الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 08:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-21-2008, 04:47 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة؟!

    تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبزانسكي

    الفصل الخامس

    البحث عن معنى

    يطرح الكاتب، في هذا الفصل، آراء عديدة، لفلاسفة ومفكرين، حاولوا في صور نقدية، مختلفة، تتفاوت من النقد الجاد، الى السخرية، الى الاحباط، تقديم آراء عن ماهية الحياة وغايتها، ووضع الإنسان فيها.. ولقد بدأ الكاتب بحثه، بالنظر في مدى التشابه بين الإنسان والقردة العليا، في انشاء الأسرة، والمجتمع..

    فعلى الرغم من الشبه بين الإنسان والقرود العليا، في تكوين المجموعات، والقيام بأعباء متفاوتة، للحفاظ على الاسرة، الا أن الدور الإنساني، يختلف من أوجه عدة، عن دور القرود العليا.. يقول دوبزانسكي (هنالك اختلاف في وجهات النظر حول مدى الاقتتال الذي يتم بين افراد الزمرة. فقد يكون هنالك قتال شرس بين ذكور القرد الأفريقي المحبوسين الذين يذودون عن الإناث اللائي يستميلونهم في حديقة الحيوان. أما على الطبيعة فإن المشاهدات تكشف عن وضع مختلف تماماً. فهنالك نظام صارم بعض الشئ للسيطرة والطاعة بين أعضاء الفرقة، وهذا النظام يتم تاسيسه والحفاظ عليه عادة بالتهديد والطقوس لا بالاقتتال الفعلي. ويتم في بعض الأنواع استبعاد الأفراد الضعفاء من الذكور البالغين الذين يشكلون فرقاً من "العزاب" يتسكعون قرب الزمرة انتظاراً لفرصهم.... الفرق الأهم في السلوك الجنسي بين الإنسان واقاربه يقع في مضمار آخر. فالأنثى في كل الرئيسيات عدا الإنسان تكون مستقبله جنسياً خلال فترات محددة من الدورة النزوية فقط. أما أنثى الإنسان البالغ جنسياً فهي دائمة الاستقبال). ولعل كون أنثى الإنسان تكون قادرة على استقبال الذكور دائماً هو ما ادى حسب رأي الكاتب الى امكانية احادية الارتباط وابوية الرعاية عند الإنسان دون الحيوان.

    يتحدث الكاتب عن طول طفولة الإنسان، اذا ما قورن بالحيوانات الأخرى، وما يلقي ذلك من مسؤولية على الأم وعلى الاب. ولعل طول الطفولة، أهل الإنسان، الى ما ذكره وادنجتون (1960) من سعة العقل سعة وراثية تجعله (متلقياً للسلطة وليكون كائناً أخلاقياً). وهو يرى ان العملية التطورية، لم تزود الإنسان بمبادئ وقيم أخلاقية محددة، ولكنها هيأته ليأخذ ذلك عبر الزمن، من الابوين، والاقارب، والمجتمع.. ثم يحدثنا الكاتب عن العائلة باعتبارها أقدم المؤسسات الاجتماعية الإنسانية، وأكثرها دواماً.. وكيف أنها تختلف في تركيبها، من مجتمع لآخر. ويشير الكاتب الى الجدل الدائر، حول الأهمية النسبية، لكل المحددات الوراثية، والثقافية، للدافع الجنسي، والتنظيم الأسري للإنسان. وهو يرى أن الدافع الجنسي، نتاج آليات ترسخت وراثياً، لكن مظاهر هذا الدافع يكيفها الاطار الثقافي. فلقد نمّت المجتمعات، صرحاً هائلاً من القواعد السلوكية، والمحظورات، صار مفروضاً على الدوافع الفسيولوجية المكيفة وراثياً. ويقرر الكاتب، أن بعض المجتمعات، أكثر اباحية وبعضها أكثر تزمتاُ. ولكن ليس هناك مجتمع في الماضي أو الحاضر، على الاطلاق، ترك هذه الامور لهوى الافراد، وتقديراتهم.

    يطرح الكاتب، فكرة بعض علماء الاحياء، بان الأخلاق تم تشكيلها، وتثبيتها، بحسبانها دوافع غريزية وراثية، عن طريق الاصطفاء الطبيعي. ولكنه يرى ان ما يتم بالتكييف البيولوجي، ليس طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، وانما القدرة على الصيرورة الأخلاقية. أما طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، فتجئ من التطور الثقافي. ولهذا فاننا –حسب رأي الكاتب – يمكن أن نقول بتعبير فرويد، أن الذي يورث، هو القدرة على تكوين ذات عليا (سيوبر إقو)، لا نوع الذات العليا التي تتكون. كما يرى ان فكرة الأبوة الأخلاقية، بالنسبة للإنسان، جاءت من اكتسابه الوعي بالذات وبالموت. فالأب كان يعي بانه سوف يموت في وقت ما، ولهذا كان يريد ان يبقى امله في ابنائه من بعده، ذلك ان تكريس حياته لذريته، يحقق له جزء يسير من ذلك الخلود، الذي يصبو اليه، ولا يستطيع تحقيقه منفرداً.

    ينتقل الكاتب بعد ذلك، الى فكرة الخصوبة، وارتباطها بتماسك المجتمع البدائي، وبالدين في العصر الحجري، ويعتمد في ذلك على رأي هوكس و ولي (1963) (استمدت الدوافع الدينية للعصر الحجري قديمه وحديثه أقوى عناصر تماسكها وأكثرها تحديداً من الرغبة المشتركة في الخصب. وقد لوحظ انه على الرغم من التداخل والارتباط الشديد للدين في العصر الحجري القديم مع الطقوس الطوطمية للأرواحية وسحر الصيد فان أكثر مواضيع تلك الطقوس تطويراً واشدها وضوحاً تماثيل الأم-الآلهة وأعضاء الذكورة المنقوشة. ولا تزال لهذين الرمزين السيادة المطلقة في الآثار الثقافية الاولية للعصر الحجري الحديث).. ولتأكيد هذه الفكرة يحدثنا الكاتب بانه لا تزال الرموز المتعلقة بعضو الذكورة، بارزة في أدياننا، البدائي منها، والمتقدم، ويستانس في ذلك، برأي الفيلسوف الروسي رازانوف، الذي فسر النكاح، والتناسل البشري، بحسبانهما طقوساً شبه دينية، كما طرق فيلسوف آخر هو قودينف (1965) أفكاراً مشابهه.

    طرح الكاتب السؤال المزمن : هل يمكن اذاً، ان يعيش الإنسان ليحيا، لينجب مزيداً من الحياة، وتتواصل السلسلة الى الابد؟ ثم قرر ان سلسلة الحياة الابدية، هي الجواب المعقول للسؤال عن معنى الحياة. ولكنه مع ذلك، يتساءل هل يكفي هذا الجواب بالنسبة للإنسان؟ ويرى ان كامو قد رأى طرفاُ من الحقيقة، حين قال (انني أعرف ان لشئ ما في هذا العالم معنى هو الإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي يطلب ان يكون له معنى) هنا يرى الكاتب ان قوة الفكرة الأزلية وضعفها تكمنان في قول (ان الحياة غاية في ذاتها. هذه الفكرة تبقى على الحياة فهل يمكنها ان تشبع عقلاً اسبغت عليه نعمة او نقمة الوعي بالذات وبالموت).. وهو يرى ان الاجابة على هذا السؤال بان الحياة غاية في ذاتها ليس كافياً، خاصة للذين وصلوا الى مستوى الوعي بالذات، جعلهم يبحثون عن معنى للحياة الإنسانية، يتسامى على مجرد الحياة، ويعلو عليها..

    يطرح الكاتب، رأي تايلور وفريزر، عن ان الإنسان اخترع السحر، خلال نضاله للحفاظ على الحياة.. وان الدين نشأ من السحر. كما يطرح آراء آخرين، لا يوافقون تايلور، ويقررون ان الدين نشا مستقلاً عن السحر. ويفرقون بين الدين والسحر، بان السحر منفعي، أما الدين فهو اهتمام بمصير الشخص، ومستقبله في حياة أبدية. لكن الكاتب، يرى ان عجز الإنسان، عن فهم قوى الطبيعة، وتطويعها لمصلحته، جعله يسبغ عليها كل اعتقاداته، وتصوراته، بما فيها السحر، والأراوح، والدين.. على ان الكاتب يرى ان السحر، ولو كان مفيداً أحياناً، لا يمنح الفرد تبصرا عن معنى الحياة. وانما الأديان، هي التي توفر الاجوبة، على مثل هذه التساؤلات. أما كون هذه الاجوبة هي الحقيقة أم لا، فان هذا امر آخر.. يقول دوبزانسكي (لقد وجد الإنسان في العالم بمشيئة الله، ومعنى وجوده هو ان يكون خادماً لله. الله او الآلهة مهما كان تصورها في الأديان المختلفة أزلية لا تموت. اما الإنسان فانه واع بمرحليته وتمزقه. يصف هارتشون الدين بانه "قبول الإنسان لتمزقه" ويتغلب الإنسان على تمزقه ومرحليته بان يكون على الاقل ولو في خياله جزءاً من الحياة المطلقة العلية)[1] .. ثم يحدثنا الكاتب، عن ان الحياة الأزلية وتصورها، يختلف باختلاف الأديان. وان التوراة القديمة، لم يكن فيها، وعد اوعيد، بالجنة او النار.. ولكن عقيدة بعث الموتى، ترسخت فيما بعد، في اليهودية، بعد الحقب التالية للإنجيل، وهي أوضح في المسيحية والإسلام. كما يرى ان المفهوم الاصولي للنار، والعذاب الحسي فيها، والذي تعكسه لوحات الكنائس، انما يتفق مع التصور الفظيع، الذي صوره دانتي في ملحمته الكلاسيكية الشهيرة. في هذا التصور، يمثل الموت، مجرد وقفة عابرة، على مدرج الروح الابدي، ويحل البعث محل الموت. ويقصد به بعث الاجساد، لان الأرواح لا تموت. ولعل الصورة التي يعتبرها الكاتب فظيعة، هي ثنائية الابدية، بين النعيم المقيم والعذاب الدائم. يرى الكاتب ان أديان اخرى، مثل البوذية والهندوسية، ترفض فكرة الخلود، من هذا النوع، لانها تؤمن بتناسخ الأرواح. وهي ترى، ان تجول الروح، ليس هو المطلوب، بل انهاء غربتها بالتحامها مع الذات الالهية.

    يحدثنا دوبزانسكي عن ان الفكر المسيحي الخلاق، يتجه للتوفيق بين الرؤى المختلفة، لموضوع الخلود. ان الإنسان المعاصر، يثور ضد عدم عدالة ثنائية الجنة والنعيم، والهالكين والناجين. ان صلاح او فساد حياة الإنسان، انما يقع في صيرورة لا تحدها هذه الثنائية. ويستشهد بتليش (1963) لحل هذا الاشكال حيث يرى تليش (على المسيحية ان ترفض إنزال رمز الخلود واستخدامه للتعبير عن هذه الخرافة رفضاً تاماً. وذلك لان المشاركة في الاطلاق ليست هي الحياة القادمة وليست هي حالة طبيعية للروح الإنسانية وانما المشاركة في الاطلاق فعل خلاق للاله الذي سمح للمرحلي ان يفصل نفسه من ثم يعود للمطلق) ويواصل تليش (كثيراً ما يستعمل رمز البعث بصورة عامة ليعبر عن ان الحياة المطلقة تنهض من موت الحياة المحدودة. انه بهذه الطريقة رمزية للتعبير عن المفهوم اللاهوتي الاساسي للوجود الجديد عندما يكون الوجود الجديد ليس وجوداً أخر وانما هو تحول الوجود القديم. فالبعث اذاً ليس خلقاً لحقيقة اخرى فوق الحقيقة القديمة وانما هو تحول الحقيقة القديمة ناهضة من موتها)[2]

    الدين في نظر دوبزانسكي، يخدم مهمة كبيرة، في التماسك الاجتماعي.. وذلك لان الناس في كل مجتمع، وصلوا الى مفاهيم متسقة، من الافكار الدينية، تتعلق بحياتهم والطريقة المناسبة لتوجيهها، مما يساعدهم على تحقيق السلام مع انفسهم، والتصالح مع العالم الرهيب الغامض، الذي اوجدتهم فيه، قوى أكبر منهم.. ولقد كان الدين، منذ اقدم العصور، ثقافة شاملة، تجيب بالرموز، والاساطير، والخوارق، على تساؤلات المجموعة، مما جعله اداة للتماسك العاطفي والاجتماعي. بالاضاقة الى ذلك، يؤكد الكاتب، على الدور الاجتماعي للدين، باعتباره يمنح اقراراً غيبياً للأخلاق، فيقول (لكن الدين لم يتمكن من توفير هذا الاقرار الا لكونه منح معنى لافعال الإنسان بان اعطاها مرجعية في مصيره. فحياة الافراد وربما المجتمعات التي ينتمون اليها ينظر اليها بحسبانها جزءاً من مخطط جليل فرضته سلطة الأهمية).. على انه يرى ان هذه الفكرة تمت المبالغة فيها، اذ ان الأديان، ربما كانت مدعاة للحروب الزائفة، والاضطهاد الديني. بالمقابل، هو يرى ايضاً، نماذج للكثيرين، الذين كرسوا حياتهم لخدمة بني جنسهم في احسان، وتواضع، ومحبة، مطمئنين بانهم بذلك يخدمون الرب.. وهو لذلك، يرى انه (هكذا مكن الدين الفرد من اكتساب هوية تماثله مع مجموعات أخرى أكثر ثباتاً من ذريته وعائلته النووية).. فالدين اذن كما يرى الكاتب، جزء من الثقافة، لا يستطيع حتى اللاديني نكران اثره على المجتمع. ولذا فهو يتفق تماماً، مع توينبي (1961)، في قوله "الحضارات العظيمة في العالم تنتج عن الأديان العظيمة بحسبانها افرازاً ثقافياً ثانوياً، الأديان العظيمة هي الاساس الذي تبنى عليه الثقافات العظيمة"..

    أما الحضارة الغربية الضخمة، فان الكاتب يرى انها نشأت على اساس يهودي- مسيحي. ولكن تاثير الدين بدأ ينصل عن الحياة، منذ عهد التنوير، حين نشأ الصراع بين الكنيسة والعلماء.. وذلك حين قرر كوبرنيكس (1543) ان الشمس هي مركز الكون. ثم تبع ذلك تاييد كلبر (1606)، وجاليليو (1610) والذي اجبرته محاكم التفتيش، على التنازل عن آرائه، التي اعتبرتها الكنيسة ضرباً من الهرطقة. ولكن الثورة لم تتوقف، فجاء كتاب "خطاب في المنهج" لديكارت (1637)، وكتاب "المبادئ الرياضية" لنيوتن (1682)، وكتاب "مقال بخصوص الفهم الإنساني" للوك (1690)، في هذا الاتجاه الذي يواجه المعتقدات القديمة. ورغم ان الكنيسة قد قل سلطانها، الا انها رفضت بقوة نظرية دارون (1859).

    يشعر الكاتب، بان هناك نزاع لا شك فيه، بين الدين والعلم.. ولكنه يعتقد ان هذا النزاع، لا داعي له، لان (العلم والدين يتناولان جانبين مختلفين للوجود يمكن مراعاة للتبسيط ان نقول انهما جانبي الحقيقة والمعنى. فمن الممكن للمرء ان يدرس الحقائق دون ان يكترث لمعناها) ولكنه يشعر بان هذا الفهم، ليس دقيقاً، فيقول (لا يعني ذلك ان على الإنسان ان يفصل افكاره العلمية والدينية عن بعضهما البعض ويضعهما في حاويتين محكمتي الاقفال).. على انه يوافق على ان العلم لا يملك الاجابة على كل التساؤلات، وان بعض الظواهر الطبيعية، مفهومة للعلم وبعضها غير مفهومه له. ولكن ما لا يقبله، هو ان بعض المتدينين، أو حتى العلماء، يحاولون ان يسدوا هذه الفجوات، بالقدرة الالهية!! وهو ما اسماه في الفصل الثاني آلهة الفجوات، وعلقنا عليه في ذلك المقام. ان النزاع بين العلم والدين، سببه عند الكاتب، محاولة حماية التراث الديني، من تشكك المتشككين، لانه لو تم طرح أي جزء من التراث الديني، فلن يكون هناك حد للتنازلات. ولعل انشغال الزعماء الدينيين، بهذا الدفاع المتوهم عن الدين، هو الذي (قاد الى عجز القادة الدينيين عن اداء واجبهم الرئيسي، وهو التمييز بين الابدي من معتقداتهم والمكونات الوقتية، التي جاءت اعتباراً لمستوى معين من الفهم العام او الوضع الاجتماعي السياسي، الذي وجد الدين نفسه فيه خلال تاريخه. وقد ادى ذلك التضاد الحرون الى التراجع المستمر للدين الاصولي)..

    يحدثنا الكاتب عن تراجع الدين الاصولي، وظهور نظريات مادية بديلة، انكر بعضها وجود الله، وبعضها أقر بوجوده، ولكنه انكر تدخله في حياتنا، فصوره كمن صنع آلة ضخمة، ثم تركها تسير دون تدخل فيها. مثل هذا الاله الغائب عن خلقه، ليس جديراً بالعبادة. وهكذا نشأت مجتمعات جديدة في الغرب، وفي اليابان، لا تؤمن باي دين، وان ذكرت عبارات الدين شفوياً فقط. مع كل هذا الجنوح عن الدين، فان الإنسان الحديث حسب رأي الكاتب، لا يستطيع ان يمنع نفسه من التساؤلات القديمة : هل لحياتي معنى، ابعد، واسمى، من مجرد المحافظة على حياتي؟! هل للكون أي غاية واي معنى؟! هذه الاسئلة، ومثيلاتها، صارت مؤخراً، سائدة ليس بين اوساط الفلاسفة والمفكرين، فحسب، وانما لدى العامة أيضاً.

    يذكر الكاتب ان أدياناً بديلة نشأت، وهي تدعي انها قادرة على الاجابة على هذه الاسئلة، بطريقة علمية.. كما انها تملك مقدرة تغيير حياة الناس الى الافضل، وايقاف ظلمهم، واستغلالهم، وأكبر هذه الأديان الماركسية، وأكبر انبياؤها ماركس ولينين. وكل ما وعدت به المسيحية من خير وسلام، ادعت الشيوعية انها ستحققه.. ووجدت دعوتها، صدى واسعاً بين الشعوب المضطهدة، في جميع انحاء العالم. ولكن الشيوعية، كما يرى الكاتب، صحبتها شدة، وعنف، ودماء، رغم انها لم تتحقق بعد!! ويستدل براي باسترناك عن ان النموذج الشيوعي "لا يزال بعيدأً عن التحقيق لكن الأنهر من الدماء التي أسالها مجرد الحديث عنه لا تجعل الغاية تبرر الوسيلة". على ان مشكلة الشيوعية، في راي الكاتب، انها لا تحوي سوى ملاحظات عابرة، لاقناع الشخص الامين المرتاب، بان الحياة التي تكرس لخدمة الآخرين، والتضحية من اجلهم، افضل من تلك التي تكرس للمنفعة الذاتية المباشرة. وليس بديهياً، ان مستقبل الإنسانية عزيز لدينا، للدرجة التي تجعل كل واحد منا، يضحي بحياته، لأولئك القوم الذين سيجيئون في المستقبل. يرى الكاتب، ان حياة الإنسان بصورة محتشمة، ومساعدته للاخرين في حدود، وعمله من اجل اسرته، واسعاده لاسرته وجيرانه، مبادئ أخلاقية عامة، تجد سندها في التراث الديني اليهودي المسيحي، وان تحررت مؤخراً من هذا التراث، لكنها مع ذلك، لا تمثل اشباعاً لتوق الإنسان لحياة ذات معنى.

    يطرح الكاتب افكاراً غربية اخرى، غير الماركسية، في مقاربة لتصوراتها عن الحياة، ويقف عند الوجودية، وينظر لها من خلال مسرحية الذباب لسارتر، خاصة الحوار القديم المتجدد في تحدي الإنسان للإله، ثم ما يصيب هذا الإنسان في النهاية، من شعور بالقرف، والغثيان، وهو يقرر "ليس هنالك إله وليس هنالك معنى في الكون. وليس للإنسان معنى في كون بلا معنى".. يؤكد الكاتب ان الفنانين المرهفين، هم الذين اصيبوا بهذه المشاعر السلبية، تجاه الحضارة المادية الحاضرة. ويوافق بارزون (1964) الذي نسب للفنانين فضل اكتشاف "عفن الروح الجاف"، في العالم الحديث، وهو يشير للتكنولوجيا والعلم المادي. ان الشعور بالقرف والغثيان والعفن، لم يعد حسب راي الكاتب، خاص بالفنانين والفلاسفة والصفوة، من امثال سارتر وبارزون، وانما اصبح حظ العوام، في كل المجتمعات. وليس السبب في رايه ان الناس اصبحوا يقرأون لهؤلاء الفلاسفة والمفكرين، ويتاثروا بهم، وانما لأن البشرية عانت من ويلات الحرب العالمية، وذاقت مرارات التعذيب، في معسكرات وسجون النازية، والفاشية، والشيوعية.

    ومع انه في كل مكان يوجد من يشعرون بالظلم، وبسوء حياتهم، الا ان تعبير "الاستلاب" (الاغتراب) نشأ مؤخراً، وعبر بصدق، عن ازمة الإنسان المعاصر. كنموذج بارز لموضوع الاغتراب، يركز الكاتب على الولايات المتحدة الامريكية، وينظر اليها من خلال جولس هنري في كتابه "الحضارة ضد الإنسان" (1963) حيث قال "حضارتنا منقادة. انها مساقة بدوافع انجازها ودوافع المنافسة والربح والتعبئة بدوافع الامن والمستوى الاعلى للحياة" كما يرى هنري انه "فيما عدا المهنيين والتنفيذيين فان معظم الأمريكيين لا يشتركون بعواطفهم لا في حرفهم (ما يفعلونه) ولا في عملهم (المكان الذي يؤدونه فيه). في النهاية فان ما ينسب الامريكي المتوسط للحياة، والمكان، والناس، هو اقتصاده الشخصي الخاص - أسرته وبيته وسيارته..." أكثر ما يقلق هنري، هو ظاهر عدم الاهتمام بكبار السن، وحرمانهم من الحنان الاسري.

    في ختام الفصل، يؤكد الكاتب، بان الشعور بالعدمية والقرف من الحياة، وعدم الاحساس باي معنى لها، والشعور بان العالم لا يتجه الى غاية، وان الإنسان ليس الا جزء تافه من الاشياء، وان التاريخ البشري يمكن ان ينتهي فجأة بمجزرة، وان هذه النهاية لا معنى لها، لأن كل الناس سيموتون، هذا الشعور ينتابنا جميعاً في اوقات مختلفة. يلجأ البعض للأديان، ليتجنب هذا الشعور، او ينشغل عنه، وآخرون ينغمسون في الملذات، حتى لا يفكروا في هذه الاشياء. اما الحياة العادية، التي تقوم على اداء عملك، وبناء مسكنك، ورعاية اطفالك، لم تعد تناسب الإنسان الحديث.

    ان الاعتراف بانك تعيش من اجل ابنائك، وهم يعيشون من اجل ابنائهم، وهكذا الى ما لانهاية، في رأي الكاتب، يجعل للحياة معنى، ولكنه معنى بيولوجي وهو يتكرر بلا معنى. ان ما يرغب فيه الإنسان، ليس وضع جديد، وانما وضع افضل. ولقد كان الإنسان في القرن التاسع عشر يثق بان التقدم يسير بانتظام. ولكننا لم نعد نملك الثقة بالمستقبل بالقدر نفسه. ومع كل ذلك يرى الكاتب ان هناك بارقة أمل في تمثيل جديد. هذا ملخص للفصل أرجو ان لا يكون مخلاً.

    ان الحديث عن التشابه، والاختلاف، بين الإنسان والقردة العليا، الذي افترع به الكاتب هذا الفصل، يدورحول معنى هام، في تكوين المجتمع البشري، لم يقف عنده الكاتب، بالقدر المطلوب.. فالصراع بين الذكور، للاستيلاء على الاناث، في مجتمع الحيوان، انما تغذية الغيرة الجنسية، فهي قد جاءت للإنسان من الحيوان، وكان لها القدح المعلى في نشأة المجتمع الإنساني.. ولقد كانت الغيرة في البدايات، وعلى عهد القرب من الحيوان، مجرد رغبة في الامتلاك والاستحواذ، على أكبر عدد من الاناث.. ولكن المهزومين من الذكور، حين اضطروا الى الخنوع، انما بدأوا بكبت الرغبة الجنسية العارمة في نفوسهم.. ولقد اثمر هذا الكبت قوة السيطرة على الرغبة، مما قوى من ابراز العقول، لدى الافراد من ناحية، وارساء الاعراف الاولى التي نشأ عليها المجتمع من الناحية الاخرى.. ومع قوة العقول، وشدة رعاية المجتمع للاعراف المتعلقة بتوجيه الطاقة الجنسية فيما تسمح به الجماعة، برزت من العاطفة الجنسية عواطف اخرى من الحب، غير الحب الجنسي. ولقد دعم هذه المشاعر، تقييد المجتمع للغريزة الجنسية، فحرمت هذه العلاقة مع الاقارب الاقربين، على مكث وتطور وئيد، حتى برزت الاسرة، التي يميز فيها الرجل بين حبه لأمه، وحبه لزوجته.. (إن مجتمع الحيوان لا ينمو في عدد ذكوره، وان نما في عدد اناثه، ذلك ان الغيرة الجنسية تحمل الفحول على ان يقتتلوا في سبيل الاناث، حتى لا يكون في المراح الواحد الا فحل واحد.. فاذا كان هناك ذكور، الى جانب الفحل، في المراح، فانما هم ذكور لا أربة لهم في الاناث، فان كانت لهم أربة في الاناث فانهم سيدخلون في حلبة الصراع مع الفحل الأب، فاما ان يطردوه من المراح، واما ان يقتلوه، واما ان يطردهم، أو ان يقتلهم هو.. وهذا هو الشأن بينهم فيما بينهم.. ولقد جعل الله طفولة البشر أضعف، واطول من طفولة الحيوان، ليؤكد له ضرورة المجتمع، لطفولته، ولشيخوخته. وكذلك نشأ المجتمع البشري.. ولكنه لم ينشأ الا بعد ان نشأ العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، وأمن الملكية الفردية، فحرمت الاخت على أخيها، وحرمت الأم على ولدها، وحرمت البنت على ابيها، وكذلك استطاع الأبن ان يعيش مع ابيه، وامه، بعد ان بلغ سن الرشد.. وكذلك استطاع ان يعيش الصهر، مع صهره، وهو آمن على زوجته، من ابيها، ومن أخيها.. ومن ناحية الملكية الفردية للسلاح الذي يتخذ من الحجر الجيد، وللكهف ينحت في الجبل مثلاً، فقد قام العرف بالاعتراف بها لأصحابها، ومنع السطو عليها، وكذلك استطاع افراد المجتمع ان يعيشوا في سلام، يحتكمون الى شيوخهم، عند التنازع على أمر من أمورهم)[3].

    ولقد كان هذا الكبت البدائي للغريزة، على قسوته، وعنفه، بداية الأخلاق.. ذلك ان خوف الآلهة وخوف الجماعة، حين جعل الفرد يحد من شهوته، ليوافق أعراف المجتمعات، صاغ على تطور من تلك الأعراف، انموذجاً أعلى، جعل الاتساق معه، محمدة يكافئ عليها المجتمع في الدنيا، والآلهة في الحياة القادمة.. من هنا جاءت القوانين، وهي الحد الادنى للأخلاق، اذ التصرف فيما لا يقع تحت طائلة القانون، هو السلوك الأخلاقي، أو قل ان الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة.. وهذا يعني ان يكون الفرد، موكل بعمل الخير والاحسان ولو لم يكن هنالك رقيب عليه ولم تكن هنالك قوانين.

    لكن الكاتب يطرح فكرة بعض علماء الاحياء، بان الأخلاق، تم تشكيلها، وتثبيتها، بحسبانها دوافع غريزية وراثية، عن طريق الاصطفاء الطبيعي. ويرى ان ما يتم بالتكييف البيولوجي، ليس طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، وانما القدرة على الصيرورة الأخلاقية.. والحق ان الذي يورث، ليس الممارسة الأخلاقية المعينة، وانما المقدرة على الكبت، التي منها ينشأ الذكاء الذي يعين على حسن التصرف في المواقف المختلفة.. والأخلاق ليست الصفات الايجابية، كالكرم، والمروءة، والشجاعة، والصدق..الخ وإنما هذه ثمرة الأخلاق. أما الأخلاق فهي مقدرة العقل، على سوق النفس، ضد رغائبها، وتجاه الواجب المباشر، مما ينتج عنه هذه الصفات التي اشرنا إليها.. والعقل لا يحقق هذه المقدرة تلقائياً، أو بمجرد هضم المعارف نظرياً، وإنما يحتاج لمنهج لترويضه وتدريبه. وحتى يقوى العقل ويستحصد، لا بد للمنهج أن يعالج آفتي التفكير الأساسيتين وهما: قلة الفكر والتوائه. ولزيادة التفكير، يحرص الإنسان على ألا يفعل شيء، ولا يترك شيء، إلا بعد أن يفكر فيه. ومن اجل تجنب التواء التفكير، يجب على الإنسان أن ينشغل بالتفكير في عيوبه، عن عيوب الآخرين. حتى إذا اكتسب القدرة الفائقة على اكتشاف دسائس نفسه وخباياها وعرفها أكثر، استطاع أن يكون محايداً، غير منحاز لها، حينما يفكر في إنصاف الآخرين منها. فالتفكير الحقيقي، ليس تأمل في الفراغ، ولا انشغال بمعضلات فلسفية وجودية.. وإنما هو عمل يومي، بل لحظي، يتجه إلى الغور في طوايا الذات المفكرة نفسها، واستكشاف خباياها. وإنما من أهمية المنهج، لإحراز الفكر القوي المستقيم، الذي لا تسير الحياة في الطريق الصاعد إلا على هداه، تجيء أهمية الدين للإنسان. لأن الدين وحده هو الذي يملك هذا المنهج، وهذا ما سنتحدث عنه، عندما نصل إلى تعليق الكاتب في هذا الفصل عن أهمية الدين.

    يرى الكاتب ان من اهم الافكار، في المجتمع البدائي، في العصر الحجري، فكرة الخصوبة، واتباطها بالدين، وبالمجتمع.. وينقل لنا رأي هوكس و ولي (1963)، اللذان يعتقدان ان الرغبة المشتركة في الخصب، هي السبب وراء تماسك الدوافع الدينية في العصر الحجري. وقد لوحظ انه على الرغم من التداخل، والارتباط الشديد للدين في العصر الحجري القديم، مع الطقوس الطوطمية للأرواحية وسحر الصيد، فان أكثر مواضيع تلك الطقوس تطويراً واشدها وضوحاً تماثيل الأم-الآلهة وأعضاء الأنوثة والذكورة المنقوشة. ولتأكيد هذه الفكرة، يحدثنا الكاتب بانه لا تزال الرموز المتعلقة، بعضو الذكورة بارزة في أدياننا، البدائي منها والمتقدم.. ويستأنس في ذلك برأي الفيلسوف الروسي رازانوف، الذي فسر النكاح والتناسل البشري بحسبانهما طقوساً شبه دينية، كما طرق فيلسوف آخر هو قودينف (1965) أفكاراً مشابهه.

    والحق ان الأديان القديمة والحديثة، ركزت على الخصوبة، ودعت الى الزواج والتناسل، وامتدحت الممارسة الجنسية الرشيدة، التي تتم وفقاً لشروط المجتمع، واعترافه بهذه العلاقة.. على ان الامر أعمق من ذلك، فالعلاقة الجنسية، وان كانت الذرية من اهم ثمارها، الا ان الغرض الاساسي من ممارسة الجنس، ليس الانجاب، وانما تسامي الحب وزيادته واطراده.. ولكن الحب مؤوف بالخوف، الذي ينقصه، فاذا استطاع الفرد ان يتحرر من الخوف، بتحقيق العلم بالله، وبالبيئة التي يعيش فيها، فانه يستطيع لكمال معرفته، ان يختار شريكه الذي هو صنو نفسه.. وحين تتم العلاقة الجنسية بين هؤلاء العارفين الاحرار، فان تسامي الحب يربطها بالله، وانما في هذه المستوى الرفيع، يصبح الجنس ممارسة دينية، رفيعة، تكتمل بها حياة الشعور، وتترقى بها حياة الفكر. وانما من اجل هذه القيمة، التي تتأتى في زواج الحقيقة، جاء تكريم الزواج في الشريعة، ودعا له الدين.. يقول الاستاذ محمود (هناك زواج في الحقيقة... وهناك زواج في الشريعة.. فاما في "الحقيقة" فان زوجتك هي صنو نفسك.. هي شقيقة نفسك.. هي انبثاق نفسك عنك خارجك وهي بذلك جماع آيات الافاق لك.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكفي بربك انه على كل شي شهيد".. وما يقال في هذا المستوى، عن موضع الزوجة من الزوج، يقال عن موضع الزوج من الله.. فالزوجة هي اول تنزل عن الوحدانية الحادثة الى الثنائية.. هذه هي الزوجة في الحقيقة "يا ايها الناس اتقوار ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام ان الله كان عليكم رقيباً". وهذه النفس الواحدة هي، في اول الامر، في بدء التنزل نفس الله تبارك وتعالى، وهي الذات القديمة التي منها تنزلت الذات الحادثة- وتلك هي الإنسان الكامل "الحقيقة المحمدية".. والإنسان الكامل هو اول قابل لتجليات انوار الذات القديمة- الذات الالهية، وهو من ثم زوجها، وانما كان الإنسان الكامل زوج الله لانه انما هو في مقام العبودية.. ومقام العبودية مقام انفعال، في حين ان مقام الربوبية مقام فعل، فالرب فاعل والعبد منفعل.. ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته.. فكان مقامها منه، مقامه هو من الذات.. فهي منفعلة وهو فاعل.. وهذا هو في الحقيقة، مستوى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.. وقد خلق الله تبارك وتعالى من كل شئ زوجين اثنين.... وحين يكون انجاب الذرية هو نتيجة العلاقة الجنسية بيننا وبين نسائنا "وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء" تكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها الإنسان الكامل – المعارف اللدنية.. فان انفعال العبودية بالربوبية يرفع الحجب التي أنستنا النفس التي هي أصلنا – نفس الله تبارك وتعالى " ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة".. وحين يتم اللقاء بين هذين الزوجين – الذات الالهية والإنسان الكامل- ينبث العلم اللدني في فيض يغمر العبد العالم من جميع اقطاره، فهذا الوضع بين الذات الالهية والإنسان الكامل- انفعال العبودية بالربوبية – هو الذي جاء الوضع منه بين الرجال والنساء انفعال الانوثة بالذكورة.. وهو ما يسمى عندنا بالعلاقة الجنسية، وهي علاقة عظيمة الشرف، لانها حين تقع بشريعتها، بين الاطهار الرفعاء العارفين بالله تكون ثمرتها المباشرة تعميق الحياة واخصابها، ووصلها بالله بغير حجاب.. وهذه ذروة اللذة، وتكون ثمرتها شبه المباشرة، المعارف اللدنية التي تفاض وتغمر الذكر والأنثى اللذين تقع بينهما هذه المشاركة النظيفة الرفيعة.. ثم تكون ثمرتها غير المباشرة الذرية الصالحة من بنين وبنات "وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء")[4].

    يطرح الكاتب رؤية تايلور وفريزر، في ان الدين نشأ من السحر، وان الإنسان اخترع السحر خلال نضاله ليبقى على قيد الحياة. ولكنه يميز بين الدين، والسحر، على اساس ان السحر نفعي والدين يقوم على هم الإنسان بمصيره.. وفي الحق ان السحر، وان قام على علم، يجعل الساحر يؤثر على الوجود المادي، من خارج قوانينه، او بتضليل نظر المتلقي له، بما يخرق قوانينه، الا انه علم ناقص يعتمد، على غفلة المشاهدين، أكثر من القدرة على التأثير القسري عليهم. ومع ذلك، قد يرتبط السحر، بطقوس وممارسات، وخضوع للأرواح، يجعله يشبه لحد كبير، الدين البدائي الوثني. ولكنني اتفق مع دوبزانسكي، في ان السحر لا يمنحنا اي تبصر، عن معنى الحياة وغايتها.. أكثر من ذلك!! فهو يصرفنا عن المعرفة الحقيقة، للقوانين المادية والروحية، والتعامل معها، وفق مناهجها، ويشوه اعتقادنا في الغيب. ومن هنا، ثم من اثره السئ على حياة الناس، وتضليلهم عن واجبهم، جاء التشديد على تحريم السحر، في الأديان الكتابية الكبرى.

    لعل رأي دوبزانسكي، في ان هناك معنى للحياة، أكبر من مجرد معيشتها، بصورة بيولوجية، تسوق الى التوالد والتكاثر، جدير بالبحث. وانه لحق ايضاً، كما قرر، ان الأديان هي التي تصدت للاجابة على هذه التساؤلات الكبرى، سواءا اختلفنا او اتفقنا مع اجابتها.. ولما كانت الاجابة تتبعها خطوات جماعية للتعبير، عن ذلك الدين، فان دور الدين، في تماسك المجتمعات، اصبح واضحاً، عند دوبزانسكي.. أكثر من ذلك، فان الدين عنده، يمنح اقراراً غيبياً للأخلاق.. فهو يقول (لكن الدين لم يتمكن من توفير هذا الاقرار الا لكونه منح معنى لافعال الإنسان بان اعطاها مرجعية في مصيره. فحياة الافراد وربما المجتمعات التي ينتمون اليها ينظر اليها بحسبانها جزءاً من مخطط جليل فرضته سلطة الأهمية).. ولكننا نرى ان هذه وظيفة الدين، في المكان الثاني، اما وظيفته في المكان الاول، فهي ان يوثق الصلة بين الفرد وبين الله، وهذه هي الوسيلة النافذة، وان شئت قل الوحيدة، التي تجعل لحياة الفرد معنى، وتجيب على كافة تساؤلاته، وتحقق له السكينة والسلام الداخلي، الذي ينعكس منه على المجتمع، ثم الى البيئة من حوله.. فكل الحيوانات تمارس الجنس وتتناسل، وتسعى لتوفير رزقها، وتحمى نفسها، وتصنع مساكنها، وتحافظ على صغارها، فاذا كانت معرفة الإنسان، وتعليمه، لا تتعدى هذه الاشياء، فانه لم يخرج من مستوى الحيوانية بعد.. إن المعنى الزائد، في حياة الإنسان، هو انشاء العلاقة مع خالقه.. والعلم الحقيقي، هو العلم الذي يستطيع به ان يتعرف على كيفية التعامل معه، والتأدب اللائق في هذا التعامل.. فاذا استطاع الإنسان ذلك، صحت له العبودية، وبها انعقدت له الخلافة لله، على جميع الخلائق، ليدبر مملكة ربه، وفق مرضاته..

    ولكن دوبزانسكي يرى ان هذه الفكرة- الفكرة الايجابية عن الدين- تمت المبالغة فيها، اذ ان الأديان، ربما كانت مدعاة للحروب الزائفة، والاضطهاد الديني. بهذا التصور يقع دوبزانسكي في نفس الخطأ، الذي وقع فيه كارل ماركس، من قبل، اذ حكم على الدين، بممارسة رجال الدين.. ولعل مسؤولية المتدينين، هي على الدوام، تصحيح تشويه دعاة الدين، من الادعياء الذين يعكسون عنه صورة منفرة، قد تضلل عن حقيقته الاذكياء.. ان ما تعيشه الشعوب التي تدعي الدين، ليس الا قشور الدين، وتسخيره ليخدم مصالح دنيوية للافراد والجماعات. وهو بذلك، وسيلة لاستغلال المؤمنين البسطاء، وتسخيرهم لخدمة دهاقنة السياسة، الذين يتخذون من الدين وسيلة من وسائل خداعهم.. وانه لحق ان الدين جزء من الثقافة، لا يستطيع حتى اللاديني نكران اثره على المجتمع، كما قرر الكاتب. ولكن هذا لا يكفي، لانه لن يعيننا على الاستفادة من الدين.. وانما يجب ان نقر بان الدين منهاج حياة، منظم، وغير عفوي، يستهدف معرفتها على حقيقتها، بالرجوع بنا الى اصلها، الذي عنه صدرت، ثم تتبع آثارنا قصصاً، حتى رؤية ورودها الى غايتها، وواجبنا المباشر، في مختلف حيواتنا، بين الصدور والورود!!

    إن الناحية العلمية والعملية في الدين، هي ما يتعلق بدورنا كافراد وكمجتمع، واتساق هذين الدورين، لتؤديان الى نتيجة واحدة. فالدين يطلب من الفرد، ان يفعل ما يقول، أو قل ان ينفذ ما يعلم دون التواء (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون).. والغرض من ذلك، ان تتسق قواه الداخلية، ويسلم من التمزق، الذي يؤدي اليه النفاق. ثم ان ذلك يطرد، حتى تتحقق وحدة ذاته، وهذا هو التوحيد!! فالتوحيد هو صفة الموحِّد، وليس صفة الموحَّد!! هو يجب ان يكون صفة العبد، لأن الله قد وحد نفسه، فلا يحتاج منا نحن ان نوحده.. قال تعالى في ذلك (شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولي العلم قائماً بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم).. فاذا توحد الإنسان، توحد ادراكه للبيئة التي يعيش فيها، ولم يشغله تعدد شكولها، عن وحدة جوهرها.. فاذا تعرف الإنسان على اصل البيئة، تصالح معه، وعاش في سلام، وأوكل نفسه بزرع الجمال، فيما حوله.. هذا الفرد هو الذي يصنع المجتمع الصالح، الذي ينظم حياته، على القضاء على اسباب الصراع الاجتماعي، بالتنظيم الاقتصادي السياسي، الذي يقوم على العدل والمساواة. ثم هو قبل ذلك، وبعده، يقضي على الخوف، ويجفف منابعه في نفسه، مما يقضي على اسباب الصراع، ويبدل مشاعر الغضب، والتوجس، بمشاعر المحبة الخلاقة، التي تعمر الخراب، وتخصب اليباب..

    إن رؤية الكاتب، بان الحضارة الغربية، نشأت على اساس يهودي- مسيحي، ولكن التحول الى العلمانية، كان نتيجة الصراع بين الدين والعلم، الذي بدأ منذ عهد التنوير، رؤية صحيحة، دون شك.. أما تصوره بالا يرى مبرر لهذا الصراع، لان مجال الدين مختلف من مجال العلم، فليس صحيحاً.. ولقد حاول هو نفسه، استدراكه، بقوله الإنسان ليس لديه، مناطق منفصلة في ذهنه للدين والعلم. والعلم والدين، في الحقيقة، مكملان لبعضهما البعض، وهما قد وجدا في وقت واحد، والبشرية تعتمد عليهما معاً، في حركتها، فهما رجلاها، وهي حين تقدم احدى هذه الارجل، يجب ان تقدم الاخرى، والا توقفت حركتها.. ومنذ عهد التنوير، فان البشرية قد قدمت رجل العلم المادي، وهي انما تتهيأ الآن لتقديم رجل الدين..

    ولقد اشار دوبزانسكي، الى مبعث الطمأنينة، فيما يطرح الدين فكرة الخلود، فمع ان النفس تنفر من التقسيم الثنائي، لهذا الخلود بين الجنة والجحيم، الا انها على كل حال، تلحق الإنسان بالحياة الابدية الباقية، وبانه جزء منها، ولو كان ذلك في مجرد خياله.. يرى الكاتب ان فكرة الجحيم المخيفة، التي جاءت متأخرة في اليهودية، وبرزت بوضوح في المسيحية والإسلام، ترى الموت باعتباره عبوراً الى الحياة الابدية، المنقسمة بين عذاب ونعيم.. وفكرة البعث انما هي بعث الاجساد، لأن الروح لا تموت حتى تبعث. ثم يحدثنا عن ان البوذية والهندوسية، ترفضان هذا النوع من الخلود، وتؤمنان بان الاجساد التي تتحرر من البدن بالموت، تتناسخ هنا في الارض، مرة تلو الاخرى، في اجساد اخرى.. ويعتمد نصيب التجسيدات المتتابعة، من النبل او الانحطاط، على الحسنات والسيئات المكتسبة، في الحياة السابقة. على ان تجوال الروح، في العديد من الاجساد، لا يعد امر مرغوباً، وانما هو من غربة الروح، التي لا ترد الا بالوصول الى الحياة الكاملة، باندماجها في كمال الاله، او في براهما، او النيرفانا.

    لم يقف الكاتب عند فكرة تناسخ الأرواح، رغم انها فكرة قوية، لا يمكن للعقل تجاوزها.. فنحن نرى الطفل، ينمو في مختلف مراحل حياته، وهو في كل مرة، يختلف في صورته الجسدية عن ما كان عليه، فهو في عمر ثلاثة اعوام، يختلف عنه في عمر عشرين عاماً، وعنه في عمر ثمانين عاماً، ومع ذلك، نصر نحن على انه نفس الشخص، وان اختلف جسده تماماً!! فحقيقة الشخص اذاً هي روحه، وليس جسده.. وان الروح في عمر الفرد البشري، تلبس اجساداً مختلفة، فما الذي يجعلها بعد التخلص من جسد الفرد، بما نسميه الموت، تترك هذه العادة، ولا تواصل لبس اجساد جديدة؟! ولعل كل واحد منا، تمر عليه لحظات من الصفاء، يذكر فيها انه راى هذا المكان او ذاك من قبل، أو يذكر حديثاً يسمعه اول مرة، وكأنه قد سمعه من قبل، وقد يكمل في سره، ما يود محدثه ان يقوله، قبل ان يقوله.. فهل حقاً عشنا حيوات سابقة، نتفاوت فقط في تذكرها، ولكنها تجاربنا جميعاً؟!

    يقول تعالى (أولم ير الذين كفروا ان السموات والأرض كانت رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) فان كانوا لم يروا ذلك، فان السؤال لا يصح.. ولكن الواقع يقول ان البشر جميعاً، خلقوا بعد خلق السموات والأرض، بزمن بعيد.. بل ان القرآن نفسه، يؤكد لنا اننا لم نشهد خلق السموات والأرض فيقول (ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا).. والحق اننا شهدنا ولم نشهد!! لم نشهد في حياتنا اللاحقة، بعد ظهورنا في عالم الاجساد، التي تكونت في الأرض.. ولكننا شهدنا في عالم الأرواح، وقبل ان تنزل هذه الأرواح الى الاجساد!! وعن علمنا في عالم الأرواح، وشهادتنا لربنا بالربوبية، ثم نسياننا لهذه الشهادة، عندما برزنا في الاجساد، يقول تعالى (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم ألست بربكم؟! قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين* او تقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟!* وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون).. ورغم ان الايات، خاطبتنا بالجمع، الا ان هذه تجربة فردية. وانما تكون الرجعى، المشار اليها في الاية الاخيرة، وفي غيرها من الآيات (وان الى ربك الرجعى)، بتذكر هذا العهد الذي نسيناه، وخضوعنا لمقتضياته من الطاعة.. ولقد جاء القرآن ليذكرنا، فيهدينا يذلك سبيل الرجعى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).. وكما ان القرآن يذكرنا، فان الشيطان، ينسينا. فحين وسوس الشيطان لآدم، عليه السلام، واخرجه وزوجه من الجنة، قال تعالى في حقه (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً).. وقال تعالى (وما إنسانية الا الشيطان ان اذكره) وقال (فانساه الشيطان ذكر ربه) وقال (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).. وانما ينسينا الشيطان ماضي تجاربنا، في حيواتنا السابقة - في معنى ما ينسينا ربنا - حتى لا نستفيد منها ونقع في نفس اخطائنا، فنظل مثله تسوقنا الخطيئة الى اخرى، حتى تحيط بنا خطيئتنا، فلا يبقى لنا خلاص الا بالنار، قال تعالى (بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون).. ونحن لا نتذكر بمجرد قراءة القرآن، او فهمه في مستوى ما تعطي اللغة من التفسير، وانما بالقدرة على تأويله، واستشراف المعاني العميقة، التي يرمي اليها.. فان الذكرى لا تتأتى للغافل، قال تعالى (رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) وقال (ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب) وقال (ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقال (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد).. فان منهاج التقوى، الذي يحقق الحضور، هو الذي يؤدي الى تأهيلنا للتذكر الايجابي، الذي نطلع به على تجاربنا السابقة، ونستفيد من عبرها.. ان تجربة احدنا في الدنيا، قد لا تكتمل من مرة واحدة، فقد يموت الوليد الصغير، وهو لم يحصل من الدنيا شئ، وقد يموت الشيخ، وهو لم يستفد من حياته، فيحتاج كلاهما ليكرر التجربة، بان تنتقل روحه الى جسد آخر، وتجربة أخرى.. وقد يقع عليها من العذاب، في حياتها الجديدة، ما هو عقوبة على ما اقترفت في حياة سابقة.. يقول تعالى (تلك القرى نقص عليك من انبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين)!! ويقول (ثم بعثنا من بعده رسلاً الى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين)!! والحق انهم دعوا لأول مرة، ولكن الله تعالى، يخبرنا انهم كذبوا من قبل، وهذا لأنهم عاشوا حيوات سابقة، وقع منهم فيها التكذيب.. ولما دعوا لنفس الامر، وهو التوحيد، ما كان منهم الا ان كذبوه مرة اخرى!!

    إن اهمية انتقال الأرواح، انما تجئ من انه الوجه الآخر للتطور، الذي يحدث في الجسد.. فكما تطور الجسد من اصغر الخلايا في الطبيعة، الى مختلف صور الكائنات الحية، حتى ابرز الإنسان، في اكمل صور الخلق.. فان الروح، انما تتطور من خلال التجارب العديدة، وهي ترتدي مختلف الاجساد، اقرأ ان شئت (بل هم في لبس من خلق جديد)، غايتها ان تحقق الروح الاسمى، الذي صدرت عنه، في سحيق الآماد.. وهذا الروح الاسمى، الذي بكماله تكمل كل النفوس، انما يحل في الجسد، الذي استعد له، منذ فجر الحياة بمختلف التجارب.. إن الاشارة الى الإنسان الكامل، الذي هو خلاصة التطور، وغايته، جاءت في قوله تعالى (ينزل الروح من أمر على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق).. ان الايمان بانتقال الأرواح، وتعدد تجاربها، انما يفسر كثير من الظواهر، التي تشكل على من لا يرى هذه الرؤية.. ومن ذلك مثلاً الكوارث، والضحايا، التي تبدو عليهم البراءة، وموت الاطفال، الى غير ذلك، من الصور التي يمكن ان تفهم في اطار ان كل هؤلاء، انما يمثلون حيوات عديدة، تؤثر في بعضها البعض، وتعكس نتائج تلك الحيوات، كعقوبات في حيوات لاحقة..

    ورغم اعتراف الكاتب، بان العلم المادي التجريبي، يجهل مسائل كثيرة، الا انه يرفض اتجاه بعض المتدينين، وحتى العلماء، الذين يقترحون القدرة الالهيه، لسد هذه الفجوات، التي توجد في علم العلماء، وهو يرى ان رجال الدين، انشغلوا عن واجبهم الاساسي، وهو في نظره، التمييز بين جوهر الدين الخالد وتشريعاته الوقتية بمجرد الدفاع عن الفهم التقليدي للدين وذلك -حسب رأيه- هو الذي (قاد الى عجز القادة الدينيين عن اداء واجبهم الرئيسي وهو التمييز بين الابدي من معتقداتهم والمكونات الوقتية التي جاءت اعتباراً لمستوى معين من الفهم العام او الوضع الاجتماعي السياسي الذي وجد الدين نفسه فيه خلال تاريخه. وقد ادى ذلك التضاد الحرون الى التراجع المستمر للدين الاصولي).. لقد وقع الكاتب بهذه العبارة المشرقة، على اصل المشكلة، ذلك ان المفاهيم الدينية الجوهرية الخالدة، هي المتعلقة بالمعاني السامية، التي لا تتبدل، وهي تختلف من تشاريع الأديان، التي تنزلت الى مستوى حاجة وطاقة المجتمعات في الزمان والمكان المعينين.. والمطلوب هو تطوير التشاريع الدينية، بما يناسب العصر، استلهاماً للمعاني الرفيعة التي تمثلها الاصول الخالدة. من أجل هذا، جاءت الدعوة الى تطوير الشريعة الإسلامية، كأساس لفكر الاستاذ محمود محمد طه..

    يرى الكاتب، ان فشل الفكر الديني الأصولي، أدى الى ظهور أديان بديلة، ادعت انها قادرة على الاجابة على تساؤلات الإنسان، عن مصيره، ومستقبل حياته، ومعناها، بطريقة علمية كما انها تملك مقدرة، تغيير حياة الناس الى الافضل، وايقاف ظلمهم واستغلالهم، وأكبر هذه الأديان الجديدة الماركسية.. ولكنه في نفس الوقت، يؤكد على ان الماركسية، صاحبها عنف عنيف، وقتل، وارهاب، وهي لما تطبق بعد.. والحق ان الماركسية، رغم انهيار الاتحاد السوفيتي، وتراجعها في شرق اوربا، وبقية انحاء العالم، أكبر الافكار البشرية، واشبهها بالدين، من حيث شمولها، شتى مناحي الحياة، ومن حيث اعتمادها على فكرة مركزية، مثل الديالكتيك، تبدأ في الطبيعة، ثم تنعكس بمستوى آخر في المجتمع. ولأن الماركسية تحدثت عن المستقبل، وبشرت بالمجتمع الشيوعي، واكدت حتمية حدوثه، فانها اشبهت بشارات الأديان بالعالم الخير القادم.. ثم ان الحديث عن المستقبل، ولو سيقت في دعمه اسباباً موضوعية، يحتاج الى قدر من العقيدة لتصديقه، والحماس له.. وهذه العقيدة، يحفزها اعتراض الاخرين لتقوى، وتتأصل، وتتحول الى تطرف، تنعدم فيه فرصة الاستماع للرأي الآخر، ويؤهل افراده الى قبول الاستبداد، والنأي عن الديمقراطية.. وهذا ما حدث في تجربة تطبيق الماركسية. على ان المعنى الذي افادته الماركسية، في تطوير تجربة الافكار الدينية، هو ان ملامسة الواقع والدعوة الى تغييره، والمعرفة العلمية بطرائق ذلك التغيير، هي المحك الذي بازائه، تظهر قامة الدعوات، وتنكشف دعاويها..

    لقد اكتشف ماركس ان النظام الرأسمالي نظام جائر، وخال من الإنسانية، وانه يقوم في الاساس على سعر الفائدة، الذي به يتنامى رأس المال، ويستلب من فائض قيمة عمل العمال.. وهو حين دعا الى الغاء حافز الربح، استبدله بحوافز إنسانية، مثل تحقق النظام العادل، الذي ينتهي فيه الفقر والظلم.. فهو يطالب المنتجين، ان يتنازلوا عن فائض انتاجهم، الآن للمحتاجين، من العجزة والعاجزين عن الانتاج، أملاً في ان يتم تعويضهم، عن هذه التضحية، في المستقبل بتحقق حلم الشيوعية، الذي ينتهي فيه العذاب، ويفيض فيه المال، ويتفرغ الناس للاستمتاع بضروب الفنون والموسيقى!! على ان التضحية بالوضع الحاضر، ليست امراً مقبولاً للنفوس، خاصة وان الفلسفة الماركسية، تقوم على فكرة ان هذه الحياة الدنيا، هي نهاية المطاف، وان الفرد لن يعيش أي حياة اخرى، وان الموت هو نهاية كل فرد.. فما دمت ساعيش سبعين او ثمانين سنة، فلماذا اعيشها في شقاء، وتضحية، حتى يستمتع اناس قادمون في المستقبل؟! وهكذا لم تقدم الماركسية في الواقع، دوافع مقنعة، حتى لاتقان العمل، بجانب الخوف من قمع السلطة ورقابتها المشددة.. وبدأت روح التذمر، التي تسود بين الشغيلة، التي جاءت الثورة من اجلهم، تزيد في الخفاء، وتنعكس هبوطاً بالانتاج، رغم رقابة رجال الأمن المكثفة.. خاصة وان اجيالاً جديدة، ولدت في النظام الجديد، لم تر ظلم القيصر، ولم تعش الفقر المدقع، الذي عاشه اسلافها، فهي قد وجدت الخبز، كحق طبيعي، لا تريد ان تضحي بسببه بالحرية، وحين طالبت بالحرية، لم تقابل بغير البطش، والعنف العنيف، فتحولت الشبيبة، التي كان يظن الحزب الشيوعي انها حصيلة المستقبل، الى معارضة منظمة، تعمل في السر، بنفس اساليب الخلايا الشيوعية السرية، قبل اندلاع ثورة 1917 على تطوير لها في ذلك، ومساندة من حكومات الغرب واعلامه. لقد كانت حوافز الربح، التي ادخلها الاقتصادي الروسي ليبرمان، آخر مسمار دق في نعش الماركسية، لا لانها مخالفة للنظرية الماركسية، ومقوضة لاسس العقيدة فيها، فحسب، بل لانها كانت نتيجة لتدهور اقتصادي مريع، جعل الاتحاد السوفيتي العظيم، يخضع للضغوط الامريكية، ومنها ادخال حوافز الانتاج والربح. ولما كانت الماركسية في الاساس نظرية اقتصادية فان تدهور اقتصاد الدولة الكبيرة التي طبقتها قد كان صعقة لكل الدول الشيوعية وخيبة امل للدول النامية التي كانت تربط مصيرها بالكتلة الشرقية.. ولم تلبث الشيوعية ان انهارت في شرق اوربا، وتحطم حائط برلين، ولحقت ألمانيا، البلد الأم لماركس، بركب الرأسمالية، الذي ظن الكثيرون، انه قد فاز فوزاً نهائياً، وحسم الحرب الباردة، بالضربة القاضية..

    ومن عجب ان كثيرا من الماركسيين ظنوا ان فشل تجربتهم في الاتحاد السوفيتي، يعني فشل الاشتراكية.. وذهلوا عن حقيقة ان الماركسية، مدرسة من مدارس الاشتراكية، وان الاشتراكية فكرة سابقة للماركسية، ولاحقة لها، وهي لن تموت بموت الماركسية.. فالاشتراكية معنى انساتي رفيع، يمكن ان يسترشد بالتنظير الاقتصادي الماركسي، ولكنه لا يقف عنده، ولا يحد بمحدودية الفكر المادي الماركسي، الذي قيد الحياة، ورهن تطورها بمعطيات العلم المادي التجريبي في القرن التاسع عشر.. ان الدين في مستواه العلمي، يوثق صلة الإنسان بالغيب ويرسم المنهاج، الذ يجعل هذه الصلة، واقعاً ملموساً ومعاشاً!! ومتى ما قامت هذه الصلة، اصبح رضا الله، هو الحافز، الذي يجعل الشخص يتنازل عن انتاجه للعجزة والعاجزين.. وهو راض عما فعل، والرضا ليس وعد بجنة في المستقبل – وان كانت هذه موجودة بطبيعة الحال- وانما هو ثمرة منهاج العبادة، والمعاملة، الذي يؤدي الى طمانينة النفس، وسلامها الداخلي من الخوف والتوزع والاضطراب.. هذا الشعور، هو من المتعة، بحيث لا يشعر المتنازل من حقه بأي ضيم، بل بفرح غامر، اذ تستمد سعادته من اسعاد الآخرين.. ولا يمكن للاشتراكية ان تقوم وحدها، بل لا بد لها من صنوها الديمقراطية، في جهاز حكومي واحد.. فالديمقراطية هي اشتراكية السلطة، والاشتراكية هي ديمقراطية الثروة، ان صح التعبير.. فكلاهما يشيعان وسائل الكرامة، من حق المشاركة في الحكم، وحق الحياة الكريمة وسط كل الناس.. وكثمرة تلقائية للاشتراكية والديمقراطية، تجئ العدالة الاجتماعية، وهي تعني محو الطبقات، والمساواة امام القانون، والغاء اي تمييز، يقوم على العنصر، او الجنس، او اللون، او الدين، او المكانة الاجتماعية.. وبتحقق العدالة الاجتماعية، يقوم المجتمع الصالح، الذي هو الوسيلة الوحيدة لانجاب الفرد الحر[5]..

    يتطرق الكاتب الى فلسفات أخرى، ارتبطت بأزمة الإنسان المعاصر، وشعوره العميق، بتفاهة الحياة، وخوائها، مثل الوجودية.. ويركز فيها، على مسرحية الذباب، التي تعيد بصورة او اخرى، اطروحات الفلسفة الاغريقية القديمة، عن النزاع بين الإنسان والإله، وتمرد الإنسان طلباً للحرية من قدره الذي رسمه له الاله. ثم هي ايضاً، تعكس ضيق الإنسان، بقوانين الطبيعة، وما تلفه حوله من اغلال، لا يملك عنها فكاكاً.. والثورة التي تبدأ كاتجاه ايجابي، يقصد التغيير، تنتهي الى شعور بان الشر موجود، ومقاومته التامة مستحيلة، مما يجعل الحياة عبثا بلا معنى!! ومع ان الفنانين -حسب رأي الكاتب- هم الذي اكتشفوا "عفن الروح الجاف"، الا ان احاسيس القرف، والعفن، لم تعد حكراً عليهم، وانما تسربت كل هذه الاحاسيس للإنسان العادي.. ان المشكلة دائماً، هي العلم الناقص، فلو كنا نعلم من دقة مراقبتنا، بان الله انما يدبر لنا امورنا، بأفضل مما ندبر لأنفسنا، لم ننازعه.. ولعرفنا انه عندما يقدر لنا ما نكره، انما يسوقنا به، لما خفي علينا من مصلحتنا، قال تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون).. وصور الاحباط، التي تصور الحياة وكأنها بلا معنى، انما تنتج من كثرة فشل تخطيطنا، الذي لو لم نخططه، لنجحت مساعينا.. يقول الشاعر:
    ما عاقه الا تكاثر زاده مما يباح ولا يباح
    لو حط ثقل رحاله ومضى خلياً لاستراح

    وليس هذه دعوة الى عدم التخطيط، وتجويد العمل، بل هي دعوة الى تجويد العمل، ثم الرضا بالنتيجة مهما كانت، لأن السخط لا يغير الواقع.. ولقد يسبب الاحباط، عجز الحضارة، عن ان توفر للافراد، الحياة الآمنة، التي يريدونها لانفسهم، رغم الوفرة المادية.. وهذا ما اشار اليه جولس هنري الكاتب الامريكي، حين عبر عن فشل المجتمع الامريكي، في كتابة "الحضارة ضد الإنسان".. فحتى العمل الجماعي، الذي كان اداة تقارب بين الافراد، اصبح في المجتمع الامريكي، لا يؤدي الى التواصل بينهم. بل ان كبار السن، لم يعودوا يجدوا، اي رعاية او اهتمام، من ذويهم الذين بذلوا من اجلهم، حينما كانوا صغاراً.. ان رجلا او امراة مسنة في مأوى لكبار السن، لا يزورهما ابناءهما، لا يشعران بمرارة العقوق فحسب، وانما يشعران أيضا بتفاهة الحياة وقسوة المجتمع.. لقد سقطت المعاملة، لسقوط التبادل المادي للمنفعة، في هذه العلاقة.. وانما يتخلص المجتمع من مثل هذا السلوك، حين تتغير موازين القيم فيه، ويحل التصور الروحي الإنساني، محل التصور المادي..

    يختم الكاتب هذا الفصل، بتأكيد ان حياة الإنسان من اجل ابنائه، ومعيشة الابناء، من اجل ابنائهم، وهكذا، لها معنى بيولوجي، ولكنها في الحقيقة تكرار بلا معنى.. والحق ان كل إنسان اناني بطبيعته التكوينية.. ولكن هنالك انانية سفلى وانانية عليا. صاحب الانانية العليا، يرى ان خيره في خير الآخرين، ومصلحته انما تتحقق بسعيه لمصالح الاخرين. أما صاحب الانانية السفلى، فانه يرى ان مصلحته هي الأهم، ولو كانت على حساب مصالح الآخرين.. والإنسان حتى حينما يضحي من اجل ابنائه، انما يفعل ذلك اولاً للشعور العارم بالسعادة، الذي يحققه من تلك التضحية.. وليس كمال الإنسان، ان يتخلى تماماً عن الانانية، من حيث هي، وانما كماله في التخلي عن الانانية السفلى.. وحين جاء في الحديث (إن أعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك) قصد ان أعدى اعداء نفسك العليا، التي اشار اليها، بكاف الخطاب، نفسك السفلى التي اشار اليها بانها بين جنبيك.. ذلك ان النفس السفلى، هي التي تكون انانيتها سفلى، والنفس العليا هي التي تحقق الانانية العليا، التي ترى خيرها من خلال فعل الخير للآخرين.. ومع كل ذلك، فاني اتفق مع دوبزانسكي في عبارته الطيبة، التي ختم بها الفصل، وهي قوله (هناك بارقة أمل في تمثيل جديد)!!

    د. عمر القراي

    [1] تمت الترجمة بواسطة الكاتب مع الاختلاف قليلاً عن نص الدكتور فاروق
    [2] كالسابق
    [3] محمود محمد طه (1984) ديباجة الدستور
    [4] محمود محمد طه (1972) تطوير شريعة الاحوال الشخصية الخرطوم السودان ص 59-61
    [5] راجع محمود محمد طه : الإسلام – الرسالة الثانية – رسالة الصلاة
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:38 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:41 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:43 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:49 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:50 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:51 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:52 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:53 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:54 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:56 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:57 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:58 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:01 AM
                                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:02 AM
                                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:03 AM
                                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:04 AM
                                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:14 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:06 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:08 AM
  رد Mohamed fageer04-02-08, 04:30 AM
    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:05 PM
      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:07 PM
        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:08 PM
          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:09 PM
            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:10 PM
              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:11 PM
                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:12 PM
                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:14 PM
                        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:15 PM
                          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:16 PM
                            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:23 PM
                              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:39 PM
                                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:47 PM
                                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:44 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:59 PM
                                      Re: رد عمار محمد حامد04-02-08, 07:21 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 00:40 AM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:30 AM
                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:34 AM
                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:36 AM
                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:38 AM
                                            Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:40 AM
                                              Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:45 AM
                                                Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:46 AM
                                                  Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:49 AM
                                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:52 AM
                                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:58 AM
                                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:03 AM
                                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:07 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 07:23 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:34 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:35 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:36 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:37 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:39 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:40 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:41 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:42 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:46 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:47 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:48 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:49 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:50 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:52 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:53 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:54 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:55 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:56 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:04 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:06 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:08 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:09 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:10 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:11 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:12 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:13 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:14 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:15 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:16 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:17 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:18 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 03:33 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:06 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:44 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:04 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:05 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 11:34 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 03:19 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 00:31 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-06-08, 04:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de