الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 07:53 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-21-2008, 04:44 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة ؟!

    تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبزانسكي

    الفصل الثالث
    التطور والتجاوز

    http://www.arkamani.org/sceince-fundamentalism/contribu...ions/omargharai3.htm


    بدأ الكاتب، هذا الفصل ، بالحديث عن كلمة التطور، ومدلولاتها.. وكيف انها اصبحت شائعة ، واستشهد بعبارة سوروكين 1937 الذي أكد ان التطور قد اصبح " المقولة السائدة للادراك العقلي " اذ ان " النظرة الى الاشياء من منطلق اصولها وتناميها وتطورها هي رؤيتنا لكل شئ من الدين الى البورصة . لقد تجذر هذا المنظور في عقولنا وأضحى على درجة من العمق بحيث لا يستطيع الكثيرون منا ان يتصوروا أي مدخل لا تاريخي أو لا تطوري او لا تناموي لدراسة أية ظاهرة " [1] .. وبالرغم من شيوع الكلمة ، وكثرة استعمالها ، الا ان الكاتب يرى انه ( ليس هناك تعريف عام مقبول لكلمة التطور) !! [2] .. ولكنه يعدل قليلاً ، في التعريف الشائع ، الذي يقول ان التطور هو " التغير المتواصل أي المستدام) ، ليصبح في حالة التطور البيولوجي ( التغير المتواصل عبر اجيال متعاقبة ) [3] .. ينقل لنا الكاتب تعريف هكسلي 1955 الذي يقول "التطور عملية ذاتية الدفع وذاتية التحول وذاتية التجاوز ، محددة الاتجاه زمنياً ولذلك فهو غير قابل للالغاء ، ويولد في مساره ابداعاً متجدداً وتنوعاً متزايداً وتنظيماً معقداً ومستوى أعلى للوعي وفاعلية عقلية واعية متصاعدة" .. ولكنه لا يوافق على هذا التعريف ، وذلك لأن حالات ( الركود التطوري تبين ان التطور ليس ذاتي الدفع ، التطور اساساً صيرورة تلمس ، وهو صيرورة توجيهية في المرتبة الثانية فقط ، واحياناً يكون التطور تقهقرياً بدلاً من ان يكون تقدمياً ، الانشطار التطوري "زيادة التنوع" يتكرر بدرجة التركيز التطوري نفسها " التغيير داخل المجموعة نفسها" وقد نشا الوعي والوعي بالذات ، حسبما نعلم ، في خط تطوري واحد هو الذي يقود الى الانسان) [4]..

    حدثنا الكاتب بعد ذلك ، عن ان قصة الخلق ، التي جاءت في سفر التكوين ، في الكتاب المقدس . وذكر انها لو اخذت وحدها ، يمكن ان تفسر، وقد فسرت بالفعل، على اساس غير تطوري للطبيعة وللكون وللانسان .. وقد سادت هذه الرؤية ، غير التطورية ، حتى تحطمت تحت تأثير الاكتشافات العلمية ، في عصر ما بعد النهضة . ومع ان الكتاب المقدس- في رأي دوبزانسكي- لم ينكر كل تغيير، الا انه يرى ان تقرير الاسقف أوشر، بان الكون قد بدأ سنة 4004 ق.م، أوحى بانه لم يكن من الممكن للكون أن يتغير منذ بدأ الخليقة . على انه يبدو ان الكاتب ، يعتبر رفض التطور من تفسيرات الكتاب المقدس ، وليس من اصله ، ولذلك يقول ( تعد المسيحية من اكثر الاديان العظمى وعياً بالتاريخ ، وهي بهذا المعنى تطورية . إنها تؤكد أن تاريخ البشرية والعالم ليس مجرد وهم وليس شراً لا خلاص منه . فالتاريخ هو مركبة الخلق . لقد كانت للعالم بداية وستكون له نهاية. وقد وقع حدث محوري في لحظة معينة من التاريخ إذ اتخذ الله هيئة انسانية وعاش بين الناس . لذا فان الانسان يتموضع في مركز المعنى في التاريخ . وبكلمات تيليش 1963 فان التاريخ يتأكد في نداء الوعي الباطني المسيحي بطريقة تجعل الاجابة عن الاسئلة التي توحيها التباسات الحياة في بعدها التاريخي تكمن في رمز "مملكة الله" ولا يعني هذا بالضرورة عقيدة التطور التقدمي صوب حالة من الكمال ، وفي الواقع فإن المسيحية ورثت عن اليهودية مبدأ السقوط المأساوي للإنسان من حالة كمال بدئي) [5] ..

    يذكر دوبزانسكي ، ان نظريات التطور الكوني اللاعضوي ، ظهرت قبل نظريات التطور العضوي الحيوي . ويقف عند بدايات كتابة كانط 1755 في نظرية السديم الاولى ، وما كتبه لابلاس 1796و1808 عن ان الشمس الاولية ، كانت كرة من الغاز الملتهب ، وقد انفصلت اجزاء من هذه الكرة بفعل قوى الطرد المركزي ، فشكلت الكواكب والأقمار.. وخلص الى ان النظريات الحديثة ، يمكن ان تلخص في نظريتين : نظرية الثبات ، وروادها بوندي وقولد وهويل ونظرية الانفجار الكبير التي ارتبطت لحد كبير بقاماو . أما فحوى نظرية الثبات ، فهو ان الكون في حالة اتساع ، وتمدد ، وخلق مادة جديدة ، يهدف لجعل كثافة المادة في الكون في حالة ثبات تقريباً كل الوقت . ولهذا فان مجرات عديدة ، تتكون كل يوم ، كلما نفدت طاقة نجوم قديمة ، حتى يستمر هذا الثبات للكثافة الكونية . أما نظرية الانفجار الكبير، فانها تفترض ان الكون نشأ قبل حوالي عشرة الى خمسةعشر بليون سنة ، وكانت البداية انفجار كبير بلغت حرارته بليون درجة مئوية . ومع ان مركز الانفجار ظل ملتهباً ، وتكونت منه الشمس ، الا ان الاطراف بردت وتكونت من ذلك الكواكب والاقمار .

    بعد هذا الايجاز، ينتقل الكاتب الى التطور البيولوجي ، ويعتبره التطور الوسيط ، في ثلاثي التطور، وهو: الكوني البيولوجي ، الانساني . ويعتبر دارون- رغم انه مسبوق بآخرين - المكتشف الحقيقي للتطور، لثبات نظريته في وجه الزمن. على انه يخبرنا بان النظرية الحديثة للتطور، لا تتطابق مع نظرية دارون ، وان اتفقت معها فكرياً .. وذلك لانها استفادت من اكتشافات العلم الحديث ، خاصة علوم الوراثة ، والاجنة ، وغيرها.. فاصبحت اكفأ من نظرية دارون ، في الدلالة على التطور، والمقدرة على وصفه ، وربطه بشتى العلوم التي تؤثر على حياة الكائن الحي .

    يلخص لنا الكاتب نظرية التطور، بصورة هو يسميها مقتضبة، على وعد ان يعود اليها ، في اطار مختلف ، في الفصل السادس . يرى الكاتب ان الفرضية الاساسية في النظرية ، هي ان التطور يحدث بشكل رئيسي ، من استجابة النوع البيولوجي لتحديات بيئته . وفي هذا الإطار، تمثل البيئات المتغيرة ، أقصى التحديات ، لان الطاقم الوراثي الذي تشكل استجابة لتحديات البيئة القديمة ، ليس متوقع ان ينسجم تلقائياً، مع البيئة الجديدة . لقد تصور دارون ان الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي ، هو الطريقة التي تستجيب بها الكائنات الحيّة ، لتحديات البيئة . لكن الفهم الجديد الناتج عن علم البيولوجي الجديد، يقرر ان المادة الخام للتطور، هي الجينات المغايرة ، التي تنتج عن الطفرات الوراثية . ان الخاصية المذهلة للطفر الوراثي ، هي غموض عملية تواؤمه. الطفرات تظهر، بغض النظر عن كونها او انها يمكن ان تكون مفيدة ، في مقابل ظهور الطفرة المناسبة ، في وقت ومكان الحاجة لها. في الحقيقة معظم الطفرات ضارة . ان الطفور وحده ، دون ان يضبط بالاصطفاء الطبيعي ، لا يقود الا الى التدهور، والاضمحلال والانقراض . وحتى يشرح لنا الكاتب العلاقة بين الاصطفاء ( الاختيار) الطبيعي ، والطفرات الوراثية ، يشبه الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي بالمنخل ، لانه يحجز الطفرات القليلة المفيدة ، ويدع الضارة الكثيرة تمر. لكنه يعتقد ان هذا التشبيه مضلل، لانه يغفل الجنس وتفاعل الجينات . وذلك لأن الممارسة الجنسية ، ينتج عنها توالد توليفات ، من الاطقم الوراثية ، المتغايرة ، المتجددة ، التي تنشأ اصلاً كطفرات . هذا التوليف ، اهم بكثير من مجرد دمج الوحدات المستقلة ، واعادة دمجها .. اذ ان التواءم ، غالباً ما يعتمد، لا على الطفرة في حد ذاتها ، وانما على النسق الوراثي ، الذي توجد فيه . فالطفرة التي تكون مفيدة ، في توليفة جينية معينة ، قد تكون ضارة في سواها . بناء على هذا ، يعتبر الكاتب ، ان مثال المنخل ، ليكون صحيحاً ، يجب ان يكون منخلنا غير عادي ، يبقي الحبيبات او يلفظها، لا على اساس حجمها فقط ، بل ياخذ في الاعتبار، خصائص كل الحبيبات الاخرى الموجودة . نحن ، اذن ، لا نحتاج الى منخل ، وانما جهاز اتصال الكتروني دقيق (سبراني) [6] ، ينقل للكائن الحي ، معلومات عن حالة البيئة. هذا الجهاز، ايضاً، يجعل التغيرات التطورية الآتية ، متسقة مع السابقة ( لذلك يحتوي الطاقم الوراثي للنوع الحي على سجل لبيئاته السابقة وعلى بصمة بيئته الراهنة . اذن فالهبة الوراثية التي تنتج ليست "موزايكو" من الجينات التي تحتفظ كل منها بتاثيرها المستقل ، بل هي نسق متكامل ، لا يتأهل للبقاء ان لم تتوافق اجزاؤه مع بعضها البعض) [7]

    يطرح الكاتب، السؤال التالي : هل التطورات الكونية والبيولوجية والانسانية صيرورات منفصلة أم انها اجزاء وفصول أو مراحل لتطور كوني واحد ؟ وفي الاجابة على السؤال ، يقول (ببساطة شديدة فان الظواهر في المستويات غير العضوية ، والعضوية ، والانسانية ، تخضع لقوانين مختلفة خاصة بتلك المستويات. ليس ضرورياً ان نفترض عدم قابلية هذه القوانين للتعميم الاختزالي ، لكنه ليس مجدياً ان نصف ظواهر المستوى الاعلى ، بقوانين المستويات الادنى ) [8] ولكن مع ذلك يرى الكاتب انه ( من المؤكد ان هذه الابعاد أو المستويات ليست منفصلة تماماً عن بعضها البعض، بل هناك على النقيض من ذلك علاقات تغذية استرجاعية بين الحي وغير الحي وبين الانساني والحيواني. ومع ذلك فالابعاد المختلفة تتميز بقوانينها ووتائرها المختلفة التي يستحسن فهمها وفحصها في الاطارالذي ينتمي اليه كل منها ) [9] .. يستأنس الكاتب برأي أحد الماركسيين هو بريزنت 1963 الذي يقول "حيثما نشأ ، فلا بد ان المجتمع الانساني جاء من العالم الحيواني ، وقد كان العمل ، صيرورة الانتاج ، هي التي جعلت من الحيوان البشري إنساناً "[10]

    بعد ذلك ، يحدثنا الكاتب ، عن كيف ان ظهور نوع جديد تماماً ، يعتبر تجاوز في التطور، يختلف عن الصورة المألوفة .. ويفسر كلمة (التجاوز) ، بانها تعني الذهاب الى ابعد من حدود الامكانية التي كانت مستخدمة ، ولا تعني التجاوز بالمعنى الفلسفي ، والذي يعني التعالي أو السمو . ولشرح التجاوز يقول ( لقد تجاوز التطور الكوني ذاته حينما انتج الحياة . ومع ان العمليات الفيزيائية والكيمائية التي تجري في الاجسام الحية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تجري في الطبيعة العضوية ، فان انماط هذه العمليات تختلف في الطبيعة العضوية عن غير العضوية . لقد تجاوز التطور غير العضوي حدود الانماط الفيزيائية والكيمائية السابقة حين انبثقت عنه الحياة . بالمعنى نفسه فقد تجاوز التطور البيولوجي نفسه حين انبثق عنه الانسان ) [11] ..

    وعن نشاة الحياة ، يقول دوبزانسكي ( يقدر عمر الارض بحوالي بليوني سنة أو اكثر . لقد نشات الحياة أول مرة في ظروف بيئية مختلفة تماماً عن تلك القائمة الآن ، ولا يمكن استعادة تركيب هذه الظروف صناعياً الآن الا بصعوبة بالغة . لقد تكون الغلاف الجوي حينما بردت الأرض بروداً يكفي لتكثف بخار الماء وتكوين المحيطات ، من غازات مثل الهايدروجين والميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون مع كميات اقل من النتروجين والقليل من الاوكسجين السائب . وقد تمت دراسة التفاعلات التي يمكن حدوثها في مثل هذه الخلائط دراسة واسعة في المختبرات ، دلت على احتمال تكوين الفورمالدهايد وحامض الخليك وحامض السكسنك وحوالي عشرة حوامض امينية . هذه ومواد اخرى اشد تعقيداً ولا يتم تكوينها اساساً أو قطعياً الآن الا في الكائنات الحيّة ، نشات وتراكمت في محلول مياه المحيطات الخالية تماماً من الحياة ، جاعلة منها نوعاً من "حساء" المركبات العضوية . وكان ممكناً لهذه المركبات وفقاً لبونامبيروما 1965 ان تشمل البيورينات أدنين وقوانين والسكر الريبوزي والسكر الريبوزي الناقص الاوكسجين والنيوكلوسيدادينوسين . وهذه المركبات بالذات هامة على وجه خاص لانها من بين مكونات الحمضين النوويين دنا .) [12] DNA RNAورنا

    يرى العلماء ، الذين نقل لنا الكاتب آراءهم ، ان هذه المكونات الصغيرة ، تجمعت في جزئيات كبيرة ، تستطيع استنساخ ذاتها ، مثل "الدنا" . على ان الاستنساخ الذاتي ، وحده ، لا يعتبر دليلاً، على ان النسق الذي قام به، حياً . ولكنه مع ذلك ، يعتبر من الشروط الضرورية للحياة . والسبب في ذلك ، كما يحدثنا دوبزانسكي ، (لا يعني الاستنساخ الذاتي فقط ان النسق يبتلع مادة معينة من بيئته "طعام" ويحولها الى شبيهه " توالد" وانما يعني ايضاً ان أي تغيرات يمكن ان تحدث عملية الاستنساخ الذاتي طفرات ، يمكن ان تنعكس بمرور الوقت في الوتائر النسبية لتردد الانساق التي تغيرت والتي لم تتغير " اصطفاء طبيعي " . بكلمات أخرى فان بداية الاستنساخ الذاتي تفسح المجال للتطور البيولوجي . يمكن لهذا التطور ان يكون متصاعداً رغم انه ليس بالضرورة ان يكون كذلك . فتطور هذا النسق يمكن ان يتوقف بسبب انهاك البيئة أو لحدوث تغيرات تقلل من كفاءته "الانقراض" . ويمكن لو ظهرت انساق الاستنساخ الذاتي مراراً ، يكون معظمها قد ضاع دون ان يترك خلفاً . الذي يهم هو ان نسقاً واحداً على الاقل بقى و "ورث الارض" بان اصبح نقطة بدء التطور البيولوجي ) [13] ..

    وبينما ارخ ظهور الحياة حدثاً ضارباً في القدم ، نجد ان ظهور الانسان يعتبر امراً حديثاً ، وعن ذلك يحدثنا الكاتب فيقول ( عاش في شرق وسط افريقيا والاجزاء الجنوبية منهاخلال عصر البلايستوسين قبل مليون الى مليوني عام على الاقل نوعان من الاسترالبيتكوس " الانسان القردي الجنوبي" وهو جنس بشري "هومنيد" من عائلة الانسان ... وقد عاش في وقت لاحق في البليستوسين الاوسط عدة سلالات من الجنس هومو إراكتوس " الانسان منتصب القامة" المتفق على انه سلف الانسان الحديث ، الانسان العاقل " هومو سابينز" . وقد وجدت بقايا الانسان منتصب القامة في جاوة والصين وافريقيا وربما اوربا ايضاً. وقد عاشت في عصر الثلج الاخير قبل حوالي مائة الف سنة تقريباً فصائل انسان نياندرثال الذي ينتمي الى نوع الهومو سباينز واحتل المساحة الممتدة من غرب أوربا الى تركستان والعراق وفلسطين) [] وعن مدى تطور هذا الانسان البدائي يحدثنا الكاتب قائلاً (وجدت أدوات حجرية خشنة مرتبطة ببقايا الاسترالبيتكوس في كل من شرق ووسط وجنوب افريقيا . ويعد الكائن منتصب القامة الذي وجد في الصين أول من استخدم النار، كما دفن النياندرثاليون موتاهم ) [15] .

    ولما كان بروز الانسان من الحيوان ، أمراً عظيماً ، فقد راى بعض العلماء فيه ، تدخلاً إلهياً.. فقد ذكر الكاتب ان والاس ، الذي شارك داروين في اكتشاف دور الاصطفاء الطبيعي في التطور، اعتقد ان عقل الانسان بثته فيه قوى غيبية . واعتقد لاك1975 الشئ نفسه ، فقال " على المسيحي الذي يقبل مبدأ اصل الانسان التطوري عن طريق الاصطفاء الطبيعي ان يتحفظ بشان خصائص الانسان الروحية ونوازع الخيروالشر فيه التي لم تنتج عن هذا التطور وانما هي ذات اصل غيبي"[16] .. ومن النماذج البارزة في هذا الاتجاه ، برونر1952، والذي ينقل لنا الكاتب رأيه ، في العبارة التالية " يتميز الهيومانوم –الانسان- بشئ ما تفقده الحيوانات الأخرى تماماً ، يعبر عن نفسه ذاتياً بالروح وموضوعياً بخلق الثقافة . انه بعد لا وجود له في البيولوجيا ، قانون المعايير ، القدرة على إدراك المعنى والحرية والمسؤولية "[17]

    واذا تجاوزنا التطور البيولوجي ، فان التطور الفكري ، يثير تساؤلات اكثر تعقيداً. يخبرنا الكاتب ، ان العلماء قد لاحظوا ان الانسان حيوان منتصب القامة ، يسير على قدمين ، ودماغه كبير، اذا ما قيس بنسبة جسده . ولاحظوا انه قادر على اللعب ، وعلى التفكير المجرد ، وعلى الضحك ، وتاليف الرموز، واستخدامها ، وتعلم اللغة ، والتمييز بين الخير والشر، والشعور بالتقديس والتقوى . ولكن كيف ، ومتى نشات هذه القدرات ، اثناء انحداره من اسلافه الحيوانيين ؟ يعتقد الكاتب انه يستحيل علينا ان نقرر في ذلك. ثم يشير الى جدل العلماء ، حول ما اذا كان اكتساب القامة المنتصبة ، والمهارة اليدوية ، سابقاً او لا حقاً لاستخدام الآلات وصنعها. وكذلك يمكن ان تثار نفس الاسئلة ، حول القدرة على التفكير الرمزي ، وتاليف الرموز، والتوارث الثقافي . ورغم اعترافه بصعوبة هذه الاسئلة ، الا ان الكاتب يقرر ان الناتج ينمو مع الاداة ، والاداة تنمو مع الناتج . فالايدي ، التي تحررها القامة المنتصبة من المشي ، تكون أقدر على تنمية براعة معالجة الادوات . لكنه يرى في نفس الوقت ، ان القامة المنتصبة ، ليست ضماناً لان تستخدم الاطراف الامامية في معالجة الادوات . وضرب مثلاً بالكنجارو، الذي رغم انتصاب قامته ، لا يستخدم اطرافه الامامية التي لا يستخدمها للمشي ، في لمعالجة الادوات . وفي المقابل ، هناك بعض القرود تستخدم ايديها في معالجة الادوات ، رغم عدم انتصاب قامتها. على ان الخلاصة ، في كل الاحوال حسب راي الكاتب ، هي ان اضطراد استخدام الادوات ، يمنح ميزة اصطفائية ، لتطور المشي على قدمين، والعكس صحيح .

    وفي مضمار التطور الفكري ، يتعرض الكاتب للغة . ويقرر ان لغة الحيوان ، تختلف من لغة الانسان ، رغم ان كليهما يخدمان وظيفة الاتصال . وفي توضيح الفرق، يعتمد على دراسات هوكيت 1959 وآشر 1964 ، وما قدماه من شرح ، بان نداءات الحيوان ، أو اشاراته تقصي بعضها البعض تبادلياً. بمعنى ان الحيوان قد يستجيب لاحد المواقف ، بواحدة او اخرى من زخيرة نداءاته ، او قد يبقى صامتاً ، بينما اللغة الانسانية منتجة ، بمعنى ان الانسان يصدر الفاظاً ، لم يحدث ان صدرت عنه او عن غيره ، وهي مع ذلك مفهومة لمن يعرف تلك اللغة . والانسان يستطيع ان يتحدث عن اشياء ليست في نطاق رؤيته ، وعن الماضي ، والمستقبل، وعن الاشياء المتخيلة. يرى الكاتب ان للغة الانسانية ، ايضاً ، خاصية ثنائية التنميط . فهي تتكون من وحدات " فونيمات" ليست ذات معنى اذا اخذت بمفردها ، ولكنها تستخدم لتكوين ألفاظ ذات معنى . ان تعلم الانسان اللغة خاصية متوارثة بيولوجياً ، ولا يستطيع الشمبانزي ان يفعل ذلك، رغم مقدرة حنجرته، على اصدار كل الاصوات الضرورية . هذا العجز سببه -حسب رأي دوبزانسكي- غياب بعض الآليات الذهنية اللازمة . وأيضاً اللغات الانسانية تتالف من ألفاظ ، يبنى معناها اجتماعياً بالاتفاق .

    يرى الكاتب ، ان ان التطور البيولوجي ، قد تجاوز نفسه في الثورة الانسانية ، التي برز بها الهيومانوم "الانسان العاقل" . ولكن كان هذا محل جدل ، وريبة . فالذين يرون وجود فجوة لا تسد، بين الهيومانوم ، وحالة ما قبل الانسانية ، يرتابون حتى في وجود البداءات ، التي يمكن ان ينشأ منها الهيومانيوم ، في الحيوان . والذي يفوت على هؤلاء الذين يعتقدون في الفجوات التي لا يمكن عبورها، هو ان الجدة النوعية ، للحالة الانسانية ، هي جدة النمط وليست جدة مكوناته . ولهذا ، فان التجاوز لا يعني ان قوة او طاقة جديدة ، هبطت من لا مكان ، وانما يعني ان شكلاً جديداً من الوحدة ، والانسجام قد برز للوجود. ومع ان انكار وجود مكونات الهيومانوم في الحيوانات لم يعد ممكناً ، الا ان انكار وجود التركيبة الكاملة ، لتلك المكونات ما زال ممكناً . ومع ذلك ، يرى الكاتب الا يسقط هذا الاعتبار، ويحدثنا عن دراسات ، اثبتت قدرة بعض الطيور والثدييات، على تشكيل مفاهيم غير لفظية مجردة مثل العدد . فقد استطاع غراب ، ان يختار الصحن الذي وضع عليه الطعام ، من بين خمسة صحون ، ميزت بينها نقاط ملونة من نقطتين الى ستة نقاط بالترتيب. فبعد تدريب ، استطاع الغراب ان يلتقط الصحن الصحيح ، بعد ان عرضت عليه اللافتة التي تحوي ذلك العدد، من بين لافتات اخرى . يلاحظ الكاتب، أيضاً، ان للنحل رقصات رمزية ، يشير بها الى مكان الطعام .. ولكنه يقول بانها بالطبع لا تملك أية خاصة ، من خواص اللغات الانسانية . كما يعرض الكاتب الى ان الحيوان يقوم باللعب مع صغاره ، في عملية تاهيل لهم ، للاضطلاع بدور في المستقبل . وهذا يشبه لحد كبير، ما يقوم به الانسان . أكثر من ذلك، ان بعض القردة والنسانيس ، يمكن تدريبها على الزخرفة بالالوان ، وانتاج جماليات تضاهي لوحات كبار الفنانين. يذكر الكاتب في هذا الصدد، كيف ان كثير من علماء السلوك الحيواني ، تحدثوا كثيراً عن وجود بوادر سلوكية ، اخلاقية ، لدى الحيوانات ، مثل التعاون ، والايثار، والتضحية ، وغيرها.. ولكن الكاتب يرى ان هذه يصعب اثباتها بصورة لا تقبل للجدل .

    الاشكالية التي يتعرض اليها الكاتب في خاتمة هذا الفصل ، هي قضية الصدفة . يتساءل الكاتب : هل يمكن الاعتقاد بان الهيومانوم، نشأ عن طريق تراكم سلسلة من المصادفات؟ يورد الكاتب ، اعتراض كايكوس 1958، الذي يقول فيه " الاصطفاء اللوتري لا يفي بالغرض . الطفورية فشل مزدوج . ان أصل الانواع لا يمكن ان يعزى للصدفة وحدها ، حتى بعد ان يصححها الاصطفاء الطبيعي "[18] ويذكر ان غيره من العلماء ،اعترضوا اعتراضات بليغة مماثلة .. ولكنه يرى ان كثير منها، يعزى الى سوء فهم كلمة "الصدفة" او "العشوائية ". فمع ان الطفرات الوراثية ، لا تنشأ حيثما وحينما تكون هناك حاجة لها ، ولا تحدث الطفرات المفيدة فقط ، الا ان الطفرات ليست عشوائية . وهو يرى انها ليست عشوائية ، لان ماهية الطفرة التي تحدث في جينة معينة ، تحددها بنية تلك الجينة . ثم ان الطفرات ليست التطور، وانما هي المادة الخام ، التي يوجهها الاصطفاء الطبيعي ، لتحقق التطور. أن دوبزانسكي يرى ان الاصطفاء الطبيعي ليس صدفة ، الا بمعنى ان معظم الطواقم الوراثية في عشيرة ما ، لا تملك تمييزاً مطلقاً بالنسبة للطواقم الوراثية الاخرى، وانما تتميز عليها تمييزاً نسبياً فقط ، بالرغم من عبارة " الاصلح" في العبارة "البقاء للاصلح". فالاصطفاء الطبيعي ، يعتبر محققاً لو ان انجب طاقم وراثي مائة فرد ، مقابل تسعة وتسعون ينجبها حاملو طقم آخر، يختلف في وجود جينة طافرة بعينها. فيما عدا ذلك ، فالاصطفاء الطبيعي، عامل مضاد للصدفة . ويرى دوبزانسكي ان الاصطفاء الطبيعي (يمنح معنى تكيفياً للفوضى النسبية لتوليفات الجينات الطافرة التي لا حصر لها . وهو يفعل ذلك دون ان تكون له ارادة أو قصد او بصيرة[19] "ادراك للمستقبل").

    القضية الاخيرة ، التي تعرض لها الكاتب باقتضاب شديد ، ووعد أيضاً ان يبحثها في الفصل السادس، هي اشكالية الحتمية . ففي سؤال طرحه أتكن 1964 وهو : ماهو الشئ الذي امتلكه اسلاف الانسان دون سائر الحيوانات الاخرى فمنحه القدرة على حل ضائقته التطورية ؟ يجيب دوبزانسكي بان نمط التكييف الانساني ، كان احتمالاًً من عدة احتمالات توفرت لاسلافنا البعيدين .. والنمط الذي يتبعه أي من الخطوط التطورية المختلفة للثديات العليا، ليس مقرراً سلفاً . لقد كان اختراعاً تطورياً ، ولم يكن حتمي الحدوث . يقرر الكاتب ان هناك تفسيران للتطور: يرى احدهما ان كل التغيرات التطورية التي حدثت ، كان حدوثها مقدراً حتماً بالصورة التي حدثت بها . ويرى الرأي الآخر انه ربما كان هناك عدة طرق مختلفة ، لحل مشكلة التواؤم في نفس البيئة . وان أي طريقة من هذه الطرق ، استعملت في التطور، استطاعت ان تهرب من الحتمية . وانما بسبب عدم الحتمية هذا، يجد الكاتب نفسه متشككاً في الاعتقاد، بانه على افتراض وجود حياة في اجزاء اخرى من الكون ، انها ستكون مثل صورة الانسان ، او السوبرمان الذي يشبه الانسان العاقل . وهو لهذا يشارك العالمان سمبسون 1964 وبلوم 1965 الراي بان هذا الامر ليس فقط موضع شك ، وانما هو غير محتمل ، للدرجة التي تعني الرفض بالنسبة لاي نظرية علمية . هذا موجز للفصل الثالث ارجو ان يكون وافياً .

    أول ما تجدر الاشارة اليه ، هو ان التطور هو الحركة الحسية ، والمعنوية ، أوقل الجسدية ، والفكرية ، لتحقيق الكمال المطلق .. ومن هنا كان عملاً سرمدياً لا ينتهي !! وهوهوسنة الله ، التي قال عنها جل من قائل ( سنة الله التي خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) ..هو سنة الله ، بمعنى انه هوالموجه للقانون الطبيعي ، الذي سير الوجود ، ثم سير الحياة . والى هذا المعنى ، ترد الاشارة بقوله تعالى ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) !! وفان يعني متقلب في الصور، متغير، والا فان الفناء بمعنى النهاية ليس هناك !! ونحن حين نفنى ، لا ننتهي ، وانما تبدأ حياتنا ، في حيز جديد ، نكون فيه أكثر تطوراً ، لزيادة وعينا ، بواقع حالنا .. قال تعالى عن ذلك ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) .. وانما بالبصر الحديد ، ترى المشاكل بوضوح ، وتواجه على وجه أفضل .. والى كون التطور انما يسيرنا الى الله في إطلاقه ، أشار تبارك وتعالى بقوله ( وان الى ربك الرجعى) وقال أيضاً (وان الى ربك المنتهى)!!

    ومع ان التطور في جملة الحال تقدم ، الا انه ليس تقدماً في خط مستقيم .. وانما هوحركة موجة بين سفح وقمة . ففي السفح هبوط من القمة ، ولكن ريثما تحتشد الموجة لقمة جديدة . فالامم قد تتقدم ، وتشيد الحضارات ، ثم تنحدر، ويجئ من هم اقل تقدماً ، ولو كانوا لاحقين في الزمن .. والى هذا المعنى، اشار تبارك وتعالى بقوله (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ؟! كانوا اشد منهم قوة واثاروا الأرض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون ) !! وكما ان الامم قد تتقهقر في التطور، فكذلك الافراد قد يرتدوا في سلم التطور، معنوياً وحسياً .. والى الردة المعنوية ، اشار تبارك وتعالى بقوله ( أؤلئك كالانعام بل هم أضل سبيلاً) !! والى الردة الحسية اشار تعالى بقوله (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدقاً لما معكم من قبل ان نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً) وهذا النكوص هو ما يتفق مع عبارة دوبزانسكي (واحياناً يكون التطور تقهقرياً بدلاً من ان يكون تقدمياً...) [20]

    حين تحدث دوبزانسكي عن بداية الحياة كما جاءت في الكتاب المقدس ، قال انها فسرت تفسيرات تتعارض مع التطور، ولكن ذلك لم يمنعه من ان يعتبر المسيحية تطورية ، فيقول (تعد المسيحية من اكثر الاديان العظمى وعياً بالتاريخ ، وهي بهذا المعنى تطورية ....) !! [21] والحق ان المسيحية تحدثت عن الخلق المكتمل ، ولم تتحدث عن التطور ، وهذا ما جعل رجال الدين المسيحي ، والمسحيين المحافظين ، يعتقدون بان الايمان بنظرية الخلق الإلهي ، يتعارض مع نظرية التطور، حتى بلغ هذا الصراع ، في دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية ، ان يمنع تدريس نظرية التطور، في مختلف مراحل التعليم في بعض الولايات !!

    لقد تحدثت المسيحية ، عن ان الخلق تم في ستة أيام ، وفي هذا اشارة الى التطور.. ولكنها اشارة بعيدة ، لا تضاهي ما قررته من الخلق المباشر .. جاء في سفر التكوين (في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور . وراى الله النور انه حسن . وفصل الله بين النور والظلمة . ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً . وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً . وقال الله ليكن جلد في وسط المياه . وليكن فاصلاً بين مياه ومياه . فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وكان كذلك ودعا الله الجلد سماء . وكان مساء وكان صباح يوماً ثانياً. وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة . وكان كذلك . ودعا الله اليابسة أرضاً . ومجمع المياه دعاه بحاراً. وراى الله ذلك انه حسن. وقال الله لتنبت الارض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض. وكان كذلك . فأخرجت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً كجنسه وشجراً يعمل ثمراً بزره فيه كجنسه. ورأى الله ذلك انه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثاً . وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل . وتكون لآيات واوقات وايام وسنين . وتكون انوار في جلد السماء لتنير الارض . وكان كذلك . فعمل الله النورين العظيمين . النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل . والنجوم . وجعلها الله في جلد السماء لتنير الارض ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة . ورأى الله ذلك أنه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً رابعاً . وقال الله لتفض المياه زحّافات ذات نفس حيّة وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء . فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحيّة الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه . ورأى الله ذلك انه حسن . وباركها الله قائلاً اثمري واكثري واملأي المياه في البحار . وليكثر الطير على الأرض وكان مساء وكان صباح يوماً خامساً . وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حيّة كجنسها بهائم ودبّابات ووحوش أرض كاجناسها . وكان كذلك . فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبّابات الارض كاجناسها . ورأى الله ذلك انه حسن . وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا . فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبّابات التي تدب على الأرض . فخلق الله الانسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكر وأنثى خلقهم . وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وكل حيوان يدب على الأرض . وقال الله اني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر يبزر بزراً . لكم يكون طعاماً . ولكل حيوان الارض وكل طير السماءوكل دبّابة على الارض فيها نفس حيّة أعطيت كل عشب أخضر طعاماً . وكان كذلك . ورأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جداً . وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً . فأكملت السموات والارض وكل جندها . وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل . فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل . وبارك الله اليوم السابع وقدسه . لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً ...) [22]

    ولم يكتف الكتاب المقدس ، بعدم ذكر التطور، بل ذكر تواريخ تؤكد ، واعمار للانبياء يفهم منها ، ان بداية خلق الانسان كانت قريبة .. ومع انه ليس هناك تحديد ، في الكتاب المقدس ، للوقت الذي بدأ فيه خلق الانسان ، أو خلق آدم ابو البشر، الا انه قياساً للاحداث المفصلة في العهد القديم ، وبعض التواريخ ، واعمار الانبياء ، يمكن تجميع هذه المعلومات لتقدير وقت بدء الانسان . على ان هذه التقديرات ، ادت الى اختلافات في التفسير ، ففي (التفسير الحرفي والذي كان آشر رئيس الاساقفة أفضل دعاته " توفى عام 1656 م " وعلى اساس حساباته وضعت التواريخ التي حددها في حاشية بعض ترجمات الكتاب المقدس . وهذه النظرية تاخذ التواريخ المذكورة لمولد وممات الآباء كما هي بالاضافة للفارق الزمني بين مولد كل واحد من الآباء ومولد الذي يليه ، مجموعاً الى عمر آدم عند مولد شيث يكون المجموع الكلي 1656 عاماً من الخليقة الى الطوفان ، 290 عاماً من الطوفان الى مولد ابراهيم وذلك بناء على ما جاء في التوراة العبرية "الماسورية".... نظرية الاسرات : وتزعم ان الارقام الكبيرة لأعمار الآباء الاولين أنما تشير الى المدد التي سادت فيها أسرة كل منهم ، فمثلاً رقم 930 عاماً لآدم ، أعقبه 912 عاماً لشيث وهكذا تتجمع هذه الارقام لتغطي آلاف السنين .... يزعم البعض ان وحدات الزمن في العصور القديمة للانسان كانت تختلف عنها الآن ، وان وحدة الزمن كانت اصلاً دورة القمر ، وبذلك تكون حياة متوشالح 969 دورة قمرية ، اي 969 شهراً ، او ما يزيد قليلاً عن ثمانين عاماً بحسابنا الآن) [23] وبناء على هذه التقديرات التي جاءت في الجدول الزمني لدائرة معارف الكتاب المقدس فان آدم قد خلق عام 3901 ق.م وان نوح قد ولد عام 2845 ق.م وابراهيم ولد عام 1955 ق.م ويعقوب 1795 ق.م ويوسف ولد عام 1704 ق.م وموسى 1528 ق.م وداوود 1041 ق.م[24]

    فاذا كان آدم ، الذي ورد في الكتاب المقدس ، هو أول انسان ، كما يظن سائر المسيحيين وسائر المسلمين ، فان علماء الكتاب المقدس انفسهم ، يشعرون بالمفارقة في هذه التواريخ ، لانه ( بناء على أكثر التقديرات والاعتبارات الجيولوجية و الانثروبولجية تحفظاً ان هذا الحساب لا يتسع للحقائق المعروفة عن عمر الارض ولا عن عمر الانسان على الارض ولا عن التواريخ الثابتة . بل ان المنهج المتحفظ في تحديد الأزمنة للبروفسير بريستيد يجعل اول تاريخ ثابت في تاريخ مصر هو بالتحديد بداية التقويم الشعراني " على اساس ظهور نجم الشعرى اليمانية " هو 4241 ق.م أي انه يسبق التاريخ الذي حدده آشر لخلق العالم بمائتي عام . بالاضافة الى انه في ذلك العهد كان هناك اساس فلكي لحساب الزمن ، مما يعني ان عصراً من الثقافة كان قد مضى بالفعل ... ومن الملاحظات المثيرة على الطريقة الحرفية في حساب الأزمنة ، انها تجعل نوحاً يعيش الى ان بلغ ابراهيم سن السبعين ، كما تمد عمر سام حتى تجعله معاصراً ليعقوب ) !! [25]

    المسيحية اذن -على اتفاق يكاد يكون تاماً بين جميع فرقها- تتعارض مع المفهوم السائد لنظرية التطور، فما هو موقف الاسلام ؟! الاسلام يقع على مستويين : المستوى العقيدي ، وعمدته التفسير، وهويمثل عموم الفهم السائد حتى الآن، وهذا لا يختلف كثيراً من المسيحية ، في هذه القضية .. والمستوى العلمي من الاسلام ، وعمدته التأويل ، وهذا يتفق مع التطور، ويمثله الفهم الذي طرحه الاستاذ محمود محمد طه . أما الفهم التقليدي ، فقد جاء فيه (روي عن ابن عباس وغيره ان أول ما خلق الله عز وجل الماء وكان عرشه عليه . فلما أراد ان يخلق أخرج من الماء دخاناً فوق الماء سماه سماء. ثم أيبس الماء فجعله ارضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومي الاحد والاثنين. وخلق الأرض على حوت والحوت هو الذي ذكره الله سبحانه في القرآن في قوله " ن . والقلم وما يسطرون" والحوت في الماء والماء على الصف والصف على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة على الريح ... فاضطرب الحوت فتزلزلت الارض فأرسى الله عليها الجبال فقرت الأرض ... وخلق الجبال فيها وخلق أقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومي الثلاثاء والاربعاء ...فكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبعاً في يومي الخميس والجمعة ... ثم بعث الله جبريل ليأتيه بطين منها فقالت : أعوذ بالله منك ان تنقصني. فرجع فلم يأخذ شيئاً، وقال : يا رب انها عاذت بك . ثم بعث الله ميكائيل فقالت له مثل ذلك فرجع ولم ياخذ شيئاً . فبعث الله ملك الموت فعاذت بالله منه . فقال : وانا أعوذ بالله ان ارجع ولم انفذ أمره . فاخذ منها تربة سوداء وحمراء وبيضاء. فلذلك خرج بنو آدم مختلفين في الالوان وسمي آدم لأنه اخذ من أديم الارض... وتركه حتى صار طيناً لازباً يلزق بعضه ببعض أربعين سنة ثم تركه حتى انتن وتغير أربعين سنه.. ثم صوره وتركه بلا روح من صلصال كالفخار حتى أتى عليه مائة وعشرون سنة ... قال المسعودي : وما ذكرناه من الاخبار في مبدأ الخليقة هو ما جاءت به الشريعة ونقله الخلف عن السلف والباقي من الماضي . فعبرنا عنهم على حسب ما نقل الينا من الفاظهم ووجدناه في كتبهم ...) [26]

    وهكذا نرى ان الشبه ، بين بدأ الخليقة في المسيحية وفي الاسلام ، بفهمه التقليدي السلفي ، كبير. وتبقى بعض الفروق سببها اختلاف الزمن ، وتطور العقل البشري ، مما جعل رسالة الاسلام أكثر منطقية ودقة في التعبير، ومن تلك الفروق ان المسيحية ، اعتبرت قصتها جزء من الكتاب المقدس ، بينما اعتبرها الاسلام شروح للكتاب ، وآراء تقبل الجدل .. ولقد اتفقت المسيحية والاسلام ، علىان الخلق تم في ستة ايام ، وذكرت التوراة ان الله استراح من عمله في اليوم السابع !! أما في القرآن فقد قال تعالى ( ولقد خلقنا السموات والارض ومابينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) أي لم يصيبنا تعب . وهذا تصور لله ، أرقى من تصور التوراة ، الذي جعله تعالى يتعب من العمل ، كما يتعب أحدنا ، ويحتاج للراحة !! ومن تميز الاسلام على المسيحية ، انه ذكر التطور بالنص فقال تعالى ( مالكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم اطواراً ) .. وفيما عدا ذلك ، فان الصورة في المسيحية وفي الاسلام التقليدي ، قريب من قريب .. ولقد ورد في المسيحية وفي الاسلام ، ان آدم خلق في مقام رفيع في الجنة ، ثم رد عنه بسبب الخطيئة .. والى ذلك اشار دوبزانسكي بقوله (وفي الواقع فإن المسيحية ورثت عن اليهودية مبدأ السقوط المأساوي للإنسان من حالة كمال بدئي) [27] ..

    أما في الفهم العلمي للاسلام ، فان قصة الخلق هي القصة التي يدور حولها القرآن ، في مجمله ، وفي تفاصيله ، واليها الاشارة بقوله تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن...) . وانما كانت أحسن القصص، لأنها قصة الانسان ، وليس في الوجود الحادث غير الانسان ، في طور من اطوار تطوره .. ولأنها سيرة الانسان نالت هذه المكانة ، وبها اصبحت أكمل القصص ، فكل قصة سواها، هي دون مداها ، لأنها جزء منها..

    لقد صدر الوجود ، عن الله سبحانه ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) . وكونه الاول ، فان الشئ الثاني ، لا بد ان يكون قد جاء منه، فان الله لم يخلقنا من العدم ، لأنه ليس هناك شئ اسمه العدم ، قبل الله ولم يكن هناك شئ اسمه العدم ، بجانب الله ، ليخلق منه !! فلم يبق الا ان الله تبارك وتعالى، خلقنا من نفسه ، ما دامت البداية هي وجوده سبحانه وتعالى .. ولقد نعى الله على المشركين ، ظنهم بانهم خلقوا من العدم – من لاشئ - فقال تعالى ( أم خلقوا من غير شئ ؟! أم هم الخالقون؟! ) والى كوننا خلقنا منه تبارك وتعالى ، الاشارة في قوله ( ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) !! ولقد ذكرت في الحلقة الماضية ، لماذا لم نعد نقبل تفسير المفسرين ، بان النفس الواحدة هي نفس آدم !!

    وانما جرى الخلق بالتنزل ، فتنزلت الذات العليّة من الاطلاق الى القيد ، في مرتبة العلم ، ثم تنزل العلم للإرادة ، ثم تنزلت الإرادة للقدرة ، وبالقدرة برزت المخلوقات في عالم الملك (عالم التجسيد ) ، بعد ان كانت في مستوى العلم ، في عالم الملكوت (عالم الارواح) .. في قمة الملكوت برز الانسان في اكمل صورة ، والى ذلك ، الاشارة بقوله تعالى ( ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ) أي في اقرب صورة للكمال .. ولكن الانسان الكامل ، رد من أعلى عالم الملكوت ، الى اسفل عالم الملك ، وعن ذلك قال تعالى ( ثم رددناه اسفل سافلين) .. ولقد ذكر بعض المفسرين ، ان أسفل سافلين هي قاع الارض السابعة ، ولكنها تعني أحقر صور المادة ، وهي ذرة غاز الهايدروجين ، فانها هي التي احدثت الانفجار الذري الذي ظهرت به الاكوان . ولقد كان مركز الانفجار ملتهباً ، ثم بدأت اطرافه البعيدة تبرد، وتتشكل في مادة ، والى هذه المرحلة ، الاشارة في حديث دوبزانسكي حين قال ( لقد تكون الغلاف الجوي حينما بردت الأرض بروداً يكفي لتكثف بخار الماء وتكوين المحيطات ، من غازات مثل الهايدروجين والميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون مع كميات اقل من النتروجين والقليل من الاوكسجين السائب ). والى بخار الماء هذا الاشارة بقوله تعالى (ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض اتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين) وفي الماء الذي تكثف برزت الحياة ( وجعلنا من الماء كل شئ حي) ، وهي انما برزت في الماء المخلوط ، بكل هذه الغازات وبالتراب ، حتى تحول الى طين مختمر، ظهرت فيه جرثومة الحياه .. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) فالنطفة الامشاج هنا ، هي قطرة الماء المخلوطة بالتراب ، وبالغازات المختلفة ، والتي فيها تكونت الخلية النباتية ، ثم الخلية الحيوانية ، والى كوننا نحن البشر، كنا في تلك المرحلة الاشارة ، بقوله تعالى (والله أنبتكم من الأرض نباتاً) !! أو يقول( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) !! ثم في مرحلة متقدمة، من التطور ، نجد النطفة الامشاج تعني ماء الرجل المخلوط ببويضة الانثى، فان الانسان يحكي في رحم الام ، رحلته كلها في التطور، مختصرة في تسعة اشهر!! وهو لم يصل الى هذه المرحلة ، الا بعد ان تقلب عبر سلالات كثيرة ، من الأحياء ، التي عج بها الماء والطين .. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) !! ومن مستوى النبات ، تطور الانسان الى أدنى الحيوانات المائية ، ثم الزاحفة ، ثم الثديات ذوات الاربعة ارجل ، ومن هذه جاء الانسان يمشي على رجلين ، بعد تطور وئيد وطويل . ولقد حكى الله تعالى كل هذه المراحل ، في آية واحدة، وذلك قوله (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير) !! والاشارة الى التطور في الآية ، انما تلتمس في انهم جميعاً ، من أصل واحد هو الماء .. ولقد تقلبت الحياة ، زمناً طويلاً في الصور، قبل ان يجئ الانسان ، العاقل، المكلف.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( هل أتى على الانسان حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً؟! ) ..(وهذه الحياة البدائية ، التي سبقت حياة الانسان علىالأرض ، او قل هذه الحياة ، التي لم تبلغ طور التكليف ، فتكون حياة انسانية ، هي حياة الحيوان ، في مختلف صورها ، سواء كانت في الماء ، أو في اليابس ، او في الجو ، وهي حياة تسير على قانون واحد ، هو قانون الغابة " القوي ياكل الضعيف" ، وهو ما اسماه دارون قانون تنازع البقاء، وهو قانون يعيش الحي فيه احمر الناب والمخلب او يموت ، والى ذلك الاشارة ، بقول الملائكة في الآية " واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماءونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟! قال اني أعلم ما لا تعلمون " فقول الملائكة " اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " مبني على ما الفوا من صنيع سكان الأرض ،على ذلك العهد، وقول الله " اني أعلم ما لا تعلمون" مبني على علمه تعالى ان الكتاب قد بلغ أجله ، وان التنازع بين أحياء الارض قد آتى اكله ، وان الحيوان، السوي، الذي يكون النقطة الفاصلة بين الحيوانية والانسانية ، قد اكتمل، وان موعود الله بنفخ روحه في هذا الحيوان السوي قد وجب . ولذلك قال تعالى في المعنى المتقدم من الآية السابقة " واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " !! والنفخ من روح الله هنا ، معناه الذكاء اللماح ، الذي انماز به الانسان عن الحيوان، وعليه انبنى التكليف ، وبه وجب التشريف ، وهذا نتيجة مباشرة للصراع بين الحي وبيئته ، وهو ما اسماه دارون بتنازع البقاء ، وهو بعينه ما اسماه الله تعالى " بالابتلاء" في الآية الكريمة " انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً " ... ونطفة أمشاج لها معنيان يستقيمان مع ما اسلفت القول فيه ، من ان هناك خلقتين للانسان : خلقة بدأت من الطين بحيوان الخلية الواحدة ، ثم تطورت في المراقي المختلفة ، حتى بلغت طور الانسان .. وخلقة تحدث كل يوم ، حيث ينسل الناس اناساً كاملين .. فنطفة أمشاج معناها في الخلقة الاولى ماء مختلط بطين .. فان النطفة في الاصل الماء النظيف ، والمشج والمشيج ، الشئ المختلط بعضه في بعض ، ولذلك قلت ان نطفة امشاج ، معناها ماء مختلط بالطين ، وهو ما نشأت منه حياة الحيوان ، ذي الخلية الواحدة ، وفي الخلقة الثانية فان معنى نطفة امشاج ماء الرجل وماء المرأة ) [28]

    فالانسان قد ظهر قبل حوالي مليوني عام ، كما نقل لنا دوبزانسكي ، وفي تقديرات احدث من ذلك ، ورد انه ظهر قبل ستة ملايين سنة ، فقد جاء :


    A team of scientists led by an anthropologist at University of California – Berkeley has discovered the fossilized remains of what they believe is humanity’s earliest known ancestor, a creature that walked the wooded highlands of East Africa nearly 6 million years ago. [29]


    هذا الانسان البدائي ،الذي اكتشف النار، وعاش في الكهوف ، سبق آدم ابو البشر بزمن طويل .. وقد جاء آدم أبو البشر، عالماً، ونبياً، وصاحب رسالة لذريته من بعده . واذا تجاوز تقدير وقته ، ما ورد في الكتاب المقدس ، وهو حوالي ستة ألف سنة ، فانه لن يتجاوز ذلك بكثير .. ولعل ما أدى لهذا اللبس ، حتى في تفسير الاديان، هو ان هناك الانسان الاول ، الذي خلق كاملاً او يكاد في الملكوت ، و هو أبو الخليقة كلها، لانه حين رد الى أسفل سافلين ، برزت عنه جميع الخلائق بالتطور.. وهذا لم يكن آدم ابو البشر الحاضرين ، وانما آدم مرحلة متقدمة منه ، في طريق الرجعى .. والرجعى إنما تكون الى الله ( وان الى ربك الرجعى ) حيث سقط الانسان من مستوى الكمال . وهذا ما يجعل التطور يطرد ،ولا يقف حتى عند مستوى البشر الحاضرين. [30]

    وعن بداية الكون ، يشرح لنا دوبزانسكي النظريتين الشهيرتين : نظرية الانفجارالعظيم ، ونظرية التمدد، من غير ان يرجح واحدة على الاخرى .. ولقد كان الانفجار الذري هو البداية ، وتبعه التمدد ، الذي نتج عن ما اشار اليه دوبزانسكي من قوة الطرد المركزي . والعلماء لا يعرفون شيئاً قبل الانفجار الكبير فهو عندهم البداية .


    In the beginning, there was nothing at all. This is a very difficult concept, and one which causes a great deal of misunderstanding among many people who have heard of the idea of the ‘Big Bang’ the creation of the Universe as we know it in some vast explosion of matter and energy. From our everyday experience, we know what a big bang is like- a concentration of matter, triggered by some energetic process, blasting outward into space. Even many astronomers, I suspect, have as their own personal image of the Big Bang the explosion of a star “a supernova” magnified by as great a degree as their imaginations will allow.
    But before the Big Bang of creation, there wasn’t even any empty space. Space and time, as well as matter and energy, were created in that ‘explosion’ and there was no ‘outside’ for the exploding Universe to explode into, since even when it was only just born and beginning its great expansion, the Universe contained everything including all empty space…And not just space but its counterpart, time, the other facet of the space-time fabric. The flow of time as we know it also began with the Big Bang so that it may be literally meaningless to ask what happened ‘before’ the Big Bang-perhaps there was no ‘before’! [31]


    وعن نشأة الكون وتمدده يحدثنا الاستاذ محمود محمد طه ، في وقت سابق للدراسات الفلكية الحديثة ، بعد ان ذكر الانفجار الكبير قائلاً ( ثم أخذ هذا الغاز يتكاثف ، ويتراكم ، مكوناً بذلك بلايين المجرات ، التي تحوي كل مجرة منها بلايين الشموس ، ومن كل اؤلئك يتكون عالمنا الحاضر.. ونحن لا نكاد نرى بعيننا المجردة ، الا مجرة واحدة ، هي ما نسميه " بمجر الكبس" ، وهي وشاح يلف نظامنا الشمسي لفاً، نرى بعضه ، ويغيب عنا في الجانب الآخر من الارض بعضه . ويقع اقرب شموس هذه المجرة الينا ، على بعد 20 الف سنة ضوئية . والسنة الضوئية مسافة مقدارها 6 مليون مليون ميل . ونحن بواسطة المنظار الفلكي ، نرى مجرات على بعد بليوني سنة ضوئية ، وبعبارة أخرى ، انا نرى هذه المجرات بالضوء الذي غادرها الينا قبل بليوني سنة !! ومعلوم ان الضوء يسير بسرعة 186 ألف ميل في الثانية الواحدة ، ومع ان هذا المنظار الفلكي ، الذي يرينا الشموس على بعد بليوني سنة ، هو أقوى منظار يعين العين البشرية على الرؤية البعيدة ، الا ان الفلكيين المعاصريين لا يرونه كافياً لسبر اغوار الفضاء ، وينتظرون من المنظار اللاسلكي " منظار الراديو" ، الذي يسجل الموجات الصوتيه المنبعثة من المجرات ، التي قد تبعد منا نحو خمسة او ستة بلايين سنة ، ان يحل محل المنظار الحاضر، ليعطي فكرة ادق عن العوالم ، التي تحيط بنا.. وحتى هذا لا يحسب شيئاً ذا بال ، في هذه الاكوان الرهيبة ، التي تكون عالمنا العجيب !! وهذا العالم العجيب ، ما نشهده منه وما يغيب عن شهودنا ، ولا يشهده الا الله " ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم" ، يؤثر في حياتنا اليومية تاثيراً مباشراً..

    وهذه الذرّة البدائية الاولية ، التي بتفتتها، ثم تجمعها وتكاثفها ، كونت العوالم المرئية وغير المرئية ، لا تزال تتفتت ، وتتناثر، وتنشأ منها النجوم ، وترسل في الكون الضياء .. فان دراري السماء ، تتناسل كما تتناسل ذراري الأرض، ويتسع الفضاء لنسلها ، كما تتسع الأرض لنسل احيائها ..واستمرار تفتت هذه الذرّة البدائية ، يعلل الملاحظة التي توصل اليها الفلكيون المعاصرون ، وهي ان الكون لا يزال يتسع الى اليوم وتتباعد نجومه ... وداخل هذا النطاق المشرق المضروب حولنا ، يوجد عالمنا الصغير الذي نسميه النظام الشمسي . وهو يتكون من اسرة صغيرة ، قليلة ، ضئيلة ، هي أسرة الشمس من الكواكب السيارة ، وهي عطارد ، والزهرة ، والارض ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل ، واورانس ، ونبتون ، وبلوتو.. ويبعد اقصاها ، وهو بلوتو، عن الشمس مسافة 3670 مليون ميل . بينما أقرب نجوم النطاق المشرق ، المضروب حولنا ، الى الشمس يبعد بمسافة 26 مليون مليون ميل !! وتطور حياتنا في هذا النطاق ، تحكيها الآية التي ذكرتها آنفاً ، بنفس القدر الذي تحكي به هذه الآية ، خلق الاكوان جميعها، وتلك الآية هي قوله تعالى " أولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلايؤمنون * وجعلنا في الأرض رواسي ان تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتنا معرضون * وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)...

    ولقد أجمع الفلكيون ، في الوقت الحاضر، ان الاسرة الشمسية من الكواكب السيارة ، كانت جميعها كتلة واحدة مع الشمس ، ثم حصل ان نسلت عنها ، واخذت مداراتها حولها ، وبردت على اقدار متفاوته ، وفقدت نورها ، أو القدر الذي كانت تملكه ، عندما كانت جزءاً من أمها الشمس ، واصبحت لا نور لها ، الا ما تعكسه على صفحتها ، من نور الشمس .. ويكاد يجمع الفلكيون ، على ان انفصال الارض عن الشمس ، حصل قبل حوالي خمسة بلايين سنة . ومن وقتها، أخذت تبرد، وتتهيا للحياة ، ببروز تربتها ، ومياهها ، ومناخها ، الذي كان يغلب عليه ، مركبات غاز الهيدروجين ، كبخار الماء مثلاً ، وقد ظهرت الحياة بين الماء والطين ...) [32]

    لخص لنا الكاتب نظرية دارون باختصار شديد في انها تعتمد على ان تقرير دارون ان التطور يحدث بسبب استجابة الكائن الحي لتحديات البيئة . ولقد كان دارون يعتقد ان الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي هو الطريقة التي تستجيب بها الكائنات الحيّة لتحديات البيئة . على ان الفهم الجديد القائم على علم الوراثة الحديث يرى كما يحدثنا دوبزانسكي ان المادة الخام للتطور هي الجينات المغايرة التي تنتج عن الطفرات الوراثية . إن مهمة الاختيار الطبيعي حسب رأي الكاتب هي ان يضبط الطفور بحجز الطفرات القليلة المفيدة وترك الطفرات العديدة الضارة تمر. لاشك في ان محاولة الكائن الحي في سعيه للتواءم مع البيئة ذات اثر على تطوره العضوي . كما ان قانون الاختيار الطبيعي القائم على قاعدة البقاء للأصلح امر محسوس لا يمكن انكاره والى الصراع في البيئة وكونه السبب في ابراز الحواس جاء قوله تعالى ( أنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) .. فكلمة "نبتليه " تشير الى الصراع ، في البيئة ، و"سميعاً بصيراً" تشير الى الحواس ، التي برزت الواحدة تلو الاخرى ، بحسب الحاجة اليها .. على ان الصراع في البيئة ، والطفرات الوراثية في الجينات ، ليست أمراً تلقائياً عشوائياً . وانما هو موضوع مخطط ، ومدبر، بدقة شديدة ، على نحو تدبير المجرات، وسرعتها ، ومقدار الجاذبية التي تشدها لبعضها البعض ، والغازات التي تتفاعل في سطحها ، وما يمكن ان تنتجه من نجوم جديدة . ولعل اكبر سلبيات نظرية دارون ، انها لم تر وراء الاختيار الطبيعي ، القوة المدبرة له . وهو ما سنعرض له بتفصيل،عندما يناقش الكاتب تفاصيل النظرية ، في الفصول اللاحقة .

    لقد أثار دوبزانسكي سؤالاً جوهرياً هو: هل هناك قانون واحد للتطور، في المرحلة غير العضوية ، والمرحلة العضوية ، أم ان لكل مرحلة قانونها ، يقول (ببساطة شديدة فان الظواهر في المستويات غير العضوية ، والعضوية ، والانسانية ، تخضع لقوانين مختلفة خاصة بتلك المستويات. ليس ضرورياً ان نفترض عدم قابلية هذه القوانين للتعميم الاختزالي ، لكنه ليس مجدياً ان نصف ظواهر المستوى الاعلى ، بقوانين المستويات الادنى ) [33] .. والحق ان القانون واحد ، لأن العقل الكلي الذي يقوم فيه ذلك القانون واحد . ولكن في كل مرحلة من مراحل التطور، يعبرالقانون عن نفسه بطريقة مختلفة . يقول الاستاذ محمود (لقد حدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الانسان .. تحدثنا عن المرحلة الاولى ، فقلنا : ان بدايتها في الأزل ، حيث برز الانسان في الجسد ، في المادة غير العضوية – تلك التي نسميها اصطلاحاً ميتة – ونهايتها عند دخول المادة العضوية في المسرح .. وتحدثنا عن المرحلة الثانية ، وقلنا : ان بدايتها عند ظهور المادة العضوية – تلك التي نسميها ، اصطلاحاً حيّة -ونهايتها عند ظهور العقل .. ويتضح لنا ، من هذا ، ان الشبه كبير بين المرحلتين : الاولى والثانية ، فهما معاً مرحلة الجسد الصرف ، على اختلاف مستوياته ، من ذرة بخار الماء ، والى اعلى الحيوانات الثدية ، ما خلا الانسان .. وأما المرحلة الثالثة فهي تتميز عن المرحلة الثانية ببروز العقل من الجسد ، وهو عنصر جديد وخطير .. وأما المرحلة الرابعة فهي تتميز من المرحلة الثالثة بدخول الحاسة السادسة ، والحاسة السابعة في المسرح ، وتلك درجة جديدة ، من درجات الترقي ، تصبح بها الحياة البشرية شيئاً جديداً ، مختلفاً عما الفنا من قبل .. ولذلك فاننا نستطيع ان نقول : ان لدينا ثلاث مراحل لنشأة الانسان : مرحلة الجسد الصرف ، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين ، واخيراً مرحلة الجسد والعقل المتسقين .. ولقد تطورت ، الى الآن ، الحياة على هذا الكوكب في مضمار المرحلتين الاولى والثانية فهي قد كان تطورها الاول تطوراً عضوياً صرفاً، ثم لما بدأ بروز العقل، بفضل الله ، ثم بفضل التطور العضوي الصرف ، أخذت في تطورها الثاني وهو تطور عضوي-عقلي .. وهذا الطور هو الذي نعيشه نحن الآن ، واني لارجو ان نكون انما نعيش في اخريات أيامه .. وسيجئ يوم قريباً ، يصبح التطور فيه عقلياً صرفاً ، في مقابل البداية بالتطور العضوي الصرف، الذي كانت به بداية الحياة ..) [34] . فالارادة الإلهية هي القانون الاساسي ، المسير للوجود ، والذي بالقرب منه ، ودقة محكاته ، تجئ القوانين الرفيعة التي تحكم حياة الناس . على ان دويزانسكي نفسه يقول (ومع ان العمليات الفيزيائية والكيمائية التي تجري في الاجسام الحية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تجري في الطبيعة العضوية ..... ) [35] ولكنه لا يقف عند مقولته هذه . فلو تدبر ما قال ، لعلم انما كان ذلك كذلك ، لأن القانون في طبيعته واحد كما قررنا.

    وعن كيفية تطور الانسان من الحيوان ، يستأنس الكاتب برأي بريزنت الماركسي الذي يقول (حيثما نشأ ، فلا بد ان المجتمع الانساني جاء من العالم الحيواني ، وقد كان العمل ، صيرورة الانتاج ، هي التي جعلت من الحيوان البشري إنساناً " [36] وهذا الرأي فصله أنجلز، وتبناه الماركسيون من بعده ، وخلاصته ان الانتاج وتقسيم العمل ، والصراع الطبقي ، هو الذي طور المجتمع البشري ، وخلق الفكر الانساني ، وميز الانسان عن الحيوان . يقول إنجلز :


    According to the materialistic conception, the determining factor in history is, in the final instance, the production and reproduction of the immediate essentials of life. This, again, is of twofold character. On the one side, the production of the means of existence, of articles of food and clothing, dwellings, and of the tools necessary for that production; on the other side, the production of human beings themselves, the propagation of the species. The social organization under which the people of a particular historical epoch and particular country live I determined by both kinds of production: by the stage of development of labor on one hand and of the family on the other ….In the collision of the newly-developed social classes, the old society founded on kinship groups is broken up ; in its place appears a new society, with its control centered in the state, the subordinate units of which are no longer kinship associations, but local associations; a society in which the system of the family is completely dominated by the system of property, and in which there now freely developed those class antagonisms and class struggle that have hitherto formed the content of all written history. [37]


    ومع صحة القول بالتداخل ، بين تطور الاسرة وتطور الانتاج ، واثر ذلك على تطور عقل الانسان ، وصنع الحضارة إلا ان التاثيرالاعمق والآصل ، هو ما حدث في النفس البشرية ، ثم انعكس على المجتمع .. فلقد اثرت البيئة على نفس الانسان ، ودفعته دفعاً ليخلق المجتمع ويطوره. لقد وجد الانسان البدائي نفسه في بيئة تكتنفه بالعداوة . فقوى الطبيعة تتصرف وكأنها لا تحفل بموته أو بحياته . فالنيران تندلع في الغابات فتقضي عليه دون رحمة . والزلازل ، والاعاصير، والفيضانات ، تحطم كهفه ومسكنه . والحيوانات المفترسه تطارده لتاكله ، وهو في فراره بحياته ، لا يملك الا ان يطارد حيوانات أخرى ، يعتمد على لحمها كغذاء وجلدها ككساء. وهذا الصراع المرير، دفع الانسان ان يسعى لحماية نفسه ، بكل سبيل ، ويحتال لذلك شتى الحيل . فاتخذ الكهوف يختبئ بها ، واعالي الجبال يحتمي فيها ، واتخذ السلاح من الحجر، وصنع الحبال من لحاء الاشجار، والعصي من فروعها . ورغم ان هذا ساقه الى الادوات والعمل ، وطور من عقله ، الا ان اكبر اختراع للانسان البدائي ، انما هو المجتمع .. وهو من اجل ان ينشئ المجتمع ، ويتعايش افراده ، ويتحدوا على عدوهم ، أنشأ القوانين البدائية ، التي قيدت شهوة الجنس ورغبة التملك . فأوقعت تلك القوانين، أقصى العقوبة على من يعتدي على نساء رجل آخر، أو من يسرق فأس أو سكين جاره . ومن هنا بدأ الكبت يقع على نفس الانسان ، وتوسع بذلك خياله ، وزاد ذكاؤه حتى يتجنب تلك العقوبات الرهيبة . وبالاضافة للخوف من المجتمع ، نشأ الدين في الاساس كخوف من قوى الطبيعة ، التي عجز الانسان من مقاومتها ، ورسخت في نفسه رهبة دفعته للتذلل اليها ، والتقرب لها ، فقرب لها القرابين ، وعبدها ، ومن هنا نشأ الدين البدائي التعددي في الأرض، وفي مرحلة متأخرة من حيث الزمن ، ألمت به اسباب السماء ، فهذبته باديان التوحيد . لقد ربط الانسان البدائي ، بين رضا الآلهه ورضا الجماعة ، فتعمق الكبت على الغريزة ، لانه علم ان الآلهه لا تغفل عنه ، اذا غفل رقيب الجماعة. فالتزم بقانون الجماعة خوف الآلهه ، ومن هنا نشأ الضمير، كرقيب على الفرد من داخله ، أقوى من الرقيب الجمعي ، الذي تمثله قوانين المجتمعات البدائية القاسية .هذا الكبت ، الذي ضبط الغريزة ، ووجه الشهوة ، وبه بدأ الفرد يمارس حسن التصرف في الحرية ، ويحتاط من الخطأ ، هو الذي انجب الذكاء البشري ، وهو الذي ابرز الانسان من الحيوان ، في تطور وئيد. فالانسان ارتفع من الحيوان وتميز عليه بهذه القيمة الخلقية ، وليس بمجرد العمل ، كما ظن الماركسيون.

    لقد تحدث دوبزانسكي ، عن اشكالية قبول ظهور الانسان من الحيوان ، لدى البعض ، بسبب ما يرونه من اختلاف بين الانسان والحيوان . فملكة التصور المجرد ، والتفكير، والمقدرة على استيعاب الرمزية ، جعلت هؤلاء يشككون حتى في وجود صفات الانسان في الحيوان ، ولو جزئياً . وكنموذج للاختلاف الفكري طرح الكاتب موضوع اللغة واعتمد على دراسات هوكيت 1959 وآشر 1964 ، وما قدماه من شرح ، بان نداءات الحيوان ، أو اشاراته تقصي بعضها البعض تبادلياً. بمعنى ان الحيوان قد يستجيب لاحد المواقف ، بواحدة او اخرى من زخيرة نداءاته ، او قد يبقى صامتاً ، بينما اللغة الانسانية منتجة ، بمعنى ان الانسان يصدر الفاظاً ، لم يحدث ان صدرت عنه او عن غيره ، وهي مع ذلك مفهومة لمن يعرف تلك اللغة . والانسان يستطيع ان يتحدث عن اشياء ، ليست في نطاق رؤيته ، وعن الماضي ، والمستقبل، وعن الاشياء المتخيلة.

    ومع ان القول بان الانسان أرقى ، واكثر تعقيداً ، من حيث فكره ، ومن ثم لغته ، حق ، الا انه لا يعني ان الحيوان ليس لديه لغة . ولقد بدا الانسان بمحاكاة اصوات الحيوان ، او قوى الطبيعة ، ثم من اجل الاتصال ، الذي يعمق روابط الجماعة ، قيد بعض الاصوات ، في مفاهيم تعارف عليها المجتمع ، استطاع في مرحلة متأخرة ، ان يقيدها بالرسم فجاءت الكتابة . فاذا كانت الحيوانات تطلق اصوات ، ذات دلالات تعين على الاتصال ، بين افراد القطيع ، كما قرر هؤلاء العلماء ، فان هذه لغة ، وان قصرت عن لغة الانسان ، وقصر الانسان عن فهم دلالاتها. أما سليمان الحكيم عليه السلام ، فقد كان يفهم لغة الحيوانات . ولقد قص علينا القرآن من نبأه ، في قوله تعالى ( وورث سليمان داؤود وقال يا ايها الناس علمنا منطق الطير واتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى اذا اتوا على واد النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي انعمت عليّ وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) .. ولا يعني هذا ان النملة تكلمت باللغة العبرانية ، وانما اتت من الحركة والصوت ، ما ألهم سليمان فهمه. ومهما يكن من أمر اللغة ، وانتاجها ، والحاجة الى الى التصور المجرد ، والرمزية ، لتفعيل مدلولاتها ، فانها نتاج تطور اجتماعي . وكلما ترقى المجتمع ، وتعقدت اساليب حياته ، تعمقت مدلولات اللغة ، التي تعبر عن ذلك الواقع . ولما كانت حياة الحيوان ، أبسط من حياة الانسان ، كانت لغته اكثر محدودية ومباشرة .

    يطرح الكاتب ، الجدل القديم ، عن هل خلق الكون بالصدفة أم بتخطيط مسبق ؟ ولكنه لا يقف طويلاً عند هذا الموضوع ، ويعد بانه سيتطرق اليه بتفصيل في الفصول القادمة. وهو على العموم ، لا يوافق على الصدفة المحضة ، او العشوائية التامة . وانما يقبل العشوائية بتفسيره هو لها ، ويعتقد ان كثير ممن رفضها ، انما رفضها بسبب فهم غير دقيق لمعناها . فالكاتب يرى انه مع ان الطفرات الوراثية ، لا تنشأ حيثما وحينما تكون هناك حاجة لها ، ولا تحدث الطفرات المفيدة فقط ، الا ان الطفرات مع ذلك ليست عشوائية . وهو يرى انها ليست عشوائية ، لان ماهية الطفرة التي تحدث في جينة معينة ، تحددها بنية تلك الجينة . ثم ان الطفرات ليست التطور، وانما هي المادة الخام ، التي يوجهها الاصطفاء الطبيعي ، لتحقق التطور. أنه يرى ان الاصطفاء الطبيعي ليس صدفة ، الا بمعنى ان معظم الطواقم الوراثية في عشيرة ما ، لا تملك تمييزاً مطلقاً بالنسبة للطواقم الوراثية الاخرى. ويرى ايضاً ان الاصطفاء الطبيعي (يمنح معنى تكيفياً للفوضى النسبية لتوليفات الجينات الطافرة التي لا حصر لها . وهو يفعل ذلك دون ان تكون له ارادة أو قصد او بصيرة[38] "ادراك للمستقبل"). هذا ما قاله الكاتب ، الا ان القائلين بالعشوائية ، يرون ان بنية الجينة نفسها ، تتشكل عشوائياً، وما دام هي التي توجه الطفرة فالطفرة اذن عشوائية . ولعل دوبزانسكي يوافق على العشوائية ، من حيث لا يدري، وذلك حين يقرر في ثقة ، بان الاصطفاء الطبيعي حين يمنح التكييف ، لفوضى الجينات الطافرة ، انما يفعل ذلك دون ارادة ، او قصد ، او ادراك للمستقبل، أي يفعل ذلك عشوائياً . والحق ان الدقة التي تنتظم الكون ، من الدراري الى الذراري ، لا تدع مجالاً للصدفة أو لعدم القصد ودقة التخطيط والتنظيم . ويمكن ان نسوق الأمثلة على ذلك ، حين يتطرق الكاتب للموضوع بتفصيل.

    واذا انتفت الصدفة ، فان ذلك يعني الحتمية ، لانه يعني القصد المبيت ، والقانون المحكم ، الذي قام قبل وجود التطور، وكان الموجه له عبر المراحل المختلفة . يقرر الكاتب ان هناك تفسيران للتطور: يرى احدهما ان كل التغيرات التطورية التي حدثت ، كان حدوثها مقدراً حتماً بالصورة التي حدثت بها . ويرى الرأي الآخر انه ربما كان هناك عدة طرق مختلفة ، لحل مشكلة التواؤم في نفس البيئة . وان أي طريقة من هذه الطرق ، استعملت في التطور، استطاعت ان تهرب من الحتمية . وبطبيعة الحال ، فان وجود عدة خيارات لمسار التطور، لا ينفي الحتمية لأن الارادة التي فرضت الحتمية ، تطرح الخيارات كوسيلة من وسائل التربية وتعلم التواءم مع البيئة . ولكن الخيار الذي يسير فيه التطور، هو المقدر سلفاً للنوع المعين ، الذي ظن انه اختاره بمحض ارادته او بمحض الصدفة .

    إن ما يدل على الحتمية ، هو معرفتنا بان للتطور غاية هي تحقيق الكمال. ولهذا ارتفع الوجود من مرحلة الغازات الى مرحلة السوائل ، الى مرحلة الجمادات ، ثم الخلية النباتية ، فالخلية الحيوانية ، فالزواحف والطيور والثديات ثم الانسان . والانسان نفسه يتطور من جهل الى علم ، غايته تحقيق الكمال المطلق ، وهذا هو السير السرمدي . والى هذا السير العظيم ، وغايته المجيدة ، اشار تبارك وتعالى بقوله ( يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه ) .. ومعلوم ان ملاقاة الله ، انما تكون بتخلضنا من نقائص صفاتنا ، وتحقيقنا لكمالات صفاته .. وهذا لا يتأتى الا بمنهاج في التعامل مع الله ، وانشاء علائق المحبة معه ، والتعامل مع الناس بالخلق الرفيع . من اجل ذلك ذكرنا ان أهمية التطور، تكمن في استفادتنا من معرفة معنى حياتنا ، وربطها بمصدرها ، الذي عنه صدرت في سحيق الآماد.

    د. عمر القراي

    [1] ف3ص1
    [2]المصدر السابق
    [3]المصدر السابق
    [4]المصدر السابق
    [5]ف3 ص2-3
    [6] Cybernetic
    [7]- ف3 ص5
    [8]ف3 ص6
    [9]-ف3 ص7
    [10]ف3 ص6
    [11]ف3 ص7
    [12]ف3ص8
    [13]ف3 ص9
    [14]ف3 ص11
    [15]ف3 ص 12
    [16]المصدر السابق
    [17]ف3ص13
    [18]ف3ص17
    هي الكلمة في النص foresight[19]
    [20]ف3ص1
    [21]ف3 ص 5
    [22] الكتاب المقدس . دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط . ص2-3
    [23] وليم وهبة (محرر) : دائرة المعارف الكتابية . القاهرة : دار الثقافة . المجلد الرابع ص270
    [24] المصدر السابق ص270-280
    [25] المصدر السابق ص270
    [26] المسعودي : مروج الذهب الجزء الأول ص 23-26
    [27]ف3 ص2-3
    [28]محمود محمد طه : مسودة لم تنشر 21 أكتوبر 1958
    - David Perlman: San Francisco Chronicle July 12, 2001[29]
    [30] للمزيد من التفصيل عن موضوع التطور يمكن الرجوع الى كتاب رسالة الصلاة للاستاذ محمود . الكتاب يوجد على العنوان الالكتروني www.alfikra.org
    [31]John Gribbin (1981) Genesis: The Origin of Man and the Universe. New York: Delacorte Press. P. 5-6
    [32]محمود محمد طه : مسودة لم تنشر 21 أكتوبر 1958
    [33] ف3 ص6
    [34]محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة –الطبعة الخامسة . أمدرمان ص27-28
    [35]ف3 ص7
    [36]-ف3 ص6
    [37] Frederick Engels, The Origin of the Family, private property, and the State. New York : international Publishers, 13thedition 1971. P5-6
    [38] foresight هي الكلمة في النص
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:38 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:41 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:43 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:49 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:50 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:51 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:52 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:53 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:54 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:56 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:57 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:58 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:01 AM
                                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:02 AM
                                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:03 AM
                                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:04 AM
                                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:14 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:06 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:08 AM
  رد Mohamed fageer04-02-08, 04:30 AM
    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:05 PM
      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:07 PM
        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:08 PM
          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:09 PM
            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:10 PM
              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:11 PM
                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:12 PM
                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:14 PM
                        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:15 PM
                          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:16 PM
                            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:23 PM
                              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:39 PM
                                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:47 PM
                                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:44 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:59 PM
                                      Re: رد عمار محمد حامد04-02-08, 07:21 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 00:40 AM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:30 AM
                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:34 AM
                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:36 AM
                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:38 AM
                                            Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:40 AM
                                              Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:45 AM
                                                Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:46 AM
                                                  Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:49 AM
                                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:52 AM
                                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:58 AM
                                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:03 AM
                                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:07 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 07:23 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:34 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:35 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:36 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:37 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:39 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:40 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:41 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:42 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:46 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:47 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:48 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:49 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:50 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:52 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:53 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:54 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:55 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:56 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:04 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:06 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:08 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:09 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:10 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:11 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:12 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:13 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:14 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:15 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:16 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:17 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:18 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 03:33 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:06 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:44 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:04 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:05 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 11:34 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 03:19 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 00:31 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-06-08, 04:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de