد الفقر وتطور نوعياً وبنيوياً في أنحاء السودان بعد قيام حكومات الإستعمار الإسلامية العثمانية ثم البريطانية بتركيز الخدمات والمشاريع في المناطق السهلة الميسورة الإستغلال القريبة من مركز الحكم مما ضاعف ظروف الغنى والثراء في هذه المناطق وزاد ظروف الفقر والإملاق والإدقاع وإحاقته بسكان المناطق البعيدة جغرافيةً أوإجتماعاً أوثقافة عن مكانة وقوى المركز الإقتصادي وثقافتهم.

    ووفقاً للتراتب الإقتصادي الذي أحدثته العملية القديمة لتملك الموارد ثم السيطرة التجارية على عملية حيازة المنافع وتبادلها في السودان نشأ تراتب هرمي عنصري مواز قد يختلف نسبيةً في طبيعته عن التراتب الطبقي ولكنه يستند إليه في كثير من تقعيداته وإطلاقاته بداية من العنصرة الماثلة في إجراءات وعمليات تملك الأراضي وعمليات التسليف والضمانات المصرفية والتجارية، والشروط غير المباشرة للرخص التجارية ورخص التوريد والتصدير وليس نهاية بزواج المصالح وحسبها ونسبها ودينها أو المحاباة في السيطرة التحتية والفوقية على وظائف الدولة، أو قيادة الجيش أو رساميل البنوك وإداراتها أو رئاسة المشاريع الكبرى والوظائف المتصلة بها أو ما أفرزته عمليات الخصخصة من شرائح فساد جديدة تنتمي لنفس الشريحة الإجتماعية السياسية .

    من هذه الحالة والقسمة الظلوم صارت الدولة (المستقلة) بفضل سياسة حرية السوق وتركيز الموارد وخفض الإنفاق على التنمية والحرب ضد اللامركزية الإقتصادية والسياسية دولتان: دولة للأغنياء من لف لفهم من لف لفهم وهم أقل من 5% من السودان ودخل هذه الدولة 40 مليار ترفل فيها الرأسمالية بضروبها يترفون بها ويسرفون، ودولة أخرى للكادحين والبؤساء ومن لف لفهم تضم أكثر من 90% من سكان السودان تجدهم فيها مساكين أو فقراء، وأكثرهم سواد السودان، وتضاف إلى ذلك ملاحظة تؤكد طبيعة التفاوت وتتعلق بقسمة عدد السكان على مساحات مناطق الموارد وحجمها المتاح لكل طبقة أو تشكيلة مجتمعية- إقتصادية. وتؤكد هذه الوقائع الطبيعة المطففة للتنظيم الرأسمالي للموارد وكنزه إياها في جانب واحد وتسبيبه بهذا الكنز أزمات عددا أكدت فشل الصيغة القديمة للملكية الخاصة للموارد العامة، وفشل المحاولات المختلفة لإصلاح هذه الصيغة والقسمة المطففة وأخرها ما تعلق بتقسيم الموارد العامة بين شمال وجنوب السودان، مما يشبه برامج وعملية "تركيز الموارد وتخصيصها" في صيغة إقليمية لا تبقي ولاتذر إذ تمثل عملية التركيز وعملية التقسيم جملةً أو مفردة تفتيتاً لإمكانات الوحدة الشعبية والوطنية رغم إتخاذها شكلاً معززاً لها.

    ومع مفاقمة التفتتت الوطني الذي كرسته المظالم وحروب الإخضاع فإن عملية القسمة الإقليمية للثروة بكينونتها الفوقية المعزولة من تغيير علاقات الحكم والإدارة والإنتاج تغييراً جذريا، والإكتفاء بقسمة الموارد على تكوينين حكوميين تمثل إلتفافاً إستعماريا جديداً على ضرورة سيطرة المجتمعات السودانية بصورة مباشرة جماعية على موارد عيشها ووسائله، وهدراً لأهمية هذه السيطرة لإجراء تنميةً علميةً متوازنة ديمقراطية شعبية تلبي الحاجات الضرورة لحياة المواطنين وبعض الحاجات الثانوية والكمالية لهم. مما يجعل الحل العملي المتصل بهذه المعضلة هو قيام إتحاد جمهوريات السودان على أساس الإستقلالية الكاملة والتضامن وفق مبدأ التبادل المتكافئي للمصالح بما يحقق للمجتمعات السودانية كافة كينونة دنيا من إمكانات الحرية والعدالة الإجتماعية والسلام

    ومع وصول التناقضات إلى مرحلة قيام القوى المسيطرة المحلية والدولية بتكسير بيوتهم بأيديهم في جهة وزيادة وضوح التناقض الطبقي في أشكاله الإقليمية وتفكك عرى الدولة القديمة بل وتفكك أقاليمها في جهة موازية، وعدم تأسس هذا الإتحاد، فإن أهمية التغيير الإقتصادي والسياسي للأوضاع الإجتماعية تبدو أشد. ويشمل هذا التغيير ما سبق إيضاحه من مواشجة وتعاقد وربط محكم وثيق بين عناصر وعمليات التغيير الديمقراطي والتغيير الإشتراكي والتغيير الثوري للأوضاع السياسية وذلك لسبب من موضوعية وجود هذه العناصر معاً وإسهامها جماعةً في توطيد مثلث الحريات والعدالة الإجتماعية والسلام في بلاد أرهقت بالقهر والظلم وحروب الإخضاع وفشلت كافة النضالات والإجتهادات التي قامت على أساس الفصل بين هذه التغييرات أو على تأخير تغيير معين لأجل التركيز على توطيد واحد منهم وهو مطفأ بعيداً عن العنصرين الموضوعيين الآخرين الضرورين لثباته وإزدهاره.

    من هذا الترابط الموضوعي بين القضايا والحلول العامة والبعد بها عن الجزئية والثنائية يجري البرنامج العام الحزب على توكيد إن إزالة المظالم العامة في المجال الإجتماعي تتصل إتصالاً وثيقاً بكشف طبيعتها الشمولية وإيضاح الترابطات السياسية والثقافية المواشجة لها ومعالجتها بمجموعة متكاملة من الإجراءات ثبتها هذا البرنامج ووضحتها البنود السابقة من هذه الفقرة حول التعاقد والربط المحكم الوثيق بين عناصر وعمليات التغيير الديمقراطي والتغيير الإشتراكي والتغيير الثوري للأوضاع السياسية، ومع ذلك تاتي موضوعية الفقرة التالية المتعلقة بقضية الثقافة.

    2- قضية الثقافة وتجديد الحياة السودانية:
    1- طبيعة وضعها في برنامج الحزب:
    قضية الثقافة وتعدد أصولها مظاهرها وإتسام أجزاء مهمة منها بروابط قوية بالتاريخ الإجتماعي-الإقتصادي والسياسي لمجتمعات العالم والسودان وتنوع مواقفها في الصراعات الإجتماعية والدولية وتأثيرها الكبير على مواقف الإنسان الشعورية والذهنية والعملية من قضايا الحياة ومتغيراتها يجعل منها أحد القضايا المحورية في هذا البرنامج.

    2- بعض التفصيل عن طبيعة الثقافة في المجتمع:
    والثقافة كتشكل للخبرات والمعارف وأشكال الوعي والنظر والتقدير العام أو الخاص لتكون أمور الحياة ومئآلاتها وموضع الإنسان منها وفيها وسمتها لكأسلوب لعيشه أو لرؤيته للأمور تمثل قضية إشكالية سهلة ومعقدة في عملية التمثيل البشري لهذه المعارف والخبرات بما يشبه سهولة وتعقيد عملية التمثيل الضوئي في النبات. وقد يعكس جانب من هذه الإشكالية تعدد تعريفاتها وأشكال تقديرها والتعامل معها: فالثقافة وإن إرتبطت بالجسم الخارجي لوحدات المجتمع في إنتاجه وتداوله للمنافع وتبادله العفوي والمنظوم للمعارف والخبرات أو إرتبطت بمجتمعات في ظروف صدامها وتطاحنها، إلا إنها تميز عن الكيان العام للمجتمع ووحداته وتتفرد عنهم بإنفصال نسبي تقوم فيه الثقافة كعملية ذهنية بإعادة إنتاج كثير من إحداثياتها وإحداثيات المجتمع فق منطق وخبرة وظروف أصحابها في تلك اللحظة الزمانية أو ضمن فترة أو حتى مراحل تاريخية طويلة. ولكن الثقافة ليست نبت وحدها وخلاصة أمرها فهي مع هذه النسبية تتمتع بسمة عامة هي السمة الإنسانية إذ تتواجد معها تواجد الشعاع والشمس فهي موجودة كسمة للإنسان ومجتمعاته في المدنية والحضارة مثلما هي سمة للإنسان في بداوات الغابة أو بداوات الصحراء، وهو وجود يظهره إمتيازها الأساس وهو التعبير، أي تعبير الناس عن حاجاتهم إلى بعضهم بل وإلى ذواتهم وإلى أشياء وأفعال وتسميات وفهوم ونقاشات ودراسات، وهذا التعبير أو التجلي هو حال الإشراق في الثقافة وهو أيضاً أساس طاقة شمسها.

    من هنا لم تك الثقافة تعبيراً مجرداً عن الكتب والموضوعات والفصاحات الضخمة، ولم تك الثقافة قط مجرد طقوس فلكلورية وعادات مأكل ومشرب وملبس، بل هي مع هذه الأشياء، أسلوب إحساس إنساني فعال متقد بالوجود، وعمل يومي وفن إبداعي فردي وجمعي في كسر صعوبات الجسد والذهن وضعوبات الحياة المادية والإجتماعية والسياسية، وهي أيضاً تشكل فردي أو جماعي بديع للإلفة مع تفاصيل الحياة البسيطة مثل الألفة مع شاي الصباح أو نومة العصرية، أو مناقرة الحبيب، أو تأمل النجوم أو شخصيات الجامع أو بيت العزاء أو حال الحكومات وما إلى ذلك.

    3- النواحي العملية في قضية الثقافة:
    ما يهمنا من هذه الإشكاليات التي تطرحها قضية الثقافة في نواحي إبراز ذاتها أو نواحي الحياة الذهنية والمادية لمجتمعها وتمثلها في هذا البرنامج هو زيادة الإمكانات الذاتية والموضوعية للثقافة في صقل كينوناتها وتحويلها من حالتها الدفينة والخام والعفوية والبدائية إلى حالة تتغذى بعملية معرفة مستدامة ووعي متناسق بأبعاد طبيعة العالم المحيط به وطبيعة الحياة الإجتماعية والسيرورة التاريخية لتكونهما وتمايز مكوناتهما والقوانين الرئيسة في ذلك وتغزير ذلك في دفع الناس إلى الإسهام في تحسين حياتهم المادية والذهنية بصورة متناسقة جميلة، وفي ذلك تبدو قضايا عددا تتصل بهذا الدفع وببلورة أشكال علمية تقدمية مرتبطة بقضايا المجتمع والإنسان وكرامته وحريته قد يكون من أهمها:

    1- إحترام التعدد والتنوع الموضوعي في الأراء وإداراتها بحصافة علمية-إجتماعية تثبت هذا المبدأ في الحياة وأذهان الناس.
    2- تكريس النظرة النقدية في المناهج والدراسات.
    3- تغليب الأراء بكم الأسانيد الموضوعية التي تعززها والخروج من حالة نسبة صحة الرأي إلى قداسة أو عبقرية شخص.
    4- زيادة العروض والتناولات الإحصائية والمؤشرات الفنية في تناول المواضيع بدلاً عن الكلام الكثير الممجوج.
    5- تقليل الدعايات التجارية والترويج الإعتباطي للقيم الإستهلاكية والعنفية في وسائط الإعلام وتخصيص قنوات معينة لها.
    6- زيادة ودفع الطابع الفلسفي والحركي والنقدي الإجتماعي والتاريخي في ما تنشره وسائط الإعلام والثقافة فعناصر الحياة
    متغيرة متحركة في مجتمع ومجري تاريخي له ظروفه ومستحثاته ومثبطاته المادية والمعنوية التي لها قوانينها العامة وفلسفتها.
    7- تقليل الأخبار والبرامج السياسية والرياضية الفجة القائمة على تكريس مضمر لقيم السيطرة والسجال الأنوي السخيف، وزيادة
    الأخبار والبرامج الإجتماعية المتعلقة بخبرات الحياة الحية أحوال الأمهات والأباء والعمال والزراع والحرفيين والجنود والمهنيين
    في مختلف المناطق والظروف والأخبار والبرامج الثقافية المتعلقة بالقصائد والفنون والمسرح والغناء وبرامج التنوع السياسي
    الثقافية التي تشرح الإختلافات الداخلية في كل حزب مثلاً أو تكشف خلالاً في أداء جهاز من أجهزة الدولة.
    8- زيادة كسر تابوهات السياسة والقداسة والجنس وتحرير الذهن من عادة التقديس والإسراء به إلى العقل (على علة هذا الإصطلاح)
    9 - إعطاء فرص أكثر للمرأة والشباب والأطفال والطلاب ودعم أنشطتهم مادياً ومعنوياً .
    10- فتح المجالات لحرية التنظيم والعمل العلمي والتقني والثقافي والسياسي والإجتماعي ودعم أنشطتها مادياً ومعنوياً.
    11- ربط النشاطات الثقافية ببعضها ما امكن ذلك وجمعها بإمكانات محترمة للإنتاج والتمويل.
    12- الإتجاه الى تحويل النشاط الرياضي من حالة موسمية إلى نشاط يومي جماعي في كل بيت.
    13- دفع الدعاوي النظرية والعملية والرياضية والصوفية والدينية والعملية والفلسفية إلى إكتشاف أصولها المحلية السودانية وسيرورة تبلورها في التاريخ وإدراك أبعادها العالمية.

    4 - تحرير الثقافة من الأحدية والتركز ومن الهلامية والإنفصام :
    تعزز هذه المسائل العملية المذكورة سابقاً النظرة والممارسة الشيوعية لتكريس ثورة ذهنية شاملة وتغيير جذري للمقومات المألوفة والتقليدية المحنطة فينا لمثلث كينونة وجودنا بزواياه وأبعاده الرئيسة الثلاث: النفس، والعقل، والممارسة، أيما كان تشكيل المقومات التقليدية للثقافة كحالة سيادة وعبودية داخلية تعيق تفتح إمكانات الإنسان أو كانت مكونة لحالة إقطاع داخلي يقوم بدور الباشا أو اللورد فيها كتاب أو تنظير معين ترجع إليه أعمال قنانة العقل كالعرجون القديم، أو كانت مكونة لحالة رأسمالية صناعية من الإستلاب والإغتراب بتقطيع الموارد والصلات الإجتماعية وتصنيعها وتحويلها إلى نقود يأكلها التضخم وإستهلاك أجوف يذهب تراكمه لصالح إسراف رب العمل ودولته ودمار البيئة، أو كانت ثقافة مسيطرة بضجيجها أو بطنينها الخارجي عن هذا وذاك وإن وسوف بينما الناس حولها جوعى بؤساء يقتلهم الشوق إلى العدل.

    5- طبيعة الثقافة الجديدة وكينونتها الثورية في النظرية والممارسة:
    لأجل تحرير "الذين يحرقهم الشوق العدل" من حالة إنتظاره إلى حالة إنجاز محركاته وآلاته فإن برنامج الحزب الشيوعي السوداني يطرح قضية بناء الثقافة الجديدة كقضية حيوية في عملية البناء الإجتماعي وتثوير هذه العملية، فالثقافة الجديدة بطابعها العلمي الإجتماعي التقدمي وميسمها الجمالي تميل عن التجزئات وتقاليدها واقانيمها في الأحدية والتركز والهلامية والإنفصام، فالثقافة الجديدة تتبلور بمواشجة الأفكار والعلوم الإجتماعية الإشتراكية كنظرية وتطبيق خلاق لتحرير الكادحين وجملة المجتمعات الإنسانية من حالات الخمود وحالات التبعية وحالات التيه الثقافي والحضاري. كما يتصل تكون الثقافة الجديدة ونشاطها بكينونة للنشاط الذهني المنظوم الذي يفتح مغاليق التاريخ والتفكير ويزيل الفواصل الرجعية بين الفلسفة والتاريخ والعلوم والممارسة الحياتية للمجتمعات بأدوات معرفية وجمالية متصلة بطبيعة التكوين الإجتماعي وجذوره وحياته وآماله وهي بهذا التبلور والنشاط تواشج في خلق رياضي ذهني وعملي فريد بين عناصر القوة والصحة الإجتماعية ومفاهيم علم الجمال.

    ولاتقوم الثقافة الجديدة بهذا التحرير وثورته بترديد عموميات الماركسية اللينينية أو الزعق بشعارات الثورة الوطنية الديمقراطية ،
    أو بالإعتكاف في المعابد وتكفير المجتمع وهجره أو بالإنمساخ في الموضات الثقافية وممارسات التحرر الفردي الذاتي والسري من التقاليد والقيود الإجتماعية، بل تقوم بتحقيق هذا التحرير وإيقاد هذه الثورة بمارسة الإنسجام الرشيد المتناسق بين عناصر الكينونة الإنسانية الماثلة في النفس والعقل والمجتمع وإزالة العوائق والألغام من طريق توحدها. وإذ تفعل الثقافة الجديدة ذلك فإنما تواشج بين الوجدان والتفكير والعالم المحيط وعملية دراسة إمكاناته وتقدير كيفية مواجهة صعوباته، بشكل جماعي موضوعي بسيط الشكل عميق المحتوى يمتاز بالرشد والكياسة والأدب الفلسفي الحكيم لمصاعب الأمور والشجاع في درسها ونقدها وتطويرها وإلإستذخار بدروسها والإرتقاء بحال الإنسان جهتها.

    وهذه الممارسة الثقافية الجديدة المواشجة بين النفس والعقل والعالم ممارسة ذات أحوال وعناصر وإتجاهات مضادة بطبيعتها لثقافة التنافر والجزئية والغرف العقلية المغلقة والتناقضات الفاحشة بين الأقوال وبعضها وبين الأعمال وبعضها وبين الأقوال والإعمال وهلم جراً، ومن هنا تكتسب هيبتها الموضوعية في مجالات المعرفة والقلق المعرفي وتحطيم الأوثان والخروج على المظالم والفصاحة الموضوعية جهة السكوت عن الحق وتكتسب كينونتها المتاججة المتمردة قيمتها الموضوعية في إيقاد وإنارة وجدان وعقل وأفعال الإنسان في ما هو مستشري وسائد من دلهمات الظلام والخضوع. كما تكتسب قيمتها الموضوعية أيضاً بإشتراكها المتقدم في العملية الإشتراكية لنظافة العقل الإنساني من الأتربة الفكرية والأوساخ المتجمعة فيه بتأثير دعايات الإنفتاح والعقل المفتوح السالب المستكين للآخر ففي تلك المهمة الشاقة الطويلة المتكررة تمارس الثقافة الجديدة بتركيبتها الوجدانية والرشدية وعقليتها الإشتراكية العلمية ونواظمها الماركسية اللينينية العملية الطليعية في إزاحة حجب الطبقات الحاكمة عن ثقافة الشعب المحبطة والمدفونة في أعماق حياته وليس ذلك فحسب فهي إضافةً إلى النور الذي تشرق به على ثقافة الشعب فإنها تسقي بذورها القديمة وتنبتها في رحاب الحياة أزواجاً بهيجة من المعرفة والحكمة والنشاط والخفق والألق الجمالي الفريد.

    6-طبيعة بعض مهام إعداد وتكوين الشباب كرواد للثقافة والجمال في كل فصل ومدرسة وحي ووحدة عمل:
    تتصل مهام الحرية والعدالة الإجتماعية والسلام بديمقراطية وتنوع الحركة الشبابية وإيمانها بتكوين وممارسة ثقافة جديدة في المجتمع المزدحم بالقهر والإستغلال والتهميش والعنصرية والحروب وإن المهام الموضوعية والجمالية للثقافة الجديدة لا يمكن أن يستمر في إنتاجها بصورة حرفية معتمدة على المزيات والعبقريات الفردية التي تنتجها مصادفات الظروف الإجتماعية والثقافية في هذا الشخص أو ذاك فالأحوال المتدهورة للمجتمعات السودانية وقحطها العام بحاجة ماسة إلى مجموعات طليعية من الشباب المثقفين الذين يجري إعدادهم وتدريبهم للقيام بتحويل التاريخ.
    وهو وضع لا يمكن إنتظار تحقيقه من قبل السلطات الحاكمة رغم كل إمكاناتها النفطية والذهبية بل يفرض على المجتمعات واجبات ذاتية في مختلف المجالات بهدف تشكيل صياغة علمية وعملية وجمالية لإنجاز هذه المهمة الشاقة، ومن أهم هذه الواجبات:
    1- تعريف الشاب بأصول الصحة والسلامة الجسمية والذهنية والنفسية وتدريبه على إحترامها وإحترام مؤسسات التعليم والصحة
    2- رعاية النابغين وعموم الناشئين وتوجيههم سواء بالأسئلة والموضوعات الكبرى أوبتوفير مادة أو موضوع عمل ثقافي لهم.
    3- الإهتمام بالجمعيات المدرسية وجمعيات الأحياء والملاعب العامة في عملية الكشف المنظوم للمواهب والقدرات.
    4- إصطناع المشروعات الصغيرة والعميقة الأثر ككتابة مقال نقدي عن موضوع عام أو رسم لوحة عن مآساة قومية..إلخ.
    5- الرصد المنظوم لتطور إمكانات الناشئين والشباب وقدراتهم.
    6- العمل العام معهم بروح الندية والتكافوء المناسب وتربيتهم على القيم العلمية والعمل الجماعي والممارسة الديمقراطية وإيضاح
    الأزمات العامة وشرح عناصرها وطبيعتها لهم، والتعامل بتقدير موضوعي مع جهات نظرهم وأرآئهم في كيفية حلها.
    7- تنبيههم إلى الفروق بين القيم النظرية والممارسات العملية في مختلف الإتجهات، وشرح الطبيعة الطبقية المولدة لها.
    8- تنمية قيم الرشد والوطنية فيهم بإصطلاحات وفهوم المسؤولية والحقوق والواجبات، والحرية والعدالة الإجتماعية، والسلام .
    9- كشف تزييف الوعي المبثوث في الإعلام الرسمي والممارسات السائدة فيما يتعلق بسياسات الدولة والحياة السوقية والطقوس
    والعادات الضارة والتفاوت الطبقي والآداب والفنون الكاذبة..إلخ.
    10- تدريب الناشي والشاب على التنفيذ والتطبيق الكتابي أو الفني أو العملي لأفكاره وإبداعه وتقديمه للمختصين والمهتمين.
    11- تدريبه على كسر الحواجز النظرية والعنصرية بمختلف أشكالها، وكشف أصولها الظلامية والطبقية البغيضة له.
    12 – تعريف النشء والشباب على بعض المقومات والعناصر الهامة في المعارف الحديثة والفنون والآداب.
    13- تعريفهم بمقومات وعناصر البداوة والحضارة والمدنية والثقافة وبشذرات من عناصر وإتجاهات العلوم الإجتماعية الحقوقية
    والإقتصادية والإجتماعية والنفسية وأصولها في حضارات أفريقيا والسودان النوبية القديمة في شكل محاضرات مبسطة متقاربة.

    7- الأبعاد المتنوعة لقضايا الشباب والثقافة الجديدة في مجالات الحزب ومجالات الحياة العامة:
    هذه المحاولة لاتعني لوحدها خلق جيل جديد من الثوريين في ظل التحولات الإجتماعية والذهنية والضخ الرهيب الذي تقتل به آلات الدعاية الإقطاعية والبرجوازية قيم الحرية الذهنية في كثير من المجتمعات التي يغربها الإستغلال عن خيرات إنتاجها، وتمارس ضدها إستلاب الوعي بمواضيع إنصرافية عن الأسباب العملية المباشرة لبؤس وإملاق أحوال الناس في جهة واسباب إفادة القوى المتملكة والحاكمة والمسيطرة بهذا البؤس وتحويله إلى ثراء وإسراف وسفه رغم قلة جهودهم في ميدان الإنتاج وقلة صدقهم في ميدان التوافق المتنوع بين الأقوال والأفعال. ولأجل تفعيل وتنمية مثل هذه المحاولات يتطلب البناء الشباب والثقافة الجديدة القيام بعدد من الثورات المتلازمة توضح النقاط التالية أهم معالمها على النحو التالي:

    1- ثورة فكرية في مجالات الحزب الشيوعي والحيوات السياسية الأخري تجابه الأخطاء الإشتراكية وتكشف التعاملات الإشتراكية الزور والزيف وتجابه التعاملات اليائسة أو المتحولة المستهينة بإمكانات التفكير الإشتراكي العلمي والتنظير الماركسي في تركيبه اللينيني الحزب النوعي الطبقي والوحدة االعامة لمعركة الحرية ضد الرجعية والإستعمار والرأسمالية والإمبريالية وقدرتها على تجديد البرامج الشيوعية ومواجهة التغييرات العامة في مجالات النظرية والممارسة بصورة ثورية نقدية علمية وشمولية بعيدة عن الجزئية والتخبط والهروب إلى الخلف أو إلى الأمام.

    2- تفعيل برنامج الحزب الشيوعي السوداني وتجديده فكرياً وعمليا بمقاربة شمولية للوحدة النسبية بين قضايا الرئيسة للتغيير الإجتماعي وهي التحول الإشتراكي والديمقراطية والتغيير الثوري الشامل للأوضاع بعد سنوات طويلة من التناول الردفعلي والتلقائي المفكك لهم مما ولد عدداً كثيراً من التناقضات والتعارضات الثانوية التي تفاقمت حتى تغلبت في كثير من الأحزاب والجبهات والدول الشيوعية على التناقض الرئيس في المجتمع بين المستغلين والمتمركزين الذين يتم إستغلالهم وتهميشهم.

    3- التناول الصريح لتوالي الإستعمار القديم والحديث والتخلف والإستغلال والقمع والفساد والتفاوت الطبقي والتمييز العنصري وإتصال ذلك بالبنية الإقتصادية- السياسية الدولية والمحلية لعلاقات الحكم وعلاقات الإنتاج والطبيعة الرأسمالية المزدوجة لها التي تشمل تثبيت وتوسيع مراكز دولية وتثبيت وتوسيع هامش دولي للإستغلال ونهب الموارد وتجريفها.

    4- النشاط الوطني الديمقراطي وفق هذه الحقائق الواقعية لتغيير العلاقات السياسية والإنتاجية إلى علاقات أكثر ديمقراطية وإشتراكية تتيح إمكانات موضوعية مادية ونظرية لتوطيد الحريات الأساسية والمساواة في الحقوق والواجبات العامة وتحقيق إمكانات موضوعية للعدالة الإجتماعية بواسطة تنمية علمية متوازنة قائمة على تخطيط علمي ديمقراطي شعبي لتوزيع متوازن للموارد والجهود والوسائل الضرورة للإنتاج ولعائدات وخيرات هذا الإنتاج دون تمميز سوى البذل في العمل وفق علاقات إنتاج أكثر ديمقراطية وأكثر إشتراكية.ويفتح توطد هذين الأمرين وهما "الحريات" و "العدالة الإجتماعية" إمكانية أكبر لتوطد الأمر الثالث وهو "السلام" ورسوخه وقراره مطمئناً في مختلف مجتمعات السودان وأنحاءه بداية من التصالح والسلام بين الفرد وإحتيجاته وقدراته وما يعود إليه من الإستثمار المنصف لهذه القدرات من تصالح موجب مع حاضره وحياته ومجتمعاته الصغيرة والكبيرة وصولاً إلى السلام والتصالح بين الجماعات الإقليمية المختلفة في السودان التي كان التمييز الطبقي يقسمها إلى قسمين متناحرين قسم حاكم مستبد متمركز يمتاز نفسه وحكمه بالسيطرة الأحدية على مفاتيح الدولة والإقتصاد والدين وقسم محكوم محروم يجري حربه وحرقه فعليا بعد عهود طويلة من إستغلال موارده وأعماله وتهميشه.

    5- التفعيل الشبابي للإمكانات النقابية والثقافية والجماهيرية في قطاعات الحياة المدنية والعسكرية لتوطيد النظام الجديد بنضال ديمقراطي متنوع تلتحم فيه نضالات كادحي المدن بنضالات كادحي الريف بوسائل سياسية موضوعية تناسب طبيعة كل أقليم وإمكانات كل مجتمع للإنتقال به من حال القمع والإستغلال والتهميش والتجزئة والحروب العنصرية إلى حال للحرية والإشتراكية والوحدة والسلام.

    6- تكريس الأفق الوطني الديمقراطي لقضايا الشباب وقضايا الثقافة بقيام إتحاد جمهوريات السودان كأساس للربط الرأسي والأفقي السياسي والتنفيذي والإعلامي للنضالات الشعبية بطبيعة الأوضاع الإقليمية بحيث تترابط النضالات المتنوعة ضد الإستعمار الداخلي بالنضال ضد الإستعمار الخارجي بأشكاله، لتعزيز الإتجاهات الديمقراطية الداخلية وبذلك يتم تجاوز الأسباب الموضوعية للتمزق والتجزئة والحروب بتركيبة جديدة قائمة على تعزيز الحريات الديمقراطية الشعبية بإتجاهات إشتراكية فعالة وتعزيز الإثنين بإتجاه الى التغيير الجذري الشامل لجملة الأوضاع المتأكلة وإسقاط البناء الآيل للسقوط وتنظيف خرابته لبناء جديد أكثر تقدماً وحرية وإشتراكية، يبقى مصدراً للسلام والرقي في المنطقة بعد سنوات طويلة من بقاء البناء القديم مصدراً للحروب والخراب فيها.

    7- تعزيز الإتجاهات الحضارية الأفريقية في أبنيتها الإجتماعية المختلفة في كيانات وتشكيلات السودان بشروط عادلة للتنافس والتعاون السلمي في نطاق الإمكانات السياسية والإقتصادية والثقافية التي يتيحها قيام إتحاد جمهوريات السودان، وتقنين روابطه وعلاقاته ومراكز أشخاصه وجماعاته بإحترام حقوق الإنسان مما يتيح مجالاً لتبلور متقدم للسودان بجميع أجياله وجميع رجاله ونساءه مما يفتح الطريق إلى بلورة الوضعية المحورية لقضايا المرأة وحقوقها بإعتبارها المركز البشري لعملية التمثيل الإقتصادي والإجتماعي لتجديد قوى الإنتاج والثقافة والسياسة في المجتمع:

    3- قضايا المرأة وحقوقها:
    1- طبيعة قضايا المرأة وتطور تاريخ تناولاتها:
    كانت الأنوثة والولادة سبباً لتبجيل النساء في الزمان القديم وكانت هناك آلهة وملكات، وفي عوالم العرافة والسحر والتنجيم التي كانت تمثل ثقافة وحكمة ومعارف وشي من قضاء ذلك الزمان- كانت للمرأة مكانة سامية فيها ترتبط بكينونتها البيولوجية وصبرها وبصيرتها، وبسبب تحولات البيئة الطبيعية نشأت تحولات في النشاط والتنظيم الإجتماعي وأسلوب العيش وتقسيم العمل داخل الأسرة وخارجها تفاقمت بإتساع الحروب والعبودية وصور التملك وإتصلت بتدني وضع وإحترام المرأة في الأسرة والمجتمع وصارت المرأة مضطهدة لمجرد كونها إمرأة إضافة إلى الإضطهاد العام الذي تعانيه ضمن جميع المستغلين والمهمشين من السادة وأرباب الأراضي والأعمال وحكوماتهم. ومن هذا الوضع القديم لإضطهاد المرأة في نوعها ومكانتها في مجال العمل، تبلورت في العصور الحديثة مسألة قضايا المرأة وحقوقها في التعليم وفي تولي الوظائف العامة والتأمين الإجتماعي والإنصاف في العلاقات والقوانين المتصلة بتنظيم الأحول الشخصية والأسرية مما شكل محوراً مهماً في دعاوى وتنظيرات العدالة الإجتماعية ونضالاتها المتصلة بقضايا التغيير الإقتصادي والسياسي لنظم العمل والحكم وعلاقاتهم وثقافاتهم.وقد نجحت نضالات المرأة والطبقة العاملة وعموم الجماهير في معظم البلدان في تحقيق إقرارات دستورية وقانونية بحقوقها كان السودان وحضارة كثير من رجاله ونساءه ونضال الإتحاد النسائي ومؤآزرة الحزب الشيوعي السوداني من بين المتقدمين في تحقيقها رغم الإرتدادات والنكوصات وإتساع القمع والإستغلال، ومن نتيجة الإنتصار المبدئي في تثبيت قضايا وحقوق المرأة توسع النضال النسائي وتنوع إلى جهتين هامتين:

    1- جهة متنوعة المدارس تبحث في أصول الثقافة الإجتماعية والجنسية عن بذور القهر العام للمرأة، بإعتبار إن عملية الجنس وما يتصل بها من حرية أو قمع أو تجاهل لحق إختيار الشريك والوعي بأبعاد هذا الوضع، تشكل المحور الحيوي لعملية تجديد إنتاج الجماعة البشرية لنفسها وكأصل جسمي ونفسي في هذا الإنتاج تكمن كثير من المحددات النفسية والسلوكية لوضع أفراد الأسرة أو الوحدة الإجتماعية وتبلورهم كشركاء أو كسادة وعبيد. حيث تتصل الحرية من الوضع الإستبدادي بإحداث تغييرات تقدمية في مفاهيم النوع والطبيعة العامة للعلاقة بين الجنسين وتحريرها من عقلية الإستبداد إلى عقلية الصدق والمساواة في حرية وحق الإختيار والشراكة دون تثبيطات مفاهيمية أو ثقافية تجعل من أي إنسان مطية لإنسان آخر تحت أي مسمى حيث تتصل كرامة الإنسان في المجتمع بكرامته في تكوين علاقاته الشخصية وكينونة إعتباره الصادق لإحترام مشاعره وحاجاته وقدراته الذاتية ومشاعر وحاجات وقدرات غيره.

    2- جهة فحص وتمحيص للتوزيع الحقيقي للفرص بين الجنسين في المجتمع في مجالات التعليم ومجالات العمل وفي مضمون العملية التعليمية أو النشاط الإنتاجي وتنظيماتهم، وكذا في مجالات الأسرة والقانون والثقافة والفلسفة والأدب والسياسة ومدى تكريس هذا التوزيع أو إهماله لمبادئي السوية في الحقوق والواجبات العامة وتشكيله الفعلي لإسهام نظري أوعملي في تحقيق هذه المبادئي.

    2- الضغوط العامة على قضايا المرأة وحقوقها:
    ولم يكن التنوع والتقدم النظري والعملي في تناول مفاهيم ونشاطات قضايا حقوق المرأة وحريات المرأة نتيجة ترف بعض القيادات بل كان تبلور هذا التنوع والتقدم نتيجة جدل عميق ساد في المجتمع وفي كل قطاعات حياة المرأة نتيجة زيادة وتضاعف ضغوط سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية هائلة إنصبت بكل شراسة على كينونة المرأة وحقوقها لأسباب مختلفة وأهم هذه الضغوط:

    أ- التقسيم الرأسمالي العالمي لموارد البلدان والشعوب وشروط مؤسساته المالية الدولية أضرت بكثير من ظروف تقدم المرأة .

    ب- الإستبداد السياسي للحكومات الرأسمالية الليبرالية والعسكرية، العلمانية والإسلامية في السودان.

    ج- الطبيعة الرأسمالية التابعة للدولة السودانية في ظل الإستعمار الحديث وقيامها على الإستغلال التجاري الباهظ في المدن وعلى تجريف خيرات الريف وتهميش حاجات وقدرات سكانه، وإستعمار بل وإغتصاب مستقبلهم.

    د- الضغوط الإقتصادية أو الإجتماعية الناتجة من هذا الإنفراد الرأسمالي بأمور الحكم والثورة في العالم والسودان وتضاعف هذه الضغوط على غالبية عدد الأسر والسكان ووضعهم تحت خط الفقر بعدم كفاية الدخل الأساسي لإجابة حاجات معيشة الفرد الواحد مما أعاق فرص تطور المرأة وأضعف إمكانات تحررها، وجعل وضعها حرجاً دون عمل داخل الأسرة، كما أضر بفرص تعليمها وتدريبها ، وبفرص تقدمها في العمل، أو بإمكانات تثقيف نفسها، وأثر على طبيعة علاقاتها مما جدد الوضع القديم لتدني مكانتها.
    هـ- الضغوط الثقافية على كينونة ونشاط المرأة وقضاياها ومحاولة تنميط أسلوب حياتها وتشمل:

    • الضغوط المتصلة بالحضارة الرأسمالية في شكلها الترويجي لتسليع الحياة والمرأة بثقافة الإستهلاك وتنميطها المرأة وقصرها على الإعتماد على رأسمالها الجسدي والشكلي وخصائص تسويقه في المجتمع الذكوري، وعلى إختيارها المواقف والعلاقات الشخصية بمنطق الإستغلال والنفع بالخضوع والتبعية للقوة والمال. مما يكرس المرأة في مجتمع رأس المال الذكوري كمطية للإستهلاك، ويصرفها عن بناء إمكانات موضوعية ذهنية وجسمية وإجتماعية تمكنها من نيل مكانة محترمة لكيانها الحقيقي الخاص تعتمد على قدرتها المعرفية المنظومة وموضوعية نشاطها الإجتماعي وإجتهادها في تنميتها بالصورة تعكس المساواة الفعلية بين الجنسين في المواهب والقدرات والحقوق والوجبات. ولكن الوضعية الإستهلاكية التي تعتقد كثير من النساء إنها وضعية طبيعية تنتهي غالباً إلى عنف إجتماعي كبير تسببه الإحباطات الذكورية والتفككات الأسرية وضغوط السوق، والضغوط النفسية، إضافة إلى ماتنتجه في المجتمعات المهمشة لإرضاء هذه النزعة الإستهلاكية السائدة في المراكز الرأسمالية المحلية والدولية من تأنيث للفقر .

    • الضغوط ذات السمات البدوية في أشكالها الدينية والأخلاقية الرامية لتدجين وجود المرأة وحجبها عن مواجهة الغرباء وصونها عن إختلاط الصالح والطالح في الحياة الحديثة دون إدراك لأثر عملية الصيانة بالحبس وما ينتجه هذا الوضع القهار من سلبيات أكثر
    في تكوين المجتمع والشخصية الإنسانية إذ تتحول حالات العزل والعزلة القائمة على النوع والجنس إلى حالة كاملة لإنفصام وتناقض الإعتقادات والمفاهيم والممارسات تجعل المجتمع مخبولاً بين حالة العجز والقعود والهرب من مواجهة تغيرات الحياة أو قابلاً للإنمساخ والتحكم الخارجي في شؤونه مطية وحماراً، مما لا يصلح ديناً أو دنيا.

    3- بعض نتائج الوضع الجديد المتنوع لقضايا المرأة:
    نتيجة للوضع المتنوع الذي إرتقت إليه قضية المرأة وحقوقها من مناقشة فاعلية الحقوق التي نالتها ومناقشة الأسباب الأهم لتقدمها أو تأخرها في هذا المجال أو ذاك، بدأت في الحياة العامة وفي قلب الحزب الشيوعي نقاشات لتنظير هذه المفاهيم وممارستها وفحص طبيعة إتصالها بنضال الحزب أو بحرية أعضاءه في تقويم موضوعية الممارسات والعلاقات الإجتماعية والممارسات والعلاقات الشخصية، والصلة الموضوعية بين طبيعة التكوين الإجتماعي والفردي، وبين الفرد السياسي ومكونات المجتمع ..إلخ مما جدد النشاط الذهني والعملي لكثير من أعضاء ووحدات المجتمع والحزب وطرح قضايا جديدة في كل مجال أسهمت في الإرتقاء بمفاهيمه وممارساته وفي تحرير العمليات الإقتصادية- السياسية والإجتماعية الثقافية من إستبدادية بعض المفاهيم والممارسات الذكورية وبعض المفاهيم والممارسات النسوية، وتشكيل محاور مفيدة للعمل العام وتطور أهدافه ومطالبه في مجال قضايا المرأة والمجتمع.

    4- المطالب والأهداف العامة المتعلقة بقضايا المرأة والنوع وطبيعة علاقاتها:
    -دراسة الجهود النسائية ونضال الإتحاد النسائي والمنظمات والجمعيات ونضالاتهم المتنوعة لأجل حقوق المرأة وصحة المجتمع ورصد العلامات الهامة في هذه النضالات وتكريم رائدات العمل النسائي ورواده في أحياء السودان وأنحاءه ومدنه ومدارسه وخلق إمكانات معنوية لتجديد النضال النسائي في هذه الفترة وذلك بدفع المطالب والأهداف الآتية:
    أ- تعزيز المساوآة القانونية والعملية للمرأة والرجل في الحقوق والواجبات العامة، وفي مجال الإنتاج والخدمات وفي مجالات الثقافة.
    ب- تحرير العلاقات السياسية والإقتصادية من تسلط رأس المال والطابع الذكوري لهيمنته.
    ج- زيادة التمييز الإيجابي جهة المرأة في قضايا التنمية والبيئة.
    د- تحرير الأعمال التعليمية والثقافية والأدبية والفنية وأساليب اللغة من الهيمنة الذكورية، وتضمينها الحقائق المتصلة بالإتساق القائم المرفوض بين التكوين الإجتماعي الناشد للحرية والتكوين النوعي الجنسي لوحدات المجتمع بأسلوب فيه شي كثير من من القهر، وقيامها على حرية الإختيار في ظروف تحقق لهذه الحرية شروطها الموضوعية في مجتمع مضاد للإستبداد والعنصرية والقمع .
    هـ- الإهتمام بتعليم مواد الصحة النفسية والصحة الجنسية وإتصالهم بقضايا المرأة والمجتمع.
    و- حرية العلاقات المتعلقة بالتزاوج بين الراشدين وقيام هذه الحرية على مبدأ السلامة من الوقائع المخلة بسلامة الإرادة كالإحتيال والجبر والإكراه المادي أو المعنوي، وخلو العلاقة من الضرر بالحقوق الشخصية أو الضرر بالحقوق العامة لأي من طرفيها، وإتجاهها لتوكيد شخصية طرفيها في كيانهم الجديد وإحترام العناصر المتقدمة في المجتمع والحياة العامة لهذه الحريات والإتجاهات.
    ز- رصد العنف اللفظي والجسدي ضد المرأة ومعالجته بالصور التعليمية والثقافية والسياسية والقانونية اللازمة للحد منه.
    ح- مساندة هيئات المجتمع والدولة ودعمها للنشاطات والأعمال المتصلة بقضايا المرأة والنوع والصحة النفسية والصحة الجنسية بمختلف الأشكال المادية والمعنوية.
    ط- زيادة نشاط المرأة في النضالات والقضايا العامة وأهمها قضية التغيير الشامل لعلاقات الحكم والموارد بطابعها الإحتكاري الذكوري، وإتصال هذا التغيير بتعزيز الصلات النضالية بين ترسيخ الديمقراطية وترسيخ الإشتراكية وتفعيل مهام التغيير السياسي الناجز حيث لا يمكن صون كرامة المرأة وحقوقها وإحترام كينونتها وعلاقاتها ونشاطها في وطن مقهور منهوب ممزق ، فبنضال المرأة في وشج الصلة العضوية بين إنجاز التغيير الديمقراطي واٌلإشتراكي وإنجاز التغيير السياسي العام، يمكن الحديث بكل ثقة عن وطن جديد ومجتمع جديد أكثر حريةً وعدلاً وسلام من سابقه وأكثر إحتراماً لحقوق الإنسان في شؤونه العامة وفي شؤونه الخاصة.

    خاتمة:
    يكرس هذا البرنامج ووثائقه الأساسية بعض النقاط الأساسية في عملية تقدم مجتمعات السودان من حالات نقص ضرورات العيش والحياة والتكالب على ثمراتها إلى حالة للكفاية من هذه الضرورات وبعض الكمالات في مناخ طابعه الحريات والعدالة الإجتماعية والسلام يتم إنجازه بمضافرة قضايا التغيير السياسي بقضايا الديمقراطية والإشتراكية حزمة ضوئية واحدة لتجاوز الأخطاء والمآسي التي نتجت من تجزئة الأزمات والمشكلات العامة وتجزئة حلولها.

    النشاط الحيوي للقوى الثورية في مجتمعات السودان المتنوعة والمختلفة المرشد بالفهم المتكامل لطبيعة أزمات السودان وطبيعة حلولها طبيعة أدوات تنفيذ هذه الحلول دون تبعيض وتجزئة هو العامل الموضوعي السياسي لإحتشاد قوى هذه المجتمعات وتفتح وتضافر طاقاتها ضد مركبات الأحدية والقهر والمظالم الإجتماعية ومآسيها.

    هذه الوثيقة هي خلاصة دراسات نظرية وعملية لتطورات مختلفة في تاريخ العالم والسودان لذا فهي لا تقدم صورة دقيقة كاملة عن كل العوامل والظروف والفعاليات والمطلوبات وكيفية تحديدها أو تأقيتها ووضع أولياتها، بل إن هذه الوثيقة هي مجرد تصور لهذه المسائل يجب أن تختبر كل نقطة فيه في محك الممارسة والتطبيق خلال السنوات القادمة وتوضيح ما تعلق بكل نقطة من أحداث وتغيرات وقرآءة الأبعاد الإقتصادية السياسية والإجتماعية الثقافية لهذه التغيرات في كل مؤتمر أو حال دراسية لفهم أعمق لنقاط القوة والضعف في عملنا وفي أعمال الآخرين.

    عاش نضال الحزب الشيوعي ذخراً للتقدم والسلام

    عاش نضال الطبقة العاملة
                  

04-15-2008, 06:22 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    الباقي ثلاثة مساهمات ضخمة أيضا
    ساقوم بانزالهم تباعا...

    ملاسي:
    لقد قمت باحالة تساؤلك لصاحب الشأن
    وسأوافيك برده حال استلامه.
                  

04-15-2008, 03:23 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)
                  

04-15-2008, 08:54 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)


    المساهمة الثالثة :

    المنصور جعفر
    [email protected]

    42مسألة إنتقادية لمشروع التقرير السياسي

    موقع الكاتب: http://www.rezgar.com/m.asp?i=1248

    تقديم :

    أُنجز مشروع التقرير السياسي بنضال فذ وجهد نبيل وتضحيات جمة وأحضر لأعضاء الحزب الشيوعي السوداني لهدف تمحيصه ونقده -قبل عرضه على الهيئات المختصة بتقديمه إلى المؤتمر الخامس للحزب، ولكن في حضور مشروع التقرير مثل كل عمل أو تقرير عن عمل، جاء مشروع التقرير حاوياً موجبات متنوعة وسلبيات عددا.

    لزيادة تقويم هذا التقرير وبالأحرى تغييره يركز هذا العرض النقدى على كشف سلبية بعض النقاط في مشروع التقرير التي تفسد عملية حشده وتحريكه للإمكانات النظرية والعملية في الحزب الشيوعي السوداني لتحقيق أهدافه الإستراتيجية والتكتيكية ولصياغة برنامجه المرحلي حسب تناسب قواه الذاتية والظروف الموضوعية المحيطة به، لا لتبديله بحزب آخر.

    لذا تبدو أهمية إنتقاد وضرورة تصحيح مشروع التقرير وتكريبه وعلاج نقاط ضعفه لخطورة إفسادها إمكانات التناسق والتماسك النظري والعملي لمثل هذه التقارير (التاريخية) التي تعتبر في تاريخ الأحزاب الشيوعية جمعاً حساساً يلم وينظم -ويصيغ بحسابيته الطبقية وبفنه السياسي والإجتماعي وبثقافته وتأثيلات عطفه وبلاغته الموضوعية واللغوية- أهم المحاور والإشارات في مجال القراءة الثورية الطبقية لأحداث التاريخ، وكيفية التغيير الموضوعي لإنتاج وقائعه مستقبلاً بل وفتح مجرى التاريخ نفسه بإزالة قوى ومصالح الفئات الرأسمالية وشبه الإقطاعية المسيطرة على المجتمع والإنتقال من حالة تفاقم عوائقها وتناقضاتها إلى حال تعزيز حلف قوى ومصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمهمشين وبناءهم إمكانات التقدم الإجتماعي المنسق بنضال حزبهم والطبقة العاملة، وذلك لنقل بنية المجتمع القديم المتهالك في السودان وتحويل عناصر تلك البنية المنهارة وطبيعة حركتها من حال النقص في ضرورات حياة الناس وتكالبهم عليها إلى حال الإشتراكية بينهم في وسائل وجهود وثمرات إنتاج هذه الضرورات وفي شيء معتبر من كمالاتها وزينتها.

    ويتناول هذا الإنتقاد مشروع التقرير ونقاطه الضعيفة بشكل مقتضب يشمل كل من:

    1- الطبيعة العامة لبنية وهيكل مشروع التقرير،

    2- بعض النقاط التي تفسد تناسق الحزب وتناسق التقرير،

    3- بعض المؤشرات العامة المتصلة بالموضوع.


    1- في الطبيعة العامة لبنية وهيكل مشروع التقرير:

    1- في المستوى التنظيمي لعمل مشروع التقرير السياسي:

    أ- أثر التفكيك والتشتت في تكوين أعمال اللجان ونتائجها:

    أتي التقرير وكل عمل اللجنة متصلاً بحالة التفكيك الزماني والموضوعي لأوضاع الحزب و"المناقشة العامة" لها وطبيعة فصل وتشتيت عناصرها الموضوعية والعضوية الفاعلة فيها وتوزيعها في لجان مختلفة تكرس بطبيعة تكوينها الأفقي المتعدد إختلافات أعضاء الحزب أو تتجاوزها بشكل سياسي لصالح مشروع تصفية وجود الحزب الشيوعي السوداني أو تقليل فاعليته بدعوى تجديده: فمثلما فصلت سياسات إسرائيل الحالية موضوع السلام العادل وشتته إلى لجان أفقية منفصلة قطرياً ومجزاة في صورها التنظيمية والموضوعية، مما حول أزمة الحقوق الإنسانية والفلسطينية إلى كسور وبواقي، كذلك حدث على ذات النسق التفتيتي تجديد [عمل] الحزب إذ جاء التشكيل الأفقي للجان المناقشة والتنظيم والبرنامج واللائحة والمؤتمر وتأقيت أعمالها مُحداً لإمكانات تنسيق ومراجعة أعمالها رأسياً من الخلايا إلى الفروع والمناطق إلى اللجنة المركزية وسكرتاريتها ثم المؤتمر فجاءت إمكانات عرض ونقد أعمالها مختلفةً عن إمكانات تنظيم هيئات الحزب داخل السودان وخارجه.

    ب- فوقية تكوين وعمل وعرض نتائج العمل وقبولها ونفي إمكانات تصحيحها:

    إعتماد عمل اللجنة من إجتماع فوقي مركزي ديمقراطي بصورة سبقت إمكانات نقد وتصحيح هذا العمل في قواعد الحزب ويقطع الطريق على فوائد عرضه وإصلاحه أو تغييره، حيث جاءت ثنائية العرض والقبول بين اللجنة والمركز خالية من قواعد الترشيح والإنتخاب لعمل اللجنة وجاءت تماماً مثل "إتفاق نيفاشا" لا مجال لتعديل نتائج عملها إلا بثمن باهظ كالمدفوع بؤساً ودماً في شرق وغرب وجنوب ووسط وشمال السودان.

    ج‌- التعامل غير الموضوعي مع الإختلافات التنظيمية والموضوعية في الأراء ومصادرها:

    وردت إلى اللجنة أراء مختلفة قامت بفرزها دون أن تذكر المعايير الموضوعية التي تعاملت بها في فرز الأراء وتغليب رأي معين على رأي مخالف له!؟ فمن غير المنطقي القبول بمعيار العدد وميكانيكيته لتحديد موضوعية رأي، كذلك من الصعب في ضوء الحيثيات السالفة والحاضرة التي قدمتها اللجنة التكهن بالمعيار الموضوعي الذي إعتمدته معها اللجنة المركزية في المفاضلة بين أراء الوحدات وأراء الأفراد، ورأي مناطق الهامش والحرب ورأي مناطق المركز والسلام. وفي ظل غياب أو تغييب هذه المعايير الموضوعية، تبدو السعة في إمكان اللجنة لإنتقاد عملها أكبر من تقريظ المركز له.

    2- في بعض الجوانب السياسية لمقدمة مشروع التقرير:

    أ‌- تقويم المجهول وتعويم عملة الموجود:

    ذكرت لجنة تسيير المناقشة إن المواضيع الآتي ذكرها في الفقرة التالية لم تعط حقها في "المناقشة العامة" وهي: ((

    أ/ التجارب الأشتراكية القائمة ( المحوران الأول والثاني ).
    ب/ التصور حول " الدول الاشتراكية ".
    ج/ الاشتراكية والدين .
    د/ الجانب الفكري والفلسفي في مواضيع محاور المناقشة العامة .
    هـ/ مسألة هامة وهي اسم الحزب : فهو نقطة ضعف المناقشة العامة

    السؤال هنا: ليس كيف قامت اللجنة بتلخيص أراء هيئات الحزب أو بعض (سمناراته) وإسهامات أعضائه حول هذه المواضيع، أو عن معيار المفاضلة بين الأراء المختلفة دون إقحام التقديرات الخاصة بعضوي اللجنة أو بمن إستعانا بهم؟ مما تقل إجاباته أهمية عن الجواب على السؤال عن كيفية قبول سكرتارية اللجنة المركزية لإصدار تلخيص يفتقر حسب تقريره إلى حسم الجانب الفكري والفلسفي لطبيعة الحزب بل ولإسمه؟ ولأي مدى بالإمكان ان يوضع إسم الحزب الشيوعي على عمل مضني كهذا يتجاوز طبيعة وجود الحزب؟ وكيف لسكرتارية اللجنة المركزية للحزب تمرير ذلك ثم القفز بصورة محسوبة أو غير محسوبة على تنظيم الحزب والإنقلاب على طبيعة وجوده، بتقرير تغيير كينونته، بطي عمل مفتوح الإصطلاحات تقوم به لجنة فوقية قبل عقد إئتمار الحزب؟؟!!

    إن التحضير الجيد للمؤتمر والتغييرات في الحزب يتطلب عرض حيثيات موضوعية متكاملة مركزة في قائمتين أو ثلاثة لمجموعة موحدة من المسائل تطرح كل قائمة (كتيب) إجابات متناسقة مفصلة على تلك المسائل بداية من تحديد طبيعة المصالح والصراعات الدولية ثم طبيعة الوضع الوطني فيها بداية من مؤشرات تحليل القوى الطبقية ومصالحها الآجلة والعاجلة، وطبيعة صراعات تحقيقها، والخطوط العامة لبرامجها في إطار دستور الحزب وشرعيته. فبمثل هذه القوائم المنظمة لتنوع الأراء - بالإضافة لوقائع الصراع الطبقي بأشكاله المتنوعة في المجتمع- ينظم الصراع الطبقي- الفكري داخل الحزب في ظل مواثيقه وعهوده وأطره العامة الأممية والوطنية وتجلياتها في المدينة والريف وليس بتقرير وإعتماد فوقي لعملية تعويم وجود الحزب وفلسفته وتنظيمه العام قبل أن يفتي أصحاب الحق في حقهم، وقبل أن يعقد الحزب إئتماره.

    ب- مشروع التقرير بين التفرد والإنجاز، والنتيجة الآجلة له: خطوة واحدة إلى الأمام وعشرة خطوات إلى الخلف:

    قررت مقدمة مشروع االتقرير السياسي البعد به عن مسائل كثيرة أولها حسب ترتيبه:
    1- ((البعد عن التصدي لطرح مهام برنامجية في التقرير العام. فهذه مكانها الطبيعي المناسب هو مشروع البرنامج....)). ولكن السطر التالي لما سبق ذكره في مقدمة المشروع ذكر ان ((التقرير العام يركّز الأساس النظري والوجهة العامة لبرنامج الحزب وأساليب عمله استناداً إلى الدراسة الانتقادية لما هو واقع)). وبطبيعة السياق النضالي لتكوين عمل اللجنة الموقرة فإن التركيز وال تأسيس كان نبيلاً في عموياته ولكنه يتجاوز النواقص التي أوردتها اللجنة في عرضها لعمل أو حصيلة "المناقشة العامة" حيث نبهت اللجنة الموقرة إلى ماتبلور في المناقشة العامة من نواقص فكرية وفلسفية ونقطة ضعف مركزية حول إسم و[طبيعة] الحزب (الشيوعي).

    2- تجاوز الأسلوب السوفيتي ...[في إعداد التقارير الذي يغلب فيه تفصيل أمور الصراع العالمي] ورغم هذا الميثاق والعهد إتبع مشروع التقرير نفس خطى السوفييت في حركة التقارير السياسية الشاملة سائراً مثلهم وفقاً للأسلوب الموضوعي ومقتضياته في بداية أعماله من الوضع العالمي والإنتقال من صراعاته ومؤثراته إلى عرض طبيعة الوضع الوطني فيه ثم الوضع الفكري والحزبي في هذه الصراعات الوطنية والعالمية، بل حاول مشروع التقرير حل الأزمة الكبرى مقترحاً جهة تقدمية وإشتراكية للحزب تراوح في وصفها بين "النهضة" و"الثورة" وربط فيها مسائل "الإصلاح الوطني" و"التغيير الثوري" بجملة تأجيلية عامة مفتوحة هي: (إجراء المزيد من الدراسات الباطنية) بينما قام مشروعه للتغيير تبعاً لهذا الخط وفي كثير من فقراته –دون دراسة- بحصر قضايا الهامش في تشاورات آجلة مبهمة مع (طلائع) تلك المناطق في الحزب وغيره وبآمال مستقبلية لتكوين وعقد "المؤتمر الجامع" وحله أزمات الصراع الطبقي في السودان!

    فحص عام لموضوعية إبعاد التقرير عن أصول وقضايا البرنامج وعن الأسلوب الموضوعي للتقارير في إتحاد السوفييت:
    1- هذا التذبذب في الإصطلاحات بل وفي طبيعة إنجاز التقرير أشارت اللجنة الموقرة لتسيير المناقشة العامة إلى اسبابه (والإسم الأصح للجنة هو لجنة حصر أو ضبط المناقشة العامة) وقد ورد رأيها بوضوح شديد في مقدمة تقرير إنجاز أعمالها وفي بعض جوانب المشروع الذي قدمته لإنجاز التقرير السياسي حيث أشارت مباشرة إلى نقص المناقشة العامة وبشكل غير مباشر إلى الأخطاء [القاتلة] في تنظيمها مما يكشفه تقرير الاجتماع المشترك بين سكرتارية اللجنة المركزية ولجنة تسيير المناقشة العامة (2/8/2007) حيث جاء في محضر رصد وقائع الإجتماع على لسان كل من "عباس" و"صلاح": الآتي:
    (( عباس : لم أعاصر اللجنة لكن ما وصلنا منها أفادنا بأنه تجرى المناقشة بصورة أحسن . طريقة فتح المناقشة : بدأت قبل 1995 عند تحديد المحاور وتكوين اللجنة. نستفيد من ذلك مستقبلاً، تحدد وقت ، ومحاور ... الخ . مرت المناقشة بمراحل اختلفت في الطريقة والمحتوى . موضوع الاسم : فرض نفسه بطريقة فتح المناقشة وأصبحنا ملزمين به كمحور لابد أن نركز على الحيثيات لتغييره وإلا سبب ذلك هزة في المؤتمر الخامس .
    صلاح : الاسم يحتاج لمناقشة عميقة ولا نستعجل ذلك . وبإمكان حسمه في المؤتمر القادم،..... ))

    2 - رغم هذا النقص الخطير في نوع الكيان (المطلوب) من تلك "المناقشة العامة" وهذا الإختلاف العميق في التعامل معه أنجزت اللجنة الموقرة أعمالها بمنطق إكمال النقص وتجاوز السلبيات وهو منهج عملي مفيد لم يصلح في التاريخ و لا يصلح ممارسةً لحل صراع طبقي-فكري مثل ضرورة أو طبيعة وجود حزب شيوعي ، أو حتى حزب إشتراكي، وذلك مهما كان لأطراف هذه اللجنة من قيم ذاتية تعصمهم من الميل إلى هذا الرأي أو ذاك في تحديد النواقص وسدها، لذا فإن عملية عرض هذا التقرير لكافة الهيئات الحزبية وأعضاء الحزب وأصدقاءه لإبداء رأيهم فيه ولكن بعد قبول السكرتارية العامة له تبدو مسألة عرضه للمناقشة مسألة نقيضة لبعض قيم الديمقراطية الليبرالية، ولكينونة الحرية والنظام في قيم الديمقراطية المركزية في الحزب الشيوعي بتراتبها الرأسي مثلما هي تقيضة أيضاً لقيم الديمقراطية الشعبية بتكوينها الأفقي الطبقي والفئوي الإجتماعي وتراتبها الرأسي من القاعدة إلى القمة.

    3- ولكن إنجاز مشروع التقرير بما في الإنجاز من تضحيات وبطولات يعد بلا شك مأثرة وخطوة كبرى متقدمة نحو المؤتمر العام الخامس الحزب في وقت أقعدت التناقضات بعض همة العمل في الحزب، لكن الظروف التي قسرت على إنجاز مشروع التقرير بهذه الصورة التي تحل فيها اللجنة محل الحزب ومؤتمره تقود بخطوات سريعة إلى تصفية كامل وجود الحزب الشيوعي أو فرط وحدته بصورة رسمية بداية من عقد المؤتمر الخامس، وتأسيس حزب أخر ليحل محله، تحت مسميات وشعارات إصلاحية أو جذرية تعود بالنضال الطبقي إلى مرحلة الماركسية قبل اللينينية في عصر تتأزم فيه الإمبريالية بين حاجتها لزيادة الأرباح وزيادة معدلات الفقر والدمار الذي تنشره بمحاولات سيطرتها على المجتمعات (الأسواق) حيث يشتد هجومها المتنوع على موارد حياة الشعوب ووسائل عيشها وإنتاجها مضعفة قواها المنتجة بكل كياناتها النقابية وأحزابها الشيوعية وتنظيماتها التقدمية الإجتماعية، ومفتتة مجتمعاتها ودولها تارة بالشروط المالية الدولية الممركزة للموارد والمحددة لوجوه صرفها وتارة أخرى بالشروط المالية الدولية لتوزيع تلك الموارد ومركزتها في أقاليم الدولة، مع ما يرافق تلك الشروط القابضة والباسطة من ضغوط وإستضعافات وتفتيتات مباشرة وغير مباشرة.

    4 - مع تبشير متفائل ووعد من لا يملك بحدوث إصلاح آخر في المؤتمر السادس- إن بقى الحزب- فإن الطبيعة العامة لمشروع التقرير السياسي المقدم إلى المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، إجتهدت الحفاظ على طبيعة ماركسية وتقدمية ما في الكيان الذي ترومه، ولكنها فصلت تلك الطبيعة من المصدر الرئيس لتطورها المنظوم وهو النهج اللينيني في التنظيم السياسي وفي الصراع الطبقي بأشكاله.
    ولم يكتف مشروع التقرير بذلك الفصل، بل قاتل المشروع جميع النقاط الحيوية في نهج لينين: "الإمبريالية" و"حزب النضال الجديد" (الثوري الأممي والطبقي العمالي) "الثورة والدولة" ...إلخ . ففي تقوية لعمليات القضاء على الشيوعية في العالم وقع مشروع التقرير السياسي في سهولة كشط موضوعيات الجزء السوفييتي من عملية الثورة الإشتراكية العالمية، والإنسلاخ عنه وعنها متبرئاً منها كليةً إلى حالة لاماركسية لالينينية حصرت جذور ونتائج النضال الأممي الشيوعي في روسيا بإصطلاحات "النهج السوفييتي" و"النهج الإستاليني" مع عجز مشروع التقرير في إشاناته لتنوعات وتذبذبات ذاك النضال الشيوعي عن تقديم تحليل جدلي لسيرورة تكون الأزمات الطبقية التي أنتجت وجود وتطور وتقدم السوفييت ثم أنتجت تأزمهم ووفاة وقتل إتحادهم بالصور التاريخية المتنوعة لتكون وتبلور تلك الأزمات وأشكالها الوطنية والقومية ومسآئلها الإقتصادية الزراعية والصناعية والخدمية والصراعات السياسية-الإدارية والثقافية لفئاتها المجتمعية حيث تحددت بكل تلك الأزمات والمسآئل المواشجات المحلية والأممية والدولية للنضال الشيوعي الذي أسس وبنى الإتحاد السوفييتي.

    فدون تحليل مادي جدلي تاريخي كفى مشروع التقرير السياسي نفسه خيرات وشرور الصراع الفكري ونقد تجليات الماركسية- اللينينية بسرد مشوه نسبياً لأحداث حياة ذلك الحزب الشيوعي والإتحاد الإشتراكي للجمهوريات السوفييتة الذي نقل مجتمعاتها من غياهب التاريخ ومجاهله إلى مشارق الحضارة الإشتراكية والتفتح العلمي والإنساني في زمن وجيز -أقل بكثير من عمر إستقلال بلادنا.

    فبدلاً للقرآءة المادية التاريخية الجدلية لأحوال النضال الشيوعي والماركسية-اللينينية في صورها الموجبة وفي صورها السالبة وفرز أسبابها بواسطة عامل موضوعي كالتطور الجدلي لأحوال الإنتاج والإستهلاك وتناسب حاجات مستوياته وقطاعاته وعلاقاته وقواه وتأثيرها المتنوع على حركة تأسيس ونمو وتأزم ووفاة إتحاد السوفييت، فإن مشروع التقرير تجاوز كل ذلك وقام متجرداً من (لو) بقراءة سطحية ظالمة سماها "موضوعية" لأحداث التاريخ السوفييتي عمم نتيجتها، ثم بخفة خالف نهجه المحاذر من (لو) في تناوله الجزء السوداني من عملية الثورة الإشتراكية في العالم مطفياً أخطاء الحزب وقيادته التاريخية وقياداته المنقسمة مغبشاً نقاط مراق ومعارج التطور الإجتماعي متجاهلاً العوامل الذاتية في حزبنا لمدارك هذا التطور وإنحداره، مستعينا في هذا الغباش بمفردات لوم و(لو) و(لكن) و(قد كان) مواشجة بشكل إستبرائي لمفردات من نوع: "القوى التقليدية" و"الطائفية" و"النظم الديكتاتورية" (المدنية) منها و(العسكرية) و"الإتجاهات التصفوية" [اليسارية] يحملها كل مسؤولية الفشل في تثوير حزبنا ومجتمعنا ناسياً رغم الصدق في إشاراته هذه تفريد أخطائنا بشكل صريح ونسى إنه - أي مشروع التقرير- يسير بهذا التغبيش في ركاب تيارات تصفوية يسارية ويمينية أو يعتلي ظهرها قائداً لطروحها كما النملة على ظهر الفيل تعتقد إنها توجهه وتقوده.

    5 - العداء للنضال الشيوعي كرسته قوى الحداثة والتقدم الأصلمنشفية بريادة العلماء فيورباخ وماخ ودوهرنج، وبرودون ولوبان ثم كاوتسكي التي إتهمت من موقع (إشتراكي) أعمال ماركس وإنجلز مرة بالتجاوز والقفز فوق مقتضيات الواقع و(حقائقه) ومرة بالعصبية والجمود، ومرات بالتفاوت والتذبذب بين الإقتصادية والإجتماعية، ومرات أخرى بالنزعة الإرادوية والتسييرة في المعرفة والعلوم، وغير ذلك من تهم جددتها بأشكال تنظيمية (تروتسكية) أعمال قوى المناشفة والرجعية في روسيا قبل بداية الثورة الإشتراكية ثم بعدها مطلقة نفس الإتهامات والتشنيعات ضد النضالات الشيوعية بقيادة لينين وإستالين مما إنكشف لؤمه في التآمرات والإنقلابات التي سبقت (المؤتمر) العشرين وتلك التي تلته مما كللته جيوش خروتشوف في أوربا وقوات مصر في اليمن قبل تبلور الأمر بكل نجاحاته وإخفاقاته كأزمة قاتلة لتقدم ولوجود السوفييت، بعد نجاحهم المذهل في معارك البناء والدفاع والبناء الجديد خلال عقود النضال الإستاليني الثلاث.

    6- الضعف الأكبر في سياسة مشروع التقرير السياسي هو محاولته التغلب على التناقضات الطبقية في المستويات الدولية والمستويات الوطنية-المحلية المواشجة لها بعملية لغة سياسية تحاول تقليل الإفراط والغلو في التنظير الثوري دون ممارسة مُرَشِدَة، مثلما تحاول أن تحد من تعامل تنظيرات الحزب المفككة والمتناقضة مع إصطلاحات موضوعات الإقتصاد والصراع الطبقي والتناقض الدولي والمحلي رامية لتبديل كل ذلك بجمع عبارات ليبرالية منبتة ومفردات عائمة موضوعياً عن التجديد والإصلاح والنهضة مع عملية التخلص من جذور الإستالينية (مثل ماذا؟) دون التخلص من التملك الخاص لوسائل الإٌنتاج الإجتماعية! وإهمال مفردات الفهم المادي للجدل والجدلي للمادة والفهم المادي للتاريخ والتاريخي للمادة في صورتها الطبيعية الخام أو في الصورة الإجتماعية للطبيعة، وهي مفردات إصطلاحات ضابطة لسياق التفكير االعلمي الإجتماعي وثوريته، لا يفيد تبديلها بجمع ملتبس أو متراوح لمفردات مثل ("الثورة" و"النهضة") و("الطبقة العاملة" و"العاملين")ا تلتبس معانيها وتقف دالاتها ضد بعضها في ظروف الصراع الطبقي وإختلاف المصالح فيه.

    7- التجديد الموضوعي لأوضاع وقوى الثورة الإشتراكية في العالم والسودان يحتاج إلى تفعيل الفهوم العلمية المادية والتاريخية بمنطق جدلي ثوري ومواشجة ملائمة في عدده ونوعها لقيم الموضوعية والتغيير الحذري والنقد والنقد الذاتي في التفكير وفي الممارسة، وهو ما يتصل في مارسته بعملية إزالة التناقضات بين الطبيعة الملحة لحاجات الجماهير المستغلة والمهمشة في المدن والأرياف، وطبيعة التعقيد والطول والإختصار والقصر الذي تستغرقه عملية تنظيم وتكريب الشروط الذاتية في داخل الحزب وفي عملية حشده وتنظيمه وقيادته قوى الجماهير وضفر نضال طلائعها في المدينة والريف ضد نظم وممارسات وحكومات وصور وشخوص الإستغلال والتهميش ، وهو بدوره موصول نجاح الحزب في التدمير الجزئي أو التدمير الشمولي لأصول ومؤسسات التملك الخاص لموارد ووسائل الإنتاج الإجتماعي وتأسيس المقومات الموضوعية لإشتراك الناس في تولي أمور وسائل إنتاج حاجات عيشهم وحياتهم وسيطرتهم على تنظيم جهود وثمرات كدحهم، إشتراكية علمية متقدمة على إمكانات تفاقم تناقضاتها. قد يعزز هذا النظر إنه قبل حوالى مائة سنة في بلاد ضنكة متخلفة جداً نجحت قلة طليعية من العمال الروس بقيادة لينين وبدعم كادحي قوميات الشرق المهمشة بقيادة إستالين للحزب في مناطقهم في إسقاط حلف نظامي الإقطاع والرأسمالية بضربة سياسية واحدة منظمة متنوعة الذبذبات نجحت في بناء نظام فعال لحرية الكادحين والتقدم الإجتماعي المتناسق (نسبية) إستغرق التغلب الإمبريالي على قشور ذلك النظام مع زياد حسناته وتفاقم تناقضاته حوالى 80 عاماً حسوما! فأين نحن من ذلك من تطور تلك البلاد بفضل النظام الماركسي-اللينيني ولو في صورته الإستالينية وفي سياقه السوفييتي عامة؟

    ان التحدي العام في بلادنا المثقلة بالثروات المادية والبشرية وبالمظالم الجذرية والسطحية، يتجاوز بتعقد مهامه الإستغراق في تقاش نظري حول جدل "الإشتراكية العلمية" و"الإشتراكية الفعلية" التي جسدت كممارسة، والفروق الموضوعية بين النظرية والممارسة، وبين دور الأفراد والقادة في التاريخ ودور الطلائع والجماهير، ومفارقات الأوضاع الداخلية والخارجية وضروراتهم، فتلك مسائل مفيدة لتقوية الفعل الثوري، ولكن التحدي الأهم في السودان هو إنشاء الدولة الديمقراطية الشعبية أولاً أو على الأقل نابضها الحزب الشيوعي الماركسي- اللينيني ثم يترك تقويم مهمة سيرها والحفاظ عليها أو عليه بمواجهة عوامل البقاء والفناء لمقاليد المجتمع والتاريخ وظروفه،

    هذا القول بترك المسألة للظروف يناسب طبيعة مشروع التقرير وإتجاه صياغته لـــ "أسس برنامج الحزب" رغم وجود لجنة مستقلة لصوغ البرنامج، وإذ يتخلص مشروع التقرير بأدب جم وصياغة لطيفة من فهم الضرورة والحتمية التاريخية لفعل قوانين الطبيعة ولفعل قوانين الثورة الإجتماعية، جاعلاً القول بهما نوعاً من الكفر بما يشير له بعبارة "حقيقة الماركسية" التي يتصورها مشروع تقرير لجنة صياغة المناقشة العامة مزيجاً من الإصلاحية والتجريب! حيث يوجب مشروع التقرير إستئصال التفكير الماركسي اللينيني من جذوره حسب اللغة الإستصالية للتقرير التي لم تطرح إستئصال الظلم الرأسمالي الطبقي والإقليمي من جذوره مثلما لم تطرح إستئصال الإسلام السياسي من جذوره، ولعل تطفيف كيل وموازين مشروع التقرير لهذه المسائل إن لم يعتورني خطأ في رصد مفارقاتها وتناقضاتها وحساب تبخيساتها كان بمنطق: أسد عليا وفي الحروب الفكرية نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر.

    ت- فقر الطبيعة الطبقية والإقليمية لمشروع التقرير السياسي:

    حالة تكسر وتدمير الإتحاد السوفييتي العظيم وكواكبه وحالة البؤس والقنوط من كل قيمة موجبة في الماركسية-اللينينية فرضت في مشروع التقرير الأـسلوب المذعور من تخديم الماركسية اللينينية في قرآءة وفرز وتحليل طبيعة عناصر قوى الإنتاج وحركة وإتجاهات وصراعات قطاعاتها المتنوعة والمختلفة في المجتمع، وأعتقد إن هذا الذعر أفقر طروح مشروع التقرير السياسي وجعلها بالخطأ تتصور إمكانات أكبر للإصلاح الإجتماعي العفوي والتجريب عن إمكانات التغيير الثوري المنظوم، وبذلك فإن مشروع التقرير في خضم (تأسيسه) لبرنامج جديد للحزب، أو لبرنامج حزب جديد جرد الحزب الشيوعي السوداني والثورة الإشتراكية في السودان بمقدماتها الثورية الوطنية الديمقراطية من الإمكانات الموضوعية لبناء ركائزها في قلب حركة التطور والرقي الإجتماعي.
    3- خلاصة إنتقادية عامة لبنية وهيكل مشروع التقرير:

    من النقاط السابقة (أ) ، (ب)، (ت) التي ركزت على إنتقاد بعض الجوانب التنظيمية والسياسية لمقدمة مشروع التقريرالسياسي بالإمكان القول إن الطبيعة العامة لمقدمات التقرير مع تجاهلها أبجديات الإقتصاد السياسي وجدليات الطبيعة والتاريخ والضرورات الطبقية والإقليمية والأممية لتغيير نظام التملك الرأسمالي الخاص لوسائل وجهود وثمرات الإنتاج بما فيه من إستغلال وتهميش وإضرار بالإنسان والبيئة فإن بنية مشروع التقرير إعتورت بأخطاء جد جسيمة جمعت في أخف تقدير لها بين تدمير تنظيم الحزب الشيوعي، وتدمير العناصر الموضوعية للنظرية الماركسية-اللينينية، وقطع السياق الثوري الإشتراكي للتغيير الإجتماعي والتطور والرقي الوطني الديمقراطي، وتبديله بآمال خلب في التجريب والإصلاح الردفعلي وفي المؤتمر الجامع وإستلهام التراث، بل والعمل على إستئصال شأفة الشيوعية بدعوى محاربة الإستالينية وتبني الإنفتاح الفكري على حساب الإنتظام الفكري والحديث عن تغيير الحزب والبلاد بلا خريطة طبقية موضوعية أو صلات أو دوائر كهربية محسوبة ومحركات ناظمة !! هباء منثوراً وقاعاً صفصفا، تجديد كوقعة الجمل في البحر.

    2- نماذج لبعض النقاط التي تفسد تناسق الحزب أو تناسق مشروع التقرير السياسي:

    تعتني هذه الفقرة بإيراد عينات مباشرة من مشروع التقرير السياسي المقدم من لجنة تسيير أو ضبط أو تلخيص أو صياغة إجراء "المناقشة العامة" وتضع وشج كل عينة من مشروع التقرير السياسي تعليقاً أو إنتقاداً بسيطاً لتلك العينة موصول بكينونة طبقية لمسائل الماركسية اللينينية أو المركز والهامش وعلاقات النضال الحزبي الشيوعي والدولة والثورة والتوسع العددي والنوعي في الأزمة الإمبريالية، وذلك لتبيين وجود ومدى التافر بين العينة المعروضة والسياق التاريخي للنضال الحزب الشيوعي أو بين العينة المعروضة وسياق مشروع التقرير السياسي، وذلك بإيجاز في العرض تحتمه الطبيعة الزمانية والتنظيمية لطرح هذا الإنتقاد.

    1- الخط التنظيمي:
    يقول مشروع التقرير: ))فان مشروع التقرير العام للمؤتمر الخامس يسعى لمعالجة المتغيرات الأساسية في الوضع العالمي والإقليمي، وفي الواقع السوداني، ويطرح المهام التي تواجه العمل الثوري في الفترة القادمة. ويحدد بدقة التصور للأفق الاشتراكي، كما يطرح قضية تأهيل الحزب فكرياً وسياسياً وتنظيمياً ليجدد نفسه ويواكب هذه المتغيرات، ويواصل مشواره في البناء استناداً إلى أفكار ومفاهيم الخط التنظيمي.(( ولا شك في إن القيام بكل هذه المهام النبيلة، يتطلب تحديد ما سماه المشروع "الخط التنظيمي"، حيث إن مقدمة المشروع أقرت بالفراغ الذي تركته عملية تصميم أو تداعي المناقشة العامة في الجوانب الآتية:
    أ/ التجارب الأشتراكية القائمة ( المحوران الأول والثاني ).
    ب/ التصور حول " الدول الاشتراكية ".
    ج/ الاشتراكية والدين .
    د/ الجانب الفكري والفلسفي في مواضيع محاور المناقشة العامة .
    هـ/ .... اسم الحزب : فهو نقطة ضعف المناقشة العامة......

    وفي ظل غيبة هذه العناصرالضرورة لبلورة وقسط وعدل أي خط تنظيمي وتفعيله تنشأ أسئلة ضرورة لإيضاح طبيعة وجود هذا الخط:

    1- كيف تكون وتحدد هذا "الخط التنظيمي" خارج مناطق وفروع الحزب، وخارج اللجنة المركزية، وخارج مؤتمر الحزب؟

    2- أتكفي الأماني والأفكار العفوية والشعارات في هذا المشروع لتكوين خط تنظيمي لنضال أي حزب يروم التقدم الإجتماعي؟

    3- أبإمكان مجتمع التقدم من حالة نقص ضرورات عيشه وحياته إلى حال الكفاية منها دون تحديد طبيعة ومصالح كل طبقة إجتماعية فيه وفرز موقعها في نطاق عمليات المركزة والتهميش المحلية والدولية؟

    4- هل بالإمكان مع إستمرار نفس الظروف الطبقية والدولية التي سببت لثلاث مرات فشل الديمقراطية ليبرالية أن تنجحها هذه المرة في حل الأزمات الرئيسة لحياة المجتمعات المستغلة والمهمشة في السودان، وقد سيطر الإسلام السياسي على إقتصاد البلاد؟

    5- ماهي علاقة هذا الخط بالحد من مسألة التملك الخاص لوسائل وجهود وثمرات الإنتاج في العالم وفي السودان؟

    2- كيفية إنتقاء رأي معين من مصادر متعارضة؟

    حدد مشروع التقرير السياسي بأن مصادره هي: ((

    1 - كتيبات الحوار الداخلي والسمنارات التي تضمنت آراء الزملاء والهيئات والفروع لتجديد الحزب.
    2- تقرير المؤتمر الرابع "الماركسية وقضايا الثورة السودانية"
    3- الدراسات التي أعدتها لجنة إعداد مشروع البرنامج الذي سيقدم للمؤتمر الخامس.
    4- دورات اللجنة المركزية ( وبصفة خاصة دورة أغسطس 2001).
    5- مطبوعات حزبية متنوعة (حول البرنامج، قضايا ما بعد المؤتمر، لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، الخطابات الداخلية التي أصدرها مركز الحزب خلال السنوات الماضية .. الخ). ))

    ويلاحظ تجاهل مشروع التقرير لأن كل هذه المصادر الوارفة تحتوي تناقضات حادة في قراءة الواقع الدولي والسوداني والحزبي، كما إن كثير منها متصل بإنقسامات حزبية في حساب وتفسير نظريات النضال الشيوعي وممارساته مثلما كانت هذه المصادر مواشجة لكافة تفرقات وإنقسامات الحزب القديمة والجديدة وتشتتاته سواء إلى جهة سلطة "التقدم الإجتماعي" أو إلى جهة سلطة السوق. وإضافة إلى ظروفها التاريخية فإن هذه المصادر في إفراداتها وفي زرافتها وجملتها - في ظروف تشدد المركزية الديمقراطية- تبقى مجرد تصورات لقادة الحزب وبعض كوادره، ومع كامل التقدير والإحترام الرفاقي والشخصي لمسيرة بذلهم ونضالهم وفداءهم، ولأخطاءهم، إلا ان السير بمنوال مشروع التقرير في التعامل المجحف مع تاريخ النضال الشيوعي في روسيا يتيح القول في هذا الصدد إن هذه المصادر مع الظروف المحيطة بها أسهمت في إنتاج كثير من السلبيات السابقة والسلبيات الحاضرة في الحزب الشيوعي السوداني وفي الحياة السياسية السودانية والإقليمية والدولية وذلك بقدر أكبر من إسهامها في إنتاج الموجبات التي نتمتع بثمارها الآن. ولعل هذا التقدير الإنتقادي خاطيء ولكنه يبقى موضوعياً ما لم يقدم مشروع التقرير إيضاحاً وتفسيراً للمفارقة والإختلاف والتناقض بين تشدده بل وإجحافه في تقويم النضال الشيوعي في تاريخ روسيا وبلاد العالم وتساهله في تقويم النضال الشيوعي في السودان بكل نجاحاته وإخفاقاته؟ وحتى ظهور ذلك الإيضاح والتفسير، فإن طبيعة ثقة اللجنة في حيوية تلك المصادر تبقى غريبة فهي ذات المصادر التي لم يترك مشروع التقرير صفحة فيه إلا وهاجم أصولها وفروعها ومياهها وظلالها وميل أغصانها وهفيفها وتغريد عصافيرها بل ولعن بصورة عملية كينونة الشمس والهواء والأرض التي أنبتتها.

    وبطبيعة التناقضات الرئيسة والتناقضات الثانوية في هذه المصادر سواء بظروف إنتاجها أو بظروف ممارستها أو بظروف إنتقاد حزبها ونظريته وتنظيمه ونتائج عمله وإختلاف الظروف في مراحل إنتاجها وتفسيرها والإستعانة بها ينشأ سؤال بسيط عن طبيعة المعايير التي إعتمدها مشروع التقرير في فرز المحتويات المتناقضة في هذه المصادر أو طريقة تغليبه وإنتقاءه لبعضها دون بعضها الآخر أو معيار مشروع التقرير في جمع المحتويات المتوافقة ورصها، أو طبيعة المعايير والأدوات النظرية التي خدمها في ضفر بعض آراءالمصادر ببعضها الآخر طالما أن الحزب -حاضراً- مجرد نادي سياسي بلا نظام محكم الأصل والوسيلة والغاية أو وزن نظري آيديولوجي ودون إنتماء طبقي يركز عليه تصوراته وممارساته وطالما بقى الحزب حاضراً في الصراع الطبقي العالمي والوطني والإقليمي بلا كينونة ثورية إجتماعية واضحة ضد مسألة التملك الخاص لوسائل الإنتاج والطبيعة الرأسمالية لتنظيم جهود هذا الإنتاج وتوزيع ثمراته.

    جملةً: هذه المصادر وريفة متنوعة الأصول والمعاني وحمالة أوجه كلام كثير فكيف تجاوز التقرير الحزب في تقرير معانيها ومصيره؟

    3- النظرة الإنتقادية إذا ما جاوزت حدها:
    طرح مشروع التقرير السياسي أهمية نقاط من نوع "الإنتقاد" و"الدراسة" و"التغيير والتحول الإشتراكي" و"نبذ الطليعية والإستالينية" وقد أورد المشروع ذلك الطرح في صيغة حوت العبارات الآتية حسب صوغه وترتيبه: ((
    سيادة النظرة الانتقادية التي لا يتطور العمل بدونها.
    تطوير الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني
    ا لتغيير الاجتماعي والتحول الاشتراكي في الماركسية، نبذ أفكار الطليعية والموروث الإستاليني،
    علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة وحركة الشباب والنساء وقضايا التعليم العالي والعام والملامح والأساليب الجديدة الملائمة للعمل بين الطلاب، والأوضاع السياسية والاجتماعية في جنوب الوطن بعد نيفاشا وآفاق الوحدة والعمل الديمقراطي في الجنوب، والتحالفات الديمقراطية ضد الاحتكارات في البلدان الصناعية المتطورة، والمنبر العالمي لمناهضة الوجه المتوحش للعولمة، وتجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتجربة مجد، وجبهة حقوق الإنسان وقضايا التضامن ))

    لا شك في إن النظرة الإنتقادية المتناسقة في أصولها وتكوينها وممارستها وتقويمها قد تمثل دور النابط والموجه لأي حركة تغيير، ولكنها تخالف هذه الطبيعة وتتجاوز فوائد تكوينها إذا ما تكونت دون دراسة وافية للعناصر والعوامل الموضوعية والذاتية للكيان أو الفعل المنتقد، بينما يوضح مشروع التقرير نقص وقصور المناقشة العامة في مختلف الجهات، موضحاً سعي لجنته أو صائغيه لتجاوز هذا النقص وإكماله نجده قد باشر مهمة الإنتقاد قبل أي دراسة أو بالتوفر على رأي دون آخر دون معيار موضوعي، ومع النظر إلى تحول مهمة المشروع من تسيير أو ضبط المناقشة العامة إلى تغيير المجتمع والإشتراكية ونبذ المبادرة والطليعية والإستالينية! بالإمكان النظر إلى سعي مشروع التقرير للقيام بتغييرات تتجاوز مهمة لجنة إعداده حيث يقوم بتجريد الإشتراكية في الحزب الشيوعي من الماركسية-اللينينية، وتجريد الحزب الشيوعي نفسه من تنظير الماديتين التاريخية والجدلية وكل مسائل اللينينية، ويتمادى في عزل وفي حرف نضال الحزب عن "رفض الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الإجتماعية" ويشطب بشكل سياسي دقيق عنصر "الثورة" من حياته وأهدافه، حاصراً "الطبقية العمالية" في كينونة الحزب بدعوى تساويها وهي نبت القضية الجذرية في التاريخ الإجتماعي مع باقي القضايا الناتجة من ظلامات الإستغلال الطبقي والتهميش الإقليمي والعنصري، يبدل الأساسي بالثانوي ويمحق حضور الثانوي نفسه بوعود دراسات مؤجلة!

    من جديد تبقى هذه الطروح فقيرة بل مضاعفة للفقر الظاهري والبنيوي في كثير من مجتمعات السودان في ظل غياب دراسة عامة لحالة لإقتصاد السياسي في السودان وطبيعة عدد ونوع وتناسب إنتاجه وتنظيمه ومستوياته وعلاقاته وطبقاته وأصوله وحركته ومئآلاته، مع الحاجات الضرورية لحياة الإنسان بحرية وكرامة، ففي ظل تغييب هذه الدراسة العامة السهلة في حزب يعج بعلماء الإقتصاد السياسي ومثقفيه، يضحى الحديث عن الإنتقاد والدراسة والتغيير وكينونة الحزب ثم تطوير علاقاته وتأثيراته مجرد دعم لإعادة إنتاج أزمة النظام الرأسمالي في السودان والعالم تحت ستار تجديد الحزب أو تحويره إلى حزب لا شيوعي يتسامى عن الصراع الطبقي بمحاولة تحقيق مصالح جميع الطبقات في مجتمع تمركز رأسمالي طائفي قائم على الإستغلال والتهميش والإستعمار الحديث والإستعمار الداخلي.

    وإن كان لسكرتارية لجنة الحزب المركزية تقريظ جهود لجنة تسيير "المناقشة العامة" وبذلها ونضالها وإجتهادها في سد النواقص الخطيرة التي إعتورت إنطلاق وسير وتلخيص تلك المناقشة المتفاوتة الخالية من المعايير النظرية والعملية المتناسقة، فبإمكان بعض أعضاء اللجنة إدراك بعض أخطاء عملهم بهذه الطريقة التي يسبق الفعل فيها النظر، ويبدأ الهدم فيها دون دراسة البدائل.
    4- الأزمة الطبقية في تبديل إصطلاح "المرحلة التاريخية" بمفردة "العصر" :

    في احد وعود التأجيل يصر مشروع التقرير السياسي في توكيد حالة التعويم الآيديولوجي – التنظيمي للحزب الشيوعي السوداني ففي معمعان نيته الطيبة في إصلاح أو في تغيير الحزب بالإمكان النظر إلى عباراته الآتية: (( يأتي التقرير – إلى جانب المادة الواردة في كتيبات الحوار الداخلي – نتاجاً لعمل وجهد جماعيين يغطيان الأطر والمحاور الثلاثة: متغيرات العصر والوضع العالمي الراهن ومتغيرات المجتمع السوداني وتأهيل الحزب فكرياً وتنظيمياً وسياسياً لمهامه. وبطبيعة الحال ستظل هذه المحاور والأطر مفتوحة للتطوير النظري والفكري أمام العقل الجمعي للحزب بعد المؤتمر بمختلف الأشكال والأساليب الواجب ابتداعها: مركز دراسات ودوريات فكرية وورش عمل تتمتع بإدارات ذات استقلال واسع وتصبح سمة ثابتة في حياة الحزب ونشاطه.(( وقد كان إسم "قضايا العصر" عنواناً لعمل قدمه "السكرتير السياسي" كصيغة منفردة منه لتوجيه (تجديد برنامج الحزب) وبعد زمن طويل غبشت فيه هذه الموجهات الفردية نظر الحزب وسممت جسده إنتقد "السكرتير السياسي" الطريقة الإنفرادية لطرحه تلك الموجهات خارج الأطر النظامية المألوفة في الحزب، دون أن ينتقد مضمونها.

    وضد تلك (الموجهات) وإستمرار السير على نهجها في الهيئة المتصلة بتسيير "المناقشة العامة" أوضحت بشكل مفصل في عشرات من الأعمال الحزبية والجماهيرية والمقالات أخطاء وأخطار هذا الأسلوب التجريبي. وغير ما كان طي إجتماعاته فقد نشر بعض هذه الإعمال في صحيفة "الخرطوم" الغراء في عهدها القاهري (1995) ثم بتعديل في المجلة الفكرية الوارفة للحزب الشيوعي اللبناني "الطريق" بعنوان قريب لـ "ما هو التحليل المختلف لرأس المال؟ وماهو التحليل المختلف لقضايا الثورة في السودان؟" (1996) وكذلك في عمل مُصدر بنشرة الحزب الشيوعي السوداني (قضايا سودانية) (1996) وقد كان بعنوان "نحو موجهات أخرى لتجديد البرنامج" وكذا في صحيفة "الزمان" العراقية اللندنية الغراء أخر القرن العشرين، وفي بعض السوانح التي سمحت بها إمكانات النشر في "الديمقراطي" www.d-a.org.uk صحيفة التحالف الديمقراطي وفي صحيفة "الميدان" الغراء وفي علمها الخفاق www.midan.net في شبكة التواصل العالمية وكذا في موقعي المتواضع بذات الشبكة الكريمة على الصفحات الجهيرة الساطعة لـ"الحوار المتمدن": المنصور جعفر http://www.rezgar.com/m.asp?i=1248 وفي منطقة المقالات في الموقع الرحب الوارف سودانيز أون لاين www.sudaneseonline.com ففي جميع هذه الأعمال والجهات المتنوعة وضحت بهذه الأعمال وبالتفصيل الموضوعي المناسب في عدده ونوعه ومقامه الأخطاء الرئيسة في هذه الموجهات وأسسها وحيثياتها مبيناً كثيراً من القصور واللبس فيها والطبيعة الإنسحابية والرجعية لها، والآثار الفادحة التي تلحقها أخطالها بالحزب والوطن. وكان ذلك في نطاق إمكاناتي وفي سياق تيار عام لرفضها في الوحدة البريطانية للحزب (الفرع) لدرجة إنها تمتعت بتأييد صوتين صريحين فقط ورفضها بقية الأعضاء بتقدير رافض لطبيعتها.

    كذلك تم تناول نفس الموضوع ( خطأ الموجهات والحاجة لموجهات أكثر إشتراكية وديمقراطية) ورفض أقانيمه والتحذير من عشواءه وأخطاءه وأخطاره على الحزب والوطن والعالم في المحاضرة القيمة التي قدمها الزميل الأستاذ أحمد الحاج في لندن (2000) في إطار الجهود الثقافية والإعلامية للحزب الشيوعي السوداني في بريطانيا، مما قرظه العامة والكافة وتلجلج في تقديره بعض الكوادر والقادة.
    وكذلك عرض ذات لون الرفض ضمن سياقات أممية أخرى. وغير ذلك كثير مما لم يصل إلى لجنة تسيير المناقشة العامة نتيجة (ظروف الإتصال الحزبي) وتشابك وإختلاف علاقات الأفراد والهيئات بصور حميدة و بصور ضارة، أو وصل إلى علم اللجنة ولكنها أغمضته في تلخيصها كما أغمضت إسهامي "نحو موجهات أخرى لتجديد البرنامج" موردة عنوانه فقط في تلخيصها لإسهامات النقاش العام دون أن تورد سطراً واحداً من الإسهام نفسه !؟

    ان إختلاف ظروف نشر وجمع وعرض جميع الإسهامات بعضها في كتب حزبية وبعضها رأي في إجتماع إذا ما ربط مع تفاوت عناية الهيئات بتقديم بعضها وتأخير بعضها لا يعني بأي حال ان الإسهامات التي نحت إلى جهة الحزب اللاشيوعي هي الصحيحة والموضوعيةً، لمجرد أن مفتتحها الرسمي هو سكرتير الحزب أو شخصية قيادية فيه وإذ قام هذا الإنتقاد بذكر لمصادر وأعمال أخرى ضدها فلتوضيح الضعف النظري والعملي لما يعتقد معدي مشروع التقرير وصائغيه إنه على نقصه يمثل فاتحة خير لنمو وتطور الحزب بينما هو - بعلمهم أو دونه- مجرد تصفية باردة وإغتيال بطيء لوجود الحزب الشيوعي السوداني، خطوة خطوة.

    من أهم هذه الخطى النظرية والعملية لقتل الحزب هي إطفاء إصطلاح "المرحلة التاريخية" المضبوط بالمعايير الإقتصادية الإجتماعية المادية لحركة سير وقراءة التاريخ وأهمها طبيعة النظام الإقتصادي لعيش وحياة الناس، حيث بدأ حذف إصطلاح "المرحلة التاريخية" من التداول وهو عملة الحزب وعصب حياته ووضعت مكانه مفردة "العصر" وهي مفردة سائبة مسيبة إذ قيل عصر الكهرباء، وعصر الحروب العالمية أو الأهلية، وعصر الصواريخ، وعصر النفط، وعصر السرعة وعصر الدولار، وعصر الإتصالات، وعصر الديون، وعصر المجاعات، ...إلخ، فهي الزمان بلا ضابط موضوعي لعياره، وهي غور في التاريخ بلا بوصلة، ستين داهية !

    وفي كثير من الأحيان فإن إنتقاء مفردة لغوية في ظرف طبقي معين قد يشير بلون الإنتقاء إلى فكرة وطريقة تفكير بل وإلى طبيعة أو منظومة إصطفاف الأفكار في الذهن وإلى طبيعة تواجدها في المجتمع وفي العالم المحيط بكل ما فيه من صراع طبقي المصالح وغلبة وسطوة لوسائط التعليم والإعلام الإمبريالية التقعيد والتمركز والتمويل. وقد يسهل بطول وتسدس هذا الإستنتاج صرف سمة الموضوعية عنه، إلا أن تتعزز هذه المفردة بعبارات وأعمال وتصريحات وموجهات تثبت الطبيعة العامة لها في نطاق الصراع الفكري-الطبقي.

    في إنصراف مشروع التقرير السياسي عن (ثوابت) الوضع الطبقي في مجتمعات السودان وهرولته من مظالمها إلى حديث (المتغيرات) وتقلباتها دون قسط وعدل بينهما يدعي التقرير في سياق هذه الهرولة والمعاصرة (( تأهيل الحزب فكرياً وتنظيمياً وسياسياً لمهامه)) ! ولكن إزاء هذا الإدعاء فبالإمكان السؤال عن كيفية قيام التقرير بعملية تأهيل الحزب فكراً وتنظيماً وسياسةً لمهامه بينما يقوم نفس التقرير بتعويم وخصخصة أصول وتاريخ وكينونة الحزب ومستقبله وطرد عموم نظريته وممارسته بكل نواقصها لصالح فهوم وأساليب نهج التجريب والتعلم بنهج المحاولة العملية الذي وضح لينين ضعفه في كتاب: "المادية ونهج التجريب"، مبيناً فضل النظرية الموجهة والخارطة الفكرية والخطة في ضبط الأعمال. كذلك عدت إحدى مواد كلية التربية: نهج التجريب والمحاولة الفردية والبداية العشواء [وبذهن خال من الأسبقيات] عدته أفشل الأساليب في التعليم والتعلم.

    وختماً لهذه الفقرة، لابد من تمحيص المعنى الذي قصدته العبارة (( تأهيل الحزب فكرياً وتنظيمياً وسياسياً لمهامه)) بمفردة "مهامه" ( أي مهمات الحزب الـ..)، فما دامت نظرية وطبيعة الحزب مغبشة مغيبة، ونقاشه مرتبك، وتصوراته مجزأة متنافرة ومشروعات نضاله مؤجلة بقيام "المؤتمر الجامع" وبإنعقاد دراسات، وبخضرة شجرة الحياة بعيداً عن فهوم تنسيق الأفكار والجهود، وتصعيد النضالات الحاضرة في المدينة والريف وتنسيقها تنسيق االبستاني الفنان للأشجار والأعشاب والأزهار حدائقاً غلبا، فكيف لأي حزب بعد كل ما قام به هذا التقرير من تجريد علني وباطني لأصوله وعناصر حياته أن يتقدم لتحقيق أي مهمات سواء كانت هذه المهمات مهمات متناقضة لحزب إشتراكي أو كانت مهمات ذربة متآلفة ومتناسقة في عناصرها الطبقية وهيكلها التراتبي وبنيتها النضالية الثورية كما هي مهمات أي حزب شيوعي؟

    فإذا كان التقرير مسبقاً قد نبذ وبشكل موارب قيم اللينينية ورفض مهماتها الطبقية والتنظيمية فكيف له أن يؤهل حزباً لها؟ ولماذا؟

    5 - تجاوز الإختلافات الموضوعية بين مراحل نمو وتأزم ووفاة الإتحاد الإشتراكي للجمهوريات السوفييتة:
    بدلاً من تلخيص الدراسات الموضوعية في صدد تاريخ الإتحاد السوفييتي والتطور المحلي والدولي للتناسب والتنافر بين قوى وعلاقات إنتاجه ثم تأزمها، والأسباب الإجتماعية والثقافية القومية التي غذت تشكيلاته الإقتصادية وسيرورته السياسية إنشغل مشروع التقرير عن ذلك بتحليل ووصف ردود الفعل على تأزم وإحتضار وقتل إتحاد السوفييت، ثم تناول بعض مظاهر الأزمة والإحتضار كسبب لها، ثم أقر بعدم إكتمال دراسة الموضوع الذي توصل فيه التقرير إلى نتائج قاطعة لعلها هي التي دفعته- بكل إطمئنان- للقول الجزاف بأن ما سماه (إنعدام الديمقراطية) هو سبب تفاقم الأخطاء! حيث يقول التقرير: ((...هناك المنبهرون بالتجربة السوفيتية للدرجة التي يستبعدون معها كلية وجود أية أسباب داخلية للإنهيار. ويعزون بالتالي ما حدث من انهيار للتآمر والضغوط الخارجية وخيانة بعض القادة السوفييت. وبطبيعة الحال ما كان بإمكان تآمر وضغوط الامبريالية، وسباق التسلح الذي كان يمتص ثلث الدخل القومي السوفيتي سنوياً، ونشاط أعداء الاشتراكية داخلياً ان ينجح في مرماه لو لا وجود أخطاء داخلية في تجربة النمط السوفيتي. وهناك التقويم الذي يروّجِ له مفكرو الامبريالية الذين طووا جميع الصفحات وزعموا... إلخ.))

    وبعد نقد ضعيف للتصورات والأفكار الإمبريالية في هذا الشأن يضيف مشروع التقرير تصوراً (ديمقراطياً) لتفاقم أسباب الأزمة في ما سماه (التجربة) الإشتراكية السوفيتية، مغبشاً إنها نضال تحددت مساراته بحتميات التاريخ وليس برغبات بعض القادة فيه، يقول التقرير:
    (( ان البحث والتقصي سيستمر لسنوات عديدة في التجربة الاشتراكية السوفيتية، للوقوف على مجمل العوامل الداخلية والخارجية التي أودت بها للانهيار. وهناك حالياً رؤية جديدة لأسباب الانهيار عبّرت عن نفسها في عدد من المؤلفات الحديثة، وعموماً الموضوع برمته يحتاج منا لتمحيص شديد خاصة ونحن لم نلامس تلك التجربة بعمق. ولكن ما بالإمكان قوله بكل اطمئنان، إن انهيار التجربة الاشتراكية السوفيتية جاء نتيجة لانعدام الديمقراطية الذي قاد لتفاقم أخطاء لا مفر منها مع تجربة جديدة. إن ما انهار حقيقة هو النموذج الإستاليني للاشتراكية وليس الحلم الاشتراكي والنظرية الاشتراكية التي تحتاج طبعاً للتجديد الثوري الجذري بما يجعلها قادرة على تقديم بديل اشتراكي علمي، واقعي وديمقراطي. غير ان تزامن التصدع والانهيار في بلدان اشتراكية عديدة، وفي نماذج التطور اللاراسمالي المترسم خطى النمط السوفيتي في انحاء مختلفة من العالم، كفيل بان يلفت الانتباه لوجود سلبيات وأخطاء داخلية مشتركة في تلك التجارب مهدت الطريق للهزيمة وقادت لها.))

    بهذه الإشارات نلمح ثلاث أسباب هي: التآمر والحصار والعدوان الإمبريالي، والإنفاق العسكري، وإنعدام الديمقراطية [ أي الديمقراطية السياسية بطبيعة تقدير مشروع التقرير] والأول أي الحصر والعدوان مما لا يوجد إختلاف عليه إلا إنه كان مقرراً بشكل ديمقراطي في دوله وبلاده، فكيف تكون الديمقراطية الليبرالية (سلطة وديكتاتورية حرية رأس المال في التملك) صالحة في تقريرها العدوان على السوفييت بل وتشكيل منظومات الإستعمار القديم لموارد المجتمعات والشعوب وكل نظام الإستعمار الحديث لكل دول العالم غير الإشتراكية، بينما يطلب التقرير إستنساخها في الإتحاد السوفييتي حيث جرى قمع رأس المال والقوى المطالبة بحريته أي بحرية قيام قلة في المجتمع بتملك وتعظيم إستغلال وسائل الإنتاج والعيش الضرورة لحياة غالبية البشر تستغلهم وتستلبهم وتهمشهم.

    كان من الأجدى للتقرير ذات الدفاع المجيد عن الحريات العامة وحقوق الإنتقاد والديمقراطية لكن في سياق تنظيم إشتراكي للمجتمع والدولة يمنع شعبياً وقانوياً هدمه لحساب بناء رأسمالي لعلاقات تبادل المنافع بين الناس، تماماً مثلما يُحرِم النظام الرأسمالي نفسه تغيير أسسه السياسية (حرية التملك) أو مثلما يحرم النظام الليبرالي تغيير أسسه الرأسمالية (حرية السوق) على حساب حرية وكرامة أغلبية مجتمعاته المستلبة وعلى حساب حرية وكرامة أغلبية مجتمعات ودول العالم المخضعة له بآليات الإستعمار قديمه وحديثه. ففي الطبيعة الإجتماعية لاتوجد ديمقراطية واحدة كجنة لحرية كل الطبقات فكل لون من الديمقراطية يعلي أو يقصي مصالح طبقية معينة، يعتني بها أو يطفي أرآءها وهو مما لم يهتم به مشروع التقرير في عرضه للتطورات والتراجعات في أوضاع النضالات والدول الإشتراكية.

    ان إهمال مشروع التقرير العام لسمة الإيجاب اللازمة لموضوعية أي فحص وإنتقاد يشكل إهمالاً جسيماً لموضوعية النظر بصورة إنتقادية موجبة إلى وقائع وكليات النضالات الشيوعية في روسيا والجمهوريات السوفييتية سابقاً، وفي الصين وكوريا وكوبا وفيتنام ونيبال والفليبين والهند، وفي جنوب أفريقيا وأنجولا وموزمبيق وإثيوبيا وإرتريا وغينيا بيساو، وكذلك في دول التحول الإشتراكي في جنوب أمريكا، وفي تحولات بعض دول أوربا البحر الأبيض المتوسط، وفي داخل الدول (= الولايات) المتحدة الأمريكية، حيث بإمكان النظر البسيط إن يستضيء بأشعة حركة النضال الإشتراكي الاممي التي بلورتها الثورة الإشتراكية الأولى في التاريخ والعالم وسطوعها في حركة تراكم الثورة العالمية، فهي رغم تباين ديمقراطياتها وظروفها وتمثلاتها لم تزل بحيوية أحزابها وشعوبها وعنفوانها تعاظم عملية التمثيل الضوئي لقيم الإشتراكية الوضائة وإتقادها ضد أصول ومظالم رأس المال وتشكيلته الإمبريالية في عملية عالمية للثورة لم تزل توكد بتواصل نضالاتها ضد خصخصة موارد الشعوب وإعتقال إمكانات تقدمها لم تزل هذه العملية الثورية الأممية توكد حيوية ودفق ونماء عناصر وكليات المادية التاريخية والمادية الجدلية والماركسية-اللينينية والحزب الجديد في نوعه الثوري الشيوعي النضالي العمالي إضافة لتوكيدها صحة الأصل والأفق الأممي والإنساني لحركة النضال الشيوعي كعلم نظري تطبيقي منظوم لحرية الطبقة العاملة كأساس لإلغاء نظام الإستغلال والتهميش الطبقي بكل عنصرياته وبداية تشكيل كينونة الإنسان والعالم الجديد ووضع السطر الأول في التاريخ الحقيقي للإنسانية بعد ألوف السنين من التأريخ الطبقي الساحق لنشوء وتطور الإنسان.

    لا يغيب هذا النظر نقد التصور المحاسبي المالي لتأزم وإحتضار إتحاد السوفييت بدعوى توجيه موارد المجتمع إلى الدفاع فقد كان الإقتصاد العسكري في الإتحاد السوفييتي مستقلاً بكامله عن الإقتصاد المدني، وكان الإقتصادان لحد كبير متمايزان عن أسلوب التقييم النقودي لتبادلات المنافع السائد في الدول الرأسمالية صغيرها وكبيرها، حيث كانت تبادلات القيم تتم وفق معاملات إدارية تنظمها، لذا فمن قبيل مجاراة الثورة المضادة القول بمثل هذه الأسباب القائمة على حساب الميزانية، صحيح إن التعاملات النقودية قللت وحدت كثيراً في عهد قيادة إستالين للإتحاد السوفييتي مما وفر إمكانات مادية وبشرية كبرى فيه للبناء والدفاع والنصر ولبناء ما بعد الحرب بكل مساكنه ومرافقه ومحطاته الذرية والفضائية ومعوناته، إلا إن إرجاع التقويم النقودي للمنافع في المجتمع على يد المناشفة الجدد بعد (وفاة) إستالين 1954 والإنقلاب الأبيض لعقد المؤتمر العشرين للحزب السوفييتي في فبراير 1956(دون مؤتمرات تحضير) قاد لبلورة وزيادة التمايزات بين الطبيعة الإجتماعية الإدارية لعلاقات الإنتاج والطبيعة المالية النقودية التجارية لعلاقات الإستهلاك مما مايز بين الدولة والمجتمع وسمم نمو الإشتراكية رأسياً وأفقياً مما أوضحت كثير من تفاصيله في كتابات وأعمال أخرى ، وحال التمايز بين العلاقات الإجتماعية الإدارية للانتاج والعلاقات المالية النقودية التجارية وتسميماته هو نفس الحال السائد حاضراً في روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة بعد حوالى عشرين سنة من عودة الديمقراطية الليبرالية إليها، يزيد فيها تفاقم الأزمات دون مخرج إجتماعي متناسق سوى الإشتراكية. فرغم ما يسمى (عودة الديمقراطية) وإستمرارها لعشرين سنة فإن تلك الجمهوريات لم تحقق في أي من مجالات الحياة المادية والثقافية 10% مما حققته فيها في نفس العدد من السنوات إبان عهد البناء الإستاليني العظيم.

    إذن بالإمكان إفتراض إن موضوعات الحرية والكرامة الطبقية والإجتماعية تختلف في جوانب كبرى من طبيعتها عن الطبيعة الليبرالية للديمقراطية أو عن الثقافة الديمقراطية السائدة على المجتمع، مما تناوله كثيراً المرحوم د. جعفر محمد علي بخيت (1933- 1976) في تنظيراته العلمإدارية لأمور الديمقراطية الشعبية والحكم الشعبي المحلي والإقليمي وإتحاد جمهوريات السودان، وتشكيلها القاعدي لأسس الإتحاد والتطور الإشتراكي في السودان قبل أن تقوم مركزية الدولة السودانية ومركزية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالقضاء على مشروعه، وتحطيم صحته. ولكن من الضروري تعزيز هذا الإفتراض بتمحيصين مواشجين لبعضهما: 1- تمحيص ظاهرة الإستعمار والطبيعة السياسية لأصوله الطبقية و2- تمحيص ظاهرة تدهور شروط الحياة في الدول الديمقراطية، بل وإنهيار كثير من النظم الديمقراطية في أفريقيا وآسيا وحتى في أوربا الحاضرة (الدولة البوليسية، ومظاهر تجريد المجتمعات من حقوقها، والنزعة الفاشية) وبتعزيز التمحيص للإفتراض الأول تسهل الممايزة بين تنوع فهوم الديمقراطية ونسبيتها الطبقية في السياسة الإجتماعية وفي السياسة الرأسمالية، وبين تنوع حاجات وحقوق الطبقات والفئات المُستغَلة والمُهمشة في الحرية والكرامة.
    لقد إعتنيت لأكثر من ربع قرن وفي سياق تقدمي بشيء كثير من أدبيات وأمور الثقافة والفلسفة والتاريخ وأسس الإقتصاد السياسي وتاريخ الإشتراكية في أوربا وفي الإتحاد السوفييتي بالذات، ونشرت في ذلك وفيما يواشجه كتيبين ومئات مقالات وما لم أنشره من كتب يجاوز عدده آلاف الصفحات وأكثر من المعلومات والنظرات والمراجع، و كان إعدادي التقارير في هيئات العمل السياسي يلاقي التقريظ والإشادة دون أن إهتمام مؤسسي منتظم متناسق بتطوير هذه الإسهامات -إلا شذرات من بعض الأساتذة الأجلاء وبعض الرفاق أو ممن تجتمع فيهما هاتين الصفتين- مع قدر من الجهد الذاتي أصر على تمحيصه وتنميته تدقيقاً وتنويعاً وتأثيلا، ولي معه إسهامات متواضعة داخل الحزب وخارجه في مجالات النضال التعاوني والشبابي والنسوي والثقافي والفني والـ.. والدولي وفي حقوق الإنسان وفي مسالك إخوان الصفا ورفاقياتهم الغابرة والحاضرة، والآن إذ ينجلي محك الصراع وينفتح ميدانه الكريم الأشرف، بين جهات نظر كثيرة بينها قوى ومفاهيم الشيوعية و قوى ومفاهيم الخراب، تضحى ضرورة لحرية وكرامة مجتمعاتنا تعزيز التوكيد الإنتقادي الموجب لقيم الإشتراكية العلمية والآيديولوجيا الثورية والممارسة النضالية المعززة للتطور الإشتراكي والتقدم الإجتماعي في سياق دولة ديمقراطية شعبية تنفي في دواخلها إمكانات الإستغلال والتهميش بإلغاء إمكانات تركيز ملكية وسائل الإنتاج والعيش في يد قلة من الناس تطفف مكاييل منافعها وتبخس الناس أشياءهم وأعمالهم وتكنز بإحتكارها وسائل عيشهم حريتهم وكرامتهم فدون الإشتراكية والديمقراطية الشعبية ، لا يوجد طريق ثالث بإمكانه أن يحقق في الحاضر أسساً مادية ونظرية متناسقة لحرية وكرامة الإنسان في المستقبل.

    ومن الخبرة المعينة المتنوعة المعززة لقيم العدل والسلام والمحبة والرفق والتعاضد والإخاء الإنساني التي أنضجت بعض دراستي ونشاطي يتعزز إعقادي كل يوم بأن التغيير والتحول الى الإشتراكية في مجتمع تسوده الرأسمالية المحلية أو العالمية ليس بالإمكان أن يتم بسلاسة البيع والشراء في مجتمع تجاري بل إن ذلك التنوع يحتوي ضمن تناقضات مصالحه الجذرية وصراعاته السياسية معارك عسكرية وحروب وإجراءات إحتراسية ووقائية وإجراءات إحترازية ومقالع ومضافر لا يتمناها المرء ولكن حتماً تفرضها تناقضات المصالح، فلم يحدث في التاريخ البشري مجال موضوعي لتلافي هذه النوع من التصادمات منذ معارك البداوة القديمة بكل إستعباداتها الأولية وليس نهاية بحروب الحضارة الإستعبادية القديمة والإقطاعية والرأسمالية الإستعمارية وحتى معارك ثورة أكتوبر وحروب التحرير الشعبية، وحروب الإستقلال والإنفصال وما بينهم من تمردات وعصيانات ومسيرات وتظاهرات عنفية، يحكم توليدها وتطورها طبيعة العنف البنيوي والظاهري الذي تمارسه نظم الإستغلال، ومقادير حرمان وقهر وإستلاب الناس لذلك تبقى الدعوات إلى السلام وحقوق الإنسان مجرد أماني يرتكز تحقيقها ورسوخه على طبيعة التعامل الرأسمالي معها في جهة القوى الطبقية المُسَتَغَلة والمُهَمَشَة إقتصاداً وثقافة، وعلى المستوى المحلي والمستوى الدولي للقوة النوعية للنظام الديمقراطي الشعبي وصلابة ومرونة كينوناته الإشتراكية.

    من هذه التقديم بالإمكان النظر إلى التاريخ الطبقي للعنف في شسوع القارة الأوربية والآسيوية ومُحركاته ومُثبطاته العامة والخاصة ومن ثم تقدير الطبيعة الطبقية العامة لتنوعات وتطورات العنف في الإتحاد السوفييتي في مراحل ولادته وشبابه وفي مراحل تسممه وإحتضاره وإغتياله، أما الميل لإصدار أحكام مثالية عامة بصدد إجراء طبقي إقتصادي معين ذي سمة سياسية مدينية أو سياسية عسكرية، فليس من المناسب إيراده في أي مشروع تقرير سياسي يفترض قيامه على تحليل العناصر الأساسية وحساب دواعيها التاريخية وردود الفعل التي واجهتها قبل وسمها بالقبح أو بالجمال السياسي، ولكن مشروع تقرير لجنة تسيير المناقشة العامة يسير مسالماً أو متسالماً في مجرى ذرف الدموع على أعداء الثورة الإشتراكية لا بصفتهم بشراً راحوا ضحية التناقضات الطبقية العنيفة بل يبكي عليهم كأنما هم أصحاب حق وليسوا خصوماً في معارك تأهبوا لها بكل قدراتهم العسكرية، وفي هذا السياق نجد التقرير يصف سياسات البناء الإشتراكي في عهد ولادة وتفتح الإتحاد السوفييتي بمفردات إشخاصية وعنفية وتشددية وعنادية من نوع "ضرب" و"فرض" و"أعطى" و"تجاوز" التي لو طبقناها على أي حاكم أو بشر لما سلم أحد من غلها خاصة مع علم التقرير مقدماً أن إيراد هذه التشانيع المسبقة في سياق يتحدث عن الدراسة والسلام والحرية ومحبة الأعداء وقبول الآخر حتى لو كان مستغلاً للناس مفقراً لهم، فإيراد هذه الهتافات العدائية أمر يستدعي مشاعراً وعواطفا مضادة قد تؤثر على تقويم هذه الإجراءات في إطار قوانين الطبيعة والتاريخ المادية والإجتماعية، وللقاريء الكريم أن يحكم من أسلوب مفردات التعبير على قدر الموضوعية والتاريخية في التقرير، وفق إن مبادئ الموضوعية والتاريخية تقلل إعتبار تأثير الأشخاص والقادة وتعلي قيمة الجدل الطبقي بأشكاله، وعدا ذلك تخليط.

    وقد حدث هذا التخليط بمحاكمة فظة ظالمة لقيام الأفكار العدالية والتقدمية الاولى في صيغتها الماركسية-اللينينية ونضالها الشيوعي الماثل في ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى بقيام مشروع التقرير السياسي بمهاجمة إجراءات ولادة الإتحاد السوفييتي وشموخ شعوبه من مزابل الحضارة والتاريخ ناسباً إياها لشخص واحد يتمادي المشروع مع الدعاية السائدة في العالم في غمض نضالاته ومحق أمجاده وهو بطل مجيد من أبطال الشيوعية وقائد عظيم من قادة نضالها في روسيا والعالم ضد التنظير الفارغ والإستغلال والتهميش وأشكال الإستعمار والأمية والجهل والتخلف والامراض والأوبئة والتشتت والفقر والعدوان، وعلى بلورته وإثراءه الماركسية-الينينية وتقديمه موسعات وملخصات هامة فيها أضحت الآن من بديهيات العلوم الإجتماعية ساهم إستالين بتميز حكمه في إنتقال روسيا القديمة وإقطاعاتها من حالة البؤس والهوان إلى أمجاد البناء والإنتصارات الكبرى حتى تركها حين وفاته 1954 أعدل وأقوى دولة في العالم دون إستعمار وإستغلال وتهميش أو شركات وتجارة وتمويلات وبنوك دولية، وبتضامن لحد التضحية مع نضالات شعوب أوربا والصين والهند ضد النازية والفاشية والإستعمار ودعم غزير لحركة التحرر الوطني في آفريقيا وغيرها ومساندة مخلصة للدول المستقلة حديثاً وصداقة مع الشعوب كانت ذات مصانع وبعثات وفنون ورياضيات ومكتبات وأشعار وآداب وترجمات ثرة، وأضاف لنضال الشيوعية العالمي والروسي إشتراك فعال في تأسيس الأمم المتحدة ومواثيقها وهيئاتها وفي شرعات حقوق الإنسان ودعم وتوطيد الأمن والسلام العالمي، وفي تكريس حضور الإشتراكية فى النطاق الدولي عزيزة مرفرفة، لكن إجراءات ولادة أو تبلور الشيوعية والإتحاد السوفييتي وشموخه وإنتصاراته في تلك المرحلة بخست وأختصرت بمشروع التقرير السياسي فى مجموعة العبارات المجحفة الآتية: ((
    - ضرب مصالح البرجوازية في المدينة والريف.
    - فرض المزارع الجماعية والتعاونية في الريف السوفيتي بالقوة والقسر.
    - إعطاء الأسبقية للصناعة الثقيلة.
    - تجاوز أسس الحل الماركسي الديمقراطي للمسألة القومية وفرض اتحاد فدرالي لقوميات وشعوب الامبراطورية القيصرية. ))

    إن كثير من الأخطاء شابت هذه الصياغة التي تشبه إتهامات أمن الدولة الرأسمالية للشيوعيين بتهديد السلام الإجتماعي، وفي تلافيف كل فقرة منها قراءآت مغرضة ومغالطات تاريخية بل وتخرصات عمياء، ولكنها مع ذلك إنطلقت دون تحليل ودون دراسة متكاملة لإصدار أحكام ظالمة وبشعة سجلها مشروع التقرير بقوله(وهكذا قطع إستالين الطريق أمام تصحيح المسار، وتخطى القوانين الموضوعية الماثلة وقتها للتطور الاقتصادي والاجتماعي وقفز فوقها. ثم أقدم على ضرب واحتواء المعارضة العمالية والحزبية لسياساته بفرض تعميمات نظرية مغلوطة على غرار: " تنامي شراسة العدو الطبقي كلما تصاعد البناء الاشتراكي"، وجرى اتخاذ مثل هذه التعميمات النظرية تكأة لتصفية الخصوم السياسيين داخل الحزب نفسه بوصفهم امتداداً للعدو الطبقي. وضرب الديمقراطية وفرض الشمولية والدولة البوليسية ومن ثم سلب حق العاملين في الإضراب وحوّل النقابات والسوفيتيات إلى تنظيمات سلطوية.)

    وهكذا بعد أن سجل مشروع تقرير لجنة تسيير المناقشة العام بكل هذه الخفة ان القائد الشيوعي النبيل إستالين قد قفز وقطع ونط وتخطى وضرب وإحتوى وصفي وضرب وفرض وسلب وحول، ينطلق من هذا اللوم الشخصي الذي يعف عنه في السودان إلى تحليل وتقويم آخر يصر مشروع التقرير على موضوعيته يتعلق بالمسألة القومية في تلك البلاد شبه البلقانية، وكيف إن تأسيس الإتحاد السوفييتي نفسه كان جريمة إستالينية ولم يكن حلاً ماركسيا-لينينياً ديمقراطياً لمسألتي الإستعمار والإقطاع القيصري والأجنبي في تلك البلاد الواسعة المتداخلة والثرية والقاسية الطبيعة، لم يذكر التقرير مراحل تكون وتأزم الإتحاد وأسبابه الموضوعية في تناسبات قوى ومصالح وعلاقات الإنتاج، والطبيعة المركزية والامركزية لجدلها المحلي والدولي ومصالحها ومعاركها التكاتيكية والإستراتيجية بل ترك تقويم هذا كله وتقويم المناقشة العامة لقضاياه السودانية بمركزها وهامشها إلى القول المتواضع المزيف بعبارات من نوع: "لكن هذه الحقيقة..."! يقول :

    (( لكن هذه الحقيقة يجب أن لا تحجب عنا أنه ونقيضاً للطرح الماركسي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وكفالة حق تقرير المصير كحق ديمقراطي أصيل، فرضت الإستالينية اتحاداً فدرالياً لا مكان فيه لحق تقرير المصير إلا بصورة شكلية وبعد انجاز التحول الاشتراكي! ومهّد هذا الطريق لتنامي شوفينية القومية الروسية الأكبر وإلى تعقيدات خطيرة في المسألة القومية.)) وبعد هذا التجريم المتأخر لوجود الإتحاد السوفييتي، مما يشابه في مضمون حيثياته كثير من المواقف التاريخية لحزبنا حول الوضع في جنوب السودان ودون ذلك في شرق السودان وغربه، يندفع مشروع التقرير في تجريماته القومية، متجاوزاً جدلية الموقف الشيوعي ضد العصبية القومية (الشوفينية) وضد الإنمساخ والتذويب، وقافزاً على حقيقة ضجر كثير من الأوربيين الروس من سياسات إستالين القومية لتحميلها إياهم قسطاً كبيراً من عبء تنمية وتقدم مجتمعات القوقاز، كما تنسى أحكام مشروع التقرير حال النفور (القومي) المثلث والمتقاقم قبل الثورة وفي سنواتها الاولى بين مجتمعات الأرثوذدكس واليهود والمسلمين وكذلك بين القوميات الروسية والتركية والصينية والأوزبكية إلخ وتداخلها في رقعات جغرافية واحدة حتى كفل لها تأسيس الإتحاد ونموه إمكانات تعامل وتطور عظمى خاصة في مرحلة سيطرة التنظيم الإجتماعي الإداري على عمليات الإنتاج والتوزيع العام لموارده ووسائله وجهوده وثمراته، قبل مرحلة التقويم النقوددي للمنافع والتكالب الذي أيقظه على إمتلاك المارد والتفرد بها مما أزم الإتحاد وسممه.

    بعيداً عن ذلك يخلط مشروع التقرير لسبب ما بين الحقيقة والزيف ويخلط الثورة والثورة المضادة ويغافل نفسه عن إدراك جدلية العلاقة بين الأزمات القومية والأزمات الدولبة في تلك الظروف من الصراع الطبقي الدولي على ضفاف الحروب العالمية إذ يقول( وتحركت الجيوش والدبابات السوفيتية مرات عديدة لسحق وتنكيس رايات الانتفاضات الشعبية التي رمت للإصلاح والديمقراطية وتقويم سلبيات النمط السوفيتي في تلك البلدان.)) ولكن بعد هذه الفتوح السياسية والقومية يتحفنا مشروع هذا التقرير بصراحة لم يمارس مثلها جهة حزبنا، قال: (( طمس النظرة الانتقادية التي لا يتم إصلاح الخطأ وتصحيح المسار بدونها، بل أيضاً إلى رفضها كلية ومحاربتها.)) ثم يعمد المشروع الى الخروج من هذه الكشوف بفتح رباني يدير به دفة الإشتراكية العلمية من حال الثورة والتقدم في النضال إلى حالة رجعية يعيد بها المشروع الإصطفافات الثورية إلى حالة ما قبل لينين في العالم وهنري كورييل ومارسيل إسرائيل وعبده دهب وزكي مراد وحسن فؤاد في مصر وحالة ما قبل عبد الخالق محجوب في السودان وفهد في العراق، حالة البحث عن سياق تنظيمي طبقي طليعي منظم ومصادم يقول: (( صفوة القول ان النمط السوفيتي الذي جرى تسويقه بوصفه تجسيداً حياً للماركسية بلحمها ودمها، اكتنفته أخطاء عديدة. وان الذي قاد للإنهيار في نهاية المطاف لم يكن الماركسية، بل كان الابتعاد عن بعض مبادئها الأساسية. فالماركسية في جوهرها منهج علمي يتم الاسترشاد به في الوصول للقوانين التي تحكم التغيير الاجتماعي في هذا الواقع أو ذاك. انها نظرية تتنافى تماماً مع الأحادية والنمط الواحد والنموذج الصالح لكل زمان ومكان. ان فشل واخفاق مشروع تاريخي كان يدعي الانتساب للماركسية لا يعني ان الماركسية قد عفا عليها الزمن وتجاوزها. ))

    ويمكن ملاحظة عبارة (صفوة القول) التي يفتتح بها مشروع التقرير حكمه رغم إن نقاشه غير مكتمل لا في عدده ولا في نوعه، متباعد مفكك، دون تمحيص نوعي وتنظيمي لمصادره، ودون معلومات صحيحة ودون تحليل موضوعي، وفوق ذلك به تناقضات لم يتواضع في تقديمها وهي تناقضات تشل كثير من فقراته ومن المهم إزاحتها بالنقاشا قبل الوصول إلى "صفوة القول" ولعل هذا التعالي والحكم المسبق يجعل مشروع التقرير مائلاً إلى أن يساوي بين ما يسميه "الماركسية" وحالة التشتت الفكري والتنظيمي والسياسي ولعل ذلك بإتجاهه إلى التجاوب مع بعض المفاهيم العامة للثقافة الطبقية السائدة كمفهوم (تحقيق مصلحة جميع الطبقات) رغم إن ذلك متعذر بأسباب بنيوية ومنطقية تتصل بوجود هذه الطبقات في نظام إنتاج يكون الأرباح الرأسمالية بإستغلال وتهميش وإستضعاف الناس !

    في مثال جديد لخطاً وإنحياز بعض معلومات مشروع التقرير في صدد الصراعات الأساسية التي شكلت تاريخ الإتحاد السوفييتي إغفاله ذكر الخصائص الموضوعية لمرحلة إستالين حيث كانت هي مرحلة البناء والدفاع وإعادة البناء وإنها تكونت تاريخيا كنتيجة جدلية للصراع النسبي بين مرحلتين أساسيتين هما مرحلة "شيوعية الحرب" ومرحلة شيوعية السوق "النيب"، اللتين تميزتا بطبيعة مؤقتة جهة التحديات العامة التي واجهت بقاء عملية التغيير الإشتراكي. كذلك أغمض مشروع التقرير ذكر إتصال طبيعة هذه التغييرات بحالة حروب المقاومة والتدخل التي شنها الحرس والجيش القيصري، ثم جيوش وعملاء الـ14 دولة التي هبت لقمع الثورة الإشتراكية في روسيا قبل أن تردها قوى الكادحين والعمال وتهزمها وبذات العنف والقوة العسكرية والإجراءات الدموية.

    كذلك في تقديره أحوال تلك المرحلة نسى مشروع التقرير أن يذكر تآمرات المناشفة ومحاولاتهم الإنقلابية ضد لينين ثم ضد إستالين قبل وبعد الثورة وفي خضم بناء الإتحاد السوفييتي ومعاركه الدفاعية الدولية ضد القيصرية والتدخل والنازية والفاشية الدولية. ولعل وقوع مشروع التقرير في هذه الأخطاء يأتي من نسيانه إن قيمة إستالين تتمثل في ربطه بين تطور قوى الإنتاج والتغيير الجذري لعلاقاته، ومن تصور مشروع التقرير إن النضال العسكري السياسي كان يمارس في جهة الشر الإستالينية دون جهة الطيبة والخير والمحبة والسلام والحرية المضادة للشيوعية والسوفييت بقيادة تروتسكي وبعض أحباره، مما تجلى بعد (وفاة) إستالين وظهر بالإنقلاب والتآمر الكبير الذي أنتج "المؤتمر العشرين" (فبراير 1956) وعقده بعد مرحلة تصفية تدريجية لكثير من كوادر مراحل البناء والنصر، ضداً للتقاليد التنظيمية والسياسية للحزب الماركسي اللينيني! وقد تمت تلك التصفية مثلما هي الآن داخل الحزب الشيوعي السوداني تحت شعارات الإصلاح والتجديد والإنفتاح و الحرب على الإستالينية، وهي الحرب التي تمثلت مفاعيلها في ثلاث عمليات رجعية إقتصادية سياسية كبرى وهي:

    1- تفعيل النقود كمعيار ومقياس للمنافع الإجتماعية،

    2- إحياء قوى التعاملات المالية في المدينة والريف،

    3 - مواشجة شوفينيات القوى الصهيونية والقومية الروسية، مع قمع الكوادر الماركسية- اللينينية بإسم إجتثاث الإستالينية.
    مرة أخرى يمكن شرح طبيعة وأبعاد التأثيرات السلب لهذه السياسات ضد تناسق العلاقات الإقتصادية الإجتماعية بمباعدتها وفصمها تطور قوى الإنتاج عن تغيير علاقات الإنتاج، وعزله بذلك عمليات الإنتاج عن تطور عمليات الإستهلاك وتسميمها بهذا الفصم لأسس وأحوال التناسق البنيوي والظاهري للحزب الشيوعي ولإتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفييتية رأسياً وأفقيا وتسبيبها بهذا الإنفصام والتناقض تأزم الحزب والإتحاد السوفييتي وإحتضاره مسهلة مع الحصار الدولي محاولات إغتيال الحزب والإتحاد وتصفية وجودهما وآثاره في حركة النضال الشيوعي بكل تمثلاتها الضوئية في حركات التحرر الوطني وفي حركات التحرر الإجتماعي في العالم.
    لكن برؤية مشروع التقرير السياسي نراه يقفز على موضوعية هذه الأمور ويحيل الأمر إلى قصة بوليسية، ومجموعة من ردود الأفعال الشخصية مثل التي تقدم في هيئات وأضابير الحزب الشيوعي السوداني عن أسباب هزيمة المشروع النضالي لـ25 مايو 1969 من داخله ومن خارجه ومثل التي تقدم في هيئات وأضابير الحزب ومنشوراته عن أسباب الهزيمة الداخلية والخارجية لهبة 19 يوليو 1971 الثورية المجيدة المفعمة بدماء الجسارة والبطولة والفداء. فرغم الإختلاف البين في طبيعة وظروف الجهة المنتصرة في هذه الصراعات إلا إن التبريرات الإفرادية والشخصية تعلو بنفس الوتيرة على الملاحظات والفروض والتحليلات والتمحيصات والإستنتاجات الموضوعية فعلى ذات نسق القصص البوليسية وبطولات المغامرات المحتفية بأدوار الأفراد وذكاءهم الخاص يقول مشروع التقرير: (( ثم هبت قوى الحرس القديم المنتفعة بسلبيات النظام (النومنكلاتورا)، مستفيدة من بقاء أركان وركائز النظام دون تغيير، لإلغاء إصلاحات المؤتمر العشرين على ضعفها وهشاشتها. فكانت المحاولة الانقلابية للإطاحة بخرتشوف عام 1957، ثم كانت المحاولة الانقلابية الناجحة التي أطاحت به في اكتوبر 1964))
    فمع التحليل البوليسي اللا طبقي واللاسياسي يضيف مشروع التقرير السياسي إلى قرآئه ومتلقييه في مؤتمر الحزب ...... القادم معلومات مغرضة ومشوهة عن طبيعة الصراع في المجتمع والحزب السوفييتي آنذاك الزمان التليد للصراع الطبقي والحروب الباردة ضد الشيوعية والسوفييت.

    ومع إنسياق المشروع في إدارة معاركه بالعواطف يتحدث عن فشل الإصلاحات والتجديدات المجافية لتناسق علاقات الإنتاج وعلاقات الإستهلاك مرجعاً أسبابها إلى ما سماه بسهولة "ركائز النظام السوفييتي"! مما يدفع وبحسب منطق تسبيبه السوفييتي لأزمات تسمم وتأزم وإحتضار وإغتيال الإتحاد السوفييتي إلى سؤآل مماثل له في الطبيعة يكشف ضعف المنطق الذي خدمه التقرير في القطع بأسباب (الإنهيار)! وقوام االسؤآل هو معرفة: الكيفية التي يسبب بها مشروع التقرير حالات فشل وإنهيار الديمقراطيات الليبرالية في كثير من بلاد أفريقيا وآسيا وأمريكا االجنوبية ولمرات كثيرة؟
    وحسب منطق مشروع التقرير ووفقاً له قد تبدو طبيعة الإجابة على السؤآل السابق غريبة عليه: فالإجابة المماثلة منطقاً لإجابته على المسالة السوفييتية وموتها بسبب سوفييتيتها تبدو في صورة مماثلة لمنطقه هذا على النحو الآتي: إن فشل الديمقراطيات الليبرالية في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا يرد إلى ركائز الديمقراطية الليبرالية (= حرية تملك رأس المال والسوق لوسائل عيش وحياة الناس)!!
    بعد هذه المقاربة والمماثلة فلأي إنسان تأمل التنافر العميق والبنيوي بين سياق الجوابين رغم وحدة منطقهما. وهو الأمر الذي يدل على خطأ هذا المنطق الشكلي الذي خدمه مشروع التقرير لإدانة وجود الإتحاد السوفييتي بل ووجود الشيوعية. فسياق إجابة مشروع التقرير على المسألة السوفييتية هي تحميل أسباب ضعفها إلى ما سماه (إنعدام الديمقراطية وغلط ركائز النظام السوفييتي) بينما في ناحية أخرى إختبارية لمدى موضوعية مثل هذا التسبيب، تقوم على السؤآل والجواب على سبب فشل الديمقراطية الليبرالية في تحقيق نظام عادل لحرية وكرامة الإنسان في بلادنا وفي العالم دون إستغلال وتهميش أو إستعمار قديم أو حديث ؟ فنجد إن سياق السؤآل والجواب -رغم وحدة بنيته ومنطقه مع سؤآل وجواب مشروع التقرير- يناقض موضوعية إجابة مشروع التقرير عن سبب تسمم السوفييت بل ويضادها ويناقضها وينفيها جملةً وتفصيلاً . أن يكون الداء هو الدواء!
    فبذات المنطق الشكلي للتسبيب وبذات السياقة الذاتية التعميمية لجواب مشروع التقرير على المسألة السوفييتية نجد ان الجواب على مسألة أو أسباب فشل "الديمقراطية الليبرالية" في بلادنا المهمشة بل وإنهيارها مرات عددا مع رخاء مجتمعاتها الإوربية والأمريكية يرجع لسبب من تطفيف وإجحاف وتبخيس التقسيم الرأسمالي الدولي لموارد ووسائل وجهود وثمرات الإنتاج العالمي والعملية التمركزية والتهميشية لنشاط الإستعمار التقليدي والإستعمار الحديث القائمة على الركيزة الأساس للنظام الديمقراطي الليبرالي في حيازة منافع الطبيعة والإجتماع البشري، الماثلة في حرية التملك رأس المال بصورة مفردة خاصة لوسائل الإنتاج الإجتماعية ولوسائط تقسيم جهود المجتمع في الإنتاج وتوزيع ثمرات هذا الجهود بين القوى الضرورية لعملية الإنتاج، والطبقة المالكة لوسائله والمسيطرة على تقاسيمه.

    وفي هذا التناقض البنيوي القائم في كينونة مشروع التقرير المضادة للشيوعية والسوفييت بإسم كيان مستقبلي (جديد) يرومه مشروع التقرير السياسي للجنة المناقشة العامة لابد لنجاح تمحيصه من الخروج من شوشرة أي إمكانية لنشوء إعتقاد زيف بأن (التجديد) يجمع بين محاسن ما يشير إليه مشروع التقرير بـشكل موجب بإسم "الإشتراكية" ومايشير إليه من عناصر موجبة في "الديمقراطية الليبرالية" وإن هذا الإنتقاد لمشروع التقرير يتجه ضد ذلك كمجرد تباين أو إختلاف معرفي، أو محاججة إثبات (= سفسطة)، أو فلسفة مثالية تدور حول عناصرها لا تريد علماً مؤثراً وتغييراً إجتماعياً! وكذلك لمنع فهم هذا التناقض بين الإنتقاد ومشروع التقرير في صورة خلافات شخصية أو حتى عده تطاولاً من كائن ضعيف مثلي على إحترام أعمال لجنة قيادية ذات كوادر عليا مجيدة التاريخ.
    لذا فإن البحث التاريخي في طبيعة وسيرورة هذا التناقض بين الإنتقاد وبين مشروع التقرير السياسي يحسم أي إمكانات لإستضغاره أو لتخديمه ضد السياق الموضوعي لتبلور النضال الشيوعي في العالم والسودان والإصرار على علاج أو تجاوز نواقصه وخساراته وهزائمه، فالدراسة الفلسفية المادية والتاريخية بكينونتها الجدلية وسياقها الإنتقادي التغييري الثوري تمحص كثير من المواضيع والحالات وتوضح ما فيها من عناصر وبنيات القوة، وما فيها من عناصر الضعف وبنياته.
    وللتقدم الجدلي الثوري من المظهر المثالي للإختلاف والتناقض حول موضوع هل (س) داء أو دواء؟ يقوم هذا السؤآل الفيصل:
    إن كانت الديمقراطية هي علاج الداء السوفييتي، فهل تكون الإشتراكية والديمقراطية الشعبية و"الطبيعة السوفييتية" لنظام الحكم الشعبي المحلي هي الجواب المنطقي لإتجاه فشل الديمقراطية محلياً وعالمياً في تحقيق إمكانات متناسقة لحرية وكرامة الإنسان؟
    وهل تمثل الإشتراكية والديمقراطية الشعبية و"الطبيعة السوفييتية" لنظام الحكم الشعبي المحلي مقدمات إجابة منطقية في النطاق السوداني والعالمي لمسألة ضرورة إتحاد المنتجين وإدارة الإنتاج والدولة بعملية تخطيط إجتماعي وطني ديمقراطي لتنظيم بلورة وتوزيع وسائل الإنتاج وجهوده وثمراته توزيعاً متناسباً مع حاجات الناس وقدراتهم وإمكاناتهم ؟

    إن الإجابة بالرفض أو الإجابة بالقبول على أي من السوآلين تعني ان كينونة مشروع التقرير السياسي الذي أعدته لجنة المناقشة العامة لمؤتمر الحزب الـ(......)القادم كينونة عدوة للشيوعية شعاراتها "تنقية الماركسية" أو "نقد الإستالينية" أو "نقض التجربة السوفييتية" [بكل تنوعاتها ومراحلها] و"إصلاح وتجديد الحزب" (= حله)، وذلك لسبب من ان الصيغة العامة التي بلورها مشروع التقرير تفتقر عدداً ونوعاً إلى الحياد الموضوعي جهة المعلومات والدراسات والنقاشات الأساسية مثلما تفتقر المنطق والتحليل والتناسق الموضوعي العام دعك من الرؤية الطبقية الجدلية الثورية الضرورة لوجود وتميز أي نضال شيوعي. وهي بهذا السياق صيغة نقد هدام لأنه لا يحدد بشكل موضوعي الأسباب الإقتصادية الإجتماعية السياسية والثقافية الموضوعية للعلل الطبقية والقومية في النطاقات المحلية والعالمية، ولا يقدم بدائل موضوعية موافقة لمنطق وجود وحركة الطبيعة وتاريخ التطور الإجتماعي وسيرورتهم بجدل تمايز كينونات ومستويات وعلاقات الإنتاج، وعناصر وكينونات ومستويات الصراع الطبقي.

    في مواصلة المشروع الذي أعدته لجنة تسيير المناقشة العامة لقضايا العصر ليكون التقرير السياسي لمؤتمر الحزب يواصل المشروع إغتياله المعنوي لركائز البناء السوفييتي ببكاء على فشل محاولات الإصلاح يفصح بعبارته عن عمق الطبيعة البرجوازية لجهازه المفاهيمي حيث يذكر مشروع تقرير إغتيال الشيوعية ووجود الحزب الشيوعي العبارات الغريبة والمفاهيم الغلط الآتية، يقول: (( كذلك ذهبت أدراج الرياح كل محاولات الإصلاح الأخرى في ظل بقاء ركائز النمط السوفيتي. وكان جوهر تلك المحاولات يرمي إلى معالجة موجات الركود الاقتصادي المصاحبة لنمط رأسمالية الدولة والمركزة الصارمة بفتح هامش ضيق جداً لاقتصاد السوق الذي يحتمه واقع تعدد الانماط الاقتصادية، وبوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية))

    ومن ملاحظة تراتب وعبارات جُمل المشروع ودراسة طبيعة فرزه وتحليله نقاط موضوعه بإمكان للمنتقد ضمن دراسة مادية تاريخية جدلية النهج لهذه الفقرة من مشروع التقرير أن يجد في كل جملة سياسية من سطوره السالفة أكثر من خطأ في طبيعة إدراك مشروع التقرير لعدد من العناصر والمعلومات والمفاهيم الأساسية في الإقتصاد والسياسة والنضال الشيوعي، وفي طبيعة وضعها في سياق ومنطق طبيعي وتاريخي، وفي موضوعية معرفة تراتباتها وعلاقاتها، وفي الطبيعة المتناقضة لقيام المشروع بفحص وتحليل وجود وحركة عناصر موضوعه (الإصلاحي) وتغير مواقعه وإختلاف جهات تبلور هذه العناصر وحركتها، وكذلك بإمكان تبين تكاثر الأخطاء في طبيعة قيام مشروع التقرير بقرآءة التناقضات الرئيسة والثانوية في موضوع الإصلاح في الإتحاد السوفييتي، وطبيعة تعيين المشروع وتمييزه وإستخلاصه لنقاط ومواقع الحيوية ونقاط ومواقع الجمود في هذا الإتحاد وإصلاحاته التي إهتم بها المشروع، بل وبإمكان للمنتقد حين فحصه ودراسته للفقرة السابقة من مشروع التقرير تقدير كيفية الإعتبار والإستذخار بتاريخ موضوع النضال الشيوعي في روسيا وآثار الإصلاحات الإشتراكية والإصلاحات الرأسمالية فيه، وكذلك بإمكان للمنتقد تقدير كيفية تخديمه لتاريخ مشروع التقرير السياسي نفسه أي تاريخ تناقضاته والإعتبار والإستذخار به وبها في معارك الصراع الطبقي والتغيير الإجتماعي العالمية والمحلية.
    توكيداً لأهمية فحص هذه الفقرة في تقويم موضوعية مشروع التقرير ونظرته للامور الماضية والأمور القادمة مستقبلاً لابد من تمحيص مفرد وجمعي لكل جملة سياسية من الفقرة السابقة بقرآءة طبيعة الهيكل المفاهيمي لتبلورها وتكوينها وطبيعة موقعها وآثارها في سياق مشروع التقرير، وذلك بتحديد عناصرها الشكلية والموضوعية في هذا التمحيص وفحص ومدى تناسقها مع بعضها ومع غيرها من الفقرات ومع السياق العام للتقرير ومع وضعه في الصراعات داخل الحزب والوطن وفي المستوى العالمي الأممي والدولي. وفقاَ لسياق محاولة الإجابة على الأسئلة الآتية:

    1- هل هناك موجات ركود مصاحبة لرأسمالية الدولة والمركزة الصارمة [لتنظيم الإنتاج ]؟

    محاولة الجواب على هذا السؤآل:
    أ- تختلف طبيعة "رأسمالية الدولة" في ناحية ذاتية في كل دولة من حيث العدد ومن حيث النوع، كما تختلف بصورة موضوعية حسب الطبيعة الإقتصادية السياسية لكل دولة توجد فيها هذا النوع من التنظيم الإقتصادي حيث تختلف طبيعة رأسمالية الدولة الإشتراكية في عددها ونوعها وعلاقاتها وتفاعلاتها وآثارها عن رأسمالية الدولة الرأسمالية المركزية وعن رأسمالية الدولة الرأسمالية التابعة.

    ب- في الدول الإشتراكية ذات التخطيط الإستراتيجي العام تقل إمكانات وجود إختلافات وفروق أساسية بين عوامل الإنتاج وحاجات الإستهلاك، حيث يسود التناظم في الإقتصادات الإشتراكية بين جهتي الإنتاج والإستهلاك بفعل التخطيط الإستراتيجي والخطط المتوسطة والأولية التي تتبلور بها الخطة الإستراتيجية وتتحقق .
    وبهذا التخطيط العام لموارد العيش والحياة في المجتمعات الإشتراكية والقيادة المركزية المنسقة والموحدة لعناصره وتفصيلاته والتناظم المضبوط في طول البلاد وعرضها لكياناته وتنسيقه بين الحاجات والقدرات الإجتماعية في ظروف الإدارة الإجتماعية لموارد ومنافع الإقتصاد الإشتراكي تضمحل أسس ومظاهر التفاوتات السلبية في الإقتصادات النقودية الرأسمالية التي تحيا وتعيش بها قواها الطبقية الراسمالية المسيطرة على والمسيرة لموارد ووسائل وجهود وثمرات إنتاج المجتمع لضرورات حياته وعيشه. حيث تنشأ بطبيعة وتناقضات هذه السيطرة وتتفاقم كثير من التمايزات والتفاوتات بين حاجات وقدرات الإنتاج وحاجات وقدرات الإستهلاك.

    ونتيجة لتكون وتزايد هذه التمايزات والتفاوتات تحدث حالات الركود والكساد في المجتمعات الرأسمالية بكل آثارها الإجتماعية والدولية وتتفاقم بضعف طلب الوحدات والناس للبضائع والسلع المعروضة لهم، وهو ضعف بنيوي موصول إقتصاداته الرأسمالية بأسباب مالية مختلفة المظاهر تقود إلى تدهور إمكانات تجديد هذا الطلب أو ذاك أو تعجز عن منع تدهور وتيرته الزمانية أو مقاديره وذلك بفعل حالة تباين بين عملية وهدف زيادة الربح المالي وهو الهدف الإستراتيجي لكل نشاط رأسمالي وتناقض هذا الهدف مع نفسه وآثاره الماثلة في تسبيبه زيادة تكاليف الإنتاج نفسه برفع أسعار مكوناته المادية (الطاقة والمواد والآلات والإدارة) وصولاً لذاك الربح ومن ثم إضعاف هذا الربح والرفع والغلاء لقيمة وقدرة القوى الشرائية لجمهور المنتجين والمستهلكين حائزي النقود وسيلة الإستهلاك مما هو موصول بتخفيض عددهم أو ثبيت عوائدهم المالية، ومن ثم تضييق أو قبض فرص تنوع او زيادة إستهلاكهم خاصة مع تسبيب المنافسة الفردية الرأسمالية العشواء لزيادة شديدة في تنوع عرض عدد البضائع والسلع المستهلكات وإلتهاءها بالتكاثر في إنتاجها وعرضها لدرجة فيض الإنتاج وزيادته على قدرة الإستهلاك أو بصورة أدق زيادة هذا الإنتاج وفيضه بالوسائل والآثار التي يحيا بها وزيادته السرطانية على الإمكانات الملائمة لتصريفه في وقت ملائم لتجديد قدرته الإنتاجية وفق المستوى الربحي المنشود. كذلك تزيد موجات الفيوض والركود في الإقتصادات الرأسمالية بأثر تجمع جهود وقدرات مؤسسات الإنتاج الرأسمالية وميل حاجات ربحها إلى السيطرة (الجماعية) على تطور مستويي الإنتاج والإستهلاك في قطاع معين، مما يؤثر سلباً بذات الأسلوب الفردقبضي والتبخيسي على القدرات والإمكانات الفعلية لجمهور المستهلكين في تنويع خياراتهم أو في حتى زيادة طلبهم القديم، مما يعطل تطور دورة الأرباح والإستثمارات في قطاع إقتصادي أو جزء معين من الجسد الرأسمالي ويقلل إمكانات التنظيم الرأسمالي لموارد العيش والحياة على تجديد وجوده و قدراته وتحقيق أهدافه الربحبة بنفس الأسلوب والإمكانات المادية والبيئية في علاقة تناحرية متفاقمة بآثارها المميتة على جميع وجوه الحياة والبيئة وهو ما يدفع بجدله الطبقي والوطني المادي والثقافي طبيعة تطور المجتمعات البشرية من حالة نقص الضرورات والتكالب المفرد عليها إلى حال أنجع للحياة والبيئة بإشتراك االناس كافة بشكل منظوم حسب حاجاتهم قدراتهم في تملك وسائل إنتاج هذه الضرورات وفي تنظيم مخطط متناسق لجهودهم في الإنتاج وفي توزيع ثمراته بينهم، إشتراكية علمية متقدمة بتنظيم طلائعها وأفكارها ودراساتها وخططها وممارساتها في إرساء إمكانات متناسقة لحرية وكرامة الإنسان تحارب بإستمرار أسس وبنيات ومظاهر الإستغلال والتهميش والإستعمار.

    من هذا التمحيص لبعض خصائص الإقتصادات الرأسمالية في مسآئل الفيض في الإنتاج والركود في التصريف يأتي خطأ سطور مشروع التقرير في تصورها وتصوره وجود "موجات ركود" في الإقتصادات الإشتراكية ذات المركزية الصارمة في تنظيم الإنتاج:
    فبحال نقيض لتصور مشروع التقرير كان وضع العرض والطلب في الإقتصاد الإشتراكي السوفييتي حتى إنعقاد المؤتمر العشرين (1956) وضعاً عادلاً معتدلاً موزوناً حسب طبيعة الظروف المحلية والدولية لإدارة الثورة والدولة بكل صراعاتها وحروبها وحصاراتها. وقد كان ذلك ميزان العدل والقسطاس الإجتماعي نابضاً بدقتين متداغمتين هما: 1- دقة ميزان عوامل وجهود الإنتاج...، و2- دقة ميزانه لعدد ونوع الحاجات الضرورة لحياة المجتمع وسلامة دولته في ظروف الحرب الداخلية والإمبريالية ضد كل من تنظيم وممارسات الثورة الإشتراكية والنضالات الشيبوعية وضد عناصر وكتل الحياة الإشتراكية السوفييتية.

    في خضم تلك الصراعات الضارية كانت حركة الإقتصاد الإشتراكي السوفييتية وتقدمه بقوى مجتمعه من حالة النقص والتكالب والإستغلال والتهميش والإستعمار الداخلي والخارجي الى حال الكفاية النسبية في إنتاج الضرورات وشيئ من الكمالات والعدل في توزيعها الزماني والإقتصادي الإجتماعي حسب الحاجة والقدرة، فبهذا التقدم كان تميز الإقتصاد الإشتراكي القائم آنذاك بنجاح ركائزه وآليات إنتاجه في تكرار معدلات رقيه وتطوره الذاتي والموضوعي، بل وفي إنتظام هذا التكرار وتجدده لحوالى سبعة وعشرين سنة (1927- 1954) كانت مع قدر من الإخفاقات والخسائر الصغيرة والكبيرة هي سنوات نجاح مذهل في التعمير والبناء والدفاع وتحقيق إنتصارات مادية وثقافية توالت بإنتظام بطبيعة التنظيم الإجتماعي المخطط لتنظيم وإدارة أصول وموارد وقدرات ذلك المجتمع السوفييتي وإقتصاده لسد حاجات الناس الأساسية وسد حاجات تطور المجتمع مستقبلاً. حيث كان تشكل ذلك الإقتصاد وسيروة أدآءه وموافاته وتجددها أقرب إلى صفة "النظام" وحتى لصفة "الرتابة" في تكرار إنتظامها. حيث تواتر ذلك الوضع التنموي المتوازن بسبب من إتساق وإنتظام عمل عناصره بالإجتماع والتجميع الحسن لعناصره وأهدافه ووسائله، وإنسجامها الزماني والموضوعي بتركيبة ورؤية وقيادة ممارسة حزبه الطليعي في التقدم إلى تحقيق أصول وأهداف التنظيم الإشتراكي لوسائل وموارد العيش والحياة، وبتوالي توسع إمكانات ذلك الإقتصاد الإشتراكي الوليد المدار بطريقة ديمقراطية شعبية (= سوفييتية) فتحت قدراته ومهماته وآفاقه، بلا تضخم فيه و بلا ركود، حتى أغلقته عن التفتح وردته عن تقدمه، نتائج عملية إستمرار قوى المناشفة داخله وخارجه في مواشجة الإتجاهات الرأسمالية العالمية لتنظيم إقتصادات كل دولة من دول العالم في سياق تمركز رأسمالي عالمي يقوم بتنظيم بنيوي مفرد لموارد العالم وفق مبادئي حرية رأس المال في تملك موارد عيش وحياة المجتمعات، وهي الفكرة الثورية القديمة ضد نظم الإقطاع والطبيعة العنصرية لملكياتها وإقتصاداتها [المعادية لليهود]. وقد كان إستمرار من سميوا فيما بعد بالمناشفة، في التمسك بوصول العالم كله افراداً ومجتمعات إلى حالة الحداثة كأساس للإنتقال من تلك الحالة بالتراكم في عناصرها وتحولاتها إلى حال "الإنسانية" الراقية بحرياتها وإخآءها ومساواتها! فكان إستمرار محاولات مواشجة الرأسمالية في الإتحاد السوفييتي منذ ما قبل تأسيسه، بإعتبار إن هذا اللون من التنظيم التقدمي في تاريخ تطور الحضارة البشرية أفضل درجة وأحسن رقياً في أعداده وأنواع نشاطه من حالة تبعثر وتبدد الموارد بالنظام الإقطاعي، ومن حالة إنفراد مجتمع ما بتسيير موارده بصورة إدارية أو (أنانية) مستقلة عن المستوى العام في العالم لتطور حيازة وتبادل المنافع!!

    فبهذا الموقف التقدمي الحداثي المرتبط فكرة بظروف تقدم علوم الطبيعة والفيزياء والمستوى السائد لتعريف "المادة" ولفلسفة "المظهر والجوهر" و"علاقة السبب والنتيجة"، والمستوى الطبقي القومي والثقافي السياسي لـ"المسألة اليهودية" بكل بؤساءها المهمشين وأثرياءها المتنفذين سواء في أوربا الشرقية الروسية والعثمانية أو في أوربا الغربية واقعين أو محركين لشقي الرحى، نشأ جانب من الإتجاه التقدمي في الحركات الصوفية والعمرانية والنقابية القديمة التي تشظيت بفعل التطور الرأسمالي ونشأت منها كثير من الأفكار الحداثية والقومية والتنظيمات الإشتراكية الديمقراطية، ومن هذا التطور الجدلي المادي والتاريخي تبلور الرأي الذي يتصور إن وجود البناء الوطني هو مجرد نتيجةً لنضال وجهد وبناء دولي أعم، بمنطق "وجود الجزء من وجود الكل" مما جعل تيار هذا الرأي منذ ما قبل قيام الثورة الإشتراكية في تناقض وصدام مع حال الإختلاف والعزوف والنقد ثم (التجديد) أوالإنقسام اللينيني والإستاليني داخل كيـــان وهيئات "حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي" الذي كانت تنبض فيه الحداثة الرأسمالية واليهودية السياسية ضد الإقطاع والعنصرية.

    فضد هذه "النزعة الكوزمبوليتانية" العولمية، وضد هذه "الخطوة الواحدة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف"، التقدمرجعية، إنصرف نشاط لينين وإستالين بغالبية مناصريهم: البلشفيك في هيئة تحرير البرافدا، وفي طلائع شعوب الشرق خروجاً من ذلك الخلاف والتناقض المبدد للجهود إلى تكوين حزب من نوع جديد بسماته الأممية والطبقية العمالية والثورية، مما حتمه إلحاح الظروف الطبقية البائسة لغالبية العمال والفلاحين الروس حيث تنبض الأرثذودكسية السياسية الشعبية بكل نيهاليستياتها والظروف الطبقية والثقافية البائسة لجموع كادحي قوميات الشرق حيث تنبض مصالح قوميات القوقاز والنفط والإسلام السياسي في ثوريته ضد القيصرية.

    ومن ضفر هذه التشكيلة الثورية الجديدة خرج لينين من حالة المراوحة الإشتراكية الديمقراطية بكل إصلاحاتها الديمقراطية التي تبدل الإقطاع بالرأسمالية، فجاء تكوين الحزب الجديد "حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الثوري" (الشيوعي) بلورة لنضالات تاريخية وطوراً أعلى لكثير من الكتابات والكشوف الجديدة في علوم الطبيعة والمادة ووحدة بنيتها وتعدد صور تمثلها وتحولها وفق قوانين عامة مما إتصل بتقدم الثقافة العملية الثورية والفهم اللينيني الجديد لـ"بناء الإشتراكية في كل بلد كضرورة لبناءها وقيامها في العالم" بمنطق بسيط : " ان الكل هو مجموعة أجزاء".

    ولكن رغم نجاح قوى الحزب اللينيني الجديد في إطلاق الثورة الإشتراكية فأن جهود المناشفة ونضالاتهم ضد الشيوعية لم تتوقف وقد كان إرتباط أصول من عرفوا بإسم المنشفيك بالتصور الكلياني العالمي لنمو وسمو الحضارة البشرية إلى مرحلة الإنسانية قد بدأ ظهوره كسياق في التفكير السياسي وتعاظم تاثيره منذ ظروف مرحلة صياغة "برنامج غوتا" (الإشتراكي الديمقراطي) وشروعه في تصحيح وضبط نمو النظام الحديث الذي ولدته الإنقلابات البرجوازية في الثورات الشعبية الإنجليزية والأمريكية والفرنسية، وقد تابع تنمية هذا النسق من التصورات الضبطية كل من كاوتسكي وبيلخانوف وتروتسكي وأتباعهم وذلك بصور مضادة بالتالي والتوالي لوجود عدد من الضرورات الموضوعية في التاريخ والحياة ومنها على خط تابع متصل رفضهم موضوعية وضرورة وجود تنظيم شيوعي، ثم رفضهم ضرورة قيام ثورة إشتراكية، ثم ضرورة بناء وتنظيم مجتمع إشتراكي، وكذا رفضهم ضرورة مضاعفة وسائل تقدم هذا المجتمع، ثم رفضهم ضرورة إنتظام هذا التقدم وتميزه على النطاق الدولي والعالمي، فعدائهم لضرورة الدفاع الديبلوماسي والعسكري والأممي عنه في مواجهة أحلاف وإنتهاكات حروب الإقطاعيين والمرابين والكولاك وطغاة الإقطاع والقبائل والقوميات المهمشة كما تفاقم رفضهم لمواجهة حروب العدوان الرأسمالي لألمانيا النازية بالدعم الأمريكي والرأسمالي العالمي الأول لها، مع رفضهم ضرورة الإسراع في تنمية مهام البناء وتعزيز النصر الإشتراكي في المستويات المحلية والعالمية!

    ولم يكن رفض المناشفة وأحبارهم لإجراءات ولادة وتقدم الشيوعية ولبناء الإتحاد السوفييتي مجرد عناد أو غيرة ومغايرة شخصية ضد نجاحات ماركس وإنجلز ولينين وإستالين بل كان إتصال ونمو هذا الرفض شقاً من نضال تقدمي طويل قديم فات ميقاته حده الموضوعي:
    فقد إستمر نضال أصول المنشفيك وفروعهم لأجل التطور الحديث الحر لإقتصادات دول العالم كوجه طليق للحداثة الإجتماعية لحمته تراكمات فردية للتحول في قدرات وحاجات كل شخص وكل مجتمع ودولة سمواً إلى حين يظهر فيه بشكل سلس تحول ووصول أفراد ومجتمعات العالم بـ(صورة طبيعية) إلى مرحلة ما بعد النقود مع ظهور ووضوح النهاية (الطبيعية) لدور مفاهيم وعمليات الملكية الخاصة في ضبط وتنظيم الإنتاج الإجتماعي، وذلك ببلوغ إقتصادات الأفراد والعالم مرحلة يتحقق فيها إستهلاك (قوى السوق) وتنظيماته ونشاطاته لكافة الإمكانات والقدرات المالية والسياسية المؤثرة لقوى الإقطاع وملكياته في أوربا بينما تدفع هذه التحولات التقدمية في المركز بتطور مجتمعات العالم الآسيوية والأفريقية بكل مواردها النفطية والذهبية وغيرها ناقلة إياها من ضفة التخلف إلى ضفة الحداثة [الرأسمالية] إعتماداً على تقدم التقنيات الإنتاجية وإنتشارها وسيطرتها وهيمنتها على عملية إنتاج وسائل العيش والحياة والتحور (الطبيعي) للنظم الإجتماعية من حال التراتب الإستغلالي إلى حال الإشتراكية المعزز لإمكانات الحرية والإخاء والمساواة والمتعزز بهما تطوراً طبيعياً يبدأ بحل التناقضات البسيطة والأولية ليصفي مسبقاً وجود التناقضات الأكبر دون صراعات أو نزاعات وحروب!!

    ولتجنب الغرق في رصد وتحليل الطبيعة السياسية الطبقية لجمع الحزب الشيوعي بكل لينينيته لعناصر هذا التيار نسرع إلى إختبار موضوعية هذه النزعة المنشفية المذكرة بعناوين وشعارات عجيبة التحقق والفهم مثل : "واقعية بلا ضفاف"!؟ و"إشتراكية بلا ضفاف"! و"رأسمالية بلا إستغلال" !؟ و"ذاكرة بلا أسماء"!؟ و"عمل بلا تنظيم"!؟ و"تنظيم بدون أسبقيات فكرية أو عناصر طليعية"!؟ وأيضاً "خطط دون جهاز تخطيط"!؟ و"سياسة بلا أفكار مسبقة ناظمة أو إرادة موحدة، أو ممارسة مشتركة متناسقة وموحدة"!؟ و حتى "تغيير ثوري إجتماعي دون طبقة عاملة"!؟ و"تنمية بلا هدم"!؟ وحرية لـ(ـكل) الطبقات"!؟ و"ديمقراطية شعبية بدون ديكتاتورية بروليتاريا"!؟ و"تقدم إجتماعي متناسق يستغنى عن التأميم والتخطيط والضبط الحكومي والديمقراطية الشعبية"!؟ وصولاً من هذه العجائب إلى القول بـ"إشتراكية تجدد وتنمي قوى السوق"!؟ وغير ذلك من تهويمات وإشراقات الهندسة الفراغية للأذهان والعقول الخربة، التي تجعل من الصعب تحديد أي أبعاد وعناصر وعلاقات موضوعية للتغيير الإجتماعي من مرحلة الإستغلال إلى مرحلة الحرية والإخاء والمساواة!

    ويفرض هذا الغموض ضرورة تمحيص هذه الفكرة ولو بسؤآل تحديدي متواضع وبسيط عن ما تقصده أو تعنيه هذه الحالة التقدمية المضادة للشيوعية بإصطلاح "الحداثة"؟ وهو سؤآل ينشأ معه سؤال آخر عن قيمة سكوت المنشفية أو أهل الحداثة التقدميين على طبيعة أو واحدية أسلوب تجاوزها أو تجاوزهم أزمات بنيتها الرأسمالية؟ حيث يلتبس أمر الحداثة كحال إنتقال حضاري من آخر مراحل الحيوانية في البشر إلى (أولى) مراحل الإنسانية، بل ويزيد غموض هذه الحداثة مع تنوع سياق عدد ونوع التفاوتات والصراعات الإجتماعية والثقافية في مجتمعات العالم بكل قومياته وثقافاته وأديانه، ومع زيادة تباين المصالح فيه بإختلاف التمثلات الخصوصية والعمومية لحضاراته الإنتاجية بكل مدينياتها وثقافاتها وبمختلف اساليب تحقيق المجتمع المعني لإنتاج إمكانات عيشه وحياته، وزيادة هذا التباين بإتساع وبإجتماع مدى هذا التنوع بتباين مستويات وعلاقات الإنتاج وظرفه المحلية والدولية؟، وكذلك بإختلاف وتباين وصراع وتناقض كثير من أسس وتفاصيل مجتمعاته وطبقاته وثقافاته بعضها إزاء بعض؟ وهو أمر -مع إزدحامه- يتصل في جانب رشيق حاد منه برصد ودراسة تاريخ تطور التنظيرات الليبرالية لا منذ بدايتها الفلسفية بل في مرحلة تبلورها في الفكر الهيجلي ثم تشظيه، أي تاريخ نهاية الفلسفة التقليدية، دراسة نقدية توضح بؤس الفلسفة وموتها إن خرجت على سياقات الطبيعة والتاريخ والمجتمع والعلوم الطبيعية والإجتماعية، وسكتت عن التصريح بأسباب إستغلال وتهميش حرية وكرامة مجتمعات البشر أو قعدت عن تغيير الأوضاع المولدة لعملية إستلاب وعيهم وإغتراب وجودهم عن طبيعة نشاطهم وإنتاجهم وسائل عيشهم وحياتهم، مما يجعل قيم حياتهم حقاً خاصاً لبعض قليل منهم يتكاثر به دون أكثرية مجتمعاتهم.

    إن عملية رصد أو دراسة تبلور وتطور وإنفجار الفكر المثالي إنفجاراً كونياً خيراً دراسةً ثرة قد تتعلق شكلاً بالأسلوب البرجوازي للفلسفة ولتاريخ أو علم الفلسفة والتمظهر اللاموضوعي لعناصره حسب تسلسل زمني يتابع ظهور شخصياته حيث يختلط بهذا المعيار الزماني العمل المتأخر فكراً لواحد من المنظرين والفلاسفة بالعمل المتقدم فكراً في عدد ونوع عناصره وتحليلاته ونتائجه، ويحدث ذلك لمجرد سبقه الزماني! وبذات الأسلوب البرجوازي لأخذ تاريخ الفلسفة كعملية تزمين أعمال فإن المعايير تتنوع زيادة وقلة وقبضاً وبسطاً حسب هوى المتكلم أو المؤرخ في هلام وخلب ثقافي قد يسر بعض الناظرين لا ضابط فيه ولارابط، قصير ومتباعد في نبضه وفي تغييراته، أقرب ما يكون لمتعة ذهنية مجردة يغني فيها كل فيلسوف على ليلاه أو لياليه الفكرية، يراودها ويلثمها ويطارحها كيفما يرى وكيفما تستجيب له، دون نابض موضوعي لهذه العلاقة بينهما أو سياق ناظم لتطورها وبهذا السياق نجد شبه هذه (الفلسفة) في فلسفة لجنة تسيير "المناقشة العامة" في نظرها وتسييرها الفكري لمشروع التقرير السياسي حيث خرجت من السياق المادي الجدلي للتاريخ الإجتماعي والإقتصاد السياسي للتطور العالمي والوطني بهدف تجديد المؤتمر لقوى ونضالات الحزب الشيوعي وإنتقلت من ذلك بمناقشة ناقصة ورؤية غبشاء إلى حالة سياسية بشعة ومؤسفة من الإحباط الطبقي والضياع الفكري كللها قيام مشروع التقرير بمحاولة جادة لتصفية الموضوعية التاريخية لوجود ونشاط النضال الشيوعي نابذاً ضرورة وجوده ووجود التاريخ الأساس لتنظيره وممارسته.

    إن وضع مشروع التقرير بهذه الطريقة في الحساب السياسي يمثل عثرة سير وإلتواء حركة لكن بالإمكان عدل خطوها بإحسان بدايتها وتصحيح سيرها بإنتباه وفحص وتمحيص وضع بعض الجوانب السودانية والعالمية من تاريخ وجدل وجود مظاهر وموضوعات نشوء ووجود الأفكار العامة والإجتماعية، حيث تتضح طبيعة التقدم العددي والنوعي في هذه الأفكار والإتجاه العام لتفاعلاتها وحركتها، وتعذر رجعة التفكير الإجتماعي من مصاف تقدمه إلى وضع إجتماعي متخلف لتنظيم إنتاج ضرورات العيش والحياة ثبت فشله في تحقيق إمكانات مادية وثقافية متناسقة لتحقيق حرية وكرامة مجتمعات الإنسان في كل دول العالم، ومن ذلك حالة الفشل المقيم للتنظيم الرأسمالي بكل تنظيراته وديكتاتورياته الليبرالية والبيروقراطية في تحقيق هذه الحرية والكرامة في مراكزه الإستعمارية أو في نطاقات وهوامش إستغلاله حيث تشكل وقائع الظلم والأزمة البنيوية لنظم حرية السوق حقيقة عارية تماثل بفكاهتها الإنتقادية الحزينة فكاهة قصة "الإمبراطور العاري" ذلك الذي خرج مزهواً للناس يتصور إنه يرتدي ثوباً سماوياً ليس له مثيل في الأرض بين الناس، حسبما أوهمه خاطته نتيجة رعبهم من غضبه عليهم حال تعذُر إجابة طلبه منهم صناعة ثوب بلا مثيل، فما إن خرج للناس عارياً بهذا الثوب حتى تصوروه قد جن ففقد الإمبراطور بهذا الإفراط هيبته بين الناس وحكمه، كذلك فإن رعاية الليبرالية لإستلاب الوعي بعرى الرأسمالية، لاتتطلب أكثر مما قام به مشروع التقرير السياسي إذ خرج للناس عارياً وهو يظن إنه يرتدي ثوباً ماركسياً نقياً شفافاً.

    لقد كانت ظروف العيش والحياة والأفكار الموضوعية المتصلة بتقدم العقلانية والحرية والكرامة في مجتمعات البشر هي البيئة العامة لتطورات الصراع الطبقي الإجتماعي السياسي على تمايز وتعدد أشكاله لحالات عائلية ودينية وقومية، ترتبط عصبياتها بمفاعيل تبلور الملكية الخاصة للأدوات والوسائل الإجتماعية للإنتاج، وذلك منذ إنفطام البشر عن بدائية وبهيمية وضعهم في الطبيعة وتمايز ذهنهم عن مخهم ويدهم، وتمايز عقلهم عن ذهنهم، وحتى تمايز وعيهم بأوليات وسيرورات حياتهم عن العقل، مما يتصل في تبلوره وتكونه بالتمايز القديم لوجود الكينونات والترسبات الخيرة والذهبية لفيوض وجود العقل في العالم منذ أوآئل الحضارة السودانية النوبية القديمة ومواشجتها عناصر وفهوم الإرتباط والتمايز بين العناصر والمجالات الحيوية والرئيسة في الطبيعة الخام بإنتظاماتها وبجدليات الفلك الكون والشمس والكواكب والأرض، وجدل العناصر والتمثلات الحيوية في الطبيعة الإجتماعية والأوضاع المجتمعية للغرس والضرع والولادة والحيازة والتنظيم والحكم والتجدد والخلود، مما وجدت بعض مفرداته وتكثفاته في المدينيات والثقافات التي نشأت زماناً ومناطقاً بعد مدينية وثقافة حضارة "خيم" (= السواد والخصب والفيض) النوبية القديمة ومثلما تبلورت بعدها وفي ذات النطاق الحضاري الإستعبادي ذات الظروف والتناقضات والنظرات والصراعات والقيم والافكار تفتحت آثارها في كل من قندر وحمير ومصر وسومر وبابئيل وأور وبيتئيل أو أورشليم، وآشور وكريت واليونان وفي الهند والصين وكما في شعاب نقادة وتئبيث (طيبة) وحران والحيرة ومكة وأصفهان وبغداد وصقلية وقبرص وقرطبة وقسطنطينبوليس وجنوة والبندقية وفلورنسا.

    ففي كل ناحية من هذه المناطق والظروف التاريخية لطبيعة العيش والحياة فيها وتنظيم حيازة المنافع فيها كان هناك تبلور وتطور ونشاط للقوى العمرانية والصوفية والمندائية والحنيفية واليهودية والمسيحية والإسلامية التي بلورت كثير من القيم الضابطة لمعاملات ذلك التطور الضاري. ومن تكثف حاجات الناس وميلهم إلى الوحدة الإجتماعية والسياسية بعد ألفيات سنين من التكالب والصراعات البدوية والحضربة فجاء تواشج الحضارة والتوحيد ونشاط طوائف البناء والعمل الحرفي والتنوع والتكاثر العام لإنتاجهم ولعدد ونوع حاجاتهم وطلبهم لفوائد سدها في مجالات الهندسة والمعادن والفلك والخيمياء والموازين والميول وإنجازهم فيها تقدمات فكرية وفلسفية وعملية وعلومية إجتماعية ورياضية وطبية وزراعية ومعدنية وجغرافية وتاريخية وآداب متنوعة تجسدت كعروة وثقى حيوية للحركة الثورية آنذاك في بعض جماعات الإسماعيلية والفدائيين (الحشاشين) وفي مدرستهم الرفاقية العظمى في أخوة الصفا وعقدهم فيها أياصر الفلسفة والعلوم بحركة قوى ومصالح وجهود فئات العمل في مختلف المجتمعات بتنوع وإتساق كانت له ككل تنظيم إجتماعي "مركزيته الديمقراطية " االخاصة ناقلين وضع مجتمعات البشر الأفريقية والآسيوية من حالة قرى حضرية لتجمعات البداوة إلى حال حديث للمدينية ، أخذ فيه (إصطلاح) "الخاصة" و(إصطلاح) "العامة"، معاني طبقية محددة، وصل إرتقائها إلى حد الميز والتفريق بين كل من "الثراء" و"الجاه"، وبين كل من "الحكومة" و"الدولة" وبين كل من "النظام السياسي العام" و"الدين"، وبين "الكانزين" و"المستضعفين".
    والأمر الأهم من ذلك في هذه المناقشة الإنتقادية لمشروع التقرير هو وصول جهود تلك الجماعات في مجتمعاتها إلى درجة تحول وإنتقال منظوم من حالة السخط االطبقي القبيلي، القحطاني والشعوبي (الموالي) في قومياته والشيعي السمة وحالة الإحتجاجات الفطيرة فيه على النزوع الإستبدادي (العروبي والتركي- السني) في تلك المناطق المتداخلة وإنتقالهم منه إلى رحاب تكوين جماعات تغيير بل وحركات تحرر منظومة بسمات قومية وطبقية وفكرية متداخلة أسست تفاعلاتها ثورات ودول "الزنج" و"القرامطة" و"الدول الفاطمية" مسهمة في تبلور حركة الفدائيين "الحشاشين" (الإرهابية) التي أخذت لنفسها حق إعدام كثير من قادة الصليبيين وقادة الإستبداد المحلي.

    وقد واشجت هذه التطورات في العالم السوداني الممتد من تخوم الصين إلى تخوم فرنسا ومن تخوم روسيا إلى سواحل أفريقيا الشرقية والغربية والجنوبية تبلور أزمة الإقتصادات الأوربية وإتجاهها بقوانين رد الفعل والحاجة إلى التحرر من الفقر والتكالب ومن المهانة الثقافية إلى الإندفاع في شن الحروب الصليبية وزيادة التداخل مع العالم الجنوبي المتقدم، مما شكل في داخل المجتمعات الأوربية حركات صوفية وعمرانية متقدمة كانت أصلاً في تنظيم إجتماع وحدات سكانها، وفي تقدم إنتاجهم وإقتصاداتها، ومن ثم في كسر حدة إقطاعاتها وتحرك مجتمعاتها بقوة بعد تطور الإنتاج والكشوف والعلوم والفلسفة والتعاملات والثقافة وتحول محاور ونطاقات عيشها وحياتها من المحلية إلى العالمية مُقلعة مُنطلقة بطول جناحي الإنتاج والتوزيع في أفقي الحداثة الجدليين: الإستعماري منهما والتحرري. .

    ومن تلك الحال السودانية التي بدأت تبلور التطور الحضاري والثقافي الذي يخفت فيه دور الأفراد والقادة تواشج تبلور ووجود القوى والمصالح والتنظيمات بتشكلات حديثة في أوربا متصلاً عبر البحر الابيض المتوسط وحدود المناطق العثمانية والأندلسية، بتبلور قوى ومهام النهضة الأوربية التي كان نموها وتفتحها متصلاً في صورة موضوعية بجدل تطور قوى ومهام التنظيمات الصوفية والعمرانية (الماسونية) بمختلف أشكالها وبتنوع وتكثف نشاطاتها في إطار تاريخ حافل بتفاوت الملكيات والحيازات والأعمال وبزيادة تناقض المصالح الطبقية الإقطاعية والتراكمات الرأسمالية الوليدة داخلياً وعالمياً مما نمى جدله بتطور إمكانات الإنتاج والتعامل، وزيادة عدد وتنوع وتقدير الأفراد والمجتمعات للقيم والمصالح المادية والثقافية للتملك النقودي للمنافع وإبتعادهم المتفاوت عن مقومات التملك الإقطاعي لموارد العيش والحياة وإقترابهم إلى نمط تملك فردي مالي للمنافع (أكثر إجتماعية) تمثل بسياقات المراكمة الرأسمالية .

    وقد تطورت هذه الحداثة الإجتماعية لحدود إشتراكية أولية بداية من مسآئل التملك الرأسمالي الوليدة وإتصالها بقضايا حريات وحقوق تموقع الأعمال الحرفية والتجارية وفتح وبداية نشاطها وختامه وطبيعة نشاط أصحابها في العمل، وفي نقل البضائع، وفي تحديد أو زيادة الاسعار والأجور، وفي مقادير دفع طلبات الضرائب ومراسيم الدفع الملكية لإنجاز حرب أو عمل ما، وفي حريتهم في نقاش مواقيتها ومقاديرها وفوائدها وطبيعة صرفها...إلخ مناقشة عامة مصونة من ضغوط الدين والدولة والإقطاع، ومدى إمكان تنظيمهم لجماعات إرتفاقية.معاشية أو مهنية أو علمية أو سياسية وتحديدهم المستقل لأبعاد وجودها ونشاطها.

    فمن هذه المسآئل الثقافية لتنظيم أساليب العيش والحياة زادت وتفاقمت كثرة من الإختلافات والتناقضات المتصلة بإدراك ووجود وتطورت فهوم الحياة الإقتصادية-السياسية وحساب مدى إجتماعيتها، مما صعب التحقق من قيمها وبرامجها وتنمية طبيعة وجودها وحياتها دون كسر أقانيم الحياة المألوفة - في ذلك الزمان الإنتقالي من الإقطاع- بتلك الأوضاع والأفكار القائمة على فهوم مثالية لتراتب وجود عناصر وحياة الإنسان كمفرد بمنطق سكوني وخضوعي ينحو إلى فهوم عنصرية للتراتب الإجتماعي وإلى تغذية دائرية لروح القطيع والإعلاء والسيامة العنصرية للنظام الإقطاعي في أوربا المسيحية-اليهودية مما إحتدمت تناقضاته إلى درجة الثورات والإنقلابات الليبرالية الدموية العنيفة في هولاند وشمال ألمانيا ثم إنجلترا فأمريكا وصولاً إلى الثورة الفرنسية وبإنقلاباتها وحروبها النابليونية حيث إنتصر رأس المال نصراً كبيراً في الفوز بحرية تملكه المفرد للوسائل الإجتماعية للعيش والحياة داخل أوربا وخارجها معمداً بالدم بنوكه وحملاته وشركاته الإستعمارية التي قهرت العالم، ولم تزل.

    من جملة جدل هذه التناقضات والصراعات نرى التواشج بين تبلور التطور الرأسمالي و قيم الإستنارة الإنسانية، التي كانت ضرورة ثقافية لإقناع وإقرار الأفراد والجماعات بحرية وكرامة النشاط الرأسمالي مما أدى بعد تلك المرحلة الدموية إلى تبلور جديد في كينونات الفلسفة المثالية -رغم كل دورانها حول عناصر ذاتها- حيث تحولت تلك الفلسفة المعتنية بالتفكير في طرق التفكير وإنتقلت بشكل نسبي من ذلك المدار الذاتي للتفكير إلى مدار إجتماعي لتقويم أصول ومعاني حرية الإنسان وعلاقه طبائعه الإجتماعية بالطبيعة الأم، وأسباب ومعايير وقيم شقاءه أو سعادته، وطرق توصله أو تحقيقه هذه السعادة زهداً وبساطة أو تكاثراً وصناعة، حيث عززت هذه الإتجاهات (الإجتماعية) في الفلسفة المثالية بشكل نسبي جزءاً كبيراً من عملية القطع العملي والفلسفي مع مظاهر الإقطاع، رغم إن تلك الفلسفة الأصولية المؤسسة لكثير من كوجيطات وأقانيم التفكير السياسي الحديث المعاصر بليبرالياته وشيوعيته لتطورات الزمان الحاضر عجزت عن إمتلاك إمكانية كافية للقطع مع دائرية وإنفصام نظام الحياة الإقطاعي وطبيعة التفكير السائد بتلك الحياة بحكم عدد من الأسباب منها يتصل بتبلور تلك الفلسفة في الظروف الموضوعية العامة لتلك المرحلة الإقتصادية المخالطة بتمويلاتها بين كل من الحروب الدينية والحروب النابليونية، وكذلك بحكم الظروف الذاتية الخاصة لتشكل إحداثيات تلك الفلسفة ونموها في ظروف الصراع الطبقي-القومي وتمثلاته في ألمانيا وعموم أوربا ذاك الزمان وتأثيراته الجدلية على شكل وطبيعة الحكم والتنظيم الإجتماعي والإقتصادي والثقافي وأصوله وصوره السياسية وعلى القدرة الموضوعية الصالحة لنفي تجدد الأسس الفكرية والثقافية لعلاقات الإقطاع القائمة في تقدير الفرد لذاته بصورة ترفعه شكلاً عن كينونته الإجتماعية. وقد شكلت جملة هذا السياق قاعدة فلسفية متخلفة لرفض المناشفة إمكانات بناء الإشتراكية في دولة واحدة في محيط مختلف عنها تخلفاً وتقدماً حسب الحالة العلمية والفلسفية لذاك الزمان، مما سبق إيضاحه. ومن جملة جدل الإتجاهات المبلورة لفلسفة هيجل والمدارس النقيضة لها يلاحظ تنوع الفوارق بينها جهة العلاقة بين الإنسان والوجود، وإمكانات تحول عناصر حياته وتحسنها بتلقاء ذاتها أو بفعل وجهد تنظيمه لهذه العناصر في سعة الوجود العام، ومع هذا الإختلاف القديم في سيادة الإنسان على مصيره وقدرته على تصريف أمور حياته ومسؤوليته عنها يوجد أيضاً الإختلاف في تقدير قيم وطول السياق الزماني لحدوث هذه التحاولات أو لإنجاز هذه التنظيم، كذلك الإختلاف حول أولوياته، ووسائله، وحول الجدوى العامة والنهائية له.

    في خضم تمثيل تناقض البلاشفة والمناشفة لهذا الإختلاف القديم إرتفعت إتهامات الركود ضد الإقتصاد والإتحاد السوفييتي عهدذاك مما إلا يصح إلا إن كان الأمر أمر لغة ودسائس إعلام يساوي بين مفردة "الرتابة" ووحدة الوتيرة في نغمتها الثقافية الإجتماعية ومفردة "الركود" في كينونتها الإقتصادية الرأسمالية المتصلة بـ"الكساد" وبوار السلع وإنخفاض الرباح والعائدات الحقيقية وزيادة الإفلاسات والمخارب الإجتماعية وتصريف أعباءها إجمالاً وبالقطعة من قمة رأس المال ومراكزه إلى قاعدة السوق وهوامشه الداخلية أو الخارجية التي إما ان تضعف بها إلى حد الفقر والإملاق الجوع والموت أو تعيد، مع ضعفها، تصدير هذه الازمة التي رميت عليها ولكن في صورة محملة بأعباء أكثر، تقود في جملة توزعها وتركزها إلى تمايز شديد بين قدرات وإمكانات ومصالح وسرعة دورة التصريف والإستهلاك وسرعة دورة الإنتاج، وسرعة دورة الخدمات المالية والتجارية المواشجة للدورتين السابقتين. وهذا التمايز بين إمكانات ومؤسسات ومصالح وسرعات هذه الدورات الثلاث "الدورة الإنتاجية" ، و"الدورة الإستهلاكية" و"الدورة الخدمية" المالية والسياسية والإجتماعية المواشجة للدورتين السبقتين، يمثل الطبيعة البنية العامة لتكون وتبلور ووجود وتفاقم الأزمة العامة للتنظيم الرأسمالي العالمي لموارد العيش والحياة، وتناقض الطبيعة الإغتيالية والتصادمية البطيئة لإحتضاره مع سرعة تجدد الموارد في البيئة والطبيعة العامة حوله، مما يعرف بـ "أزمة الإنهيار الإمبريالي" أو "أزمة إحتضار النظام الرأسمالي العالمي" وهي أزمة مهولة رغم إن كل شي يصير إلى فناءه، فبضخامة تغلغل النقود في العالم آلآف السنين وتغلغل الرأسمالية في تلافيف الحياة لـثلاثمآئة عام وأكثر فإن إنهيارها لا يحدث بين عشية وضحاها، كبرجي مركز التجارة العالمي مثالاً، بل إن إنهيار التنظيم الإمبريالي لموارد عيش وحياة الناس يحدث بتدرج معاشي تختلف وتائره وسرعاته وخطوطه وموجاته وجهاته وقواته خاصة إذا ما تراجع الذين كان يجب عليهم مقاومتها وزيادة تناقضاتها والثورة عليها إلى دور تقليل وتلطيف هذه التناقضات، بل وتحولوا إلى تثبيط إمكانات هذه المقاومة والثورة وثلمها في جهة المتمسكين بها وتخذيل العاملين على تضييق أسواقها وقبض حرية رساميلها وعلى تنمية إمكانات تدميرها، الأحياء منهم والشهداء .

    ولكن في عناية فقرة مشروع التقرير بالوضع الشيوعي والسوفييتي وإجتهادها للإتعاظ بعوامل قوة وبعوامل ضعف الوضع الشيوعي والسوفييتي تجاهلت نصوص الفقرة تغيرات هذا الوضع وإختلاف مراحله العامة ومراحل حياته من الولادة والطفولة والشباب إلى المرض والوفاة، وإتصال جوانب كبرى من هذ التسلسل بالطبيعة الحضارية والثقافية القديمة لتوالي المراحل التاريخية في كل مجتمع بما في ذلك مجتمعات روسيا القديمة، عاجزاً عن تناول وتحليل موضوعية كيانها العالمي من منظور أزمة إنهيار الرأسمالية العالمية، وهي الأزمة الأعظم في جنبات العالم والتاريخ المعاصر إذ تزيد وخامة عناصرها وآثارها كل يوم من إضطراب جميع النظم البيئية والبشرية.
    حيث تجنب مشروع التقرير في فقراته السوفييتية الإشارة إلى الإتصال الموضوعي -الموازي- بين أزمة التنظيم الرأسمالي العالمي للموارد، وأحوال تقدم النضال الإجتماعي لأجل الحرية والكرامة لكل المجتمعات في العالم، وما تبلور من هذا التناقض المتصل حتى اليوم من تنظير ونضال شيوعي في كيان حزبي جديد معاصر بلينينيته لأوضاع هذه الأزمة التي تحدث بتناقض عملية زيادة الربح مع آثارها في زيادة تكاليف الإنتاج ( الطاقة والمواد والآلات) وتعويض ذلك بإضعاف القوى الشرائية للمنتجين وعموم حائزي النقود غما بتخفيض عددهم وفصلهم من العمل أو تقليل إمكاناتهم مع زيادة تنوع العرض وتعدد المستهلكات وتنافس المؤسسات الرأسمالية في زيادتها أو ميلهم لإحتكارها جماعية مما يخفض الإمكانات الفعلية لتنويع خياراتهم أو لزيادة طلبهم ونشاطهم ويتدنى بها رغم زيادة حاجاتهم وتوفر موارد الإنتاج في المجتمع. وهي الأزمة التي بفضل ثمرات النضال الماركسي اللينيني وتقدم المعرفة الموضوعية بعناصرها أضحى من السهل الإشارة إلى أسبابها ومظاهرها رغم لبوسها دعوات وشعارات متنوعة كان أهمها في سياقات السياسة وفي سياقات الإقتصاد المؤسس لها دعاو وشعارات: "الديمقراطية الليبرالية"، و"الليبرالية"، و"الدولة الفعالة"، و"الإشتراكية الديمقراطية"، و"الإشتراكية الإجتماعية"، و"الإشتراكية المسيحية"، و"التراث"، و"النظام الإسلامي"، و"الإنفتاح"، و"المدنية"، وغير ذلك من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وهي دعاو وشعارات تتجلي نواقصها الموضوعية وتناقضاتها في كثير من دعاوى مشروع تقرير لجنة تسيير المناقشة العامة خاصة إنتقاداته الليبرالية لعناصر ولادة وبناء النظام الإشتراكي في الإتحاد السوفييتي ونجاحه الكبير في معارك البناء والدفاع والنصر وإعادة البناء وتفوق نجاح ركائزه الجماعية والفردية على نواقص وتكالبات وإستعماريات النظام الليبرالي في مجالات الحياة ونهوضه الكبير في إرساء وتنمية سائل التقدم الإجتماعي في الأرض وفي الفضاء، قبل أن يبدأ تأزم كل هذه النجاحات الكبرى في الحياة مع بداية السياسات التي أعلنت في المؤتمر العشرين (فبراير 1956) الخاصة بالتحول إلى نظام التقويم النقودي للمعاملات [في مجالات الإستهلاك دون مجالات الإنتاج].

    فالمسألة لم تكن حسب ما أوردته الفقرة الجزافية في مشروع التقرير مجرد موجات ركود يولدها النظام المركزي، بل كانت طبيعة التغييرات التي أحدثت هذا النظام وطبيعة التغييرات التي أحدثها في مجتمعه على المستوى الداخلي والمستوى العالمي نقلته خلال 25 سنة فقط من حالة رجل أوربا المريض إلى حال دولة عظمى وإستشراف مهيب في العالم لآفاق تحطيم المجتمعات لأسس ومظاهر الرأسمالية، وأنظمتها الإجتماعية السياسية الليبرالية القائمة على التهميش والإستغلال. ذلك الإستشراف الذي إفتتحه تنظيم وبناء الحزب الشيوعي والصياغة النظرية والعملية اللينينية للأفكار الماركسية، وبناء الإتحاد السوفييتي ونصره بها على الإقطاع والإستعمار والإستغلال والتهميش والتخلف والأمية والأمراض والجهل إنتصارات كبرى أستصغرها مشروع التقرير خالطاً العمل الطالح للمنشفيك في النضالات الروسية بالأعمال الصالحات للبلاشفة، بمعيار ليبرالي متذبذب ساقه -بلا موضوعية ولا مادية تاريخية- وفق رأي منشفي تصفوي بدلاً أن يسأل مشروع التقرير نفسه بصورة إنتقادية موجبة أين نحن من موجبات ذلك البناء وفوائده؟ كيف حققها؟ وماهي أسباب نجاحات تكوين الإشتراكية العلمية والإتحاد السوفييتي؟ كيف تبنى الدول وتنهار؟ وكيف وفقاً لمعادلات الإنتاج والإستهلاك تم تحول وتغيير سياق ذلك البناء والإتحاد من حال إلى حال؟ مبيناً بهذه المعادلات الخاصة بتناسب مستويات وعلاقات الإنتاج ومستويات وعلاقات الإستهلاك الإختلاف الموضوعي بين أسباب النجاح في البناء وأسباب تعطل وتدمير هذا البناء؟ وطالما كان سبب النجاح مختلفاً عن سبب الفشل، كان أفضل لمشروع التقرير السياسي - بدل عن هذه الصورة الشبيهة لـ"خطاب إستقالة من الحزب"- أن يقوم بعرض مقارن لأشكال وتواريخ النجاح في كل قطاع ولأشكال وتواريخ الأزمة في نفس هذه القطاعات مع تحديد (شعار) السياسة العامة في كل مرحلة والأشخاص القائدين لها لنرى بصورة موضوعية كيف نستفيد بالموجب فيها وكيف نتجنب السلبيات.

    2- هل تؤدي زيادة النشاط الرأسمالي إلى تنمية متوازنة ؟
    في (إنتقاد) مشروع التقرير لما سماه (إصلاحات) حدثت بعد المؤتمر العشرين وتولي المناشفة الجدد أمور السوفييت، يعترض على الحيز الضيق الذي أتيح للنشاط الرأسمالي، وذلك بطلب مشروع التقرير ودعوته إلى التوازن بين "تعدد الأنماط الإقتصادية" حيث إن هذا التعدد في جهة نظره لا يتطلب تغييراً ثورياً بل (يحتم) مجرد الإستجابة الفطيرة له!!! تقول سطور المشروع: ((بفتح هامش ضيق جداً لاقتصاد السوق الذي يحتمه واقع تعدد الانماط الاقتصادية، وبوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية.)) ولمحاولة حصف موضوعية هذه الفقرة ببعض الحساب العددي والنوعي لتناسق فقراتها بإمكان طرح النقاط الكاشفة الآتية:

    1- تجاهل الفرق بين الإصلاح والثورة المضادة:
    على أي أساس قبل مشروع التقرير الإجراءات الإنقلابية والثورة المضادة التي تجلت بالمؤتمر العشرين معتبراً إياها "إصلاحات" ؟ وذلك دون أن يسأل نفسه أو يقدم لقآرئيه الطبيعة التاريخية أو السياق التاريخي االموضوعي الذي بإمكان به تقويم طبيعة هذه الإجراءات؟

    2- تجاهل حقيقة نجاح وإنتصار الإشتراكية لنصف قرن ثم إفتراض إن الداء الذي الم بها هو الدواء:
    تجاهل مشروع التقرير تاريخ وطبيعة التكون الحديث لتعدد "الأنماط الإقتصادية" في روسيا وعموم الإتحاد السوفييتي وهو التعدد الذي تم نسبية وإنقضى بخروج وولادة النمط الإشتراكي في الإنتاج سنة 1917 حيث ولدت الإشتراكية الحديثة من الجدل القائم بين النظامين الإقطاعي والرأسمالي ومايواشجهما، فصارت روسيا القديمة بميلاده ثلاث أنماط أو ثلاث نظم إقتصادية. ولكن من تجاهل هذه الحقيقة، سارعت فقرة المشروع بالقفز على الطبيعة الطبقية لتصارع المصالح بين هذه الأنماط واغفلت توضيح طبيعة الإنتصار الإشتراكي على غيره من النظم سواء بدك عنصريات النظام الإقطاعي الدينية والعائلية-القومية بكل مؤساساتها، أو بإنتصاره على الرأسمالية بإلغاء أسس واشكال التملك الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لمقومات عيشه وحياته. فمن إغفال هذه الإنتصارات (إفترض) مشروع التقرير لسبب ما ان هناك أنماطاً إقتصادية عددا كانت قائمة في الإتحاد السوفييتي حين تلك الإصلاحات (1960- 1964) التي والتها الإصلاحات المعلنة في السنوات (1964- 1984) والسنوات (1985- 1991) ثم من ذلك الإفتراض الخطأ إفترض مشروع التقرير إن (تعدد هذه الأنماط) وهو تعدد وهم وخيال يمثل في حد ذاته أزمة أو مشروع أزمة تتطلب فتح هامش واسع لما سماه مشروع تقرير صراحة بإسم "إقتصاد السوق" بإعتبار خطأ هو إن الهامش الضيق لإقتصاد السوق لم يكن كافيا لحل الأزمة! وبإعتبار خطأ لإن "إقتصاد السوق" سيحل أزمة تعدد الأنماط ! مما يضاعف بعدد هذه الإفتراضات الخطأ حجم التنافر التاريخي والموضوعي في هذه الفقرة الصغيرة المحورية، بشكل مضحك مبكي.

    فـ"إقتصاد السوق" إسم حركي معروف للإقتصاد الرأسمالي، أي "الإقتصاد الذي يتيح التملك المفرد الخاص للمنافع والموارد العامة بمقابل مالي وفق مبدأ حرية الأفراد في العمل ومبدأ حريتهم التعاقد" وهي الحريات التي تحد منها الشروط الطبقية والسياسية لتكون ونشاط هذا النوع من التنظيم لأمور الإنتاج والإستهلاك، كنظام لحرية إستغلال عمل الناس وحياتهم في الإنتاج لتحقيق الربح للملاك، دون عناية بتفاوت حاجات الناس وقدراتهم..وبتطفيف وتبخيس ومحق لحقوقهم في مواردهم وجهودهم وثمرات إنتاجهم إلخ حسب ما وضحته معادلات خلق وزيادة وإستفاضة قيم عمل المنتجين، وقامت الحركة الشيوعية ماركسية ولينينية لأجل هدمه ودفنه. كما إن أهداف وآليات هذا الإقتصاد الإستغلالية والتهميشية تجعله مصدراً لكل الانواع السلبية من التفاوت بل وتجعله مفاقماً لها. فكيف نظر إليه مشروع التقرير كعلاج (يحتمه) (تعدد الأنماط) في مرحلة شباب الإشتراكية والإقتصاد في الإتحاد السوفييتي.؟

    3- التصور الخطأ للعلاقة بين آجال التخطيط وطبيعة الحوافزعلى الإنتاج:
    بعد أن إقترح مشروع التقرير توسيع إقتصاد السوق كحل لــ(أزمة تعدد الأنماط) في ذلك الإقتصاد الإشتراكي السوفييتي إقترح أيضاً كيفية معينة لنجاح تلك (الإصلاحات) هي ((بوضع خطط قصيرة المدى تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية. معينا إجراءا محدداً هو ((وضع خطط قصيرة المدى )) ويعرف مشروع التقرير إن الخطط القصيرة أو الضيقة جزء موضوعي أصيل من وضع الخطط الكبرى، ولأن لدارسي التخطيط إجابة كيف توضع الخطط طويلها وقصيرها؟ يمكن توجيه سؤآل إلى مشروع تقرير لجنة تسيير"المناقشة العامة" مع كل نواقصها في هذا الشأن هو: كيف إفترض المشروع إنه لم تك هناك خطط قصيرة المدى في إقتصاد ومؤسسات الإنتاج والخدمات في الإتحاد السوفييتي طول ذلك الزمان 1917- 1960 وبعده؟ إذ إنه يقول بأهمية خطط قصيرة: (( تفسح مجالاً لدور المنتجين في التخطيط والإدارة والحوافز المادية في حالة زيادة الانتاجية)) دون ان يوضح للقارئي العلاقة الإدارية الفاعلة والوطيدة التي كانت قائمة في سوفيتات (= مجالس) وحدات الإنتاج بين كل من المنتجين وخطوات التخطيط والعمل والتقويم. ثم بعقلية إقتصاد السوق يتحدث عن الحوافز المالية كدافع للإنتاج في إقتصاد عيني كانت للنقود في طبيعة وجود وعمل مختلفة عن طبيعتها في النظام التجارية الراسمالية، ففي ذلك الإقتصاد كان يتم تلبية كل الحاجات الضرورة لعيش وحياة السكان بصورة (مجانية) السكن والمياه والكهرباء والتدفئة والمواصلات والتعليم من روض الأطفال إلى ما فوق الجامعة، والتدريب، والتموين الغذائي، والوقاية والعلاج من الأمراض، وتعامل المكتبات والفنون والرياضة والسياحة والترفيه كلها كانت ميسورة بين المجانية المطلقة وشبه المجانية (كثير من الطلاب الأجانب أقاموا في تلك الجنة الأرضية) مما يجعل تصور مشروع التقرير لأزمة تعدد الأنماط وعلاجها بالسوق والحوافز أمراً عجيباً في علم الإقتصاد السياسي وفي التاريخ.

    فالمشكلة أو بالأصح الأزمة كانت قد دخلت على ذلك التناسق من باب ماسمي "إصلاحات" وهي إجراءات رأسمالية تمهيدية نشطت كالشق الصغير في جسم سد مائي أو كالخلية السرطانية في جسم حي، فبقيام تلك الإصلاحات الزيف بإعادة تدريجية لمفاهيم وإجراءات التقويم النقودي للمنافع وفي مجال الإستهلاك دون مجال الإنتاج، وإستمرار ذلك ثلاثون سنة تفاقم بها التباين والتعدد والإنفصام في العملية الإقتصادية-الإجتماعية والإدارية والسياسية وتضاربت بها الثقافة والآيديولوجيا، وإختلف قادة التحرر الوطني مع قادة التحرر العالمي وقادة التحرر الوطني مع قادة التحرر الإجتماعي وإضطربت الأرض وزلزلت زلزالاً شديداً، ولم تزل.

    فمثلما شقت تناقضات الحياة التجارية والمالية من الداخل والخارج جدران كل دولة ونظام سياسي ودعوة في التاريخ كان لهذه التناقضات ذات المفعول فور إرجاعها إلى داخل الحياة السوفييتية، فمسألة الازمة لم تك في الحوافز وتناسباتها مع الحاجة أو مع حجم الإنتاج او نوعيته ولم تلك في النظام الذي يولد الإستغناء عن هذه الحوافز بل كانت في النظام الذي يولد ويزيد الحاجة إلى هذه الحوافز، والكيفية التفاوتية والسوقية التي حاول بها علاج التناقضات التي يعيد إنتاجها. فالدواء الأنجع هو التخلص من التقويم النقودي للمنافع لا التدواي به وهو الداء. وإن كان هذا التخلص صعباً في ذاك الزمان الضعيف الحاسبات والكمبيوترات فبالإمكان تحقيق جزء كبير منه بفصل مناسب بين تقنية النقود وتوارداتها صرفاً ودخلاً، وتقنية الحساب الإقتصادي-الإجتماعي للمنافع الإجتماعية في الحاضر والمستقبل بفعل تخطيط طويل المدى وإستراتيجية ملائمة للتنسيق بين إجابة المجتمع لضرورات عيش حياته ومستقبله وإمكانات صون بيئته. أما الإستعانة بجهاز المفاهيم الليبرالي لتقييم تاريخ الإشتراكية والشيوعية والإتحاد السوفييتي فيقود إلى وضع جديد لإنتاج المظالم العامة في السودان والعالم وزيادة وتائر الإستغلال والتهميش يزيد بها إحتكار السلطة والثروة فيه ويبدد الجهود والنضالات المتجهة فيه وفي العالم إلى إشتراك الناس في امور السلطة والثروة إشتراكية علمية متقدمة تحقق لهم بشكل متناسق إمكانات متناسقة للحرية من أعباء ضرورات العيش وللكرامة من مهانة التكالب على أبسط حقوق الحياة.

    وفي هذه الإشتراكية -مثلما في سابقاتها- تبقى عملية تخطيط وتنظيم الموارد وكل الحلقات الأولية والمتوسطة والإستراتيجية لهذه العملية هي محور التنظيم الإشتراكي مما لا بإمكان الإستعاضة فيه موضوعيةً بالتخطيط الأساس عن المتوسط أو بالأوسط عن الكبير. فهو بناء.

    إنتهت الفقرة الخامسة

    6- تطفيف الحساب:

    في ختم للحساب الضعيف لعناصر القوة ولعناصر الضعف ومراحلهما في تاريخ الإتحاد السوفييتي، الذي وصل فيه لمسألة فشل الإصلاحات بلا توسيع للرأسمالية وإقتصاد السوق ولا خطط قصيرة ولاحوافز، والخطط الجهنمية لنافذي المجتمع في إبقاء سلبيات الوضع الإشتراكي دون حسناته، تناول مشروع التقرير بفطنة مسألة إنقلاب أغسطس وحماقته التي أدت إلى القضاء على نفوذ الذين قاموا به (المستفيدين) وعلى "سلطة الحزب" وعلى ما سماه المشروع "الإشتراكية" وعلى إتحاد السوفييت، يقول: (( سعت إلى عرقلة مسار البروسترويكا وإضعافها وإلى تعويق مسار الاصلاحات الاقتصادية ثم أخيراً لجأت للمحاولة الانقلابية الحمقاء الفاشلة في أغسطس 1991 والتي أعطت الضوء الأخضر ليس للإطاحة بقورباتشوف وحده، وانما أيضاً بسلطة الحزب وبالاشتراكية وبالاتحاد السوفيتي جميعاً.)) !! وأمام هذا الطرح المختصِرلأزمة الإجراءات الرأسمالية المتوالية لأربعين سنة ضد نظام إشتراكي بني في عشرين سنة ينشأ سؤآل بسيط:

    إذا كان القابضين على النظام السوفييتي بعد المؤتمر العشرين يخادعون الناس بإصلاحات فوقية مستفيدين منه فلماذا ينقلبون عليه؟

    إن الإجابة على أحداث التاريخ بالذكاء أوبالحماقة أو حتى بمأثورة "إختلاف اللصوص" أو "إختلاف الأئمة" أو "إختلاف الربابنة" مسألة سهلة لا ترتبط بحيثيات موضوعية بل بحيثيات إدارة- شخصية لتسوية الخلافات بطريقة (أغمض لي وألبد ليك)، و(دس المحافير) فالمسألة لم تك في كيفية إدارة الحرب الباردة داخلياً في تلك اللحظات التي تداخل فيها القومي بالوطني والوطني بالدولي والشرطي بالحرامي، والدولة بالعدو الطبقي، بل كان الأنفع لتقويم (فشل) أو (نجاح) الإجراءات الرأسمالية المسماة "إصلاحات" هو الإتجاه إلى قياس كفائتها بمقدار التوازن أو التباين الذي أدخلته على علاقات الإنتاج وعلاقات الإستهلاك في كل قطاع.

    ومن جمع وفرز جملة القياسات ولو بصورة أولية في مجالات التخطيط والزراعة والصناعة والخدمات العامة و(الخدمات التجارية) بمعايير جودة طبقية وجنسانية وقومية ووطنية في مدى زمني معلوم بإمكان الإشارة إلى الجوانب التي أضعفتها هذه الإجراءات في الإقتصاد الإشتراكي أو الجوانب التي أثبت فيها الإقتصاد الإشتراكي تلاحماً وطيداً بالمستوى العام لمعيشة وحياة الناس مساكنهم ومرافقها وتعليمهم وعلاجهم وإنتقالهم إلخ مما صعب على إجراءات السوق و(إصلاحاته) النيل الشديد منها وبالتالي ضعفت برسوخها وتضعضعت سلامة موقف وهيبة القيادة الحزبية التي سارت فيها بغير هدى أو كتاب مستنير بالتاريخ، في وقت كانت فيه قوى النضال الشيوعي قد أستهلكت موضوعيةً بالتوتر والتداخل الشديد بين ماهو ثوري وما هو ثورة مضادة، داخل الحزب، ناهيك عما هو داخل الإتحاد الدولة، أو في جمهورياتها الكبرى الستة عشر مثلما هي حالة حزبنا الآن رغم كل بسالات قادته ومناضليه. والضوء الأخضر الذي فصل بين مستويات وعلاقات الإنتاج ومستويات وعلاقات الإستهلاك منذ حوالى نصف قرن هو الذي سبب كثير من إضرابات وأزمات الحياة الشيوعية، ولكنه أوضح سلامة قوانينها العامة كعلم تطبيقي لتحرير الكادحين، ينجح هنا ويفشل هناك مثلما ينجح أو يفشل تطبيق أي علم (اللغة ،الرياضيات،الفلسفة، الطب) في علاج أمر ما، لذا فمن غير المنطقي أن يكون العلاج بالتي كانت هي الداء!

    7- تقسيم قوانين المادية التاريخية ووجود الحزب ونضالاته إلى جوهر ومظهر!
    يميل مشروع التقرير بأثر أسلوب قديم إلى الإستمرار في تقليد فصل مراحل ومهام التغيير الإجتماعي من بعضها محاولاً على الإقل من حيث الشكل الخروج من التنظيم الرأسمالي بإرخاء لهذا التغيير بمراحل تنظيمية وسياسية تقوم بدور ناقل السرعة في المحركات متجاهلاً أن التداخل والتشابك التاريخي العنصري والطبقي والجغرافي السياسي للأزمات في السودان يفرض ربط عملية الخروج منها بطبيعة أكثر تداخلاً وأشد إرتباطاً بين طبيعة عناصر ومهام هذه العملية التغييربة: ثورية وإشتراكية وديمقراطية شعبية، ويجعل عملية التغيير الإجتماعي بطبيعة أقل تحول "الإشتراكية" نفسها إلى (أفق) مسألة تكتيكية لتصفية الحزب الشيوعي السوداني في هذا المشروع الرجعي الذي يتصور إن بالإمكان إنجاز مهام التنظيم والوعي والسكن والعمل والتعليم والعلاج والنقل والمواصلات والزراعة والصناعة والخدمات ومهام السلام والشفافية والديمقراطية والوحدة الشعبية والوحدة الوطنية دون تنظيم إشتراكي لموارد ووسائل وعلاقات الإنتاج ولطبيعة عيش وحياة الناس، وبالأولى دون حزب شيوعي ودون ثورة إجتماعية.!

    يقول مشروع التقرير(ان جوهر ما يجب ان نتعلمه من التجربة السوفيتية، ونحن نناضل من أجل التغيير الوطني الديمقراطي وصولاً للأفق الاشتراكي، يرتبط مباشرة بقضية الديمقراطية. ونعني تحديداً الديمقراطية داخل الحزب والديمقراطية كحقوق لحركة الجماهير، والنأي بالحزب من السلطوية.، والاندغام في جهاز الدولة كشرط موضوعي لمواصلة العمل الثوري وتصحيح مساره. ))
    وتوضح هذه الفقرة الإتجاه الليبرالي لمشروع التقرير في فصمه الظواهري بين عمق النضال الشيوعي لتأسيس الإتحاد السوفييتي وبين إرساء قواعد الديمقراطية! معتقداً إن تأسيس الإتحاد السوفيتي مسألة غير ديمقراطية، وذلك خطأ إلا ان توصع ديكتاتورية أي سلطة البروليتاريا خارج نطاق الديمقراطية الشعبية!

    ومع ان الديمقراطية داخل الحزب وكحقوق لـ"حركة الجماهير" تتطلب تناولاً جاداً موضوعياً لقضية السلطة والعملية الثورية الضرورة لتغيير طبيعة السلطة وكينونتها من سلطة لتنظيم الملكية الخاصة المفردة لوسائل إنتاج المجتمع لحاجات عيشه وحياته إلى سلطة قوية وديكتاتورية شعبية لتأميم ومصادرة كل هذه الإختلالات والفوارق الطبقية والفساد المحيط بنا وبالأولى تأميم ومصادرة أصولها وإمتلاك موارد ووسائل عيش وحياة الناس بواسطة تنظيمات حكمهم الشعبي المحلي بالطريقة التي ينجح الناس في تحقيقها وغالباً بواسطة جبهة ثورية شعبية تضفر فيها الجهود الحزبية والتقدمية والمدنية قوى ومصالح وقدرات التقدم الإجتماعي في الأرياف والمدن.

    8- أين الديمقراطية بطريقتنا الخاصة؟
    يقول مشروع تقرير لجنة (تسيير) "المناقشة العامة لقضايا العصر": ((وقد أكد لينين على سبيل المثال: ان شعوب الشرق ستصل للإشتراكية بطريقها الخاص وليس بتقليد النمط السوفيتي. كما أكد ان التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي تحدثت عنها المادية التاريخية لا تحكم تطور كل المجتمعات وقع الحافر على الحافر.)) وهذه الطريقة التي إقترحها مشروع التقرير صراحة أو ضمناً عن طريق زهج الناس من الحكم الفلاني والحكم العلاني والسيد قال والأستاذ قال وعلان قال ليهم، ثم تصويتهم بعد حصحصة موضوعية لأمورهم، وبطريقة رائعة، لقيادة منهم، تقودهم بنشاطها ونشاط (نضال) منظماتهم المدنية إلى بر الآمان. هذه الطريقة جربت كثيراً في السودان والعالم وفشلت غير مرة وإنهارت غير مرة، لا لأفكار إنقلابية عسكرية بل لأن طبيعة العلاقات الإقتصادية الإجتماعية ومستويات الإنتاج والإستهلاك متباينة في البلد المعني ففي الصورة الديمقراطية الأولى في السودان كان 80% من دخل الدولة من الريف بينما كانت ولم تزل نفس الدولة توجه 80% من إنفاقها إلى العاصمة، ولم تزل الفئات العليا في الخدمة المدنية والخدمة السياسية والخدمة العسكرية وفي القطاع التجاري تحوز وحدها حوالى 80% من دخل البلاد بينما 95% من السكان يعيشون تحت خط الضنك! الديمقراطية الشعبية لاتترك مجالاً لهذا العبث، ولكن تقرير اللجنة، لسبب، ما يصر على نسخ الديمقراطية الليبرالية بأمل إقامتها وإصلاحها من الداخل (راجع مشروع السلام من الداخل) لكن دون أن يفسر مشروع التقرير لم لا أو لماذا لا يتمسك بالشيوعية؟ رغم إنه سيحتاج لإصلاحات أقل عدداً ونوعاً فيها من تلك التي سيجريها على الليبرالية في السودان؟ يقول ( الماركسية ليست هي فصل الخطاب، ولا هي الكلمة النهائية التي تطوى بعدها الصحف وتجف الأقلام. جوهر الماركسية هو منهجها الجدلي لدراسة الواقع. انها ليست عقيدة جامدة تتحجر في اصول نمطية عقيمة. والمنهج الماركسي لدراسة الواقع، وصولاً للقوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع، قادر على تجديد نفسه على الدوام. انه منهج قابل للتعديل حذفاً وإضافة وفق ما تمليه ضرورات تجدد الواقع وحصاد التجارب النضالية والتطورات في العلوم الطبيعية والإنسانية)) بعد هذه المحاضرة الصلبة عن موضوع مرونة النهج الماركسي وقابليته للحذف والتعديل والإضافة والجدع وفق كذا وكذا وكذا تسآلت بعفوية خالية من أي نهجية أو منطق هل من المعقول أن يوجد نهج معرفة يقبل الحذف أو الإضافة ومع ذلك يبقى في كل حالة على ماهو عليه ؟ نهجاً موضوعياً؟ لا شك إن أي حذف منه او إضافة كبرى إليه ستغير العناصر والسياقات والنتائج .وحتى إن كان ذلك كذلك فما هي جريرة الرفيق لينين المفترى هليه بعبارة: "ركائز النظام السوفييتي" حين أخرج الماركسية من مواجهة الرأسمالية إلى مواجهة الإستعمار والإمبريالية ؟ هل هي ضربه المصالح الإستعمارية لرأس المال البريطاني والفرنسي والهولاندي... إلخ لصالح رأس المال الأمريكي؟ وهم كل واحد! ، وماهي جريرة إستالين حين أخرج الماركسية اللينينية من حالة الدفاع الداخلي ضد مواجهات الإستعمار والإمبريالية إلى دك النازية وربط القوميات التي همشها التقسيم الاوربي للعمل في آسيا بأسباب الحداثة والنماء من حدود البلقان إلى الصين؟ أأنه نفذ بالإشتراكية الى أعماق البحار وأقطارالسماوات والأرض. ولماذا حين يقوم هؤلاء بمجاراة العوامل الموضوعية والظروف الخاصة يقوم مشروع التقرير بالتشنيع بهم وحين يقوم مشروع التقرير بمجاراة إقتصاد السوق وموضة التخلص من الشيوعية يحاول أن يظهرهم بمظهر المجرمين ويظهر نفسه في صورة الملاك العائد لتوه من مراقبة الوضع في النار؟ .يقول: (( الستالينية، على سبيل المثال، اختزلت قوة الدفع للتطور التاريخي في الصراع الطبقي، بينما لم تسقط الماركسية وجود عوامل أخرى فاعلة ومؤثرة في ذلك التطور: ثقافية وقومية وغيرها. صحيح ان الاقتصاد محرك للتاريخ، ولكن هذه مقولة عامة ونسبية وتتطلب رفدها بعوامل أخرى ذات فعل وتأثير في الزمان والمكان حسب خصائص الواقع الماثل. وتأثر الحزب بالفعل بكتيبات ستالين المختزلة والمبتسرة حول المنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي.)) ((ان الستالينية قد طمست بالفعل جوهر الماركسية. فبينما تقول الماركسية ان الحقيقة دائماً وأبداً نسبية، وان التطور دائماً وأبداً مطلق ولا سقف له، يدّعي الخطاب الستاليني الذي تبلور في ظل السلطة الشمولية والتسلط لنفسه الكمال والإحاطة الشاملة وتملك علم الماضي والحاضر والمستقبل. ولن تفضي مثل هذه النظرة الضيقة المتعصبة وغير العلمية إلاّ إلى ضرب الديمقراطية وهيمنة القلة وإلى رفض وتجريم الرأي الآخر. وحقيقة ما جدوى وما فائدة الرأي الآخر مع مثل هذا الخطاب الشمولي المنغلق؟!

    لقد كان الرفيق إستالين مفوض الحزب لشؤون القوميات وتولى سكرتارية اللجنة المركزية عهد لينين، وله تواريخ مجيدة وصفات حميدة، أهمها إشتغاله الكثيف على العلاقة بين العوامل الوطنية والطبقية والقومية والحزبية وبين النضال المدني السياسي والقانوني والنضال الجماهيري والشعبي المسلح، وكان الرجل مع الرفاق على رقة في التعامل وشدة في العمل تصل بتقييم أهل المدن إلى الحدة مما لم يقل به وبها معاصروه أعداءه شيرشل أو روزفلت أو ترومان! وما كثير من تشانيع الهجوم ضده إلا عداوة صهيونمنشفية قديمة لم تزل قائمة. والتقدير الموضوعي لشخص إستالين مهم فهو ككل قائد عظيم له إنجازات معينة يجيئ منها حب أو كره الناس له بإختلاف في التقدير عبر الزمن فالناس في العالم الآن يقدرون كثير من قادة التاريخ القدماء الفراعنة والروم والفرس والإسكندر المقدوني والفاتحين العرب وأبطال التحول إلى الرأسمالية واشنطن وجيفرسون وروسو وروبيسبير وحتى نابليون والملكة فكتوريا بكل قسوة رؤساء وزاراتها وجيوشها وقد كانوا في حينهم مكروهين. المهم هو فهم كيف حرر مشروع لجنة تسيير المناقشة "الماركسية" من طمس الإستالينية لها؟ هل حرر المشروع (جوهر) الماركسية! بإخراج تاريخ الشيوعية في روسيا والإتحاد السوفييتي من سياقه الموضوعي إلإقتصادي الطبقي والقومي والثقافي إلى سياق إقتصاد السوق والتراث ؟ أم بإلإتجاه إلى تحويل الحزب الشيوعي إلى حزب ليبرالي وجمعية مدنية؟

    ويفدح خطب المشروع بإشارته إلى ان مختصرات جمعية رفاق المادية الجدلية التي أسسها لينين وكلفت إستالين بهذا العمل وكانت قلب العمل الآيديولوجي في الحزب ومحو إختصاراته مثلت إساءة للماركسية! رغم ان الإختصار إجراء موضوعي في التعامل الثقافي وكان ولم يزل ضرورة جهة كل المؤلفات الضخمة أو المتنوعة، وقد نشرت هذه المختصرات ونشرت معها "المختارات" ونشرت معها "المؤلفات الكاملة" بل وأقيمت معاهد البحوث فوق الجامعية التابعة للجنة المركزية للحزب، لبحثها، تشيل وتخت وتناقش وتنظر، ثم يأتي مشروع التقرير بكل قوة عين يقول "طمس جوهر" !!!! حتى المختصرات التي أسهمت في تكوين هذا النقاش لم يجد أحد فيها أنها تقول بشي متعصب أو أي صرعة صراع طبقي أو حماقة عليه، بل على عكس ذلك يقول مشروع التقرير (بشكل تكتيكي): ((والواقع ان المفاهيم الأساسية للماركسية غدت اليوم جزءاً لا يتجزأ من نسيج العلوم الاجتماعية المعاصرة. فالمفهوم المادي للتاريخ مثلاً قد أصبح أساساً للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيراً من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم. ويتزايد الاعتراف بأثر اسلوب الانتاج المادي على البناء الفوقي)) وهنا مفارقة منطقية أخري: فكون "المفاهيم الأساسية للماركسية" غدت اليوم جزءاً لا يتجزأ من نسيج العلوم الاجتماعية المعاصرة فإن هذا الغدو في أكثره لا يعني شيئاً أكثر من تخديم جهات معينة لهذه المفاهيم الأساسية في مشروعاتها التعليمية ولكنها تسيرها حسب مصالحها الطبقية، والدولية، فما يسميه مشروع التقرير "المفاهيم الأساسية للماركسية" كان كثيراً منها موجوداً قبل تبلور الماركسية وتشكل الماركسية-اللينينية، من جدل هذه المفاهيم الأساسية في الإقتصاد السياسي الإنجليزي كانت تنبيهات ريكاردو وسميث إلى القيمة المادية والمالية للعمل وتراوحها في عملية الإنتاج، كذلك بتفتح الفلسفة في تنازعات ألمانيا نبه هيجل إلى الجدلية وفيورباخ إلى المادية وكذا كان كثير من مفكري سويسرا وفرنسا نقاداً للرأسمالية دعاة للحكم الشعبي (الكميون) والإشتراكية والشيوعية دون تحليل علمي لكيفية فناء الرأسمالية وكيفية بناء الإشتراكية.

    ومن إحتدام جدل هذه التناظير في ظروف جدل حضاري وطبقي ديني ووقومي وثقافي وعلمي وفلسفي تبلورت هذه الأفكار الأساسية في الماركسية ثم في الماركسية اللينينية رافعة أفضل ما في هذه القطع القديمة محولة إياها من حالها القديم المفكك المتناقض إلى حال بناء آلة جديدة للتنظير والعمل لأجل حرية وكرامة الطبقة العاملة وعموم الكادحين من الإستغلال الطبقي والمهانة القومية. ولذا فأن التفاخر بالرجوع من حال هذه الآلة وإختلاف تشغيلها إلى"حالة المفاهيم الآساسية" والمواد الخام لا يعني صحة إتجاه مشروع التقرير إلى تصغير المواضعات النظرية والعملية التي أنجزها النضال الشيوعي في بناء الإشتراكية العلمية والإتحاد السوفييتي بكينونتين متداخلتين في النظر والعمل هما "الماركسية اللينينية" و"الحزب الشيوعي"، فبغير هاتين الكينونتين تغدو مسألة الإحالة إلى ما سماه مشروع تقرير لجنة المناقشة العامة "المفاهيم الآساسية للماركسية" مجرد مناورة آيديولوجية لإضعاف التفكير والعمل الثوري بحيل لغوية وتلاعب بالمعاني والسياقات. فأن كانت هذه المفاهيم صالحة للجامعات فلم الإستغناء الموارب عنها؟ ولماذا الضعف العددي والنوعي في توكيدها صحتها المنطقية وسلامتها العملية؟ ولماذا المباعدة بين ضرورة تطور القوى المنتجة في بلد متخلف وأهمية تغيير علاقات الإنتاج؟
    والحق إنه موقف مريب لا منطق لتفسيره إلا أن يكون ذلك شيئاً من محاولة لحل الحزب الشيوعي السوداني تقوم على إضعاف أسسه التاريخية والفكرية والتنظيمية والسياسية وحرف نضالته من سياق الصراع الطبقي إلى سياق القوى التقليدية والأندية السياسية والأحزاب الليبرالية والجمعيات الثقافية والإجتماعية. وهو موقف حميد إن تم التعبير عنه صراحة وبإستقلالية دون إستنفاذ إمكانات الحزب الشيوعي وجهوده في التعبير عنه لمصلحة فئة أخذت لعدد من الأسباب جهة نظر أخرى للأمور الطبقية، بدعاوى بعضها تنظيمية وبعضها سياسية، كان بالإمكان وضع إطار مفرد لها في "المناقشة العامة" يقابل الإطار الماركسي اللينيني ويواجهه بكل شجاعة بدلاً عن هذا التفكيك والتفتيت وهذا الهدر لإمكانات ووجود الحزب.

    9- تفريق مشروع التقرير بين التطور الإجتماعي والهندسة الإجتماعية يتضمن إلغاء وجود الحزب:

    يقول التقرير في فقرة عن الحقوق الديمقراطية ودور حركة الجماهير تلاها بعنوان مرعب هو"مفاهيم محورية في التحول الاشتراكي":
    ((تشير الماركسية إلى ان التحول الاشتراكي عملية تطور اجتماعي/تاريخي وليس هندسة اجتماعية يتم إخضاع الواقع الموضوعي وقوانين سيره الموضوعية قسريا لها فالتحولات الاجتماعية في الماركسية لا تصنعها الأقليات الفدائية أو الطليعية، وانما تأتي من خلال الصراع الطبقي والاجتماعي والسياسي.)) وهذا النص يُبَدَلَ إصطلاح "التغيير" الذي تبلوره الإرادة الإجتماعية ويطفيه بإصطلاح "التحول" وهو إصطلاح أكاديمي محايد طبقياً يصف أي تغير أو تغيير بأنه تحول غض النظر عن طبيعته، هنا يتغير مشروع التغرير من الإصطلاح السياسي الفعال في الحشد والتنظيم إلى الإصطلاح الساكن، وبين "التغيير" و"التحول" يفصل مشروع التغرير بين التطور الإجتماعي والهندسة الإجتماعية. و من هذا الفصل يدين التقرير مقدماً أي تصور يخالف إتجاهه الديمقراطي الليبرالي بأنه: مشروع شمولي وطغيان وإستبداد وهلم جراً يقول: (( فلا حق ولا عدالة تحت مظلة الاستبداد والطغيان )) ولكن لو كان مشروع تقرير لجنة تسيير المناقشة العامة نفسه منصفاً وعادلاً لحلل الوضع والمضمون الطبقي والعالمي الذي يؤدي لإستبداد حاكم ما واضعاً هذا التحليل في رتبة أعلى.

    كذلك كان على مشروع التقرير البعد عن ممارسة الإرهاب الإعلامي بالدعاوى المغلظة بإتهامات خطيرة في مواضيع مفترض إنفتاحها للنقاش والأخذ والرد ولكن الإستبداد والمصادرة المسبقة للأراء التي ستختلف معه أن يتناول موضوع الإستبداد الطبقي البرجوازي بالذات محللاً أسبابه الطبقية الأعم والأفكار الإصلاحية والليبرالية التي يقوم عليها. ولكن مشروع التقرير بعد عن هذا التناول الى إعلان "عقيدة" جديدة سماها بكل إستبداد بعنوانه "مفاهيم محورية في التحول الاشتراكي" !! أفإن كان التحول الإشتراكي يتم بتلقاء ظروفه لا يتطلب أقليات فدائية وطليعية كالتي قامت حتى بإعداد مشروع التقرير في ظروف النضال السياسي في السودان فما هي الحاجة إلى "مفاهيم"؟ ولمن؟ وأين تكون هذه الفهوم فهوماً محورية؟ أفي حزب أو جمعية؟ عامةً وأيما إستكانت هذه الفهوم فإن (محوريتها) تعد بلا مراء جزءاً محورياً من هندسة إجتماعية، فالتغيير والتحول الإشتراكي ليس ظروفاً موضوعية خام أو ظروف ذاتية خام أو تراكمات لا تجد لها منظماً أو مستثمراً، بل هو أيضاً متصل بالهندسة الإجتماعية، إذ يؤدي تنظيم الجماهير -وفقاً لمصالحهم وقدراتهم وطبيعة المهام التي تواجههم- دوراً مهماً بل أساسياً في إيقاد أو تحريك أو إنجاز التغيير الإجتماعي في المجرى العام لتحولات الطبيعة الخام والطبيعة الإجتماعية، وهو الأمر الذي يوكده التقرير بشكل غير مباشر في فقرات أخرى كما إن مشروع هذا التقرير ومقترحاته وإنتقاداته تعد جزءاً صريحاً من هذه الهندسة الإجتماعية وأحد أدواتها النوعية المتقدمة التي تعمل الفكر والنظر بدل الدماء، إلا أن ينفي مشروع التقرير وجود نفسه أو ينكر طبيعة وجوده بإسم محاربة الإستبداد بينما الحرب نفسها هندسة.

    لكن في تناقض وكشف ذاتي لبعض أخطاءه في هذا الصدد (إلغاء الحزب) يقول مشروع التقرير( كما لا تعتمد التحولات الاجتماعية على دور فردي لقائد فذ أو نخبة صفوية تمسك حركةاللتاريخ والتطور الاجتماعي بين يديها من جميع النواصي وتطوٍّعها لإرادتها الثورية. بل تقول المفاهيم الماركسية ان الجماهير هي القوى المحددة في صنع التاريخ وفي انجاز التحولات الاجتماعية. ومن أجل هذا تقوم اركان التكتيك الماركسي وأساليب عمله على تنمية حركة الجماهير، والحضور الفاعل للجماهير المنظمة ومراكمة العمل الثوري بصورة مثابرة وصبورة.)) ففي السطر الأول يتحدث مشروع التقرير عن عفوية ماسماه "التحولات الإجتماعية" وعفو حركتها من دور قائد فذ أو نخبة تمسك حركة التاريخ والتطور الإجتماعي بين يديها ومن جميع النواصي وتطوعها لإرادتها الثورية!! ثم يتحول مشروع التقرير أو يتغير عن ذلك في السطر الثالث من المفاهيم المحورية متحدثاً عن ثلاثة أعمال نظامية هي:
    (( 1- (تنمية حركة الجماهير) و 2- (الحضور الفاعل للجماهير المنظمة) و3- مراكمة العمل الثوري بصورة مثابرة وصبورة))
    ففي ظروف الصراع الطبقي العالمية والمحلية بكل حروبها الدينية والامنية ومخابراتها وفصلها الناس من أعمالهم وتحطيمها إنجازاتهم وتشريدها لهم وإعتقالاتها وإعداماتها وتعذيبها، في هذه الظروف إن لم يك القائمين بالعمليات الثلاث السابق ذكرها أعلاه بنص مشروع التقرير من فئة المناضلين والقادة الأفذاذ والطلائع الفدائية الذين يضحون بوقتهم ومصالحهم وعوائلهم وأرواحهم لأجل التغيير الإشتراكي فماذا تكون صفتهم؟ ثم في أية مفاهيم محورية أو غير محورية تفرض للناس مسك حركة التاريخ والتطور الاجتماعي بين يديها من جميع النواصي وتطوٍّعها لإرادتها الثورية؟؟ فمن المعروف إن تغيير حركة التاريخ لا يتم بإتجاه معاكس لسيله وجريانه وإنما بفتح مجرى له في إضعف النقاط التي تواجهه.

    إن تصعيب النضال الشيوعي أو تخذيله بالإتجاه إلى حالة تحول عفوي إلى (الإشتراكية) كما بهذه الفقرة (المحورية) يمثل خطأ كبيراً في فهم التاريخ وفي فهم طبيعة التغيير الإشتراكي أو لوازمه، وهو خطأ قد يكون له أصله في طبيعة الوضع الطبقي والإجتماعي خارج الحزب وداخله. ولكن تثبيط همة التغيير الإشتراكي يبدوا عملاً فقير الموضوعية لمن يتأمل وضع حركة القوى والمصالح الإجتماعية في السودان: فالناظر لتاريخها يجد إن الوضع العام في السودان يمثل حلقة ضعيفة جداً في تركيبة نظام الإستغلال العالمي. فبكل طبقية تخلفه وتبعيته لنظام التمويل والإنتاج والتجارة الرأسمالي العالمي الحاكم لقيمة عملتنا المبخس لأسعار المنتجات المحلية الرافع لأسعار الضرورات والكمالات التي نستوردها، وبكل تشويه هذا النظام الرأسمالي العالمي لهيكل وقطاعات الإنتاج في السودان بتحديده تكاليفهم وعائداتهم، وطبيعة توزيع الإستثمارات نوعها وعددها وحجمها وعائداتها، وبكل مفاقماته لأسس وأشكال الإستغلال والتهميش وتركيز السلطة والثروة ومركزتها، وبكل ما فيه من أمية وأمراض وجوع، وفوارق طبقية وعنصرية وتوترات وحروب وبكل عناصر هذه الصورة (الواقعية) نجد وضع السودان كحقيقة تاريخية من أضعف النقاط التي تواجه تقدم الناس في هذه المنطقة إلى مرحلة تاريخية أكثر تقدماً، مما لا يحتاج لصبر كثير بل يحتاج لكثير من النشاط والمثابرة المجمعة لنضالات مهمشي الريف ومستضعفي المدن في كتلة ثورية واحدة للتغيير الشامل الإقتصادي الإجتماعي السياسي والثقافي للوضع العام الذي يشمل الأسس والآليات الرئيسة لإنتاج الظلم الطبقي وأشكاله في السودان.

    وفي هذا السياق فإن محاولة تدعيم نقض الماركسية-اللينينة بنص ماركسي محاولة ضعيفة، فإذ يتحدث ماركس في هذا النص الذي أورده مشروع التغرير فإن حديثه يأتي عن الظروف العامة للإنتقال وبالذات عن نمو القوى الإجتماعية صاحبة المصلحة والقدرة ....يقول: (( ان تشكيلاً اجتماعياً معيناً لا يزول قبل ان تنمو كل القوى الاجتماعية التي يتسع لاحتوائها. ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات انتاج جديدة ومتفوقة ما لم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه. ومن أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها. ذلك انه إذا نظرنا إلى الأمر عن كثب، وجدنا ان المسألة نفسها لا تظهر إلاّ حين تتوافر الشروط المادية لحلها، أو حين تكون على الأقل على أُهبة التوافر)) ولكن مشروع تقرير لجنة المناقشة العامة يربط هذه الحكمة الثورية بعدم الشروع في التغيير الإشتراكي وكان ذلك منه بدعوى( إن التحول الاشتراكي في الماركسية لن يكتب له النجاح إلاّ إذا أتى لضرورة موضوعية اختمرت عناصرها وشروطها ومقوماتها في احشاء المجتمع القديم. وبالتالي تضحى أية محاولة لفرض التحول الاشتراكي في واقع لم ينضج له بعد، مجرد معاندة لقوانين التطور التاريخي والاجتماعي الموضوعية وقفزاً فوق المراحل ولن يكتب لها النجاح والاستمرارية. وبالإمكان القول بكل اطمئنان ان القفز للثورة الاشتراكية دون توفر المقومات الضرورية لها لن يفضي إلى الاشتراكية بل سيقود بالضرورة إلى طغيان الأقلية والبيروقراطية. إن التعميمات النظرية الخاطئة للنمط السوفيتي حول الأزمة العامة الثالثة للنظام الرأسمالي وعصر الانتقال للإشتراكية وقدرات الديمقراطيين الثوريين في هذا الصدد، لم تقد إلاّ لتشجيع التكتيك الانقلابي.)) ودون نفع من كل نضال السوفييت يواصل مشروع التقرير تجاهل الضرورة الموضوعية للإرتباط بين تطور القوى المنتجة وتغيير علاقات الإنتاج وهي المسألة التي شكلت ركيزة التحولات الناجحة في عهد الإستالين من التخلف والتمزق والتبعية إلى التقدم والإتحاد والإستقلال الوطني والريادة العالمية.

    في هذه الفقرة من المشروع التي جاءت من "المناقشة العامة" مختلة في بنيتها وموضوعاتها ونقاشاتها التأسيسية وحصيلتها حسبما اوضحت لجنة تسييرها، تتكرر من جديد حالة تبديل إصطلاح "التغيير" بإصطلاح "التحول" وبين الإثنين فرق كبير في حضور أو في غياب إرادة التغيير! كذلك اللبس الشنيع في إيضاح ما بين "حركة المجتمع" و"حركة التاريخ": و لفهم هذا اللبس لابد من التذكير بان التغيير الإجتماعي يتم وفق إتجاه الحركة التاريخية للمجتمع من مرحلة تاريخية إقتصادية أدنى قدرة وعلاقات إلى مرحلة أكثر قدرة وعلاقات، تغييراً يبدأ في أضعف نقاط تماسك النظام القديم وأكثرها رخاوة وهشاشة. مما لا يتطلب إنتظاراً! ولكن هذا النوع من الجدل المثالي حول إنتظار التاريخ وإنتظار غودو يتصل بقضية الموقف من الثورة الإشتراكية في ظروف تخلف وإستغلال وتهميش عام يتحين فيه أهل الإنتظار نضوج التحول الرأسمالي في البلد (ليصل مستوى نيويورك) ليبدأوا الثورة! وهنا يبدأ سؤآل حاسم في عملية التمييز بين التغيير الثوري والتحول الإشتراكي وهو:

    ما هي علامات نضوج الرأسمالية في المركز والإطراف؟

    ج/ 1- سيادة ثقافة المصلحة والمنفعة الفردية المقدرة بمعايير مادية ومالية (طبيعة المعيشة والثقافة المعبرة عنها)
    2- سيادة التعامل السلعي- النقودي لتبادل المنافع في مراكز المجتمع (إقتصاد النقود)
    3- الحكم السياسي المدعي تحقيق مصالح جميع الطبقات والقوميات (السياسة الحديثة كعلامة عقلانية للوجود الإجتماعي)
    4- زيادة التناقض بين التكوينات الإجتماعية والقيمية التقليدية والتكوينات والمصالح الإقتصادية ( التفكك القيمي والمجتمعي)
    5- تفاقم كل من النزعة الخارجية والنزعة المحلية كوسيلة لحل الأزمات الإجتماعية (نزعة التدخل الخارجي | النزعة القبيلية )

    هذه العلامات هي علامات نضوج بل وتعفن الرأسمالية وإنفتاح طريق التحول والتغيير الإشتراكي، فحيث وحين يفقد أغلبية الناس في المجتمع إمكانية العيش بحرية وكرامة وتعجز الحكومات والأنظمة السياسية المتعاقبة عن تغيير طبيعة معيشتهم بصورة متناسقة مع حاجاتهم وقدراتهم وإمكانات التنظيم المحلي والدولي والعالمي لمواردهم، تكون ظروف التحول والإنتقال الإجتماعي من المرحلة الرأسمالية أو من عفنها بكل ما فيها من شركات وتعاونيات وقطاع عام إلى مرحلة أكثر منها إشتراكية وديمقراطية في تحول إشتراكي يأتي فيه دور التغيير الثوري طليعيا مصادماً في (الجامعة) والسكن والعمل والشارع وفي سوح الوغى مبادراً ومضحياً في هذه الطليعية التي تحتاج قيادة فذة إلى ثلاثة أعمال نظامية هي 1- تنمية حركة الجماهير و 2- الحضور الفاعل للجماهير المنظمة و3- مراكمة العمل الثوري وذلك بصورة علمية سياسية جماهيرية تضفر بذكاء قوى وقدرات ومصالح وتنظيمات وجهود هذه الجماهير فدون هذه الطليعية ودون القيادة الفذة لجهود حشدها وتنظيمها ستصل التراكمات نقطة إنفجار عشوائي لا ضابط له ولا رابط.

    ولكن مع نفيه السابق يواصل التقرير خلطه بين النظام الديمقراطي الشعبي الذي لاتوجد فيه ملكية خاصة لوسائل المجتمع في الإنتاج بالنظام الديمقراطي الليبرالي، ناسيا إن مقدار ونوع الحرية السياسية مختلف جداً في النظامين.... يقول التقرير: ((ان ما حرص عليه مؤسسا الماركسية أكثر من غيره هو التوكيد بان الديمقراطية البرجوازية، بحكم سيطرة رأس المال على كل آلياتها وفعالياتها، لا تجسد سوى ديكتاتورية البرجوازية. وان الديمقراطية لن تقف على رجليها دون استكمالها بالديمقراطية الاجتماعية وستنبثق عن هذا الاستكمال في نهاية المطاف دكتاتورية البروليتاريا.)) بينما في النظام الديمقراطي الشعبي يسيطر الناس على وسائل وجهود إنتاجهم وعلى القسط الأكبر من ثمراته بسلطة حكمهم الشعبي المحلي في وحداته الأفقية والرأسية (بطبيعتها المهنية والفئوية والجماهيرية) أما في النظام الليبرالي فإن الديمقراطية الليبرالية تسمح بقيام أحزاب تسمح للإنسان بإستغلال إخيه الإنسان إقتصاداً ومعيشة فالحزب الليبرالي يقف مع حرية التملك الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات معيشته وحياته يجمع في نفاق عجيب بين القوى المالكة للإنتاج والمرفهة به والقوى المستغلة والمهمشة بهذا الإنتاج! وبطبيعة الوضع القانوني والتمويلي والدولي لمصالح قادة الأحزاب لا توجد إمكانات موضوعية لتغيير أو تحويل موقفها من جهة النظام البرجوازي الذي تعيشه غالبية شهرها إلى جهة التنظيم والتغيير الإشتراكي الذي تعيشه يوماً أو إثنين في الشهر.
    صحيح ان دكتاتورية البروليتاريا من منظور مؤسسيْ الماركسية، لا تعني مطلقاً العسف والظلم والإستغلال لكن من الممكن الإفادة بتجربة وشمولية الديمقراطية الليبرالية بأن تتراضى الأحزاب الإشتراكية وتتبادل الرأي والحكم فيها بينها عبر ممثلي المهن والفئات وممثلي القطاعات والمنظمات الجماهيرية كالشباب والنساء والمعاشات، في مقاعد الحكم الشعبي المحلي الأفقية والرأسية. وإن كان ثمة إعتراض هنا فالأولى أن يتجه إلى مسألة "الهندسة الإجتماعية" الآنفة الذكر، فإن لم تكن العملية السياسية والديمقراطية بكل اشكالها وكذلك وضع العملية التعليمية والعملية الإعلامية كهندسة إجتماعية وصراع مصالح فماذا على رسل أغنية الكابلي ماذا تكون؟ فمن الغريب أن يرفض المشروع في الهندسة الإجتماعية ناحيتها الشيوعية ويقبلها في ناحيتها الليبرالية الرأسمالية!! ولو بتعديلات.

    يقول مشروع التقرير في نقض صريح لطرحه السابق حول عبثية فهوم الطليعية والنضال الحزبي القائد لعملية هندسة إجتماعية: (( ولا جدال حول ان الماركسية طرحت نظرياً قيادة الحزب الماركسي للتحول الاشتراكي. ولكن هذا الطرح يقف، ليس كضربة لازب، وانما كفرضية نظرية واردة في ظل الانحسار الطبيعي في الصراعات الطبقية والاجتماعية والثقافية أبان التحول الاشتراكي، وهو أمر يطرح في جدول عمل الثوريين إمكانية توحيد الأحزاب العمالية والماركسية والديمقراطية. ولكن طالما ظل التعدد والتنوع قائما، اقتصاديا واجتماعياً وثقافياً، ستكون الإمكانية مفتوحة لتعدد الأحزاب.)) وهذا النص ينقض ذات النقاط بل والمشروع الذي طرحه تقرير لجنة تسيير "المناقشة العامة" : فإن كان التحول الإشتراكي عملية تتم بقيادة حزب أو حتى أحزاب (يتم توحيدها حسب تقرير مشروع التقرير) أفلا يكون هذا التحول وقيادته هندسة إجتماعية؟ رغم إنه من الطبيعي أن يكون تعدد أو إتحاد أو وحدة جهات العمل السياسي في أي مجتمع مسألة موضوعية تحكمها دفوع العوامل العامة وصراعات المصالح الكبرى ولا تتم وضعية التعدد او الأحدية بمجرد قرار فوقي أو برغبة طرح آيديولوجي بل بحسب ما أفاد المشروع وفق: طبيعة الصراعات الطبقية والإجتماعية والثقافية التي يزيد التعدد بزيادتها ويقل بإنحسار التناقضات الرئيسة في المجتمع، ولذا كان في الإتحاد السوفييتي أحزاب أخرى غير الحزب الشيوعي وبفعل (قلِة) أو دِقة التناقضات فيه كانت قليلة النشاط منها "حزب المزارعين" الذي إستمر نشاطه إلى ما بعد تفكك الإتحاد، كذلك في الصين اليوم عدد من الأحزاب منها حزب المزارعين والحزب الوطني|القومي (الكومنتانج) وبإمكان التحقق من ذلك بالدخول إلى تاريخ الصين المعروض في مواقعها المهيبة في شبكة الإتصالات بأكثر اللغات العالمية بما فيها اللغة العربية.

    أما موضوع الدور الطليعي في التاريخ والمجتمع أي تقدم الكيان السياسي طليعة ومقدمة ورأس حربة لفعل الجانب الثوري من التناقضات العامة ضد الجانب المتمسك بأسس أو ببعض الأشكال التالفة من التنظيم الرأسمالي لموارد ووسائل وجهود الإنتاج في المجتمع وأطرها العنصرية أو الطائفية، فمن الطبيعي إن هذه الطليعية والتقدم تتكون أولاً أيضاً ضمن فاعلية العوامل العامة ولكن ليس نبت مزنها وخير تربتها فقط بل تتحقق للكيان السياسي بصحة بذرته وفتوة وعنفوان شبابه وحكمة ثوريته، صحة تتصل أسبابها ومظاهرها بسبق وطليعية آيديولوجية الحزب ودستوره وبرامجه ولوائحه، وتواشج كينونته الطبقية، وطبيعة الصلابة والمرونة في هيكله وأعماله ونسق التفرد والتنوع في نضالاته ومدى إنتشار فعالياته الموضوعية والعددية في الريف وفي المدينة، لا بكم وعدد زيف من الأعضاء حمر النعم بل بنوعية عالية من الأعمال الصغرى والمتوسطة والكبرى مخطط لها ولحدوثها بصورة متواصلة ومتزامنة في المستوى السياسي الأفقي بإمتداد الجماهير المستغلة والمهمشة وفي المستوى السياسي الرأسي لكل قطاع إجتماعي بصورة كيانات وأعمال مألوفة وإصلاحية وثورية متزامنة ومترابطة في حركة يضطلع الحزب الثوري الطليعي بأعباء تنسيقها وتنظيمها بدفع وتنسيق مهام أعضاءه فيها كل حسب قدرته. وبهذا الجهد المتقدم لفتح المجرى العام لحركة التاريخ والمجتمع وحريتها من مراحل الإعاقة والنقص والتكالب على ضرورات الحياة وإنطلاقها إلى مرحلة للتناسق والوفرة والتوزيع المقسط لوسائل وجهود وثمرات الإنتاج الذي يشترك الناس بحكمهم الشعبي المحلي لمقاليده في سلطات تنظيمه وتوزيعه إشتراكية علمية متقدمة من كل بحسب قدرته ولكل حسب حاجاته الضرورة أولاً ثم شيء من الكمالية بصورة توافق مستقبل الأجيال القادمة وتوازن وسلامة بيئة الحياة.

    بكل هذا تتحقق الطليعية والتقدمية الإجتماعية للكيان السياسي الشيء الذي وضطدته النضالات الشيوعية في نفسها منذ صدور البيان الشيوعي وإكتمال الشروط الدولية والمحلية تأسيس الحزب الشيوعي في كل بلد، مما يضطرب مشروع التقرير السياسي الذي أعدته لجنة تسيير "المناقشة العامة" في مجرد إقراره وتوكيده، ناحية إلى التخلص منه بتبديل الإصطلاحات تارة أو بتغيير طبيعة مهام التقدم الإجتماعي في بلد رأسمالي تابع يعاني من ديكتاتورية السوق إلى مهمة أحزاب ليبرالية ذات إسم إشتراكي أو وطني تقوم ببعض الأعباء الصغرى والوسيطة المتفرقة بلا فكرة إستشرافية ولا قيادة مركزية ولاهندسة إجتماعية تجمع نظرتها الإجتماعية إلى فعلها في المجتمع... حالة خبط عشواء الداء فيها دواء.

    10- هل بالإمكان حسم نهج التبعية والنشاط الطفيلي دون إلغاء التملك الإنفرادي الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته؟

    يشير مشروع تقرير لجنة تسيير "المناقشة العامة" إلى بعض ظروف التدهور الإقتصادي في السودان يقول: ((

    * برامج التثبيت و التكيف الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدولي.
    * الشروط غير المتكافئة في التجارة الدولية.
    * ارتفاع اسعار الفائدة على القروض.
    * تدهور حجم المعونات الخارجية غير المشروطة.
    * تبديد الفوائض الاقتصادية المحلية عبر الصرف البذخي والفساد.
    * المديونية الخارجية التي بلغت أرقاماً فلكية.
    * وقادت مجمل هذه العوامل، وما يصاحبها من ضغوط وتهديدات وإملاءات ، خاصة مع غياب الديمقراطية وتسلط الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، إلى فرض نهج التبعية، ونمو القوى الاجتماعية الداعمة لهذا النهج وخاصة فئات الرأسمالية الطفيلية في المدينة والريف )) و هنا تناقض لابد من إزالته وهو إذا كان هناك إفتراض ان غياب الديمقراطية الليبرالية هو سبب في حدوث ذلك الخراب، وهو إفتراض، فلماذا تحقق نفس الخراب في روسيا وبقية جمهوريات الإتحاد السوفييتي بعد حله؟ ولماذا لم يتحقق هذا الخراب في دول ديمقراطية شعبية مثل كوبا؟ أو كوريا الشمالية؟ أو فنزويلا؟ .أو الصين؟ السبب بالطبع يكمن في طبيعة تملك موارد ووسائل الإنتاج والخدمات الأساسية.

    الليبرالية لم تمنع الفساد العظيم في كل دول أوربا والولايات المتحدة، بداية من فساد تأسيس بنك إنجلترا (يوليو1694) وليس نهاية بتأسيس مجلس وبنك الإحتياط الفدرالي أي البنك المركزي الأمريكي(1913) والعلاقة الإمبريالية القائمة بين أنظمة ومصالح البنوك والشركات الصناعية والتجارية الكبرى وحكومات الدول العظمى وتحكمها الفاسد في ضمانات ذهب وأسعار عملات الدول المستقلة حديثاً، وفي أسعار كثير من صادراتها ووراداتها وفي حجم الديون والإستثمارات المحولة لها، وفي طبيعة تعجيزها وتفليسها وخصخصة مواردها من ثم.

    مواجهة هذا الفساد الليبرالي الذي بدأ منذ الشركات الأوربية الإستعمارية لبلاد شرق وغرب الهند ولأنحاء أفريقيا وكثير من أنحاء أمريكا والصين وروسيا متوطداً في العالم بقوة الجيوش الحديثة المنظومة كالآلة المدججة بتطويرات فائقة حديدية وكيماوية لبواريد ومدافع الشرق القديم، لا تتم بمواجهات عسكرية هوجاء محلية أو دولية وقد إمتلكوا الصواريخ والقنابل الموجهة، ولكنها تتصل بصورة موضوعية بعملية ديمقراطية شعبية منظومة لإلغاء نظام التملك الخاص المفرد لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته إلغاء عملياً متناسقاً تنظمه مؤسسات الحكم الشعبي المحلي بكل ما فيها من ديمقراطية ورقابة شعبية تضع موارد الشعب للشعب وبالشعب.

    دون هذا التأميم المنظوم لا بإمكان نجاح أي تخطيط إقتصادي للحرية من نقص ضرورات العيش والحياة وتكالب ملايين الناس عليها بالنفاق والفساد وغير ذلك من موبقات تنمو وتزيد في ظل حرية وفوضى السوق وعشواءها، بداية من البنوك الإسلامية والخاصة ومؤسسات التجارة الداخلية والخارجية الكبرى، ووحدات التعليم والعلاج، والتملكات الضخمة للأراضي الزراعية، والوحدات الصناعية، والخدمية الكبرى من مؤسسات السبك والصهر إلى مصانع الأسمنت.

    كذلك لا ينجح تنظيم وتخطيط للإقتصاد ولحركة المجتمع في ظل تشتت وتبعثر كثير من وحدات الإنتاج الصغير دون تنظيم ودعم من الدولة ومصارفها في شكل تعاونيات وتشاركيات وشراكات وشركات صغيرة تدعم الدولة تمويلها ونشاطها وتنسق إستثماراتها وتفتح لها مع أبواب التنسيق والتجمع الأسواق الداخلية والخارجية التي تربطها بحاجات وقدرات المجتمعات الأخرى.و تحريرالإقتصاد من نهج التبعية لا يتم بالديمقراطية الليبرالية التي تفتح باب التملك المفرد الخاص لموارد المجتمع بل بالديمقراطية الشعبية التي يسيطر فيها الناس بصورة مشتركة على مقاليد حكمهم وإنتاج ثروة عيشهم وحياتهم.

    ولكن بعد كل هذا التفكيك جاءت فقرة حميدة تناقض الإتجاهات الليبرالية لمشروع التقرير ولكنها تحوي (شيئاً ما ) أو إن شيئاً ما أدخل عليها إذ تقول الفقرة (كما يتاكد ان الحراك الاجتماعي المصاحب للثورة التكنولوجية لم يقد لزوال الطبقة العاملة ولا لنهاية الطاقات الثورية للفئات الوسطي. وبالتالي فان الدعوة لرأسمالية شعبية عن طريق التفاهم بين الطبقات في المجتمع الليبرالي لا تستقيم. وطبيعي جداً ان يقود التطور التكنولوجي إلى تغيرات هيكلية في بنية الطبقة العاملة تماماً كما أفرز تغيرات ملحوظة في بنية الرأسماليين والانتاج الرأسمالي. ان فترة المخاض الجديدة التي تعايشها الطبقة العاملة والتغيرات في بنيتها لا تبرر الزعم بنهايتها وزوالها. فالتغيرات البنيوية في تركيب الطبقة العاملة لن تغير من طبيعة الاستغلال الرأسمالي، ولا من الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي)) وما يجدر تناوله في هذه الفقرة هو:

    1- موضوع الطاقات الثورية للفئات الوسطى في ظروف حرية السوق:

    للفئات الوسطى مجوعتين من المصالح الأساسية العامة والشخصية في ذات الآن تتمثل أولاً في مجموعة ضمانات حقوق العمل والأجور التي تكفل لها حياة كريمة تليق بإجتهادها في التعليم والتدريب وفي تقديم عمل أو خدمة مائزة لمجتمعها وتتمثل ثانياً في مجموعة ضمانات عامة لعيشها عيشاً كريماً مثل إستقرار الأسعار العام او توازن الأسعار والأجور، إضافة إلى حقوق التعبير والتنظيم والنشاط الضروري للدفاع أو حتى للهجوم لأجل تحقيق مصالحها.

    وككل الطبقات تحتوي الطبقة الوسطى على طاقات وعناصر محافظة، وطاقات وعناصر قلقة وتغييرية، وطاقات وعناصر ثورية، مثلها مثل طاقات وعناصر الطبقة الرأسمالية المالكة أوالمسيطرة على وسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته، ومثلها تماماً مثل طاقات وعناصر الطبقة العاملة والكادحة و إن كانت الطبقة تفوقها بخمسة أحوال على الأقل في حيويتها الثورية .

    الظروف العامة لتحقق مصالح الطبقات والفئات والشرائح ونوعية التنظيم والتسييس وطبيعة نظم فعل ورد فعل كل من الدعاية الثورية والدعاية المضادة تلعب دوراً مهماً إما في تقوية عوامل الجسارة والإقدام والبذل والتضحية والمواجهة والفداء والتقدم والنجاح، أو في تقوية عوامل القعود والإحباط والإنقباض والإنكفاء والفشل الذريع في تغيير بعض النقاط الأولية او المتوسطة في نظام العمل والحياة.

    إن التعويل على وجود أو بقاء الطاقات الثورية في هذه الطبقة أوالفئة أو الشريحة بتناسب ما موجب أو سالب مع قوة الظروف لا يكفي لمواجهة موضوعية لظروف التعطيل عن العمل، وضعف الفرص والأجور والضمانات في القطاع الخاص، وضعف الضمانات العامة في القطاع العام بما فيه من بيروقراطية ضارة ومهددات سياسية، ولمواجهة حالة الإحباط الناتجة عن حالة التكاثر في عرض السلع الكمالية وفقر إمكانات مواجهة الطلبات التي تحدثها في الأسرة والمجتمع. الأفضل من هذا التعويل الذي أبداه مشروع التقرير هو تقديم مقترحات محددة بتأسيس وحدات صغيرة ومتوسطة من الشراكات والتعاونيات والشركات تعمل من الخارج وفق القانون العام، بينما تقوم في الداخل بتقسيم عائداتها ثلاثة أقسام: قِسم كدخل للعاملين عليها وقِسم لتجديد أدواتها وإستثماراتها، وقسم تهبه للعمل النضالي والثوري وفق تنظيم عام تختلف تفاصيله حسب الحالة العامة لكل وحدة، بحيث يندمج التقدم السياسي بالتقدم الإقتصادي الإجتماعي لمنسوبيه.

    الوضع الحاضر للعمل السياسي والنضال الثوري هو وضع مأزوم يقلل ويضعضع القوى والطاقات الثورية أكثر مما يسمح بالتعويل على طاقة خارقة لهذه الطبقة أو تلك الفئات، ففيه يتقدم العمل السياسي والثوري بـ(الخسارة): خسارة سنوات دراسة أو خبرة أو خسارة حرية أو خسارة صحة أو خسارة روح أو أسرة أو خسارة النفس لذاتها بإنقلاب صحي أو سياسي. وبعض ما بإمكان عمله للإصلاح وعلاج بعض أسس وصور هذا الوضع الأزوم هو البدء بإنهاء نسبي بسيط لحالة الإنفصال والفصام بين طبيعة معيشة وحياة المناضلين في المستوى المادي وطبيعة القيم التضامنية والتعاضدية التي ينادون بها في المستوى النظري. هذا من ناحية القيم أما من ناحية العمل فإن دمج النشاط السياسي بالنشاط المعيشي في وحدة إشتراكية واحدة يخلق بعض أو كثير الإشكالات الصغرى والكبرى، ولكنه على المستوى العام ينقل مقومات الصراع الطبقى من حالة عامة عفوية في غالبها إلى حال منظوم في جانب منه خارج إطار التملك والقطاع الخاص بكل إجحافه، وخارج نطاق القطاع العام بكل ما فيه من ظلامات وفصل عسفي عن العمل، كما ينقل إجتماعات الحزب من حالة التباعد والرتابة إلى حالة من التقارب والإنتظام والنشاط والإبداع. أما على المستوى القومي فان هذا الإجراء الإصلاحي يكسر كثيراً من الحواجز الطبقية والعنصرية والدينية، ويجعل هذه المقاربة تتقدم وتقترب بفعل ديمقراطيتها الداخلية وحيوية تواصلاتها وعلاقاتها لأن تشكل أساساً حياً إجتماعياً سياسياً لمستقبل أكثر إشتراكية وأكثر ديمقراطية يفوق الحالة الحاضرة للتملك الفردي للموارد بما فيه من كنز ومن سفه للثروات وإستغلال وتهميش للناس وموارد عيشهم وحياتهم تتفاقم بفعل تركيز الثروة وتركيز السلطة ولوكانت ليبرالية.

    بمثل هذا الإصلاح بإمكان معالجة كثير من أزمات العضوية والإنتظام في حزبنا الشيوعي السوداني وتحريره من طوائل الفقر والعسف.

    2- التواشج والتمايز بين الطبقة العاملة القديمة والطبقة العاملة الجديدة :

    يقول مشروع التقرير: ((فالتغيرات البنيوية في تركيب الطبقة العاملة لن تغير من طبيعة الاستغلال الرأسمالي، ولا من الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي))

    وحسب رأي المشروع هناك طبقتان أو طبقة واحدة ذات نطاقين أو سمتين: "قديمة" تنتابها تغييرات نوعية في تركيبتها و"جديدة" فيها بعض القديم وشيء ما من سمات الطبقة الوسطى (غالباً)، وبطبيعة الطبيعة الإجتماعية لا بإمكان وضع خط فاصل دقيق زماني أو إجتماعي أو سياسي يمسك كتلة عناصر عن الإختلاط بغيرها، لكن بالإمكان الإشارة إلى مجموعة من الخطوط التي توضح الطبيعة الطليعية للطبقة العاملة الصناعية في شكلها القديم أو الحديث داغمين معها الفئات المتقدمة من المزارعين وعموم الكادحين الداخلين في كتلتها العامة في الحياة وذلك على النحو الآتي:

    1- أسباب وعوامل الطبيعة الطليعية للطبقة العاملة الصناعية بأشكالها:

    1- الطبيعة النوعية - العددية لوجود العمال ونشاطهم الصناعي في مجتمع رعوي وزراعي متخلف وريادة تقدمهم له.

    2- النوعية المتقدمة لإنتاجها وتخديمها الآلي للموارد الخام ومضاعفتها الهائلة للدورة الإقتصادية (نفط، ذهب، طاقة، منتجات نقل).

    3- تقدم وعيها بالإمكانية الثورية والسياسية لحل أزماتها دون إمكانات دينية طائفية أو قبيلية أو عائلية أو تعليمية أخرى.

    4- الثقافة والطبيعة التعاضدية العميقة لإدارة تنظيماتها وأمورها بتجرد من أغراض الربح وتميز الفرد على حساب المجموعة.

    5- تمتعها لزمن طويل بصفات وطنية وأممية التنظيم والممارسة النقابية والسياسية والنشاط الشيوعي في العالم وداخل كل بلد.

    هذه العوامل كما هو واضح عوامل موضوعية مستقلة في وجودها عن أي رغبة حزبية او شخصية، أي عن إمكان قبولها أو رفضها.

    2- الفوارق بين الطبقة العاملة الصناعية القديمة والجديدة:

    أ‌- الفرق الكبير يظهر في أن إدخال الفئات الممتهنة من الطبقة الوسطى في عملية الإنتاج الرأسمالي وحشرها كيفما إتفق في عداد الطبقة العاملة يضعف تماسكها لأنها تدخل في تركيبتها كأرستقراطية عمالية، وحتى لو أرادت الإندغام فيها فإن رأس المال والحكومة وقياداتها تستحوز لها على وضع تمييزي خاص بين العمال: دالة إلى ذلك بعض خلاصات من مشروع دراسة أعدها عن جوانب من تطور الطبقة العاملة في إنجلترا منذ أوآخر القرن السابع عشر إلى بداية القرن 21 الحاضر: فطول ذلك الزمان 300 سنة كان تركيب الطبقة العاملة دوماً تركيباً متجدداً بفعل إستمرار إختراع وإدخال الآلآت الجديدة وما تتطلبه من تغيير في نوعية العمل والعمال.
    وإن ظلت كثير من أنواع العمل مستمرة في موقعها من السياق العام للإنتاج إلا إنها كانت ولم تزل تتبادل التقدم والتأخر في هذا السياق بداية من الحرفة التي تتحول صناعة والصناعة التي تتراجع متحولة إلى حرفة خاصة. وفي كل تغير وتغيير كان الإضطراب الموضعي والموضوعي في المهنة المعينة كالحلج أو الغزل والنسيج أو الطباعة أو المناجم أو صناعة الأدوات والأجهزة والآلآت أو صناعة الأحذية أو الشحن والتفريغ أو صناعة الطوب..كان كل تغير يواشج إضطراباً إجتماعياً إقتصادياً وثقافياً ونقابياً وسياسياً، مما لم ينخفض تأثيره إلا بأثر زيادة النشاط الشيوعي للنشاط النقابي والعكس، أما النشاط الإصلاحي والتقدمي العام فتخالفت فيه المصالح .

    ب- الأنجع لتوسيع إمكانات الطبقة العاملة بكل فئاتها القديمة والجديدة وحلفائها هو زيادة النشاط الشيوعي في تشكيلاتها، لا تقليله فدون نشاط شيوعي فعال في إلغاء التملك المفرد الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه حياته يضفر نضالات المدينة والريف ويكربها لأجل تحقيق هذا الهدف فأن مصير عملية تدمير التنظيم الرأسمالي في أضعف نقاطه وبداية إقامة المجتمع الإشتراكي كعملية هندسة إجتماعية ستخلو من دور المهندس صاحب التأهيل والمصلحة والقدرة على رسم خريطة مواقع الإنهيار ومواقع البناء وتحديد وتوفير كثير من لوازمه في حاضر الحركة الإجتماعية لحظة إحتدام تناقضاتها .

    المجتمع الإشتراكي لا يؤسس بإبعاد عملية التغيير الإشتراكي من التصورات الواقعية وتحويل هذه العملية إلى أفق بعيد ، كما إن الإسلوب الموضوعي لطرح عملية تغيير الحالة الرأسمالية للمجتمع كان يتطلب في مشروع تقرير سياسي مقدم لمؤتمر حزب شيوعي أن توضح القيمة الموضوعية لضفر الحزب الشيوعي لنضالات الطلائع الثورية لملايين المُستَغَلين والمُهَمَشين في المدن والريف لخلاصهم من طبيعة العيش والحياة تحت خط الضنك وظروف النقص والجوع والتكالب فيها على الموارد إلى حياة مفعمة بتعاضدهم وإشتراكهم في أصول ووسائل إنتاجهم ضرورات عيشهم وفي جهود هذا الإنتاج وثمراته إشتراكية علمية متقدمة بحكمهم الشعبي المحلي تبدد أسس تركيز السلطة والثروة وتنفي بشكل موضوعي مفاقمة هذا التركيز لعمليات الإستغلال والتهميش.

    ولكن إيضاح القيمة الموضوعية لضفر نضالات الريف والمدن والعالم والنشاط الثوري للتغيير الوطني الديمقراطي الشعبي لأسس المظالم العامة وإبدالها بأسس فعالة للإشتراكية ومافيها من عدل إجتماعي، يكرس الأبنية المادية في طريقة الإنتاج وتوزيع الموارد والخدمات حسب الحاجة والقدرة كان افضل لإيضاح الفكرة الإشتراكية من الإطلاق العاطفي لقول السياسي على عواهنه مثل الذي اوردته سطور مشروع التقرير في نصها: (( الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي)). فالتخديم العاطفي لهذه العبارة لا يفيد بأي أسس أو عوامل أو موضوعية لجدارة الطبقة العاملة والحزب الشيوعي لتحقيق وجودهما نأهيك عن بلوغ أي أفق..إلا أن تكون هذه العبارة قد وردت بهذا الشكل البائس الفقير من الموضوعية بعد كل هذا العدد الكثير من الهجومات الإستضعافية على تاريخ ووجود الإشتراكية في مشروع التقرير لغرض ما قد يكون تسهيل شطبها في حضرة أي مؤتمر لأي حزب تقدمي غير الحزب الشيوعي السوداني بدعوى إنها تعبرعن جزء بسيط من الإتجاه العام "للمناقشة العامة"!!

    11 - هل بالإمكان حل الأزمة القومية والوطنية الديمقراطية والإقتصادية دون حل الأزمة الطبقية؟

    يحاول مشروع التقرير السياسي للجنة "المناقشة العامة" حل المشكلة القومية وفق ترتيب سياسي يطلب الفكاك من النظم الشمولية وديكتاتوريتها وعنصرياتها في "قاع المجتمع"؟! والتحول منها إلى حكومات شعبية محلية حسب واقع الحال والقيسمة العادلة للسلطة والثروة وإنجاز التحول الديمقراطي بحل ديمقراطي للمسألة القومية سياسياً وإقتصادياً!! يقول: ((الحل الديمقراطي للمسألة القومية والإثنية بما يقود للوحدة الراسخة والطوعية في إطار التعدد والتنوع. فالإثنية ليست لعنة أو قدراً مسطراً لا فكاك منه، وفي الواقع لعبت الإثنية دوراً كبيراً في معارك التحرر من السيطرة الاستعمارية المباشرة في الكثير من البلدان الأفريقية. غير ان السياسات الخاطئة للأنظمة الشمولية، وخاصة قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في قاع المجتمع، والكيل بمكيالين في التعامل مع الاثنيات والجهويات كالمحاباة من جانب والتهميش من الجانب الآخر قاد لان تتحول الاثنية إلى بؤرة ملتهبة للفرقة والشتات والنزاعات المتواصلة.)) وبعد هذا التقريع للأنظمة الشمولية يضيف( وتتحول الاثنية إلى مصدر قوة ووحدة باعتماد صيغ الحكم اللامركزي والفدرالية والحكم الذاتي حسب واقع الحال والاقتسام العادل للسلطة والثروة، وانجاز التحول الديمقراطي. أي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية سياسياً واقتصادياً)) وهذا النص يتجاوز وجود الأزمات القومية في أوربا الليبرالية بنفس السمات العنصرية-الإقتصادية الإدارية وردود الفعل التحرريية المواشجة في أكثرها لكل أشكال النضال السياسي سواء السلمي منه أو بعضه العنيف بكل حالاته في كورسيكا فرنسا أو في بريطانيا في آيرلاند لغاية 2007 حين إنسحب الجيش البريطاني منها ومايتصل بذلك في أسكوتلاند وويلز، بل حتى بين شمال وجنوب إنجلترا، وفي مستعمرات بريطانيا في بحار أمريكا وأستراليا وأفريقيا وأوربا وحتى في هونغ كونغ قبل عقد بسيط، وكذا في الباسك شمال أسبانيا وفي مقاطعة كاتالونيا في الجنوب، وفي تشيك|سولفاكيا، وبين المجر والنمسا، وفي ملدوفا وحتى في بلاد (الحنان) السويد والنرويج وفنلاند والدنمارك نجد الشعوب الأصيلة (الأسكيمو) تعاني إضطهاد الأوربيين، كذلك الأزمة بين قومية شمال إيطاليا النمساوي الألماني الصناعي وقوميات جنوبها الزراعي سردينيا وصقلية، وفي أفينون الفرنسية الإيطالية، وكذا الأزمة الصامتة بين مناطق نهر الراين وبعض مناطق جنوب ألمانيا، كذلك تضارب وإنقسام بلجيكا الحاضر بين فلمنكييها الهولانديين وفرنسييها، وكذلك ما في المرحلة الليبرالية من تاريخ المدرسة القومية الكبرى في البلقان وعموم جمهوريات يوغوسلافيا وفي عموم روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفييتي التي كانت بنظمها الإشتراكية الفعلية – رغم شوفينية قوميات الصرب والروس على صرف إمكاناتهم على شعوب وبلاد اخرى- كانت دولاً ناجحة في تنسيق الحاجات والقدرات والقومية بلا تطفيف أو تبخيس ولكن ما إن (تحولت) تلك البلاد من النظام الإشتراكي إلى النظام الإنفرادي حتى تضاربت هذه الحاجات والقدرات في كثير من انحاءها وإتقدت حساسياتها وإشتعلت عنصرياتها .

    كذلك فإن الحديث يطول لو تناولنا تاريخ وحاضر الأزمة القومية وأشكالها في دولة (الولايات) أو (الدول) المتحدة الأمريكية، وكيفية (نجاحها) في القضاء عليها أو في تهدئتها؟ بداية من معارك وحروب الإبادة ثم حروب الإستقلال و(الوحدة) ثم حروب (الإتحاد) ثم عملية نهب قوى الشمال للسكان الأفارقة وتحويلهم من خدمة المزارع في الجنوب إلى خدمة المنازل والمحلات في الشمال بـ(دعوى تحريرهم) وواشج ذلك حروب إستعمار المكسيك وتحويل ملايين من أهلها من أصحاب مزارع صغيرة إلى خدم محلات ومنازل ومزارع، ثم معارك 1964 -1966 لإقرار التساوي بين الناس في حقوق الإنسان حيث وافقت الحكومة الليبرالية عليه لإرسال الافارقة جنوداً إلى محرقة فيتنام، كذلك الحرب الداخلية ضد "الإرهاب" بمعنى الشرق أوسطيين، وضد "المهاجرين" وهم هنود المكسيك أهل البلاد الأصليين، وحدث بحرج كذلك في موضوع بلاد ليبرالية اخرى كأستراليا ونيوزلاند واليابان. او كليبرالية "التنمية المستقلة" التي كانت سائدة في (إتحاد) جنوب أفريقيا أو حتى الأزمة القومية في ليبرالية إسرائيل، ففي كل هذه الدول الليبرالية الأصيلة كانت الحروب ثم عمليات القهر هي السائدة في التعامل بين القومية الساحقة والقوميات المسحوقة، فالليبرالية بتركيزها الثروة والسلطة تعزز العنصرية.

    الحل الموضوعي للأزمة القومية في السودان إضافة للإقرار الصريح بالمظالم التاريخية التي نكبت اهله على الأقل منذ سنة 1504 يتطلب التوسيع الأفقي والرأسي لإمكانات إشتراك الناس في تملك وسائل إنتاج ضرورات عيشهم وحياتهم وفي تنظيم جهودهم في هذا الإنتاج وإشتراكهم في التمتع بثمرات كدحهم وكدهم عليه، وهذه الإمكانية المتعلقة بحريتهم كطبقات ينتمي غالبها إلى قوميات ومناطق معينة تتصل أيضاً بحق مناطقهم في حيازة قراراتها ومواردها بالإستقلال بشؤونها وبالتعاضد في ما بينها في سد نواقصها جمهوريات إتحادية تقوم كينوناتها بوحدات ديمقراطية شعبية تنسق في كل وحدة منها بشكل تصاعدي راق رأي التشكلات الثلاث الرئيسة في الحياة الإقتصادية الإجتماعية والثقافية السياسية رأي القرية والمنطقة المدينة، ورأي القطاعات المنتجة، ورأي القطاعات الجماهيرية .

    بشيئ من هذا النوع العميق من الحكم الشعبي المحلي ومن الإختيار الطوعي للإتحاد بين (جمهوريات) السودان وتسييره ونظامه وفق تبادل متوازن نسبية للمصالح الموضوعية لطبقات السكان والمصالح العامة لمناطقهم، يوازن بين الحاجات العامة والخاصة والإمكانيات المحلية و العامة اللازمة بشكل إقتصادي-سياسي-ثقافي مخطط منظوم لسدها وتنميتها وتقويمها بإمكان حل أزمة الشكل القومي للأزمة الطبقية في السودان بأبعادها المتصلة بالتكالب والعنصرية والحروب، أما الحديث عن أهمية التغيير الليبرالي لحل الأزمة القومية فهو نوع من تعطيل الحل الإشتراكي للأزمة القومية والديمقراطية التي نشأت أصلاً على أساس إنفرادات التملك، والحلول الليبرالية تمثل تعطيل للحل الإشتراكي لأن الانجع بناء إتفاق طبقي- شعبي يبدأ من كل وحدة أساسية عامة في المجتمع بدلاً عن الإتفاقات التي تبدأ من التقويم الأعلى مترجة إلى ماهو ضروري وأساسي فالبناء دائماً -ولو كان من لون المعمار الحديث- يبدأ من الأرض .

    12 - هل هناك قواسم مشتركة بين مشروع اللجنة والمشروع الامريكي لـ(الإصلاح) في الشرق الأوسط؟
    الرأي الذي (يعتني به) مشروع التقرير السياسي من نقاش لم يكتمل يفيد بالجواب: نعم، ففي التقرير يُطفَأ و يُغَيَب فعل التغيير الإشتراكي وتجحف موضوعيته ونظريته وتطبيقاته ويهان تاريخه الموضوعي وُيشوه تقديم الأحداث الظاهرة في هذا التاريخ، وبين كل هذا وذاك يستخف مشروع التقرير بعرض حاجات وقدرات ومصالح قوى التغيير الإشتراكي لصالح عبارات إحالية صرفية وإنصرافية من نوع "الأفق الإشتراكي" و"المؤتمر الجامع"!! فإن لم يكن التغييب الفعلي للنضال الإشتراكي قاسماً مشتركاً بين تقرير لجنة تسيير "المناقشة العامة" وإعلاءها الإتجاه إلى حل الحزب والمشروع الأمريكي لـ(الإصلاح) في بلاد الشرق الأوسط فماذا يكون؟ يقول
    (( إن المشروع الأمريكي للإصلاح الديمقراطي في بلدان الشرق الأوسط يظل فوقياً وخارجياً وضعيف المردود دون قيام مثل هذه التحالفات الشعبية العريضة . )) إن العلاقة التي تجمع بين تحول الحزب الشيوعي السوداني وتغيره من المبادرة والطليعية إلى سياسة تنظيم "المؤتمر القومي الدستوري" وتكوينه بشكل تصاعدي راق من ممثلي النقابات والقوى العسكرية وممثلي الأحزاب وأهل الرأي والفكر وإنحداره من ذلك – مماشاة للقوى الليبرالية- إلى سياسة "المؤتمر الجامع" الذي ينحدر إلى لجان ولجان لجان، وصياغات عامة وناقصة ومتضاربة، تحكمها الإرادة الدولية تجعل القول بأن سياسة الحزب للتأمين في هذا العهد العولمي العنيف كانت سياسة تراجع طبقي ووطني ودولي كان الأنجع منها هو توطيد علاقة الحزب بنضال الريف والمدينة وبالنضال الأممي،لأنه دون "مؤتمر قومي دستوري" تبقى إتفاقات السلام في بلاد نقض المواثيق والعهود مجرد كلمات وتواقيع وجاهة لاتساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.

    13 – لماذا لا يتعامل السودان علانية مع إلسلطة الفلسطينية ومع إسرائيل وقد إعترف بها الفلسطين والعرب؟
    إسرائيل دولة عدوانية غاشمة، تؤدي بنجاح دور (القاعدة) أو دور (الأمن) لكثير من التعاملات الإقتصادية والسياسية الدولية، مثل دور يهود المدينة قبل توقيع العقوبات الجماعية القاسية ضدهم التي أخذت البرئي منهم بجريرة المذنب، مما لا سبيل إلى إصلاحه الآن، لكن في ظل إتساع ما يسمى "التفاهم الإسلامي- اليهودي"، ومؤتمرات "الأحبار والأئمة" (الصحافة 5 يناير 2005) ألا بإمكان لحزبنا الإسهام بصياغة موقف سوداني جديد يعزز بشكل عملي إمكانات التضامن المباشر مع الفلسطينيين، ويقوي معسكر اليسار والسلم في إسرائيل؟
    إن الشكل السياسي والديبلوماسي العلني المضاد بشفافه لعملية الإزواج والتخفي والتقية والبهلوانيات التي تمارسها السلطات الخليجية والمصرية والإيرانية والتركية، والفلسطينية، والسودانية أفضل في التعامل مع مصالح الشعب الفلسطيني من التضامن مع حقوق هذا الشعب ومآسيه في العلن والتعاقد مع المصالح الإسرائيلية بأشكالها في الخفاء.

    ومادام إتجاه مشروع التقرير كان إلى جهة المرونة في التعامل مع المصالح الطبقية والقومية السودانية والدولية فلم لم يستمر في هذه المرونة في تعاملاته مع مواضيع العلاقات الإسرائلية لروسيا والهند والصين وباكستان والبرازيل، وكيف يرى مشروع التقرير وضع إسرائيل في خضم نضال شعبنا؟ أفمثلما يشتري الفلسطيني أبذخ صناعات الإتصالات الإسرائيلية، فلماذا لا ندخل أحسن جهاز إتصالات عامة في العالم؟ شكلاً كانت الإجابة (لا) إذ يصيح التقرير مردداً الشعارات القومية المعروفة، فمع (مرونته) في كل مجال من مجالات التقرير بقى -من حيث الشكل- صلباً صلداً في موضوع "إسرائيل"، ولكنه مضمونه يحي -بشكل موارب- مواقفها السياسية على حساب الشعب الفلسطيني يقول التقرير عن تطور الحالة الفلسطينية بفعل رقي نضال الشعب الفلسطيني ودعم شعوب العالم له ((هذا تحركت آليات الشرعية الدولية، فكان القرار رقم 242 والقرار 338 وكانت مدريد 1991 واوسلو1993 ثم خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي))

    بالطبع هناك فرق كبير أغمضه التقرير ببن طبيعة وتوازانات آليات الشرعية الدولية عهد القرار "242" وطبيعة وآليات وتوازنات الشرعية الدولية فيما بعد ذلك: ففي عهد ذلك القرار 242 الملتبس الصيغة- كان الإتجاه العام هو الشكل التجميعي للقضايا وحصرها من البسيط إلى المعقد في مؤتمر سلام (مباحثات جنيف) ثم كان الخلاف في تكوين ووضع وعمل لجان ذاك المؤتمر المؤود: أن تكون اعمال اللجان أصلاً لأعمال الموتمر أم تكون تابعة لأعماله؟.(لاحظ تاريخ تكوين لجان المؤتمرات في الحزب الشيوعي وأثرها في مضاعفة إنقساماته) حتى تم تجاوزه بالضغوط الإسرائيلية الامريكية عبر إتفاقات القاهرة وكامب ديفيد، أما قرارات مجلس الأمن الأخرى التي أشار لها مشروع التقرير فتعكس إنقلاب عملية السلام وتحوله من حال التفاهم إلى حالة الضغط الإسرائيلي الأمريكي العربي والرضوخ الفلسطيني، وكان تخفيض أسعار النفط ونشاط الحركات الأصولية و(الحماية منه) هي أداة الضغط الإسرائيلية الأمريكية على الحكام العرب ليضغطوا الفلسطين، وكانت بداية تلك الشرعية الدولية بمراسم رئاسية مشتركة ومنفصلة مع كل واحدة من الدولة العربية المجاورة لفلسطين، ثم تتوزعها لجان ولجان لجان دهورت تماسك القضية الفلسطينية محولة إياها إلى كسور عشرية وإلى بواقي حسابية ميتة سواء كان ذلك بخارطة طريق أو بدون خارطة ولكن بإسم الشرعية الدولية! وقد زاد هذا الأمر القضية دماً على سيل الدماء فيها وعوق وحدة ووجود القضية الفلسطينية سواء بتمرير جدران الفصل أو بسياسات التمييز بين الفلسطينيين مما فرقهم أيدي سبأ. وبهذا التمييز وهذه التفرقة صار توحيد الجبهة الداخلية أمراً فرطاً ضيعت به الحقوق بتقسيم البلاد وبإنقسام الفلسطينيين، لذا كان الأفضل لمشروع التقرير الإشارة لتناقضات هذا الوضع بدلاً لإستغراق ذاته في "الشرعية الدولية" ثم صياحه بشعارات قومية رصينة.

    14- العرب! العرب!! العرب!!! أو محاولة تفعيل النزعة القومية دون عوامل طبقية؟

    في إستضطراد ضعيف بعيد عن تعريف: من هو العربي؟ يواصل التقرير السوداني نواحيه الليبرالية القومية العربية يقول:
    (( تفعيل دور الجامعة العربية ليشمل إلى جانب استنفار كل الجهد القومي الممكن، التضامن مع الشعوب العربية ضد الأنظمة الانقلابية ومع سجناء الرأي والضمير والأقليات الدينية والعرقية، وتحرير المواطن العربي من ربقة الفقر والجهل والمرض باستثمار عائدات البترول العربية في التنمية في البلدان العربية.)) وملخص إنتقاد هذه السطور إنه يطالب دول جامعة الدول العربية بالوقوف ضد كل أنظمة الحكم غير الملكية في الدول العربية!!!!!!!!!!، ثم يطالب هذه السلطات الإستبدادية التي تمور عسفاً أن تبادر إلى الوقوف مع سجناء الرأي والضمير والأقليات الدينية والعرقية !؟ ويزيد مشروع التقرير أمنياته مطالباً إياها بتحرير المواطن من الفقر والجهل والمرض بإستثمار عائدات النفط لتنمية البلاد العربية ولكن مع علمه التام بان كل دولة منها لا تثتمر أموالها في بلادها فعلى أي أساس يطالبها المشروع بالإستثمار في البلاد العربية؟؟؟

    15 – الأزمة الطبقية في إضعاف الإشتراكية بدعاوى التراث وبدعاوى تنقية الماركسية من الشوائب:
    يواصل المشروع أمانيه القومية موضحاً المهام الآنية في العالم العربي بصورة عامة يقول ((وبصورة عامة فإن المهام الآنية في العالم العربي هي النضال من أجل التحول الديمقراطي والتضامن بين الشعوب العربية.))، والأصح عبارة في اللغة أن "النضال لأجل كذا وكذا" وليس (من أجل كذا) ولكن، الأهم هو تقويم السياق السياسي لمشروع التقرير: وفي هذا التقويم الإنتقادي لا بد من توكيد ان مهمة التحول الديمقراطي الشعبي لا تنجز دون تغيير إشتراكي والتغيير الإشتراكي يلزم ألا يكون قاعدة موضوعية لإشتراك الناس في السلطة والثروة فحسب بل إن هذه القاعدة تتطور ذاتياً وموضوعياً لتضحى محوراً لعملية إتحاد مجتمعاتهم بل وإتحاد دولهم، فدون تغيير إشتراكي لا توجد حرية تقرير مصير من هذه النظم الفاشية العميلة، ودون تغيير إشتراكي يحقق حرية وكرامة الشعوب المضطهدة قد لا توجد إمكانية موضوعية للوحدة بين بلاد لا تملك مستعمرات أو خزائن إستعمار.

    لذا كانت موضوعية الشعار النبيل القديم: "الإشتراكية الحرية الوحدة" ( عرب بحشر مفردة "الإشتراكية" بين مفردة "الحرية" ومفردة "الوحدة") بإعتبار الشكل التقليدي الخطي المراحلي للعمل الثوري بداية بالحرية من الإستعمار ثم بناء الإشتراكية كقاعدة لإنجاز الوحدة الوطنية والقومية"، فقد تضعضع هذا الخط بفعل ثلاثة عوامل:

    أ - تحول الإستعمار من شكله العسكري المباشر إلى شكل حديث، يتحكم تماماً في سيرورة كل بلد بداية من سيطرته على ضمانات وسعر عملتها وطبيعة تمولاتها وليس نهاية بسيطرته على تمويلها وأسعار صادراتها ووارداتها

    ب‌- فك الإرتباط السياسي والإقتصادي بين المصالح الطبقية العمالية والشعبية والمصالح الوطنية

    ت‌- ربط بناء الإشتراكية والبناء الوطني بما يسمي "تحقيق مصالح كل الطبقات" بإفتراض إمكان وجود رأسمالية وطنية تكون أرباحها دون إستغلال مباشر أو مضاف وتتعامل مع السوق العالمي بشروطها!!

    وكان شيء من هذا التضعضع وتبديل المصالح الطبقية قد ظهر في عنفوان الثورة الشعبية التي أسست الجمهورية في بريطانيا القرن السابع عشر وفي الثورة الشعبية الفرنسية في القرن الثامن عشر حيث بدلت قوى ومصالح البرجوازية مواثيقها وحرفت إصطلاحات "الطبقة العاملة والكادحين" البروليتياريا "الشعب" بإصطلاح "المواطنين" والأمة، وعدل تمثيل البرلمانات من تمثيل أفقي ورأسي لطوائف قوى العمل وسنديكات العاملين في كل منطقة إلى تمثيل جغرافي هلام يختلط فيه الحابل والنابل ذي شروط شخصية ومالية تجعل حق الترشيح إلى البرلمان حكراً على صفوة المجتمع البرجوازي مع بعض ألوان التجميل في القمة والقاعدة. ورغم إن ثورة أكتوبر الإشتراكية الأولى في التاريخ والعالم سارت بقيادة لينين وإستالين ضد هذا النهج التصفوي لقضية الكادحين وبنجاح مضطرد لحوالى 40 سنة فقد إستغرق التغيير المنشفي ضدها وحرفه لكينونة علاقاتها الإنتاجية-الإستهلاكية حوالى 40 سنة لتصل بمجتمعاتها إلى المرحلة الزيف التي تحقق بآلية الإستغلال والتهميش ما يسمى بـ"مصالح كل الطبقات"

    كذلك كان الأمر في كل الأشكال الخاصة للإشتراكية: العربية والأفريقية منها والإسلامية التي نشأت تاريخياً بين ضغطين دوليين: الضغط الأول هو ضغط سيطرة المناشفة على الحزب والإتحاد السوفييتي. والضغط الثاني هو ضغط الحرب الباردة والساخنة بقيادة الديمقراطيات الليبرالية ضد التحولات والتغييرات الإشتراكية التي بادرت إليها البلدان المتطلعة إلى بناء أسس مادية لحرية مجتمعاتها من حالة نقص ضرورات العيش والحياة، ولتحقيق العوامل الموضوعية لحياة كريمة لهذه المجتمعات بإتجاه لارأسمالي وبفعل ذلك الإتجاه الضعيف نبتت مشروعات "الإشتراكية المستلهمة من التراث" ضعيفة مبتسرة في تكوينها الطبقي فكانت تحاول ضبط الأسعار والأسواق دون القيام بضبط متناسق لعملية التملك المفرد لوسائل الإنتاج وفوضى توزيعها جهوده وموارده وحكرها ثمراته!

    ومن هذا التباين في طبيعة مستويات وعلاقات الإنتاج والإستهلاك تناقضت المصالح وتشابكت بالصراعات المحلية والقومية والدولية القديمة والمعاصرة وضعفت أوضاع تلك المجتمعات وتضعضعت مع إختلاف بعض الظروف المحلية أو الدولية التي كانت تسندها وإنتهت آيديولوجياتها ومشروعاتها الهجين إلى جيوب الرأسمالية وعمليات الإنفتاح والتنمية المشوهة فالديون ثم الخصخصة وليس نهاية بالحروب الأهلية وبإتفاقات ومفاعيل الشراكة (الحراسة) الإستراتيجية في نسخ متنوعة.

    وكثير من هذا الفصل بين المصالح الطبقية والمصالح الوطنية كان ولم يزل سائداً في جهات البرنامج القديم الحاضر لحزبنا الشيوعي السوداني وفي القسم الأعظم من إتجاهه السياسي العام مما جعل حزبنا مفارقاً في نشاطه لنشاط بنية الظروف الموضوعية العامة وبالطبع الظروف الذاتية الخاصة للتغيير الإشتراكي في بلادنا والعالم بما فيها عجزه عن ضفر نضالات المهمشين والمستغلين وعموم المستضعفين في الريف والمدينة، وربط هذا الضفر بمشروع حركي تغييري متعدد الأنماط مما أنجز جانب من علاجه في عمل منفصل بعنوان: " نقاط في مشروع دستور وبرنامج ولائحة الحزب" .

    16- طبيعة الدور القيادي للطبقة العاملة في المجتمعات المتخلفة:

    مرة أخرى تثار بشكل ضعيف ملتبس مسألة "الدور القيادي للطبقة العاملة" كان الأفضل منه تقديم هذا الدور بصورة موضوعية، إذ أن مشروع التقرير الذي وضعته لجنة تسيير "المناقشة العامة" يشير لطليعية الطبقة العاملة في التاريخ والمجتمع بقول عمومي خفيف لايفصح عن الأسباب والعوامل الموضوعية التي تجعل للطبقة العاملة الصناعية الدور الطليعي في التغييرات العامة في كل بلد، يقول: (( الدور القيادي للطبقة العاملة هو قضية نضالية تحسمها في نهاية الامر القناعات الشعبية ويحكمها مسار الصراع السياسي والاجتماعي وازدياد وزن الطبقة العاملة في التركيب الاجتماعي للسكان بأثر التنمية.)) بينما كان مهماً إيراد العوامل الموضوعية لتميز دور هذه الطبقة الأساسية في الحياة الحديثة وأهمها:

    1- المزيات العملية والسياسية لتشكل هذه الطبقة في تاريخ عملية الإنتاج وتحوله من الفردية والآلة البسيطة إلى الآلآت المُجَمعَة والإنتاج الجماعي الصناعي الذي يعيد تشكيل الخامات المعدنية والزراعية والحيوانية البسيطة الى بضائع وسلع مهمة في الحياة،

    2- أثر العناصر الذاتية والموضوعية لعمليتي الإستهلاك والإنتاج داخل الطبقة العاملة يدفع بتطور قوى ومستويات الإنتاج الصناعي وبالتالي يدفع تطور المستويات العامة الأخرى للإنتاج في التنقيب والزراعة والتدجين والأعمال الهندسية ويطور مستوى الخدمات العامة وحتى الخدمات المالية والتجارية، فتطور حاجات وجهود الطبقة العاملة الصناعية خلال عملية الإنتاج يزيد تطور الصناعة والإقتصاد وعموم أشكال تعاملات العيش والحياة بصورة أكثر فاعلية فيها من أثر حاجات وجهود الطبقات والفئات الأخرى.

    وبالإمكان تعديد نقاط الأهمية والطليعية الفعلية للطبقة العاملة الصناعية في البلاد المتخلفة والدول التابعة للمراكز الرأسمالية، ومنها:
    1- الطبيعة النوعية-العددية العامة لوجود العمال ونشاطهم الصناعي في مجتمع رعوي وزراعي متخلف وريادة تقدمهم له.
    2- النوعية المتقدمة للإنتاج وتخديمها الآلي للموارد الخام ومضاعفتها الهائلة للدورة الإقتصادية (نفط، ذهب، طاقة، منتجات نقل).
    3- تقدم وعيها بالإمكانية الثورية والسياسية لحل أزماتها دون إمكانات دينية طائفية أو قبيلية أو عائلية أو تعليمية أخرى.
    4- الثقافة والطبيعة التعاضدية العميقة لإدارة تنظيماتها وأمورها بتجرد من أغراض الربح وتميز الفرد على حساب المجموعة.
    5- تمتعها لزمن طويل بصفات وطنية وأممية التنظيم والممارسة النقابية والسياسية والنشاط الشيوعي في العالم وداخل كل بلد.

    إن مسألة طليعية الطبقة العاملة تتجاوز نسبية قبول جماهير الطبقات الأخرى لها فهي مسألة موضوعية مستقلة عن حالة وعي الناس لها.

    17- في الفرق بين وجود حزب جماهيري و وجود حزب للتغيير الإجتماعي والميقات الملائم لذلك الوجود:
    في عملية إطلاق الشعارات السياسية تبدو ضرورة الإنتباه إلى الشروط الموضوعية لنجاح الشعار في تحقيق الهدف من إطلاقه، بما في ذلك مراعاة ملائمة الشعار السياسي وإستجابته للظروف الدقيقة والظروف العامة للمرحلة التاريخية أو للفترة التاريخية والطبيعة الإجتماعية لها، ملائمة وإستجابة موضوعية، تختلف بعواملها المادية والتاريخية عن طبيعة الإستساغة والإستسهال والنزعة الشعبوية وإتجاهات اللم والخم ونزعة الكثرة، فلكل مرحلة شعاراتها التي يجب موضوعيةً أن تناسب الحالة المعينة للصراع الطبقي في كينونة مكانه وزمانه، مناسبة تتضمن المبادئي السياسية والنفسية الإجتماعية والإعلامية التي تضبط كيفية إسهام الشعار السياسي الطبقي العمالي والشعار الشيوعي في تحريك مفردات توازن القوى الطبقية لمصلحة التغيير الإجتماعي مما يتعلق بنقاط معينة لإضعاف الخصم الطبقي مادياً ومعنوياً ونقاط أخرى لتقوية عنصر أو عناصر التغيير تقوية معنوية ومادية. فدون هذه النقاط ذات الأبعاد الإتصالية والثقافية واللغوية المختلفة قد يختل حساب عملية إطلاق الشعار السياسي ويصير مجرد "أكلشيه" وعلامة أو ماركة تجارية تضيع مع أو وسط غيرها من العلامات أو الماركات وتستهلك في سوق تتحكم فيه مع قوى الإعلان والدعاية والإغراء قوى الفقر والجوع والخوف والإرهاب، بأبعادها المحلية والدولية وأصولها وأشكالها الطبقية والثقافية.

    ولكن بعيداً عن موضوعية هذا التقدير وجهة الإيجاب فيه يتجه مشروع التقرير بشكل سالب إلى جانب معين من الإعلام السياسي والشعارات تم إستهلاكه مما تعلق به عملياً من سياسات واحداث أدت لإطفاء حماس الحركات المنظمة للجماهير مع قيام ذلك النوع من الشعارات المستهلكة بتغبيش وعيهم وصرفه عن الطبيعة الطبقية والعنصرية لأزمات عيشهم وحياتهم وتغبيشه إمكانات إنتظامهم الطبقي والنوعي أفقياً ورأسياً لأجل تغيير الميزان الطبقي والسياسي المطفف والمبخس لوجودهم. مما يتضح في الشعار الذي إعتنى به المشروع:
    ((الشرط الموضوعي الذي لا محيد عنه لتحوله الى حزب جماهيري. وهو شرط ربط طروحاته بجذور عميقة بكل ما هو ثوري في مجرى تراث شعب السودان الحضاري)) و بطبيعة الأوضاع المعيشية في النظام الطبقي لم يحدث في التاريخ الحديث إن توفرت نسبة كبرى من عدد السكان في عملية التنظيم والجدل السياسي وصراعاته المتنوعة المخاطر، وفي جل التاريخ لم يحدث إن بدأ عمل (سياسي) بمجموعة تزيد على أصابع اليد الواحدة وقد كان عدد أعضاء الحزب البلشفي الذي أنجز بداية الثورة الإشتراكية العظمى قليلاً إلا ان فعالية لينين-إستالين وحزبهم الشيوعي في تنظيم العمال الروس في المناطق الصناعية حيث الإستغلال، وفي تنظيم الكادحين في مناطق قوميات المسلمين حيث التهميش ووشج الكتلتين معاً في كتلة ثورية واحدة جمعت قضاياهم وقواهم وحركاتهم أدى ضد النظام الإقطاعي الرأسمالي وشيج الإستعمار نفس المهمة التي تؤديها بضعة قطرات من الماء تسقط على لوحة توزيع الكهرباء داخل جهاز إليكتروني ولو كان جهازاً ضخماً. مما يدفع إلى وإتجاه الجدل بين منطق العمل السياسي ومنطق العمل الثوري بالسؤآلين الآتيين:

    1- هل الظروف الحاضرة والآجلة في أنحاء البلاد تحتاج إلى حزب جماهيري أم تحتاج إلى حزب للتغيير الثوري؟

    التركيبة الطبقية العنصرية (العرقية والدينية) للأزمة في بلادنا تجعل من العملية المسماة بناء حزب جماهيري عملية تتضمن إلتفافاً على الصراع الطبقي بمحاولة جمع الضحايا والجلادين في حزب أو تجمع أو مؤتمر جامع لتجنب مشاق ومآسي الثورات غض النظر عن التغييرات الجذرية التي تحدثها. وقد يكون ذلك من تراث مؤتمر الخريجين الذي نشأ في زمن إستضعاف الحركة الثورية المدنية والعسكرية التي بدأت ثورة 1924 حين تحولت طلائع ذلك المؤتمر من العمل بين قطاعات الجماهير المسحوقة إلى العمل الفئوي المنغلق على أدب أصحابه الموظفين وثقافتهم إلا قليلاً كريماً منه ثم سرعان ما تحولت طلائعه عن ذلك الإنعزال إلى ماهو أدهى متجهةً إلى إسترضاء بعض سادة الطوائف المرتبطين في ملكياتهم الزراعية والتجارية وتمولاتها بكينونة الإستعمار، بدعوى مساعدتهم في إرساء وتنظيم كيان سياسي جماهيري (جعفرمحمد علي بخيت: الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان 1919- 1936 )

    إن إختلاف مناطق وألسنة وألوان الناس الطبقية والعنصرية في بلادنا وتمايزها الحاضر الشديد إلى مجموعات مستغلة ومهمشة واخرى تقوم بهذا الإستغلال والتهميش وتستثمره أو تفيد بإستثماره أيما ما كانت أسبابه الأولى (إستعمار، أو تنمية مشوهة، أو جفاف) يجعل من الموضوعي أن تتعدد وتتنوع جهات العمل السياسي وأن تتعدد وتتنوع جهات النضال الثوري، يقوم كل منها بما يراه مناسباً لطبيعة أهدافه وطبيعة قدراته وطبيعة المجال الذي ينشط فيه والوسائل المناسبة لحركته مع أو ضد أي شخصية أو مجموعة أو حزب أو تكتل ما يراه ملائماً أو منافراً لكيانه.

    أما أن يقوم حزب جماهيري بأساس ومعنى مختلف عن مقتضيات الصراع الطبقى والتغيير الإجتماعي يقوم على تجميع النزعات الإجتماعية للأهل والحي والأقسام والمدن والمحافظات والأقاليم ومناطق الحكم الذاتي وعموم البلاد على أساس ما يسمى بالحد الأدنى الذي يفيد تاريخنا دوماً بتراجع اليمين إلى ما هو أقل من الحد الأدني مما نزل بسعينا ونضالنا من حالة الإستقلال والإشتراكية والسلم إلى حالة قنوع بدولة دينية- تحت الرقابة والوصاية الدولية، وقد كان ذلك النزول مواشجاً لشعار: أجعلوا من الحزب قوة إجتماعية كبرى بدلاً عن يكون تقدم الحزب مواشجاً لشعار اجعلوا الحزب قوة للتغييرات الكبرى في المجتمع.

    التراضيات والإحتشاديات السياسية قد تنجح في إخراج مظهر وحدوي فارغ من أي مضمون فعال في التغيير الإجتماعي وفي إستمراره سنة أو سنتين أو أكثر دون فاعلية ولكن هذه التراضيات والمُطايبات لاتحل أزمة طبقية شاملة تتعلق بوضع التملك المفرد لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وتحكمه بتوزيع جهود هذا الإنتاج وطبيعة إقتسام ثمراته حسب الحاجة والجهد بمعيار إيفاء الضرورات والكمالات الآنية فالمستقبلية. لذا فدون تغيير وضع التملك الخاص لوسائل الإنتاج في المجتمع فإن عملية إنضمام كل أعضاء حزب يميني أو جماهير مذهب ديني إلى أي حزب شيوعي أو تقدمي لا تؤدي إلى تغيير في طبيعة هذا التملك مالم يخض الحزب (الجديد) المعني بالصفة الجماهيرية غمار عملية تغيير ملكية وسائل الإنتاج الأساسية (البنوك والمشاريع الزراعية والصناعية الكبرى) وتحويل السيطرة الكامنة فيها على الإنتاج الإجتماعي من أقلية المجتمع المالكة إلى أغلبيته العاملة والمستضعفة. وخوض التغييرات الإجتماعية كما هو معروف لا يتم بتواكلات قريشية حزبية – طائفية - ليبرالية كبرى يتفرق بينها حق الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمهمشين في الحياة الحرة الكريمة بل يتم التغيير الثوري بحركة مجموعة منظمة متناسقة من العناصر والأفعال الثورية ضد الأسس المادية والسياسية لهذا النوع الرأسمالي من التملك الفردي. ودون الشروع في هذه العلمية الثورية بتأهيل الحزب بكل تنظيراته وبرامجه وشعاراته وأعماله وأعضاءه ومؤتمراته لها في كافة المستويات النقابية والسياسية والإعلامية والجماهيرية والتأمينية والعسكرية بصورة متزامنة متناسقة عددا ونوعاً فإن عملية تغيير الأوضاع الظالمة في المجتمع بواسطة بناء حزب جماهيري ستحقق نتائج شكلية تحققها كل يوم وساعة الأحزاب الجماهيرية الكبرى القائمة دون أن تمس أصل الأزمة وأشكالها إلا بفتات كلام.

    إن تكوين الحزب الجديد في نوعه اللاعنصري واللابرجوازي واللا طائفي-ديني واللا شخصي وبنائه ونشاطه كحزب طبقي عمالي ثوري يسعي لتغيير المظالم الطبقية العامة في المجتمع والطبيعة الإجتماعية قد يمثل تحقيقاً لما يسمى "جوهر" الماركسية وهو بالضبط الماركسية في كينونتها الطبقية الإجتماعية كجهاز ثوري نظري وعملي لحرية عمال العالم وشعوبه المضطهدة.

    2- ماهي ظروف بناء الحزب الجماهيري العريض المبادئي والمتنوع الأهداف والناجح في تحقيق هذه الأهداف ؟
    1- وجود مجتمع لاطبقي تقل فيه التمايزات الطبقية المولدة لحالات الإستغلال والتهميش والتمييز الطبقي والعنصري والديني...إلخ.
    2- تناسق المصالح والمبادئي الأساسية لأطرافه وإتساق جهودها وأهدافها لا يكون بعضها على حساب بعض، وفق الخطة الديمقراطية الشعبية العامة للتنظيم وضع وسائل الإنتاج وجهوده، وتفتيح موارد المجتمع وقدراته في سياق تقدمي يزيدها عدداً أو نوعاً.



    18- أهمية موازنة الميل إلى التراث بإمالة أكبر إلى العلم والثورة والمستقبل:

    في أثر لكثير من السياقات الفكرية غير الماركسية تراوح مشروع التقرير السياسي وتجهجه بين ما يسمى بـ "التراث" و"المعاصرة" ككتلتين ثقافيتين في التاريخ وإعتباره نصفين، بينما هو مجرى إجتماعي للزمان وسياق واحد للتطور والرقي الإجتماعي وجهة ذلك يوكد مشروع تقرير لجنة تسيير "المناقشة العامة" التي لم تكتمل على نزعة تراثية في تقدمية الحزب الشيوعي السوداني كأنما يحاول نفي كتلة معينة من التهم الثقافية والجنائية تتعلق بموقف الحزب النظري والعملي من موضوعية القول بمادية الطبيعة والتطور الإجتماعي و الطبيعة المادية للتعاملات الإجتماعية الأساسية وتناقض مصالح الطبقات فيها أمام الذين ينسبون التطفيف والتبخيس والظلم والشر إلى الله سبحانه وتعالى، إذ يقول نص مشروع التقرير ((والواقع ان الحزب الشيوعي السوداني درج على الدوام للتأصيل لطروحاته من بين ثنايا التراث السوداني بكل تنوعه وتعدده)) ثم يضيف ((سحب البساط من تحت اقدام القوى التقليدية في السودان في استغلالها الدين لفرملة واعاقة تطور تلك الثورة)) !!

    والواقع إن الحزب الشيوعي لا يؤصل إطروحاته من شيء معين تراثي أو مستقبلي، ولا يهتم بالطروح الإزواجي لقضية طبيعة التاريخ والفعل الإجتماعي فيه وتقسيم تناولها إلى "تراث" و"معاصرة" أو إلى "تأصيل" و"تجديد"، لكنه ينظم طروحه وأعماله ويسطرها وفق مسطرة علمية وعملية مادية تاريخية سماها المشروع بإسم "المدرسة الموضوعية في التاريخ" ميزاً وإنصافاً لها عن المدارس المثالية التي ترى التاريخ سجلاً لأسماء وتواريخ قادة ومفكرين ينتمون لهذه الجهة أو تلك الفكرة وهي مدارس تأريخ إجتماعي لا مجال فيه لدراسة حياة أغلبية الناس وهم سواد الحياة ونضارتها ولا لتطور النشاط الأساسي في هذه الدنيا وهو العمل والإنتاج لأجل العيش والحياة الذي يشترك فيه الناس مع إختلاف تنوعاتهم وطبيعة مناطقهم، يختلفون في أنواعه وجهوده وثمراته حسب تطور ورقي قواهم وعلاقاتهم العملية- الإنتاجية وإنسجامها مع المتطلبات الضرورة لحياتهم ولتجديد قدرتهم على الإنتاج،ولكن أكثرهم يكسبون بتنافرها بؤساً ومعيشة ضنكاً تجعلهم يلقون في ذات التهلكة الطبقية التي يكونها التنافر الطبقي أيدي حياتهم المزارع والمصانع والمصارف وخدمات التعليم والصحة والإتصالات والمواصِلات التي بقسطاسها يعيشون وبتظالمها وتطفيفها وتبخيسها يهلكون.

    إن البحث عن أسانيد ودعامات تاريخية لموقف ثوري معين في العصر الحديث والعثور على هذه الأسانيد لا يعني تأصيلاً أو تراثية أو أي شي من هذا القبيل بل هو الضرورة النظرية والعملية لتقدير طبيعة حدث أو موقف معين في سياق تاريخ حركة المجتمع وتبين مجموعة العوامل الطبقية والثقافية والسياسية لقوته ونجاحه ومجموعة العوامل المشابهة التي أدت إلى ضعفه وموته أو إنحساره، فمن الخطأ تعميم نتائج التجارب الناجحة أو التجارب الفاشلة إلا في حالة توافق نفس الظروف المادية والحيوية التي أحاطت بها أو على الأقل توافق الظروف العامة المادية والحيوية التي واشجت إجراءها.

    ما يسميه مشروع التقرير بـ" سحب البساط من تحت اقدام القوى التقليدية في السودان في استغلالها الدين " هو إجراء فوقي وخطأ موضوعي جسيم فالأنجع هو سحب نظام التملك المفرد لوسائل الإنتاج الذي ينتج التمايز الطبقي والعنصري ويكرس الفقر والبؤس والتشييْ والإستلاب، ويغذي الروح التواكلية والإستغلالية في الممارسة الدينية، مؤسساً بها في كل دين طواغيتاً وعجولاً ذهبية وأهل صُفة وأهل حظوة، وعرب وموالي، وأشراف وأغراب، وسفيانيين وهاشميين. وأهل المدينة وأهل الأمصار والأقاليم.

    إن المواشجة بين دعوة الحزب الجماهيري ودعوة إستلهام التراث وسحب البساط (لإستعماله) تصب في باب "الشعبوية" والاعتقاد في القلة النظرية والكثرة العددية بنية طيبة سمحة بتجاوزها تناقضات الوضع الحاضر فإنها تفتح طرقاً واسعة رحبة إلى جهنم.

    19- الإرهاب يتغذى بالعنف والإرهاب ويضمحل بالهندسة الإجتماعية لعملية الثورة الطبقية:

    في معاملة من نوع مختلف عن سابقة لما يسمى بـ"التراث" يضيف مشروع التقرير إن تقنين الحقوق الدستورية للجماهير والمنبر الواسع لموجهة خطر الجماعات الإرهابية، يمثل شرطاً أساسياً في حصر الإرهاب وعزله في ركن قصي وهامشي تمهيداً لهزيمته ودحره ((وظل الحزب يدعو لتقنين الحقوق الدستورية للجماهير، ولمنبر واسع لمواجهة خطر هذه الجماعات، بوصف هذا شرطاً اساسياً في محاصرة الارهاب وعزله في ركن قصي وهامشي تمهيداً لهزيمته ودحره. كما دعم الحزب الدعوة لتوحيد قوى الاستنارة في النضال ضد جماعات الهوس الديني ونشاطها)) وهو طرح مفيد لولا إحتواءه على نقاط تفسد تناسقه المنطقي والموضوعي مثل تصور ان التثبيت الدستوري لحقوق الإنسان سيحد من الإرهاب!! وإن منبر ليبرالي واسع مثل الكونجرس الأمريكي أو المؤتمر الوطني السوداني أو لوجيركا أفغانستان، برلمان باكستان أو الجمعية الوطنية الفرنسية أو مجالس دول شرق أو غرب أفريقيا أو لبنان أو أي ديكتاتورية عسكرية أو مدنية أو حكم ديمقراطي شعبي بإمكان أن يحل هذه الأزمة التاريخية المتفاقمة بالفرق بين إمكانات وقدرة الإنسان على تفسير طبيعة الحياة عامة وإستبصار دوره فيها، وبين الطبيعة العامة التجزئيية للنشاط المعيشي ولعمل وسائل التعليم والإعلام والثقافة التي تفاقم فصم وعزل الظواهر الأساسية في الحياة الحضرية الحديثة عن سياقها الطبيعي والطبقي الإجتماعي بحيث لا يجد الإنسان تفسيرا لها إلا في الثقافة الدينية التي تنتمي إلى بأصولها إلى زمن قديم كان الدين فيه ولم يزل عامل تهذيب وصدق وحق قل ما يجده الإنسان في دنياه مع كثرة من المثبطات والمحبطات التي تجعله بقانون رد الفعل يؤمن ويتعصب إلى (الحق) ويروم هذا الصدق في عالم مملوء بالأكاذيب بإتجاه المؤمن المعين إلى البراءة من الشرك والمشركين في مظهره أو تعاملاته أو في الإثنين معاً مائلاً من هذه الدنيا الفانية الى إغاظة "الكفار" ونصر "المؤمنين" وإلى الإستشهاد ليس فقط ذوداً عن حياضه المعنوية، وإنما إبتغاء لله ولأن تكون كلمته هي العليا. وعلى ذات المنوال تبلورت في التاريخ صنوف من إرهاب الفردي والجماعي وإرهاب الدولة فكان هناك الإرهاب الصليبي، والصهيوني، والإسلامي، سار تبلورها على ذات النهج السابق وإن إختلف الناس في تقديرها فقد ظلت ككل تحمل نفس سمات القلق النفسي الطبقي والأخلاقي من سلامة الأوضاع وزيادة الميل إلى (الخروج) منها.

    إن كثير من الدراسات والعلوم النفسية لتغيير السلوك كعلم النفس التربوي وعلم النفس الإجتماعي وعلم النفس السياسي وعلم النفس المتعلق بالإعلام والتسويق ..إلخ بإمكان ان تمثل معيناً طيباً ومدداً متقدماً ومساعدة رفاقية في عملية مواجهة بعض أسس ومظاهر الإرهاب لكن التعويل الأساسي يظل على النتيجة العامة لملاحظة إزدهار الإرهاب في النظم الرأسمالية التي تثتير بتناقضاتها إجتهاد الإنسان في تخليص نفسه وتطهيرها بالعزلة والتنسك والإستقامة ثم بالتشدد في (الحق) ومحاربة الرزيلة والفسوق وما إلى ذلك، مما تعزز بفعل سياسات "المجتمع الدولي" والسلطات التابعة لها في مختلف المجالات التعليمية والإقتصادية والثقافية الإعلامية مما أضعف المؤسسات العامة والأحزاب الشيوعية وخفض قدرتها على شرح الطبيعة التاريخية والطبقية لتبلورات وتناقضات الحياة والحياة الإجتماعية وإيضاح المألآت المأساوية التي إنتهت لها في التاريخ إتجاهات الإصلاح العنصري أو الديني أو القومي أو العلماني أو الديمقراطي أو الإشتراكي التي نشأت في المجتمعات المختلفة لتغيير مظالم حياتها دون هم بتغيير الأسس الإقتصادية والطبقية لعيشها وحياتها أو التي إهتمت بذلك دون تمتين مستدام لعناصر العملية الديمقراطية الشعبية التي تشكل وتغذي بنيتها المادية والإجتماعية والثقافية-الإعلامية والسياسية.

    محاولة القضاء على الإرهاب مثل محاولة القضاء على أي ظاهرة إجتماعية أمر مستحيل لم يتحقق مرة واحدة في تاريخ اي بلد، والحد القسري منها أضراره أكثر من نفعه لكن التعامل الطبقي، والتعليمي، والطب النفسي الجماهيري، والإرشاد الديني بإمكانه اليحد منها أكثر من الدعوة لقيام حزب جماهيري أو تراثي أو منبر لا يجتمع أعضاءه على تحقيق أي عدالة طبقية إجتماعية بل يجمعهم مجرد العداء لهذا النوع المتحرز دوماً من المسلمين أو المؤمنين الأمر الذي يزيدهم إعتقاداً بأنهم في سياق آية ((إن الناس قد جمعوا لكم...إلخ الآية.

    إن إستوعاب الأبعاد الطبقية والمحلية والدولية لأزمة الإرهاب تجعل التعويل على بناء حزب جماهيري في مواجهة مخاطر مسلحة حيوية مسألة بعيدة عن إمكانات النجاح، خاصة في تفارق شكلي في التعامل الدولي مع معطيات وأشكال الإرهاب ينصب على حربه في نواحي وبلاد معينة وعلى دعمه ومساندته في نواحي وبلاد معينة يستفيد منها الإرهاب بتحويلات داخلية للمنافع بين وحداته:

    فهناك التعاملات الأمريكية الصهيونية مع القوى الإسلامية الإرهابية في جمهوريات يوغسلافيا السابقة وفي جمهوريات المسلمين من الإتحاد السوفييتي السابق وفي الصين، ودول شرق أفريقيا (الخطرة على حرية السوق) وهو التعامل الذي توطد في السودان ضد حركة تواشج التجمع النقابي والحركة الشعبية لتحرير السودان وضد الدول المجاورة له لإخضاعها وتخديمها ضمن مخططات التوسع الإمبريالي، وللضغط على الدول العربية وحركة فتح في خضم عملية السلام مع إسرائيل. وقد تبلورت هذه التعاملات بتواشج مع عدد من اللقاءات المشتركة لدعم (المسلمين) أو قوى (الحرية) في مصر (1952-1981) واليمن (1965-1967) والسودان (1958-1964) وفي (1965-1969) (1970) و(1976) و (1977-1985) و(1989-2005) مع بعض إستثناءات، وأفغانستان (1980-1988) ثم في جمهوريات يوغسلافيا (1989-2000) ثم الشيشان(1991-...) وفي آتشه إندونيسيا (1989-2002) أو (لحرية العقيدة) في الصين (1990-....) أو (للديمقراطية) في شرق أفريقيا (1991-....) وفي العراق (1990-2003) وكان تشكل هذه التناغمات والتلاقيات واللقاءات متصلاً بعدد كثير من مؤتمرات "الحوار بين الأديان"، و"السلام بين الأديان"، و"الحوار المسيحي الإسلامي"، والحوار الأوربي- العربي، و- الأفريقي، وحتى "التقارب الشيعي-السني" والتقريب بين المذاهب (ضد النظم العلمانية والقومية العربية) وصولاً إلى مؤتمر "الأحبار والأئمة" أو "الأئمة والأحبار" الذي يلعب الآن دوراً كبيراً في التفاهم اليهودي الإسلامي، مما يتجلى جميعه حالياً في أروقة مؤتمرات الإقتصاد الإسلامي والطبيعة الإمبريالية لضمانات المصارف الإسلامية ونشاطاتها المطلقة السراح في سوق التمويل والصرف العالمي تغذيه ويغذيها .

    ومن جهة أخرى هناك تعاملات دولية أمريكية أخرى تعادي القوى الإسلامية الإرهابية وإقلاقها للحكم في مناطق نفوذها وسيطرتها ولكنها تغمض عنها النظر في بعض الأحيان لتخدمها في تقوية هذا النفوذ وتدعيم هذه السيطرة وإحكامها كما في دول الخليج النفطية وكما في مصر (1981-.....) وفي السودان (1989-....2005) وفلسطين-إسرائيل (1988-.... ) وفي جمهوريات المسلمين (....ستان) ضد الميل للإتحاد (السوفييتي) أو التركي أو الفارسي أو الآذرين وكذا في الفيلبين (1972- ..) وإندونيسيا(1989-..) وكذلك في تايلاند ( 2003-....) وفي كوريا الجنوبية، وفي غرب أفريقيا وجنوبها، وفي أوربا مابعد الحرب اليوغسلافية، وفي بعض جزر الكاريبي والمحيط الهندي، وبشي من التراوح في الهند.

    في هذه المراوحة السياسية والديبلوماسية والعسكرية التي تفرضها المصالح الإقتصادية والجيوسياسية بين كل من الموقفين النقيضين الموقف (مع) والموقف (ضد) الحركة العسكرية للإسلام السياسي، يبدو أمر إتخاذ قرار مسبق جهة هذه الحركة أو الحركات محلاً للإستهلاك المحلي والدولي لـ(قوة) حزبنا ضد ذلك التيار أو بعض أشكاله الذي يرتبط في أصله الإستخباري الإمبريالي القديم في عشرينيات القرن العشرين بوجود قوة إسلامية في مناطق الشرق الأوسط ودوائره العالمية تصد بفاعلياتها تحشد قوى الخلافة الإسلامية القديمة وتشتتها، وتصد المد التقدمي الإشتراكي الناشئ بتأثير النمو الإقتصادي والصناعي الحديث. (بعض لقاءات وأوراق مجلسي العلاقات الخارجية البريطاني والهولندي + كتاب د.جعفر محمد علي بخيت "أنشطة شيوعية في الشرق الأوسط بتركيز خاص على مصر والسودان (1919-1936)"+ طبيعة العلاقة بين الخلافة الإسلامية المحتضرة والمحاصرة والثورة الإشتراكية الوليدة في روسيا والتي كانت محاصرة بدورها + كتاب فؤاد علام عن تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر وعلاقاتها البريطانية ثم الأمريكية ببعثات الحج والدعم البريطاني عبر آل سعود لحركة الإخوان الوهابية التي أسهمت عبر مواسم الحج في بلورة حركة الإخوان المصرية) ولكن ليس مناسبأ لحزبنا أن يعـول على هذا فلكثير من رفاقه إتصالات أممية ودولية تخترق حتى الإختراق المركب.

    أفإن يعول الحزب في تقويماته وحركته السياسية على إنطباعات التعاملات الأجنبية والجميع في السودان والعالم يدرون بعض الأبعاد البريطانية لحزب الأمة وبعض الابعاد المصرية للأحزاب الإتحادية في السودان، وبعض الأبعاد الخليجية (الإمريكية) للحركة الإسلامية، مما لا يسلم منه الناس في إطار الدائرة الضيقة للعملية السياسة في السودان القديم وتداخلها بمحاور الإقطاع "القرابة" و"الطائفة"، وتمحورها حول شخصية الحكم وصلته ببيوت هذه المحاور لا حول نوعية الحكم وطبيعته وصلاحيته التاريخية لقيادة التقدم الإجتماعي من مرحلة متناقضة إلى مرحلة إخرى أقل تناقضاً في العلاقة المركبة بين كل من الطبيعة الإنفرادية لتملك وسائل العيش والحياة، والطبيعة الجماعية للعمل والإنتاج، والطبيعة الإنفرادية في توزع ثمرات هذا العمل!! ففي هذه العلاقة المتناقضة الأساسية في تشكيل وعي الإنسان بطبيعة وجوده تنفصل جملة مفاهيم "الخير" و"القيم" عن التصورات المألوفة للعدالة البشرية والعدالة السماوية وتبدو الأرض بما رحبت عدوة لما يسمى بـ"قيم السماء" - رغم إن القيم موجودة للميز بين "الخير" و"الشر" مما لا يوجد في أي سماء!- وفي هذه العداوة يختار كثير من الناس حسب ثقافتهم الإنحياز إلى "القيم السماوية" بدعاوى تتراوح بين النجاة من الفتنة والنار، وبين الإصلاح .

    في هذا الخضم الذي يزيد بعض محاسن التدين ولكنه يكثر عليها بالأضرار والمفاسد تبدو المهمة الموضوعية للقوى الثورية هي كشف التناقض الطبقي الأساسي المدمر لتناسق الأعمال والقيم الذاتية، والأعمال والقيم الإجتماعية والدينية، ذلك التناقض الذي يتحول فيه بعض المناضلين وبعض الدعاة المصلحين وبعض الناس إلى إنتهازيين وعملاء، ويتحول فيه بعضهم إلى خلوات التصوف والهيام بالعشق الإلهي وطاعة المريد للشيخ وصمته على الحكمة القدسية المتجلية بأعماله، ويتحول بعض آخر منهم إلى دروب التدين السياسي، بينما يتحول أكثر الناس من هذا وذاك إلى دروب الكسب التجاري وإبتغاء الربح حلالاً طيباً أو غير طيب غير آبهين بتزايد وتائر الإستغلال والتهميش التي يلقون فيها أيدي إقتصادهم وحكمهم ونظامهم وتدينهم في تواكل وإغتراب وإستلاب ذاتي يتحول به الفرد في خضم معارك الحياة إلى حيوان مستهلك وكائن ذاتي مغلق أصم أبكم أعمى إجتماعياً إلإ عن مصلحته إذ لا يسمع ولايرى ولا يتكلم إلا مصلحته الضيقة في رفع الأسعار أو حتى في إتقاء شر الحكومة وغير ذلك من مصالح يفرعنها إلى ان تنقلب ضده.

    ان الوعي بالمصالح الطبقية للكادحين ومحاور التغير الإجتماعي في التاريخ هوالأساس في الوعي السليم بالمصالح الوطنية والعالمية وبالأفق الإنساني والإسلامي لحرية الطبقات والمجتمعات المستضعفة من الجوع والخوف، وبالضرورة حريتها من الأدوات العامة لتوليد هذا الجوع والخوف وهي الأدوات الماثلة في عملية تطفيف وتبخيس موازين العمل والإنتاج بإحتكار ملكية وسائله بين أناس جوعى جوعاً مزمناً مركباً للطعام والسكن والمعرفة والعلاج يكلفهم وضعهم البائس في الحياة بالعمل والإنتاج لمصلحة هذا المالك او ذاك وفق تعاقد بين إنسان مكره بالجوع على العمل المأجور ومكتنز قادر على تبديله بغيره، وبعد هذه القسمة الضيزى للملك والإنتاج بين الملوك وأهل القرى يستأئثر المُلاك بلم ثمرات هذا الإنتاج من الكادحين الفقراء والمساكين يكنزه الواحد منهم أو يسفهه وفق ما يهوى، ويترك بهذا الإنفراد والإستئثار للمستضعفين الضنك والفقر يقتاتون من فضله، بينما يزيد مستغلهم بما فاض من صرفه حسابات البنوك (الكافرة) أرقاماً عدداً يعلم إنها تستخدم كثيرا منها في إستضعاف كثير من المسلمين لأسباب طبقية وتاريخية.

    دون توصيل هذا الوعي بأسس إعلامية جماهيرية ونقابية وحزبية منظومة متناسقة ومتزامنة إلى القطاعات الطبقية الأهم في التحول الإجتماعي (أي العمال ودوائرهم لا بين بعض فئات البرجوازية الصغيرة) تبدو عملية حصر الإرهاب في ركن قصي هامشي مجرد تصور يختلف مع الوقائع الوطنية والدولية للصراع الطبقي والعالمي بين قوى الإستعمار والإمبريالية وقوى العمال والشعوب المستضعفة ، كما إنه يفتقد التناسق جهة معطياته القومية والدولية. صحيح إن الإرهاب مهدد للجميع كمنتج إقطاعي لفوارس العصور الوسطى ينشط في العصر الرأسمالي الحديث ضد كل المتعاملين مع الطاغوت (وهونفسه منهم)، إلا ان سحب بساط الظلم الطبقي الذي يقف عليه الإرهاب منتصباً كداعية رباني للعدل الإلهي أو يحمله كـ"قميص عثمان" يحد كثيراً من مشاداته وغلواءه. كذلك تجريده الفلسفي والفكري من المصاحف التي يحملها على أسنه رماحه، بمعرفة نحوها وصرفها والتوافق والتناسخ بين سلاسة معاني آياتها وترتيب نزولها وحكمة وضعها وترتيبها وجمعها على النحو العثماني أو تطور فقهها السني والشيعي على ضوء الاوضاع الطبقية والقومية أموية وعباسية ..إلخ
    غير إن أكثر ما يفيد في هذين العملين هو ربط علوم الحكمة والفلسفة والتاريخ بدراسة الدين والتخصص فيه ليعرف المتعلم الفروق بين المراحل التاريخية والمراحل العامة لتطور المجتمعات والحكم العامة والأديان والقوانين والعلوم وعلاقة التفاسير بالظروف المجتمعية حتى يتقين المرء من معنى آية ((إنما يخشى الله من عباده العلماء))، فدون حكمة نجد المعاني الدينية تفيض عن السعة الضيقة للمعيشة والأذهان وتتحول إلى جهود ودماء مهدرة بإسم إقامة الفضيلة والشريعة والحقيقة وإبداء النصحية بينما تتحول رؤوس أموالها إلى مؤسسات مالية وتجارية سرطانية تغذي الفقر وموبقاته ويتعثر به الناس في طرق وعرة للعيش والحياة يتصادمون في ظلمات لياليه الطويلة في بيوت خالية من الأقارب والضيوف بينما قادتها قادة (الإنقاذ) يعمهون في دواب فاخرة وقصور جنانية يتطاولون بنيانها وأنوار متلألئة ومنازل أوربية لها خدم وحشم وسكرتارية وأولادهم يدرسون في أرقى الجامعات وأولادنا يدرسون في شبه خلاوي بائسة تمتد من أرياف السودان إلى ماليزيا يضحى بها بعض حفاظ المعاني الدينية والمهوسين بحمايتها كالحمار يحمل أسفاراً، لا يدرون الفرق بين حكمة العقوبة وحكمة العلاج الطبي النفسي للمجرم، ولا الشبه والتوافق والإندغام بين ربا المال وربا العمل، ولا يدرون إننا نحن المسلمين الآوائل نقاتل الطاغوت العالمي للبنوك والموسسات المالية والتجارية الربوية وفرقتهم العميلة له، لا نشرك بذلك شيئاً، وإنهم إذا قيل لهم على سبيل الإقتباس من آي القرءآن: لا تفسدوا في الأرض بدعمكم تطفيف موازين الإنتاج والعمل فيها ورعوكم تبخيس حقوق العاملين في عملهم قالوا إنما نحن المصلحون! بلى إنهم هم المفسدون ولكن أكثرهم لا يشعرون. وقد لاتجدي هذه المحاجة في مشروع تقرير سياسي ولكنها ضمن السياق الإنتقادي لعمل مشروع لجنة تسيير المناقشة العامة قد تسد جانباً من النقص الذي لم يُحسن سده، على الأقل حين تميل سطور المشروع من ميلها السابق إلى الحزب الجماهيري المستذخر بالتراث إلى مواجهة تنظيم جماهيري كالحركة الإسلامية تصفه بأنه ((تشكل ترياقاً مضاداً للتحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي)) بينما من المعروف إن الترياق يكون للسم لا للخير ، وإن خان التعبير المعنى الجميل في هذه الجملة، فإن سياق هذه الخيانة، يكشف عن شدة في كيفية التعامل الحركة الإسلامية بأسماءها وتنظيماتها المتنوعة مما يختلف عن تجاوز مشروع التقرير لمسآئل أهم مثل "مسألة التأميم" التي تحد كثيراً من النشاط الإقتصادي للقوى الداعمة للإرهاب أو المتعاطفة معه بأقوالها أو باعمالها أو بأموالها أو بمراعاتها مصالح منسوبيه، مما يجعل من المنطقي أن ينشأ سؤآل بسيط عن طبيعة تمسك مشروع التقرير بشكل موارب بنظام التملك المفرد الخاص لوسائل إنتاج المجتمع ضرورات عيشه وحياته بكل ما ينتجه ذلك الإنفراد بالتملك من أزمات وحركات دينية سياسية، ثم إختلاف المشروع عن سماحه بهذا السبب متجهاً إلى محاربة نتيجته (الحركة الإسلامية | الإرهاب) ووضعها في ركن قصي تمهيداً لدحرها بما يختلف تماماً عن صيغة المؤتمر الجامع وطبيعته التنظيمية القائمة على التراضي والتوافق؟؟

    الأنجع هو وقف أسباب نمو الحركة الإسلامية وكل الحركات المشابهة بالحد من حياة جذورها الطبقية والثقافية القائمة في نظام التملك المفرد الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته فهذا النظام يفصم بين القيم الدينية والدنيوية بل ويفصم بتناقضاته كل مجموعة قيم أو أعمال ويفتتها مستهلكاً لها حتى القيم العلمانية التقدمية كالعقلانية والحرية والتعاضد والإخاء والمساوآة والإشتراكية إستهلكها وألقاها كخرقة يرفعها بين الحين والآخر وهو يصيح الحضارة، المدنية، العقلانية، المصالح المشتركة، المجتمع المدني، حقوق الإنسان، العنف ضد النساء، بينما جنوده ومجنداته يغتصبون الرجال والنساء والأطفال في المعتقلات. مما لم يسلم منه حتى الإرهابيين الذين دربوهم في أفغانستان والعملاء الذين نظموهم في العراق. ولا يدفعنا الغضب إلى التعامل برد الفعل على أزماتنا الوطنية والقومية والدولية، ولكن لا يجب أن ننكفي على وقائع التراث أو آفاق المعاصرة، دون إتعاظ بوقائع الحاضر اليومية والطبيعة الطبقية لمعاركه، تلك الطبيعة التي تؤكد بالمجاعات والمعتقلات والمحارق التي تنتجها كل يوم أهمية التغيير الإجتماعي والتحول الديمقراطي الشعبي بهندسة إجتماعية تخرجنا من نظام الإنفراد والإختصاص بوسائل وخيرات الإنتاج دون جهوده إلى نظام يناسب القيم الكريمة في تراثنا وحاضرنا تتحقق به الأسس المادية والثقافية لإشتراك الناس في الناس في تملك وسائل وأسباب عيشهم وحياتهم وفي تنظيم جهود إنتاجهم على هذه الوسائل وحيازتهم ثمرات كدحهم عليها، وهو النظام الذي يتيح إمكانية موضوعية عادلة بإنفاذه حقوق العمل والسكن والتعليم والعلاج والتعبير والتنظيم...إلخ لأن يتنافس فيه عملاً وعلماً وتقل فيه الأسباب المادية والثقافية لكثير من الإختلالات والعلل الإجتماعية بما يسلم به الناس فعلاً من الجوع والخوف بعملهم وتنظيمهم لنفسهم لا بجهد جباة الأموال وجيوش الخليفة وعسسه وإقطاعاته ومواليه.

    20- العواقب الوخيمة لفصل مشروع التقرير بين الطبقي والإجتماعي وبين الإجتماعي والوطني في إطار مباعدته وفصمه ضرورة الترابط بين تطور القوى المنتجة والتغيير الهندسي الإجتماعي لعلاقات الإنتاج:
    يقول نص التقرير(تقويم الحزب لثورة اكتوبر 1964 طرح الحزب انها أهم ثورة قام بها الشعب السوداني بعد الثورة المهدية. ومستلهماً تجارب التحالفات الجبهوية العريضة في التاريخ السوداني، القائمة على واقع التعدد والتنوع في السودان، والتي افضت الى قيام مملكة سنار مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، والى انتصار الثورة المهدية في 1885، ثابر الحزب عبر تاريخه في رفع الشعارات والدعوات لقيام التحالفات الجبهوية الواسعة على سبيل تمكين الشعب من تحقيق الانتصارات لاهدافه وقضاياه . وكان من ابرز تلك التحالفات التي ساهم الحزب في تأسيسها أو الدعوة لها:- الجبهة المتحدة لتحرير السودان على ايام المستعمر الاجنبي، الجبهة المعادية للاستعمار، الجبهة الوطنية الديمقراطية، جبهة الهيئات في اكتوبر 1964، جبهة عريضة للديمقراطية وانقاذ الوطن على ايام نميري، التجمع الحزبي والنقابي تحضيراً للانتفاضة، التحالفات القاعدية بين الطلاب والعمال والمهنيين..الخ، وحدة قوى الانتفاضة بعد انتفاضة مارس ابريل 1985، التجمع الوطني الديمقراطي لمقاومة نظام 30 يونيو1989، واليوم ايضاً يطرح الحزب الشعار، ويوجه الدعوة النضالية، لوحدة قوى المعارضة عبر التنسيق والعمل المشترك بين فصائلها لانزال نيفاشا الى ارض الواقع وعقد المؤتمر الجامع لتحويلها من الثنائية الى رحاب القومية. )) ولكن في هذا العرض الصاعد تبدو بعض النقاط المفسدة تناسق التقرير والحزب وهي:

    1- أهمية حركة وثورة 1924 ماثلة في قيامها المتقدم عصره بربط واعي للعوامل الطبقية والوطنية والقومية والدينية والأممية:

    في هذا الفقرة من مشروع التقرير يغيب موقع ثورة 1924 التي بطبيعة تنظيمها الحديث المخدم لتكنولوجيا البرق والدفاتر المالية والطباعة المتعددة المراكز والاجتماعات المنتظمة والسرية والتحالفات والترابطات بين المدن الرئيسة والريفية هي التي بكل ذلك التنظيم وبوعي متقدم نقلت الوعي في السودان من رحى المجتمع القديم شبه البدوى إلى مشارق التنظيم الثوري المدني والعسكري لجهود المواطنين وإتصال ذلك بنشاط كوادرها الثورية والوطنية وعلاقاتها ببرنامج الحزب (الشيوعي) المصري القديم و(التنسيق) بين قوى الخلافة العثمانية وقوى الثورة الإشتراكية في روسيا لمعاناتهما من ضغط إنجلترا (راجع: محاكمة صالح (ود الحاجة) المطبعجي 1924) + (د.جعفر محمد علي بخيت:"الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان"و"نشاطات شيوعية في الشرق الأوسط بتركيز خاص على مصر والسودان 1919-1936" + د. رفعت السعيد: "ثلاثة لبنانيين في القاهرة"أحدهم صارمديراً لمطبعة السودان نافذا منها لحركة اللواءالأبيض)،. وإضافة إلى ذلك فقد كانت ثورة 1924 أول ثورة في السودان ربطت بوعي تقدمي مذهل حتى اليوم بين كل من العامل الطبقي والإجتماعي والوطني والقومي والديني في إطار قومي سوداني مصر ديني موحد تحت راية الخلافة الإسلامية العثمانية ضد الإستعمار الأجنبي، فهي بهذا الربط أهم من ثورة أكتوبر1964 التي تغلب فيها عامل المصلحة السياسية والفئوية (جبهة الهيئات) وليبراليتها المحلية على العامل الثوري الطبقي العمالي الكامن في مسآئل تغيير ملكية وسائل الإنتاج (أراضي الزراعة والبنوك والاعمال المالية والتجارية) وعلى العامل القومي ضد مؤسسات الإستعمار الحديث وشركاته، بينما كانت قوى ثورة 1924 سباقة إلى مطالبتها بإصلاحات زراعية وتجارية كانت ستغير العالم لولا القمع العسكري الإستعماري العنيف الذي واجهته تلك الثورة بشجاعة قبل هزيمة قواتها وتفرق جموع تنظيمها، بصورة تختلف عن إنسحابية ثورة أكتوبر وتبددها في رحاب الليبرالية والطائفية، إضافة إلى كون ثورة 1924 وتوابعها في حركة الجمعيات والتنظيمات (الثقافية) مثلت دور المدرسة الثورية التي أنتجت بعض أساتذة قادة أكتوبر.

    إن إتخاذ ثورة اكتوبر1964 نموذجاً يتطلب إيضاح نقاط قوتها في المجال السياسي وفي المجال الإقتصادي وفي المجال الإجتماعي وفي المجال الثقافي وكذلك نقاط ضعفها في كل مجال من هذه المجالات بصورة تتيح لقارئي التقرير معرفة ومقارنة نقاط القوة ونقاط الضعف في تلك الثورة مع بعض التواقيت والعوامل الجانبية ليتسنى إمكان موضوعي للحكم بصورة موضوعية كذلك على ما سماه مشروع التقرير رأي الحزب سنة ...في إن ثورة أكتوبر هي أهم ثورة في السودان بعد الثورة المهدية وحيثياته الموضوعية الآن!

    إن التقويم الموضوعي للثورات الناجحة منها والفاشلة يبدو غريباً في مشروع التقرير فمن جهة نظره إن ثورة أكتوبر الإشتراكية 1917 التي إستمرت قرابة قرن بكل ما حققته من إنجازات سياسية-إقتصادية إجتماعية مادية وعلمية وثقافية هي ثورة فاشلة بمعايير (ليبرالية) يسميها ماركسية بينما ثورة أكتوبر 1964 الليبرالية التي لم تعش إلا حوالى ثلاثة أشهر ولم تحقق شيئاً يذكر لا في المستوى المادي أو العلمي أو الثقافي إلا إمكانية الخلاص من الديكتاتورية عسكرية وهو شرف كبير لها، فإن مشروع التقرير يستند في تقرير نجاحها واهميتها إلى مرجعية رهيبة هي "رأي الحزب"..وهو نفس الحزب ونفس الرأي المركزي الذي ينظر إلى ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى كـ((أعظم حدث في تاريخ الإنسانية)) بينما المطلوب من التقرير السياسي مناقشة كثير من أرآء الحزب الماضية والحاضرة والتحقق من موضوعيتها بمعيار ظروف الصراع الطبقي في تلك المرحلة وفي الزمن الحاضر مع تقدير منصف للإيجابيات ومجاملات تفرضها ضرورات الوفاء والعرفان والأدب والذوق لنضالات السابقين الذين أفنوا حيواتهم فيها لأجلنا ولأجل مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة، فدون هذه النظرة المتوازنة طبقياً تقل الموضوعية ويضمحل الأدب السياسي من عناصر القوة والضعف ليصير دعاية أو دعاية مضادة، تتناول الأشياء كتلة واحدة بمعنى واحد، بينما المقام مقام مؤتمر وتقوميات وأدوات نظرية ومناهج وقياس تطبقيات..إلخ

    2- ضرورة نقد السلبيات التي نشأت في ظل هيمنة التحالفات السياسية القديمة في تاريخ السودان:

    في تناول لمسألة التحالفات يقول نص مشروع التقرير: ((مستلهماً تجارب التحالفات الجبهوية العريضة في التاريخ السوداني، القائمة على واقع التعدد والتنوع في السودان، والتي افضت الى قيام مملكة سنار مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، والى انتصار الثورة المهدية في 1885،)) بجلاء كامل يظهر مشروع التقرير -في هذه الفقرة- تجاهله لنقد هذه التجارب التاريخية وسكوته عن إيضاح بعض الأبعاد العنصرية التي إتصلت بسياساتها الطبقية في تمليك الأراضي وتولي الوظائف، وجمع الضرائب وصرف العطايا، لا بإسقاط أحكام ومقاييس الحياة الرأسمالية الحديثة على ذلك التحول القديم لقوى الهامش والمستوطنين العرب من هيمنة نظام شبه العبودية الفرعونية إلى نظام الإقطاع العنصري الذي مثلته مملكة سنار العربية الإسلامية وكثير من الممالك العربية الإسلامية المشابهة لها في شسوع ذلك السودان القديم مثل المملكة العباسية في تقلي، ومملكة المسبعات في كردفان، وسلطنة دارفور، ومملكة الكنوز في الشمالية ..إلخ ، ولكن بنقد الآثار الإجتماعية التاريخية التي تولدت منها في حياة السودان بما في ذلك خلاف الأشراف والسودانيين في الدولة المهدية المخفي بإسم (أولاد البحر وأولاد الغرب) فالإحتفاء بالإيجابيات في هذه الفقرة وفي غيرها مهم جداً في التقويم الموضوعي لظواهر التاريخ خاصة إذا ما إتصل إيراد تلك الإيجابيات بذكر وإيضاح طبيعة بعض النقاط السلبية الرئيسة. ومناقشة بعض النقاط المتصلة بما طرحه المشروع مثل طبيعة التدين والجغرافيا الإثنية- السياسية وطبيعة التدين في مراكزها وقيادتها وفي أطرافها وهوامشها، والأهم طبيعة توزيع الدخل العام فيها مما كشفه الأجلاء الأساتذة الدكاترة محمد إبراهيم أبوسليم، ومحمد سعيد القدال ثم تناوله بعمق متنوع الاستاذ محمد إبراهيم نقد ود. فاطمة بابكر .

    3- في قوة وفي ضعف الجباه والتحالفات ذات الطبيعة الفضفاضة:

    يذكر مشروع التقرير عدداً من الجباه ينسى فيها الجبهة الوطنية التي تأسست في أوائل خمسينيات القرن العشرين في مدينة الأبيض برعاية الشيخ محمد بخيت على "حبة" أحد أثرياء المدينة وعضو مجلس الشيوخ الأول، وكان من منسوبيها الطلاب آنذاك أ/محمد سعيد معروف، وأ/الفاتح النور، ود.مكي حسن أبو، ود. علي التوم، ومحمد الحسن عبدالله ياسين، وقد عقدت الليالي السياسية وإنطلقت التظاهرات من أنشطتها تهتف بسقوط الإستعمار، وأججت ودعمت إضراب مدارس خورطقت وغير ذلك مما يدخل في تاريخ تلك المدينة وشخصياتها المغمورة، النقطة الأهم هي إن الطبيعة الفضفاضة والفوقية لهذه التحالفات وزعاماتها كانت أضرارها أكثر من فوائدها، وأن إنتصاراتها الظاهرية كانت في الواقع هزائم عميقة لتيار التغيير الإجتماعي مما يدفع تقويم جديد لها يناسب قضية الإستغلال والتهميش.
    B]
    ..........يتبع
                  

04-15-2008, 09:01 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)


    تابع... المساهمة الثالثة:

    21- وحدة ليبرالية بين قوى اليسار وقوى الإحتكار مع إنقسام طبقي وإنفصال وطني!

    يقول نص مشروع التقرير: (( ورغم ان الحزب لا يعترض من ناحية المبدأ على شعار وحدة قوى اليسار، إلا انه يرى ان المهام والقضايا التي تواجه الشعب والوطن حالياً، تجعل الاسبقية والصدارة في جدول العمل، ليس لوحدة قوى اليسار، وانما لوحدة كل القوى الراغبة في التحول الديمقراطي وحل الازمة السودانية في تجلياتها المختلفة حلاً ديمقراطياً عادلاً، والوصول الى وحدة السودان عبر الاستفتاء على تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية.)) وكان أجمل للفقرة أن تكون بسياق مختلف حيث إن القضايا هي التي تحدد المهام، وأهم القضايا هي الإستغلال والتهميش، وهي قضية طبقية تتعلق بطبيعة الإقتصاد والنظام السياسي ومدى إجتماعيته أو عنصريته، مما يجعل الأسبقية للتنسيق مع القوى الراغبة في التحول الثوري عن النظام الإنفرادي لملكية وسائل العمل والإنتاج الذي يركز السلطة والثروة والإنتقال منه إلى نظام يسمح بإشتراك الناس في ملكية هذه الوسائل وتنظيم جهودهم وحيازة قسط عادل من خيرات عملهم (يكفي قوتهم وتحضرهم وشيء من كمالات الحياة) بصورة إشتراكية متقدمة من الضروري إلى الثانوي فالكمالي، وهو النظام الذي يتصل بإجراء تغييرات وتحويلات ديمقراطية شعبية عميقة ومتنوعة ذات طابع ثوري على أسس السلطة والإنتاج التي سادت في السودان القديم وأدت إلى مظالمه وتفككه.

    إن سياسية التهرب من مواجهة الإلتزامات الطبقية بدعوى توكيد الليبرالية ينسى إن الثورات الليبرالية الألمانية والهولاندية والإنجليزية والأمريكية والفرنسية ومواشجاتها قد قامت على مصادرة وتأميم حقوق الملكية والتملك الإقطاعي لحساب "حقوق الإنسان" (= حرية رأس المال) وقد إتبعت لإجراء هذا التغيير كل ما إستدعته الظروف الواقعية، فلم تطرح مثلاً إن الظروف لم تنضج بعد للتحول أو أن الظروف نضجت للتحول ولكنها بإنتظار الإنتخابات، أو بإنتظار قرار الحكومة حول كذا أو كذا، أو بإنتظار إستنفاد الوساطة الفلانية لمفعولها، أو بإنتظار المؤتمر الفرتكاني، أو بإنتظار فراغ اللجنة الفلانية من أعمالها، أو بإنتظار الإستفتاء المزمع أونتيجته أو بإنتظار الدراسات الباطنية، أو بإنتظار المؤتمر الجامع، وغير ذلك من إنتظارات إطالات ومطاولات بعيدة من الحكمة السياسية والتوازن الموضوعي بين التأني والسرعة في إتخاذ القرار السياسي لا يوجد لها سبب منطقي في حزب شيوعي تعاني مجتمعات بلاده من الإستغلال والتهميش بفعل التضخم والتركز الرأسمالي وإنتاجه لفقر بنيوي رهيب له مجاعاته وحروبه وموبقاته وهجراته وله حروب أقليمية يغذيها وتغذيه.

    إن الضعف العام لليسار في السودان الذي يعير به حزبنا الشيوعي أحزاب الريف الافريقي وأحزاب القومية العربية له سبب هام في ضعف أداء حزبنا السياسي والإعلامي الجماهيري من حصر قيادته لنشاط الحزب وعضويته في مسآئل إنتظارية ومناقشات لاهوتية وقضايا ومنظمات إستنزافية، كان الأفضل منها جمع حزبنا بشكل متزامن ومتناسق بين التنوع في العمل المدني والجماهيري والوحدة في ضفر نضالات الريف والمدينة، مما يقوم ويقوي الأداء السياسي الليبرالي والأداء الثوري اليساري بدلا من المواقف الملتبسة التي يصعب تفسيرها نظرياً بالمنطق الماركسي- اللينيني أو بالمنطق الليبرالي مثلما يصعب فهم تفارقها مع الوحدة الموضوعية للقضايا العامة في الريف والمدينة، وبين أقسام الجماهير الأساسية: فمع التفكك الزماني والعملي لمواقف الحزب وتصريحاته السياسية بإمكان تحليل كثير منها بإعتبارها ذات سمة تأجيل تبادلية و(تسويف) أكثر مما هي ضرورة عملية قائمة في كل موضوع إذ إنه يقدم بشكل عازل ومعيق في جهة المطالب السياسية العامة مواقف إقتصادوية وإشكالات فنية تتعلق بالإنتاج والسوق، بينما يقدم مواقف سياسية وإدارية في جهة القضايا الإقتصادية الإجتماعية، كما يقدم من هذين الرأيين الإثنين نظراً وعملاً تساويف مدنية وتأجيلات عددا جهة المواقف الثقافية والإعلامية للحزب أو لعموم الحركة التقدمية بداية من تأجيل النظرية وإنتظار الدراسات الباطنية وليس نهاية بمحاولة إلغاء دور الحزب كحزب شيوعي للتغيير الثوري الإجتماعي وطرح التأجيل العام لحل القضايا بإعتبار عدم نضوج التحولات أو بحجة الظروف الدولية المضادة والقاهرة!!

    كان بالإمكان إعتبار هذا التفكك تجسداً عفوياً لمحاولات ردفعلية لسد النقص الموضوعي في كل مجموعة من المطالب والقضايا، ولكن السياق العام لتسلسل هذه الطروح نهاية بإتجاه حل الحزب وتبني السكرتير السياسي بقوة لكثير من دعاويه، يقوي إمكانية تفسيرها بأنها سياسة سالبة ضد التغيير الثوري للطريقة الرأسمالية التابعة في تنظيم الإنتاج الإجتماعي وتوزيع جهوده وثمراته بين الناس ، وهي ضدية تقوم بدعاوى لزجة شعارها : ((عدم نضوج التحولات))!! وهي ذات التحولات التي يفترض في أي حزب شيوعي فتح الطريق العام لها بضرب وتكسير وتفتيت النقاط الضعيفة في العوائق التي تقف أمام هذه وصول هذه التحولات إلى مرحلة ونقطة الإنقلاب الثوري، أما تقوية هذه النقاط الضعيفة بصيغ التأجيل العام ثم التفرد والإنفراد عن قوى اليسار بل والتحالف مع قوى اليمين، وصولاً إلى صيغ المؤتمرات الجامعة الموقوتة القائمة على مفهوم وتاريخ إعتباطي متدهور لمسألة "الحد الأدنى" يعيق بتدهوره المستمر عمليات التحول والتغيير الشامل في المجتمع ويبدد تراكماتها بعملية مراوحة ومحلك سر بل ورجوع إلى الخلف من طلب الدولة الإشتراكية إلى طلب الدولة الليبرالية مما يقوي إمكان الإستنتاج بأن تسلسلات هذه الإعاقة والتبديدات تمثل في جملتها سياسة موضوعية نقيضة لمصالح الجماهير في التقدم الثوري والوطني والقومي بقوى وبرامج وسياسات تقدمية إشتراكية تخرج بها - بقيادة ودعم طلائعها في الأعمال الثقافية والنقابية والجماهيرية والمدنية والحزبية- من حالة الإستغلال والتهميش المتفاقم إلى حالة إشتراكية فعلية في تولي أمور ومقاليد السلطة والثروة بالمعايير الطبقية والمعايير الإقليمية والمعايير النوعجنسانية (رجال ونساء).

    22- تفكيك علاقة الخط التنظيمي والخط السياسي للحزب بإختلاف عن طبيعة تغيير العلاقات الطبقية والقومية:
    يقول مشروع التقرير في هذا الصدد: (( ومن ناحية اخرى، واستناداً الى الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني على ضوء المنهج الماركسي، افسح الحزب حيزاً مناسباً في برامجه لحقيقة ان التغيير الاجتماعي في الواقع السوداني يستوجب ان يكون الاصلاح الزراعي الديمقراطي والحل الديمقراطي للمسألة القومية والجهوية ركنين اساسيين في ذلك التغيير. كما وضع اعتباراً لحقيقة التطور غير المتساوي في السودان اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ومن ثم تفاوت درجات الوعي الاجتماعي والسياسي. واستناداً الى ذلك تصدى لمعالجة التحديات التي تواجه العمل الثوري في مناطق القطاع التقليدي، وصاغ افكار وتوجهات الخط التنظيمي المتنوع من منطقة لاخرى وفق ما يمليه واقع التطور غير المتساوي.))

    يثير هذا السياق بضعة ملاحظات هي:
    1- تصريحه بتوفر ما يسميه المشروع "الدراسة الباطنية" ( الباطنية صفة مبهمة خطأ لوصف الدراسة الشمولية المتكاملة الأجزاء)
    2- إقراره الضمني بحضور "الهندسة الإجتماعية" في عمليات "الإصلاح الزراعي" و"الحل الديمقراطي للمسألة القومية الجهوية"
    3- تفاجأه إو إدراكه المتأخر لتفاوت مناطق السودان في المستويات القاعدية للإقتصاد والمجتمع وفي المستويات الفوقية
    4- الصياغة المجهولة لما وصف بتعديل الخط التنظيمي وفق حالة كل منطقة! فلا ندري إن كانت الفقرة تعني مناطق أو فروع ويُغَيَب عن أعضاء الحزب أثر طبيعة تركيبها العددي والنوعي في هيكلة الحزب في حين ان هناك مناطق ريفية زراعية (مثل الحلاوين) أو ريفية زراعيية وتجارية (كوستي) بها عدد من العناصر الشيوعية الملتزمة والنشطة يفوق في عدده ونشاطه بعض فروع الحزب في العاصمة فكيف وضعت أقل داخل الحزب؟ الوضع الإنجع هو عقد تركيبة الحزب وتوزيع قواه وعناصره بمهام محددة في عملية تغيير العلاقات الطبقية والقومية في كل منطقة بدلاً من ربط هيكلة هذه القوى ووضعها تحتاً في حزب عاصمي بالتقسيمات العامة التقليدية لمناطق السودان، تفتقد مهام محددة في عملية تغيير العلاقات الطبقية والقومية مما تكشفه بعض العبارات الإنعزالية في بيانات الحزب إذ تقول: أعضاء الحزب من أبناء: الجنوب، أو أبناء دارفور،أو أهل الشرق! كأنما ليس لأعضاء الحزب الآخرين أو للحزب ككل بالأحرى صلة بعمليات تغيير الأوضاع في هذه المناطق، وكأنما ليس لأعضاء الحزب في الأقاليم تطوير نضالها لتغيير الوضع في الخرطوم.

    23 - مع فصل المراحل والمهام إتجاه آخر للفصل بين اللامركزية الإدارية- السياسية واللامركزية طبقية:
    مشروع التقرير السياسي الذي أعدته لجنة تسيير "المناقشة العامة" في إطار محاولة مركز الحزب لضبطها وهندسة رؤاها المتناقضة ليقدم لهيئات الحزب المختصة لتنقيحه قبل تقديمه إلى المؤتمر العام الخامس الذي سيحيله بدوره إلى لجان أخرى أوإلى لجان صياغة، ومؤتمرات مراجعة وضبط و"قضايا ما بعد المؤتمر الخامس"، ومؤتمرات إستثنائية أفقية ورأسية كل هذه المسائل تشير إلى جوانب الحرية والنظامية في الطبيعة المركزية للديمقراطية داخل الحزب الشيوعي وإلى التراتب الموضوعي لعناصره وهيئاته الصغرى في هيئات أوسع رأياً وأشد قراراً كما تشير إلى الإنتظام الإداري والبيروقراطية الحميدة في تنظيم مداخلاته وتصريف أموره، إن ظل على كينونته، وإلى الإمكان الموضوعي لإصلاح أخطاءه الذاتية أو حتى للثورة على طبيعة الفهوم والأساليب الإدارية التي ظلت تقعد بالوطن وبالحزب نفسه عن مباشرة مهام دوره الطليعي في مقدمة حركة الجماهير والتاريخ مزيلاً من أمام حركتها العوائق النظامية والسياسية في مجال التقدم من حالة الإستغلال والتهميش إلى حالة إشتراكية في تولي أمور ومقاليد وسائل الإنتاج وتوزيع جهوده وثمراته، واولى هذه الفهوم والحالات المعيقة للتطور الحزبي والوطني العام هي مسألة الفصل بين السياسي والطبقي، وتصور إن بالإمكان حل المسآئل السياسية وإختلافاتها دون حل أساسها الماثل في التناقض والتناحر الطبقي. فمن المفهوم إن تركيز السلطة والثروة مسألة طبقية، وإن التفاقم العام في المراكز والأقاليم لحالة الإستغلال والتهميش متصل بمصالح طبقية في مؤسسات التمويل المحلية والدولية تفرضها على الدولة بشروطها التي تعيد فرضها على الناس بسياساتها التابعة والخاضعة لهذه الشروط التي تحيا بها مصالح الطبقة القائمة في قمة جهاز الدولة، وتتصل أرباح هذه المصالح الطبقية من حيث طبيعة تكوينها بخسارات عظمى لسواد الناس تتراوح بين إستغلال مواردهم وجهودهم لمصلحة غيرهم يجنى ثمرات كدحهم وشقاءهم تاركاً لهم بعض فتات وبين تهميش مهول ناتج من أسباب إقتصادية-سياسية ذات سمات تاريخية عنصرية متفاوتة تركز المشاريع الخدمية والإقتصادية في بعض المدن الكبرى وتترك قطاعات واسعة من الناس في السودان دون إستثمارات بشرية أو مادية تناسب حاجات وجودهم وتطورهم كحيوانات ناطقة ناهيك أن تناسب وجودهم كمواطنين لهم كافة حقوق الإنسان في العالم وفي دولتهم السودان. وبدلاً من أن تتعامل سياسات الحزب مع هذه الأزمة الطبقية بتوازن بين وقائعها المباشرة ومثولها الفعلي وحركاتها الثورية التحتية في الأقاليم ووقائعها الفوقية في الندوات والمؤتمرات، نجدها تميل إلى التعامل معها من فوق عبر التصريحات العاصمية والتداخل والتشارك الكثيف مع جهود المؤسسات الدولية والسودانية التي تسعى لحل أزماتها العسكرية الظاهرة بشكل فوقي من الحكم الشعبي دون أن تكون لها مصلحة في القضاء على الأسس والجذور الطبقية لهذه الأزمات في سياسات التخطيط والتمويل والإستثمار (مثلث حمدي) وهي الجذور التي تولد هذه المواجهات العسكرية المتنوعة بين قوى المستضعفين والمظلومين والقوى التي تقوم سياساتها العاملة الدولية والمحلية على زيادة إستضعافهم وظلمهم.

    لقد كان توزيع الثروة القومية في السودان منذ (إستقلاله) محكوماً بإرادة المؤسسات المالية الدولية التي دأب حزبنا بقوة على مواجهة سياساتها وكشف الطبيعة التبخيسية والتفاوتية التي تحدثها في تشكيلات المجتمع، والطبيعة الإستغلالية والتهميشية التي تضع جملة السودان في وضع عالمي لا يحسد عليه. كما كانت النظم الليبرالية في أشكالها المدنية والعسكرية المتنوعة تقوم على ذات نهج التعامل المنتظر لنجاح إجتماعات الجودية والمصالحات المحلية والإقليمية والدولية الذي يتبعه حزبنا في الحاضر إزاء هذه الأزمة الوطنية بدعوى إنه قدم المبادئي الملائمة لحل الأزمة وما عليه سوى الإنتظار! ففي هذا الصدد يقول مشروع التقرير: (( وقدّم الحزب على ضوء ذلك المنهج مبدأ اللامركزية والحكم الذاتي الاقليمي والتنمية وتقرير المصير لجنوب الوطن، على سبيل الحل الديمقراطي للمسألة القومية وانهاء التهميش في السودان)) دون أن يوكد بأشكال نظرية وعملية إن الحل الوطني الديمقراطي موصول بعملية التغيير الثوري للأوضاع الطبقية في السودان، فالتقسيم الأفقي للسلطات والثروات على مستوى الأقاليم لا يتسق مع التركيز الرأسي أو بالأصح التركز الرأسمالي الإقتصادي السياسي للأمور الطبقية والإدارية!

    إمكانية التناسق بين الأعمال الفوقية والقاعدية للحزب في المسألة القومية بدلاً لتنافرها الحاضر:
    1- نشاط الحزب الشيوعي في تأسيس إتحاد جمهوريات السودان:

    التناقض الموضوعي للمصالح الطبقية-الإقليمية في السودان وضرورة حله جذريا يطرح على الحزب الشيوعي السوداني مهمة موضوعية في صوغ الدعوة إلى تأسيس إتحاد جديد لجمهوريات السودان يقوم على إستقلاليتها الكاملة في تقدير مصالحها وتساويها العام في الحقوق والواجبات وفي تنظيم مواردها وتسيير أمورها وتبادلها الإشتراكي المنظوم للمنافع والجهود وفق قواعد التنمية المتوازنة رأسياً وأفقياً. حيث تمثل هذه الدعوة -من ناحية فوقية- طرحاً عملياً ملائماً لصياغة إتفاق ينظم وضع أقاليم السودان وينقلها بآلية مستدامة جماعية لتقرير شؤونها من الحالة المركزية للتكالب على الموارد إلى الحالة الإشتراكية اللامركزية للتنمية المتوازنة.

    2- ضرورة إرتباط الحزب الشيوعي بجبهة لقوى التحرير والمقاومة الشعبية لتركزات السلطة والثروة تقليلاً لتناقضاتها:
    من ناحية قاعدية حاضرة في الأمور اليومية لنضالات حركات التحرير ظهرت إنجازات في تقدم الوعي القومي والوطني كما ظهرت إخفاقات متفاوتة في بلورة قضاياها القومية كتلة واحدة فى المستوى العام المركزي للسياسة والإعلام مع ضعف بنية وفقر تماسك هذه الحركات ضد السياسات الليبرالية المجزئة رأسياً وافقياً لقضايا السودان في أقاليمه بفصمها عن أساسها الطبقي وبعزلها قضية كل إقليم عن الآخر. حيث تفككت كثير من قواها ودعاويها فاقدة اللحام الفكري والموضوعي لها خاصة بسبب سياسة الحزب الإحتراسية من دعاوى ونضالات "الحركة الشعبية لتحرير السودان" إلى تأسيس سودان إشتراكي موحد كما تجلى في اللقاء الأول بين الحزب والحركة فنتيجة هذه السياسة التي بدأها الحزب وواصلها نشأت حركات التحرير في جنوب وغرب وشرق السودان وشماله معزولة عن الحلقة الثورية الوسطى التي كان موقعها الطبقي والجغرافي والسياسي يفرض عليها ضرورة تنسيق هذه الحركات في عملية سياسية كبرى لتغيير نظام التراتب الطبقي-الإقليمي بطبيعته الرأسمالية التابعة والخروج بالإرادة الشعبية من أسر الإستعلاء المحلي والدولي إلى رحاب التقدم الإشتراكي لتوزيع وسائل إنتاج ضرورات العيش والحياة وتقسيم ثمرات هذا الإنتاج وفق معادلة حقوق الناس وجهودهم في كل مؤسسة إنتاجية وإقليم، ولكن رغم الخسائر الكبرى التي سببتها هذه السياسة التأجيلية والإحتراسية فمازالت الإمكانات المحلية والدولية مفتوحة لقيام هذه الجبهة الشعبية ونشاطها ضد كافة القوى الإحتكارية التي فقدت رصيدها الآيديولوجي ورصيدها البشري ومصالحها المباشرة في مناطق النزاع الطبقي- الإقليمي وهي 80% من مناطق السودان القديم توطئة لبناء سودان جديد إشتراكي متحد يمارس دوراً فعالاً تغيير المنطقة العربية والأفريقية.

    وفي مصادفة حسنة مع هذين الإقتراحيين، ترد فقرة من مشروع التقرير السياسي بنص حيوي يقول: (( تتسع كل يوم الدوائر الاجتماعية والسياسية المؤمنة حقاً بأن وجود هذا التحالف ضرورة موضوعية لا غنى عنها للتحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي المستشرف آفاق العدالة الاجتماعية والاشتراكية))

    24- في تحديد الجهة السياسية للتجديد: التحذير من ضعف الحزب مستقبلاً يغطي الضعف الحاضر ويفاقمه:
    في تغطية لضعف السياسات النظرية والعملية الحاضر في الحزب مما يفتت قواه وتنظيماته واعماله ويباعد بين أحوال ووتائر نشاطها في المستويات الزمانية والعددية والنوعية والجغرافية وفي الإتجاهات السياسية والإقتصادية الإجتماعية والثقافية يحذر مشروع التقرير من ضعف قادم إذا لم يجدد الحزب ويكرر هذه السياسات التي أضعفته وذلك في نص سياسي على طريقة لا يوجد خيار سوى المقترحات الليبرالية التي قدمها تيار معين في الحزب يستحق أن يوصف في خضم هذه العولمة بالتيار الأميركي لوقوفه المتواصل ضد التاريخ الأممي للحزب والشيوعية، وضد شيوعية الحزب، وضد ماركسيته اللينينة، وضد ماديته التاريخية، وضد طبقيته العمالية، وضد ثورية التغيير الإجتماعي، يقول مشروع التقرير السياسي: ((ان الخيار المصيري الذي لا مهرب منه ولا محيد ينتصب امام الحزب الشيوعي السوداني، اما ان يقوم بتجديد ملموس في فكره وبنيانه وممارساته ليواكب العصر، واما ان يتعرض لاحتمالات الضعف والانكماش)) ثم يخلط مشروع التقرير بين إصطلاحات وفهوم وممارسات "التنمية المتوازنة للحزب" ذات الطبيعة المألوفة في معظم الأحزاب الشيوعية الروسي والأمريكي والياباني والأحزاب الشيوعية الأوربية والأمريكية الجنوبية التركية والإيرانية والأحزاب العربية والأفريقية وإصطلاح وفهم وممارسة التجديد الليبرالي الذي يأخذ بتلابيب الحزب الشيوعي السوداني في زاوية مظلمة من التاريخ يجرده بموافقة كثير من الزملاء الأفاضل من عناصر حياته كحزب شيوعي تاركاً له وبموافقة نفس الزملاء الأفاضل نتف ممزقة من المعاني والمقولات تدينه وتقتله أكثر من أن يتقوى بها مستقبلاً. يقول: ((إن الإرادة الغلاّبة لكادر وأعضاء الحزب والديمقراطيين تقف بوضوح كما تؤشر وتؤكد كتيبات الحوار الداخلي في الحزب، الى جانب تجديد الحزب وبقائه حزباً ذا فائدة لحركة شعبنا النضالية في مسيرتها نحو النهضة الوطنية الديمقراطية وافقها الاشتراكي. وهذه على وجه التحديد، هي المهمة التاريخية المطروحة أمام المؤتمر الخامس)) مع العلم بأن ذات مشروع التقرير يذكر في مقدمته ان المناقشة العامة كانت مشوبة بالنقص في تناول المواضيع الأساسية الأتية (
    أ/ التجارب الأشتراكية القائمة.
    ب/ التصور حول " الدول الاشتراكية ".
    ج/ الاشتراكية والدين .
    د/ الجانب الفكري والفلسفي في مواضيع محاور المناقشة العامة .
    هـ/ مسألة هامة وهي اسم الحزب : فهو نقطة ضعف المناقشة العامة ))

    فبعد هذا الإقرار الصريح بنقص نقاش كذا... وكذا... كيف لمشروع التقرير الإعتماد على كتيبات تحوي كل هذا النقص في عملية تنمية الحزب وفي أن تقرر مصير الحزب؟ وعلى أي أساس تنظيمي أو سياسي أو لائحي يقرر هذا المصير مادام السكرتير السياسي نفسه قد أقر بكل وضوح وشجاعة بإنفرادية قيامه بوضع "موجهات التجديد" خارج الاطر الحزبية!؟

    أن مسيارة التقرير لإتجاه تصفية الحزب من عناصر شيوعيته يشابه العملية القديمة لتجريد مؤتمر الخريجين من ديمقراطيته، وهو خلاصة إتجاه إنقلاب داخلي على الشيوعية ذي أثر زوج إذ إنه يفسد العملية الليبرالية في السودان والعالم بإطلاقها من نواظمها وضوابطها الطبقية كما يفسد العملية الثورية في السودلان والعالم بعزلها عن أسس الصراع الطبقي وضروراته في المجال الحزبي.

    الأفضل هو تغيير جذري لجملة السياسات الإنتظارية والتأجيلية والتسويفية للحزب في المجال السياسي والسياسات التجزئيية والتفتيتية لقواه وعناصره النظرية والسياسية التي تسمم تنظيم الحزب وتضعفه حاضراً وتزيد شلله مستقبلاً .

    25- طبيعة العشم في إمكان الإتفاق مع قوى الإستغلال والتهميش على حل جذري شامل!

    في جهة تفاقم الازمة الوطنية يصرح مشروع التقرير بشكل دقيق مفصل بأن القوى التقليدية غرست بذرة الأزمة السودانية منذ الإستقلال وسببت تفاقمها لتراجعاتها عن ما تلتزم به من مواثيق وتسبيبها بذلك عودة الأنظمة العسكرية إضافة إلى فشلها في تحقيق تنمية متوازنة وتغبيشها بضلال شعاراتها لوعي الناس بطبيعة أزماتهم وحلولها وعدم علاجها لتركة الإستعمار بل وتحفيزها الإستثمار الأجنبي على حساب القطاع العام والخاص السوداني، وسياسات الإصلاح اليميني جهة البنوك ومؤسسات التأمين والتجارة الخارجية والمشاريع الزراعية ونشاطها في الصرف البذخي والفساد وتعنتها ضد علمانية الدولة وتساوي الحقوق بين المواطنين غض النظر عن دينهم!!

    ولكن نفس مشروع التقرير يعشم في نفس القوى المنتجة للأزمة إذ يقول في وصف طبيعة الأزمة هذه الأزمة التي أنتجتها وفي طبيعة الحلول التي يقترحها جهتها: (( ارتدت الازمة السودانية التي غرست بذرتها القوى التقليدية منذ فجر الاستقلال ابعاداً نوعية جديدة، ولم يعد بالامكان تبسيطها او تجزئتها، فقد اصبحت ازمة وطنية عامة، مركّبة وشاملة ومتفاقمة. وتحتاج بهذه المواصفات لحل شامل لها تتوافق عليه كل القوى والفعاليات السياسية السودانية، ذلك ان الحلول الجزئية والثنائية بمختلف الوانها واشكالها قد تقود لهدنة يطول او يقصر مداها، ولكنها لن تقود لسلام مستدام يحمل فوق ظهره التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة ووحدة الوطن)) ولكن مع هذا التنافر البنيوي والمبدئي في علاج الأزمة بالتعاون مع نفس القوى التي تنتجها يتجاوز مشروع التقرير تحديد وتسمية العوامل الطبقية ولولا إندلاع حركات التحرير المسلحة لظلت النغمة المنخفضة الصوت لإنتقاد التطور المتفاوت بين المركز والهامش هي السائدة في موسيقى الحزب التي تصخب فيها نغمات الديمقراطية وقوانين الإنتخاب بدلاً عن أن يكون إيقاع التطور المتفاوت طبقياً وإقليمياً هو الأساس في توزيع موسيقى الحزب ونشاطه السياسي.

    وفي توصيف للأزمة الوطنية بكل ما فيها من إستغلال وتهميش يبعد مشروع التقرير عن تحديد الجوهر الطبقي-الإقليمي والعنصري لها متناولاً الدور الهام التخريبي الذي تلعبه هندسة الدولة للتنظيم الإقتصادي الرأسمالي رافعة إياه من الحالة التجارية الصناعية التي كان عليها إلى حالة رأسمالية كبرى تتواصل فيها قوى الحزب الإسلامي والدولة والبنوك والمؤسسات العامة الخاصة المدنية والعسكرية في سياق سوق حرة لا تعترف فيها الشرائح الحاكمة من الطبقة الرأسمالية بأي حقوق للإنسان سوى ما يسمح لها بمزيد من الأرباح على حساب 95% من الشعب في جميع انحاء السودان دون أن يكشف المشروع طبيعة التركز الطبقي- الجغرافي لـ5% أو أقل الذين ينتجون هذا التنظيم البشع ويهندسونه وفق مصالحهم الربحية ...يقول: (( وتحت مظلة نظام الانقاذ قاد الخضوع لروشتة التثبيت والتكييف الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدولي الى برنامج التحرير الاقتصادي الذي اطلق آليات السوق الحرة كما قاد لتفكيك اوصال القطاع العام وتحويل مؤسساته لرأٍس المال الخاص المحلي والاجنبي، ولتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي الى ادنى حد)) ((وفي الواقع انتهج نظام الانقاذ مجمل سياسات اقتصادية/مالية للدفع الرأسمالي في البلاد. على رأس هذه السياسات توفير مزايا تفضيلية للرأسمالية الطفيلية على غرار أسلمة النظام المصرفي وتعديل قانونه وتشويه وظيفة النظام الضريبي وتصفية ركائز القطاع العام عن طريق الخصخصة، وتمليك مؤسسات استثمارية خاصة للقوات النظامية والدفاع الشعبي، وتمويل المنظمات السلطوية من الميزانيات العامة للدولة ....الخ.)) ((البترول والمعادن مصادر دعم اضافية للتراكم الرأسمالي.)) ((وبأثر الدكتاتورية والقهر والاستبداد، وتحويل جهاز الدولة الى جهاز حزبي لذوي الولاء والمحاسيب، وتصفية الدور الرقابي للعاملين بآليات الفصل للصالح العام وقانون نقابة المنشأة وسلطات المسجل المطلقة، استشرى الفساد والاختلاسات بأرقام فلكية.)) ((ان الرأسمالية الطفيلية الاسلامية قد احتكرت السلطة والنظام المصرفي والسوق، وأسفرت سياساتها عن تكريس الفشل التنموي في المدينة والريف، وقادت لترييف المدن، ولتفاوت اجتماعي حاد اذ غدا اكثر من 95% من شعب السودان تحت خط الفقر، واصبح السودان في مقدمة قائمة الدول الاكثر فقراً وفساداً في العالم، وانتشرت الامراض والاوبئة والمجاعات.)) ويقدم المشروع نسباً مئوية تكشف التدهور الإقتصادي من حيث إنخفاض الإنتاج الحيواني والزراعي والصناعي ونصيب الفرد من الناتج الوطني العام، وتناول سياسات الإغراء والتهميش ضد القوى الإجتماعية مما يؤكد التبعية الدولية ويمزق المجتمع.

    يلاحظ ان هذه السياسات انقذت الرأسمالية العليا من تطور التناغم بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة النقابية للإتجاه بمشكلات السودان إلى "المؤتمر القومي الدستوري" مما كان يهدد وجودها بحكم ديمقراطية تركيب المؤتمر العددية والنوعية والتنظيمية حيث تم تجاوز هذا التناغم بنجاح القوى الإسلامية في الإستيلاء على السلطة الليبرالية لحرية التملك وتخديمها بقوة في رفع صاروخي لأرباح الأنشطة الرأسمالية الكبرى ذات الدولة على حساب الأنشطة الرأسمالية القديمة التي كانت تستند إلى العلاقات الطائفية وعمليات الإستغلال والتهميش الصغير المتواصل للمنتجين والمستهلكين في تحقيق مصالحها، مما حقق تطوراً رأسمالياً كبيراً في السودان قام على توحيد الرساميل الكبرى في إطار البنوك الإسلامية وتحويل الدولة إلى مؤسسة رأسمالية صريحة بعدما كانت تدعي الحياد الطبقي، وتفجير الكامن الإقتصادي للثروات النفطية والمعدنية، مما فتح المجال لتضاعف الأنشطة التجارية والخدمية الصغيرة وخلق اسواقاً رأسمالية ناعمة (مغلقة) وأسواقاً رأسمالية طاحنة (مفتوحة) لها جمهور ونشاط كبير مقابل سوق سياسي فقير لا يستنير برأي سديد كالمقدم في هذه الورقة ولا يقدم فكرة مفيدة في تغيير الأوضاع المزرية لملايين المواطنين، يلوك شعارات الليبرالية دون أن يأخذ بيده مفاتيحها الأولى المتمثلة في مصادرة النظام الطبقي السابق لها. المهم بعد كل هذا التطور الرأسمالي الذي حققته الشراكة الذكية بين القوى الرأسمالية التقليدية والحديثة هل يمكن للحزب بكل تاريخه ووعيه أن يعشم في إتفاق مع كل القوى السياسية وفي نجاح تنفيذ هذا الإتفاق في المستويات الطبقية للوضع الإقتصادي الإجتماعي علماً أن إسهامات ومشاركات القوى الإسلامية التقليدية في البنوك الإسلامية وما يسميه "الرأسمالية الطفيلية الاسلامية" لا تقل بأي حال عن مشاركة القوى الإسلامية الأخرى؟

    إن نظام التملك الإنفرادي الخاص لوسائل الإنتاج في المجتمع وهو السبب الرئيس لكل أزمات العالم والسودان يحتاج في سبيل تغييره إلى فرز القوى السياسية وتصنيفها على أساس طبقي وجبهوي أما فرز القوى الحزبية فهو قائم من ناحية موضوعية وشكلية لا يحتاج إلى إعادة مآسي التاريخ وتكرار ذات النوع من التوافقات والإتفاقات التقليدية بين القوى الحديثة و "القوى التقليدية" تمهيداً لتكرار نفس الإنسحابات والتراجعات التقليدية التي تبديها القوى الرأسمالية بعد إستلامها السلطة الليبرالية التقليدية مما يزيد إنحسار جماهير الأحزاب ويفاقم عزوفهم عن العملية السياسية لصالح كرة القدم ولصالح العملية المعيشية والسوق ولصالح الإستغراق في التدين أو في الملذات، حيث يحس الإنسان بإلتزام وصدق أكثر في الموضوع الذي يقوم به، مما يحسه في تذبذب الأحزاب وتمايلها لسبب ما، بين الحلول الجذرية والإصلاحات التقليدية.

    ومن قبيل التذبذب بل وعودة اليتيم إلى مائدة اللئام والتناقض إجمال ما قاله نص مشروع التقرير في الفقرة الأسبق عن توافق كل القوى والفعاليات السياسية لحل الأزمة ومعارضته محاولات التوافق الحزبي بين العناصر الرأسمالية ((وتسعى الرأسمالية الطفيلية الاسلامية على سبيل فك العزلة من حولها وتوسيع القاعدة الاجتماعية والسياسية لنظامها، للالتفاف حول نيفاشا وعرقلة تنفيذها، وبالسعي للتحالف مع فئات الرأسمالية التقليدية تارة بإطلاق شعارات الوفاق والتصالح والتوالي، وتارة اخرى بإعتماد مخصصات مالية ضخمة وامتيازات لشاغلي المناصب الدستورية وأسرهم منذ الاستقلال، وفي كل الاحيان بقسم واضعاف كل التكوينات السياسية المناوئة لها.)) أملاً في إتفاق حزبنا أو توافقه مع تلك القوى الرأسمالية وهو الحزب الذي يفترض أن يكون مُحركاً لجموع القوى المُسَتَغَلَة والمُهَمَشَة ومُقَدَماً لحركتها السياسية!! ولكن مع ظهور هذا التصور مباشرة مالت دوائر حزب الأمة ورئاسته الى الحكم وناغمه في ذلك الجزء القليل الباقي من الحزب الإتحادي كما إنضمت أعداد كبيرة من عناصر وقادة ما يسميهم المشروع "الرأسمالية التقليدية" إلى صفوف (المؤتمر الوطني) إضافة إلى من إلتحقوا وإنضموا سابقاً إلى ذلك الحزب الوإتجاه وهو أمر يمثل فقط زيادة في الترابط الرأسمالي من الناحية الحزبية الضيقة حيث إن الترابط الرأسمالي قائم من الناحية السياسية في توافقهم على حرية التملك الإنفرادي الخاص المحلي والدولي لوسائل إنتاج الناس لضرورات عيشهم وحياتهم، مع ما ينتجه هذا الإنفراد من زيادة في المدى النوعي والجغرافي لعمليات الإستغلال والتهميش وتركيز قابض للسلطات والموارد في طبقة واحدة تتركز في مدن العاصمة تركيزاً يزيد أرباحها أرقاماً فلكية ويسقي رغدها كوثراً ونعيماً مفاقماً الدمار وملهباً الحرب في أمصار وأقاليم السودان البائسة المهمشة .

    26- التناقض بين التماهل والتوافق مع النظام الرأسمالي محلياً ومناهضته عالميا!!

    يتحدث مشروع التقرير عن قيام الحالة الرأسمالية بتمزيق وحدة البلاد وقدرتها على مواجهة فرض التبعية عليها قائلاً (إن هذا الوضع يهدد وحدة السودان، ويضعف من قدرات شعب السودان على مواجهة التحديات الماثلة من قبل حركة العولمة والنظام العالمي الجديد في سعيهما لفرض نهج التبعية وتكريسه وتمزيق وحدة البلاد. وهذا واقع يتطلب المشاركة النشطة في المنبر العالمي المناهض لسياسات العولمة وتوجهاتها.)) بينما جهة نفس هذه الحالة الرأسمالية في داخل السودان يقل مشروع التقرير في ذكر أي حلول جذرية لها مكتفياً بدعوة قوية لتغييرات ليبرالية بما فيها من (إصلاحات) إقتصادية يوجد مثلها في عشرات الأحزاب وهي نفس الليبرالية التي مكنت القوى الرأسمالية التقليدية من رعاية الأزمة الطبقية-الإقليمية في السودان وتنميتها بعد (الإستقلال)،حاصراً قضية الصراع الطبقي في أسبقية الوجه السياسي لها يؤجله بدعوته إلى حل تتفق عليه كل القوى السياسية ! بينما في جهة أخرى يتطلب المشاركة النشطة في المنبر العالمي لمواجهة العولمة وهو أيضاً منبر ليبرالي فضفاض يضم "شباب أوربا" الصالح والطالح منهم مع بعض الشباب في الهند وقوى ثورية أفريقية وكاريبية مع شباب الدول الثورية في أمريكا الجنوبية وهو يعقد كرنفالاً كبيراً موسمياً في أحد بلاد العالم ويتواصل بعض أفراده ومنظماته بدوائر شبكة الإتصالات مع بعضهم ولكنه أبعد ما يكون عن إمكان موضوعي نقابي أو حزبي منظوم يمكن من مواجهة أخطار العولمة، أفإن كان الحزب الشيوعي يسعى لمناهضة العولمة الرأسمالية بإجراءات شعبية منظومة في أنحاء العالم فعليه تقوية إلتزامه بتأسيس مركز عالمي موحد للأحزاب الشيوعية بدلاً لتوكيداته ضد إقامة هذا المركز و(أخطار تدخله في الشؤون الوطنية) بينما المعركة حتى في تقدير الحزب هي معركة أممية تخوضها شعوب العالم المستضعفة ضد نظام التبعية وآلياته المنظومة، فالغرابة أن يتحدث بلسان عن مقاومة نظام التبعية ثم يتحدث بلسان آخر في الداخل مبدياً رخاوة طبقية وسياسية في مسألة تغيير علاقات الإنتاج وفي مسألة التخطيط المركزي وفي مسألة التأميم وفي مسألة المصادرة وفي مسألة التوجيه الإقتصادي للأنشطة الخاصة، وفي مسألة الإنتظام الدولي للأحزاب الشيوعية!!!!!!!

    27 – رؤية ضعيفة للخروج من الأزمة:
    في ما سماه مشروع التقرير ((رؤية الحزب الشيوعي للخروج من الازمة)) تجد العبارات الجارحة لأبسط المفاهيم الشيوعية مثل:
    ((هويته الحضارية والثقافية)) = الخوف على هوية الوطن من العولمة !!
    ((تجزئة الثروات الحالية إقليمياً قصير النظر ويقود الى المساس بوحدة الوطن))
    ((ردم الفجوات التنموية القائمة بين الاقاليم، في قطاعات الاقتصاد المختلفة: صناعية وزراعية وثقافية وخدمية، عن طريق المعاملة التفضيلية للاقاليم والمناطق المهمشة عبر آلية الميزانية السنوية العامة وميزانية التنمية)) ((كما ان وحدة الوطن تتطلب آنياً دعم التنمية القومية في الاقليم الجنوبي واعادة البناء في دارفور وشرق السودان وجنوب النيل الازرق وجبال النوبة.))
    ففي هذه العبارات تجد نزعة ليبرالية ومركزية واضحة تتطلب حل أزمة السودان في اقاليمه عن طريق دعم مركزي من وزارة المالية للأقاليم!! غامضاً عن أن الوحدة الفعالة تتحقق الإستقلال الكامل لكل إقليم كجمهورية قائمة بذاتها بما لها وما عليها ثم تقديرها الخاص لإجتماع مصالحها وقواها على الدخول في إتحاد متكافيئ لهذه المصالح والقوى مع الجمهوريات الأخرى حيث إن مسألة (بند الدعم) أو الميزانيات الخاصة التي يتحكم فيها وكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية تجاوزتها قدرات وحاجات الأقاليم ومستوى الوعي فيها.

    28- التخلي عن إنجاز برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية بحجة مراكمة مقوماته الضرورية!!!!!!!

    في يحموم دائرة توليد الإستغلال والتهميش للحرب وتعطيل الحرب للإنتخابات يقول مشروع التقرير السياسي ((ويستهدف الحزب الشيوعي عبر خطه السياسي وتكتيكاته وتحالفاته السياسية، مراكمة المقومات الضرورية وصولاً لتنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي، ويقف على رأس هذه المقومات : بناء التحالف الوطني الديمقراطي وقيام سلطته السياسية وجهاز دولته الديمقراطي القريب من الشعب والذي يفتح الباب واسعاً، بدستوره وتشريعاته وهياكله القومية، للديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة لتجديد بنية المجتمع السوداني.)) فعلي الجميع - بعد نبذ كل تاريخهم الثوري ونبذ فهوم الهندسة الإجتماعية وتأجيل كذا وكذا، وإنتظار كذا وإنجاز الإتفاق مع كذا- الإستعداد لإنتظار مراكمة المقومات الضرورة وصولا إلى تنفيذ البرنامج الوطني الديمقراطي بدون أي ثورة أو حل جذري للأزمة الطبقية-القومية وإستغلالها وتهميشاتها وحروبها، أي فقط بفوز الحزب الجديد المسمى "التحالف الوطني الديمقراطي" بالإنتخابات التي لن تعقد أو تأتي حرةً أبداً في ظل الحرب، التي بدورها ستظل مشتعلة مع تدفق نفط الإستغلال والتهميش على نارها وبذلك يكون مشروع التقرير السياسي للجنة تسيير المناقشة العامة المعد ليكون التقرير السياسي المقدم إلى المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني قد وصل إلى آخر إتجاهه وهدفه الليبرالي وهو إتجاه وهدف بإمكان أي شخص ملم محايد بتاريخ الصراع الطبقي والحزب في السودان أن يتصوره من خلال قرآءة بسيطة لبعض الإنتقادات التي وجهت إلى مشروع التقرير أو حتى بنظره مباشرة في مشروع التقرير السياسي حيث يجد المراقب المحايد هذه الليبرالية ماثلة في عملية إعطاب الحزب أو حله إن امكن!!


    29- الحركة السياسية على المستوى الطبقي والإقليمي أفيد لدعم علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة:

    قدم مشروع التقرير خارطة طريق بديعة على مستوى الهندسة الإجتماعية لدعم علاقة الحزب الشيوعي! بالطبقة العاملة تبدو مختلفة وحسنة في لغتها وفي سياقها عن جملة مشروع التقرير: تحتوي على نقاط نظرية وعملية متكاملة وآفاق وطنية ودولية مفيدة سوى نقطة واحدة يمكن تسويتها تتعلق بأسبقية تشغيل العمالة الوطنية على العمال الأجانب مما يضر العمال غير السودانيين ويحرمهم من إفساح مجلس لهم داخل براح المجتمعات السودانية والحركة النقابية السودانية. إضافة إلى هذه النقطة هناك نقطة أخرى تتصل بالدعوة إلى تمييز العمال المهرة والإختصاصيين في العمل النقابي وهم أرستقراطية العمال.

    من الأفضل للحزب الشيوعي دعم علاقته بالطبقة العاملة بتقديم تحليلات وحلول جذرية مدعمة بالأرقام للأزمة الطبقية الإقليمية بأبعادها الأساسية المتصلة بتكامل "عملية الإستغلال" التي تأكل جهود ووجود العمال و"عملية التهميش" التي تأتي بالمزيد منهم إلى سوق العمل، والفرق المتزايد بين إتجاه الرساميل الزائد إلى الأنشطة الأكثر ربحاً القليلة التشغيل والعمل وإتجاه عملية التهميش التابعة لها إلى ضديتين تزيدان بؤس الحالة الإقتصادية:1- إكثارها عدد المحتاجين إلى العمل المأجور مما يقلل فرص العمل ويضعف الأجور و2- إفقارها السوق الذي تمارس فيه الرساميل نشاطها للربح مما يحرم الناس بهذا الفقر من الإنتاج ومن حق العمل

    30- في النساء والشباب :

    راجع النقاط المتعلقة بالموضوع في "نقاط في دستور ولائحة وبرنامج الحزب"

    31 - صراع الإتجاه السياسي والإتجاه الإجتماعي داخل الحزب لتقويم طبيعة التحول التقدمي الذي حدث بإنقلاب 25 مايو 1969:

    تاريخاً نشأ النظام الديمقراطي في حضارة أثينا بإنقلاب دموي ومذابح ضد النظام التكنوقراطي العلماني، كذلك نجد إن كل النظم الديمقراطية الليبرالية القائمة الآن في أوربا وأمريكا الشمالية نشأت بإنقلابات وثورات عسكرية دموية يبلغ عدد ضحاياها المباشرين وغير المباشرين (بالموت) في حروب أوربا ثم حروب نابليون ثم حروب الإستيطان والإستعباد والإستعمار والحروب العالمية الأولى والثانية وحتى الحرب العالمية (الثالثة) الدائرة الآن إلى حوالى بليون نسمة، وكل النظم الشيوعية والإشتراكية إتصلت بثورات وحروب دفاع وهجوم لها ملايين الضحايا، حيث إن التحكم في وسائل العيش والحياة والمصالح الطبقية والسياسية المرتبطة بها تعد مسألة حياة أو موت ولها بعد عسكري هو ان السُلطة الحاكمة عن طريق القوة والإمكان القانوني لتخديم العنف تقوم بعملية قهرية وقمعية متنوعة لضمان سلامة وجود مبنى السلطة وحركة إنتقال موظفيه ومتعامليه، مثلما تضمن نفوذ وتطبيق قرارته داخل أو خارج القوانين المألوفة.

    ومنذ إنقلابات القصور في الإمبراطوريات القديمة المحترمة وما تلاها من إنقلابات العصور الوسطى وعصر النهضة ثم إنقلابات وغزوات إفتتاح العصر الحديثة حتى الحرب العالمية الأولى كانت مسألة العنف العسكري في العمل السياسي مسألة مألوفة تواصلت بتطور نوعي حين قامت القوى الليبرالية الأمريكية بعد ذلك بإفتتاح حركة النظم الإنقلابية العسكرية الحديثة في القرن العشرين بداية من حروب أمريكا الجنوبية القديمة والحديثة ثم نقلتها إلى أوربا الجنوبية وآسيا وأفريقيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية. والإنقلابات الثورية الوحيدة التي حدثت كانت في المنطقة العربية الأفريقية متأثرة بظرف القهر الطبقي والقومي وهوان المعيشة والقمع في جهة الشعب والفساد والخيانة الوطنية والبذخ في جهة السلطة. وكانت المنارة الهادية لتلك الإنقلابات هي ثورة 23 يوليو 1952 التي قادها تنظيم "الضباط الأحرار" وهو تكتل تكون داخل الجيش المصري (المغدور به في فلسطين) وكان التنظيم شيوعي- ديمقراطي (حدتو) التأسيس يحتوي تنويعات حزبية أخرى كانت بالغة الشراسة في التمسك بالسلطة ومحاولة إخضاعها لبرنامجها الخاص وعلاقاتها المحلية والدولية (اللواء محمد نجيب مع أحزاب البشاوات القدامى وبعض الإخوان والإنجليز) و(الإخوان مع بريطانيا) وقبل نجاح الثورة المصرية كانت في العراق وسوريا محاولات إنقلابية ضعيفة فكرياً وتنظيمياً. وقد تجهجهت هذه الإنقلابات والثورات من مصر إلى الجزائر والعراق واليمن مع تولي "المنشفيك الجدد" زمام الأمور في حزب وإتحاد جمهوريات السوفييت الإشتراكية في إنقلاب مدني متدرج ضد أصول وسياسات الحزب مثل الذي يتم حالياً في داخل الحزب الشيوعي السوداني، ولعل لإنقلاب المنشفيك أثر في إصدار وثيقة "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" وإنتعاش أفكار "الحزب الإشتراكي" و"الإتحاد الإشتراكي" في الوقت الذي فقدت فيه جميع القوى الثورية وحدة الموقف الآيديولوجي الذي كانت تستند له. وقد كانت هناك إنقلابات شهيرة في التاريخ الشيوعي منها إنقلاب ماركس على رابطة العدل (الماسونية) ونبذه تأويلاتها وصراعاتها وآفاقها الدينية والإلحادية وتخلفها عن حركة حاجات ومصالح وتطور قوى الطبقة العاملة، وكذلك إنقلاب ماركس أيضاً على الإتحاد الإشتراكي الدولي "الدولية الإشتراكية" بنقده "برنامج غوتا"،ثم إنقلاب لينين وإستالين على المناشفة فإنقلابهم عليهما وإنقلاب ماو زي دونغ بكل مدرسة الفلاحين التابعة للحزب الشيوعي الصيني على الحزب والدولة منطلقاً بالمدرسة في دروب الثورة، كذلك إنقلاب الحركة السودانية للتحرر الوطني على الأساليب والقيادات القديمة. والإنقلابات الداخلية في الأحزاب الشيوعية الأوربية والعربية. وبالطبع الإنقلابات الكبر حسب المصالح التجارية في الأحزاب الليبرالية
    الفرق الرئيس بين الإنقلاب الليبرالي العسكري أو المدني والإنقلاب الثوري العسكري أو المدني ان الأول يثبت حرية السوق والتملك الفردي الخاص لوسائل الإنتاج والثاني يقف ضدها متبنياً (بعض) مبادئي الديمقراطية الشعبية وفق ظروفه المحلية والدولية.

    في السودان تتكامل الإنقلابات المدنية والعسكرية في دائرة الأزمة الليبرالية لتنظيم الإقتصاد (تدهور مستوى المعيشة يؤدي إلى إنقلاب يفشل في تحسين الإقتصاد مع سماحه بالتملك الفردي لوسائل الإنتاج والخدمات فتحدث ضده إنتفاضة شيوعية التنظيم يستلم بعدها الليبراليين الحكم فتتفاقم الأزمة المعيشية فيحدث إنقلاب وهكذا) بعد إنسحاب ثورة أكتوبر أو فشلها أو إستسلامها تحكمت الثورة المضادة والديكتاتورية الليبرالية في السودان 1965-1969 منتهية إلى سحق كل التقاليد اللليبرالية وإنتهاك كل الأصول الدستورية والقانونية العامة وإلى شروعها في تكريس ديكتاتورية ليبرالية صريحة بشعارات دينية إسلامية تحول السودان إلى مشيخة يمينية قديمة. فكان تكوين الجبهة الإشتراكية ضد جبهة الميثاق الإسلامي، وتوقد الضباط الأحرار (قوميين وشيوعيين وديمقراطيين) وقاموا بإنقلابهم الشهير في 25 مايو 1969.

    مع تضاربات فلسفية كثيرة حول طبيعة التنظيم الديمقراطي والحزب، والثورة والإنقلاب، والدولة والثورة، والحكومة والدولة، والجماهير والقوة الطليعية، والقوى الإشتراكية والإتحاد الإشتراكي، والميثاق والدستور، والفرق بين التقدمية والإشتراكية والشيوعية، وبين شبه الإقطاع والبرجوازية الصغيرة، وطبيعة المرحلة الثورية والمرحلة الإنتقالية، والتاريخ والعصر والزمن، كان ذلك الإنقلاب محلاً للإختلاف في تقييمه داخل الحزب الشيوعي السوداني بين تيار يرى أهمية الدولة واجهزتها في عملية التغيير الإجتماعي وهو التيار الذي أم الإنقلاب، وتيار كان يرى أهمية حرية الحزب والتنظيمات الجماهيرية والتطور الديمقراطي (الليبرالي) في نجاح أي إمكانية للتغيير الإجتماعي.

    مع إختلاف الحزب خرج كل نصف للجنة المركزية مع فريق وخرجت أغلب قيادات النقابات وإتحاد المزارعين وقيادات إتحاد الشباب والإتحاد النسائي إلى جانب إنقلاب مايو وبعيداً عن لغط الملكية والمدنيين وكل هذه (الضجة) البرجوازية الصغيرة خرج الضباط الأحرار الشيوعيين والديمقراطيين بثبات إلى إنقلاب 19 يوليو 1971 نافذين من فشله إلى رحاب الخلود وقد كانوا بفدائيتهم وطليعيتهم في إنقلاب مايو وبفدائيتهم وطليعيتهم وإستشهادهم في الحركة التصحيحية لمساره، فاتحين لأفق جديد في وجدان الشعب ووعيه يتصل بتحويل قضية الطبقة العاملة من رفوف المكتبات وصخب بعض مكبرات الصوت إلى قلب السُلطة والنظام السياسي للدولة.


    النجاحات التي حققتها سلطة 25 مايو في التأميم وتنظيم الإقتصاد ومكافحة العطش والثورة التعيلمية والمراكز الصحية ومراكز الشباب والمشاريع الزراعية والصناعية، و(توازن) العلاقات الخارجية، وتوطيد السلام في الجنوب، ومحاربة الرجعية والقوى التقليدية والحكم الشعبي المحلي كانت نتيجة تضافرات نقابية وثقافية وعسكرية تحت شعارات التقدم والإشتراكية وقد إستمرت سنوات قليلة ثم بدأت في الفشل نتيجة إستمرار العلاقات الليبرالية التجارية كأساس للنشاط الإقتصادي، وزيادة تكلفة الخدمات عن قُدرة الإنتاج الداخلي وعائدات التصدير الخارجي معاً ففي وقت كان فيه النفط أهم بنود الصرف الخارجي كان معظم إستخداماته لسيارات الدولة والأجهزة العسكرية، وفي وقت زادت فيه إمكانية بعض الشرائح في الإستهلاك كانت مكيفات أحياء الدرجة الأولى تلتهم معظم الكهرباء المنتجة، سافهة القطاع الصناعي وسواد جماهير المدن، وبينما كانت أسعار المنتجات المدينية تأكل دخل الريف كان الريف يلجأ إلى التسويق الزائد لموارده وإلى الهجرة إلى المدن، فلم تمضي سنوات قليلة بهذه السياسة الليبرالية التمركزية التهميشية في حقيقتها إلا وإستحكم الضيق والإفلاس وبدأت الحاجة مآسة إلى الديون العربية والدولية مما تحولت بها سلطة 25 مايو من التقدمية والإشتراكية إلى المصالحة والإنفتاح بسبب الضغوط الدولية المعززة داخليا والضغوط الداخلية المعززة خارجياً وزادت على ذلك بالتحول من القبول بالآخر إلى الإنمساخ فيه فبدأت في الدولة في التحول من جمهورية إلى إمامة بل بدأت كثير من شخصياتها وآلياتها في التحول حتى من الإمامة إلى مشيخة يمنية قديمة.


    من هنا يمكن القول إن السياسة الليبرالية الماثلة في حرية التملك الفردي لوسائل الإنتاج الإجتماعية وما تنتجه من إنفراد الطبقة المالكة بالتحكم في توزيع جهود الإنتاج وثمراته وإستئثارها بإستفاضاته وخيراته دون ملايين الناس الكادحين عليه، تنتج سواء في صورها المدنية وصورها العسكرية إستغلالاً وتهميشاً واسعاً يؤدي لإضطراب إستقرارها السياسي الظاهري وتحولها دورة بين هذين النمطين، وإن كان تقدم قوى الإنتاج يتم في شقي هذه الدورة بمعدل معين، فإن تدهور علاقات الإنتاج وشروطه الإجتماعية يتدهور بمعدل أكثر و أكبر، وعلامة ذلك من قرآءة تأهيل ونوع وساعات العمل وأجرته بالنسبة إلى العامل القديم ومدى نجاحها في سد متطلبات عيشه، ومقارنتها بتأهيل ونوع وساعات وأجرة العمل بالنسبة إلى العامل المعاصر (2008) ومدى نجاحها في سد متطلبات عيشه.

    إن تقييم ما يتصل بكل حدث سياسي يتصل موضوعياً بحساب الوضع الطبقي ووضع صراع المصالح الطبقية كمنظار لقرآءة التحولات المعيشية والإجتماعية والثقافية ووصول تراكماتها العامة إلى درجة توجب فتح الطريق لها، حتى لا تنفجر عشواءاً وهي الدرجة التي يمكن معرفتها من وجود مجموعة من البؤساء والشحاذين في ناصية ووجود قصور وسيارات فارهة في ذات الوقت مما لا يحتاج إلى كثير من الدراسات الظاهرية أو الباطنية. يتجه مشروع التقرير الذي أعدته لجنة تسيير المناقشة العامة حول إنقلاب 25 مايو وطبيعته إلى تحليل الموقف كعملية بوليسية أو حتى جاسوسية يقول ((وشاركت السلطة بقسط وافر في صراعات الحزب الداخلية وبمختلف إشكال الدعم المادي والسياسي للعناصر اليمينية التصفوية ))، بينما تتجه بعض فقرات كتاب محمد محجوب عثمان "الجيش والسياسة" وهو المسؤول العسكري في الحزب آنذاك إلى توضيح إن الحزب نفسه كان له دور مشابه داخل السلطة في مجلس قيادة الثورة، مع إيماء إلى إستمرار اللقاءات بين محمد إبراهيم نقد ونميري حول موضوع الميثاق أو بحجته في وقت كان الحزب قد اخذ قراراً بمقاطعة السلطة!! بدل الإعتماد على تحليلات بوليسية الأنجع ذكربعض نقاط ضعف أفشلت إنقلاب 25 مايو 1969 وبعده 1971 مثل:

    1- إختلافات التركيبة الطبقية والفئوية للجهاز المدني والجهاز العسكري في الحزب وصلتها بالصراعات الشخصية في كل منهما،

    2- التعامل المستسهل للإختلافات الآيديولوجية في كل المعسكر الإشتراكي دولاً وأحزاب وتنظيمات،

    3- إنعدام الخطط العامة لمواقف أساسية بل والتعامل مع كثير من المواقف الحساسة بسياسة رد الفعل،

    4- التفاوت المطلوب والتفاوت المرفوض في مسآئل الحزم والمرونة داخل التحالفات وداخل التنظيم الحزبي،

    5- الطبيعة الإرتجالية لإصدار البيانات سواء من السكرتارية أو من اللجنة المركزية،

    6- ضعف الصلة بين الحزب والتنظيمات المناصرة له وحتى بين الحزب وبعض مكاتبه وإعتمادها على نشاط بعض الأفراد

    في جملة توكد هذه المعاني تأتي بعض فقرات مشروع التقرير السياسي: ((وعندها إذا توفر للجماهير التنظيم والوحدة واختارت الوسائل المناسبة وكانت على رأسها قيادة مدركة ، فأن الثورة ستنفجر. غني عن القول أنه ما كل ثورة تتفجر لابد أن تنتصر حتما. لكن خوض الثورات بنجاح إلى الانتصار له قواعد وفنون لابد من حذقها ، ليس من بينها الهواية أو التردد أو عدم الاستعداد . فما أكثر الثورات والانتفاضات التي فشلت رغم عدالة قضيتها وشجاعة جماهيرها وقياداتها. ومن الممكن دراسة كل حالة والتوصل إلى أسباب النجاح والفشل )). (( غير أنه من المهم التوكيد على ان القوة التي يتمتع بها نظام ما مهما بلغت لا تمنع مقاومته ومنازلته ومعارضته ، مرة ومرتين وأكثر وأخيرا هزيمته)) ولكن في فقرة أخرى يقول المشروع بشيء ضد كل هذه السطور هو: ((أن صغار الضباط يسود بينهم مفهوم أن الدعم الوحيد الذي بالإمكان أن يقدموه للشعب هو القيام بانقلاب عسكري بينما هناك خيارات أخرى ))؟؟!! والعبارة السياسة هي الإنتظار فصغار الضباط عليهم الإنتظار، والعمال عليهم الإنتظار، وعموم المستغلين والمهمشين عليهم الإنتظار، والشباب عليهم الإنتظار، والنساء عليهن الإنتظار، و المنظمات والحزب كلهم عليهم الإنتظار أو على الأقل محلك سر. واليمين يعيث فساداً

    32- الأسباب الجذرية لفشل الإنتفاضة وإنتصار "مايـو 2":

    1- وهم تطور القوى المنتجة بإستقلال تغيير علاقات الإنتاج قاد لبرنامج متواضع في طبيعة حشده وأهدافه،

    2- الطبيعة الإرتجالية لحشد كل الأحزاب والتنظيمات دون معيار طبقي،

    3- إضعاف التجمع النقابي بالتجمع الحزبي،

    4- ضعف القيادات العسكرية الوسيطة والصغيرة في عدم تصديها لقيادة الإنقلاب الإحترازي لوزير الدفاع،

    5- التشتت الزماني والموضوعي لحركة الإضرابات بعد الإنتفاضة،

    6- الإحتراس في التعامل مع الحركة الشعبية ومع جماهير الهامش في العاصمة، ومحاولة إشراكها في نظام ليبرالي الإقتصاد،

    7- عزل الحركة السياسية للحزب عن التعامل مع مؤسسات النظام الليبرالي في السوق،

    8- الإستغراق في قضية العدالة الجنائية على حساب قضية الديمقراطية الإقتصادية والإجتماعية،

    9- الإستغراق في أنشطة جماهيرية وكرنفالية على حساب الديمقراطية داخل الحزب،

    9- ضعف الخطاب الأول للحزب في المهرجان اليتيم لعيد العمال وإستهلاك جزء كبير من إعلام الحزب الرسمي والشعبي في خلافات القوى التقليدية ثم في خطاب الميزانية الجيد الشهير دون طرح طبقي واضح (التفاصيل في رسالة ك إلى الميدان أبريل 1986)

    10 - عدم الإستعداد السياسي والنضالي لإحتمالات الإنقلاب العسكري والإتجاه مع القوى التقليدية إلى لوم الحركة الشعبية لتحرير السودان والإستغراق في محاولة جرها من ساحة القتال إلى مقاعد مفاوضات لم يمكن تحديدها حتى (إنقلاب) مذكرة الجيش.

    33- أخطاء حزبنا في مواجهة الحكم الإسلامي :

    1- عدم التصدي للإنقلاب بالوسائل المتاحة (خشية على الشباب من الأذى وعلى البلاد من الحرب الأهلية)!!

    2- عدم التصدي لموجة عمليات القمع والإضطهاد الأولى 1989-1992 والثانية لغاية الآن (خشية على البلاد من الحرب الأهلية)!

    3- شكل التضامن مع القوى التجارية والمالية (في وجه إجراءات أسلمة السوق) بصورة تفوق التضامن مع العمال والمهمشين.

    4- عدم التنظيم المسبق لكثير من عمليات التأمين الحزبي مما أدى لتشتت كثير من الجهود ولخسائر في بعض الأحيان.

    5- عدم وجود تنظيم كفء آمن لكوادر الحزب في الحياة المدنية وفي الجيش والأمن وفي داخل حركات التحرير.

    6- الإستغراق في التحالف السياسي مع القوى الليبرالية الأخرى لحرية السوق ومع مطاولاتها ومناوراتها المحلية والإقليمية

    7- ضعف التعامل مع قوى الهامش على غض تكوينها ومع قوى اليسار على ما فيها من إنقسامات

    8- الحذر والإحتراس من التعامل اليومي والطويل المدى مع الحركة الشعبية، (لقاءات علاقات عامة متباعدة)

    9- التباين الزمني في مزج أنواع الضغط المدني والعسكري والمحلي والإقليمي والدولي (كل زول شغال بطريقته)

    10- الإشتراك في البرلمان الإنتقالي المكون بمقتضى إتفاق نيفاشا رغم إنه كإشتراك أو كبرلمان لا يحل ولايربط

    إن تجنب مايمكن تجنبه الآن من هذه الأخطاء يساعد كثيراً في تحقيق الهندسة الإجتماعية التي ينادي بها مشروع التقرير بقوله(لتعميد طريق التراكم النضالي وتنمية حركة الاحتجاج ضد سياسات الإنقاذ ولاستجلاب التضامن ألأممي عالمياً وإقليمياً ، مع هذه الحركة)) حتى لا تبدد تراكمات كبرى من التي يشير لها مشروع التقرير بقوله( فقد وقع أربعون إضراب للعاملين خلال أقل من 6 شهور في الفترة من ديسمبر 2006 وحتى منتصف يونيو 2007. وبعض هذه الإضرابات عم ولايات بأسرها)) أما كان بالإمكان جمع 10 عشرة منها فقط في زمن واحد محاط بتظاهرات كبرى وحركة قوية للتضامن مناطق الهامش التي أضربت عنها الدولة 60 سنة مع الإقرار بـ: ((إن المدى الزمني للوصول لمرحلة الأزمة الثورية الناضجة تحدده عوامل موضوعية وذاتية متنوعة ، [وإنه] قد يطول أو يقصر هذا المدى الزمني ولكنه في النهاية آت لا محالة)) ولكن هل يمكن أن يكون رفع 500 كاتب لمذكرة شكوى ومطالبة لرئيس الجمهورية بوضع حد لجماعات الهوس مفيداً في إنضاج الأزمة الثورية؟ وهي أزمة تكاملت عواملها ونضجت قبل زمان طويل لدرجة إقترابها من الفساد إن لم نحسن التعامل معها) لقد كان الأفضل للخمسمآئة كاتب تخصيص جوائز رمزية لأقوى مقالة إنتقادية أو قصة قصيرة أو طويلة أو قصيدة أو مسرحية يكتبها طالبات وطلاب المدارس فرادى أو زرافات وتنشر في الصحف مثلاً في شكل مسابقة دورية بسيطة أو حتى برسوم بدلاً لهذا الإجراء القانوني الذي يقع إختصاصه على غير الكتاب والأدباء، في هندسة إجتماعية ذات شكل تربوي أدبي وفني وصحافي، تقلل إمكاناته الموضوعية والجمالية من إمكانات عقلية الهوس.

    34– وهم إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية دون ديمقراطية شعبية وتخطيط إقتصادي وتأميم لفروع البنوك الأجنبية والمصارف الإسلامية والتجارة الخارجية والمؤسسات المشتغلة بنهب ثروات السودان؟

    في نص يتعمد إغفال ذكر إصطلاح (الثورة) يذكر مشروع التقرير الذي اعدته لجنة تسيير المناقشة العامة إجراءات لتحقيق ما سمته "المشروع" تارة و"البرنامج" الوطني الديمقراطي" (دون أي ثورة في الحالين رغم إن السياق الحركي السياسي الذي يحقق هذا البرنامج في حياة الناس كبرنامج هندسة طبقية إقتصادية إجتماعية شاملة من الضرورة أن يكون ثورياً، لأن المصالح والآليات التقليدية كما يوضح نص المشروع تقف بطبيعة تكوينها وتاريخها على الضد منه، ولكن الأهم في هذا الإنتقاد هو توضيح خلو التقديم الجديد لهذا البرنامج الثوري من عناصر فعاليته وهي: تأميم فروع البنوك الأجنبية والمصارف الإسلامية والتجارة الخارجية والمؤسسات المشتغلة بنهب ثروات السودان والديمقراطية شعبية والتخطيط الإقتصادي-الإجتماعي الشامل. فدون ضبط شعبي ثوري للإقتصاد والسياسة سيكون الأمر مجرد إعادة مجددة للقوى الليبرالية التقليدية والإنقاذية بذات أسلوبها الإقتصادي المؤدي للتبعية والإستغلال والتهميش أي بذات العقلية الفذة لمقولة اللواء محمد نجيب (أهه خلاص بأأأه شلنا الملك نرجع بأأأه للأحزاب) !!! أمن الممكن تحقيق تطور مستقل وتنمية متوازنة بهذه الإجراءات المعالم في البرنامج الوطني الديمقراطي الخالي من عناصر الضبط المالي والتجاري ومن التخطيط: (( ا1- الدستور الديمقراطي والحريات السياسية والنقابية وقيام دولة المواطنة المدنية والجمهورية البرلمانية وقومية أجهزة الدولة جميعها . 2- السيادة الوطنية . 3- دعم وتطوير القطاع العام والتنمية المتوازنة والتصنيع . 4- انجاز الإصلاح الزراعي بشقية الزراعي والحيواني وانتهاج علاقات أنتاج الشراكة والحساب الفردي . فالثورة الوطنية الديمقراطية هي في نهاية الأمر ثورة التقدم والإصلاح الزراعي . !!!! 5- تجميع صغار المنتجين والحرفيين وتمويلهم . 6- الثورة الثقافية 7-- الحل الديمقراطي للمسالة القومية والجهوية .8- وضع حد لكافة أشكال التمييز ضد المرأة..))

    والسؤال الإنتقادي التقويمي المناسب موضوعيا لتقليل التنافر في هذه البرنامج هو كيف يتم وضع حد للخصخصة العشوائية ؟ وما هي الجهة الزمنية لهذا العبارة الزلقة وضح حد للخصخصة العشوائية؟ و ماذا عن الخصخصة المنظومة؟ أتسري بطريقة عفا الله عما سلف لكن من هنا ولقادم؟ أم ستسري على الخصخصة التي تمت في الماضي بداية من سنة 1978؟ (تاريخ البنوك في السودان)

    35- تغليب الهم بالرأسمالية الوطنية على الهم بالطبقة العاملة الصناعية في صيغة القوى المنوط بها تنفيذ ما يسمى "المشروع الوطني الديمقراطي" وهو غير مشروع وبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية.

    ((انها قوى الجماهير العاملة في المصانع والمعامل والحقول والمراعي، وقوى المثقفين ، وكل الطبقات والفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في إنجاز البرنامج الوطني الديمقراطي بما في ذلك فئة الرأسمالية الوطنية المنتجة وغير المرتبطة بالاستعمار في الصناعة والزراعة والخدمات . )) ((غير أن تحالف هذه القوى في جبهة وطنية ديمقراطية لا يتم بشكل هندسي عمودي، وإنما يتشكل هذا التحالف عبر حركة نضال يومي تتشابك فيها التحالفات السياسية الرأسية مع التحالفات القاعدية وعبر انتشار حركة التنظيم وتقديم البديل في مختلف آفاق الحياة .)) ((الرأسمالية الوطنية المنتجة لم تختف من مسرح الأحداث كقوى اجتماعية لها دعاماتها القاعدية بين أثرياء ومتوسطي المزارعين وفي الصناعة والتجارة والخدمات)) ((الإصلاح الاقتصادي وترميم وعلاج التدهور في الاقتصاد سيساعد في استعادة مواقعها وتحفيزها لاستثمار أموالها في التنمية.))

    ومع هذا الجهد المضاف لتطمين الرأسماليين بأن (الثورة) أو(التحولات) الديمقراطية ستساعدهم بقوة في الإستغلال والتهميش يبدو إنه لو صرف التقرير بعض جهد تقديماته وهجوماته ودفاعاته وتبريراته وتسويفاته وشروحه لوضع الرأسمالية في قضية الثورة إلى جهة القضايا العامة للطبقة العاملة في المدن والمهمشين في الريف وجانب للمشكلات الأخرى الإجتماعية والثقافية للخرج ببرنامج أكثر منطقية من هذا البرنامج الذي يحتاج فيه مرة إلى فرز الرأسمالية التقليدية عن الغير تقليدية ومرة لفرز التقليدية عن الطفيلية ومرة لفرز الطفيلية لإسلامية ولغير إسلامية مرة يحتاج إلى نكتها وإخراجها من ضهابيب بعض الحواشات الخاسرة او الرابحة ومرة يستعيدهارغم كل ظروف القهر والمنع والدمار إستعادة شاعر عربي لمحبوبته الممنوع عنها أو الممنوعة عنه يقول: ((ترميم وعلاج التدهور في الاقتصاد سيساعد في استعادة مواقعها وتحفيزها لاستثمار أموالها))!!!!! بمعني صرف كل هذه المشاق والنضالات والتضحيات ليأتي مشروع التقرير قائلاً إن ترميم وعلاج التدهور في الإقتصاد يساعد على إستعادة مواقعها وتحفيزها لإستثمار أموالها ؟؟؟ دون أن ينظر إلى إي من السطور والحالات الكثيرة في العالم التي تتحدث عن العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والتدهور الإقتصادي خاصة إذا ماكانت بلا إستعمار قديم أو حديث!!!! ولكن لو سلمنا بهذا الأمر من الإقتناع بضرورة كفالة مصالح الرأسمالية الوطنية المنتجة في البرنامج الوطني الديمقراطي وإفساح المجال لها في خطة التنمية مع تحفيزات لها في قوانين الاستثمار، وضمانات بعدم المصادرة إلا بإحكام قضائية . فالمشروع مطالب بإجابات منطقية على أسئلة من نوع:

    1- من الذي يضع خطة (للتنمية) في نظام ليبرالي الإقتصاد والسياسة؟

    2- كيف ستوضع خطة للتنمية مع سيبان أو\حرية التعاملات المالية والتجارية المحلية والدولية؟

    3- كيف ستزدهر الرأسمالية الوطنية في ظل التنافس الرأسمالي الذي يعيق تطورها بمنافسته وبتضخماته وإنكماشاته؟

    4- ماهي سياسة الدولة من حالة تعارض المصالح بين الطبقة العمالية والطبقة الرأسمالية بالنظر إلى إن الحقوق العمالية تمنع التطور الرأسمالي كما إن التطور الرأسمالي نفسه يحد الحقوق العمالية والإنسانية؟

    الأزمة الأساسية لمشروع التقرير السياسي هو تغييبه أو نسيانه الضرورة الموضوعية لإرتباط تقدم القوى المنتجة في السودان بتغيير علاقات الإنتاج وما يتطلبه ذلك من تغييرات متنوعة متزامنة لأعمال الحزب ونضالاته الجماهيرية حتى لا تبدد في ظروف إقتصاد ودولة التبعية.

    36 – ضرورة توكيد "الماركسية اللينينية" في الحزب الشيوعي السوداني بدلاً من إزاحتها:

    السائد في عالم التنظير الإشتراكي إن ما يسمى "الماركسية" هي السمة الغربية للعملية العملية أو العلمية أو الإعلامية لتناول فكر ماركس كإنتاج شخص أو عالم أو حكيم تأثر في إستنباطه بالعوامل المؤثرة على شخصه كأي إنسان، فيقسمون فكر ماركس حسب عمر ذهنية صاحبه أو حسب ذهنية عمره إلى مراحل شباب (رعونة) ومرحلة حكمة في كهولته، كذلك يقسمونه جغرافية إلى مرحلة ألمانية ومرحلة بلجيكية –باريسية ومرحلة إنجليزية، وحسب ظروف نشاطه إلى مرحلة الدراسة، ومرحلة رئاسة تحرير الجريدة الجديدة، ومرحلة البحث إلخ مما يعزل فكر ماركس عن كينونته الثورية الضوئية التي تجمع بشكل جدلي متقدم وراق ومتفتح كل من الفلسفة والتاريخ وعلم الطبيعة والإقتصاد السياسي والسياسة والحقوق وعلم الأخلاق وعلم الجمال في كتلة حركية واحدة جديدة. وقد وقف ماركس ضد تشخيص الفكرة وتحديدها بظروف منتجها لا بكينونة إنتاجها كما وقف ضد تزييف وضد أيقنة وتصنيم أعماله بدلاً عن ربطها بإضطراد مع متطلبات التغيير الثوري للمجتمع حيث رفض التشخيصات اللاموضوعية ورفض في برنامج غوتا تحويل أعماله إلى مستوى الإشتراكية الديمقراطية بقوله إذا كانت هذه هي الماركسية فلست ماركسياً، ولكن بعض (الماركسيين) لم يعبأو بقوله فبهذه التقاسيم والتقسيمات يتم تفريد فكر ماركس عن فكر موجهه ومجادله ورفيقه إنجلز، بل وتتم تصفية فكره نفسه من تفكيره، وبعد ذلك تتم عملية الإختطاط من مؤلفاته وسلسلة موضوعاته وفقراتها بإخارجها عن سياقاتها الموضوعية الثورية الإجتماعية الصغرى والكبرى لصالح سياقات البحوث والدراسات ونيل الشهادات وحيازة الوظائف ونشر الكتب والمقالات في النصف الثاني من القرن العشرين حسب أغراض الباحث، أو غير ذلك أغراض المتعامل مع بعض نصوص ماركس أما في السياسة فيُخدم إصطلاح "الماركسية" من قبل كل الناقمين على "اللينينية" أو لينين (وحتى للماركسية) رامين إلى عزل الحركة الثورية من تنظيرها العملي في عصر الإستعمار والإمبريالية:فبينما تتميز "اللينينية" بتنظيراتها للمرحلة الثورية والحزب الجديد اللاعنصري-قومي واللاطائفي وإقطاعي واللابرجوازي ، الطبقي العمالي، وبالكينونة الثورية للنظرية واعضاء الحزب ونضاليته الإجتماعية المتقدمة الجامعة بين الدراسة والتطبيق والتقويم، وبتكتيكات جمع أصلب القوى الثورية وضرب أضعف النقاط في التشكيلات الرأسمالية، ومزجه التحرر الطبقي بالتحرر القومي والوطني وبقضايا الريف وقضايا المدينة وبأفقه العالمي في النظر إلى الكينونة الإمبريالية للنشاط الرأسمالي في طوره الأعلى وللإستعمار العالمي (كشكل) أو نشاط لهذه الإمبريالية، وفي نظر لينين والحزب للإنتظام الطبقي والوطني والأممي ضد الإمبريالية وأشكال تواجدها في كل بلد كوسيلة فعالة لحق الشعوب في تقريرمصيرها..إلخ وكمقدمة مادية تاريخية منطقية لحرية الطبقة العاملة في كل بلد.

    بعد تسمم وضعف وقتل كثير من النضالات الشيوعية في أورباالجنوبية والشرقية ظهرت في الإعلام الإمبريالي وفي وحدات الدراسات السياسية بعد أحداث1965 و 1985 ضد االنظم لليبرالية، وأحداث 1989-1992 ضد النظم الإشتراكية للاحزاب الشيوعية وحلفاءها حالة ترويج لما سمته (تخلص الأحزاب الشيوعية من "الماركسية-اللينينية") وهي أحزاب إنشقاق في بعضها تواريخ معارك الحرب العالمية الاولى والثانية بما فيها من تعصب قومي ضد الروس، وفي بعضها تواريخ تعصب ليبرالي ضد الشيوعية تغذيه القوى الإمبريالية وقد قفزت تلك الإنشقاقات فرحاً وطمعاً من داخل بيوت الأحزاب الشيوعية بالذات حين إحتضار ووفاة شيخ القبيلة نشطة لحرق آثاره وإتلاف حسناته وهي تختلف موضوعيةً وإسماً وشكلاً وعلماً عن الشق الماركسي-اللينيني الذي وسموه بالجمود وبعد سنوات قلة لم يبق واحد من تلك الأحزاب الإنشقاقية على قيد الحياة بعد خروجه على المبادئي الماركسية اللينينية، وأضحت المصارف والقوات الأمريكية هي المهيمنة على الموقف في تلك البلدان. المهم إن الدعاية المضادة واصلت تنفيرها الناس من اللينينية ومن الشيوعية ككل.

    في السودان وعموم الشرق الأوسط ترادفت إعلاماً هذه السمة بصورة حديثة من مصادرها الأوربية والأمريكية ومن أخبار إنشقاقات أوربا الشرقية بعد 1992 رغم إن نظرية حركة التاريخ والعوامل المادية الإقتصادية لعيار وقياس حركته في المجتمعات والعوامل الموضوعية في السودان هي التي تجعل الأكثر موضوعية هو إسترشاد دستور ولائحة وبرنامج الحزب بصورة عامة متناسقة بكينونة النظرية الماركسية-اللينينية في قرءاة عناصر وتناقضات المجال السياسي وتحديده الإمكانات الطبقية والقومية والوطنية والأممية للتغلب على هذه التناقضات في المستويات الإقتصادية الإجتماعية والثقافية للفعل السياسي، فدون نظرية ثورية متناسقة تقف ضد ردود الفعل العفوية وضد التجريب الإعتباطي تتحول عملية التغيير الإجتماعي إلى عبث تارة بإسم التراث والإختلافات الفقهية وتارة بإسم الماركسية والتوهان بين ماركس الشاب وماركس العجوز، وتارة أخرى بإسم الوطنية التي لها في السودان أباء وقادة من اليمين ومن اليسار ومن المركز ومن الهامش، لذا من الضروري إصلاح الفقرة الآتية من المشروع عن التحول الاشتراكي لتصير: متطلبات التغيير الإشتراكي وليصير الحزب الشيوعي السوداني حزباً ماركسياً-لينينياً. بتعديل فقرة ((بقاء الحزب الشيوعي السوداني حزباً ماركسياً يستعين بالنظرية الماركسية كمرشد في استقرائه للواقع السوداني للوصول لاستنتاجات سليمة مستنده إلى ما هو إيجابي في تراث شعبنا النضالي وتجاربه الحية. فمن الماركسية يستمد الحزب بقاءه وتطوره وتميزه عن بقية الأحزاب وبدون هذا الانتماء الأيدلوجي العلمي يفقد الحزب الشرط الأساسي لوجوده معبراً عن الاشتراكية .)) لتصير: ( الحزب الشيوعي السوداني حزب ماركسي لينيني يلتزم بدستوره ولائحته وبرنامجه في ......)

    37- بناء الإشتراكية يخلق المجتمع الزراعي الصناعي المتقدم ضد كل ظروف التخلف بالتبعية:

    1- في ظروف الرأسمالية التابعة وزوجية القطاعات الإقتصادية (قطاع تقليدي متخلف رعوي-زراعي في الريف، وقطاع حديث صناعي تجاري مالي ينشط في المدينة) يزداد التفاوت الإقتصادي ولا يقل وتزيد معه معدلات التخلف والفقر والأمية والجهل والأمراض وتزيد مع التفاوت التوترات الطبقية والإقليمية مع المراكز الرأسمالية التي يزيد ميلها للخارج بداية من التعامل والإجازات ونهاية بالإستقرار في الخارجن في هذه الظروف تستهلك القوى المسيطرة على السوق الشعارات والآليات السياسية الليبرالية وحتى التقدمية وتتلفها بآليات الإستغلال والتهميش لذا فإن التصور بإمكان يسر الدخول إلى المرحلة الإشتراكية إذا ما تحقق تقدم بنيوي شامل يتضمن خطأ بسيط شنيع: (( ورفع قدرات القوى المنتجة والتطور المتسارع لعلاقات الإنتاج نحو الأفضل بما يجعلها تصل إلى البناء الشامل للمجتمع الزراعي الصناعي المتقدم ويجعل الدخول في مرحلة الرخاء والتوزيع العادل للدخل القومي أمراً ميسوراً)) فالنظام التقدمي بعد إسقاطه النظام البرجوازي يبدأ بهذا الإسقاط مهمة البناء الإشتراكي، بمفهوم التتابع الحتمي (الجمعة من عصر الخميس) فليس على النظام التقدمي مهمات تيسير وبناء النظام البرجوازي والرأسمالية للدخول إلى الإشتراكية، ففقط بتوافر:

    1- المناخ السياسي القائم على المصلحة المادية،

    2- سيادة التعامل النقودي في مراكز الإقتصاد

    3 - قيام المجتمع وثقافته على تحديد وفرز المصالح وتجميع المنافع.

    بهذه العلامات الكبرى تكون المهمة التاريخية والأساسية للنظام البرجوازي قد أُنجزت وذلك نقله المجتمع البشري من غياهب الإقطاع وإنشرار الأعمال والمفاهيم والإعتماد على القوة الفردية والعصبية في كسب الحياة إلى حال من العقلانية والضبط والقياس والتحدد والتقدم المتناسق لكسب أسهل جهدا وأقوم نفعاً وأثرى سداً لحاجات الفرد المادية والثقافية.

    إن وعي القوى البرجوازية بأن مدخل المجتمع الديمقراطي هو نفسه مدخل المجتمع الإشتراكي لا يمكن التلاعب عليه بالألفاظ فالمعركة الشاملة لوجود حزبنا ونشاطه التقدمي لا ترتبط بمواضعة سهولة أو صعوبة نسبية، فمن الموكد تاريخاً إن القوى السوقية وعموم القوى الرأسمالية تقف بالمرصاد لأي تقدم إجتماعي سياسي خاصة ذلك النوع الساذج المسالم، لذا كان تنظيم وتسليح الجماهير مهمة أساسية متقدمة في الدراسات والنضالات الحزبية الشيوعية والإشتراكية المتقدمة، وقد أثبت التاريخ في جنوب وشرق أفريقيا وبعض غرب أفريقيا وفي كل أمريكا الجنوبية وفي كل أوربا وأمريكا الشمالية وفي عموم آسيا أن تقدم الجماهير إلى أهدافها السياسية التي تنطوي على تغيير إقتصادي إجتماعي واسع يتضمن معارك لا يمكن تلافيها بعبارات أو صياغات، ونحن لا ندعو إلى القوة ولا إلى الحرب فنحن قوة سلم وطيد وحزب للفن والجمال والأدب والإنسانية لكن الطبيعة الموضوعية للتحول الطبقي تفرض علينا التيقظ لحماية نفسنا وحماية الطبيعة التقدمية للمشاريع والبرامج الثورية الوطنية الديمقراطية، وفي هذه اليقظة نقوي إرتباطنا بالقوى الحقيقية المستنزفة في العمل الزراعي والصناعي وفي المناجم وبالجماهير المهمشة في الريف الكالح، وبالمهاجرين والنازحين والمشردين وعموم الفئات المستضعفة والمهملة، نوعدها بالعمل وضرورات العيش والحياة قبل أن نوعدها أملاً بالرخاء وبالتوزيع العادل للدخل الوطني. فمن المعلوم إن الإشتراكية ليست بناء نظرياً وأفقاً إنسانياً وما إلى ذلك بل هي بناء مادي وثقافي يبتدئي بإسقاط ثوري لصنم نظام التملك الخاص الإنفرادي بوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وفرض سيطرة هذا المجتمع على جهود إنتاجه وعلى عملية إقتسامه ثمرات هذا الإنتاج. أما فكرة الوصول إلى الإشتراكية بجعلها أفقاً سماوياً أو بعملية تراضي بين الطبقات الظالمة والمظلومة، أو بأسلوب تجاوز حفرة عميقة بخطوتين أو ثلاث خطوات في الهواء فهو محض تضليل، لذا من الضرورة توكيد( تلاحم أوسع جبهة جماهيرية تؤمن بالبرنامج الوطني الديمقراطي)) بتنسيق متزامن لجهود الحزب الشيوعي السوداني النظرية والعملية في الريف والمدينة بأسس طبقية-إقليمية واضحة أكثر إشتراكية وديمقراطية.

    فمن النقاط الجيدة التي طرحها مشروع التقرير الذي يتبادل فيه خطان إلغاء بعضهما البعض قوله: ((كذلك نرفض الفصل الميكانيكي بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية كما في المنهج الليبرالي الذي يقر بالحقوق المتساوية من جهة ، ثم يتراجع عنها من جهة أخرى بسبب فصله المتعسف بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية أنه تعبير عن موقف طبقي يصم الديمقراطية الليبرالية الغربية بالانحياز التام للرأسمالية .)) إن ((سيادة الحقوق المتساوية)) جهة تملك وسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته هو الكينونة الحيوية ((للتعايش المشترك بين مكونات شعب السودان))

    38- بناء الحزب الثوري يلزمه العمل الإستراتيجي والعمل اليومي:

    يقول مشروع التقرير ((استعادة مفهوم الحزب الثوري كحزب يسعى في إطار برنامج عمل يومي)) والأنجع لثورية الحزب هو نظرية ثورية وتركيبة ثورية وخطة إستراتيجية وتكتيكات عامة وبرامج يومية تكرس التمازج بين الكينونة الطبقية والكينونة الإقليمية لتوزيع الموارد في السودان في كل تجمع بدوي وقرية ومدينة ومجال عمل ومجال سكن، وفي المستويات الوطنية والإقليمية المواشجة للسودان وعلى المستوى الأممي. ومركزية ديمقراطية تحفظ للعمال والمهمشين والشباب والنساء مكانة عليا في الحزب،

    39 - سياسة ثقافية إعلامية متوازنة وشاملة:

    ((الفرق بين إطلاق الشعارات السياسية الثورية الكبيرة وبين القدرة على تغيير الواقع المادي لجماهير الشعب)) ولمعالجة هذا الفرق لا بد للحزب من تخطيط شامل لأعماله وأجهزته بما فيها فصل نسبي لجانب كبير من العمل الإعلامي عن العمل السياسي، بحيث يتاح لكوادر الحزب رفع أو خفض الشعارات السياسية والجماهيرية وفق دراسات وافية وموجهات فنية دقيقة، وفق موجهات تنظيمية عامة.

    40- ضرورة التعامل الموضوعي مع مسألة تقويم نضالات الأحزاب الشيوعية ودور زعماءها:

    يتطلب ذلك قيام وحدة تاريخ شيوعية جزء من مهام أعضاءها كتابة تواريخ كل قرية وحي ومدينة ووحدة عمل في السودان وتحديد ما يمكن من ملامح النشاط الشيوعي فيها أو ملامح الإستغلال والتهميش والقمع الذي صادفته ويمكن مد عمل هذه الوحدة إلى داخل الحزب، وفروعه ومناطقه لتعالج كثيراً من الازمات في رصد وتقويم ووجود ومسار الحزب ففي ظل غياب كثير من عوامل الموضوعية الإقتصادية-السياسية والإجتماعية الثقافية في هذا الصدد لسبب من تقاليد الثقافة السائدة في بلادنا ونزوعها البنيوي إلى الشفاهية، وإلى الشخصية، وإلى التعميمات، يمكن لسبب من تقاليد هذه الثقافة أن يتم رفع بعض المناطق والشخصيات او المواقف وفق معايير إعلامية مضللة أو إستلطافات مزاجية في حينها، أو وفق تسلسل حالة الإنقلابات الداخلية المدنية بالطبع داخل الفروع الأحزاب الشيوعية أو حتى في المؤتمرات العامة للأحزاب الشيوعية ، ومن ذلك ما في التاريخ والعالم من التهجم الإشتراكي القديم على شخصيات ماركس وإنجلز ثم من بعد ذلك تصويرات الخلاف بين لينين وكاوتسكي ثم تروتسكي ثم إستالين وجميع القيادات السوفييتية والاوربية الشرقية وكل الأراء العامة في زعماء العالم وجريانها بأسلوب ((خلف كل قيصر يموت قيصر جديد))

    فمن السهل القول بان الزعيم فلان سيئ وشيطان والزعيم فلان طيب وملاك جهة هذه النظرية او تلك المجموعة من الأعمال بيد إن المعايير المادية والثقافية لنجاح القادة في معارك البناء أو الدفاع والنصر أو إعادة البناء تبقي هي الفيصل. والأصعب هو قبول المعايير المادية خاصة مع مقارنة توضيحية بينها وبين غيرها أو مع ذاتها خلال فترة زمانية مختلفة بمراعاة لطبيعة الأعمال ومواقيتها مع وحدة نسبية لظروف المقارنة. دون ذلك فكلام مشروع التقرير سنة2008 عن إستالين الذي بنى تنظيم الإمكانات المادية والثقافية لرجل أوربا المريض آنذاك (روسيا ومناطق المسلمين المهمشة) فبكل شسوعها وتبايناتها الدينية والقومية والثقافية والفئوية وما فيها من بؤس الحرب الداخلية والخارجية والفقر والمأسي المقيمة في تلك الطبيعة الضارية قاد إستالين تحولها دون إستعمار قديم أو حديث أو بنك دولي وصندوق نقد دولي أو إحتكار أو حصار متحولة بجهد الحزب ونضاله وقيادته من ذلك الوضع البشع والمقزز والأليم والمأساوي إلى الإتحاد السوفييتي لـ16 جمهورية إشتراكية متعاضدة متكافئة مما صار بفضل قيادته دولة عظمى في الإنتاج والبناء والتعليم والصحة والمواصلات والرعاية الإجتماعية والثقافية ومحررة العالم من النازية، والدولة المدمرة التي عمرت نفسها أثناء وبعد الحرب وإستوت من بعد رائدة للفضاء مثلما عدت عالميا الصديق المخلص للشعوب المستعمرة في نضالها لأجل التحرر الوطني، إنه حزب وقائد ودولة يبدو من قبيل الخلط بين الأيديولوجيا الشيوعية والأفكار الليبرالية في مشروع التقرير إستسهال التهجم عليهم خصوصاً مع مرور أكثر من خمسين سنة على وفاته وأكثر من عقد على نهاية تلك الدولة لم تحقق فيها الليبرالية سوى التراجعات والكوارث مع إختلاف الزمان والقدرات العلمية والتقنية والإمكانات السياسية الدولية. إن الجمود الحقيقي يتمثل في إتباع جانب من مشروع التقرير السياسي الذي أعدته لجنة تسيير المناقشة العامة لسياسات نتجت بعد المؤتمر العشرين الذي قام بعد إنقلاب داخلي -كان ستالين قد توفي قبله بسنوات- تلك السياسات التي تفصل بكل برود بين التطور والرقي الطبقي والتطور والرقي الوطني، وتفصل بين التقدم في قوى الإنتاج والتقدم في علاقات الإنتاج، وتفصل البناء الوطني عن البناء الإقتصادي، وتفصل الحزب عن الطبقة العاملة، والشيوعية عن الماركسية اللينينية، فإتباع هذه السياسات هو الجمود بعينه إن لم نقل الإنهزامية والتراجع أمام سيول الإعلام المعادي للشيوعية والسوفييت. وعلى الأقل من باب إحترام المعلم نسأل كيف كان لنا في أفريقيا المستعمرة قديماً التعرف على الشيوعية والأحزاب الشيوعية بكل لوائحها المتجددة لولا بناء ووجود هذا الإتحاد السوفييتي والنضالات الشيوعية لتأسيسه بقيادة الحزب الشيوعي وزعمائه كيفما كانوا؟

    41- في حزبنا مرونة كافية للقيام بأي إنقلاب والمطلوب هو زيادة التنسيق الزماني والموضوعي لأعماله:
    إن التهجم على نصوص أثرية قديمة مستهلكة في اللائحة الحزبية لأول الخمسينيات تجاوزتها لائحة الستينيات توطئة لتقديم لائحة جديدة تحل الحزب الشيوعي تماماً أو تحتفظ بإسمه مع تبديل كينونته اللينينية إلى حزب ليبرالي لا تفيد قضية تطور الصراع الإجتماعي ولا تلعب دوراً موجباً في عملية التغيير الإجتماعي خاصة في حزب به سمة كبيرة من المرونة لدرجة تأخير مؤتمره عشرات الأعوام، ولدرجة إتخاذ قرارات إنقلابية فيه وتنفيذها دون علم الهيئات، بل وبعد علمها لا شيئ أكثر من مداخلات بسيطة أو تقييم ليبرالي ضعيف يفصل تطور القوى المنتجة عن تغيير علاقات الإنتاج.

    إن في حزبنا من المرونة التنظيمية والنظرية والعملية ما يكفي ويزيد وإن كانت هذه حسنة في جانب معين فهي خطأ في جوانب أخرى خاصة الجوانب النظرية التي تمايز وتفصم ما بين تطور القوى المنتجة وتغيير علاقات الإنتاج، وهو فصل ثبت فشله في (الواقع) الملموس منذ ما قبل إستقلال السودان وإلى الآن حيث تطورت القوى المنتجة الآف المرات في عددها وفي نوعيتها وفي كبيعة اداءها وتنظيمها وفي الثمرات التي تنتجها بينما ظلت علاقة الإنتاج بالأجرة كما هي رغم الزيادة الظاهرية فيها حيث لا تسمح للمنتج بإمكانات مالية أو مادية تتيح له حرية أو كرامة إختيار طعامه أو سكنه أو تنقله أو تعليمه أو علاجه أو نوعية حياة معقولة لأولاده.

    42- الفصل بين تطور القوى المنتجة وتغيير علاقات الإنتاج هو سبب الضمور في مواقف الحزب وجماهيريته:
    يقول مشروع التقرير(المركزية الديمقراطية الستالينية التي قادت لضمور الديمقراطية في الحزب في علاقاته بحركة الجماهير)) بينما للحزب سياسة عامة إنتظارية ليس من بأب التأني ولكن بعضها من باب الحيرة الآيديولوجية والتفكك والتباعد الزماني والموضوعي والنوعي بين وتائر أعمال هيئاته وهو تفكك ينتج من الضعف في التكوين والتركيب الذي ينتج معه ضعف تطبيق اللائحة والبرنامج وضعف التحالفات وضعف المواقف، والتباين بين المركز والأطراف على مستوى القرارات التنظيمية والسياسية وعلى مستوى التقدير النظري العام لطبيعة الأزمات العامة والحلول الموضوعية الثورية لتناقضاتها.

    النتيجة العامة للضعف والتفكك هي عجز الحزب عن تحديد المجال الرئيس لأعماله في الوقت الرئيس وبالكيفية الرئيسة والعامة فتكون النتيجة تفكك مواقف الحزب،وهيئاته مثال لذلك تأخر الحزب عن تنظيم أو دعم بعض الإضرابات العمالية أو الطلابية بدعوى إن الظرف العام غير ملائم بينما يكون الظرف (العام) في المجال الخاص للإضراب العمالي أو الطلابي ملائماً تماما.

    مثال آخر دعم الحزب لأعمال جماهيرية متنوعة في مجالات مختلفة واحد في الشرق والثاني في الغرب والفرق الزماني بينها 9 آيام أو ساعتين (في فروع أوربا) ويستنتج من ذلك تفكك الإرادة السياسية وحتى الصلات التنظيمية.

    مع بوادر ظهور إنقسام ما في فرع (...) ظهرت مشكلة في الصلة بينما كان حسم الموقف يتطلب سرعتها. إذن إن كانت الصلة منتمية لأي من الفريقين فإن إمكانات تأثيرها كبيرة على موقف الحزب ورأيه السياسي في فرع أو في مجال معين، حتى ولوكان الجسم العام مترابطا.

    الحديث عن التنظيم الحديدي الصلب قد يكون في زمن الحرب والديكتاتوريات حيث يتشدد الجميع ضد الخطأ، لكن في زمن السلم والديمقراطية تبدو مقولات مشروع التقرير عن خطر ما تسميه المركزية الديمقراطية الإستالينية وتسبيبها ضمور علاقة الحزب بالجماهير مجرد نوع من الهوس بحشر إسم ستالين في كل خطأ حزبي، فالحزب حينما يفقد النظرية العامة الواحدة المركزية، ويفقد الإرادة السياسية الواحدة (مثال إفتراضي السكرتير السياسي في جانب واللجنة المركزية في جانب وفلان وعلان في جانب ثالث) ،يفقد التماسك التنظيمي والعملي تتشتت وتضمر وحداته وتتشتت وتضمر أعماله ومواقفه (راجع باب تحليلات سياسية في الميدان ولاحظ تفاوتاته) من هذا الضمور في كفاءة الحزب ولعشرات السنين تضمر علاقاته بالحركة السريعة للجماهير المستغرقة بقوة الظروف في هموم المعيشة وفي نفحات كرة القدم وفي ممارسة التدين، وفي ممارسة السعادة.

    الأساس الآيديولوجي لتفكك نظرية وتنظيم وإرادة ونشاط الحزب الشيوعي (ظاهر) في التباين الجدلي بين من يتصورون إمكان تطور القوى المنتجة البشرية دون تقدم في علاقات الإنتاج وفقاً لتطور ظروف وتفنيات العمل، والذين يتصورون ألا مجال لتطور القوى المنتجة البشرية من عمال ومزارعين ومهنيين وماشابه دون تغيير جذري في علاقات الإنتاج التي بزيادة قرارهم ونصيبهم في الموارد العامة (في الحالة الديمقراطية الشعبية) تزيد إمكانات حريتهم وكرامتهم في التعامل مع ثمرات الإنتاج وخيراتها العامة من خلال قيامهم بالإنتاج وتجويدهم له طالما يعود عليهم بالخير والمكسب المادي والمعنوي. أما مسألة الدولة والثورة فبحاجة إلى حزب لينيني وعضوية وقيادة ثورية (عمال ومهمشين شباب نساء) للحزب الماركسي اللينيني، وجبهة شعبية | وطنية ديمقراطية فعالة متزامنة، تتسم بقدر من الإستالينية يحقق لها وحدة النظرية والتنظيم والهدف والإرادة حتى لا تتحول إلى منتدى.

    3- خلاصة بعض المؤشرات العامة المتصلة بالموضوع:

    الحزب الشيوعي السوداني يعاني التفكك في كل وجوه وجوده ونشاطه، وذلك لسبب نظري أساس يتمثل في الرؤية التي تفصل بين تطور وتقدم القوى المنتجة وبين تغيير علاقات الإنتاج اللازمة لتحقيق هذا التقدم بشكل مناهض لظروف وآثار وجود السودان كتابع في السوق العالمي للمنظومة الرأسمالية، وهو نفس التفكك الذي الذي حاق بكثير من وجوه النضال الشيوعي في العالم بإعلاء هذه الرؤية الإشتراكية الديمقراطية الليبرالية المضمون بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي لسبب من ترابط نسبي بين الرؤى والاحزاب الشيوعية.

    ومع إعلاء هذه الرؤية تحول موقع الحزب بصورة عملية من حالة المبادرة والطليعية لعملية التقدم الإجتماعي التاريخي في السودان وإنتقال الناس من مرحلة توسع الإستغلال والتهميش إلى مرحلة إكثر إشتراكية وديمقراطية حيث تغير موقف الحزب إلى إنتظار نضوج التراكمات وإستغرق في سياسة ردود أفعال واعمال إصلاحية وتجمعات مثبطة تعيد إنتاج الزمة الرئيسة في السودان مراوحاً ممارسة هذه السياسة إثناء هذا الإنتظار والجمود العملي.

    نتج بشكل نسبي من غلبة هذا الموقف الجامد الممتنع عن المبادرة إلى تغييرات جذرية في الوضع العام زيادة التفكك والضعف في قطاعات الإنتاج والمعيشة، وتوتر العلاقات السياسة والإجتماعية والقومية والدولية المتصلة بأوضاع السودان، ومن هذا الضعف والإستضعاف المدعوم بالشروط المالية والتجارية الدولية على السودان بكل مافيها من تطفيف وتبخيس لأعماله وامواله وحقوق الإنسان فيه زاد التفكك الزماني والموضوعي في أعمال الحزب والجمود في سياساته وإقتراحاته لحل الازمات العامة ونوعية مبادراته لتغيير اوضاع القوى المنتجة وكان ذلك التفكك والجمود نتيجة لأوضاع التفكك والجمود العام في المجتمع وكنتيجة للإختلاف العميق منذ بداية تأسيس الحزب ونشاطه وتجذر هذا الإختلاف في صفوف قيادات الحزب وأعضاءه حول الربط بين تقدم القوى المنتجة وتغيير علاقات الإنتاج. بل وتفاقم هذا الإختلاف في دائرة إنهيار مغلقة لا يمكن تجنبها دون أخذ موقف حاسم جهة هذه الرؤية بصورة قاطعة فإما أن يكون هناك حزب شيوعي سوداني يعمل وينشط لتغيير علاقات الإنتاج أو يكون هناك حزب آخر لأغراض اخرى لا تتعلق بموضوعات التغيير الإجتماعي والتاريخ والإقتصاد السياسي أو تتعلق بها من ناحية ليبرالية تزيد الأزمة الطبقية والقومية والوطنية والإقليمية والعالمية بما يكرسه إحترامها لحرية التملك الخاص الإنفرادي بوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وسيطرة الطبقة المالكة لهذه الوسائل على طبيعة توزيع جهود المجتمع وتحكمها بالتالي في خيرات وثمرات غنتاجه تضاعف بها ارباحه بينما ينحدر 95% من السودان في مهاوى الإستغلال والتهميش وإستضعافاتهم مجردين من حرية إختيار اوضاع معيشتهم ومن كرامة وجودهم كبشر.

    إنتهى نص الإنتقاد في تاريخ 12 مارس 2008
                  

04-16-2008, 00:52 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    المساهمة الرابعة :
    مختصر الـ "42 مسألة إنتقادية لمشروع التقرير السياسي"


    موقع الكاتب: http://www.rezgar.com/m.asp?i=1248
    الرجاء مراجعة المقال الأصل لمعرفة تفاصيل أرآئه في:
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=1248&aid=128271

    شرح أولي لوضع مفردة وسياقها:
    نقصد بمفردة "المشروع" أو "مشروع التقرير........" معنى محدد هو مشروع التقرير السياسي الذي أعدته لجنة تسيير المناقشة العامة وقدمته إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني في 2007 لتمحيصه في هيئات الحزب والخروج من عملية التمحيص بمشروع تقرير سياسي يقدم عبر الآلية المركزية الديمقراطية إلى المؤتمر الخامس للحزب، ليكون موجهاً قابلاً للتعديل الجذري أو الجزئي لحركة نظر الحزب إلى التاريخ وعوامله الموضوعية وليكون بهذا النظر موجهاً لنشاط الحزب الشيوعي السوداني في عملية نضاله لفرز وحشد القوى الطبقية المعينة لإحداث تغييرات جذرية في علاقات الإنتاج ونقلها من الحالة الحاضرة للتملك الإنفرادي الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وسيطرة الطبقة المالكة وإنفرادها عن طريق ملكيتها بتنظيم توزيع قوى وجهود هذا الإنتاج وبتقسيم ثمراته، والتغير عن هذه الحالة إلى حال أفضل لأن تشيع قدرات السيطرة الإجتماعية على جهود الإنتاج وعلى تقسيم ثمراته بتوازن وتناسق طبقي- إقليمي قائم على معادلة موضوعية بين حاجات قوى ومجتمعات السودان والقدرات الإنتاجية فيه وفق قاعدة إجابة ضرورات العيش والحياة أولاً ثم شيئ معتبر من كمالاتها وزينتها.

    تقديم:
    في ظرف تفاقم حالة الإستغلال والتهميش الطبقي والإقليمي في السودان والعالم والطبيعة الطبقية الرأسمالية التابعة لمراكز رأس المال-السوق المحلية والدولية لتكونها بفعل التملك الخاص الإنفرادي لوسائل انتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته، ومواشجة تفاقمها للنزعات العنصرية ضد قوميات ومناطق الهامش وضد النساء وضد الإعتقادت غير التقليدية للدين الإسلامي، في هذا الظرف الموضوعي العام أتي كتاب الـ42 مسألة إنتقادية لأجل هدف بسيط معين هو حذف الفقرات التي تفسد التناسق المنطقي أو التناسق الموضوعي للتقرير والحزب وتبديلها بفقرات أكثر تناسقا. وكان المعيار العام لتقدير عدم وجود هذا التناسق هو التنافر أو التناسخ النسء العام في أو لبعض فقرات التقرير وإختلافها مع الخطوط التاريخية العامة في الحزب المتصلة بثورية فلسفته وتكوينه الطبقي والعضوي والعملي، أو لتنافرها مع بعض الفقرات الأخرى في مشروع التقرير في نواحي الفلسفة أو العمل، مما يفسد وجود وتناسق التقرير أو وجود وتناسق الحزب الشيوعي السوداني أو يفسد وجود وتناسق الإثنين أي التقرير والحزب معاً في آن.

    1- في تفكك وفوقية المستوى التنظيمي لعمل مشروع التقرير السياسي ومواشجاته:

    جاء تفجير المناقشة العامة داخل الحزب عشواءاً طلقاَ إنتقد السكرتير السياسي ذاته في إنفراده بتوسيعها وتوجيهها دون الرجوع لهيئات الحزب، كما وضحت اللجنة المركزية بشكل سياسي الآثار الضارة التي ألحقتها بالحزب عشوائية النقاش وشرعت في تنظيمه بموجهات جديدة، مما تعرقل ضبطه وفاعليته بالتكوين الفوقي المحدود العدد والنوع للجنة تسيير النقاش العام في ناحية، وبتكوين عدد أخر من اللجان تتصل بتقويمات وإستخلاصات اخرى للنقاش العام تجسدت في لجان وأعمال التعليم الحزبي والتنظيم وفي بنية الوثائق الضابطة لعمل الحزب الدستور واللائحة وفي البرنامج وفي المؤتمر وفي اللجان المنظمة لعمل اللجان وفي لجان المؤتمر، ووسط هذا العجيج يمكن الإشارة إلى بعض السلبيات هي :

    أ‌- الأثر السلب للتفكيك والتشتت في طبيعة تكوين أعمال اللجان وإختلاف وتناقض بعض مهم من نتائجها

    ب‌- فوقية ومحدودية تكوين وعمل وعرض نتائج العمل وقبولها مما يقلل إمكانات تصحيحها

    ت‌- التعامل غير الموضوعي مع الإختلافات التنظيمية والموضوعية في الأراء ومصادرها (التجريم الشخصي، والتحليلات البوليسية للأحداث، والنقد الجزافي الخالي من موضوعية عوامل الإنتاج..

    2- في بعض الجوانب السياسية لمقدمة مشروع التقرير:

    أ‌- تقويم المجهول وتعويم عملة الموجود:

    لعوامل متنوعة قومت لجنة تسيير المناقشة العامة –مع ظروف الصلة- كثير من الموضوعات التي لم تطرح وحتى تقويمها للأراء المطروحة تم دون حياد وتوازن موضوعي بين الأراء التي طرحت في النقاش العام، وهي أراء إستوي فيها رأي الفرع ورأي الشخص، والرأي المدعم بالتاريخ مع الرأي "السائد"، بل وإتجهت اللجنة من النقاش الناقص لتعويم كثير من جوانب التاريخ والتفكير والنضال الشيوعي رغم إن اللجنة أقرت في نهاية أعمالها ومفتتح تقريرها بنقص النقاش في المواضيع الآتية،:

    أ/ التجارب الأشتراكية القائمة ( المحوران الأول والثاني ).
    ب/ التصور حول " الدول الاشتراكية ".
    ج/ الاشتراكية والدين .
    د/ الجانب الفكري والفلسفي في مواضيع محاور المناقشة العامة .
    هـ/ مسألة هامة وهي اسم الحزب : فهو نقطة ضعف المناقشة العامة

    وإضافة لهذا الفقد المهم لهذه العناصر اللازمة لموضوعية التقرير نظراً وعملاً ومع العلم بإن الحالة الفعلية لعمل اللجنة = زميلين فقط بعيداً عن أي هيئة إستشارية منظومة من مناضلي وعلماء الحزب في المجالات والعلوم السياسية وفي العمل النقابي وفي المجالات الإقتصادية وفي التنظيمات الإجتماعية والجماهيرية وفي الثقافة والإعلام حيث تولت الأمر حسب التكليف بنفسها مع مشاورات فردية متقطعة في صورة (الشورى غير ملزمة للحاكم) ومع نقص كل هذه العوامل لايمكن الإعتداد بفاعلية تكوين وعمل اللجنة خاصة مع النظر إلى طبيعة تحليلاتها أو تقويماتها لأحداث التاريخ ونضالات الشيوعيين بتضخيمها الأدوار والمواقف الشخصية تارة وإنسياقها مع النزعات البوليسية، والأخلاقية، والإستبرائية، في قراءة وتفسير أحداث التاريخ أو غرقها في توجيهات ليبرالية- تجريبية لمستقبل حركة نظر ونشاط الحزب الذاخر بالمناضلين والعلماء! لذا فبالنظر إلى جسامة النقص الموضوعي والعددي لوجود وتنوع العناصر السابقة الضرورة بدورها لوجود وسلامة أي نظر ونضال موضوعي في عوالم السياسة الإجتماعية، يمكن الإتجاه إلى تقويم سلبية ظروف عمل اللجنة ونتيجتها، مما خالفته السكرتارية بقبولهاالموضوعي هذا العمل دون إيضاح حيثيات هذا القبول سوى تعشيمات بأن بالإمكان إصلاح أخطاء هذه المناقشة وهذا المشروع في المؤتمر القادم أو في الذي بعده دون تقدير لأن الإستمرار في هذا الدواء الفاسد ( دون تصحيحه) قد يسمم الحزب أو يقتله!

    ب- مشروع التقرير بين التفرد والإنجاز والنتيجة الآجلة له (خطوة واحدة إلى الأمام وعشرة خطوات إلى الخلف):
    إبتعد التقريرعن تناول الأزمة العامة في السودان كأزمة أساس، محولاً لها إلى مجرد أزمة فرعية ثانوية ناتجة عن إفتقاد الديمقراطية، بينما هي ذات الأزمة الأصل التي تئد الديمقراطيات وتقتلها! فالأزمة الأساس في السودان والمنعكسة على بنية الحزب ونشاطه هي الأزمة الماثلة في أوضاع الإستغلال والتهميش الطبقي والإقليمي وعلاقتها بالمسألة الأساسية في التطور الإجتماعي وهي طبيعة تملك وسائل الإنتاج وإمكانات تنظيم جهوده والإفادة منها، لذا فمشروع التقرير يبدو موجباً في جهة تفعيل الديمقراطية داخل الحزب وخارجه مع تأجيل لأسسها، مما يجعله تقريراً سالباً في جهة تفعيل الأسس الضرورة لوجود وطبيعة نمو الديمقراطية في نفي علاقات الإنتاج شبه الرأسمالية والرأسمالية، ففي ظل سيادة التملك الخاص الإنفرادي على تنظيم إنتاج المجتمع لشؤون عيشه وحياته، تبدو عملية الحرف الليبرالي للحزب والإنتقال به من مواقع الماركسية اللينينية والخطوط التاريخية العامة في الحزب المتصلة بثورية فلسفته وتكوينه الطبقي والعضوي والعملي بما فيها نقاط برنامجه المتصلة بشمول إجراءات التأميم للبنوك ووسائل الإنتاج العام ومؤسسات وأنشطة التجارة الخارجية لتحقيق إمكانات موضوعية لوجود ونجاح عملية التخطيط وعملية التنمية.

    فدون ضبط هذه النشاطات لا مجال لحل أزمة الإستغلال والتهميش الطبقي والإقليمي في السودان ولا لنجاح أي إجراء سياسي يؤجل حل تناقضاتها. فمشروع التقرير يمثل خطوة إلى الأمام نحو عقد المؤتمر ولكنه بتقليل من مكانة الأزمة الأساس في السودان ووضعها بعد تصور مغلوط لطبيعة الأزمة السياسية كأزمة توافق جماعي بين الظالمين والمظلومين وإصرار على توطيد نظام ديمقراطي يحقق بشكل نسبي مصالح جميع الطبقات المتعارضة دون تعديل مباشر لموازين تملك وسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وسيطرته على توزيع جهود هذا الإنتاج وثمراته فإن مشروع التقرير يمثل أكثر من عشرة خطوات رجوع إلى الخلف في علاج أزمات السودان والحزب، إن لم نقل إنه يمثل ثورة مضادة على الطبيعة الثورية اللازمة لوجود أي حزب شيوعي ناهيك عن أن يكون هذا الحزب في السودان الذي يعاني مسالة التوزيع الديكتاتوري الطبقي والإقليمي لأمور السلطة والثروة ومقاليد حكمهم.
    ت- إبعاد التقرير عن أصول وقضايا البرنامج وعن الأسلوب الموضوعي للتقارير في إتحاد السوفييت:
    1- كان السوفييت حتى قبل المؤتمر العشرين يتبعون في تقاريرهم الأسلوب الموضوعي للتاريخ القائم على تحديد وضع العوامل المادية في الإنتاج والإستهلاك وسياساتها على المستوى العالمي فالمحلي،بادئين بالضروري العام منتهين إلى المحلي الخاص من إجراءات إدرارية وثقافية تتصل بالحياة العامة للناس في المدينة والريف وكانت تقاريرهم حتى ذلك المؤتمر تتسم بإتساق الإصطلاحات والمعاني، وبالوحدة النسبية العامة بين النظرية والإستراتيجية والتكتيك، وبين الدستور والبرنامج وبين الحاجات العامة في البناء والدفاع ومؤشرات الخطة العامة لحركة المجتمع والدولة، مما حاول مشروع التقرير بنجاح السير فيه رغم إنكاره وإستبراءه منه وهو الإنكار الذي أخذ نواحي عملية في كثير من نواحي مشروع التقرير حيث كان التذبذب في تناول الأحداث والمواضيع والإصطلاحات وتراوح لون التحليلات بين التحليل الشخصي والتحليل البوليسي مما أدى لنشوء طبيعة سُمية في التقرير تتصل مباشرة بالنقص الموضوعي في المناقشة العامة وفي قلة حياد اللجنة جهة إنتقاء أراءها الأساسية، كما إن هذا التذبذب موصول بشكل غير مباشر بالأخطاء القاتلة للحزب في طبيعة تفجيرها وفي طبيعة (تنظيمها)، مما هو واضح في تقرير الاجتماع المشترك بين سكرتارية اللجنة المركزية ولجنة تسيير المناقشة العامة (2/8/2007) حيث جاء في محضر رصد وقائع الإجتماع على لسان كل من "عباس" و"صلاح" الآتي( عباس : لم أعاصر اللجنة لكن ما وصلنا منها أفادنا بأنه تجرى المناقشة بصورة أحسن . طريقة فتح المناقشة : بدأت قبل 1995 عند تحديد المحاور وتكوين اللجنة. نستفيد من ذلك مستقبلاً، تحدد وقت ، ومحاور ... الخ . مرت المناقشة بمراحل اختلفت في الطريقة والمحتوى . موضوع الاسم : فرض نفسه بطريقة فتح المناقشة وأصبحنا ملزمين به كمحور لابد أن نركز على الحيثيات لتغييره وإلا سبب ذلك هزة في المؤتمر الخامس . صلاح : الاسم يحتاج لمناقشة عميقة ولا نستعجل ذلك . وبإمكان حسمه في المؤتمر القادم،..... ))

    2- رغم هذا النقص الخطير في نوع الكيان (المطلوب) من تلك "المناقشة العامة" وهذا الإختلاف العميق في التعامل معه أنجزت اللجنة الموقرة أعمالها بمنطق إكمال النقص وتجاوز السلبيات وهو منهج عملي مفيد لم يصلح في التاريخ و لا يصلح ممارسةً لتقديم حل لأزمة الصراع الطبقي- الفكري في مجتمع وحزب متناحر مما يتجلى بموضوعات: ضرورة أو طبيعة وجود حزب شيوعي، أو حتى حزب إشتراكي! فمهما كان لأطراف هذه اللجنة من قيم ذاتية تعصمهم من الميل إلى هذا الرأي أو ذاك في تحديد النواقص وسدها فإن عملية عرض هذا التقرير لكافة الهيئات الحزبية وأعضاء الحزب وأصدقاءه لإبداء رأيهم فيه ولكن بعد قبول السكرتارية العامة له تبدو مسألة نقيضة لبعض قيم الديمقراطية الليبرالية، ولكينونة الحرية والنظام في قيم الديمقراطية المركزية في الحزب الشيوعي بتراتبها الرأسي مثلما هي نقيضة أيضاً لقيم الديمقراطية الشعبية بتكوينها الأفقي الطبقي والفئوي الإجتماعي وتراتبها الرأسي من القاعدة إلى القمة. فكيف للجهد المنفرد أن يحل محل التنظيم؟

    3- إنجاز مشروع التقرير بما في الإنجاز من تضحيات وبطولات يعد بلا شك مأثرة وخطوة كبرى متقدمة إلى عقد المؤتمر العام الخامس الحزب في وقت أقعدت التناقضات بعض همة العمل في الحزب. لكن الظروف التي قسرت على إنجاز مشروع التقرير بهذه الصورة التي تحل فيها اللجنة محل الحزب ومؤتمره تقود بخطوات سريعة إلى تصفية كامل وجود الحزب الشيوعي أو فرط وحدته بصورة رسمية بداية من عقد المؤتمر الخامس، وتأسيس حزب أخر ليحل محله، تحت مسميات وشعارات إصلاح فوقية او حتى جذرية تعود بالنضال الطبقي إلى مرحلة الماركسية قبل اللينينية بينهما السودان وجموع الكادحين والمهمشين فيه يعيشون في عصر تتأزم فيه الإمبريالية بين حاجتها لزيادة الأرباح وزيادة معدلات الفقر والدمار الذي تنشره بمحاولات سيطرتها على المجتمعات (الأسواق): إذ تحتاج الربح من بلادنا ومجتمعاتنا المخسرة بتنظيمها الدولي للموارد من إشتداد الهجوم الإمبريالي المتنوع على موارد حياة الشعوب ووسائل عيشها وإنتاجها مضعفة القوى المنتجة في كل مجتمع بكل كياناتها النقابية وأحزابها الشيوعية وتنظيماتها التقدمية الإجتماعية، ومفتتة المجتمعات والدول تارة بالشروط المالية الدولية الممركزة للموارد والمحددة لوجوه صرفها وتارة أخرى بالشروط المالية الدولية لتوزيع تلك الموارد ومركزتها في أقاليم الدولة،مع ما يرافق تلك الشروط القابضة وتلك الشروط الباسطة من ضغوط وإستضعافات وتفتيتات مباشرة وغير مباشرة.

    ث - فقر الطبيعة الطبقية والإقليمية لمشروع التقرير السياسي:
    إنصراف التقرير عن المسألة الأساسية في التطور الإجتماعي وهي ملكية وسائل الإنتاج العامة، جعله - حسبما يهوى- فقيراً في الناحية الطبقية لتناول أزمات المجتمع معولاً في حلها على صراع نسبي محدود بين بعض الأشكال السياسية للرأسمالية القديمة والجديدة، وعلى توحيد الإرادة العامة لكل القوى السياسية للطبقات المختلفة بتنازل رئيس من جانب الحزب الشيوعي عن برنامجه الثوري لا يوجد ما يقابله من الناحية التقليدية، كذلك صرف المشروع موضوع أزمة التهميش العام إلى لجان داخلية معزولة متباعدة في الحزب مع أبناء كل منطقة مهمشة، لحالهم، بينما هي أزمة أصل في فشل الديمقراطية الليبرالية وفي تراجع فاعلية الحزب ونشاطه.

    3- خلاصة إنتقادية عامة لبنية وهيكل مشروع التقرير:
    من النقاط السابقة (أ) ، (ب)، (ت) التي ركزت على إنتقاد بعض الجوانب التنظيمية والسياسية لمقدمة مشروع التقريرالسياسي بالإمكان القول إن الطبيعة العامة لمقدمات التقرير مع تجاهلها أبجديات الإقتصاد السياسي وجدليات الطبيعة والتاريخ، والضرورات الطبقية والإقليمية والأممية لتغيير نظام التملك الرأسمالي الخاص لوسائل وجهود وثمرات الإنتاج بما فيه من إستغلال وتهميش وإضرار بالإنسان والبيئة، فإن بنية مشروع التقرير إعتورت بأخطاء جد جسيمة جمعت في أخف تقدير لها بين تدمير تنظيم الحزب الشيوعي و تدمير العناصر الموضوعية للنظرية الماركسية-اللينينية، وتشويه وقطع السياق الثوري الإشتراكي للتغيير الإجتماعي والتطور والرقي الوطني الديمقراطي، وتبديله بآمال خلب في "التجريب" والإصلاح الردفعلي وفي "المؤتمر الجامع" و"إستلهام التراث"، بل والمشاركة العملية في إستئصال شأفة الشيوعية بدعوى محاربة الإستالينية، بداية من تبني الإنفتاح الفكري على حساب الإنتظام الفكري، وليس نهاية بالحديث عن تغيير الحزب والبلاد بلا خريطة طبقية موضوعية أو صلات أو دوائر كهربية محسوبة القدرة والإتجاه ومحركات ناظمة !! فكان بأصله ووضعه التنظيمي هباء منثوراً وقاعاً صفصفا، وصار تجديده كالجمل في البحر.

    2- نماذج لبعض النقاط التي تفسد تناسق الحزب أو تناسق مشروع التقرير السياسي:

    1- إجتماع لتناقض الخط التنظيمي مع تناقض رؤى التجديد والتناقض الداخلي في كل منهما بمشروع التقرير:

    إختلاط القول بوجود "خط تنظيمي" عام نظم به مشروع التقرير نفسه أو سينظم مشروع التقرير بها الحزب وذلك بالنظر إلى الصراع المتنوع الدائر بلاهوادة داخل هيئات الحزب، حول طبيعة التاريخ، والمجتمع، وحول طبيعة وإسم الحزب خاصة في الوقت الذي إتجهت فيه موجهات السكرتير السياسي إلى رفع أعلام الليبرالية والتجريب العشواء وتكرار المسارات القديمة في ركاب القوى الليبرالية معتمداً لها بأنشطته كسياسة موجهة الحزب إضافة إلى إتجاه السكرتير السياسي إلى تخفيض قيمة وتعويم الركائز الفهومية (المفاهيمية) لـكل من "ألآيديولوجيا الثورية" و"الإشتراكية العلمية" والماركسية-اللينينية وهي الفهوم المتعلقة بإصطلاحات "التاريخ" و"المراحل التاريخية"، و"التطور" و"الإنتاج الإجتماعي" و"فائض القيمة" و"التوزيع" و"الطبقات" والطبقة العاملة" و"الطبقة الرأسمالية" و"الصراع الطبقي"و"الحزب الطليعي" "الثورة والدولة" ، و"التضامن الأممي"، بل ونشاط السكرتير السياسي وبعض الذين تحدثوا بإسم الحزب في عملية حية متصلة إلى هذه اللحظة لحرف الحزب من إسمه ومن طبيعته الثورية ومن طبقيته العمالية وتخلصهم -بالقطعة- من أوليات برنامجه الثوري الوطني الديمقراطي الماثلة في: حظر إحتكار تملك الوسائل العامة للإنتاج والخدمات ومنع الإستغلال الإقتصادي الطبقي والإقليمي، ومنع نشاط ألياته بتأميم البنوك والمؤسسات المالية الخاصة والأجنبية والوسائل الكبرى للإنتاج الإجتماعي، وضبط التجارة الداخلية والخارجية، وتنظيم خدمات التعليم والصحة العامة لمجتمعات السودان في إطار تخطيط ديمقراطي شعبي عام أفقي ورأسي التكوين يكرس عملية التنمية المتوازنة الوطنية والديمقراطية الإشتراكية السمة لجميع قوى وموارد المجتمعات السودانية بتغييرها علاقات الإنتاج تغييراً يكرس بفاعليته تطوراً ورقيا منظوماً في قوى الإنتاج المادية والبشرية، وهو ما يكرس بدورة حرية كبرى من الشروط المولدة لتبعية وضع السودان للمراكز الإمبريالية في التنظيم السوقي العالمي لموارد المجتمعات وتبادلها المنافع، ويسمح بإستقلالية المواطنين وأقاليمهم من الخضوع لمصالح الأرباح المركزية بكل مافيها من إستغلال وتهميش له.


    2- كيفية إنتقاء رأي معين من مصادر متعارضة؟

    في إطار هذه الأزمة السياسية والتنظيمية كيف إنتقى مشروع التقرير بيناته من مجموعة متضاربة نسبية من المراجع؟ فبعضها ينتمي لفترة الستينيات وعنفوان الحزب وبعضها ينتمي إلى القرن الواحد وعشرين بكل مافيه من ضعف وتشتت للحزب، القديم منها يقاوم فكرة تذويب الحزب في القطاع العام وحاكمية الدولة ، والحاضر المعاصر منها يرتكز في تحليلاته ونشاطه على فرقة أخلاقية بين شكلين سياسيين من الرأسمالية!


    3- النظرة الإنتقادية إذا ما جاوزت حدها: (في تاريخ الإتحاد السوفييتي ):
    1- تجاوز مشروع التقرير في إنتقادات غير موضوعية للنضالات الشيوعية في إتحاد السوفييت و(ركائزه) كون العهد الإستاليني للبناء والدفاع وإعادة البناء كان بكل ما فيه من خسائر ونجاحات عظمى كان نتيجة للجدل القائم بين مرحلة "شيوعية الحرب" ومرحلة "شيوعية السوق" (النيب) وإن سياسات البناء والدفاع والنصر الإستالينية (1930- 1954) إرتبط نجاحها برفع مستوى القوى المنتجة بتغييرات مباشرة في علاقات الإنتاج شملت المستويات الطبقية والعلاقات الإدارية-السياسية الداخلية بين مناطق روسيا والمناطق الأخرى لقوميات المسلمين وغيرهم في ما يتعلق بطبيعة تنظيم الإنتاج والتنمية الرأسية والأفقية مما مكن الشعوب الروسية والقوقازية في عقدين من االخروج من تناقضات النظامين الإقطاعي والرأسمالي بكل مافيهم من فقر وبؤس وحفاء وجوع وجهل ومرض وأوبئة وحروب إلى النفاذ الجماعي المتناسق إلى مراحل المجتمع الحر من الإستغلال والآمن من العدوان المتقدم بشكل جماعي منسق في أحوال راقية للتنمية والمساكن النظيفة الموثثة والطرق السهلة المبسوطة والخدمات التعلمية والصحية المتنوعة والكافية والمواصلات الرغدة وضروب راقية للثقافة والرياضة العقلية والبدنية ونوافذ في أعماق البحار وأقاصى الأرض وأغوار الفضاء تطل على عمق التاريخ والمستقبل الأنساني.

    2- إن التحول بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي من حال التوازن النسبي العام بين مستويات وعلاقات الإنتاج- الإستهلاك إلى حالة التمايز والتباعد والتفكك بينهما متصل بإعادة سياسات ذلك المؤتمر للتقويم النقودي المالي لمنافع الإستهلاك في مجال الحصول على السلع دون تقويم مماثل في مجال الإنتاج الذي ابقي علاقاته على كينونتها الإدارية مما خلق بداية التفاوت بين مستويات الآيديولوجيا والنظرية والممارسة وبين النواحي السياسية والإدارية وبين التنظيم الإقتصادي والتنظيم الإجتماعي (مثل أثر الفرق في التوزيع داخل قلب الدينمو) وكذلك بين السياسات المحلية واوضاعها القومية والثقافية والإدارية والأوضاع الدولية للإتحاد السوفييتي وسياساته.

    3- التطور في محو الإستغلال وفي مستويات وعلاقات الإنتاج والتوزيع ونتائج التنمية تمثل عناصراً لقرآءات وتحليلات أقوى موضوعية للتقرير السياسي من التحليلات القائمة على لوم أو شكر فرد (إستالين) من نوع: قام، فرض، ضرب، عطل، أفسد، أنجز، وهي أقوى موضوعية كذلك من النهج البوليسي لإكتشاف وجود تأمر من مجموعة معينة عطل (الإصلاحات) أو حتى فرضها، فدائماً هناك قوى في المجتمع تظهر طموحاته وسط سكوت الكثيرين، وكذلك في كل قيادة هناك مجموعات تنتنمي لمصالح ومشروعات إجتماعية متصارعة لكل منها إمتيازات إقامة وحركة تقل إمازتها بتكاثرها في الدولة لجميع الناس.

    4- الأزمة الطبقية في تبديل إصطلاح "المرحلة التاريخية" بمفردة "العصر":
    أجترح هذا التبديل في التفجير العشواء للمناقشة العامة من قبل تيار "التخلص من الشيوعية كخلع القميص القديم"، الذي لم يدري إن الشيوعية هي الأسلوب الموضوعي الأنجع لعلاج تناقضات الحياة العامة وليست قميصاً إشتراكياً ديمقراطياً يرتدي ثوب الحزب الطبقي الغالب في الساحة. المهم إن مجاراة مشروع التقرير لتبديل للإصطلاح العلمي فارقت موضوعية إتصاله بفرز التاريخ وحركة المجتمعات في المناطق والأزمنة المختلفة إلى مراحل متنوعة بناء على العلامات المادية للنشاط الرئيس في حياة الناس، وهو العمل والإنتاج بما فيها طبيعة الإنتاج وتنظيمه ونوع علاقات التملك والسيطرة على وسائله وموارده وثمراته، وطبيعة أو مدى وجود مصالح الناس او إشتراكهم في جهوده وثمراته. أما مفردة "العصر" فالكل يعرف هلامية تنوعها وضبابية عناصرها إذ يقال عصر البخار وعصر الإستعمار وعصر الكهرباء وعصر الصناعة وعصر الثورات وعصر الحروب وعصر السلام وعصر الإشتراكية، وعصر الأزمة العامة للإمبريالية، وعصر القوميات، وعصر الصواريخ، وعصر المرأة، وعصر التنمية، وعصر الإنهيارات وعصر الفوضى، وعصر الإسلام السياسي، وعصر الذَرَة، وعصر التلفزيون..أو الإتصالات إلخ فهو مصطلح سائب ينفع للجزل السياسي ولتحويل الفهوم في نقاش عشواء، ولكنه لا يفيد في تجديد منظوم للعملية الثورية والإشتراكية وحزبها في السودان.

    5 - تجاوز إختلافات مراحل نمو وتأزم ووفاة الإتحاد الإشتراكي للجمهوريات السوفييتة:

    تجاوز التقرير ما في كل مرحلة من مراحل نمو وعنفوان وتأزم ووفاة إتحاد السوفييت من عوامل بناء وقوة وعوامل هدم وضعف، وميله للتحليل الشخصي والتحليل البوليسي في قرآءة وتفسير الأحداث، بل وإقحامه تفسير تعميمي مناف لأبسط مبادئي الإقتصاد السياسي كالقول بوجود: موجات ركود مصاحبة لرأسمالية الدولة والمركزة الصارمة [لتنظيم الإنتاج ]! أو بتخيله إن زيادة النشاط الرأسمالي يمكن أن تؤدي إلى إلى تنمية متوازنة ! حيث وقع بذلك في ثلاثة اخطاء هي :

    1- تجاهل الفرق بين الإصلاح والثورة المضادة!

    2- تجاهل حقيقة نجاح وإنتصار الإشتراكية لنصف قرن ثم إفتراض إن الداء الذي ألم بها هو الدواء!

    3- التصور الخطأ لعلاقة متوهمة بين قصر آجال التخطيط والطبيعة النقودية للحوافزعلى الإنتاج!

    6- تطفيف الحساب:
    التقرير يزن كلماته جهة مظاهر الأزمة في الحزب بعيار الذهب شبه الألفي، بينما في جهة الحزب الشيوعي السوفييتي يميل إلى لعشوائية والإستخفاف، دون أن يقدم في الحالين عوامل مقارنة محددة زمانية أو موضوعية تبرر له هذا السياق المجافي لقواعد الموضوعية وهذا الإحترام القليل لنضالات وظروف البلد الذي علم الناس في العصر الحديث معنى الشيوعية.

    7- تقسيم قوانين المادية التاريخية ووجود الحزب ونضالاته إلى جوهر ومظهر!

    8- إن كانت الإشتراكية مطلوبة بطريقتنا الخاصة ! فأين الديمقراطية بطريقتنا الخاصة؟
    بينما يميل مشروع التقرير إلى إصطناع إمكانات في الحزب الشيوعي لبناء تطور إجتماعي مختلف في السودان عن كل تطور إجتماعي تاريخي في العالم يراعى فيه الحزب الشيوعي أو الحزب البديل له عدم الدخول بمواجهة عنيفة من أي نوع سواء ثورية عامة أو إنقلابية أو حرب شعبية ضد أي نوع من الرأسمالية بميله إلى تبديل كثير من مقومات وركائز الشيوعية والإشتراكية والثورة الوطنية الديمقراطية وتفكيك وتخفيف قوى وأهداف النضال الطبقي والإقليمي والإجتماعي في محاولة لتكوين طريق خاص للإشتراكية في السودان، يحولها إلى أفق بعيد،مستحيل إنجازه بالمحافظة على قواعد نظام التبعية بكل ما فيه من إستغلال وتهميش محلي ودولي نجده مشروع التقرير يمارس السياسة الضد لهذا الإتجاه متبنياً دون حذف أو تعديل أو إضافة كافة مقولات وإنتظامات الليبرالية إذ يقر بشكل ضمني القاعدة الأساسية للإتجاه الليبرالي وديكتاتورية طبقته الرأسمالية الممارسة بواسطة أحزاب تقر مبادئي إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان! وهي قاعدة حرية التملك الإنفرادي الخاص لوسائل قيام المجتمع بإنتاج ضرورات عيشه وحياته وكمالاتها وحرية إمكان إستغلال جهوده لمصلحة الطبقة المالكة تستغله وتهمشه وتستلبه وتغربه. فهذا الإتجاه المطفف بين التغيير الإشتراكي والديمقراطية الليبرالية بقبضه الأولى وبسطه كفه للثانية لا يمكن البحث عن اسبابه في بعض النزعات الشوفينية والخصوصية وعقدة تضخم الذات وإستعلاءها على مقومات العلوم الإجتماعية بإعتباره هو الدافع لطرد النظام الإشتراكي من بيته لحاجته بعض إصلاحات ثم إدخال كل المنظومة الليبرالية في ذلك البيت بدلاً له رغم إحتياج كل بلادنا ومجتمعاتنا المهمشة بالنظام الليبرالي للتملك الخاص إلى ثورة كاملة للقضاء على تناقضات الليبرالية وأزماتها!

    9- تفريق مشروع التقرير بين التطور الإجتماعي والهندسة الإجتماعية يتضمن إلغاء وجود الحزب:

    يتراجع مشروع التقرير عن فهم "الهندسة الإجتماعية" وهو الإصطلاح العموم المواجه لفهم "الليبرالية" (= حرية الأعمال الرأسمالية في التملك،بإعتبار أن فهم الهندسة اللإجتماعية أسي تخديمه، دون أن يذكر مشروع التقرير الشيء الذي لم يتم تخديمه بصورة خاطئة في دنيا السياسة وصراعات المصالح! رغم تصريح التقرير غير مرة بضرورة 1- تنمية حركة الجماهير و 2- الحضور الفاعل للجماهير المنظمة و3- مراكمة العمل الثوري وهي كلها ومشروع التقرير وأي جزب أو سياسة أو تعليم تمثل جزءاً من هندسة الإنسان لمجتمعه ومعماراً مُخططاً لتنمية قواه وآلياته وتوزيعاً عاقلاً رشيداً مفيداً لجهودها وثمراتها!


    السؤآل الحاسم في التمييز بين التغيير الثوري والتحول الإشتراكي: ماهي علامات نضوج الرأسمالية في المركز والإطراف؟

    1. سيادة ثقافة المصلحة والمنفعة الفردية المقدرة بمعايير مادية ومالية (طبيعة المعيشة والثقافة المعبرة عنها)

    2. سيادة التعامل السلعي- النقودي لتبادل المنافع في مراكز المجتمع (إقتصاد النقود)

    3. الحكم السياسي المدعي تحقيق مصالح جميع الطبقات والقوميات (السياسة الحديثة كعلامة عقلانية للوجود الإجتماعي)

    4. زيادة التناقض بين التكوينات الإجتماعية والقيمية التقليدية والتكوينات والمصالح الإقتصادية ( التفكك القيمي والمجتمعي)

    5. تفاقم كل من النزعة الخارجية والنزعة المحلية كوسيلة لحل الأزمات الإجتماعية (نزعة التدخل الخارجي | النزعة القبيلية )

    10- هل بالإمكان حسم نهج التبعية والنشاط الطفيلي والفساد دون إلغاء نظام التملك الإنفرادي الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته؟
    1- في موضوع الطاقات الثورية للفئات الوسطى في ظروف حرية السوق:

    الطاقات الثورية للعناصر الصغرى من البرجوازية تتناقض وتتبدد بحرية السوق ومخاوفه ومغرياته الأفضل منها إتجاه التقرير والحزب للإرتباط بالمكانة الموضوعية لطليعية الطبقة العاملة في تطور المجتمعات ( تفصيلها في فقرة قادمة) .

    2- في التواشج والتمايز بين الطبقة العاملة القديمة والطبقة العاملة الجديدة :
    العمال الجدد القادمين من مواقع البرجوازية الصغيرة يشكلون "ارستقراطية عمالية" ولكن إنصهارهم فيها يطور نوعية الطبقة العاملة

    بعض أسباب وعوامل الطبيعة الطليعية للطبقة العاملة الصناعية بأشكالها:

    1- الطبيعة النوعية-العددية لوجود العمال ونشاطهم الصناعي في مجتمع رعوي وزراعي متخلف وريادة تقدمهم له.
    2- النوعية المتقدمة لإنتاجها وتخديمها الآلي للموارد الخام ومضاعفتها الهائلة للدورة الإقتصادية (نفط، ذهب، طاقة، منتجات نقل).
    3- تقدم وعيها بالإمكانية الثورية والسياسية لحل أزماتها دون إمكانات دينية طائفية أو قبيلية أو عائلية أو تعليمية أخرى.
    4- الثقافة والطبيعة التعاضدية العميقة لإدارة تنظيماتها وأمورها بتجرد من أغراض الربح وتميز الفرد على حساب المجموعة.
    5- تمتعها لزمن طويل بصفات وطنية وأممية التنظيم والممارسة النقابية والسياسية والنشاط الشيوعي في العالم وداخل كل بلد.

    11 - هل بالإمكان حل الأزمة القومية والوطنية الديمقراطية والإقتصادية دون حل الأزمة الطبقية؟

    يجنح مشروع التقرير في مواجهة الأزمة الطبقية-الإقليمية دون أن يسميها إلى شعارات عموم وتفاصيل جزئية متبددة منها : "الإصلاحات السياسية"، و"التحول الديمقراطي"، و"المؤتمر الجامع"، و"الحكم الشعبي المحلي" يقدمها كحل مزعوم لمشكلات السودان الناتجة من الأزمة الأساس الماثلة في التمركز الطبقي-الإقليمي الحالي لرأس المال في العاصمة!


    12 - القواسم المشتركة بين مشروع اللجنة والمشروع الامريكي لـ(الإصلاح) في الشرق الأوسط؟

    هناك فقرات عدداً في مشروع التقرير تميل إلى تفريغ الحزب الشيوعي من مضمونه الثوري وتناول الأزمة الطبقية-الإقليمية بإصلاحات فوقية موصولة بنشاط مدني خفيف متفرق ومتفاوت قائم في وقائعه على قدرات شخصية وتمويلات خارجية بما لا يقدم في حل الأزمة العامة، كذلك تتصل فوقية الإصلاحات التي يقدمها مشروع التقرير بحل وتراضي وإجماع بين القوى السياسية القائمة بأرباحها على الإستغلال والتهميش والقوى الضحية له، - إتفاقاً يضمن حرية السوق- وهي إتفاقات عمومية مجربة الفشل.


    + نقطتان من نقاط المشروع الأمريكي (ما قبل إنتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2008):

    1. ضمان حرية السوق [= حماية حرية رأس المال التملك الإنفرادي الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته]

    2. ربط المناخ السياسي بحرية السوق [=حرية رأس المال العالمي في نهب الموارد وعزلها عن الإمكانات والقضايا المحلية التمويل المنظمات، تفريغ الأنشطة النقابية والشيوعية من محتواها التقدمي الإجتماعي وتحويلها لمجالات جهود فردية وقضايا جزئية].

    13 – لماذا لا يتعامل السودان علانية مع السلطة الفلسطينية ومع إسرائيل وقد إعترف بها الفلسطين والعرب؟
    للسودان علاقات ديبلوماسية وشعبية جيدة مع دول تحتل أراضيه أو تحتل أراضي دول عربية أخرى كإيران والولايات المتحدة، أو أراضي دول أو مجتمعات أخرى (بريطانيا، فرنسا، أسبانيا، المغرب، السعودية)! في مقابل هذه الحقائق كانت القضية الفلسطينية هي المؤشر الفعلي للعدالة السياسية وحقوق الإنسان في العالم ولكن كثير من الحقوق الفلسطينية التي منحت لإسرائيل عبر الحكومات والخلافات العربية والفلسطينية جعلت تلك القضية في تراجع محلي ودولي متفاقم حتى وصلت إلى مرحلة التصفيات الداخلية الشرسة بين قوى الشعب الفلسطيني على الفتات الذي نالته من إتفاقات السلام مع إسرائيل وعلى بقايا الحلم بالإستقلال وعلى أفق الحرية للوطن بيد ان تعامل الدولة في السودان مع القضية الفلسطينية مثل معظم تعاملات دول العالم معها لم يزل تعاملاً ضعيفاً متقطعاً ومجرد مجاملات في البعض الأقصى من الأحداث والمناسبات الفلسطينية الحزينة على كثرتها، تحرم بمقتضاه القوى السودانية المختلفة من التعامل المباشر في فلسطين ومع المؤسسات الفلسطينية بحجة إحترام مأساة حقوق الشعب الفلسطيني والتعاطف! بينما الإتصال هو المقدمة المنطقية للتضامن ولكن مع هذه المفارقة هناك مفارقة أخرى إذ تتعامل الدولة السودانية مع معظم سكان السودان في حالة الحرب وفي حال السلام بذات السياسات الصهيونية التي تدعي الدولة السودانية رفضها ففي الممارسة العسكرية تنشط قواتها ومليشياتها في إيذاء المدنيين وحرق القرى وتهجير المجتمعات بينما في ممارسته السياسية والديبلوماسية قام النظام الإسلامي في السودان على سياسة مركزة القوى وتفتيت الخصوم، وسياسات المماطلة والتسويف في رد الحقوق، وفي الحرب والسياسة كان النهج الإسلامي الرئيس هو تقديم فهوم وإجراءات الأمن العسكري على قيم العدالة، فكيف لحكومتنا التي تطبق نفس الممارسات العنصرية الصهيونية في كثير من مجتمعات السودان أن تتعاطف مع مجتمع آخر ضد نفس ما تمارسه؟

    والآن مع إنهيار النظام العربي تحت ضغوط الشروط المالية والديبلوماسية الأمريكية وضغوط حركات الأصولية تتواشج القوى الإسلامية الحاكمة في السودان مع اليهودية السياسية عبر بوابة تهجير ما بقى من الفلاشا ( 1991-1992) وبوابة خدمة المخابرات الأمريكية، وبوابة الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، وبوابة "الحرب على الإرهاب" التي تشمل كل كثير من التنظيمات السلفية والتنظيمات الفلسطينية، ولقاء علي عثمان وروتشيلد في موناكو في يوليو 2004، وعبر مجموعة من اللقاءات والمؤتمرات التي تأخذ شكل التفاهم اليهودي مع ممثلي الإسلام السياسي (جريدة الصحافة 5 يناير 2005) ومجموعة أنشطة إقتصادية تعبرعن توافق عمليات الصرف والتمويل الدولي المتبادل وتدوير الحسابات بين البنوك التقليدية والمصارف الإسلامية مثل بنك التقوى في( جزرالبهاماس)، والمصرف الإسلامي البريطاني (لندن)، ودار المال الإسلامي القابضة (جنيف)، والمؤسسات الإسلامية المالية القائمة في نظام الاوفشور في البحرين، وفي وصلات البنوك الأجنبية في ماليزيا- سنغافورة)، وعبر عدد من الشركات الواجهة قد تكون ذات جنسية مصرية، أردنية أو تونسية أو قطرية أو تركية أو بريطانية- ماليزية أو كندية أو أسترالية أو جنوب أفريقية إلخ، وحتى عبر النشاطات التجارية المألوفة مثل تراخيص الكوكاكولا، الأسمدة، وبعض عمليات تصدير اللحوم إلى الأردن ومنه إلى الجيوش الإسرائيلية والأمريكية، أو عبر إستيراد القمح، كل هذا الكيل بمكيالين يفيد بإضطراب السياسة السودانية في إعلان وتقرير مصالحها، ولمواجهة هذا الوضع بفاعلية لا بد للدولة في السودان من التعامل العلني المستدام مع السلطة الفلسطينية والتعامل العلني مع إسرائيل، وفق سياق التعاملات المألوفة مع السلطات والدول لسبب معين هو تحقيق الوضوح والمباشرة في التعامل مع القوى الفلسطينية التي تفتقر النصير المباشر، ومع قوى الديمقراطية والسلام في إسرائيل التي يقبل كل من الفلسطين والعرب بالتعامل معها، تطالب بإنسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة بينما يقف كثير من الفلسطينيين وكل الدول العربية على طلب إنسحاب إسرائيل إلى حدود 4 يونيو 1967 فقط. والسبب الآخر المهم لتقدم السودان هو الوزن النوعي لإسرائيل في جانب مؤثر من شبكة الإتصالات السياسية العالمية الضرورة لإستقرار كل دولة.

    14- العرب! العرب!! العرب!!! أو محاولة تفعيل النزعة القومية دون عوامل طبقية؟

    الدول والإقتصادات العربية في ظل نظام التبعية الرأسمالية للمراكز الإمبريالية تقبع تحت الوصاية الأمريكية أو ما يماثلها ووفق هذا الوضع المزري فإن الدول الغنية منها تضع أو (تستثمر) أموالها في تلك المراكز الإمبريالية وتعف حتى عن إستثمارها داخل بلادها، فكيف يتعشم مشروع التقرير السياسي في إسهامها في تنمية السودان أي أن تستثمر هذه الأموال في بلاد تعاني من فقر البنية الأساس؟ ومن نقص الخدمات العامة؟ وعلى أساس أي خطة للتنمية ومفاصل الإقتصاد تمويلاته وتجارته الخارجية حرة سائبة؟ إن التضامن بين القوى الثورية في العالم العربي هو المقدمة المنطقية لتنمية متوازنة في المنطقة قائمة على تحكم المجتمعات في وسائل وقدرات إنتاجها لضرورات حياتها مما يستلزم معادلة طبقية سياسية جديدة في المنطقة تخرجها بقوى الطبقة العاملة وعقلانيتها وعلمانيتها وتقدميتها وديمقراطيتها الشعبية وإنفتاحها الدولي وتضامنها الأممي مع قضايا السلام من تيه دوائر تناقضات الإمبريالية والرجعية والبرجوازية الصغيرة وما فيها من ممارسة الدولة للإرهاب، وممارسة الجماعات للإرهاب، ومن حالة إستثمار الأموال في الدول الغنية البعيدة بينما هي والدول الفقيرة في المنطقة تعيد إنتاج التخلف وتفاقم التبعية في الإقتصاد والسياسة، إن الإنفتاح على الصين وروسيا والهند أفضل في أسعاره وفي شروطه من مناداة الحكومات والقوى العربية بصورة أقرب لمنادة الشعراء العرب طيف حبيباتهم.

    15 – الأزمة الطبقية في إضعاف الإشتراكية بدعاوى التراث وبدعاوى تنقية الماركسية من الشوائب:
    بدلاً للنزعة إلى التراث التي أبداها مشروع التقرير لابد من نقد التراث ونقد الممارسات الإشتراكية، كطريق إلى المستقبل يتصل بتغذية العقل والخيال الشيوعي بالدراسة الموضوعية للتاريخ ولعوامل المستقبل (علوم أمورالحياة في المستقبل أو"علوم المستقبليات")، أما الميل لتفريغ الإشتراكية العلمية من المادية التاريخية، ومن الحزب الشيوعي، ومن الصراع الطبقي، ومن الطبقة العاملة، ومن الثورة، ومن تأميم البنوك ومؤسسات التجارة الخارجية ووسائل الإنتاج، ومن التخطيط، ومن تغيير علاقات الإنتاج، ومن التاريخ الثوري في العالم، بدعوى تنقية الماركسية فيؤدي إلى تغذية التخلف والتبعية والرجعية والإرهاب.

    16- طبيعة الوضع الطليعي والدور القيادي للطبقة العاملة في المجتمعات المتخلفة:
    1. الطبيعة النوعية-العددية لوجود العمال ونشاطهم الصناعي في مجتمع رعوي وزراعي متخلف مما يجعلهم رواداً لتقدم الإنتاج.
    2. النوعية المتقدمة لإنتاجها وتخديمها الآلي للموارد الخام ومضاعفتها الهائلة للدورة الإقتصادية (نفط، ذهب، طاقة، منتجات نقل).
    3. تقدم وعيها التاريخي بالإمكانية الثورية والسياسية لحل أزماتها دون إمكانات دينية طائفية أو قبيلية أو عائلية أو تعليمية أخرى.
    4. الثقافة والطبيعة التعاضدية العميقة لإدارة تنظيماتها وأمورها بتجرد من أغراض الربح وتميز الفرد على حساب المجموعة.
    5. تمتعها لزمن طويل بصفات وطنية وأممية التنظيم وبالممارسة النقابية والسياسية وبالنشاط الشيوعي في العالم وداخل كل بلد.
    6. إتصال التقدم المتناسق لكينونة وجودها وإنتاجها بتقدم وحرية المجتمع من الزيف والإستلاب والإستغلال الطبقي

    17- في الفرق بين وجود حزب جماهيري و وجود حزب للتغيير الإجتماعي والميقات الملائم لذلك الوجود:
    1 - بعض أنواع ومهام الأحزاب:
    بشكل نسبي عام فالأحزاب في العالم والسودان نوعان، أكثرها يتصل بالسماح للإنسان بإستغلال أخيه الإنسان، بموافقتها على حرية التملك الإنفرادي الخاص لموارد ولوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته، وتراتب المجتمع بحرية هذا التملك وآثاره إلى طبقات مالكة رأسمالية وإلى جموع من المستغلين والمهمشين بواسطة شروط العمل التي تفرضها هذه الطبقة ودولتها. أما النوع الثاني من الأحزاب فقليل نادر مثل الذهب في الطبيعة، وهدفه التغيير الإجتماعي وتحول المجتمع به إلى مرحلة إنتاج متقدمة بشكل ثوري محوره تغيير علاقة الإستغلال والتهميش الأساسية التي تشكل وضع المجتمعات المحلية وتحدد الأساس لوضع الدولة في العالم وموقعها الفعلي فيه كدولة وافرة الإستقلال أو كدولة تابعة للمراكز الإمبريالية للسوق الرأسمالية العالمية.

    2- بعض الفروق بين تكوين الحزب الجماهيري وحزب التغيير الإجتماعي:
    يتصل وجود الحزب الجماهيري أياً كان إسمه بمعطيات الثقافة السائدة ومقاليدها في عصبيات القبيلة والدين المذهب والطائفة وفي قوة الإعلام الشعبي والرسمي المرافق لأي منهم، ويميل ذلك النوع من الأحزاب إلى الحفاظ على العصبية المولدة له بدغدغة المشاعر والإبتزاز العاطفي وغير ذلك من الحيل النفسية التي توائم هذه العصبيات، اما حزب التغيير الإجتماعي فيرتبط بنظرة مادية جدلية إلى التاريخ ونظرة تاريخية إلى جدل الطبيعة والطبيعة الإجتماعية، وبفهم موضوعي مادي تاريخي جدلي لتطور الإنتاج الإجتماعي، وفرز وتقويم علمي للأوضاع المتصله به في مستويات الإنتاج وقواه وعلاقاته والطبقات المتولدة منه والصراع الطبقي بينها كماا يتصل وجود التغيير الإجتماعي بوجود حزب ثوري طليعي في عملية التقدم الإجتماعي يعكس تكويناً ونشاطاً إجتماعياً جديداً خارج نطاق العلاقات والعصبيات التقليدية، ينظم الناس في سياق هذا الوعي، لمعرفة تاريخهم الحقيقي ومستقبلهم، ولربط حقوقهم وواجباتهم بمصالحهم. وبالحرية والكرامة من نقص ضرورات حياتهم والتكالب عليها.

    الأفضل ان يكون الشعار: حزب ثوري للتغيير الإجتماعي بدلاً ان يكون قوة إجتماعية كبرى في بلد عصبياته كُثر

    18- أهمية موازنة الميل إلى التراث في مشروع التقرير السياسي بإمالة أكبر إلى العلم والثورة والمستقبل:

    19- الإرهاب يتغذى بالعنف والإرهاب ويضمحل بالهندسة الإجتماعية لعملية الثورة الطبقية:

    محاولة القضاء على أي ظاهرة إجتماعية ترتبط بالقضاء على ظروف إنتاجها، بما في ذلك التفاوت بين القيم الإجتماعية والثقافية والوقائع الحياتية لطبيعة عمليات تبادل المنافع والتعامل بين الناس بما فيه من إجحاف وتطفيف وتبخيس وإستغلال وتهميش، مما يجعل القيم المألوفة للخير والإصلاح والحق والسلام محلاً للإغتراب في المجتمع، الذي يُفَاقَم فيه بالإعلام والتعليم، وبالنشاط الديني السياسي، الذي يفصل هو نفسه بين الربا وفائض القيمة من الأموال والربا وفائض القيمة من الأعمال، مما ينتج أجيالاً أشد إحساساً بالغربة والإضطهاد وأقل وعياً بالأسباب المادية للوضع الذي ينتج الفقر والجوع والخوف بين الناس بل وأشد جهلاً بالإمكانات الموضوعية لتغيير أسس الوضع الظالم، مما يوضح أهمية العقلانية والعلمانية المكرسة بالديمقراطية الشعبية، وأهمية إشتراكية الناس في السلطة والثورة، وأهمية علم النفس الجماهيري أو الإجتماعي والعلوم السلوكية إلخ، وأهمية ربط التعليم الديني بتعليم الحكمة والفلسفة وبعلم تاريخ النظم الإقتصادية الإجتماعية، ليعرف الفرد بصورة موضوعية الفرق بين البداوة والحضارة الإستعبادية، وبين الإقطاع والحداثة الرأسمالية، وبين كل هذه النظم والنظام الإشتراكي ، وليعرف الفرق بين فلسفة العقوبة وفلسفة العلاج النفسي، وبين تجديد الأزمة تحت مسميات تراثية وبين القضاء على الجذور المادية للظلم الإجتماعي بشكليه الطبقي والإقليمي وما فيه من إستغلال وتهميش.

    إن الدعوة التي وردت بسهولة في مشروع التقرير السياسي إلى إجراءات مواجهة وحزم سياسي وحصر وتضييق يجمع في ضرسه بين الأصولية الدينية والإرهاب يجب ان تراعي عدداً من المسائل النسبية منها مسألة العلاقات الوطيدة بين إرهاب الدولة الإمبريالية وممارساتها الإقتصادية والسياسية في العالم وبين تطور الإرهاب بإسم الدين من مجرد عمليات مفردة ضد العقلانيين والتقدميين والنقابيين والشيوعيين إلى حالة إنتظام دولي وإكتسابه قوة تضامن شعبي في معاركه ضد الجيوش الإمبريالية وعملاءها. كذلك يجب أن تراعي مثل هذه الدعوات الموقف الملتبس أو الزوج للقوى الإمبريالية من الإرهاب نفسه فبينما تغذي الإمبريالية بشكل مباشر بعض العمليات الإرهابية في العالم للضغط على حكومات أو قوى بعينها في ظروف معينة، فإن نفس القوى والأجهزة والجيوش الإمبريالية تحارب الإرهاب في بعض البلاد الاخرى، حسب مصالحها الخاصة، لذا فالحذر مطلوب من تداعيات وتقلبات المواقف الدولية على قاعدة الإستقلال والديمقراطية الشعبية والأمن الوطني، كما تتضح أهمية قيام الهيئات الثقافية بتعليم الناشئة والشباب أصول الإنتقاد وممارسته (مسابقات كتابة موضوع نقدي، أو مسرح ..إلخ) فالعقلية العلمية الإنتقادية هي صمام الأمان من إنغلاق الذهنية الإيمانية وتفجرها، وهي العقلية القادرة على إجتراح المستقبل وفتح آفاقه العملية بحسابها وتكسيرها الأخطاء وتخطيطها للجديد الأكثر تناسقاً وإتساقاً في علاقة الحاجات والقدرات وتتحن نوعية الإنتقاد وتزيد فاعليته إذا كان الإنتقاد متصلاً بعناصر علم الجمال، أو بوعي سياسي متقدم بقضايا الناس وموضوعية حل تناقضاتها. ويجب على النشاط الشيوعي البعد عن أي أسلوب قهري وتصفوي ضد جمهور سياسي مسلح دون خطة متكاملة ذات أولويات ديمقراطية شعبية في التنمية الرأسية والأفقية وفي التعامل الموضوعي المتوازن مع ضرورات ووقائع التقدم والعقلانية والعدالة إجتماعية لكي تكون قدرات التغيير الإجتماعي الأنجع في حل تناقضات هذه الظاهرة الإجتماعية بأقل قدر ممكن من الخسائر الوطنية والطبقية والإقليمية والدولية.

    20- العواقب الوخيمة لفصل مشروع التقرير بين الطبقي والإجتماعي وبين الإجتماعي والوطني في إطار مباعدته وفصمه ضرورة الترابط بين تطور القوى المنتجة والتغيير الهندسي الإجتماعي لعلاقات الإنتاج:
    تنشط مقومات إقتصاد التبعية الرأسمالي الدولي في السودان والعالم بإعادة إنتاج التخلف المحلي عن طريق قطعها الصلات وزيادتها الفرق بين قطاعات الإتتاج الحديث وقطاعات الإنتاج التقليدي كما تعيد إنتاج تخلف الدولة في المستوى العالمي بإضعاف مستوى تناسق الإنتاج المحلي بالتذبذب في عدد ونوع التمويلات والإستثمارات والأسعار والتصريف مما يسبب تفككاً في هيكل الإنتاج يغذي بدوره تفاوت قطاعاته وإختلاف نشاط وحداته، سلباً، عن حاجات وقدرات تقدم المجتمع بشكل متناسق، بتسبيبه النقص في عمليات الإنتاج والتعارض في مقوماتها وتصاريفها مما يزيد مع فقد الظروف العامة الملائمة للتطور الإجتماعي المتناسق إتجاهات الحل الفردي الخاص لتناقضات الحياة ويقوي الميل إلى التملك الإنفرادي للموارد والمنافع العامة والنشاط والعزف المنفرد، ومن هذه الجوطة يزيد التضارب والتكالب في الإقتصاد في ظروف التبعية الدولية وبواسطتها مما لا يترك مجالاً لتطور متناسق لقوى الإنتاج مع إستمرار الظروف السياسية لإعادة إنتاج التخلف والتبعية وأهمها حرية التملك الفردي لوسائل إنتاج المجتمع لضروارات عيشه وحياته.

    وفي ظروف التبعية فإن تطور قوى الإنتاج محكوم بإنتاج النظام الرأسمالي العالمي ومقوماته المحلية لمزيد من التخلف والتبعية مما يعمق الأزمة الإقتصادية الإجتماعية والثقافية السياسية في كل بلد تابع بكل آثار هذه الأزمة الماثلة في توسع عملية الإستغلال والتهميش ومظاهرها الماثلة في إنتاج ومفاقمة الفقر البنيوي والثراء الطفيلي والصراعات المرتبطة بهما، لذا فإن الخطأ الجسيم يعتور إتجاه مشروع التقرير السياسي إلى تجاوز هذه الوقائع الحية التي يقر بها والعشم من ثم في التطور التلقائي للقوى المنتجة وإنتاجها العفوي لظروف التحول الإجتماعي من النظام الطبقي إلى النظام الديمقراطي الشعبي والإشتراكي خارج أي ظروف موضوعية لصحة القول بحدوث هذا التطور، ولكنه يميل إلى تدعيم إتجاهه بخطأ آخر هو العشم في أن يدفع تراكم آثار تناقضات هذا التطور وبشكل تلقائي أيضاً عملية التغيير دون قوة وعملية طليعية للقضاء بهندسة إجتماعية على مقومات النظام القديم.

    الأصل التاريخي للقول بإستبعاد فاعلية الهندسة الإجتماعية وبإنتظار حدوث التغيير الإجتماعي والثورة بتلقاء مجموع التحولات الإجتماعية وتفجر التناقضات المتراكمة منها يرجع إلى الإتجاه "الطبيعي" أو "المدرسة الطبيعية" في الفلسفة و(الإقتصاد)، وهي سياق ديني وإقطاعي زراعي إجتهد في كشف مثالب الحداثة والصناعة والتحديث وكل الشرور المتولدة منهم (في الصيغة الرأسمالية لذلك الزمان)، وبطبيعتها السلبية الرجعية لم تحقق "المدرسة الطبيعية" أي تقدم لأي مجتمع ولكن في خضم الخلافات القومية أو بالأصح العنصرية في أوربا الثورة الصناعية وتسربها إلى النشاط السياسي في صفوف الطبقة العاملة ( البوند= إتحاد نقابات يهودي وتنظيمات الإشتراكية الديمقراطية في ألمانيا) تم تفعيل هذه أفكار هذه المدرسة ضد الأفكار الماركسية أولاً ثم خدمها المنشفيك بعد ذلك بشكل كثيف ضد النضال لأجل قيام ثورة إشتراكية، ثم تخديمها بتركيز أكثر ضد اللينينية وبشكل أكثر وأكبر ضد اللينينية المكثفة في عهد البناء والدفاع زمن إستالين. وتلعب أفكار "المدرسة الطبيعية" دوراً مهماً في فاعليات التعليم والإعلام في الدول الرأسمالية حاضراً في الدعوات البيئية المتعلقة بكفاءة تخديم المواد وفي نقد بعض الأنشطة الرأسمالية في إطار المطامع والمنافسة التجارية، كما تخدم بكثافة في نفس الدول الرأسمالية في الهجوم على التقدم الصناعي في عدد كبير من الدول.

    في السودان كان لبعض هذه الأفكار بعض التواجد العفوي ضد كثير من مظاهر الحداثة بداية من الإحتجاج على التعليم الحديث بدعوى إفساده نظام المجتمع (بإفساده التراتب [الطبيعي] المقام بين ملوك الناس ومن يتصوروهم خدماً لهم) ولتشويهه الأخلاق بهذا الإختلاط، وليس نهاية بإنتقاد سخونة المباني الحديثة وحتى الطهي بمواقد الغاز، وفي المجال السياسي ظهرت أفكار المدرسة الطبيعية بتنوع في عدد من المجالات من وحدة العقل البشري ومن تسربات التعليم والأدب الحديث فظهرت في مجال رفض السياسة أولاً ثم رفض الحزبية، ثم رفض دعوة الإستقلال الكامل، ثم رفض دعوات التنمية ورفض العمل النقابي ثم رفض الشيوعية، ثم رفض الديمقراطية، ثم رفض وتعطيل الحكم الشعبي المحلي، ثم رفض التأميم والتخطيط وتنظيم الإقتصاد، ثم رفض قسمة السلطة والثروة، ثم رفض حقوق الإنسان، ثم رفض السلام العادل، ثم رفض وجود الناس وحريتهم في بلادهم وقذفهم بالنظام العام ومحاكم الطوارئي ومعتقلات التعذيب وبالمليشيات والطائرات، ولكن القاعدة الموضوعية لكل أنواع هذا الرفض على تعدد مصادره تمثلت في صون التملك الإنفرادي الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته، والحفاظ على الأسس والمظاهر الطبقية والطائفية والعنصرية لهذا التملك الإنفرادي الذي تغذى من الإستعمار وإستطال في السودان على حساب إستقرار الأشكال (الطبيعية) القديمة الماثلة في الملكيات القبيلية بكل ديارها وحواكيرها، دون أن يرف له جفن. وأخيراً نجد قسماً من هذه الأفكار في كثير من فقرات مشروع التقرير السياسي الداعية بأشكال مختلفة لنبذ أفكار الهندسة الإجتماعية والطليعية والفصل بين تطور قوى الإنتاج وضرورة تغيير العلاقات الحاكمة لهذا التطور.

    فقرات المشروع تشير صراحة وتؤمي أحياناً إلى إنتظار التحولات الإجتماعية والتطور العفوي لقوى الإنتاج ليحدث بتراكم تناقضاته عملية التغير الإجتماعي-السياسي أو يمهد لها وهو تعشم يبالغ في إمكان حدوث هذا التطور العددي والنوعي في قوى الإنتاج رغم فعل نظام التبعية وإعادة إنتاج التخلف بقواعد عمل السوق الدولية وإفتقار السودان ومثيلاته من دول العالم الثالث إلى أي مصادر خارجية لإستفاضة القيم المالية مثل المستعمرات أو المؤسسات المالية أو التجارية الدولية أو شبكة تراخيص ومؤسسات تعمل لصالحه أو تضع أموالها فيه، مما لا تتحقق فاعليته إلا بتدخل إجتماعي وهندسة إجتماعية تقوم بها القوى الطليعية صاحبة المصلحة في تقدم المجتمع لفتح الطريق أمام تغيير ديمقراطي شعبي لعلاقات الإنتاج ليخرج المجتمع من تناقضات المرحلة الرأسمالية حيث ينفصل تطور القوى المنتجة عن تغيير علاقات الإنتاج، وما دعوة مشروع التغرير السياسي إلى إنتظار هذا التطور إلا دعوة مواربة لإستمرار سير المجتمع والبلاد في طريق التطور الرأسمالي ليصل به الناس إلى مرحلة حل عمومي لإشكالات الحكم والإقتصاد والوحدة الشعبية والوطنية والتعليم والعمل والصحة في حين ان التطور الرأسمالي بأسلوبه التبعي في السودان يفاقم هذه الأوضاع.

    ليس على الراغبين في التغيير الإجتماعي إنتظار أن يبلغ التطور الرأسمالي بمجتمعاتهم مرحلة الإستعمار التقليدي ثم مرحلة الإستعمار الحديث وينفذ إلى أقطار السماوات والأرض ليفكروا بعد ذلك بتغييره، فهو بالطبيعة الدولية لعمله في العالم الثالث منتج للتخلف والدمار وبالطبيعة الإختصاصية والإستئثارية لكنزه الأرباح في أوربا وأمريكا وملحقاتهما مخفف للتناقضات الطبقية ولإمكانات الثورة في مجتمعات تلك البلاد ومنتج لنوع من الرغد والإستهلاك الكثيف حيث يأخذ 20% من سكان العالم 80% من موارده، أو تكون ثروة 3 أفراد معادلة لدخل عشرات البلاد والشعوب.

    المهمة الرئيسة لرأس المال في تطور المجتمعات ليست هي تحقيق الحرية والكرامة للناس رغم تصور منظريه هذه المهمة بل مهمته الموضوعية التي تجسدت في التاريخ غير مرة هي القضاء على هيمنة الأشكال الإقطاعية وشبه الإقطاعية ودوائرها القابضة في مجالات الإقتصاد والحكم والمعاملات الإجتماعية وفي الثقافة الجامعة لهم، وهي الأشكال المتصلة بأوضاع الإستناد إلى العنصرية وإستعمال القوة في حيازة المنافع، حيث يبدلها رأس المال بحريته في العمل والنشاط، كما يجعل مبدأ النفع العام مصدراً لمشروعية الحكم، ويفرض بقوة العرض وقوة القانون حكم النقود لمقتضيات ومواضيع التعامل بين الناس جاعلاً "الإقتصاد" جمعاً نظامياً لهذه التعاملات، مثلما يثبت بكل هذه العوامل أن يتعامل الناس عموماً في بينهم وفق ثقافة المصلحة والمنفعة.

    بإنجاز رأس المال هذه المهمة في السودان وفي كثير من دول العالم الثالث تترابط مهمات الثورة الشعبية الوطنية والثورة الوطنية الديمقراطية ومهمات التغيير الإشتراكي وبناء النظام الشيوعي معاً وتتواشج مهماتهم بحيث لاتنفصل فيها إمكانات التطور الإجتماعي عن التطور الوطني ولا الإثنين عن التطور الإقتصادي السياسي أما تجزئة كل تطور فيقود لتصور وبرنامج وحزب عملية تجزئة يواصل بها السير في طريق التطور الرأسمالي تحت شعارات من نوع "تنقية الماركسية" و"إستلهام التراث"و"بناء حزب جماهيري"!

    مجموعة نقاط مهمة وردت في الفقرة 20 من إنتقاد مشروع التقرير السياسي:

    1- أهمية حركة وثورة 1924 ماثلة في قيامها المتقدم عصره بربط واعي للعوامل الطبقية والوطنية والقومية والدينية والأممية:

    2- ضرورة نقد السلبيات التي نشأت في ظل هيمنة التحالفات السياسية القديمة في تاريخ السودان:

    3- في ضعف الجباه والتحالفات ذات الطبيعة الفضفاضة وتثبيطها همة التقدم الشعبي إلى التغيير الإجتماعي:

    21- وحدة ليبرالية بين قوى اليسار وقوى الإحتكار مع إنقسام طبقي وإنفصال وطني!

    الأزمة الطبقية-الإقليمية تتطلب فرزاً سياسياً لتغيير الأوضاع الإقتصادية المتصلة بتوسع عمليات الإستغلال والتهميش وتفاقم آثارها.

    22- تفكيك علاقة الخط التنظيمي والخط السياسي للحزب بإختلاف عن طبيعة تغيير العلاقات الطبقية والقومية:
    أهمية إرتباط نظرية ومواثيق وتنظيم الحزب وعناصره وحركته بموضوع تغيير العلاقات الطبقية والقومية، لا بموضوعات تكتيكية.

    23 - مع فصل المراحل والمهام إتجاه آخر يفصل بين اللامركزية الإدارية- السياسية واللامركزية الطبقية:
    بتأثير المركزية المالية التي فرضتها قوى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على السودان وبتأثير الميزانية (العامة) التابعة لهما أُفرغ مشروع الحكم الشعبي المحلي من كل مضامينه حيث حول إلى مؤسسة ضخمة لجمع أموال معدودة للخزينة المركزية التي توزعها وزارة المالية تحت إشراف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الحاجات العامة بنصيب حوالى 80% لقوى المركز الإداري المدنية والعسكرية والعدلية والديبلوماسية، وحوالى 20% لحاجات الناس في أقاليم السودان!

    الفصل بين اللامركزية الإدراية واللامركزية السياسية فاقم التمركز والمركزية كذلك الفصل بين هاتين اللامركزيتين واالامركزية الطبقية، فما لم تك مقاليد السلطة والثروة حقاً للعمال والمزارعين والرعاة في وحداتهم فلن تكون حقاً لهم في دوائر الحكم والسياسة وستظل اللامركزية مستهلكة في كونها مكلمة لأهل الأقاليم لا تحل مشكلة ولا تربط رأياً، بل ككل المؤسسات في ظل نظام التبعية الرأسمالي تسهم بتكاليفها في زيادة الإتجاه إلى الحلول الفردية مع إسهام غير مباشر في زيادة وتائر الإستغلال والتهميش الذي صممت الديمقراطية الشعبية لأجل القضاء على أصوله في نظام التملك الإنفرادي وحرية الإستغلال.

    من هذا التفكك المؤثر على جماهيرية وفعالية الحزب تبدو إمكانية التناسق بين الأعمال الفوقية والقاعدية للحزب في المسألة القومية بدلاً لتنافرها الحاضر وذلك بـ1- نشاط الحزب الشيوعي في الدعوة لتأسيس إتحاد جمهوريات السودان: 2- ضرورة إرتباط الحزب الشيوعي بجبهة لقوى التحرير والمقاومة الشعبية لتركزات السلطة والثروة تقليلاً لتناقضاتها:

    24- في تحديد الجهة السياسية للتجديد: التحذير من ضعف الحزب مستقبلاً يغطي الضعف الحاضر ويفاقمه:
    بإسم الحذر من المستقبل يغطي مشروع التقرير السياسي الخطأ الأساس في النشاط القائم حاضراً لحوالى 40 سنة في الحزب وهو الفصل بين تطور القوى المنتجة وضرورة تغيير علاقات الإنتاج الحاكمة لمستوى تطور هذه القوى.

    مواجهة المستقبل لا تتم بالرجوع إلى خلافات تأسيس أو تقدم نضال الحزب دون نظرة نقدية، ولا بعزل الماركسية عن اللينينية بإسم تنقية الماركسية أوبعزل التطور الإجتماعي عن التغيير الطبقي بإسم إنتظار التحول الإجتماعي أو بعزل التغيير الطبقي عن الإجتماعي بإسم إنتظار تطور العمل النقابي في دولة تعادي حرية الجمعيات المدرسية، أو حتى بعزل التطور السياسي عن التغيير الطبقي والإجتماعي بإسم البعد عن الهندسة الإجتماعية، ولا بكل هذه السياسية الإنتظارية والإستبرائية التنصلية، بل المستقبل الباهر للحزب الشيوعي السوداني يواشج ربط التقدم والتنمية في قوى الإنتاج بتغيير علاقات التملك والعمل وتوزيع عائداته التي تحكم تطور القوى المنتجة، وربط قضية الحرية الطبقية بقضية حرية الأقاليم من التهميش المركزي الواقع عليها، وبناء الحزب على أساس ثوري في نظريته وبرنامجه وممارسته كطليعة هندسية لفتح الثغرات الأضعف في التناقضات التي تعوق حركة تقدم المجتمعات في السودان.

    25- العشم في إمكان الإتفاق مع قوى الإستغلال والتهميش على حل جذري شامل!

    26- التناقض بين التماهل والتوافق مع النظام الرأسمالي محلياً ومناهضته عالميا!!

    27 – رؤية ضعيفة للخروج من الأزمة:

    عروتها تفكيك الترابط النظري والعملي للحزب وتفكيك المنطلقات والمهام الطبقية-الإقليمية الإجتماعية والوطنية

    28- التخلي عن إنجاز برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية بحجة مراكمة مقوماته الضرورية!!!!!!!

    29- الحركة السياسية على المستوى الطبقي والإقليمي أفيد لدعم علاقة الحزب الشيوعي بالطبقة العاملة:

    30- في النساء والشباب :

    31 - صراع الإتجاه السياسي والإتجاه الإجتماعي داخل الحزب لتقويم طبيعة التحول التقدمي الذي حدث بإنقلاب 25 مايو 1969:
    التحكم في وسائل العيش والحياة والمصالح الطبقية والسياسية المرتبطة بها تعد مسألة حياة أو موت ولها بعد عسكري هو ان السُلطة الحاكمة عن طريق القوة والإمكان القانوني لتخديم العنف تقوم بعملية قهرية وقمعية متنوعة لضمان سلامة وجود مبنى السلطة وحركة إنتقال موظفيه ومتعامليه، مثلما تضمن نفوذ وتطبيق قرارته داخل أو خارج القوانين المألوفة. الفرق الرئيس بين الإنقلاب الليبرالي العسكري أو المدني والإنقلاب الثوري العسكري أو المدني ان الأول يثبت حرية الإستغلال والتملك الفردي الخاص لوسائل الإنتاج بنظام السوق والثاني يقف ضدها متبنياً (بعض) مبادئي الديمقراطية الشعبية وتخطيط النشاط الإقتصادي وفق ظروفه المحلية والدولية.

    وكان النظام الديمقراطي في أثينا قد تأسس بإنقلاب دموي على حكم التكنوقراط العلماني، لصالح قوى السوق الأصولية الدينية، كذلك كل التحولات الكبرى في التاريخ الإقطاعي تمت بغزوات وإنقلابات قصور، وكل الأنظمة الديمقراطية في أوربا وأمريكا تأسست بثورات وإنقلابات ليبرالية دموية وعاشت بحروب إستعمار وإبادة وحروب إستعباد وإستعمار، وإستعمارحديث راح ضحيتها حتى الآن حوالى بليون نسمة، وفي الفكر والنظام الإشتراكي هناك إنقلاب ماركس المعرفي والفلسفي على هيجل وكل الإرث العقلاني القديم ثم إنقلابه على أقانيم الماسونية والإشتراكية الديمقراطية بنقد برنامج غوتا، وفي رابطة العدل بنبذه تأويلاتها وصراعاتها وآفاقها الدينية وآفاقها الإلحادية وتخلفها ككل عن حركة حاجات ومصالح وتطور قوى الطبقة العاملة مما تواصل بقيادته للإنقلاب في دولية العمال الأولى التي كانت ذي طابع يهودي. كذلك إنقلاب لينين وستالين وبقية البلاشفة على المناشفة في هيئة تحرير البرافدا ثم إنقلابات المناشفة على الشيوعيين في روسيا من 1920 وحتى المؤتمر العشرين الذي كان تتويجاً ناجحاً لجهودهم ضد الشيوعية، كذلك إنقلاب ماو زي دونغ بكل مدرسة الفلاحين التابعة للحزب الشيوعي الصيني على الحزب والدولة منطلقاً بالمدرسة في دروب الثورة، كذلك إنقلاب الحركة السودانية للتحرر الوطني على الأساليب والقيادات القديمة. والإنقلابات الداخلية في الأحزاب الشيوعية الأوربية والعربية. وبالطبع الإنقلابات الكبر حسب المصالح التجارية في الأحزاب الليبرالية ثم الإنقلابات التي دبرتها المؤسسات الديمقراطية للمراكز الإمبريالية في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وفي أفريقيا والإنقلابات الثورية الوحيدة في أوج الحرب الباردة كانت في العالم العربي اللغة متأثرة بظرف القهر الطبقي والقومي وهوان المعيشة والقمع في جهة الشعب وإستشراء الفساد والخيانة الوطنية والبذخ في جهة السلطة، ومنها ثورة يوليو 1952 في مصر وتوابعها في الدول العربية حيث كانت العوامل موضوعية ماثلة في تدني وتمايز مستوى الإنتاج والخدمات وفي هبوط مستوى السيادة الشعبية والوطنية وهي عوامل يقل مشروع التقرير السياسي همه بها حيث سار المشروع بعيداً عن براحها في أزقة التحليل البوليسي والشخصي والدولي لمعنى إنقلاب 25 مايو 1969 وتطوراته، بينما كانت له أصول ومعان عدداً متنوعة، تجاهل المشروع نقاش نقاطها الأكبر مقدماً دون نقد لأخطاءها تصور الجهة السائدة من جهات الخلاف والصراع الذي دار داخل الحزب حول تقويم أوتقييم طبيعة الإنقلاب العسكري على الديكتاتورية المدنية التي نشأت بإنقلابات مدنية متتالية على الحقوق العامة.

    في السودان تتكامل الإنقلابات المدنية والعسكرية في دائرة الأزمة الليبرالية لتنظيم الإقتصاد (تدهور مستوى المعيشة يؤدي إلى إنقلاب يفشل في تحسين الإقتصاد مع سماحه بالتملك الفردي لوسائل الإنتاج والخدمات فتحدث ضده إنتفاضة شيوعية التنظيم يستلم بعدها الليبراليين الحكم فتتفاقم الأزمة المعيشية فيحدث إنقلاب وهكذا) بعد إنسحاب ثورة أكتوبر أو فشلها أو إستسلامها تحكمت الثورة المضادة والديكتاتورية الليبرالية في السودان 1965-1969 منتهية إلى سحق كل التقاليد اللليبرالية وإنتهاك كل الأصول الدستورية والقانونية العامة وإلى شروعها في تكريس ديكتاتورية ليبرالية صريحة بشعارات دينية إسلامية تحول السودان إلى مشيخة يمينية قديمة. فكان تكوين الجبهة الإشتراكية ضد جبهة الميثاق الإسلامي، وتوقد الضباط الأحرار (قوميين وشيوعيين وديمقراطيين) وقاموا بإنقلابهم الشهير في 25 مايو 1969.

    مع تضاربات فلسفية كثيرة حول طبيعة التنظيم الديمقراطي والحزب، والثورة والإنقلاب، والدولة والثورة، والحكومة والدولة، والجماهير والقوة الطليعية، والقوى الإشتراكية والإتحاد الإشتراكي، والميثاق والدستور، والفرق بين التقدمية والإشتراكية والشيوعية، وبين شبه الإقطاع والبرجوازية الصغيرة، وطبيعة المرحلة الثورية والمرحلة الإنتقالية، والتاريخ والعصر والزمن، كان ذلك الإنقلاب محلاً للإختلاف في تقييمه داخل الحزب الشيوعي السوداني.ففي سياق إحتفاء مشروع التقرير بسمة "الإجتماعي السياسي" يمكن بشكل موضوعي وصف التيارات التي كانت موجودة داخل الحزب والأسس الموضوعية لتناقض مواقفها جهة إنقلاب مايو 1969: حيث كان هناك تيار داخل الحزب وقيادته يرى بأن تقدم الأوضاع الإجتماعية متصل بتغيير سياسة وجهاز الدولة بالنظر إلى دورها في تنظيم الإقتصاد والتعليم ..إلخ ويُمكن وصف هذا التيار بـ"التيار السياسي"، وكان هناك تيار آخر في الحزب وقيادته يمكن وصفه بـ"التيار الإجتماعي" يرى إن التحولات السياسية موصولة بفاعلية العمل الجماهيري والحزب في التطور الديمقراطي الليبرالي بأكثر مما هي موصولة بفاعلية قوى الثورة الوطنية الديمقراطية داخل الجهاز العسكري للدولة ! وكان الصدام في الحزب وفي سلطة مايو وفي إنقلاب 1971 (بداية) من ما حدث في 24 سبتمبر 1970 وفي 21 أكتوبر 1970 حيث فصل كل نصف من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي النصف الآخر، وأضحى الحزب منذ ذلك الحين يسير بنصف قوته النظرية والعملية، مائلاً جهة اليمين الليبرالي.

    وإضافة للإختلاف بين الفئات والشرائح الطبقية والفكرية في الحزب في تقويم العوامل والظروف الداخلية فقد تجهجهت كل الإنقلابات التي حدثت في سياق النشاط الثوري في دول العالم مع تولي "المنشفيك الجدد" زمام الأمور في حزب وإتحاد جمهوريات السوفييت الإشتراكية بإنقلاب مدني متدرج ضد أصول وسياسات الحزب مثل الذي يتم حالياً في داخل الحزب الشيوعي السوداني ولعله كان للصراع السوفييتي بعد إنقلاب المنشفيك وعقد هم المؤتمر العشرين للحزب والهجوم الشرس على اللينينية والبلاشفة بإسم تصفية الستالينية والفصل بين تطور القوى المنتجة وتغيير علاقات الإنتاج أثر ما في صدور وثيقة "إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير" وفي إنتعاش أفكار التعدد والتجمع الماثلة في "الطليعة الثورية" (في مصر) و"الحزب الإشتراكي" و"الإتحاد الإشتراكي" في وقت فقدت فيه جميع القوى الثورية في العالم جوانب كبرى من وحدة الموقف الآيديولوجي الذي كانت تستند له عملية التعاضد والوحدة بين قواها وبين تياراتها وفي مؤآزرة بعضها لبعض.

    مع إختلاف قواعد وقيادات الحزب خرج كل نصف للجنة المركزية مع فريق وخرجت أغلب قيادات النقابات وإتحاد المزارعين وقيادات إتحاد الشباب والإتحاد النسائي إلى جانب سلطة مايو وبعيداً عن لغط الملكية والمدنيين وكل هذه (الضجة) البرجوازية الصغيرة خرج الضباط الأحرار الشيوعيين والديمقراطيين بتصميم وثبات لتنفيذ إنقلاب 19 يوليو 1971 نافذين من فشله إلى رحاب الخلود وقد كانوا بفدائيتهم وطليعيتهم في إنقلاب مايو وبفدائيتهم وطليعيتهم وإستشهادهم في الحركة التصحيحية لمساره فاتحين لأفق جديد في وجدان الشعب ووعيه يتصل بتحويل قضية الطبقة العاملة من طاولات وصحف جدال المثقفين ومن رفوف المكتبات وصخب بعض مكبرات الصوت إلى مسالة حيوية في قلب السُلطة والنظام السياسي للدولة.

    مثلما كانت النجاحات التي حققها الإنقلاب المفاهيمي والعملي للشيوعية على الأفكار الجزئية للعمل الخيري، والعلمي، والتعاوني والحزبي، والنقابي، والإشتراكي العفوي، والتآمري العسكري، التي كانت سائدة كأساس أو كأفاق للتغيير الإجتماعي بجمعها إياهم في سياق تطور مادي تاريخي وفلسفة إشتراكية علمية وحركة ثورية محلاً لإنتقادات يمينية ويسارية فقد كان لجدل (النجاحات) التي حققتها سلطة 25 مايو في عمليات التأميم وتنظيم الإقتصاد، ومكافحة العطش، والثورة التعليمية والمراكز الصحية ومراكز الشباب، والمشاريع الزراعية والصناعية، و(توازن) العلاقات الخارجية، وبداية السلام في الجنوب، ومحاربة الرجعية والقوى التقليدية والحكم الشعبي المحلي كانت تلك الأعمال نتيجة تضافرات نقابية وثقافية وعسكرية وطنية وديمقراطية تمت بشعارات التقدم والإشتراكية وقد إستمرت سنوات قليلة ثم بدأت في التناقض والفشل نتيجة إستمرار العلاقات الليبرالية التجارية أساساً للنشاط الإقتصادي، وزيادة تكلفة الخدمات عن قُدرة وعائدات الإنتاج الداخلي وعائدات التصدير الخارجي معاً، وذلك في وقت مثل فيه النفط أهم بنود الصرف الخارجي بينما كان معظم تخديمه لسيارات الدولة والأجهزة العسكرية، وفي وقت زادت فيه إمكانية بعض الشرائح في الإستهلاك كانت مكيفات أحياء الدرجة الأولى تلتهم معظم الكهرباء المنتجة، سافهة حاجات القطاع الصناعي وسواد جماهير المدن، وبينما كانت أسعار المنتجات المدينية تأكل دخل الريف وعائداته النقودية كان الريف القفير لقدرات الإنتاج الحديث يلجأ مفلساً إلى التسويق الزائد لموارده الخام وإلى الهجرة إلى المدن، فلم تمضي سنوات قليلة بهذه السياسة الليبرالية التمركزية التهميشية في حقيقتها إلا وإستحكم الضيق والإفلاس وبدأت الحاجة مآسة إلى الديون العربية والدولية مما تحولت بها سلطة 25 مايو من التقدمية والإشتراكية إلى المصالحة والإنفتاح بسبب الضغوط الدولية المعززة داخليا والضغوط الداخلية المعززة خارجياً (البنك الدولي وبنك فيصل) وزادت مايو طينها بلة بالتحول من القبول بالآخر الإستغلالي إلى الإنمساخ فيه فبدأت في الدولة في التحول من التخطيط إلى عشواء السوق والديون ومن الجمهورية إلى الإمامة بل بدأت كثير من شخصياتها وآلياتها في التحول حتى من وضع الإمامة إلى مشيخة يمنية قديمة.

    من هنا يمكن القول إن السياسة الليبرالية الماثلة في حرية التملك الفردي لوسائل الإنتاج الإجتماعية وما تنتجه من إنفراد الطبقة المالكة بالتحكم في توزيع جهود الإنتاج وثمراته وإستئثارها بإستفاضاته وخيراته دون ملايين الناس الكادحين عليه، تنتج سواء في صورها المدنية وصورها العسكرية إستغلالاً وتهميشاً واسعاً يؤدي لإضطراب إستقرارها السياسي الظاهري وتحولها دورة بين هذين النمطين، وإن كان تقدم قوى الإنتاج يتم في شقي هذه الدورة بمعدل معين، فإن تدهور علاقات الإنتاج وشروطه الإجتماعية يتدهور بمعدل أكثر و أكبر، مما يظهر من قرآءة تأهيل ونوع وساعات العمل وأجرته بالنسبة إلى العامل القديم ومدى نجاحها في سد متطلبات عيشه، ومقارنتها بتأهيل ونوع وساعات وأجرة العمل بالنسبة إلى العامل المعاصر (2008) ومدى نجاحها في سد متطلبات عيشه.

    إن تقييم ما يتصل بكل حدث سياسي يتصل موضوعياً بحساب الوضع الطبقي ووضع صراع المصالح الطبقية كمنظار لقرآءة التحولات المعيشية والإجتماعية والثقافية ووصول تراكماتها العامة إلى درجة توجب فتح الطريق لها، حتى لا تنفجر عشواءاً وهي الدرجة التي يمكن معرفتها من وجود مجموعة من البؤساء والشحاذين في ناصية ووجود قصور وسيارات فارهة في ذات الوقت مما لا يحتاج إلى كثير من الدراسات الظاهرية أو الباطنية. يتجه مشروع التقرير الذي أعدته لجنة تسيير المناقشة العامة حول إنقلاب 25 مايو وطبيعته إلى تحليل الموقف كعملية بوليسية أو حتى جاسوسية يقول ((وشاركت السلطة بقسط وافر في صراعات الحزب الداخلية وبمختلف إشكال الدعم المادي والسياسي للعناصر اليمينية التصفوية ))، بينما تتجه بعض فقرات كتاب محمد محجوب عثمان "الجيش والسياسة" وهو المسؤول العسكري في الحزب آنذاك إلى توضيح إن الحزب نفسه كان له دور مشابه داخل السلطة في مجلس قيادة الثورة، مع إيماء إلى إستمرار اللقاءات بين محمد إبراهيم نقد ونميري حول موضوع الميثاق أو بحجته في وقت كان الحزب قد اخذ قراراً بمقاطعة السلطة!! بدل الإعتماد على تحليلات بوليسية الأنجع ذكربعض نقاط ضعف أفشلت إنقلاب 25 مايو 1969 وبعده 1971 مثل:

    1- إختلافات التركيبة الطبقية والفئوية للجهاز المدني والجهاز العسكري في الحزب وصلتها بالصراعات الشخصية في كل منهما،

    2- التعامل المستسهل للإختلافات الآيديولوجية في كل المعسكر الإشتراكي دولاً وأحزاب وتنظيمات،

    3- إنعدام الخطط العامة لمواقف أساسية بل والتعامل مع كثير من المواقف الحساسة بسياسة رد الفعل،

    4- التفاوت المطلوب والتفاوت المرفوض في مسآئل الحزم والمرونة داخل التحالفات وداخل التنظيم الحزبي،

    5- الطبيعة الإرتجالية لإصدار البيانات سواء من السكرتارية أو من اللجنة المركزية،

    6- ضعف الصلة بين الحزب والتنظيمات المناصرة له وحتى بين الحزب وبعض مكاتبه وإعتمادها على نشاط بعض الأفراد

    وفي جملة توكد هذه المعاني أتت بعض فقرات مشروع التقرير السياسي: ((وعندها إذا توفر للجماهير التنظيم والوحدة واختارت الوسائل المناسبة وكانت على رأسها قيادة مدركة ، فأن الثورة ستنفجر. غني عن القول أنه ما كل ثورة تتفجر لابد أن تنتصر حتما. لكن خوض الثورات بنجاح إلى الانتصار له قواعد وفنون لابد من حذقها ، ليس من بينها الهواية أو التردد أو عدم الاستعداد . فما أكثر الثورات والانتفاضات التي فشلت رغم عدالة قضيتها وشجاعة جماهيرها وقياداتها. ومن الممكن دراسة كل حالة والتوصل إلى أسباب النجاح والفشل )). (( غير أنه من المهم التوكيد على ان القوة التي يتمتع بها نظام ما مهما بلغت لا تمنع مقاومته ومنازلته ومعارضته ، مرة ومرتين وأكثر وأخيرا هزيمته)) ولكن في فقرة أخرى يقول المشروع بشيء ضد كل هذه السطور هو: ((أن صغار الضباط يسود بينهم مفهوم أن الدعم الوحيد الذي بالإمكان أن يقدموه للشعب هو القيام بانقلاب عسكري بينما هناك خيارات أخرى ))؟؟!! والعبارة السياسة هي "الإنتظار"!: فصغار الضباط عليهم الإنتظار!، والعمال عليهم الإنتظار!، وعموم المستغلين والمهمشين عليهم الإنتظار!، والشباب عليهم الإنتظار!، والنساء عليهن الإنتظار!، و المنظمات والحزب كلهم عليهم الإنتظار أو على الأقل محلك سر! بينما اليمين يعيث فساداً في الأرض.

    32- الأسباب الجذرية لفشل الإنتفاضة وإنتصار "مايـو 2":
    1- وهم تطور القوى المنتجة بإستقلال تغيير علاقات الإنتاج قاد لبرنامج متواضع في طبيعة حشده وأهدافه،

    2- الطبيعة الإرتجالية لحشد كل الأحزاب والتنظيمات دون معيار طبقي،

    3- إضعاف التجمع النقابي بالتجمع الحزبي،

    4- ضعف القيادات العسكرية الوسيطة والصغيرة في عدم تصديها لقيادة الإنقلاب الإحترازي لوزير الدفاع،

    5- التشتت الزماني والموضوعي لحركة الإضرابات بعد الإنتفاضة،

    6- الإحتراس في التعامل مع الحركة الشعبية ومع جماهير الهامش في العاصمة، ومحاولة إشراكها في نظام ليبرالي الإقتصاد،

    7- عزل الحركة السياسية للحزب عن التعامل مع مؤسسات النظام الليبرالي في السوق،

    8- الإستغراق في قضية العدالة الجنائية على حساب قضية الديمقراطية الإقتصادية والإجتماعية،

    9- الإستغراق في أنشطة جماهيرية وكرنفالية على حساب الديمقراطية داخل الحزب،

    9- ضعف الخطاب الأول للحزب في المهرجان اليتيم لعيد العمال وإستهلاك جزء كبير من إعلام الحزب الرسمي والشعبي في خلافات القوى التقليدية ثم في خطاب الميزانية الجيد الشهير دون طرح طبقي واضح (التفاصيل برسالة ك إلى الميدان أبريل 1986)

    10 - عدم الإستعداد السياسي والنضالي لإحتمالات الإنقلاب العسكري والإتجاه مع القوى التقليدية إلى لوم الحركة الشعبية لتحرير السودان والإستغراق في محاولة جرها من ساحة القتال إلى مقاعد مفاوضات لم يمكن تحديدها حتى (إنقلاب) مذكرة الجيش.

    33- أخطاء حزبنا في مواجهة الحكم الإسلامي :

    1- عدم التصدي لإنقلاب يونيو 1989 بالوسائل المتاحة (خشية على الشباب من الأذى وعلى البلاد من الحرب الأهلية)!!

    2- عدم التصدي لموجة عمليات القمع والإضطهاد الأولى 1989-1992 والثانية لغاية الآن (خشية على البلاد من الحرب الأهلية)!

    3- التضامن مع القوى التجارية والمالية (في وجه إجراءات أسلمة السوق) بصورة تفوق التضامن مع العمال والمهمشين.

    4- عدم التنظيم المسبق لكثير من عمليات التأمين الحزبي مما أدى لتشتت كثير من الجهود ولخسائر في بعض الأحيان.

    5- عدم وجود تنظيم كفء آمن لكوادر الحزب في الحياة المدنية، وفي الجيش والأمن، وفي داخل حركات التحرير.

    6- الإستغراق في التحالف السياسي مع القوى الليبرالية الأخرى لحرية السوق ومع مطاولاتها ومناوراتها المحلية والإقليمية.

    7- ضعف التعامل مع قوى الهامش على غض تكوينها ومع قوى اليسار على ما فيها من إنقسامات.

    8- الحذر والإحتراس من التعامل اليومي والطويل المدى مع الحركة الشعبية، (بالإقتصار على لقاءات علاقات عامة متباعدة)

    9- التباين الزمني والنوعي في مزج أنواع الضغط المدني والعسكري والمحلي والإقليمي والدولي (كل زول شغال بطريقته).

    10- الإشتراك في البرلمان الإنتقالي المكون بمقتضى إتفاق نيفاشا رغم إنه كإشتراك أو كبرلمان لا يحل ولايربط.

    34– وهم إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية دون ديمقراطية شعبية وتخطيط إقتصادي وتأميم لفروع البنوك الأجنبية والمصارف الإسلامية والتجارة الخارجية وجميع المؤسسات المشتغلة بنهب ثروات السودان؟

    فدون ضبط شعبي ثوري للإقتصاد والسياسة سيكون الأمر مجرد إعادة مجددة للقوى الليبرالية التقليدية والإنقاذية بذات أسلوبها الإقتصادي المؤدي للتبعية والإستغلال والتهميش أي بذات العقلية الفذة لمقولة اللواء محمد نجيب (أهه خلاص بأأأه شلنا الملك نرجع بأأأه للأحزاب) !!!

    35- تغليب الهم بالرأسمالية الوطنية على الهم بالطبقة العاملة الصناعية في صيغة القوى المنوط بها تنفيذ ما يسمى "المشروع الوطني الديمقراطي" وهو في سياقه وتركيب قواه وعناصره واولويات مهامه غير مشروع وبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية.

    الأزمة الأساسية لمشروع التقرير السياسي هو تغييبه أو نسيانه الضرورة الموضوعية لإرتباط تقدم القوى المنتجة في السودان بتغيير علاقات الإنتاج وما يتطلبه ذلك من تغييرات متنوعة متزامنة لأعمال الحزب ونضالاته الجماهيرية حتى لا تبدد في ظروف إقتصاد ودولة التبعية.

    36 – ضرورة توكيد "الماركسية اللينينية" في الحزب الشيوعي السوداني بدلاً من إزاحتها:
    السائد في عالم التنظير الإشتراكي إن ما يسمى "الماركسية" هي السمة الغربية للعملية العملية أو العلمية أو الإعلامية لتناول فكر ماركس كإنتاج شخص أو عالم أو حكيم تأثر في إستنباطه بالعوامل المؤثرة على شخصه كأي إنسان، فيقسمون فكر ماركس حسب عمر ذهنية صاحبه أو حسب ذهنية عمره إلى مراحل شباب (رعونة) ومرحلة حكمة في كهولته، كذلك يقسمونه جغرافية إلى مرحلة ألمانية ومرحلة بلجيكية –باريسية ومرحلة إنجليزية، وحسب ظروف نشاطه إلى مرحلة الدراسة، ومرحلة رئاسة تحرير الجريدة الجديدة، ومرحلة البحث إلخ مما يعزل فكر ماركس عن كينونته الثورية الضوئية التي تجمع بشكل جدلي متقدم وراق ومتفتح كل من الفلسفة والتاريخ وعلم الطبيعة والإقتصاد السياسي والسياسة والحقوق وعلم الأخلاق وعلم الجمال في كتلة حركية واحدة جديدة. وقد وقف ماركس ضد تشخيص الفكرة وتحديدها بظروف منتجها لا بكينونة إنتاجها كما وقف ضد تزييف وضد أيقنة وتصنيم أعماله بدلاً عن ربطها بإضطراد مع متطلبات التغيير الثوري للمجتمع حيث رفض التشخيصات اللاموضوعية ورفض في برنامج غوتا تحويل أعماله إلى مستوى الإشتراكية الديمقراطية بقوله إذا كانت هذه هي الماركسية فلست ماركسياً، ولكن بعض (الماركسيين) لم يعبأو بقوله فبهذه التقاسيم والتقسيمات يتم تفريد فكر ماركس عن فكر موجهه ومجادله ورفيقه إنجلز، بل وتتم تصفية فكره نفسه من تفكيره، وبعد ذلك تتم عملية الإختطاط من مؤلفاته وسلسلة موضوعاته وفقراتها بإخارجها عن سياقاتها الموضوعية الثورية الإجتماعية الصغرى والكبرى لصالح سياقات البحوث والدراسات ونيل الشهادات وحيازة الوظائف ونشر الكتب والمقالات في النصف الثاني من القرن العشرين حسب أغراض الباحث، أو غير ذلك من أغراض المتعامل مع بعض نصوص ماركس. أما في السياسة فيُخدم إصطلاح "الماركسية" بقوة من قبل كل الناقمين على "اللينينية" أو لينين (وحتى المعادين للماركسية) رامين بتخديمهم له إلى عزل الحركة الثورية من تنظيرها العملي في عصر الإستعمار والإمبريالية:

    فبينما تمتاز "اللينينية" بتنظيراتها للمرحلة الثورية والحزب الجديد اللاعنصري-قومي واللاطائفي وإقطاعي واللابرجوازي ، واللاشخصي الطبقي العمالي، وبالكينونة الثورية للنظرية واعضاء الحزب ونضاليته الإجتماعية المتقدمة الجامعة بين الدراسة والتطبيق والتقويم، وبتكتيكات جمع أصلب القوى الثورية وضرب أضعف النقاط في التشكيلات الرأسمالية، ومزجه التحرر الطبقي بالتحرر القومي والوطني وبقضايا الريف وقضايا المدينة وبأفقه العالمي في النظر إلى الكينونة الإمبريالية للنشاط الرأسمالي في طوره الأعلى وللإستعمار العالمي (كشكل) أو نشاط لهذه الإمبريالية، وفي نظر لينين والحزب للإنتظام الطبقي والوطني والأممي ضد الإمبريالية وأشكال تواجدها في كل بلد كوسيلة فعالة لحق الشعوب في تقريرمصيرها..إلخ وكمقدمة مادية تاريخية منطقية لحرية الطبقة العاملة في كل بلد.

    بعد تسمم وضعف وقتل كثير من النضالات الشيوعية في أورباالجنوبية والشرقية ظهرت في الإعلام الإمبريالي وفي وحدات الدراسات السياسية بعد أحداث1965 و 1985 ضد االنظم لليبرالية، وأحداث 1989-1992 ضد النظم الإشتراكية للاحزاب الشيوعية وحلفاءها حالة ترويج لما سمته (تخلص الأحزاب الشيوعية من "الماركسية-اللينينية") وهي أحزاب إنشقاق في بعضها تواريخ معارك الحرب العالمية الاولى والثانية بما فيها من تعصب قومي ضد الروس، وفي بعضها تواريخ تعصب ليبرالي ضد الشيوعية تغذيه القوى الإمبريالية وقد قفزت تلك الإنشقاقات فرحاً وطمعاً من داخل بيوت الأحزاب الشيوعية بالذات حين إحتضار ووفاة شيخ القبيلة نشطة لحرق آثاره وإتلاف حسناته وهي تختلف موضوعيةً وإسماً وشكلاً وعلماً عن الشق الماركسي-اللينيني الذي وسموه بالجمود ولكن بعد سنوات قلائل لم يبق واحد من تلك الأحزاب الإنشقاقية في جهة العدالة الإجتماعية بعد خروجه على المبادئي الماركسية اللينينية، وأضحت المصارف والقوات الأمريكية هي المهيمنة على الموقف في تلك البلدان. المهم إن الدعاية المضادة واصلت تنفيرها الناس من اللينينية ومن الشيوعية ككل.

    وفي السودان وعموم الشرق الأوسط ترادفت إعلاماً هذه السمة بصورة حديثة من مصادرها الأوربية والأمريكية ومن أخبار إنشقاقات أوربا الشرقية بعد 1992 رغم إن نظرية حركة التاريخ والعوامل المادية الإقتصادية لعيار وقياس حركته في المجتمعات والعوامل الموضوعية في السودان تجعل الأكثر موضوعية هو إسترشاد دستور ولائحة وبرنامج الحزب بصورة عامة متناسقة بكينونة النظرية الماركسية-اللينينية في قرءاة عناصر وتناقضات المجال السياسي وتحديد الإمكانات الطبقية والقومية والوطنية والأممية للتغلب على هذه التناقضات في المستويات الإقتصادية الإجتماعية والثقافية للفعل السياسي. فدون نظرية ثورية متناسقة تقف ضد ردود الفعل العفوية وضد التجريب الإعتباطي تتحول عملية التغيير الإجتماعي إلى عبث تارة بإسم "التراث" بما فيه من إختلافات فقهية وتارة بإسم "الماركسية" و"تنقية الماركسية" والضياع بين عنفوان ماركس الشاب وتأني ماركس العجوز، وتارة أخرى بإسم "الوطنية" التي لها في السودان أباء وقادة من اليمين ومن اليسار ومن المركز ومن الهامش! لذا من الضروري إصلاح الفقرة الآتية من المشروع عن التحول الاشتراكي لتصير: متطلبات التغيير الإشتراكي وليصير الحزب الشيوعي السوداني حزباً ماركسياً-لينينياً. بتعديل فقرة ((بقاء الحزب الشيوعي السوداني حزباً ماركسياً يستعين بالنظرية الماركسية كمرشد في استقرائه للواقع السوداني للوصول لاستنتاجات سليمة مستنده إلى ما هو إيجابي في تراث شعبنا النضالي وتجاربه الحية. فمن الماركسية يستمد الحزب بقاءه وتطوره وتميزه عن بقية الأحزاب وبدون هذا الانتماء الأيدلوجي العلمي يفقد الحزب الشرط الأساسي لوجوده معبراً عن الاشتراكية .)) لتصير: ( الحزب الشيوعي السوداني حزب ماركسي لينيني يلتزم بدستوره ولائحته وبرنامجه في ......)

    37- بناء الإشتراكية لا إنتظارها يخلق المجتمع الزراعي الصناعي المتقدم ضد كل ظروف التخلف بالتبعية:

    38- بناء الحزب الثوري يلزمه العمل الإستراتيجي والعمل اليومي:

    فالعمل المخطط بشكل طويل المدى بمؤشرات طبقية عمالية في السياسة والإقتصاد والمجتمع والثقافة تنسق الخطط التفصيلية كل مجالها يضبط العمل اليومي وينقله من حالة التلقاء وردود الفعل والتخبط إلى حال الفعل الثوري القادر على إحداث التغيير الإجتماعي.


    39 - سياسة ثقافية إعلامية متوازنة وشاملة:
    لطرح الشعارات المحلية والوطنية في سياق تصور مادي تاريخي للمهام الثقافية والثورية لإخراج الحزب من حالة إجتراح الشعار السياسي إلى حالة تصميم الوقائع السياسية وإختزال كثير من الوقائع والمهام التفصيلية لها في شعار موضوعي أو جماهيري.

    40 - ضرورة التعامل الموضوعي مع التقويمات الشخصية والزعامية لنضالات الأحزاب الشيوعية:
    41- في حزبنا مرونة كافية للقيام بأي إنقلاب والمطلوب هو زيادة التنسيق الزماني والموضوعي لأعماله:

    42- الرؤية التي تفصل تطور القوى المنتجة والمجتمع عن ضرورة تغيير علاقات الإنتاج واشجت كسبب وكنتيجة تفاقم التفكك والجمود في مواقف الحزب والتناقض بين الطبيعة الثورية لوجوده والطبيعة الإصلاحية اليمينة المترددة لمواقفه ( مثل الموقف جهة إتفاقية الإستقلال، الفدرالية، الطريق الرأسمالي، الليبرالية في السياسة، الإنقلابات والثورة، حركات التحرير، السلطة الإسلامية وتوالياتها، وجهة التنظيم الدولي للأحزاب الشيوعية، والموقف العام جهة سياسات حرية السوق وحرية التملك الخاص الإنفرادي لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته ) وقد أدى كل ذلك التفكك والتناقض والتراجع عن السياق التقدمي الطليعي الثوري للحزب إلى الضمور في فاعلية الحزب وجماهيريته.

    3- خلاصة: بعض المؤشرات العامة المتصلة بالموضوع:
    الحزب الشيوعي السوداني يعاني التفكك في كل وجوه وجوده ونشاطه، وذلك لسبب نظري أساس يتمثل في الرؤية التي تفصل بين تطور وتقدم القوى المنتجة وبين تغيير علاقات الإنتاج اللازمة لتحقيق هذا التقدم بشكل مناهض لظروف وآثار وجود السودان كتابع في السوق العالمي للمنظومة الرأسمالية، وهو نفس التفكك الذي الذي حاق بكثير من وجوه النضال الشيوعي في العالم بإعلاء هذه الرؤية الإشتراكية الديمقراطية الليبرالية المضمون بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي لسبب من ترابط نسبي بين الرؤى والاحزاب الشيوعية.

    ومع إعلاء هذه الرؤية تحول موقع الحزب بصورة عملية من حالة المبادرة والطليعية لعملية التقدم الإجتماعي التاريخي في السودان من مرحلة توسع الإستغلال والتهميش إلى مرحلة إكثر إشتراكية وديمقراطية، حيث تغير موقف الحزب إلى إنتظار نضوج التراكمات وإستغرق في سياسة ردود أفعال واعمال إصلاحية وتجمعات مثبطة تعيد إنتاج الأزمة الرئيسة في السودان مراوحاً ممارسة هذه السياسة إثناء هذا الإنتظار والجمود العملي.

    نتج بشكل نسبي من غلبة هذا الموقف الجامد الممتنع عن المبادرة إلى تغييرات جذرية في الوضع العام زيادة التفكك والضعف في قطاعات الإنتاج والمعيشة، وتوتر العلاقات السياسة والإجتماعية والقومية والدولية المتصلة بأوضاع السودان، ومن هذا الضعف والإستضعاف المدعوم بالشروط المالية والتجارية الدولية على السودان بكل مافيها من تطفيف وتبخيس لأعماله وامواله وحقوق الإنسان فيه زاد التفكك الزماني والموضوعي في أعمال الحزب والجمود في سياساته وإقتراحاته لحل الازمات العامة ونوعية مبادراته لتغيير اوضاع القوى المنتجة وكان ذلك التفكك والجمود نتيجة لأوضاع التفكك والجمود العام في المجتمع وكنتيجة للإختلاف العميق منذ بداية تأسيس الحزب ونشاطه وتجذر هذا الإختلاف في صفوف قيادات الحزب وأعضاءه حول الربط بين تقدم القوى المنتجة وتغيير علاقات الإنتاج. بل وتفاقم هذا الإختلاف في دائرة إنهيار مغلقة لا يمكن تجنبها دون أخذ موقف حاسم جهة هذه الرؤية بصورة قاطعة فإما أن يكون هناك حزب شيوعي سوداني يعمل وينشط لتغيير علاقات الإنتاج أو يكون هناك حزب آخر لأغراض اخرى لا تتعلق بموضوعات التغيير الإجتماعي والتاريخ والإقتصاد السياسي أو تتعلق بها من ناحية ليبرالية تزيد الأزمة الطبقية والقومية والوطنية والإقليمية والعالمية بما يكرسه إحترامها لحرية التملك الخاص الإنفرادي بوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وسيطرة الطبقة المالكة لهذه الوسائل على طبيعة توزيع جهود المجتمع وتحكمها بالتالي في خيرات وثمرات غنتاجه تضاعف بها ارباحه بينما ينحدر 95% من السودان في مهاوى الإستغلال والتهميش وإستضعافاتهم مجردين من حرية إختيار اوضاع معيشتهم ومن كرامة وجودهم كبشر.
                  

04-16-2008, 06:04 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)


    المساهمة الخامسة :
    المنصور جعفر
    [email protected]

    !!!!!!!!!
    http://www.rezgar.com/m.asp?i=1248 موقع الكاتب:

    تقديم:

    هذا مقال منثور بعنوانه المكون من تسعة علامات تعجب وحذر وإنتباه !!!!!!!!! يعرض بعض المفارقات الطريفة والظريفة المبكية في أقوال وفي أعمال السياسة السودانية، والهدف الرئيس من المقال وعرضه هذه المفارقات هو دفع الإنتباه إلى بعض جوانب التنافر فيها والخروج من عبرته بدعم الإتجاه إلى بعض جوانب التناسق والإتساق في النظر والعمل في الحياة السياسية. وفي تحقيق هدفه ينهج هذا المقال نهجاً بسيط الشكل لطيف المعنى هو عرض المفارقة في حد ذاتها وترك عناصر التنافر فيها تحدث عن نفسها مع تعليق مقتضب ليفهم منها اللبيب أو غيره ما يشير إليه عرضها من نقص تناسق كان لازماً لإتساق وجود عناصرها مع منطق الطبيعة الخام ومع منطق الطبيعة الإجتماعية.

    بعض المفارقات الأولى :

    كانت المفارقات الأولى في الحياة السياسية السودانية مفارقات عملية منها ما تكون بإختلاف المواقع والمهام الإجتماعية التاريخية، فقد كانت سلطات الإستعمار البريطاني في ترسيخها المشروع الليبرالي في السودان تدعم مادةً ومعنى من هادنها من زعماء الدين الإسلامي وسادة طوائفـ(ـه) والأصح طوائف هؤلاء الزعماء بكل مافي ذلك من ثيوقراطية وإقطاع، ففي نفس الآن كانت نفس سلطة الإستعمار تدعم مادةً ومعنى موالي هؤلاء الزعماء من صفوة أبناء الحضر العربي الإسلامي بمدارسها ومعاهدها وكلياتها الجامعية بكل علمانيتهم!، وقد كان السادة ومواليهم من أبرز الناس عزة وأقواهم عضداً في التاريخ الذي إصطنع في السودان ليكون نهراً لمزيج الإستغلال الجديد شبه الإقطاعي والرأسمالي حيث عصدت البنية الأزوم لذاك التاريخ المصطنع كلا العنصرين الخصمين المتضادين عصيدة واحدة إذ لُبخت عنصر السيادة وعنصر الشرف في وحدة وبنية واحدة هي العز والجاه برسل نظر وحساب غير إنساني وغير إسلامي بأن من لا سيادة له فهو وضيع بلا شرف! وذلك العصيد موصول بإغفال علاقة السيادة بالجبن واللؤم وبالخسة والإزدراء وبإغفال علاقة الشرف بالتواضع والعفة وبالقناعة والحكمة. ولكن لتكوين وترسيخ سمة الجاه في التاريخ الإجتماعي السوداني العربي عصد ضدان متباعدان لا يلتقيان!

    وضد هؤلاء وأولئك من كبار الجلابة وصغارهم ومن لف لفهم كان هناك جماعة متواضعة متطلعة وطليعية من المدنيين والعسكريين من مهمشي الريف السوداني الذين أسهم آباءهم كضباط وجنود بجيش الخلافة الإسلامية العثمانية في تحرير مجتمعات السودان من حكم الدولة المهدية الذي كان يسمح بالإستعباد. وقد حضر الإستعمار البريطاني في معية هذا التحرير أو بالأصح أحضر هذا (التحرير) في معيته، ولكن ما إن أسفر الإستعمار عن الحالة الإستغلالية والطبيعة السوقية لكينونته الليبرالية، إلا وكان هؤلاء الضباط والعسكريين ومعهم مدنيين يصعب عدهم هنا بداية من السنوات 1917 – 1919 قد شرعوا بنظام حديث دقيق له أطر نظرية وعملية في تشكيل الحركة الثورية السودانية الحديثة: مازجين فيها الحرية الطبقية الإجتماعية والحرية السياسية بل خاضوا في طليعية فذة لتلك الحركة سنة 1924 معارك مدنية وعسكرية باسلة ضد الإستعمار البريطاني مشعلين ضده ثورة شعبية مدنية-عسكرية التأطير تواصلت بنظام وبعفوية في شوارع مدن السودان وإستشهد وسجن وعُذب قادتها لسبب منها، مخلدين أصولها ومعانيها في الوعي السوداني الذي نقلوه بهذه الثورة المعروفة بثورة 1924 من حالة البداوة والقبيلية والطائفية إلى رحاب العصر الحديث، ومن هنا تبلورت مفارقة إن الذين تسمهم (الدوائر العليا) بتواضع الحال هم الذين دفعوا دماءهم لأجل طرد الإستعمار في ثورة شريفة الأصل والمعنى بينما كان أكبر زعماء الإسلام والإستقلال سنة 1956 في ذلك الحين أي في سنة 1924 كانوا سدنةً مسلمين لسلطان المسيحية السياسية وللإستعمار بدعوى أو بنهج "الإصلاح"!!

    ولكن مع هذه المفارقات السالبة وجدت مفارقة أخرى صغيرة موجبة فبينما كان هؤلاء السادة يوالون الإستعمار في قمعه ثورة 1924 بل ويدجنون حركة الخريجين والإستقلال بمصالحهم في النصف الآخير لثلاثينيات وأول أربعينيات القرن العشرين كان إبن أحد أولئك الثائرين طالبا جامعياً في مصر ثم معلماً في الكلية الحربية المصرية، فنظم فيها مع آخرين بدايات ثورية جديدة، نشأت في خضمها حركة ثورية كاملة وظهر تلميذ له بمكانته ونفوذه بين زملاءه، وقد لعب هذا التلميذ النجيب دوراً مهماً في إقرار وإصدار ما سمي في 15 فبراير 1953 "إتفاق الحكم الذاتي للسودان"، وكان ذلك الطالب الحربي فالضابط المحارب الشجاع المحبوب والمقدر من زملاءه والقائد الثائر ثم الرئيس والزعيم فيما بعد، هو: "جمال عبدالناصر" الذي ظهر نجمه بتلاحم عملية الكفاح في مصر والسودان ونهوضها المشترك ضد الإستعمار والرجعية والإستغلال، إذ كان ذلك التلاحم في مصر بقيادة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) وهي الحركة الثورية المدنية النقابية والعسكرية التي أسهم بعض السودانيين في بداياتها وفي عنفوانها وفي علو مناراتها وتفتح حدائقها في الحياة السياسية في مصر والسودان.

    المفارقات الثانية:

    تجسدت المفارقات الثانية في الحياة السياسية السودانية بشعارين شهيرين كانا قد ذاعا في السنوات الليبرالية التي سبقت (الإستقلال) وفي السنوات التي تلته: الأول منهما كان ظاهره يدعو إلى الوحدة: ((لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب ديننا الإسلام ووطننا السودان)) والمفارقات فيه متصلة من بداية إن قائله هو زعيم أكبر طائفة وأشد أحزاب السودان شوكة ولا تنتهي بإن الزعيم الجليل قد بث شعاره ودعوته هذه دون أن يبدأ أي إجراء في تحرير نفسه أو تحرير مجتمعه من غلو التشيع لآله، ودون أي يبدأ أي إجراء في حل الناس من لزوم طائفته أو حزبه، أو في تقدير وجود الأديان الأخرى في الثقافة والحياة السودانية، أو في تحقيق أي سوية بينه وبين بني وطنه في تملك وسائل إنتاجهم لضرورات عيشهم وحياتهم! أما المفارقة الثانية فكانت ماثلة في شعار رفعه سيد آخر بقوله عبارة من كلمتين ينفي نصفها الاخير نصفها الأول وهي (( تحرير لا تعمير)) أي إن مهمة الحركة الوطنية هي تحقيق الإستقلال السياسي دون الإستقلال الإقتصادي، وكفالة الحرية العامة دون تنمية لمقومات الحياة!

    المفارقة الثالثة:

    تكونت هذه المفارقة في العهد الثالث للحكم الليبرالي (حرية التملك الخاص الإنفرادي لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته) المعروف بعهد الحكم العسكري الأول (1958- 1964) وحدثت عفو سؤآل سأله أحد مراحيم الصحافيين للمرحوم الوزير عن قضية الحريات العامة فأجابه صاحب السعادة بلهجته المصرية ((حريات إيه اللي إنت بتقول عليها دي؟ إنت مش بتروح كورة هلال مريخ على كيفك؟ أجاب الصحافي: نعم، مش بتروح سينما عربي كاوبوي أفرنجي على كيفك؟ أجاب الصحافي: نعم، مش بتروح أي حتة تعمل اللي إنت عاوزه تاكل أو تزور قرايبك أو أصحابك؟ أجاب الصحافي: نعم، فسأله الوزير مجاوباً طيب حريات إيه تاني أكتر من كده اللي إنت جاي تقول لي عليها؟))!

    وإضافة لهذه المفارقة فهناك مفارقة أخرى حدثت في ذات العهد الليبرالي السياسة العسكري الحكم حيث ذهب أهل الشهيد البطل علي حامد يطلبون وقف إعدامه، فطمأنهم "صاحب السعادة" بأنه سيسعى إلى ألا يعدم ذلك الفدائي شنقاً كأي من يرتكب جرماً شائناً وأنه سيبذل قصارى جهده لينعموا بأن... يعدم إبنهم -كأي مقاتل- رمياً بالرصاص!

    المفارقة الرابعة:

    حدثت هذه المفارقة في العهد الرابع للنظام الليبرالي (حرية التملك الخاص الإنفرادي لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته) المعروف بعهد الديمقراطية الثانية وبالأصح الديكتاتورية المدنية (1965-1969)، مع قيام الحكومة والبرلمان ومجلس السيادة والجهات البريطانية والأمريكية المسيطرة على إقتصاد السودان بإصدار قرار يلغي وجود الحزب الشيوعي وكان السيد الصادق المهدي قد دافع بقوة عن هذا القرار الليبرالي ونافح عنه بحجج عددا منها (إن الشيوعية تفسد التربية) وكانت حجته الأخيرة من حجة السيد إسماعيل الأزهري "إن الدولة قد إتخذت قرارها وكفى" و.... و....هلم جراً ،وبعد ذلك الإلغاء بزمن قصير أتى حين من الدهر إختلف فيه أطراف القرار وحدثت أزمة ثلاثية مركبة وزارية، وبرلمانية، وسيادية، فقرر رئيس مجلس السيادة حل الجمعية التشريعية نفسها وأغلاق أبوابها، فعارض السيد الصادق ضياع مكلمته، ومنصة رقيه، وإهدار الديمقراطية، وأصر وجماعته على دخول القاعة وفتح الأبواب له ولمواليه لكن أمين المبنى ضابط القوات المسلحة (عوض الجاك) ثبت على تنفيذ قرار الدولة قائلاً له بشيئ من المكاء المرير "إن الدولة قد إتخذت قرارها وكفى" . وأمام ثباته قام الصادق بحركة مسرحية (مستمدة من إجتماع ملعب التنس إبان الثورة الفرنسية) فإنتقل الصادق بجماعته إلى شجرة "لبخ" قريبة من الباب يعقدون تحتها (جلسة) بمن حضر لتتخذ ما تراه وإفتتحها الصادق بآية (...الذين يبايعونك تحت الشجرة...) بينما كان الطير يلقي على رؤوس بعضهم أوساخه ! وفي ذلك العهد الليبرالي إجتمعت مفارقات كبرى، فبعد أن أصدرت رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان المناط بها تصريف أمور الحياة قرارات بإلغاء وجود الحزب الشيوعي السوداني، أصدرت رئاسة الدولة قراراً بحل البرلمان وقراراً بإقالة الحكومة، وقراراً يعارض الدستور والقانون يمنع تنفيذ أحكام القضاء، مما أدى لإستقالة القضاء ووقف أعمال النيابة العامة وكثير من أعمال التصاديق القضائية على كثير من الإجراءات المدنية واالإجراءات لتجارية بل وتعطلت كثير من أعمال الشرطة وحفظ الأمن والنظام، ورفعت وتائر التصفية الإسلامية-العسكرية لقضية الجنوب ولجملة قضايا حقوق الإنسان ومع هذا التردي الإسلاميالسياسي تباينت أوضاع البلاد وعانت الناس الفقر والقمع وعانت قوات المسلحة الخسائر المعنوية في الشمال ومن الهزائم العسكرية والمعنوية في الجنوب بينما كانت دعاية هذه القرارات تروج لأن نصر الله سيأتيها من جراء هذه السياسات!

    المفارقة الخامسة:

    وهي مفارقة بين ثورة ظفرت في آسيا وتحول سياسي سوداني متعثر ولدت أسباب سقوطه مع حوادث نشوءه وإرتقاءه: حيث نشأت تلك الثورة في فيتنام في سياق التخلص من أسس وأشكال النظام الليبرالي بعملية حشدية صدامية ككل الثورات كانت ذات أبعاد سياسية عسكرية (1955-1975) جمعت كينونتها مهمة التقدم الإجتماعي الإقتصادي وتغيير علاقات الإنتاج ومهمة فرض السيادة الشعبية والدفاع الوطني ككل واحد بينما نشأ في السودان التحول السياسي متعثراً في سياق النظام الليبرالي لحرية التملك الإنفرادي لوسائل إنتاج الناس ضرورات عيشهم وحياتهم، بتحول شكل الحكم من النسق الليبرالي العسكري إلى النسق الليبرالي المدني بحدث إستطال مابين العشرة الأواخر من شهر أكتوبر 1964 إلى فبراير 1965 ولكنه لم يجاوز السياق الليبرالي لحرية تملك بعض الأفراد لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته، ولكن المفارقة تتعمق بين إنطلاق الثورة وتعثر التحول بما حدث في اليوم الحاسم لكل منهما: ففي فيتنام وجه القائد العسكري الذي إقتحم العاصمة إنذاراً إلى عسكر الحكم القديم القائمين على القصر الجمهوري بأن الخيار أمامهم خلال دقائق هو الإستسلام أو مواجهة الموت، ومن إستسلامهم إرتقى ذاك القائد ومعه وحدة طليعية سُلم القصر إلى غرفة مكتب الرئاسة وسدتها، مقتحما لها فقام لهم رئيس العهد الليبرالي العسكري (بالإنابة) وقال لهم بثبات بعد تحية( الآن بالإمكان إجراء إستلام السلطة)) فرد عليه القائد الثوري الشاب بثبات وحزم: ((نت الآن لا تملك أي سلطة لتسليمها، السلطة للشعب منذ إندلاع الثورة، وما أنت إلا متمرد عليها لا عليك الآن سوى الإمتثال للأوامر والتعليمات المصدرة إليك)) ثم أخضع هو والأمر كله من ثم لسلطة الشعب وعدالته بلا مماطلة أو تسويف أو رجاء أو نداءات أو تظاهرات أو أعداد إضافية من الضحايا.

    بينما كان الأمر في أكتوبر 1964 غير ذلك ومختلفاً عنه لا من حيث الزمان وظروفه بل من حيث قوة وضعف الموقف الثوري الطبقي فبينما كان بعض الضباط الاحرار ومنهم (مرابطين) شمال القصر في جهة النيل يتفيأون الظلال فإن المرحوم رئيس العهد الليبرالي العسكري الفريق أركان حرب أبراهيم عبود في لقاءه بممثلي جبهة الهيئات الذين إلتقوا به (طالبين) منه بأدب جم التنحي عن الحكم قام بطرح بضعة أمور عليهم تترواح أوصافها بين الأمنيات والنصائح والشروط والطلب تتمثل بحسب إجمالي لها في:
    1- أن تكون الرئاسة مستقبلاً لشخص يرضى عنه "أهل السودان" وهو إصطلاح يعني سادة الطائفتين،
    و2- أن لا يحاكم من مسؤولي عهده أحد،
    و3- أن لايمس من إمتيازات أسرته شيء،
    و4- ان يجري النظام العام لأمور البلاد مجرى حسناً [لا تحقيقات أو محاكمات، ولا تأميم أومصادرة] !!!!

    ولقاء ((سماحة إستقبال سعادته لمطالب الشعب)) وعده ممثلي الشعب خيراً وقد أوفوا بعهدهم إليه، وهم شباب الإستقلال وصفوة جيل التحرر الوطني زعماءنا وقادتنا، ومازلنا نصون إجتراحاتهم النضالية ومآثرهم الثورية!!

    المفارقة السادسة:

    حدثت في العهد الليبرالي الرابع(1969-1985) الذي بدأ تقدمياً وإنتهى رجعياً إلى ما يشبه مشيخة يمنية قديمة، فبعد نجاح مشروع الحكم الشعبي المحلي في تجاوز عقبة إعلام الثورة المضادة بأنه مشروع معقد وصعب لانه يطلب من المواطنين في كل منطقة إنتخاب مجلس محلي لهم يضم ممثلين لأشغالهم وأنواعهم ومهامهم، حيث قدمت "الثورة المضادة" هذا الأمر البسيط بإعتباره بالغ التعقيد وينافي سهولة إنتخاب مجلس تشريع قومي مركزي ديمقراطي ليبرالي لا إعتبار فيه لمصالح ومهن المواطنين! ولكن ما إن تجاوز المشروع حاجز الخوف والتردد إلى حال التحقق حتى قامت مركزية الدولة بعد تعطيل ومماطلة وتسويف حوالى سنتين بإلغاء الجزء المركزي من مواد قانون الحكم الشعبي المحلي المتعلقة بحق المجالس الشعبية المحلية وإستقلال سلطتها في السماح والتصديق بنشاط المشاريع الإقتصادية، وتقدير وفرض الضرائب عليها وصرفها عوائدها على الخدمات العامة التعليمية والصحية بشكل مستقل نسبية، بدلاً للسلطات والإجراءات والضرائب المركزية مما يعني تقليص صلاحيات وقدرات وأعمال السلطة المركزية فعاجلته السلطة بالإلغاء وأصدرت مع قرارها السابق قراراً بإعفاء عرابه تلميذ الأستاذ الجليل والبرلماني الصادق حسن الطاهر زروق، وزير الحكم الشعبي المحلي آنذاك (1975) مناهض الإدارة الأهلية ومناهض الإدارة المركزية، الإداري والدكتور في علم الإدارة العامة جعفر محمدعلي بخيت (1933- 1976) وقد عنى ذلك القرار نهاية الطريق الحكومي للامركزية الإدارية، وفي خضم تلك الأزمة والنهاية الحكومية المركزية لمشروع اللامركزية العظيم ولقيمة جهود صاحبه، تجمع للمرحوم جعفر في عزله نفر من أهله وصحبه منهم المعزي ومنهم المؤآزر ومنهم المحرض ومنهم أحد زملاءه الوزراء لعله إبن شيخ مجموعة قبائل عربية، هاذره قائلاً له: ((لكن يا دكتور ضيعت وقتك في المشروع ده وهو غلط من أوله لأخره!)) فرد المرحوم جعفر لمزته بإنه مشروع غالبية الإداريين في السودان من التركية والمهدية ومحور قراراتهم منذ مؤتمرات الإداريين في 1947 وحتى مؤتمر الضباط الإداريين 1970 ما بعده وهو كيان خبرته وتعلمه ومتعهد إنجازه والمقسم بالله على تحقيقه، لكن الغلط فيه شنو؟ فأجابه الوزير شيخ العرب بسرعة و بصيغة سؤال المنتصر الناصح : ((لمن ناس دينق وكاكوم وإزاغة وأوشيك وصابر يمسكوا حساباتم وضرائبم ومصاريفم نحن نشتغل شنو في الخرطوم؟)) فأجابه بعيد النظر ساخراً من منطقه: ((يعني إنت داير كل الناس ديل يتحولوا لـ"أنانيا" وتمرد حتين تديهم حقهم؟)). وبعد شهور مع قدوم الربيع فارق جعفر الحياة في 25 مارس1976 وبكاه الناس عامة خاصة الفقراء منهم والعلماء، وكان ألفت للنظر بعد أيام وأسابيع من وفاته قدوم بعض المعزين من المناطق البعيدة التي إشتغل فيها في بواكير خدمته في السلك الإداري، وكان بعضهم من وفود أتت من الريف المهمش البعيد لتقضي بعض الأمور الإدارية البسيطة في الخرطوم!

    المفارقة السابعة:

    وهي مفارقة تجمع بين عالمين للنظام الليبرالي، الأولى في عهده المدني آواخر الستينيات والثانية في مطلع القرن الحاضر في عهده الثيوقراطي العسكري: ففي الستينيات صخب القائد المحدث للإسلام السياسي أستاذ مادة الدستور د. حسن عبدالله الترابي بتعليق ضد حكم المحكمة العليا القاضي ببطلان وإبطال القرارات التي أتخذت سنة 1965 لإلغاء وجود الحزب الشيوعي السوداني بحظر نشاطه وكل نشاط مرتبط بأهدافه أو هيئاته! وذلك لتناقض مضمون وشكل تلك الإجراءات مع أصول الحريات العامة ومبادئي الدستور ومع مواد الدستور نفسه ومهام الحكومة والمجلس النيابي، وكانت حجة د.الترابي ضد الحكم أن قرارالمحكمة صادر ضد جهة السيادة والسلطان الأعلى في الدولة وينافي مبدأ إستقلال السلطات، ومبدأ سيادة البرلمان على أعماله، وسيادة الرئاسة والحكومة على عملها! وهي حجة واهية ضعيفة لان أي طالب في السنة الأولى لدراسة الحقوق والقانون العام يعلم أصول الحق الدستوري للمحكمة العليا في صون الدستور وبأحقيتها الحكم في كل النزاعات القضائية المعروضة أمامها المتصلة بإختلاف السلطات حول دستورية عمل ما أو إمتناعها عن عمل، وخاصة لو كان ذلك الإختلاف حول تفسير الدستور قائماً إزائها، مثلما يعلم ذلك الطالب وأي من أساتذته حق المحكمة وإختصاصها القانوني والقضائي والمكاني والزماني والسياسي في البت النهائي فيما يعرض عليها من حالات تتضمن مخالفة للدستور أو إختلافاً عليه، بيد ان المفارقة كانت بعد ربع قرن من ذلك الإعتراض الذي أبداه د.الترابي على الحكم الأول: ففي مطلع القرن الواحد والعشرين كانت المحكمة الدستورية برئاسة القاضي الغاشم الظالم جلال علي لطفي تنظر الدعوى المرفوعة لصالح د. الترابي وجماعته طالبة إبطال القرارات المصدرة من رئاسة الدولة (الإسلامية ) وقيامها بإبطال وجود حزب الترابي "المؤتمر الوطني الشعبي" (=المؤتمر الشعبي) والتحفظ على دوره وممتلكاته، فكان إن صدر الحكم ضد مصلحة د.الترابي بمنطقه القديم: أن هذه القرارات قرارات سيادية ليس للمحكمة إختصاص بمراجعتها وفقاً للدستور (الذي وضعه الترابي) ووفقاً لمنطق فتواه السابقة المعارضة –بإفتئات على الحق- لصحة الحكم بحرية وجود الحزب الشيوعي، بينما إعتمدت محاولات مراجعة القرار ومراجعة الحكم على نفس الحجج القديمة التي قدمها الحزب الشيوعي.

    بعض المفارقات الثامنة:

    وهي مفارقات عددا متصلة بعهد الصيغة العسكرية الإسلامية للحكم الليبرالي القائم في السودان 1989-2005 وحتى ملحقه الحاضر. وتبدأ هذه المفارقات بالإشارات الأولى للحكم العسكري الإسلامي وأكاذيب بيانه الأول فمنها قوله الزور بإنه أتى لضبط الإقتصاد ومعاملاته والحد من فساده وتدهور عملته وديونه وإغلاءه الأسعار، ورغم هذه الإشارات اليسارية الطيبة إتجه الحكم الإسلامي يميناً إلى جهة الليبرالية (حرية السوق) فعمت العشوائية والفوضى وزاد الفساد إلى أن بلغت أعداد مبالغه المالية المعروفة بصورة رسمية عشرات المليارات، وأبرزه القائم حاضراً في مجالات النفط والذهب وإخراج المعادن (باب آخر لسرقة الذهب)، وفي مجالات توريد مدخلات الزراعة، وفي تراخيص التجارة والإستثمار والصناعة والخصخصة، وفي مجالات الإستيراد والتصدير، وفي مجالات الإدارة العامة بتعييناتها وتشريداتها العسفية وإمتيازاتها، وفي مجالات المعيير والمكاييل، والضرائب والرسوم، وفي مجالات المحاسبات والبنوك، وفي مجالات الأراضي والإسكان، وفي مجالات الخدمات العامة في التعليم والعلاج والطرق والنظافة والتراخيص والرسوم المتعلقة بهم، وفي مجالات النقل والمواصلات المحلية والبرية والبحرية والجوية، وفي تعيينات وتصرفات ومقاولات الشؤون العدلية والعسكرية، وفي مجالات إمازات وظائف الشؤون والعلاقات الخارجية، وفي العدالة والقانون التجارية والجنائية، وفي مجالات الحريات السياسية والصحافية وتمييز المحاسيب والصحف الساكتة، وغير ذلك مما يتعلق بإستشراء الفساد، أما في مجال العملة فقد تدنت قيمتها من خمسة وحدات لكل دولار إلى الألوف منها مقابل دولار متدهور القيمة، أما الديون فقد زادت إلى حدود الترليون [الرقم واحد وإلى جانبه عدد خمسة عشر صفراً ] وأضحى 95% من السكان فقراء ومساكين يتطورون جوعاً تحت خط الضنك يعانون من ديون رهيبة ألقت بعشرات الألاف منهم في مغبات العسر والغرم وسجونه.
    أما غلاء الأسعار فمع إلقاءه 95% من السكان تحت خط الضنك فقد جعل أغلب المرتبات الشهرية هباء منثوراً كافية لسد الرمق لأيام معدودة إن وُجد العمل، ومع تطاول البنيان ترى إتساعاً رهيباً في أحزمة الفقر المحيطة بالمدن. ولكن إنجازات السوق الحرة ودفقها بلايين الدولارات على بعض ملاك وسائل الإنتاج ومحظيي خدمات تمويله وتميز المحال التجارية النشطة في تلبية طلباتهم من السلع الكمالية غير الضرورية لعيش وحياة عامة الناس أضحت هي العلامة الإعلامية لـ(نجاح) هذا النظام الليبرالي بصيغته العسكرية الإسلامية، ومناط الخوف على السودان من خسارته أما الـ95% من السكان الراسفين في أغلال الإستغلال والتهميش فلم يعد لهم ما يخسرونه سوى أغلالهم وقيودهم. وفي هذا الفقر المقيم يحاول الحكم العسكري الإسلامي للنظام الليبرالي الإستعانة بالأموال العربية يدعوها للإستثمار في السودان بينما هو نفسه وبقية الدول العربية يستثمر الأموال في أمريكا وغرب أوربا وجنوب أفريقيا يبقي عائداتها هناك طلقةً حرة لرغد أبناءهم بينما فقر الفقر يفكك الأسر بالعمل الطويل والدخل القصير!

    مجموعة المفارقات الثانية للعهد العسكري الإسلامي للحكم الليبرالي هي مفارقاته السياسية الخارجية في الإعلام: ففي التسعينيات كان إعلام ذلك العهد الإستغلالي التهميشي ضاجاً وصخباً بسقوط نظام الحكم في إثيوبيا بدعوى إنه كان نظاماً عسكرياً عقائدياً يقمع الحقوق!! كانما كان الحكم العسكري الإسلامي هو جنة ديمقراطية للنظام الليبرالي، وبينما كان الإسلام السياسي يبرطع في المحليات التركية وفي المحليات الجزائرية وفي المحليات الإيرانية وفي المحليات السودانية تشطب أسماء ملايين الناخبين من سجلات الإنتخاب العام وتعرقل حقوق ملايين أخرى ولكن عمه إعلام العهد العسكري- الإسلامي لليبرالية في السودان عن تلك المظالم نائحاً على عسف سلطات الديمقراطية في مصر والجزائر بتنظيمات الإسلاميين الحربية!

    أما في مجال الشيوعية فالحديث ذي شجون فبينما كان الشكل العسكري الإسلامي للنظام الليبرالي يصخب لتسمم وإحتضار الشيوعية في الإتحاد السوفييتي، بحكم الأصول الإقطاعية والإمبريالية للإسلام السياسي، كان ذات النظام العسكري-الإسلاميولم يزل يتزلف لحكم الثورة الكوبية ولحكم الثورة الصينية ولبقايا الحكم الشيوعي في روسيا البيضاء لدعمه ومساندته!!

    أما في النواحي القومية فالمفارقات عددا: فمقابل نبرة إعلاميه قوية في مساندة الفلسطينيين فإن تعاملاته الدقيقة مع مصالح الكيان الصهيوني بعد إكماله مهمة تهجير الفلاشا لم تزل قائمة خاصةً في موضوعات مياه النيل وتوطين الفلسطينيين في السودان وتصدير اللحوم والصمغ العربي وفي تعاملات الذهب وفي تغذية التمويلات المصرفية المتبادلة بين المصارف الإسلامية والمصارف العالمية ، وحتى نشاطه كنظام إخواني إسلامي في الحرب ضد الإرهاب والشراكة الإستراتيجية مع الولايات (= الدول) المتحدة الأمريكية، ودعمه إجراءات (الأمن الأفريقي) المتصلة بحماية الدول الأفريقية للمصالح الأمريكية-الصهيونية في عموم أفريقيا بالمد بالمعلومات الضرورة لصون هذه المصالح حسب فورمات معدة مسبقاً بواسطة هيئات الإستخبارات الأمريكية والصهيونية، وكذلك مشاركة الحكم العسكري الإسلامي في مؤتمرات التفاهم والتضامن اليهودي الإسلامي وصخب ممثليه فيها ضد التعصب والإرهاب! ومع جمع هذه المفارقة بين الجعجعة بعذاب الفلسطينيين والحصافة في التعامل مع المصالح والقوى الصهيونية، ظلت المليشيات العسكرية والإعلامية المواشجة للحكم تواصل عمليات التطهير والثقافي ضد كافة القوميات المهمشة في السودان وبمقاتل أشد وأنكى من تلك التي يتعرض لها الفلسطينيين في إطار الحرب بينهم وإسرائيل، فمرارة حرب العدو للعدو أخف من مرارة ظلم ذوي القربى!

    وفي مسألة عموم القوميات في العالم تبرز مفارقة عجيبة: مع قيام الحكم العسكري الإسلامي لحل المسألة القومية للسودان بما فيها من تمييز طبقي- عنصري يغذي ويتغذى بالإستغلال والتهميش بالنزوع إلى سياسة التزييف والتسويف وإلى حروب الإبادة والإقتلاع والتهجير بما فيها من حصار وتجويع وتعطيش وقذف بري وجوي بالقنابل العادية وبالغازات، إلا إن المرء يجد حكم الإسلاميين شديد اللهجة جهة حقوق القوميات الأخرى في العالم خاصة تلك المرتبطة بتعزيز المصالح الأمريكية البريطانية في يوغوسلافيا وأرمينيا وفي الشيشان وفي كشمير عدا الأزمات القومية المتصلة بأوضاع أمريكا أو بأوضاع دول شمال وجنوب غرب أوربا وبكثير من دول آسيا وأفريقيا !!

    مفارقة أخرى في المجال الدولي فبينما رفض الحكم العسكري الإسلامي دفاع يوغسلافيا عن سلامة ووحدة أراضيها وهلل لتمزيقها بإسم الكاثوليكية والإسلام كرواتيا وبوسنة وكوسوفا وهلم جراً ورحب بإختطاف ومحاكمة الزعيم اليوغسلافي ميلوسوفيتش نرى نفس الحكم يرتعد من نفس هذا المصير القادم علبه غير عابئي في تمسكه بالسلطة بالأخطار والمآزق التي تحوق بما بقى من بلادنا جراء تعنته، ودون تقدير لعواقب موقفه السابق مع الحلف الأطلسي ضد دولة الذهب والنفط والموقع الشديد يوغوسلافيا!

    وبينما يواصل الحكم العسكري الإسلامي للنظام الليبرالي في السودان الجعجعة بالمطالب الشيوعية لتأسيس نظام إقتصادي دولي جديد، فإن نفس الحكم يولغ في تطبيق سياسة حرية السوق رغم لتفكيكها قدرات الإنتاج والإستهلاك وعموم عناصر بنية الإقتصاد ورغم محق حرية السوق لبنية الحياة الإجتماعية وقطعها أياصر الوحدة الشعبية والوطنية بتركز عمليات الإستغلال وبتوسع في عوامل التهميش ونطاقاته. وإذ يعمه الحكم في هذه السوقية فبتجاهل لأن النظام الذي يفقر أغلبية مجتمعات العالم ويثري أقليتها بمفاعيل زوره وأكاذيبه وبتطفيفاته وتبخيساته هو نفسه النظام الليبرالي الذي ينافح الحكم عن إحاثياته داخل السودان بل يضاعف أصولها ويفاقم آثارها!

    مفارقة أخرى تلفزيونية صرفة فالنهج الإسلامي للتلفزيون منذ تولي الحكم العسكري-الإسلامي لسلطة النظام الليبرالي في السودان سنة 1989 منع بتنوع بث أغاني الغزل والعشق والصبابة والوله والتيم ومنع معها مشاهد اللمم والوصل والغرام إلتزاماً منه بالدين الإسلامي وفق تقوى رأي القائمين على الإذاعة والتلفزيون، ولألا يخدش "الحياء العام" وهو عجز المجتمع عن قبول ظهور أوضاع وأعمال مكتومة مغربة عن الوضوح يبقيها أفرادها سراً ) ولكنه في ذات الآن وأحياناً في ذات المسلسلات والأفلام التي يمنع فيه البعد الجنسي لحال الحُب فإن ذات الفهوم الإسلامية للقائمين بأمر هذه الوسائط الإعلامية تسمح لهم بعرض أعمال تخالف ظواهرها الفهم السطحي الذي خدموه لمنع مشاهدة الجنس، ومن هذه الأعمال:"الأكاذيب"، "الجشع والتطفيف والتبخيس"، "الفقر"، "الجوع"، "العنف والشجار والضرب"، "التجسس والتحسس"، "التفريق بين المرء ورأيه"، "التفريق بين المرء وزوجه"، "الإيحاء والإلهاب الجنسي الأنثوي والذكوري"، "حسي الخمر"، "الميسر"، "التزوير"، "السرقة"، "النشل"، "الإختلاس"، "قطع الطريق والنهب"، "الإختطاف"، "القتل"، "الإغتيال"، "مقاومة السلطات"، "أحوال الإستعمار"، "عمليات الإستعمار الحديث"، "الحروب الظالمة" (بافلام الكاوبوي وغيرها من الحروب اللاجهادية) "إهانة أصحاب العقائد الأخرى"، "الخوف"، "النفاق"، "الإرهاب"، "الإفراط" ، "التكاثر في الإستهلاك"، "الفصل العسفي"، "الغلاء"، "القسوة في الأسرة"، "الطلاق"، "العصبية"، "التشرد المادي أو الذهني أو الجنسي"، "تعاطي المخدرات"، "تعاطي المهيجات"، "الهوس"، "العنف المادي والمعنوي"، "الظلم"، "الإنتحار" المادي أو المعنوي، "الطعن والغمز واللمز في الكلام" "القذف وإشانة السمعة"، "الشتائم" باللغة الأجنبية وباللغة العربية، "الكبر والخيلاء" "العدوان"، "الإنسحاق"، "البعد عن الدراسة العلمية"، "محبة اللهو"، "الغلو"، "الندب والبكاء على الموتى"، "أكل التوم والبصل" "الإسراف"، "الشح والبخل"، "الأمعية"، "الأنوية والإنفرادية"، "المن والأذى"، "المظهرية"، "العنصرية"، "المظالم الطبقية" و"الزي الماسوني للرجال" ...إلخ ! والمفارقة هنا إن إسلامية التلفزيون وحيائيته إذ تدفعه لمنع عرض المشاهد الجنسية فقط فإن نفس الروح الإسلامية لاتمنعه عرض 60 نوعاً من الأعمال المتصلة في مظهرها بالمحرمات والمؤآخذات مع إن باطنها إستوعاظ المجتمع وذخر خبرته بأحوال وحالات قصص الحياة، بكل ما فيها، وكيفما كانت في حقيقة حدوثها، كيف للناس أن يتشاركوا السلطة والثروة بحرية وسواء مالم يتشاركوا في مشاهدة (الخيال) بحرية. أو على الأقل أن تكون شؤون الإدارة التربوية والسياسية والمالية للتلفزيون من إختصاص مجلس مستقل يتم إنتخابه والتصعيد إليه بشكل أفقي ورأسي متوازن نسبيةً في عدد أعضاءه ونوع تمثيلهم لقوى الإنتاج والريف ولقوى الفن والجمال ولقوى التنظيم والتمويل وأهل الهندسة الإدارية والفنية والإجتماعية-السياسية، ولكن حتى ذلك الوقت تبقى الجريمة الوحيدة الممنوعة -بحسب نظر الإنقاذ- في الإسلام هي "الجنس"، أما القتل وبقية الموبقات السبع أو العشر وإخواتهن الخمسين فالتلفزيون لا يحرمها وفقاً لمنطق إعلامي أو إسلامي خاص به!!

    بعض من مجموعة المفارقات التاسعة:

    وهي بعض المفارقات الكامنة في كينونة وتاريخ الحزب الشيوعي، فبينما يعلو ويحتد فيه صوت الرافضين للإنقلابات العسكرية، وينشطون في التصدي لها فإن الموقف الصريح ضد الإنقلابات المدنية داخل التنظيم الحزبي لا يعدو مقولة "رفض التكتلات" بينما الشللية والإستلطافات تأكل مع وحدة الحزب الروح الرفاقية وهي الحالة التي ينشأ التكتل بأثرها وقد برزت بقوة في حياة الحزب في سنوات 1946 و 1953 و 1964 و 1968- 1970 وفي السنوات المتصلة من سنة 1989 إلى الآن!

    وفي خلط بين الديمقراطية والنظام الليبرالي يتجه البعض إلى تقدير وإحترام الحريات العامة وتداول القوى الليبرالية لحكم سلطة [= ديكتاتورية] السوق بينما تراهم بعيدين عن الإتعاظ بالحقيقة التاريخية في إن الديمقراطية الأولى في أثينا تأسست بإنقلاب ديني عسكري دموي ضد حكم التكنوقراط العلماني، وإن كل الأنظمة الليبرالية في أوربا وأمريكا تأسست بإنقلابات وحروب وغزوات، بداية من ثورات وحروب شمال ألمانيا والثورات والحروب في (بلجيكا) وفي هولاند ثم في بريطانيا وأمريكا ثم في فرنسا وإن هذه النظم الليبرالية قد قررت بديمقراطية تطورات نظام الإستعمار كحالة إقطاع دولي وما واشج ذلك من حروب إبادة وحملات إستعباد وحروب إستعمار وإنه بنفس هذه الديمقراطية الليبرالية عمد الإستعمار الحديث بصورة تجعلنا أكثر حاجة إلى الديمقراطية الشعبية !

    وفي مسألة الديمقراطية الشعبية تظهر مفارقات أخرى فبينما يرفضها البعض في الحزب الشيوعي بحجة إنها (فشلت) في دولة فإنهم يقبلون الديمقراطية الليبرالية حكماً رغم فشلها في السودان ثلاث مرات + المرة الحاضرة فيمابعد سنة 2005! ورغم إن فشلها تكرر في العالم في دول أمريكا الجنوبية وآسيا وافريقيا وحتى في دول أوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا بالنظر إلى تقنيتها الإستعمار وإحترامها الزائد المستمر لإستغلال الإنسان لأخيه الإنسان طبقياً وقومياً! وفي نفس السياق يأنس البعض (السهولة) في إنتخاب برلمان مركزي ديمقراطي وفق برامج ذات إصطلاحات وأحزاب ذات دساتير وبرامج وتفاسير بينما يجد ذلك البعض إنه من الصعب جداً على أهل كل حي وحِلة في السودان أن ينتخبوا ممثلين لأشغالهم ونساءهم وشبابهم وأهلهم في مجلس حكم شعبي محلي (= سوفييت) وقد أضناهم الإستغلال والتهميش! أو أن يحكموا أمورهم ومصالحهم وقد فشلت الأساليب والقيادات التقليدية لحكومات وسلطات النظام الليبرالي منذ 1898 في تلبية ضرورات عيشهم وحياتهم بصورة حرة كريمة من النقص والتكالب!

    المفارقة الأخرى في هذا الصدد إن بعض هؤلاء الذين يمزقون آيديولوجية وبرامج ونشاط الحزب إرباً بإسم إزالة الجمود والتجديد يرومون في ذات الآن وبشكل جامد ووسائل جد تقليدية وجزئية ومتخلفة حلاً لأزمة السودان الطبقية- العنصرية مثل الدعوة العامة التي يكررها السكرتير السياسي للحزب الشيوعي –دون تقدير لجهة النظر الأخرى في الحزب - إلى إنهاء هذه الأزمة وحلها بتخصيص ميزانية تنمية إضافية يوقد شعلتها "مؤتمر جامع" لمن يتسبب وجود مصالحهم في زيادة الإستنغلال والتهميش والعنصرية مع ممثلين لقوى الهامش في ذاك المؤتمر الجامع (المختلف على طريقة التمثيل فيه وعلى طريقة إجراءه أفقيا ورأسياً من القمة إلى القاعدة أو من القاعدة إلى القمة والمحاط -على أية حالة ينعقد بها- بمهرجانات وأنشطة) وهو المؤتمر المأمول أن تنتهي عواصف وعواطف دفقه إلى لجان فرعية ضبابية الوضع في فنجان الديمقراطية الليبرالية خاصة حين تهرع لختم أعمالها بسرعة لإصدار مواثيق دعائية وإعلان ختامي مجلجل في بلاد لاتحترم مصالح ونشاطات الطبقة المالكة فيها شيئاً من المواثيق والعهود التي يمهرها سادة هذه المصالح، وهذا هو الجمود الفعلي الذي يقعد بالبلاد والحزب مما يفترض أن يعطى الأولية في مسآئل تجديد وتقوية النضال الشيوعي الطبقي والوطني أو على الأقل أن تعطي معالجته مكانة أولية وسابقة على مسألة تصفية وجود الحزب الشيوعي السوداني بالجملة أو بالقطعة.

    ومن هذه المفارقة السابقة التي يرى قادتها الجمود ماثلاً داخل الحزب في الإصرار على الحل الجذري الطبقي لأزمات السودان دون أن يروا الجمود ماثلاً في إصرارهم و لعشرين سنة على حل الأزمة الطبقية-الوطنية بمسآئل في جزئية وتخلف ميزانية تنمية ومؤتمر جامع وإعلانات فضفاضة وعجزهم المستمر بهذا التعنت عن إنفاذ حل موضوعي لأزمات السودان ونظامه الليبرالي ينطلق من طليعية الحزب في تكريس تحالف شعبي للمناضلين في الطبقة العاملة والحزب مع جمهور حركات التحرير في المدينة والريف وتنسيق نضالات القسمين الثوريين وضفرها في جدلية ثورية عامة تزيح نظام التملك الإنفرادي لوسائل إنتاج الناس لضرورات عيشهم وحياتهم وتتيح للشعب إمكانات أكبر للحرية والكرامة في حياته بتأميم وتنظيم موارد الإقتصاد الكبرى وتمكين التخطيط العلمي والديمقراطي الشعبي من إستثمار خيرات الذهب والنفط والزراعة والرعي في تنمية قطاعات البنية الأساسية للإنتاج والخدمات تنمية متوازنة في المستويات العددية والنوعية والرأسية والأفقية تنتقل بها مجتمعات السودان من حالة التبعية المحلية والدولية وما فيها من إستغلال وتهميش وإحتكار لموارد الحياة ومقاليد السلطة عليها إلى حالة إستقلال حقيقي وتضافر وإشتراكية علمية متقدمة بين الناس في أمور السلطة والثروة، بدلاً لحالة التملك والتمزق الليبرالية المقيمة في بلادنا منذ سنة 1898 بنظام واحد جامد لحرية النقود في التملك تتنوع شعاراته وأشكاله وحكوماته وحتى أحزابه إلا إن بنيته تبقى واحدة في مظهرها وفي جوهرها يتجاهلها الحديث الممجوج عن محاربة الجمود بالإتفاق مع التنظيرات والقوى التقليدية!!!!

    الإتجاه العام للجمود في حزبنا الشيوعي السوداني العظيم واضح وظاهر في حالة التنظيرات والنشاطات التي تفصل بين تطور القوى المنتجة وضرورة تغيير علاقات الإنتاج! وهو إتجاه قديم نشأ في مرحلة ولادة الحداثة الصناعية وإنقسامها إلى شق رأسمالي يوم كانت الرأسمالية لاتتجاوز العمل الحرفي لشخص وإبنه في محل صغير، وشق إشتراكي يحاول ضم أرباب الحرف في جماعة تعاونية إشتراكية للإنتاج إنفتحت بها المدابغ والمناشر والمناجم والمغازل والمناسج والمسابك والمصانع الضخمة الأولى. كان الإتجاه الأول شبه الرأسمالي يعتمد على حركة السوق ومراكماته في تبديل المنسج الصغير بآخر أكبر يشتغل عليه بالأجرة بقية أقارب أو أجراء الحرفي (الكبير) وهو أمر فات أوان تحقيقه في السودان مع سيطرة رأس المال الدولي على عمليات التراكم في العالم بسيطرته على أمور إعتماد وضمان وتقييم عملات الدول وشرعية الحكومات، بل سيطرة التكتلات المالية والتجارية والإصطناعية وتحالفاتها على أمور الدول (الكبرى) بكل أجهزتـ(ـها) الإستخبارية والإعلامية والقانونية والقضائية والإدارية والتشريعية والديبلوماسية والعسكرية وإندغام صفوة هذه التكتلات في حالة إمبريالية تتحرك بشكل سوق حرة تمنع قواها الأكبر المسيطرة على حركتها تقدم أي من المجتمعات والدول التابعة لها إلا بإذنها، وتحت سلطانها، ولمستوى تحدده المصالح الإمبريالية.
    وكان وجود الإمبريالية نفسه نتيجة الشكل الليبرالي لتراكم مفاعيل الفتوح والإستعباد والإستعمار والإستعمار الحديث الذي أخضع المجتمعات والدول إلى حد المعونات الزيف والتنمية الكاذبة والديون البليونية والإفلاس والخصخصة، فلم يعد لمجتمع عاقل أن يواصل التمسك بإمكان أن تتطور قواه المنتجة في هذا السوق التطفيفي والتبخيسي والتمزيقي إلى الدرجة التي تستقل فيها بأمرها!

    لكن الجمود يعسف بقادتنا إذ يتصورون إن الخطر موصول بالقيام بإي محاولة ثورية شعبية لتغيير علاقات الإنتاج المحلية بين المراكز والهوامش الطبقية والإقليمية ولتغيير العلاقات الإقتصادية الوطنية مع دول العالم إلى علاقات أكثر إشتراكية وديمقراطية شعبية، وإن هذا الخطر يهدد وجود السودان! لعله بمنطق: فليبق الظلم ليحيا السودان! ناسين إن دولة الظلم مصيرها الهلاك ولو كان ظلماً أندلسياً تملأه القصور والحدائق والنوافير والمكتبات وترفرف عليه الأشعار. فالخطر كل الخطر أن تزيد أعداد وحاجات القوى المنتجة في مجتمعات بلادنا ولا تجد لها طريقة إدارية- مالية أو وسيلة تقنية تناسب إستمرار وتحسن عملها لتلبية حاجات هذه الزيادة ، فتنصرف أو تصرف عن العمل المفيد المثمر إلى غيره من الكسب أو التكسب بعشواء لا أول له ولكن في آخرته الخسائر كلها، ولكن قادتنا يؤثرون إستمرار وتواصل نظام الإنفراد بملكية وسائل إنتاج الناس لضرورات عيشهم وحياتهم، بإعتبار غلط وفطير هو إن تراكم تناقضاته سيفتح الطريق، بينما فعل تنظيماته السياسية والإعلامية وعشواءه يبدد ويفاقم هذه التناقضات (محلك سر)!

    فحتى القيام بثورة الشعبية في الإطار الليبرالي كثورة أكتوبر 1964 و إنتفاضة مارس-أبريل 1985 ستتبدد عزائمها وتخور قواها مع سطوة الغلاء والفقر والإستغلال والتهميش، ونشاط العصبيات الطائفية والقبيلية في أتون هذه القيامة، ثم يتحول الأمر إلى حكم عسكري في سياق ليبرالي يمهد بفشله لحكم مدني في نفس السياق الليبرالي مما لا خروج من دائرته إلا بتغيير أسس النظام الليبرالي (حرية التملك) المنعقدة بعلاقة الإستغلال التي تحدثها مقومات التملك الماثلة في التطفيف والتبخيس حين تنزِف الملكية الخاصة جهود العمل المأجور مستفيضة قيمه لنفسها على حساب العامل الذي أنتج أصل هذه القيم، حيث تتبلور علاقة الإستغلال في القسمة الظالمة لجهود العمل وثمراته بين الملاك والعاملين حيث يأتي التطفيف والتبخيس بالرفاه والرغد للملاك، ويذهب بالعناء والعنت والضنك للعاملين ، أما الجمهور المهمش حول هذا الصراع الطبقي فتضيع حياته بين الجوع والحسرة والإنسحاق لأجل العيش، ويستمر تفاقم المأسآة ويزيد التفكك في الإنتاج والخدمات وتتباين مستويات إستهلاك الضرورات في المجتمع والوطن الواحد بل وحتى في داخل الأسرة الواحدة، وذلك دون تغيير هذه العلاقة، أو حتى دون سعي مظهري لتغييرها، ومن هنا يمكن القول بإن إبقاء الظلم على حال تفاقمه هو الجمود بعينه.

    وتبعاً لهذا الجمود الليبرالي تنشأ مفارقات أخري في حزبنا الشيوعي السوداني تتعلق بنفس المجموعة المتناقضة من التنظيرات التي تدعي التجديد بينما هي في باطنها وظاهرها حالة رجعية متأخرة، ففي نفس السياق الذي يفصل بين تطور القوى المنتجة وضرورة تغيير علاقات الإنتاج، تتعالى دعوة نهاية الهندسة الإجتماعية، لصالح العفوية والتجريب وسياسة "جرب حظك" بينما تتم الدعوة لتنظيم الجماهير وحشدها وتفعيل مبادراتها في هندسة إجتماعية واضحة كما التعليم والعلاج والرياضة والثقافة والمجتمع المدني والحزبية والدستور الديمقراطي الليبرالي ترى نفس الدعوة لهذه الأنماط الهندسية الإجتماعية ترفض بحزم التصور نفسه الذي قامت عليه أي تصور الهندسة الإجتماعية خاصة في صوره وتشكلاته غير الليبرالية حيث رأس المال هو مهندس الحياة الإجتماعية لا الحقوق والقيم الإنسانية! وبنفس السياق المتناقض ترفض هذه الدعوات نهج المبادرة والطليعية في العمل السياسي خاصة إذا ما جاءت من القوى التي تطالب بضرورة تغيير علاقات الإنتاج لتطوير القوى المنتجة والرقي بها! وتتسع المفارقات بالنظر إلى التخديم الغلط لمفردة "العصر" وإبدال إصطلاح "المرحلة التاريخية" بها وهو إصطلاح ثر بما فيه من إقتصاد سياسي وإمكان القراءة الموضوعية به لحركة المجتمع في الزمان وحسابها بواسطة العوامل والأحوال المادية لإنتاجه ضرورات عيشه وتوزيع خيراته. وفي الوقت الذي يبدل فيه التغرير السياسي إصطلاحات الطبقة العاملة والبروليتاريا وعموم الكادحين بإصطلاح العاملين تراه في نفس الوقت يرفض قيام النقابات على أساس المنشأة التي تجمع الوزير والعامل! وبينما ينادي نفس التغرير السياسي بالإصلاح ىالزراعي والتعليمي والعلاجي مطالباً بتغيير هياكلهم ومناهجهم تراه يرفض الإصلاح الصناعي قابلاً النهج الفردي العشواء في سير الحركة الصناعية! بينما الصناعة وفق صراعها الطبقي هي قاطرة تقدم المجتمع الرعوي الزراعي! وبينما ينادي المنادي بمركزية ديمقراطية لبلد شاسع متنوع تراه يرفض نفس المركزية الديمقراطية داخل الحزب! ولله في خلقنا شؤون.

    بدر هذا المقال وأضاء مشرقاً بأنواره في مطلع الربيع سنة 2008
                  

04-16-2008, 07:17 AM

عبد الوهاب المحسى
<aعبد الوهاب المحسى
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    فوق
                  

04-16-2008, 09:14 AM

يحي ابن عوف
<aيحي ابن عوف
تاريخ التسجيل: 05-25-2002
مجموع المشاركات: 6335

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عبد الوهاب المحسى)

    سلام عاطف ومنصور جعفر

    أنا شخصيا أعتبره منصور جعفر من أهم المحللين وكتاب السياسية وأقرأ له كلما تيسر ذلك

    وان كان يلمس في العديد من مقالاته مكامن المشاكل الحقيقية التي يطرحها أو يقترب منها


    مع كامل ودي
                  

04-16-2008, 06:37 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    شكرا للأخوين عبدالوهاب ويحيي
    ولمذيد من الاطلاع............
                  

04-16-2008, 07:18 PM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    Quote: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)


    الســودانيين، كان فى الحكومة واللا معارضـة، كان ما خيبوا ظنك ما برتاحو
    هسى دى قايلنهـا مشـاريع زراعيـة واللا صناعية فى أتبـرة، أو باقى الهامش.
                  

04-17-2008, 04:12 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    Quote: الســودانيين، كان فى الحكومة واللا معارضـة،
    كان ما خيبوا ظنك ما برتاحوهسى دى قايلنهـا مشـاريع
    زراعيـة واللا صناعية فى أتبـرة، أو باقى الهامش.



    ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟
                  

04-25-2008, 06:28 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    Quote: ولمذيد من الاطلاع............
                  

04-26-2008, 03:56 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    /
                  

04-27-2008, 04:46 AM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    عدد قراء البوست يحتم علي أن أجعله
    بالصفحة الأولي لفترة كلما تتاح لي الفرصة
                  

04-27-2008, 05:24 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    +
                  

04-28-2008, 02:27 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    =
                  

04-28-2008, 03:45 PM

عبد الوهاب المحسى
<aعبد الوهاب المحسى
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مشروعات للحزب الشيوعي..........بقلم / المنصور جعفر (Re: عاطف مكاوى)

    فوق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de