الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 08:27 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-23-2008, 00:46 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لا سلام من طرف واحد
    انني مفكر حر ولست سياسياً بمعنى انني لا انتمي لأي حزب سياسي لكنني أؤمن بمقولة سبق ان وردت على لسان الأستاذ عبد الباسط سبدرات وهي ان الإنسان بطبعه سياسي ولذلك سولت لي نفسي ان أطلق على الأستاذ سبدرات لقب حكيم الإنقاذ ان كان في الإنقاذ حكمة.
    وما دفعني للكتابة هذه المرة هو ما خطه قلم الأستاذ نبيل أديب في عموده المنشور بصحيفة الميدان الغراء بتاريخ 5 مارس 2008 تحت عنوان (الرجل الثاني) حيث ذكر ان الرجل الثاني وهو الرئيس الراحل أنور السادات قد نكص عن الخط الاشتراكي الذي رسمه الرجل الأول وهو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
    إذن لماذا يمجد الأخوان الجمهوريون الرئيس الراحل أنور السادات مع كونه قد حاد عن الخط الاشتراكي وسبب التمجيد هو توقيع الرئيس السادات على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل حدث هذا والأخوان الجمهوريون يؤمنون باشتراكية الإسلام ومما لا شك فيه عندي هو ان الاشتراكية تمثل ذروة سنام القيم الإنسانية وبالتالي الإسلامية ومن يحيد عنها لا يستحق التمجيد.. أضف إلى ذلك ان الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيعه على تلك الاتفاقية قد أوهن الأمة العربية باخراج أقوى دولها عن دائرة الصراع.
    ذلك ربما مرده إلى أمرين وهما ان دعوة الأستاذ الشهيد محمود محمد طه هي دعوة سلام ولأن الجمهوريين لا يرون في السلفيين الذين عارضوا الاتفاقية ثم إغتال أحدهم الرئيس الراحل أنور السادات خيراً.
    لكنني أذكر اخواني الجمهوريين بحقيقتين هما أدرى بهما من غيرهم وهما انه لا يوجد سلام من طرف واحد وليس في الوجود باطل مطلق.
    صلاح عباس وشي
    المحامي

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147527376&bk=1
    _________________
                  

04-23-2008, 03:36 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الترابي والفكرة الجمهورية

    2006/01/23

    تعقيبا علي ما كتبه المحبوب مذكرات ـ اجتهادات الشيخ الترابي في القدس العربي العدد 5172 السبت الاحد 14 ينارير 2006 . كتب المحبوب الاتي عن حد الردة اما القضية التي يطبق عليها حد الردة فقد جاءت بعد محاضرة بجامعة الخرطوم حول قضايا تطبيق الشريعة عام 1979 تحديدا من تلامذة الفكر الجمهوري، الذين استنكروا اجتهاد الشيخ الترابي المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل واصــدروا ذات ليلة المحاضرة كتابا يحمل عنوان الترابي يخرج علي الشريعة باسم تحكيم الشريعة ، وهذا علي اي حال الرأي الذي تبناه غالب رموز الفكر الاسلامي المعاصر المستشار سالم الهنداوي والدكتور محمد سليم العوا والدكتور طه جابر العلواني :
    1 ـ اولا كان نقد الاخوان الجمهوريين لمشروع تطبيق ما يسميه الاخوان المسلمون الشريعة في عهد نميري والذي اضحي و قوانين سبتمبر 1983 لاحقا، وليس كان امر حد الردة، حيث لا يؤمن اصلا الجمهوريون بوجود هذا الحد في الشريعة الاسلامية الحقيقية التي طبقها الرسول في القرن السابع.. ولهم باع كبير في ذلك، بينما سلاح تكفير الخصوم هو من اكبر ممارسات الاخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم المحبوب وشيخه.. والذي ترجمها عمليا اعدام الاستاذ محمود محمد طه صاحب الفكرة الجمهورية في 18 يناير 1985 بالتهمة عينها التي نفي الترابي اعدام صاحبها، وكان الترابي في تلك الفترة مستشارا لرئيس الجمهورية.
    2 ـ تمت ادانة الاستاذ محمود بتهمة اثارة الكراهية ضد الدولة في محكمة لموضوع يرأسه القاضي المهلاوي، لانه كتب منشورا يدين فيه التطبيق المشوه للشريعة.. تحت مواد امن لدولة (المادة 96أ و105ط).
    3 ـ وفي محكمة الاستئناف حول القاضي المكاشفي التهمة من اثارة الكراهية ضد الدولة الي ردة.
    4 ـ تم تنفيذ حكم الاعدام علي الاستاذ محمود رغم ان المادة 246 من القانون الجنائي تمنع اعدام الشخص الذي تجاوز السبعين سنة.. وكان عمر الاستاذ محمود انذاك 76 سنة فهو من موليد 1927 في مدينة رفاعة، وبذلك تجاوزوا حتي مواد القانون الجنائي، وبذلك يكون المحبوب تلميذ الترابي المخلص يريد اعادة تسويق شيخة في منبر القدس لعربي الصحيفة المحترمة لدي كل القوي المستنيرة في الوطن العربي.. وعليه ان يرد علي هذا السؤال؟
    اذا كان الشيخ الترابي مفكرا ملتزما بما يقول، فلماذا سكت عن هذه الجريمة الشنيعة في حق هذا الرجل الجليل الذي اعدم بسبب منشــــور والشيخ انذاك جزء من سلطـــة نميـــري وهو القائل سنة 1979 بعدم جواز قتل المرتد ردة فكرية بــــحتة، وبذلك خالف النص القرآني الذي يدعو لمطـــابقة القول مع الفــــعل قال الله تعالي (يا أيها الذين امنوا لما تقولوا ما لا تفـــعلون كبر مقتا عند الله ان تقــــولو ما لا تفعـــلون) صدق الله العظيم.
    ونهيب بقراء صحيفة القدس الاجلاء الذين يريدون معرفة المزيد عن الفكرة الجمهورية زيارة موقعها علي شبكة الانترنت www.alfikra.org .

    عادل الامين ـ اليمن
    [email protected]



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\01\01-23\r...لفكرة%20الجمهوريةfff
    _________________
                  

04-23-2008, 03:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وفاة بدر الدين مدثر عضو القيادة القومية لحزب البعث

    2006/01/27

    الخرطوم ـ القدس العربي :
    توفي امس في الخرطوم الاستاذ بدر الدين مدثر سليمان عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وتورد القدس العربي سيرة مختصرة للاستاذ بدر الدين مدثر، فقد تخرج من جامعة القاهرة فرع الخرطوم كلية القانون في سنة 1962م ويعتبر من المؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي مع الاساتذة محمد سليمان الخليفة ومحمد بشير وشوقي ملاس. تعرض الاستاذ الي الاعتقال عقب انقلاب ايار/ مايو 1969م واستمر الاعتقال حتي العام 1974 م وبعدها غادر الي العراق بتوجيه من القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي المؤتمر القومي العاشر للحزب عام 1978م تم انتخابه عضوا في القيادة القطرية ونائبا للامين العام للحزب. عاد الاستاذ الي السودان بعد الحرب العالمية ضد العراق بقيادة امريكا (..).
    وقد اصدر حزب البعث السوداني بيانا جاء فيه :
    توفي اليوم (امس) في الخرطوم الاستاذ بدر الدين مدثر سليمان عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. منذ ان انتسب الفقيد الي حزب البعث اوائل الستينيات، واحدا من اول اثنين من السودان، كرس بدر الدين مدثر حياته كلية لعمل الحزب كمناضل ومنظم وقائد سياسي من الدرجة الاولي مستغنيا عن حياته الخاصة كلية. وحتي عندما غادر السودان الي العراق منتصف السبعينيات فإنه فعل ذلك نتيجة عجز الحزب وقتها عن تأمينه نظرا لتجاوز حجمه السياسي، وبالتالي التركيز الامني عليه، قدرات الحزب. ورد عنه في مقال كتبه عبد العزيز حسين الصاوي قبل بضعة اسابيع انه كان علي قائمة الاعتقال التحفظي ابان حكم الجنرال عبود كلما حانت مواعيد الذكري السنويه لاعياد النظام وهو بعد طالب جامعي وانه ذو همة وقاده وذكاء سياسي حاد وانه لم يكن ممكنا التغلب علي العقبات الخطيرة التي جابهت عملية تأسيس الحزب وكادت تقضي عليه في مهده، دون هذا الحضور الاستثنائي.
    وفي العراق واصل بدر الدين عملية تأسيس الحزب في السودان بدقة ومثابرة يومية حتي تجاوز هذه المرحلة الحرجة واضح بعد ذلك قوة سياسية فعالة الي درجة دفعت دكتاتورية نميري الي محاولة شل حركته عبر محاكمة فكر البعث الشهيره عام 1984 بنفس المواد التي اغتيل بها الشهيد محمود محمد طه. فقد كانت الخطة تستهدف ادانة فكر البعث بالكفر ودغم منتسبيه بالردة فإذا تنصلوا عنه قتلوا معنويا واذا رفضوا تعرضوا للموت. وفي الاطار القومي سرعان ما لفتت قدرات الاستاذ الراحل الاستثنائية الانظار فصعد الي اعلي مؤسسة بعثية وهي القيادة القوميه مؤديا دورا قياديا في تأسيس تنظيمات بعثية في اقطار مثل موريتانيا ومصر ضمن مهام اخري، حتي اصبح اهم شخصية غير عراقية في القيادة.
    ان حزب البعث السوداني اذ ينعي الي الشعب السوداني والامة العربيه هذا الفقيد الكبير بكل الحزن والاسي، فان دوره المتميز في تأسيس الحزب بالسودان سيظل محفورا في ذاكرتنا مقرونا بالامتنان والعرفان، فضلا عن سجاياه الشخصية الحميدة، رغم الخلافات التي نشأت مع الفقيد العزيز والقيادة القومية حول قضية التجديد الديموقراطي وادت الي انفصالنا عنها.
    نتقدم بعزائنا القلبي للاخوة في حزب البعث العربي الاشتراكي (القطر السوداني) وفي قيادة حزب البعث القوميه واعضائه في ارجاء الوطن العربي. ولا يفوتنا ان نزجي خالص عبارات المواساة ومشاعر المشاركة الوجدانية الصادقة لاسرة الفقيد، واشقائه وشقيقاته وابنته وبصورة خاصه والدته السيدة فاطمة التي وهبت اسرتها للحزب بسخاء نادر متحملة مشاق التقلبات الكبيره واخرها تدهور الحالة الصحية لابنها البكر حيث بقي الراحل الكبير منذ عودته من بغداد قبل ما ينوف علي العامين يعاني من مضاعفات خطيرة لضغط الدم والسكر. رحم الله الاستاذ بدر الدين مدثر سليمان واسكنه فسيح جناته.
    حزب البعث السوداني
    25 كانون الثاني (يناير) 2006



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\01\01-27\s...20لحزب%20البعث%20fff
    _________________
                  

04-23-2008, 03:38 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة

    2006/04/25

    بمحض المصادفة توافقت الضجة التي أثارها الشيخ الدكتور حسن الترابي بآرائه الأخيرة في قضايا خلافية في الفكر الإسلامي مع صدور كتاب عن الفكر الإسلامي الحديث كنت أحد المساهمين فيه بفصل عنوانه حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة . محرر الكتاب المذكور (والذي يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد) هو الدكتور إبراهيم أبوربيعة، المحاضر في معهد هيرتفورد بالولايات المتحدة وعنوانه:
    The Blackwell Companion to Contemporary Islamic Thought
    ويتناول الكتاب الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه. وفي الفصل الذي قمت بإعداده تناولت بالتحديد الإنتقادات والجدل الذي أثارته اجتهادات الشيخ الترابي بدءاً من حكاية حديث الذبابة، وتشكيكه في صدقية بعض الصحابة وفي عصمة الأنبياء وموثوقية صحيح البخاري، وآرائه حول المرأة والردة وزواج المسلمة من الكتابي وغير ذلك. ومن الصعب بالطبع تلخيص كل ما ورد في ذلك النقاش الأكاديمي المفصل والمتعمق لمساهمات الشيخ الترابي وردود الفعل حولها في هذه العجالة، خاصة وأنها تعتبر تكملة لكتابين تناولت فيهما بشيء من التفصيل مساهمات الشيخ، هما ثورة الترابي (1991)، وكتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان (1995). ولكن يمكن هنا إعطاء بعض الإشارات التي تعين علي فهم بعض الجدل الدائر حالياً حول اجتهادات الشيخ، وهو جدل قديم جديد تنبع أهمتيه من أنه لا يعبر عن الإشكاليات التي تطرحها آراء فرد، بغير ما هو انعكاس لأزمة تواجه كل محاولات إحياء الاجتهاد في العصر الحديث.
    فالضجة التي ثارت حول رفض الترابي لحديث الذبابة تجسد في جوانبها المختلفة أزمة أي محاولة لتحديث الفكر الإسلامي في وجه النظرة التقليدية السائدة. ذلك أن حديث الذبابة يمثل حالة نادرة من تعارض نصوص إسلامية معتمدة (في هذه الحالة حديث ورد في صحيح البخاري) مع اكتشافات قطعية خرج بها العلم الحديث. فهناك إجماع بين العلماء علي أن الذبابة تنقل الأمراض فوق ما عرف بأنها تنقل القاذورات. وبالتالي فإن اتباع نصيحة الحديث المنسوب إلي الرسول صلي الله عليه وسلم بغمس الذبابة في الشراب الذي تقع فيه بدلاً من إخراجها تتناقض في ظاهرها مع صريح العلم، رغم أن الحديث المزعوم يقدم ما يشبه نظرية المضادات الحيوية بالقول بأن جسد الذبابة يحمل معه ما يشفي مما تحمله من أمراض. ولا بد من أن نذكر هنا أن الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث كان من أهم أسباب تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية علي الحياة.
    الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلي تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ...)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلي مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها. وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً، بدأ برفض سلطة حديث الذبابة جملة وتفصيلاً، وتدرج إلي ذلك بعد أن بدأ بالمنهج التقليدي، وهو التشكيك في صحة الحديث، وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ماورد في صحيحي البخاري ومسلم (وهو موقف لا يشاركهم إياه الشيعة). وحجة الترابي هي أن البخاري بشر غير معصوم، ولا بد أنه أخطأ في إسناد بعض ما أورده. ولكن حتي لو كان البخاري علي حق في روايته، فإن من المحتمل أن يكون الصحابي الذي نسب إليه الحديث قد أخطأ فيما نقل أو لم يفهمه كما يجب. والصحابة أيضاً ليسوا بمعصومين، بل إن بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير. وحتي لو تجاوزنا عن هذا وأثبتنا أن السند صحيح وأن الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلي الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا أن نرفض المقولة النبوية إذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلي الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين، وهو القائل أنتم أعلم بشؤون دنياكم كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة.
    من الواضح أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين هو التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب والعلمانيين من أبناء الإسلام، وهي انتقادات يستبطنها الإصلاحيون في أحيان كثيرة استبطانهم مبادئ مثل الإيمان بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ولهذا فإنهم يكونون في صراع مستمر مع أنصار النظرة التقليدية التي تري أن الإسلام يجب أن يؤخذ كما هو. ومن السهل علي الإسلاميين انتقاد ما يصفونه بأنه جمود تقليدي أو تفسير خاطئ للنصوص، أو غلبة موروثات غير إسلامية علي فهم الدين. ولكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ. الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز علي نصوص معينة دون أخري، وادعاء أولويتها. ولعل الحل الجذري الأبرز هو ذلك الذي لجأ إليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث إسلامي والبدء من جديد في استحداث تشريع إسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه إشكالين رئيسيين: الأول هو أنه حين كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، أحل محله رؤية تتطابق مئة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الإنسان، وهو تطابق حري بأن يجعل أي دعوي من هذا النوع مشبوهة. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج إلي دعوي بسند سماوي جديد، وتصريح إلهي مباشر من إلهام أو نحوه. أي بمعني آخر إن الأمر يحتاج إلي وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوي الجمهورية، وهو أمر يجعلها مشبوهة أكثر، خاصة عند أهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الأولي ولكن يصعب عليه تقبل محتواها الصوفي ـ الميتافيزيقي.
    الشيخ الترابي اتهم من قبل خصومه بأنه يقارب في دعاواه الإصلاحية الشطحات الجمهورية، ولكن الترابي لم يدع وحياً جديداً وإنما استصحب دعوي الحداثة الأكبر (ودعوي قدامي فلاسفة المسلمين حتي ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً علي أي سلطة أخري دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. من هذا المنطلق استخدم الترابي الأدوات الفقهية التقليدية، مثل التعمق في البحوث اللغوية والتاريخية، ونقد النصوص ومحاولة قراءتها قراءة جديدة ترفض القراءات التقليدية التي تلبست كما يري بمواريث تقليدية غير إسلامية، ترجع إلي حياة المجتمعات الإسلامية وقيمها السابقة علي الإسلام. علي سبيل المثال انتقد الترابي بشدة النزعة الأبوية في المجتمعات الإسلامية التقليدية وتغولها علي حقوق المرأة، بحيث أصبحت شــــؤون المرأة تكاد تكون الجانب الوحيد من الفقة الإسلامـــي الذي يرفض فيه التقليديون (علي غير ديدنهم) صريح النصوص التي تؤكد علي حقوق المرأة بدعوي أن ما كان يصلح للمجتمع النبوي ومجتمع صدر الإسلام لم يعد يصلح للمجتمعات اللاحقة التي لا يمكن أن تضاهي في صفائها الأخلاقي تلك المجتمعــات الطاهرة.
    الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين. فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو علي الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون بـ نقد العقل الإسلامي ، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين لا بقاء له خارجه. وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتي وقت قريب إلي مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين، وإن كان يتوجه بكثير من خطابه إليهم وإلي الغرب. فقد اضطر مثلاً إلي التراجع عن معظم أقواله حول زواج المرأة من كتابي وحد الردة والتشكيك في البخاري والعصمة النبوية أمام انتقادات التقليديين العنيفة. وقبل ذلك كان قد نشر كتيبه عن المرأة في مطلع السبعينات باسم مستعار في أول الأمر.
    وقد أدي هذا بدوره إلي ازدواجية في الخطاب. فقد كانت للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ عوام الخلق . وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية تشبه إلي حد كبير ما انتقد الإمام أبوحامد الغزالي عن فلاسفة عصره الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين. وهذا بدوره سلب الحركة الإسلامية سلاحها الأمضي في وجه خصومها من العلمانيين، والمتمثل في قدرتها علي تعبئة الجماهير وراء مواقفها بتوسل الشرعية الدينية. ولكن إذا كانت الحركة الإسلامية ترفض الموروث الديني كما هو فإنها تواجه نفس إشكال العلمانيين، بل إشكالاً أكبر، لأن العلمانيين علي الأقل لا يتدخلون في أمور الديــن ولا يسعـــــون إلي تغيير عقائد الناس بل يكتفون بتجاهل الدين ومقولاته أو التظاهر نفاقاً بالقبول بها. وهناك شواهد كثيرة علي أن العلماء التقليديين والجماهير الإسلامية تتقبل الإعراض عن الدين أكثر من تقبلها لما تري أنه تحريف للدين أو تغيير له. ولهذا واجهت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي عزلة مزدوجة لأنها كانت تحارب العلمانيين والتقليديين في نفــس الوقت.
    التوجه الجديد للصفوة المحيطة بالترابي كانت له انعكاسات عملية، منها التنكر لتقبل الحركة الإسلامية التقليدية للديمقراطية، لأن الاحتقار للجماهير، بما في ذلك الجماهير المتدينة، يستتبع بالضرورة رفض الديمقراطية كمنهج. وقد ولدت هذه النظرة كذلك استخفافاً بكثير من القيم المتمثلة في الصدق مع الناس أو احترام حقوق العباد، ولعلها كانت مسؤولة إلي حد كبير لما وقع من انتهاكات وتجاوزات ميزت عهد ثورة الإنقاذ تحت رعاية الترابي. وهي بلا شك مسؤولة عما وقع للترابي علي يد تلاميذه الذين تعلموا منه الاستخفاف بالناس وبالقيم دون أن يكون لديهم ما كان له من العلم، فلم يجدوا بأساً في الإيقاع به وإنكار سابقته، لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم فوق كل شريعة وعرف. ولا نزال نسمع من بعضهم تصريحات يستخفون بها بالعباد أفراداً وأحزاباً وأمة، إضافة إلي ما نعلمه مما يتداولونه في مجالسهم ويتناجون به من آراء خلاصتها أنهم قادرون علي حكم الشعب بالحديد والنار والكذب والنفاق وشراء الذمم، وأن الأمة بكل من فيها من شمال وجنوب وشرق وغرب ليس فيها فرد أو جماعة تستطيع تحديهم، وهو غرور أورد الترابي ما هو فيه، وسيكتشف تلاميذه قريباً أن شيخهم كان محظوظاً، لأن مصيرهم سيكون أسوأ بكثير.
    آراء الترابي الأخيرة وما ولدته من ردود أفعال لا يجب إذن أن ينظر إليها علي أنها إشكالية فرد أو جماعة، وإنما هي ورطة أمة لم تعد تجد في تراثها ما يكفي لمواجهة الحداثة، ولكنها تتمسك بهذا التراث علي علاته، وتقبل أن يزول هذا التراث جملة من أن يتعرض لتعديلات تضمن بقاءه. وهي أيضاً أزمة نخبة حديثة إما أنها أعرضت عن الإسلام إعراضاً أو أنها فشلت أخلاقياً وفكرياً في قيادة الأمة باتجاه إحياء الفكر الديني، فهي تتأرجح بين قيود التراث ومتاهات الخواء الأخلاقي الحداثي.



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\04\04-25\q...سلامية%20المعاصرةfff
    _________________
                  

04-23-2008, 03:39 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الحركة الوطنية لشرق السودان: الخروج من دار الأرقم

    2006/05/23

    ثمةُ قائلون لنا، انما بدأنا هذا الفعل السياسي الجديد، إنّكم لستم بمتجاوزينَ من هم قبلكُم من عُتاةِ المنشطِ السياسيِّ العريق وانكم ـ لعَمْرِنَا ـ ها هنا قاعدون! تلكَ ـ قِيلَ لنا ـ إنما هي موجةُ زَبَدِيّةٌ عابرةٌ و فهلوةُ آلِ نضالٍ انترنيتيّين زاهين ومعجبين بما لديهم من نرجسيّاتٍ سياسيّةٍ مهوّمةٍ، فحسب، لذا فهم لن يخرجوا ـ وإن فعلوا! ـ بمقدار ذراعين عن شأنِ طقطقةِ بضعةِ مثقّفين صفويّين (ولهم المكرمة لاعترافهم لنا بأننا مثقّفين علي الأقل !) علي لوحات حاسوبٍ مضيئةٍ يُنشّرونَ عليها فقّاعات حساسيّاتهم الشخصيّة وأوهامهم و عقدهم الموروثة عن شقاقات سياسيّة ماضية (وذاكَ قيلَ، خصوصاً، عن الصديق المبدع، ذي الفنون المتعددة ، طارق أحمد أبوبكر، الأمين العام للحركة الوطنية لشرق السودان، حيثُ جُرّدَ جهادُهُ وهمُّهُ كلّهُ إلي كليماتٍ بارداتٍ وقحاتٍ مُتّهماتٍ لهُ بأنه إنما مضي علي سبيلهِ الحاليّ هذا فقط ـ وتنبّهُوا لهذه الـ فقط ! ـ لتصفيةِ خلافٍ شخصيٍّ قديمٍ مع رفاقٍ لهُ، طيفيّين وسابقين، في قبيلة اليسار السوداني العتيدة.
    هكذا ـ فقط ولاغير ـ هم شافُوا شأنه، فهل في هذا أيّ إنصاف لهُ، أيّها القارئون ؟! أما الأدهي من ذلك، والذي كُتِبَ وقِيلَ عن رئيس الحركة القويّ الأمين، القائد أحمد محمد طّاهر حمد ، فلستُ خائضاً فيه، بل حسبي منه أن أقولَ أنّ القائد أحمد محمد طّاهر مُتمثِّلٌ، في سلوكهِ إزاءهُ، بِتَمامِ أدبِ الآيةِ القرآنيّةِ الكريمة القائلة: ـ وعبادُ الرّحمن الذين يمشون علي الأرضِ هوناً وإذا خاطبهم الجّاهلونَ قالوا سلاما ).
    هكذا قال عنّا، في البدءِ، الواهمُون (والاستعارةُ هنا من بحرِ شاعرنا مصطفي سند القديم). لكنّا نقولُ لهُم: ـ ألا فاستنيروا يا هؤلاء! ألا فاستنيروا يا هؤلاء! ألا فاستنيروا يا هؤلاء ! فإن لم تستنيروا فسيستبدلُ التاريخُ والنّاسُ بكُم أُنسيّينَ آخرينَ ذوي قُوّةٍ، وليسُوا ذوي عُنفٍ لآلهم وحرثهم، بلا ادّعاءٍ وسِعةٍ، يعملون. ولئن سئل الإنسان هنا عن معني القوّةِ كبديل تاريخيٍّ سياسيٍّ فعليٍّ لـ العُنف لأجاب بما أجابَ به، من قبل هنري ديفيد ثورو، في مقاله الموسوم حول واجب العصيان المدني، ثمّ ما أجاب به، أيضاً،إرث المهاتما غاندي العظيم حيثُ أُعْطِيَ عمل ثورو الفكريّ هذا عمقاً روحيّاً، أوّلاً، ثمّ اجتماعيّاً، من بعد ذلك (أو، علي الأدقِّ، مع ذلكَ )، ممّا كان له أثرٌ غيرُ منكورٍ في الواقع السياسيِّ العالميّ العريض وليس الهنديّ فحسب، ثمّ لنا أخيراً في ما فصّل فيه القول علي هذا السبيل الأستاذ والسّودانيِّ الشهيد محمود محمد طه ـ في مجمل ما كتبه عن الفرق بين القوة و العنف وعن الثورة الثقافية ـ تركةً سودانيّة حكيمةً وسديدة البصيرة، ومن شاءَ فليُراجع كلّ ذلك في مظانّه فلقد سئمنا من عديدِ الكتاباتِ الإنشائية عنا والإدانات التي لن تُجدي، معنا ومع من يتفهّمون أهدافنا، فتيلا.
    إبراهيم جعفر
    قيادي بالحركة الوطنية لشرق السودان



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\05\05-23\z...20دار%20الأرقم%20fff
    _________________
                  

04-23-2008, 03:41 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المفكر السوداني الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره لـ القدس العربي (4)

    2007/04/08

    حاوره: كمال حسن بخيتہ
    الدكتور منصور خالد مفكر وكاتب سوداني، غزير الانتاج خصوصا في شؤون السياسة، واستراتيجيات التنمية، ويملك قلما جزلا رشيقا مقروءا ومثيرا للجدل في آن واحد، وفضلا عن علمه وثقافته الموسوعية التي كثيرا ما يبهر بهما خصومه قبل مريديه وهم كثر في الجانبين ، فان الرجل خبير بخبايا واسرار وتطورات واشكالات السياسة السودانية التي خاض اتونها مفكرا ووزيرا ومعارضا شرسا لكنه في كل الاحوال كان دائما ولا يزال مشهودا له بالكفاءة.
    سطع نجمه عند العامة عندما تولي وزارة الشباب والرياضة في بداية العهد المايوي (نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري) الا انه لدي خاصة المثقفين كان معروفا بينهم يتابعون انتاجه الفكري وكتاباته ومشاركاته في المؤتمرات الدولية، وما تنشره له الصحف من مقالات تحمل وجهة نظره وفكره. كان احد ابرز من تولوا مسؤولية وزارة الخارجية عندما كانت مايو في اوجها واعتبر حينذاك احد اعمدة النظام ومنظريه وفي العام 1979 انقلب د. منصور علي مايو بسبب اخطاء لم يتحملها ولا تتوافق مع ما يؤمن به من قيم وما يعتقد ويحمل من فكر وبدأ نقدها وتعريتها في كتابه (السودان والنفق المظلم)، ثم انضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان مستشارا سياسيا لجون قرنق ثلاثة عقود او اكثر. ظل د. منصور خالد شخصا مثيرا للجدل كسياسي وككاتب ومفكر متميز وجريء يختلف البعض حول افكاره وطروحاته لكن الجميع يعترف بقوة قلمه وجزالة تعبيره.
    ما هي علاقته بالامام عبد الرحمن المهدي والمحجوب وقبلهما عبدالله خليل؟ بمن تأثر في بدايات حياته وما هي الظروف التي اسهمت في تكوين شخصيته؟ وما علاقته بالنخبة او الصفوة؟... ما هو تأثير عمله بالامم المتحدة عليه، وماذا تركت الدراسة والعمل في الولايات المتحدة؟ كيف ينظر الي الداخل الي الصراع السياسي والبحث عن حل شامل واستقرار للسودان؟ ما هي المحددات التي يراها للسودان الجديد وماذا يأخذ علي قادة الاحزاب؟ وكيف يعيش حياته الخاصة؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها د. منصور خالد في اول حوار معه يتطرق الي الخاص والعام في حياته.
    يكشف السياسي السوداني في ثنايا الحوار انه لم ينضم لأي حزب لأنه كان يهتم بالجانب الفكري الجدلي في السياسة وليس الجانب التنظيمي وان اهم منعطف في حياته هو انتقاله للعمل في الامم المتحدة ويكشف ان الرئيس الامريكي دوايت ايزنهاور اضطر للاعتذار للسفير السوداني بعد ان اثار ازمة دبلوماسية صاخبة في واشنطن. هنا نص الحوار الذي اجريناه معه في القاهرة، وفي هذا الجزء من الحوار الاستثنائي معه يروي الدكتور منصور خالد ملابسات مشاركته في النظام المايوي، ما هي قناعاته التي دفعت به الي المشاركة؟ ما هي الإنجازات التي تحققت من وجهة نظره وما هي الإخفاقات؟ ثم لماذا خرج وعارض، ما هي الأسباب وكيف فسر ذلك مؤيدو النظام ومعارضوه؟ وقبل ذلك ما هي الظروف التي ولدت فيها مايو؟ ثم كيف انضم إلي الحركة الشعبية، وما هو تقييمه لدوره في الحركة ووجوده بها؟ ويجيب علي السؤال المهم: كيف انتقل من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار من المفكر المثقف الليبرالي إلي حركة بدأت ماركسية ذات اتجاه واحد؟
    وينتقل الدكتور منصور خالد في هذا الجزء إلي الحديث عن المفكر السوداني محمود محمد طه الذي اعدم شنقا علي يد نظام نميري وكيف قضي عشية الإعدام في داره في لندن التي تحولت إلي سرادق عزاء.

    مع حركة مايو واسبابها

    شاركت في نظام مايو ثم خرجت علي ذلك النظام ونقدته. حدثنا عن الدوافع والملابسات في المشاركة وفي المعارضة ؟
    تسألني عن مايو وفي حكايتنا، تلك فترة عامرة وتعيسة في آن. قلت رأيي في أوجه تعاستها، وأنا في قلبها دون ان أغمطها حقها. لم انتظر الساعة الحادية عشرة لانحاز الي جانب الشعب. صديقي الراحل الدكتور الزين النيل ـ عطر الله قبره ـ كان بارعا عندما كتب لي من قطر، عند نشر مقالاتي حول نظام مايو في صحيفة ( القبس) وهي المقالات التي أودعتها في كتاب (السودان والنفق المظلم)، كتب يقول (عفارم) لم تنتظر رحيل القائد لتخرج علينا بكتاب عن هذه المناسبة. اذكر فيها الزين الذي نشأ بيني وبينه ود وتقدير في مدرسة وادي سيدنا، كما اذكر شقيق روحه الدكتور حسن كشكش إذ قام كلاهما بتوزيع ذلك الكتاب في قطر حيث كانا يعملان. وعلي أي حال فقد أعلنت وما زلت أعلن بأني مسؤول عن كل ما دار في ذلك العهد، حتي فيما كان له فيه رأي نقيض، هذه مسؤولية أدبية وأخلاقية ولا مشاحة في ان يعترف المرء بأخطائه لان الاعتراف بالخطأ السابق في قول الشاعر ألكساندر بوب، يعني انك صرت أكثر حكمة.
    ماهي الأسباب التي تري انها كانت وراء مايو او عجلت بها ؟
    تجربة مايو لا يحكم عليها بمعزل عن الظروف التي ولدت فيها مايو ، ليس من فراغ. نزاعات الأحزاب كانت كصراع الديكة، دامية وعنيفة وكان أهل النظام بوعي بها. قال المحجوب لمايكل ستيورات وزير الخارجية البريطاني (ان الوضع في السودان سيقود إلي انقلاب عسكري في أسابيع إن لم تمد بريطانيا يد العون للسودان) راوي هذا الحديث هو صديق السودان والسودانيين غراهام توماس الذي رتب اللقاء. وقد أورد توماس الحديث في رسالة منه للسير جيمس روبرتسون نشرت في كتابه الذي صدر قبل بضعة أعوام وتضمن الرسائل المتبادلة بينه وبين روبرتسون، بيد ان مشكلة السودان يومذاك لم تكن هي الاقتصاد، وإنما كانت العوامل التي أدت إلي تدهور الاقتصاد. صراع الديكة وحرب الجنوب، الحرب كانت أكثر دموية وغباء من ذلك الصراع خاصة بعد ما توصل إليه الرأي المستنير من حلول لتلك الحرب عقب مؤتمر المائدة المستديرة. هذا هو البعد الداخلي، أما البعد الخارجي فهو هيمنة الفكــــر الشمولي علي المنطقة، الحزب الواحد، الاشتراكية العربية، الفكر القومي البعثي، الاشتراكية الإفريقية، بحزبها الواحد هي الاخري.
    هذا الواقع لم يلق بظلاله علي السودان فحسب، وإنما أناخ بكلكله عليه. هذه التجارب جميعها ثبت فشلها الا في بضع بلاد ما زالت تعيش خارج إطار التــاريخ المعاصر، ومع ذاك ما زال بعض الطاعنين في شمولية مايو يثابرون علي تمجيد ضلالات (شموليات أخري).
    إذا كان الواقع السياسي آنذاك والحالة الاقتصادية المتردية التي نبه إليها المحجوب ماذا قدمت مايو إذن لمواجهة ذلك ؟
    مايو أنجزت الكثير في ميدان التنمية المادية ـ طريق الخرطوم ـ بورتسودان، خط الأنابيب مصانع السكر و علي رأسها كنانة، جامعتا الجزيرة وجوبا، اكتشاف البترول إلي آخر القائمة. علي ان جميع هذه الإنجازات لم يكن يستأهل لتحقيقها إلغاء الديمقراطية والصـــــراع الدامي الذي صحب ذلك. علي ان إنجاز مايو الأكبر هو السلام بين الشمال والجنوب الذي نعم به السودان لعشر سنوات.
    إلي أين انتهي ذلك السلام؟ ألغاه نفس الرجل الذي أنجز في عهده، وما كان لحكـــــمه ان يستقر لولا الدفع الذي وجده من تحقيق الاتـــــفاق. لو كان مثل هذا الإنجاز قد تحقق في ظل نظام ديمقراطي مفتــــوح، فيه من الشـــــفافية بقدر ما فيه من المحاسبة لما جرؤ حاكم علي انتــــهاكه. الناقد الحصيف يتساءل لماذا استـــــطاع النظام الشمولي ان يحقـــق ما عجز عنه النظام الديمقراطي ؟
    الجواب هو عدم إدراك الحاكمين يومذاك للاولويات، فالصراع كان علي الديمقراطية بدون إدراك أن الديمقراطية والاستقرار السياسي سيظلان في كف عفريت ما دامت مشكلة الحرب معلقة. لو ادركوا تلك الأولوية ـ وتركوا الصراعات حول الحكم ـ لدامــــت الديمقراطية.
    مايو وضعت السلام علي رأس اولوياتها منذ تموز (يوليو) 1969ولكن بالقدر نفسه، رغم نجاح نظامها الشمولي باستقراره القمعي في حل المشكلة، فان طبيعته الشمولية اتاحــــت للذي يمسك بمفاتيح التحكم ان ينقــــض غزله بيده دون حسيب او رقيب. وعلنا اليوم بعد تجربة وبعد تجارب العالم التي تهاوت فيها الأنظمة الشمـــــولية من هانوي إلي الجزائر، ومن موسكو إلي بريتوريا أضحينا أكثر حكمة. وعل الله يهدينا أيضا إلي إدراك اولوياته حتي لا تــــقع واقعة ليس لها غير الله رافع. وقــــد أحسن التجـــمع مثلا عندما وضع قضية الحرب والسلام في قائمة اولوياته.

    عن الموقف السياسي

    ما زال موقفك السياسي يعتريه الغموض، أي انتقالك من منظر لنظام ديكتاتوري إلي داعية إلي الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن العداء إلي الشيوعية واليسار عموما إلي قيادة (الحركة الشعبية لتحرير السودان) كيف تفسر تنقلك من موقف إلي آخر نقيض له تماما ؟
    سؤالك يحتاج إلي تفكيك، بل هو من الأسئلة التي تثير في المرء هرمون التوتر (الأدرينالين) فطريقة السؤال كثيرا ما تفرض الإجابة التي يبتغيها السائل، هذا أمر يصح في المحاكم، فقد تعلمت في تجاربي القانونية الا اوجه سؤالا للخصم لا اعرف جوابه، لان هدف المحامي هو إثبات واقعة يعرفها. اما بالسجال او الاستطلاع الفكري، فانا افكك السؤال لاكتشف او لاكشف عن التناقض الداخلي فيه وعن محتواه، وما ينبغي السائل او بالأحري من يعبر عنهم السائل. أنت مثلا تفسر عن الغموض بأنه الانتقال من رحاب التنظير لنظام مايو الدكتاتوري إلي الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان. السؤال يفترض أيضا ان ثمة عداء فكريا بيني وبين الشيوعية واليسار عموما. ولهذا تعجب من انضمامي للحركة الشعبية التي تصنفها في خانة اليسار حسب نظرك:
    أولا: (دكتاتورية) مايو هذه تعود إلي اليوم الأول الذي خرج فيه (حارسنا وفارسنا) من الثكنات حتي انتهي إلي سدة الحكم وبدأت منذ أن تداعت (القوي الديمقراطية) جميعها إلي الميادين في 2 حزيران (يونيو) 1969لتبارك الوليد المايوي وتذود عنه بـ الروح والدم نفديك يا ثورتنا ، بين هؤلاء كان الشيوعي والبعثي والناصـــــري، ولعل البعثيين والناصريين هم الذين استــوردوا للسودان شعار (بالروح بالدم)، فان اختلف أي من هؤلاء مع نظام مايو لأنه انحرف من اليمين مع اليسار او انتقل من اعلي عليين إلي أسفل سافلين في تقديرهم فهذا لا يلغي الطبيعة (الدكتاتورية)، من البداية إلي النــهاية والدكتاتورية هي مناط اتهامك له.
    وبالتالي فان تصنيف اليسار واليمين هنا لا يعني شيئا مع ذلك علي المستوي الفكري، كانت مواقفي مع المدارس السياسية التي تحصر الإنسان في اطار مفهومي خانق هو الرفض الفكري، لا العداء، ولعل اللغة أيضا لها دور في تكييف نظرة المعلقين للأشياء، فالمقال السجالي يصور دوما في الصحافة العربية بلغة (شن فلان حملة عنيفة علي فلان) عقلية داحس والغبراء ما زالت تسيطر علي بعض الافهام.
    حسنا ما الذي يدفع المرء للانتقال من موقف إلي آخر مناقض له ؟
    تسأل عن القانون الذي يحكم الانتقال من موقع الي نقيضه ؟القانون هو التطور التاريخي، هو نمو الوعي، هو التحولات المستجدة، هو استكشاف خيبة التجارب الماضية. ولهذا يوجه مثل هذا السؤال ان كان ثمة سؤال عن الغموض الذي يكتنف المواقف ـ الي بوريس يلتسين أمين الحزب الشيوعي اللينيني لمدينة موسكو الذي صار داعية للديمقراطية وحقوق الإنسان، والي الناصريين أهل الحزب الطليعي الواحد الذين لا ترضيهم اليوم ديمقراطية مصر التعددية بما فيها من استقلال للقضاء وحريات للصحافة والنقابات، كما يوجه للبعثيين الذين انتقـــــلوا إلي مرابع التعـــددية. فانتقالي يا صديقي من مربـــع الي مربع كان منذ 1979 في مقالات لم يصدقها المعارضون فأسموها (مقالات مأذونة) ولم يقبلها رفاق مايو القدامي، إذ حسبوها زندقة. مثل هذا السؤال يعبر عن حيرة السائل.
    الاصطفائية في عرض الحقائق تعبر عن حيرة، فالسائل، فيما يبدو، مع الديمقراطية التعددية بلبراليتها السياسية ولكنه يتمني علي النفس اختزال ما يسميه قوي التخلف، وهو مع تحرير الاقتصاد ولكن ما زال به وله بالاشتراكية، عن تلك الحالة عبر الكاتب التونسي محمد الحداد يقول (انتقلنا من عهد النهضة إلي عهد الثورة، ومن عهد الثورة إلي عهد الحيرة).
    سؤالك الحقيقي عن الحركة الشعبية، واتجاوز من السؤال دلالاته المضمرة، فلو تحولت مثلا إلي حزب شمالي لما برز السؤال المضمر وهو كيف يجوز ان يلحق نفسه بحزب (العبيد) هذه هي الأوصاف التي تستحي من نفسها ولهذا يهمهم بها البعض في مجالسه الخاصة.
    دعني اقل لك بعد كل الذي قلت بأنني رجل متصالح مع نفسه، حريص علي مواريثه، مدرك لعبقرية بلاده المكانية والزمانية ، موضوعي في تقويمه للأفكار وللرجال، لا يري فيما جاء به البشر من فكر شيئا مطلقا او منزلا، كما لا يحكم علي الرجال بأصلهم وفصلهم وإنما برؤاهم وأفعالهم ، وشهادة الأفعال دوما اعدل من شهادات القال والرجال قال صديق شمالي لو جاء قرنق من ود الحداد لهرعنا جميعا إليه.
    ولو جاء من جبل الداير لحسبناه مهديا جديدا. هذه هي محنة السودان الحقيقية. دوري في الحركة ـ كما قلت ـ أن أنقذ بعض أهلي من أنفسهم، ولايظنّن احد ان بغيتي هي ان أكون حاكما للبحيرات. تسألني عن مستقبلي السياسي. مستقبلي الحياتي وليس السياسي فقط، رهين بسودان جديد مستقر، ولا استقرار الا بعد أن يتصالح السودان مع نفسه، فان لم يتحقق هذا فسيطول الأبد علي لبد.
    في تقديرنا السودان حقيقة جغرافية، نعني بذلك السودان الذي ارسي قواعده محمد علي باشا من التاكا وسواكن شرقا إلي دار فور غربا ومن غندوكرو جنوبا إلي حلف شمالا. وان كان السودان الجغرافي حقيقة فالسودان سياسي، خاصة فيما يتعلق بأمر شقه الجنوبي، وليس أدل علي ذلك من انه ظل متصارعا مع نفسه منذ الاستقلال في حروب ساخنة وباردة.
    سبب هذه الحروب هو العجز عن استيعاب معني الخصوصيات المثقلة التي ظـــــلت ترهق المجتمع السوداني من أقصــــاه إلي أقصاه ،العجز عن إدراك المعطيات الزمانية والمكانية والتاريخية يصبح مذهلا عندما نستذكر ان التوحيد بين شقي القطر ليس بمطلب جديــــد، بل كان واحدا من المطالب الرئيسية في مذكرة إبراهــــيم احمد. مذكرة المشكل عولجت بأسلوبين خاطئين، فعلي المستوي النــــظري كانت هناك استهانة بتلك الخصوصيات، وكان هنـــاك ظن بإمكانــــية إذابتها عبر القهر الثقافي لا المثاقفة الطبيعية، بالرغم من ان المثــاقفة كانت هي أداة تعريب الشمال كله.
    وقد جاء علي السودان حتي تراثه النوبي لونيته، وتراثه القبطي لنصرانيته، مثل ذلك التراث تتباهي به الأمم وتجليه علي العالمين. فالوثنية لم تدفع أهل مصر لاقتلاع آثار الفراعنة، والنصرانية لم تسقط الاخطل من ديوان العرب، ولم تمح اسم اسحق بن حنين من فهارس اعلامهم، ذلك نمط من الرجال تصدق عليه مقالة طه حسين عن احدهم: (هذا جاهل رضي بجهله ورضي جهله به).
    أما علي المستوي السياسي فكانت اداتنا هي التشاطر السياسي، ففي 12/12/1955 تجسدت استجابة احزاب الشمال كلها علي مطالبة ان يصحب اعلان الاستقلال اعلانا اخر بقيام نظام فيدرالي في اطار دولة موحدة في كلمات بسيطة: (سيؤخذ هذا الامر بعين الاعتبار عند وضع الدستور) احزاب الشمال التي ما زال بعض زعمائها يردد حتي اليوم (الجنوبيون عايزين شنو ؟) كانت تعرف حقا ما يريـــــدون، كما تعــــرف الطريق إلي الوحدة والســــلام والاستقرار منذ اليوم الأول.
    ويروي استانسلاوس بياساما في مذكراته التي نشرت بالسودان قبل بضعة أعوام قصة استدعاء عبد الرحمن المهدي له للقاء مع إسماعيل الأزهري وعبدا لله خليل وآخرين (وكان الأزهري رئيسا للحكومة القومية التي أعقبت الاستقلال وعبد الله خليل وزيرا للدفاع فيها) سأل الإمام عبد الرحمن استانسلاوس: (ما الذي يريده الجنوبيون ؟) قال استانسلاوس )نحن نطالب بنـــــظام فيدرالي ندير فيه شؤوننا الداخلية بأنفسنا في ظل سودان موحد) وكان للمهدي رد بليــــغ وتوجيه حاسم لأهل الحكم: (اذهبوا وأعطوهم ما يطالبون به، التركية لم تستطع قبرهم والإمـــام المهدي (أبوي) لم يستطع السيطرة عليهم، والإنكليز بالكاد حكموهم
    وحيث لم يعرف السودان حروبا باردة أو ساخنة كانت هناك استهانة بخصوصيات أخري، التهميش الاقتصادي في مناطق الشرق والغرب والوسط (جبال النوبة) وأعالي النيل الأزرق، تلك ظاهرة ذات جذور تحتاج إلي تفكيك، خاصة وقد كان الجنوب ـ غير المسلم يعاني من تهميش قصدي له من جانب الشمال المسلم. الفكرة خاطئة لان اقتصار التنمية علي الشريط النيلي أمر استوجبته في عهد الاستعمار اعتبارات تخص الاستعمار: توفر البنية التحتية في الشمال (السكك الحديدية والنقل النهري) التضاريس الجغرافية المواتية، القوي البشرية المؤهلة نسبيا، القرب من مراكز التصدير للخارج. تلك سياسة لم يستنكف الاستعمار عن الجهر بها. ففي واحدة من رسائل اللورد كرومر إبان الجلاء جاء فيها ان الحكومة ستمضي في تنمية الشمال في حين تقصر إنفاقها في الجنوب علي الاحتياجات الضرورية لصون الأمن وحفظ السلام.
    لهذا كانت مسؤولية الحاكمين في الشمال عن استشراء الحرب عظمية بسبب الحيلولة دون التمكين السياسي لأهل الجنوب في مطلع الاستقلال، و مسؤوليتهم اكبر في العجز عن توفير المناخ الصحي لتحقيق التمكين الاقتصادي للمهمشين علي امتداد القطر بسبب الإبقاء علي الخلل الهيكلي الموروث، ذلك الخلل ظل قائما حتي بعد أربعة عقود من الاستقلال مما جعل الحديث عن مسؤولية الاستعمار تكاد لا تخدع أحدا. وذريعة تسيء إلي من يتذرع بها، وأثبتت التجارب ان درجة الاستقرار الذي تتمتع به الدول حديثة العهد بالاستقلال رهين بدرجة معالجتها لمثل هذه الاختلالات عند الاستقلال.

    ليلة إعدام محمود محمد طه

    دهش كثيرون عندما كتب د.منصور عن الاخوان الجمهوريين في أواخر مايو، كيف بدأت علاقتك بالجمهوريين والي أين انتهت؟
    حركة الجمهوريون قادتني إليهم فحولة فكرية وخصائل شخصية، كثيرون كانوا يقدرون في الجمهوريين تلك الفحولة دون ان يشاركوهم الرأي، ناهيك عن الانضواء تحت تنظيمهم. من بين الخصائل التي حببتهم الي نفسي أدب الخطاب وتجويد الكتاب والتوافق المبهج بين السر والعلانية، ولربما كان مقتل محمود محمد علي يد نميري هو اكبر حدث حملني الي القطيعة البائنة معه.
    كنت في داري بلندن عشية إعدام الأستاذ أتابع ما يدور في السودان برفقة الحبيب الراحل الدكتور خليل عثمان والذي نمت بينه وبين الأستاذ علاقة وارفة، وتداعي علينا كثر لا يصدقون ما يسمعون: الأخ الراحل حسن بليل ، الأستاذ التجاني الكارب الأخ الراحل ابوبكر البشير الوقيع. قضينا ليلة محلوكة نسعي فيها بكل ما في وسعنا لحشد العالم لكي يقنع نميري بالكف عن السير في تنفيذ قراره. اتصلت بنائب الرئيس الاميركي جورج بوش، وسيمون تيل رئيسة البرلمان الاوربي، واحمد مختار امبو مدير اليونسكو والامير صدر الدين اغا خان في جنيف، والمستر ريتشارد لوس في البرلمان البريطاني، وكان لكل واحد من هؤلاء فضل علي السودان، وعلي النظام الذي يترأسه نميري شخصيا، الاجابة علي جميع هؤلاء كانت الرفض والتحايل، وضاعف من غضبي ما علمت به من بعد عن استهانة الرجل بكل الضغوط الاسرية عليه لكيما يقلع عن عدوانيته تلك، وفيما علمت ان رأس الرمح في تلك الضغوط الاسرية ـ الدكتور عبد السلام صالح ـ خرج غاضبا ومتوعدا ان لا يعود لدار نميري، وفي الصباح جاءنا الخبر الذي جعلنا جميعا نشرق بالدمع، حتي تحولت داري الي (بيت بكاء) لا ادري ما اصنع .
    احاول تهدئة خليل وهو ينشج بالبكاء كالطفل؟ ام اهدئ من روع ابي بكر صاحب القلب الذي قرضته الامراض ؟ ام اقول للتجاني حنانيك بعد ان فجعني بقوله (لم اكن اظن انه سيأتي علي حين من الدهر اقول فيه لا يشرفني ان اكون سودانيا الا اليوم)؟ ام انصرف عنهم جميعا لافعل ما افعله دوما في مثل هذه الحالات: اعتصر قلبي في وريقة؟ هؤلاء رجال لم يكونوا في يوم من الايام من منظومة الاخوان الجمهوريين، ما جمعهم بالاستاذ الشهيد هو رابطة الانسانية واحترام الفكر والمفكرين. كثيرون قد يقولون ان محمود لم يكن هو اول ضحية للنميري، فقد سبقته ضحايا لتحمل معه المسؤولية عما لحق بهـــــم ، بيد ان محمود لم يكن هو الامام الهادي الذي نازع نمـــيري السلطة، ولم يكن هو الشيوعيين الذين اتهموا ـ حقا وباطلا ـ بالانقلاب علي حكمه، واذلاله بحمله علي ان يخرج من داره خافر الرأس حافي القدمين، وليس هو قيادات الجبهة التي جيشت الجيوش للاطاحة بالحكم، جرم الرجل الذي لم يكن يحمل عصا يتوكأ عليها وهو الشيخ الذي انهكته السنون، انه ابدي الرأي في وريقة واحدة استنكر فيها ما يدور باسم الدين دون ان يصف السلطان بالبغي.
    وهو اقل ما كان يقتضيه المقام، تلك كانت هي القشة التي قسمت ظهر البعير وحملتني علي ان اقول: هذا جنون لا يستطيعه بشري الا بعون ربه. ولن يكون لي مع الرجل بعد اليوم لقاء حتي وان كان هو الممسك بمفاتيح الجنان




    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2007\04\04-08\0...20العربي%20%20(4)fff
    _________________
                  

04-23-2008, 03:43 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المفكر السوداني الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره لـ القدس العربي (اخيرة)

    09/04/2007

    حاوره: كمال حسن بخيتہ
    الدكتور منصور خالد مفكر وكاتب سوداني، غزير الانتاج خصوصا في شؤون السياسة، واستراتيجيات التنمية، ويملك قلما جزلا رشيقا مقروءا ومثيرا للجدل في آن واحد، وفضلا عن علمه وثقافته الموسوعية التي كثيرا ما يبهر بهما خصومه قبل مريديه وهم كثر في الجانبين، فان الرجل خبير بخبايا واسرار وتطورات واشكالات السياسة السودانية التي خاض اتونها مفكرا ووزيرا ومعارضا شرسا لكنه في كل الاحوال كان دائما ولا يزال مشهودا له بالكفاءة.
    سطع نجمه عند العامة عندما تولي وزارة الشباب والرياضة في بداية العهد المايوي (نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري) الا انه لدي خاصة المثقفين كان معروفا بينهم يتابعون انتاجه الفكري وكتاباته ومشاركاته في المؤتمرات الدولية، وما تنشره له الصحف من مقالات تحمل وجهة نظره وفكره. كان احد ابرز من تولوا مسؤولية وزارة الخارجية عندما كانت مايو في اوجها واعتبر حينذاك احد اعمدة النظام ومنظريه وفي العام 1979 انقلب د. منصور علي مايو بسبب اخطاء لم يتحملها ولا تتوافق مع ما يؤمن به من قيم وما يعتقد ويحمل من فكر وبدأ نقدها وتعريتها في كتابه (السودان والنفق المظلم)، ثم انضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان مستشارا سياسيا لجون قرنق ثلاثة عقود او اكثر. ظل د. منصور خالد شخصا مثيرا للجدل كسياسي وككاتب ومفكر متميز وجريء يختلف البعض حول افكاره وطروحاته لكن الجميع يعترف بقوة قلمه وجزالة تعبيره.
    ما هي علاقته بالامام عبد الرحمن المهدي والمحجوب وقبلهما عبدالله خليل؟ بمن تأثر في بدايات حياته وما هي الظروف التي اسهمت في تكوين شخصيته؟ وما علاقته بالنخبة او الصفوة؟... ما هو تأثير عمله بالامم المتحدة عليه، وماذا تركت الدراسة والعمل في الولايات المتحدة؟ كيف ينظر الي الداخل الي الصراع السياسي والبحث عن حل شامل واستقرار للسودان؟ ما هي المحددات التي يراها للسودان الجديد وماذا يأخذ علي قادة الاحزاب؟ وكيف يعيش حياته الخاصة؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها د. منصور خالد في اول حوار معه يتطرق الي الخاص والعام في حياته.
    يكشف السياسي السوداني في ثنايا الحوار انه لم ينضم لأي حزب لأنه كان يهتم بالجانب الفكري الجدلي في السياسة وليس الجانب التنظيمي، وان اهم منعطف في حياته هو انتقاله للعمل في الامم المتحدة، ويكشف ان الرئيس الامريكي دوايت ايزنهاور اضطر للاعتذار للسفير السوداني بعد ان اثار ازمة دبلوماسية صاخبة في واشنطن. وفي هذا الجزء الاخير من الحوار الاستثنائي نحاول ان نسبر اغواره الخاصة، كيف يري مسيرة حياته وما هي اهتماماته الخاصة؟ نبهنا رثاؤه للفنان الراحل خوجلي عثمان الي الجانب الاخر من الدكتور. هل يستمع للغناء؟ هل احب ؟من هم اصدقاؤه واحباؤه الذين يصطفيهم ؟ وما موقعه من الذين يحرمون فن الغناء والرقص ؟ وكيف ينظر الي المرأة؟
    وفي ثنايا رده يقول: لو كان لي ان اعاود حياتي لحرصت علي ان اكون اقل اهتماما بالسياسة. ويضيف (ما اكثر الكبار من ورثة المرضي ممن لم ينعم الله عليهم بالستر من بهدلة الكبر). ويتحدث عن الغناء عند الراحل خوجلي عثمان فيقول انه كان يضفي علي حياتي نضارة يتباهج نوارها.
    ويقول الدكتور خالد للذين يمنعون الغناء: (احرقوا ديوان العرب ). ويتساءل مستنكرا: من اين أتي هؤلاء بتلك الطهرانية والسودان يمارس فيه الرقص المشترك؟
    نعلم انك انتبذت مكانا قصيا من مايو عام 1979وخرجت من السودان، وفي الخارج انتقدت مايو، وكتبت عن سلبياته، وحسبت معارضا لذلك النظام الا ان عودتك وزيارتك الخرطوم عقب انتفاضة ابريل اثارت زوبعة سياسية، طالب البعض فيها بمحاكمتك لانك كنت احد مفكري مايو، ماذا يقول د.منصور تجاه هذا الموقف وما هي تفاصيل تلك الزيارة؟
    ليس في الامر تفاصيل خافية، يا فتي الفتيان القصة اوردتها برمتها في كتاب النخبة . جئت الي السودان لغرض وخرجت منه بعد انتهاء ذلك الغرض، ولعلك تدرك بأنني في تلك اللحظة كنت اقوم بمهمة للامم المتحدة (اللجنة الدولية للبيئة والتنمية). ولهذا فلا سبيل لي ان ابقي بالسودان اكثر مما بقيت. جئت كما اوردت في الكتاب بدعوة من الاخوين امين مكي مدني وعمر عبد العاطي، هموم امين كانت تدور حول موضوع الجنوب وهموم عمر كانت تتعلق بما في يده من قضايا، ولربما رأي فيما نشرت ما يعين علي القاء اضواء كاشفة علي جوانب من تلك القضايا.وكان في استقبالي عند وصولي مندوب بعث به الاخ فارس حسن من المجلس العسكري.
    تشاورت مع من تشاورت معهم فيما أتيت من اجله، ولو كنت ابغي التخفي لما كان اول لقاء لي مع التلفزيون السوداني، ذهبت فيه الي حديث ناقد للاسلوب الذي انتهجه النظام يومذاك للاقتراب من مشكلة الجنوب، لا سيما قرار العودة الي اتفاق اديس ابابا ، في ذلك الحديث المتلفز قلت من الغريب حقا ان ينادي النظام، وقال علي وجه التحديد (اديس ابابا ماتت ودفنت)، وكان الخطاب قد اذيع عبر راديو الحركة الذي يسمعه العام والخاص، خلال يومين، فان لم يسمعه الذين يريدون حلا فهذا دليل علي عدم الجدية، وان سمعوه واغفلوه فذلك دليل علي الاستهانة.
    تلك مقدمة ضرورية ادلف منها لحديثك عن الاجواء السائدة يومذاك ضد منصور خالد والتي اقحم فيها العاملون بوزارة الخارجية دون سبب فالعاملون في اعلي مراقي الوزارة تلك كانوا من اقرب الناس الي واحبهم الي نفسي، و علي رأس اولئك السفير ابراهيم طه ايوب والسفير فاروق عبدالرحمن، الاجواء السائدة تآمرت علي خلقها اعتبارات عدة منها الفهم الخاطئ ومنها الحسد ومنها الهجوم الدفاعي.
    الانسان كائن غريب فمع ما حباه الله به من عقل لا يؤثرالتفكير الا بغريزته. ولا يحكم علي الوقائع والبشر الا بالانطباع ولا يري من الامور الا ظواهرها.ظننا في البيان والتبين الذي انبرينا له ما يوضح الامور لمن أخطأ الفهم. لا شك في ان هنالك من استدرك الخطأ بعد التمعن فيما كتبنا او عن طريق الحوار. اما من عجز وتعاجز عن الادراك لان عقله في اذنيه فقد تركناه وصحبه ينقون علي لا شيء كالضفادع في ظلمات الليل.
    صحيح ان نقيق الضفادع رتيب وسخيف، ولكنه لا يؤذي وعلي أي فكل هؤلاء قد عادوا بالخيبة من كل الغزوات ثم تفرقوا خدع مذع . الطائفة الثانية، طائفة غريبة فالحسد داء يبري جسم صاحبه ولا يضير المحسود في شيء. هؤلاء يحسبون ان النجاح لا يجني للمرء الا بفضل فرصة جاءت علي غير ميعاد فاهتبلها اهتبالا، ما دروا بأنا ظللنا، وما لبثنا ننهك اعيننا تحت اضواء المصابيح، تلك غواية لم تلجمنا عنها ـ بحمد الله ـ السنون. مفتاح النجاح يا صاحبي همة وجهد جهيد، ونحمد الله ان همتنا اعلي بكثير مما حققنا ودون ان يبلغ بنا الغرور ما بلغه بالمتنبي نقول معه واقفا تحت اخمص الانام.... اما الجهد الجهيد فسيبقي موصولا ما بقي فينا رمق .
    هذا عن اهل الهجوم الدفاعي الذين لم يرق لهم طرحي العقلاني لقضية المايوات الاربع. ومايو كم قلت ولا امل القول ليست هي نميري ولا الرواد وانما هي جموع المثقفين الذين تدافعوا اليها من كل حدب وصوب، ومن كل مدرسة او خلوة (فكرية) هذا تقرير للواقع لا تهمة ندفع بها احدا، خاصة وأنا واحد من هذه الجموع التي تدافعت لهذا لم اظن كما ظن البعض ان نيسان (ابريل) نهاية التاريخ ولهذا لم تفاجئني الانقاذ كما فاجأتهم.
    وعلي كل ليست هذه هي القضية. وانما القضية هي سيل الاتهام الجارف الذي لاحقنا به الي كوكدام من احكم الخصومة، حتي فيما لا علم له به. ابلغ رد علي اولئك هو حديث الاخ الراحل تون اروك تون : قال اروك (من النفاق بمكان ان تحتجوا علي وجود منصور خالد المايوي بين ظهرانينا، وهو الرجل ترك نظام نميري في عام 1979 في حين انكم نصبتم في الخرطوم رئيسا للسودان آخر وزير دفاع لنميري، وكان من كبار جيشه، قولوها صريحة ان الذي يؤذيكم هو وجود ود العرب هذا وسط العبيد) لم اقل كفي المؤمنين شر القتال، وانما نثرت كنانتي ووجهت ادني عيدانها صلابة لهؤلاء في كتاب النخبة ، فرادي ومجتمعين، تناولتهم كما تناول جرير خصومه، الاخطل والفرزدق.

    تقييم المسيرة

    من منظورك النقدي الراهن كيف تنظر الي مسيرة طبيعة حياتك؟
    احسبها طبيعية فكل مرحلة لها ظروفها وبواعثها ولربما لو كان لي ان اعاود حياتي من جديد لحرصت علي ان اكون اقل اهتماما بالسياسة لا سيما السياسة التي خبرتها بالسودان.
    خاصة في الحاضر اكثر منه في الماضي فأهل الماضي مع كل نقدي الاسترجاعي لممارستهم كان يردعهم خلق قويم حتي رحلوا عن الدنيا خفافا. كما كانوا ينأون عما يعيب. عن اولئك عبر الشيخ الصادق محمد احمد المرضي عندما شهد بعض صحبه يتساقطون في عهد عبود فقال قولة شهيرة : الله يسترنا من بهدلة الكبر .وما اكثر غيرهم من بلاطجة السياسة في احزاب اخري لا يحسن الواحد منهم الا الشر، مثله مثل عمرو بن العاص في قول عبدالله بن عباس: له يدان يد لا تنبسط بخير ويد لا تكف عن شر . هذا دون ان تكون لذلك الشرير بلاغة عمرو او دهاؤه الا ان حسبنا التشاطر البدائي ، دهاء سياسيا. هذا البعض يصدق عليه كثيرا قول الرئيس ريغان (السياسة هي ثاني اقدم مهنة) في التاريخ ومن تجربتي الخاصة بين المهنة الاولي والمهنة الثانية وجه شبه كبير.

    الفن والغناء

    كان امرا ملفتا عندما كتبت عن الفنان الراحل خوجلي عثمان مما بيّن ان لك علاقة وثيقة بمحيط الفن والفنانين. كيف تنظرالي موقع الفن ودوره في الحياة ؟
    صحيح كتاباتي عن خوجلي، كانت تعبيرا عن الحزن علي فقد صديق وديع باسلوب جائر وهمجي، كما كانوا ـ و مازال بعضهم ـ يضفون علي حياتي نضارة يتباهج نوارها، اما اكثرهم قربا لي فكان ابو داؤود ورفيقه برعي دفع الله، وخله الوفي علي المك. الفن الغنائي كما قلت واقول لعب دورا في توحيد اهل السودان لم تلعبه السياسة، والفن وحد الوجدان، والسياسة كما عرفناها عملت علي انشطاره. رويت من قبل قصة الحارس الذي يرافق قرنق. فتي من بور لا احسبه قد زار الخرطوم، كان يجلس في ركنه القصي يستمع لاغنية شدت انتباهي، فسألته من أي مكان جاء الفنان؟ قال حيدر بورتسودان، قلت لنفسي فوق كل ذي علم عليم، فما عرفت قبـــلها ان بورتسودان قد انجبت لها حيدرا فهذا الفـــــتي نموذج لكثير غيره في الشرق والغرب والجنوب، وحد الغناء وجدانهم، الغناء السوداني، لا الغناء العربي او الافريقي.
    ما هو رأيك في المواقف التي تعارض الفن، وتعمل علي قمعه خاصة فني الغناء والرقص في السودان؟
    سؤالك هذا يعود بي الي ما كتبت في رثاء خوجلي، بل رثاء الغناء السوداني كله بعد ما اصابه علي يد مهووسين سعوا لتمزيق اوصاله باسم الفضيلة والطهرانية، لهؤلاء قلت احرقوا ديوان العرب كله بما فيه من خمريات، اذ لم يبلغ أي واحد من شعراء الغناء السوداني في تشبيبه وخمرياته ما بلغه امرؤ القيس وابو نواس وبشار، وحتي ما يسمونه الرقص المختلط لا يسميه هكذا الا اصحاب العقول المخلاطة ، اسمه الرقص المشترك، ففكرة الاختلاط تعكس النظرة الدونية للمرأة، عند هؤلاء الرجل له المقام الاول حتي وان كان تيسا اقم (أي بدون قرون) والمرأة دونه حتي وان كانت في أدب مي زيادة وفدوي طوقان، تلك وايم الحق قسمة ضيزي .
    أسأل من اين اتي هؤلاء بتلك الطهرانية؟ امن السودان الذي يمارس فيه الرقص المشترك، النوبيون والمسيرية والشايقية في الشمال كما الزاندي والدينكا والاشولي في الجنوب ؟ او اتوا به من المواريث العربية -الاسلامية القصية، وهي التي عرفت الحرائر اللائي امتهن بعضهن البروز للرجال لمطارحتهم في الشعر، مثل سكينة بنت الحسين بن علي، او الغناء مثل عبلة بنت الخليفة المهدي العباسي، (عباسيو) السودان يريدون ان يكونوا اكثر هاشمية من حفيده علي، واكثر عباسية من حفيده عبدالله بن عباس. هذا طموح غريب وعملاق، وكلما امعنت النظر في مثل هذه الممارسات اقتنعت بأن اخوتنا هؤلاء لا يريدون للسودان بعد خمسة عشر قرنا من الهجرة الا ان تحكمه قريش كما قلت، هذا طموح آخر لم يذهب اليه عجيب المانجلك او عدلان.
    وكان السودان في عهدهما حديث عهد بالاسلام، من حقنا بالطبع ان نفاخر بالماضي التليد وان نستلهم منه العبر والدروس علي ان نستذكر ايضا ان ذلك الماضي كان مدركا لواقعه، ولهذا كان اكثر ثباتا في اطاره التاريخي، واذ نجيء اليوم لنمزق اوصال ذلك الماضي وننتقي منه ما نشاء لنفرضه علي واقع غير واقعه، ننتهي لا محالة الي مسخ الماضي التليد الي حاضر بليد.
    للمفكرين والساسة حياة خاصة يدور الكثير من القيل والقال حولها. بعضهم يحيطها بسياج وبعضهم يكشفها، بل يكتبها وينشرها للناس. حياتك الخاصة هل يمكن ان تكون موضوعا في كتاب ثم لماذا يكون الحب والموسيقي والغناء ـ عادة من اعمدة تلك الحياة ما موقع الحب في حياتك؟ هل احببت او انجرحت ؟ وهل ثمة فرق بين الحب في الخرطوم وفي بلاد برة؟
    بالطبع لكل منا حياته الخاصة التي لا يشاركه فيها الا من لا يريد لهم او لهن ان يشاركوه، وبالتالي لا يمكن ان تكون موضوعا يجلي علي عامة الناس ولعل هذا بجانب خشية الزهو هو الذي يحملني علي عدم الانصياع لمن يدعوني لتسجيل سيرة ذاتية. لو فعلت لقادتني الأمانة الفكرية لان اقول ما لا اريد قوله لعامة الناس، اولا لانه لا يعنيهم، وثانيا لأنه يتناول اخرين ربما لا يريدون لشؤونهم ان تكون مضغة في الافواه. قرأت الكثير من السير الذاتية وراعتني في بعضها صراحة كتابها، مثل الشيخ بابكر بدري الذي اورد ادق اسرار اسرته في مذكراته، وسعد زغلول الذي لم يستنكف الحديث عن ولعه بالمقامرة، وعن مجالس القمار التي كان يرتادها.
    هذا كان من امر الشأن الخاص، اما في العام فأنا متضامن مع نفسي، ولا ازدواجية في شخصيتي، هناك درس تعلمته من الاستاذ محمود محمد طه، وكنت اسعي اليه دوما للحوار معه حول بعض آرائه في القضايا العامة، سألته يوما عن اسس اصطفائه للاخ الجمهوري قال : ان يكون متمكنا من مهنته، لان الذي لا يفلح في مهنته لن يفلح في اقناع الاخرين بأي شيء اخر، وان يجيد التعبير عن نفسه، ويملك القدرة علي ضبط النفس وحسن الاستماع للآخر، لا يستفز ولا يستفز، اهم من هذا ان لايفعل في السر ما يستحي من فعله في العلانية، هذا ما اعنيه بالصدق مع النفس والطمأنينة الداخلية.

    الحب

    اقترب من سؤالك عن الحب بجانب الغناء والموسيقي، ثم سؤالك هل احببت ؟ السؤال الاخير من نوع الاسئلة التي يواجهها الصحافيون لراغب علامة وديانا حداد، فلتتجه به لهما او لاضرابهما. دعني اتناول الامر تناولا فلسفيا، القيم المطلقة عن الفلاسفة الاغريق ثلاث الحق والخير والجمال، والجمال هو الصفة المميزة، يلحظها المرء فتبعث في نفسه الرضا والبهجة، ولعل هذا يكون اكثر ما يكون في الطبيعة والمرأة، ووحدهما اللتان يلجأ اليهما الانسان هروبا من تعب الحياة. انا اهوي الطبيعة بتنوعها البيولوجي الخلاق، واهوي النبات بصورة خاصة، ولهذا احيط به نفسي في الدار والمكتب. النبات هو المخلوق الوحيد غير الجاحد، يعطيك بقدر ما تعطيه بل أكثر مما تعطيه. ليس هذا هو حال الحيوان، فقد يعضك كلب، وليس هو حال الانسان ـ بل أكون اكثر صدقا لو قلت ان الكلاب افضل من بعض الرجال بكثير وللامام الطبراني صاحب الكبير والاوسط في هذا المقال: ان الناس مسخوا خنازير فمن وجد كلبا فليتمسك به .
    اري المرأة اكثر تعبيرا عن انسانية الانسان، لان الانسان يخرج منها ولهذا فهي اكثر التصاقا به، وتقديرا له وتعبيرا عنه. لن اتركك دون حديث عن الحب، الحب عندما ينبثق لا يخضع للتنظير، رغم كل سياحتي الفكرية هذه، عنه قالت عبلة بنت الخليفة المهدي، وهي التي خبرت الحب وتغنت به: ليس امر الهوي بخطب يسير، انما الامر في الهوي خطرات محدثات، الامور بعد الامور، ثم نتساءل عن جراح القلب. وصورته في الاغنية السودانية وعن الحب في بلاد برة الحب لا وطن له، فالناس في هذا سواء، اما الجراح ـ كانت عند المحدثين مثل قولهم تجربتي ليه وانا كلي جراح ، او من سبقهم مثل قول القائل غور يا جرح ـ فتلك صورة خاطئة، ولعل لديوان العرب أثرا فيها، فسهام الحب حميمة وخز ولكنها لا تؤذي، لان الوخز طعن غير نافذ.



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=\today\08z70.ht...عربي%20%20(اخيرة)fff
    _________________
                  

04-23-2008, 04:00 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عبدالله عثمان
    - التسامح
    كتب الدكتور منصور خالد في كتابه ( النخبة السودانية وادمان الفشل- الجزء الثاني) مايلي " شهدنا في الفصل الماضي ما بلغه نظام النميري من ضعف رغم كل مظاهر الجبروت، وما انتهى إليه من زراية رغم كل مظاهر القداسة، منخوراً كمنسأة سليمان أصبح . فمنذا الذي يقدم على لكز الهيكل المتهافت؟ ومنذا الذي يتقدم لإزالة التمثال من قاعدته ومنذا الذي، كما يقولون، يجرأ على تعليق الجرس في رقبة القط؟ فمع كل عوامل ضعف النظام التي كانت بادية للعيان استمر خصوم النظام يتجادلون ويتصارعون في أمور ، حتى وإن افترضنا أهميتها النظرية ، إلا أنها كانت غير ذات موضوع في تلك الساعة . أشبه بفقهاء الزمان القديم كانو يتجادلون حول الملائكة : أذكور أم إناث في الوقت الذي كان يقضم فيه الطاعون كل من حولهم . والطاعون أرأف حالاً مما كان عليه أهل السودان في زمن الطوارئ كان الكل يترقب حدثاً من السماء في حين كان الوضع في انتظار سيراجيفوه أو قل تيموشواراه، سيراجيفو أو تيموشوارا كانت هي اغتيال محمود محمد طه ، الحدث الذي طعن السودان في خاصرته ، وطعن أهل السودان في واحدة من أمجد خصائصهم التسامح .
    عبدالله عثمان جامعة أوهايو




    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=\today\08z70.ht...عربي%20%20(اخيرة)fff
    _________________
                  

04-23-2008, 04:00 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عن الشيخ الترابي وخصومه مرة أخري: حرية التفكير وحرية التكفير ومعالجة الأمية

    2006/05/23

    صدق بعض ما تخوفت منه حين عالجت قبل حوالي الشهر في هذا الموقع الجدل الذي أثارته فتاوي الشيخ حسن الترابي القديمة المتجددة، حين أشرت إلي أن القضية معقدة وأحلت إلي تناولي لها في مكانها بشكل معمق باعتبارها تحدياً يواجه الفكر الإسلامي الحديث برمته، وهو ما لا تفي به التعليقات المختصرة من مثل ما تسمح به المساحة هنا واهتمامات القارئ غير المتخصص. ولكن هذا بالطبع لا يبرر الفهم المبتسر لما قيل فعلاً، خاصة من بعض من يظن بهم أنهم من أهل التخصص، ولا بعض اللبس الذي وقع فيه البعض، خاصة حين حاولوا تحويل النقاش إلي سجال حول آراء العبد الفقير إلي مولاه ومواقفه السياسية. ولا شك أنه مما يرضي غرور الكاتب أن يعتقد المعلقون بأن مناقشة آرائه هو تعادل في أهميتها مناقشة الموضوع تحت النظر، وهو آراء الشيخ الترابي.
    ولكن النقاش يتحول إلي إشكال في ظل الأمية الاختيارية التي فرضها البعض علي أنفسهم. أحد الكتاب مثلاً كرر وصفي بـ صاحب كتاب الثورة الترابية (ويقصد بالطبع كتاب ثورة الترابي: الإسلام والسلطة في السودان الذي صدر بالإنكليزية عام 1991)، مما يعني أنه لم يطلع حتي علي غلاف الكتاب فضلاً عن أن يكون قرأه. وهو بالطبع ليست لديه أدني فكرة عن الكتاب الذي كان ملخصاً لرسالة دكتوراه قدمت في جامعة غربية وكان المشرف عليها أستاذاً خبيراً بشؤون السودان غير معروف عنه أي تعاطف مع الحركة الإسلامية. فهي بالتالي نظرة موضوعية نقدية لتاريخ ومواقف الحركة الإسلامية السودانية تتسق تماماً مع مواقفنا المعروفة المنشورة في مئات المقالات في مجلة آرابيا وعلي صفحات القدس العربي وفي كتب ومجلات أكاديمية تسد الأفق.
    وبالتالي فإن تكرار الحديث بأن العبد الفقير إلي مولاه يواجه محنة أو مأزقاً بسبب التدهور الذي أصاب الحركة الإسلامية عامة والسودانية خصوصاً يعكس محنة ومأزق من فرضوا علي نفسهم الأمية ويريدون كما كررت سابقاً للكاتب أن يكتب ثم يقرأ نيابة عنهم، وهو دور للأسف لا نملك الوقت ولا الرغبة في القيام به. فلسنا وكلاء عن من فرضوا علي أنفسهم الأمية، خاصة في عصر الانترنيت الذي يكفي أن تجري البحث فيه عن اسم كاتب فتردك آلاف الصفحات عما كتب وما كتب عنه بكل اللغات. ونحن ننصح هؤلاء الإخوة بمداواة أميتهم بشيء من القراءة، أو أن يسألوا أهل الذكر كما يفعل الأميون الذين يحترمون أنفسهم قبل أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم.
    القضية الأساسية التي أردنا معالجتها (وظللنا نعالجها من زوايا مختلفة لأكثر من أربعة عقود) هي المتعلقة بالفكر الإسلامي المعاصر، وهي أنه فكر يستصحب الحداثة والعقلانية الأوروبية المعاصرة في نظرته للتراث الإسلامي. والفرق بين الإسلاميين وخصومهم من العلمانيين هو أن الأخيرين يحاكمون التراث الإسلامي إلي التراث الحداثي الغربي، بينما يتخذ الإسلاميون موقف الدفاع عن التراث الإسلامي عبر محاولة المواءمة بينه وبين ما يصعب رده من مقتضيات الحداثة. ولكن موقف الإسلاميين الدفاعي يختلف أيضاً عن موقف التقليديين الذين يماثلونهم في بناء الخنادق الدفاعية في أن الحركات الإسلامية تحتضن بعض مظاهر الحداثة، بل تعتبر نتاجاً لها، وترفض بعض توجهات التقليديين المحافظة.
    هناك إذن فروق مهمة ولكنها قد تكون دقيقة بين الإسلاميين والعلمانيين والتقليديين، وتداخل كذلك بين هذه التيارات. وقطب الرحي في هذه العلاقة هم الإسلاميون، الذين يقاتلون في معركتين. فهم يشتبكون مع التقليديين علي أرضية الفكر الإسلامي وتأويل النصوص، ومع العلمانيين علي أرضية الحداثة وانتقاد أفكار وعقائد الحداثة من ماركسية وليبرالية وغيرها. وقد نتج عن هذا بعض الظواهر المثيرة للاهتمام، خاصة ما شهدناه في السودان وغيره من تحالفات بين العلمانيين والتقليديين ضد الإسلاميين، وهو مشهد تكرر في مناطق أخري. وبالمثل فإن التداخل بين هذه الفئات يجعل من الصعب القول أين يبدأ كل اتجاه وأين ينتهي الآخر. فهناك تقليديون ـ إسلاميون، وإسلاميون ـ تقليديون، كما نجد إسلاميين يقتربون كثيراً من العلمانيين. ويظهر هذا من الجدل المستمر حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية والتركي حزباً إسلامياً أم حزباً محافظاً تقليدياً. فقيادة الحزب تؤكد بدون مواربة أن الحزب علماني ليبرالي، بينما خصومه يتهمونه بأنه إسلامي يكتم إيمانه. ويبدو هنا أن القضية هي بالنوايا وما في القلوب.
    ولعل هذا هو لب القضية. فالخلاف بين الإسلاميين وخصومهم يتمحور حول الاجتهاد في إحياء تعاليم الإسلام وتوسيع العمل بها، مقابل الإعراض عنها أو التخفف منها بأكبر قدر ممكن. بمعني آخر الأمر يتعلق بخلاف بين من يريد اتباع الحد الأقصي من تعاليم الدين في ظل الحداثة مقابل من يريد اتباع الحد الأدني أو عدم اتباع أي شيء. وإذا كان هناك تداخل بين من يريدون المحافظة علي أكبر قدر من تعاليم الإسلام وبين من يريدون الأقل، فإن هناك بالطبع فرقاً واضحاً بين من يضعون أنفسهم في خندق الدفاع عن قيم الإسلام وتعاليمه، وبين من ينصبون المدافع لقصفه.
    ومن هذا المنطلق فإن الضجة التي ثارت حول أفكار الترابي التي طرحها مؤخراً تتعلق بمحاولة إعادة تصنيفه. فخصومه من التقليديين يرون أنه تحول إلي معسكر من يريد التخفف من كل ما يمكن التخفف منه من تعاليم الإسلام، بينما خصومه من العلمانيين رحبوا بما رأوا أنه اقتراب من معسكرهم، مع المطالبة بالمزيد، وخاصة التبرؤ من بعض مواقفه السابقة. وقد بلغ الأمر ببعض خصوم الترابي من التقليديين أن ذهبوا إلي تكفيره وإخراجه من الملة.
    وكنت قد كتبت قبل أكثر من عامين مقالة في القدس العربي رداً علي ما أورده بعض الكتاب السلفيين من زعم بأن الشيخ الترابي كان يبطن الكفر ويفتقد الإخلاص للإسلام، وهي دعوي تخالف ما عليه الرجل من تاريخ في المنافحة عن الإسلام والتضحيات في هذا السبيل، ناهيك عن ما هو معروف عنه من تمسك بتعاليم الدين في سلوكه الشخصي. وليس هناك علي كل حال ما يغري من لديه ضعف في الالتزام الديني أن يتظاهر بغير ذلك في عصر ما يزال القابض فيه علي دينه كالقابض علي الجمر، ناهيك أن يتصدي ذلك الشخص لقيادة معركة إحياء الدين.
    من هنا فإن من قادوا حملة تكفير الشيخ الترابي لم يحالفهم التوفيق. فإنه يحق لمن شاء أن يخالف الترابي اجتهاداته، ولكن لا يحق لهم التشكيك في عقيدته ونياته. ولا علاقة لهذا بما ذهب إليه البعض (عمر القراي في جريدة الصحافة علي سبيل المثال) من أن التكفير اعتداء علي حرية التعبير. فالقراي هنا يناقض نفسه حين يدافع عن حرية التعبير بينما يهاجم الذين يعبرون عن رأيهم الديني. فكما أشرت أيضاً في مقالة سابقة في القدس العربي فإن حرية التفكير تستتبع حرية التكفير. ذلك أن توضيح أسس العقيدة في كل دين يشتمل علي تحديد للإطار الذي يحدد حدود العقيدة وما هو داخلها وما هو خارجها. فأنظمة اللاهوت كما يقول محمد أركون هي نظم من الإقصاء المتبادل. والقائمون علي كل ملة من العلماء وغيرهم يرون أن من واجبهم التنبيه إلي ما يرونه خروجاً علي أسس العقيدة.
    وحدود كل ملة أو جماعة دينية تتحدد من داخلها وعبر الحوار (وحتي الاقتتال) بين أفرادها. ولكن لا توجد سلطة خارج الجماعة تحدد هذا الأمر. فالعقيدة الإسلامية هي ما تواضع عليه المسلمون وتوارثوه، كما أن اللغة العربية هي ما تحدث به العرب. علي سبيل المثال نحن معشر المسلمين نعتقد أننا مسيحيون أكثر من المسيحيين، وموسويون أكثر من اليهود، وأننا نمتلك الحقيقة النهائية حول طبيعة المسيح عليه السلام ورسالته. ولكن هذا لا يجعلنا مسيحيين أو يهوداً، لأن تعريف من هو مسيحي أو يهودي حسب أهل هذه الملل يستبعد من يقولون بقولنا عن المسيح، أو من يؤمن مثلنا بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم. وبالمثل فإن من جاء بفهم جديد للإسلام يناقض ما تواضع عليه المسلمون (بغض النظر عن صحة مقولته أو عدمها) يقف خارج أرضية الإسلام بتعريفه المقبول. ومن حق من يري ممارسات تقع خارج سياج الملة أن يعلن ذلك، بل من واجبه. ولكن هذا حق وواجب يجب أن يستخدم بمسؤولية وحذر، لأنه قد يرتد علي من يمارسه كما جاء في الحديث.
    وليست لدي أي رغبة في الدخول في جدل لاهوتي حول صحة مذاهب بعينها، وخاصة حول الفكرة الجمهورية. ولكن الأخ القراي قد أراحني من ذلك حين رد علي نفسه بنفسه (كما فعل حين ناقض نفسه في أمر حرية التعبير) إذ أعطي نموذجا لهذا الفكر في تعليقه علي حديث تأبير النخل الذي فهمه المسلمون عبر العصور علي أنه كان حالة عبر فيها الرسول صلي الله عليه وسلم عن رأي في أمر دنيوي ثم رجع عنه بعد أن اكتشف أنه كان علي خطأ. وبحسب القراي فإننا والصحابة وكل أجيال المسلمين السابقة علي خطأ، بل وأسأنا الأدب مع الرسول صلي الله عليه وسلم حين اتهمناه بالجهل بأمر تلقيح النخل وهو ابن الصحراء. فالحقيقة هي أن الرسول كان يدعو صحابته الي مستوي رفيع من التوكل، حين دعاهم لاسقاط الاسباب، اعتماداً علي الله، وتوكلاً عليه، فقال لو لم تلقحوه لاثمر ، لان الله في الحقيقة، هو سبب الاثمار وليس التلقيح .. ولكن الاصحاب، لم يحققوا هذا المستوي من التوكل، فلم يثمر النخل .. ولهذا دعاهم مرة اخري، الي الاسباب، حين قال اذهبوا انتم اعلم بشؤون دنياكم !! أي ان دنياكم دنيا اسباب، ولهذا اذا لم تؤدوا الاسباب، سوف لن تجدوا نتائج، الا اذا ارتفعتم من الاسباب، الي رب الاسباب .
    هذا الفهم غاب كما ذكرنا عن كل أجيال المسلمين حتي فتح الله به علي القراي وشيخه بوحي منه، حيث لا توجد وسيلة اتصال أخري مباشرة ليصحح بها الرسول هذا الفهم الخاطئ. وهذا يعني أن الرسول صلي الله عليه وسلم كتم الرسالة وغش المسلمين حين لم يوضح لهم الأمر بهذه الصورة، وهي تهمة أسوأ بكثير من الجهل بإجراءات تلقيح النخل، مع العلم بأن معظم النباتات التي تحتاج إلي تلقيح تثمر بدون تلقيح بشري بسبب الرياح أو الطيور والحشرات وغيرها.
    وبالعودة إلي مسألة حرية التعبير فإن القبول بمبدأ حرية التعبير لا يعني الموافقة علي كل ما يقال، مثلما أن الاستشهاد بآية من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر لا يعني أن الكفر والإيمان سواء عندالله تعالي! فالذي يستمع للبعض هذه الأيام يكون معذوراً لو ظن أن الكفر مما يسمح به الله تعالي بل يدعو له! فعلي سبيل المثال نحن خالفنا إخواننا المسلمين هنا في بريطانيا حين طالبوا بإسكات سلمان رشدي، في الوقت الذي ندين فيه أشد الإدانة ما كتبه من إسفاف متعمد.
    تلخيصاً نقول إن القضية المحورية في الجدل الذي ثار أخيراً حول فتاوي الشيخ الترابي ليست هي قضية حرية الرأي، وهي مسألة مفروغ منها، وليست قضية إيمان الترابي من كفره. وليست هي من باب أولي قضية مواقف العبد الفقير إلي مولاه السياسية. القضية هي أكبر من كل ذلك، وهي الموقف من الوحي والعلاقة معه، وما هي مكانة العقل الإنساني في التلقي والتأويل، وكيفية التوفيق بين الكرامة التي أسبغها الله تعالي علي الإنسان وما وهبه من حرية وعقل، وما طلبه من الإنسان من طاعة وامتثال لما أمر به. وكل هذه أمور تستدعي تفكيراً متعمقاً من أهل الشأن بعيداً عن مكايد السياسة وطائفية المذاهب والأحزاب.



    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\05\05-23\q...0ومعالجة%20الأميةfff
    _________________
                  

04-23-2008, 04:02 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اجتهادات الشيخ الترابي... عَوْدٌ عَليَ بدءِ

    2006/01/14

    المحبوب عبد السلام
    منذ عقود ظل الشيخ الترابي يطرح رؤيته في تجديد الفكر الاسلامي وفق اطار كلي أصولي، أتاحته له ثقافته الفقهية الشاملة وتخصصه في القانون الدستوري المقارن وعمله السياسي الناشط في مجالاتها كافة. فهو صاحب رؤية متكاملة في تجديد علم أصول الأحكام أو (أصول الفقه) كما يسميه الدارسون، لم تكن تتيسر له لولا نشأته الخاصة وخبرته الواسعة وخلواته الممتدة في أغوار المحابس والسجون، وهو أمر لم يتجدد في التاريخ الاسلامي منذ الامام الشاطبي (صاحب الموافقات)، اذ قدم أطروحته المتكاملة في الأصول منذ عام 1977 وظل يعبر عنها في جملة مساهماته النظرية والعملية: (قضايا الوحدة والحرية 1980، تجديد أصول الفقه 1981، تجديد الفكر الاسلامي 1982، الأشكال الناظمة لدولة اسلامية معاصرة (قطر 1982)، تجديد الدين 1984، منهجية التشريع 1987 وعلي ذات منهجه الذي يؤصل الشوري سبيلاً للعلم، فقد بسط أطروحته في (تجديد أصول فقه الأحكام) علي جملة من العلماء والمختصين إبان توليه منصب وزير العدل 1979 ـ 1983، وظلت الحلقات تعقد بمكتبه بديوان النائب العام وتدير المداولة والحوار حول المراجعة الشاملة للأصول التي حوتها 80 صفحة خرجت من سجن كوبر بعد سنوات الاطلاع والمدارسة والحوار في الداخل.
    ومهما تكن تلك الأطروحة ملتزمة مناهج الأصول ومصطلحات الفقه والقانون فان جذورها ممتدة في عبرة سيرة التاريخ الاسلامي وأصول دورة الاحياء والبعث ثم الخمول والموت أو النهضة والفترة، التي توالت علي المسلمين في الفكر والعمل منذ ميلاد الرسالة وحتي اخر أجيال المسلمين، بل وتقارن ذلك الي دورة تاريخ التجديد والبـلـَي في سيرة مشهور الأديان الكتابية السماوية لا سيما عبرة تاريخ اليهود والنصاري علي سنة القرآن الذي يكاثف ذكرها تصويباً لجليل موعظتها.

    الاجتهاد وحركة البعث المعاصرة

    فالاجتهاد في الأصول ـ فضلاً عن الفروع ـ هو ما دعي اليه غالب علماء حركة الدعوة والبعث المعاصرة، وصدر عنهم بذلك كثير من المساهمات والأطروحات، وخصصت الأعداد الأولي من مجلة المسلم المعاصر التي استهلت صدورها عام 1980 في الدعوة لهذا الهدف الكبير وجاءت الدعوة بأقلام أكبر الرموز (يوسف القرضاوي، جمال الدين عطية، محيي الدين عطية، أحمد كمال أبو المجد، عبد الحليم أحمد أبو شقة... الخ)، الا أن الدكتور حسن الترابي ظل أكثرهم مقاربة لهذه الدعوة وأوسعهم شمولاً وتأصيلاً لمواضيعها.
    واذا كان لكل فكرة سياقٌ ومناسبة يخل بها ويضرها أن تبتر عنه أو تجرد منه أو تؤخذ الي سياق اخر، فان الأفكار الأصولية يسيئها ويخل بها مرض التنطع والتفريع والتجزئة الذي أصاب المسلمين ـ كما أصاب اليهود والنصاري ـ، وتعرضت ـ بوجه خاص ـ مساهمات الشيخ الترابي واجتهاداته الكبيرة لكثير من التشويه بأسباب من هذه الأدواء، التي قد تتوهم الخطر الأكبر في الصغائر والفروع لاختلال فقه الأولويات عندها، أو التي تتنطع بدوافع ونيات يشوبها في الغالب خطل عظيم، اذ تخلط المواقف الاجتماعية والسياسية التي تميز بين المفكر الذي يبسط اجتهاده العلمي للمداولة الحرة والرأي المسؤول وبين قائد الحركة السياسية الذي يلتزم مواقف حزبه كما يلتزمها سائر الأعضاء، ولا تلزم اراؤه الفكرية حزبه ولوكان حزباً اسلامياً يوحد السياسة الي سائر شعاب الايمان، بل ان الحرب السياسية قد تدفع بدوائر الاستخبار المغلقة عن سعة حركة الفكر والحوار والاجتهاد الحر لِتـُخَلـِط الأحاديث العلمية ولو مشفوعة بِأسماء منسوبة الي المشيخة والعلم ولكنها مسكونة بالغيرة والحسد وعقد النقص وشهوات الشهرة والرئاسة والجاه. كما محض الغزالي الامام مجلده الأول في الاحياء لأمراض (طبقة) المُفتين والعلماء ـ شفاهم الله.
    فقد نشر الشيخ الترابي اجتهاده حول عودة المسيح ـ عليه السلام ـ عام 1982 في بحث ـ أصولي كذلك ـ لقي حظاً واسعاً من النشر داخل السودان وخارجه بعنوان (تجديد الدين) قـُدم في المنتدي الفكري بجامعة الخرطوم ونشر في مجلة جماعة الفكر والثقافة الاسلامية وظل ينشر منذ ذلك التاريخ، يقول الترابي:
    وفي بعض التقاليد الدينية تصور عقدي بأن خط التاريخ الديني بعد عهد التأسيس الأول ينحدر بأمر الدين انحطاطاً مضطرداً لا يرسم نمطاً دورياً، وفي ظل هذا الاعتقاد تتركز آمال الاصلاح أو التجديد نحو حدث معين مرجو في المستقبل يرد أمر الدين الي حالته المثلي من جديد. وهذه عقيدة نشأت عند اليهود واعترت النصاري، وقوامها انتظار المسيح يأتي أو يعود عندما يبلغ الانحطاط ذروته بعهد الدجال قبل أن ينقلب الحال بذلك الظهور، ولعلها تحريف للبشريات التي جاءت في الوحي القديم بمبعث عيسي ثم بمبعث محمد عليهما السلام.

    المهدي وعودة المسيح

    وقد انتقلت العقيدة بأثر من دفع الاسرائيليات الي المسلمين، وما يزال جمهور من عامة المسلمين يعولون عليها في تجديد دينهم، وفشوها هو الذي أغري كثيرين من أدعياء المهدية أو العيسوية، وبعضهم تحركه نية صادقة للاصلاح والتجديد لكنه بثقافته التقليدية وبتربية العامة الذين يخاطبهم لا يجد وجهاً لشرعية الخروج علي القديم الا بحجة المهدية النهائية. ولعل تلك العقيدة هي التي ألهت المسلمين عن القيام بعبء الاصلاح وأقعدتهم في كثير من حالات الانحطاط المستفز، مرجئة ينتظرون صاحب الوقت. ومهما يكن فان منطق العقيدة القرآنية حول تاريخ الدين لا يتيح مجالاً بعد النبي الخاتم لانتظار عاقبٍ يستأنف النبوة أو ينسخ من الشريعة السماحة التي تغري أهل الكتاب علي المؤمنين، بل هدي القرآن لخلف المؤمنين ان رأوا تغيراً أحالهم الي فسادٍ وذلٍ أن يردوا ذلك الي تـَغَيـُر ما بأنفسهم فيتوبوا الي الله فيتوب عليهم بالصلاح والعزِ انتهي.
    واذ يبدو الهم الأصولي الفقهي والاجتماعي التاريخي بيناً في قراءة الشيخ الترابي المتجددة للنصوص وفق السنن والسير في عبرة أهل الكتاب وعبرة المسلمين والتي تجلت عبر مللهم ونحلهم وشققتهم شيعة وسنةً الي اليوم، فان البحث في نزول المسيح أو خروج المهدي حفلت بها المباحث الاسلامية من لدن ابن خلدون (في المهدي أربعين حديثاً كلها ضعيفة ـ المقدمة ) الي أوان دورة التجديد التي حمل لواءها رشيد رضا وأستاذه محمد عبدة: يقول الشيخ رشيد رضا مجلة المنار، المجلد 28، ص 756 : ان الأحاديث الواردة في نزول عيسي عليه السلام كثيرة في الصحيحين والسنن وغيرها وأكثرها واردة في أشراط الساعة وممزوجة بأحاديث الدجال وفي تلك الأشراط لا سيما أحاديث الدجال والمهدي اضطراب واختلاف وتعارض كثير، والظاهر من مجموعها أنه يظهر في اليهود أكبر دجال عُرف تاريخ الأمم فيدعي أنه المسيح الذي ينتظره اليهود فيفتتن به خلق كثير، وفي اخر مدته يظهر المسيح الذي هو عيسي بن مريم ويكون نزوله في المنارة البيضاء شرقي دمشق ويلتقي بالمسيح الدجال بباب (لَد) بفلسطين وهناك يقتل المسيح الصادق المسيح الدجال بعد حروبٍ طويلة تكون بين المسلمين واليهود، فنزول عيسي عقيدة أكثر النصاري وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهر الاسلام بثها في المسلمين، وممن حاولوا ذلك بادخالها في التفسير وهب بن منبه الركن الثاني بعد كعب الأحبار في تشويه تفسير القرآن بما بثه من الخرافات. انتهي حديث الشيخ رشيد رضا الذي لا يختلف في قراءته وتأويلاته عن المغازي التي أشار اليها النص السابق للشيخ الترابي.
    أما الذين يستعظمون نقد كتاب البخاري وكتاب مسلم كأنه الكفر البواح فقد أصابتهم شعبة أخري من شعاب أمراض التنطع والجهل والغفلة وخلط الأولويات ـ فقد دخلت خيل نابليون الأزهر والمسلمون ممسكون بهما ـ تلتبس عليهم علوية القرآن وحفظه وعصمته دون أي كتاب آخر. وأشير في هذا المقام فقط لتيسير الأمر علي الباحثين المجدين الي تعليق الشهيد سيد قطب علي حديث البخاري ومسلم في السحر الذي أصاب النبي (ص)، يقول سيد قطب: وقد وردت روايات بعضها صحيح ولكنه غير متواتر أن لبيد بن الأعصم سحر النبي (ص ) في المدينة قيل أياماً وقيل أشهراً حتي كأنه يخيل اليه أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن وحتي يخيل اليه أنه فعل الشيء وأنه لم يفعله في رواية: ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله وكل قول من أقواله سنة وشريعة كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول (ص) أنه مسحور . (في ظلال القرآن، المجلد الأخير ـ تفسير سورة الفلق )، وهو نفس رأي الشيخ محمد عبدة الذي أكد أن مكية المعوذتين تنفي عنهما أي علاقة بالأحاديث الصحيحة التي تربطهما بالسحر المزعوم علي النبي (ص).

    المرأة

    ان الاجتهاد الاجتماعي الأكبر للدكتور حسن الترابي هو مساهمته الفذة في تحرير المرأة المسلمة وفق أصول القرآن وأصول السنة والسيرة، بعد أن استلبت شعار (التحرير) مناهج الفكر الغربي وأصول فلسفته المادية الاجتماعية، وحاولت مسخ المرأة المسلمة في الأخري الغربية. فالشيخ الترابي الذي أسس بجلاء أطروحته عن المرأة علي أصل التكليف المستقل لكل مؤمن كما هو لكل مؤمنة والمتماثل لكليهما وفق ظرفه وحاجته، بعد أن عُزلت المرأة المسلمة قروناً بأثر طغيان التقاليد علي السنن وألحقت تبعاً للرجل وأهملت عن كل كسب في العلم أو العمل. وقد صدرت النسخة الأولي من كتابه المعروف (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) في عام 1974 بعنوان اخر (رسالة المرأة)، وورد في تلك النسخة بالذات حديث (أبي داؤود) عن أم ورقة التي أذن لها الرسول (ص) في امامة أهل بيتها في الصلاة. وهو ذات الموقف الذي التزمه في كتابه الأخير السياسة والحكم الصادر عن دار الساقي عام 2003 ضمن أطروحة أكثر شمولاً، يقول الترابي في فصل (سلطة الأمارة والتنفيذ والادارة):
    الشرط الثاني الذي كتبه التاريخ علي الفقه كأنه حكم قاطع خالد هو الذكورة لولاية الأمارة العليا، وقد سبق البيان أن الذكر والأنثي في أصول الدين وتكاليفه سواء، الفضل لمن امن وعمل صالحاً. وأنهما لهما في سياق أسرة الزواج قسمة تكاليف متعادلة كلاً بما فضله الله علي الاخر، وأنهما في اطار السياسة في شركة موالاة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر أو مصابرة ومهاجرة وجهاداً وأيما ولاية علي أمر عام، ولأن الله فاضل ومايز بينهما لتأدية وظائف زوجيه ووالديه قد يخف التكليف أو يشتد بعد البوح السواء حتي لا يعوق في أيهما ما هو مهيأ له .
    ثم يقول الترابي في ذات السياق: ولكن فقهاء أحكام السلطان لم يتركوا تولية المرأة أمراً لتقدير شوري المسلمين يصرفونه غير مناسب، بل منعوه بحكم شرط الذكورة خالداً وبعضهم عمم الحكم لأيما ولاية أو قضاء، وقليل من أباح لها ولاية القضاء خصومات جنائية أو تعاملية وولايات العمالة الصغري التي عرفت منذ سنة عمر بن الخطاب مع الشفـاء، وغالبهم منع امامة الصلاة رغم الحديث الذي ولاها الامامة وهي أهل وأولي بها (السياسة والحكم ص 286)
    وللذين لا يعرفون سُنة عمر بن الخطاب مع الشَفاء فقد وَلاها شيئاً من أمر السوق. وأما الحديث الذي أورده أبي داؤود في كتاب الصلاة، باب امامة النساء: عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة أن الرسول (ص) لما غزا بدراً قالت له : يا رسول الله ائذن في الغزو معك أمَرِض مرضاكم لعل الله أن يرزقني الشهادة. فقال لها قري في بيتك فان الله عز وجل يرزقك الشهادة وكانت تسمي الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي (ص) أن تتخذ في دارها مؤذناً فأذن لها. قال عبد الرحمن وكان الرسول (ص) يزورها فجعل مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل بيتها، فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً. (انتهي الحديث)

    إمامة المرأة

    فاجتهاد الشيخ حسن الترابي كما حملته كتبه الموثقة قديم قبل عقود من صلاة الدكتورة امنة ودود في أمريكا، قد يوافي رأي الامام الطبري في جواز الامامة الكبري للمرأة أو رأي ابن حزم الظاهري في جواز امامة المرأة لزوجها اذا كانت أحفظ منه وأقرأ للقران، وقد يوافي رأي الأستاذ أبو الأعلي المودوي صاحب كتاب (الحجاب) الشهير في أواخر العقد الخمسين الماضي عندما أيد ترشيح الحاجة فاطمة جناح شقيقة القائد الباكستاني محمد علي جناح علي قائد الانقلاب المشهور يحيي خان، وأوضح أن شرطي الامامة هما الدين والذكورة وأن الدين أولي وأن الحاجة فاطمة تستوفي شرط الدين وان لم تستوفِ شرط الذكورة، وأن يحيي خان يستوفي شرط الذكورة ولا يستوفي شرط الدين ودعي أنصاره من ثم للتصويت لها. وهو ـ كذلك ـ اجتهاد لا علاقة له بالمشروع الأمريكي الصهيوني، كما سارع منخذلة الشيوخ ممن حاولوا (اعادة اكتشاف العجلة وفق السنة). فالمشروع اليميني الأمريكي الديني يؤمن بعودة المسيح ويري في قيام دولة اسرائيل معجلاً لأوانه ولخراب اليهودية من ثم... أو كما استخفت الاثارة الصحافية اخرين فانتحلوا لاجتهاد الشيخ وصفاً (الصلاة المختلطة)، فرأي الشيخ الترابي حول صف الصلاة واضح قديم لمن يبتغي الحق دون الاثارة وفي أشد كتبه انتشاراً وشهرة، يقول الترابي في كتاب المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص16، طبعة مركز دراسات المرأة: ولا ينبغي أن يزدحم الرجال والنساء بحيث تتقارب الأنفاس والأجساد الا لضرورة عملية كما في الحج وحيثما وجد الرجال والنساء في البيوت أو الطرقات أو المجالس العامة يجب أن تتمايز الأوضاع شيئاً ما. لذلك تمايزت الصفوف في الصلاة لأن في صفها يتراص الناس مقاماً ومقصداً ولأنها موضعٌ يتوخي فيه التجرد الشديد من كل صارف عن ذكر الله. وقد اتخذ الرسول (ص) باباً خاصاً للنساء (أبو داؤود): وقد روي البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (ص) اذا قام النساء حين يقضي تسليمه يمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم) انتهي.
    ان غالب خطاب الشيخ حسن الترابي ومحاضراته العامة قدمت في معاهد العلم العليا والجامعات، الا جمهور يُقدر فيه درجة أرقي من العلم والثقافة، فجاءت أغلبها تصوب نحو كليات المعاني وأصول القضايا، الا أن غالب الموضوعات التي شاعت في أحاديث الناس، كانت في مساحة الأسئلة التي تتاح للحاضرين بين يدي المحاضر، وأفصحت كذلك عما يشغل جمهورنا حتي المثقف عن أمهات القضايا والأسئلة وعبرت عما شاب فكرنا من قصور وتجزئة وذرية (كما يصف مالك بن نبي العقل المسلم المعاصر في كتاب مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي وكتاب مشكلة الثقافة وكتاب وجهة العالم الاسلامي وكلها مباحث جليلة في هذا الباب) كما عبرت عما يخالط نفوسنا من نفاق ورياء. فحديث الذبابة أو حادثتها الشهيرة جاءت في سؤال لسائل بعد محاضرة عن (تجديد أصول فقه الأحكام) بجامعة محمد بن سعود في مدينة الرياض السعودية في عام 1978، وكانت الاجابة في سياق مباحث أصول العلم الديني الشرعي وأصول العلم الديني الطبيعي ومساحات الاجتهاد فيهما، وهي قضية ظلت تطرح في كتب الأصول والفقه والمقاصد من قديم وحديث (الرسالة للشافعي، ورد واصل بن عطاء المعتزلي حول حجية المعقول علي المنقول، وأبو عبيدة القاسم بن سلام صاحب كتاب الأموال 242هـ، وحجة الله البالغة للكندهلوي).
    وكذلك ما يعرف بموضوع (زواج المسلمة من الكتابي) جاء في سياق رد علي سؤال لمسلمة أمريكية حديثة عهد بالاسلام، أسلمت دون زوجها وهي تطمح في اسلامه، وبينهما الأولاد والأموال والبيوت والشركات، وكان ذلك في محاضرة في مؤتمر حول الأسرة بمدينة لارسنغ بولاية ميتشيغن عام 1980، ولم يقطع الشيخ فيها برأي ولكنه قلـَب لها وجوه فقه المسألة كما يعرفها جيداً ودعاها للتفكير المستقل في قضايا مجتمع جديد يشبه مجتمع الاسلام الأول الذي كان ينتقل نحو الاسلام وليس مثل حاضر مجتمعات المسلمين المستقرة في الاسلام أباً عن جد. فالترابي لا يحيط رأيه بأي قداسة ولا يسميه فتوي، بل هو يعتبر كل فتوي اجتهادا أو وجهة نظر، ورأيه للمسلمة الأمريكية هو نفس الاجتهاد الذي أقره المجلس الاسلامي الأوروبي في عام 2003 وطلب الشيخ يوسف القرضاوي أن تذيل الفتوي بتقديره الشخصي وشكره للدكتور حسن الترابي، الذي سمع منه هذا الرأي قبل عقدين وأنه عثر عليه بعد ذلك في كتاب (اعلام الموقعين لابن القيم).

    حد الردة

    أما القضية التي يطلق عليها (حد الردة) فقد جاءت بعد محاضرة بجامعة الخرطوم (حول قضايا تطبيق الشريعة) في عام 1979،تحديداً من تلامذة الفكر الجمهوري الذين استنكروا اجتهاد الشيخ الترابي (المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل)، وأصدروا في ذات ليلة المحاضرة كتيباً يحمل عنوان (الترابي يخرج علي الشريعة باسم تحكيم الشريعة) وهو ـ علي أية حال ـ الرأي الذي يتبناه غالب رموز الفكر الاسلامي المعاصر (من المستشار سالم البهنساوي الي راشد الغنوشي مروراً بالدكتور محمد سليم العوا والدكتور طه جابر العلواني) ويخالفون به جمهور الفقهاء القديم.
    وكما اضطربت بالجاهلين والمرجفين الاجتهادات التأصيلية الفقهية للشيخ الترابي، اضطربوا ازاء مصطلحه الأصيل ولغته الفذة العميقة ولم يقدروا سعيه المجتهد في سبيل لغة (فصيحة جميلة)، أو كما قال في مقدمة كتابه المصطلحات السياسية في الاسلام: أصاب المسلمين بؤس في فقه حياتهم السياسية ومقاصدها ووسائلها ونظمها وعلاقاتها، وأخذت بعض الكلمات التي تشير بأصولها الصرفية الي توحيد ديني عام لكل شعاب الحياة، تطور الي دلالة خصوص يحصر عمومها الي محدود. فكلمة (فقه) ـ مثلاً ـ كان معناها الفهم العميق لايات الله في كتاب التنزيل، ثم علي الفهم الساذج في ذلك لا يبلغ حكمة الله، ثم علي الحفظ بغير شيء من الفهم .
    ومن ذلك ما توهمه البعض أن مصطلح (التوالي) الذي جانب به الشيخ الترابي الظلال غير التوحيدية لكلمة (التعددية)، فظنوه تحايلاً ابتدعه لمنع الأحزاب في دستور 1998، وهو مصطلح استعمله في كتاب (الايمان ـ أثره في حياة الانسان، 1973) و(بحث الاسلام والدولة القطرية، 1983) وكتاب (الحركة الاسلامية في السودان، التطور، الكسب، المنهج، 1989)، وهو ذات الأصل الذي استعمله اللبنانيون بغير كثير حرج وهم يقسمون ساحتهم السياسية الي موالاة ومعارضة. كما ظن اخرون أن مصطلح (الاجماع السكوتي) الذي تداول حوله فقهاء الأصول منذ القرن الثاني الهجري من نحت الدكتور الترابي، وان كان هو من بعثه واستعمله في سياق العملية الانتخابية المعاصرة بعضاً من نهجه في تأصيل اللغة وبث الحياة في مصطلحاته الدقيقة المهجورة. ان تفاصيل رؤية الشيخ حسن الترابي لجملة هذه القضايا، مظانها الحقة هي أدبه المكتوب وكتبه المنشورة، والتي يتعهدها قليل من الباحثين اليوم بالدراسة المعمقة ويعكفون عليها جماعات، كما كان الحال في سالف عهد الحركة الاسلامية السودانية، أو كما هو اليوم في بعض مدن أوروبا (السياسة والحكم 527 صفحة، التفسير التوحيدي للقران المجلد الأول 942 صفحة، المصطلحات السياسية في الاسلام 83 صفحة، أصول فقه الأحكام تحت التحرير ، الأعمال السياسية الكاملة تحت الطبع 500 صفحة وغيرها). ان النظر الموضوعي يؤكد أن الشيخ حسن الترابي أقل الناس حاجة لأصوات السمعة والشهرة فقد بلغ صيته الافاق وهواليوم مرجع وقدوة، ورغم العمر الممتد الذي قضاه محاضراً ومخاطباً وكاتباً، فهو أقل العلماء المفكرين ميلاً الي التفريع وتكثيف الشواهد أو التماس الأسماء أو نظم العنعنات، سوي كثافة ظاهرة غالبة لأي القرآن في أدبه المكتوب، وأن تناول اجتهاده والتفاعل معه يقتضي مسؤولية أكبر لا تجدي معها الأخبار الصحفية التي تلتمس الاثارة، فالترابي المفكر العظيم لا يبسط الريب والشكوك وانما يقدم عصارة علم كبير واطلاع مثابر مصابر ودراسة مجتهدة... لو أنهم يعلمون، لو أنهم يقرأون.





    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\01\01-14\z...َليَ%20بدءِ%20%20fff
    _________________
                  

04-23-2008, 04:03 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    والي المعارك والردود والهجوم العنيف الذي شنه الدكتور مصطفي محمود في مقاله بمجلة اكتوبر يوم الاحد الذي يكتبه تحت عنوان ـ تأملات ـ ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة وتعسفها في التفسير والتضييق علي الناس وميل المتطرفين الي تكفير من يختلفون معهم والتفتيش في نفوسهم. وقال: ولقد كنت هدفا لتلك الموجة حينما اصدرت كتابي القرآن محاولة لفهم عصري فطلع من السودان كتاب أسود في حقي من تأليف محمود محمد طه يتهمني بالكفر والضلال، وقد شنق هو نفسه بعد ذلك بنفس التهمة، شنقه حكم قضائي في عهد النميري، ولم يكن الكتاب الوحيد الذي اتهمني بل تلاه عده كتب. واتهمت حينذاك بأني قادياني وبأني بهائي، واوقف الكتاب من التوزيع في مصر ثم افرج عنه بتدخل شخصي من الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الازهر حينذاك، والدكتور عبد العزيز كامل وزير الاوقاف والدكتور عبد العزيز كامل كان من الاخوان والشيخ عبد الحليم محمود كان صوفيا عالي المقام، ولولا هذان الرجلان المستنيران لظل كتابي الي الان في المخازن. ان التفتيش في الضمائر من عمل الله وحده ولا يجوز ان نتهم بالكفر من يقول لا اله الا الله .
    جريدة القدس اللندنية عدد 31/12/2002
                  

04-23-2008, 04:04 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    منصور خالد وعبء المثقف السوداني

    د. عبدالوهاب الأفندي
    22/05/2007

    بيني وبين وزير الخارجية السوداني الأسبق والمفكر السوداني خلاف في الرأي والمواقف السياسية قديم، ولكن هذا لا يمنعني من متابعة كتاباته الغزيرة بكثير من الاهتمام، حتي لا أقول الإعجاب.
    ذلك أن هناك نوعا من الكتابة والتناول يرفع مستوي الحوار ويثري النقاش بما يطرحه من أفكار قائمة علي نظرة متعمقة للأمور، وبين التناول الفج للأمور في مناخ غلب علي الخطاب السياسي فيه الابتسار وقلة التفكر والتدبر والتنابز بالألقاب. وهناك علي ما يبدو شيء ما في الساحة السياسية السودانية يباعد بين أهلها وبين أي التفات إلي التفكر المتعمق في شؤون البلاد والعباد.
    وقد واجهت هذه الإشكالية حين كنت مشغولاً بإعداد بحوثي الدراسية حول الحركة الإسلامية في السودان، حيث أخذت أنقب عن الكتابات السياسية للأحزاب والشخصيات السياسية، فذهلت لفقر المكتبة السودانية في هذا المجال. فلم تكد توجد في تلك الفترة (منتصف الثمانينات) أي مؤلفات فكرية في مجال السياسة، سوي كراسات متفرقة (معظمها لحزب الأمة) ومحاضرات قليلة (للإسلاميين، وللشيخ حسن الترابي خصوصاً) وبضع مذكرات سياسية لأشخاص غاب معظمهم عن الساحة. حتي الحزب الشيوعي السوداني المفترض فيه أن ينتج كتابات ذات طابع أيديولوجي خلا مكانه في رف المكتبة السودانية إلا من كتابين، أحدهما تقرير المؤتمر الرابع (والأخير) للحزب الذي انعقد في عام 1967. الاستثناء الوحيد كان حركة الإخوان الجمهوريين التي أنشأها المفكر الراحل محمود محمد طه، والتي أثرت المكتب بكتب ورسائل عديدة في شرح أفكارها ومنطلقاتها، وإن كان معظم انتاجها يركز علي النواحي العقائدية والروحية أكثر منه علي القضايا السياسية. في ذلك الخضم كان هناك كتاب صغير للدكتور منصور خالد نشره علي شكل مقالات في الستينات ثم صدرت في مطلع السبعينات في كتاب بعنوان حوار مع الصفوة . وقد لفت اهتمامي أن ذلك النص كان (إذا تجاوزنا الصفوية المضمنة في العنوان) متقدماً علي زمانه بكثير، حيث تناول بتعمق التحديات السياسية والاقتصادية التي كانت تواجه البلاد حينها وسعي إلي إثارة النقاش حولها. وبحسب علمي فإنه كان أيضاً نصاً يتيماً، بحيث لم تكتب نصوص بنفس العمق في تلك الفترة، حتي من منطلق الرد عليه. ويجب أن نضيف أيضاً أن الدكتور نفسه لم يكتب إضافة إلي نصه ذاك إلا بعد أكثر من عقد من الزمان، بعد أن بدأت متاعبه مع نظام الرئيس النميري. كان هناك استثناء آخر نسبي، تمثل في مقالات عثرت عليها قبل ذلك بالصدفة في آخر عهدنا بالدراسة الجامعية وأنا أطالع مجلة الخرطوم الشهرية التي كانت تصدر في الستينات. كانت تلك المقالات لأستاذ جامعي انتقل بدوره للعمل في نظام النميري في تعاون وثيق مع الدكتور منصور خالد، وهو الدكتور الراحل جعفر محمد علي بخيت. في تلك المقالات (التي صدرت في مصادفة ذات مغزي في الأشهر القليلة التي سبقت انقلاب النميري في أيار (مايو) عام 1969)، تناول د. بخيت الأزمة السياسية المزمنة في السودان وما سببته من عدم استقرار، وخلص إلي نظرية مفادها أن السودان يفتقد إلي حكم مركزي قوي مثل الذي كان خبره علي أيام الحكم البريطاني. وقد وصف بخيت الحاكم العام البريطاني بأنه كان يشبه الشمس التي كانت تدور حولها أفلاك القوي السياسية السودانية المتشاكسة، فلما أفل انفرط عقد الكواكب وأصبحت تهيم علي غير هدي. وخلص إلي ضرورة إيجاد بديل تكون له نفس المواصفات، بحيث يوفر عنصر الثبات مقابل تقلبات السياسة.
    ولم يبلغ الأمر بالدكتور بخيت أن يطالب بنظام رئاسي قوي، بل اكتفي بالمطالبة بإعطاء الخدمة المدنية قدراً كبيراً من الاستقلال بحيث تمثل عنصر الثبات. ولكن حينما جاء الأمر إلي الواقع العملي فإن د. بخيت (ومعه د. منصور خالد ومجموعة صغيرة من الخبراء) حاولوا أن يجسدوا هذه الفكرة في دستور عام 1973 الذي أعطي الرئيس النميري صلاحيات واسعة، قام بعد ذلك باستخدامها في غير ما كان مصممو الدستور يأملون.
    ليس هذا مجال نقاشنا هنا علي كل حال، وإنما كان القصد أن نلفت إلي الحالات النادرة التي كان هناك من يطرح فيها للتداول العام أفكاراً ذات وزن وقيمة في قضايا السياسة والفكر. ولا يعني هذا أنه لم يكن هناك غير هؤلاء من يطرح أفكاراً مهمة وجريئة في المجالس الخاصة أو المحافل السياسية. فلا شك أن أعضاء الحزب الشيوعي كانوا يتداولون فيما بينهم حول شروط الثورة الاشتراكية، كما أن الإسلاميين كانوا يتداولون حول القضايا ااسلامية. وكان السياسيون كلهم يتداولون حول قضايا مثل الفدرالية والنظام السياسي في البرلمان وغيره. ولكنا نعني هنا الأفكار الناضجة والمتطورة التي كانت تطرح كتابة للتداول العام، والتي كانت قليلة إن لم تكن معدومة.
    ما أثار هذه التأملات هو أن الدكتور منصور خالد قد عاد في الأسابيع القليلة الماضية إلي خوض حلبة الجدال السياسي، أولاً في سلسلة من المقالات نشرها في جريدة الرأي العام السودانية حول اتفاقية السلام بمناسبة مرور عامين علي إبرامها، وثانياً في سلسلة المقابلات التي نشرت في القدس العربي في نيسان (أبريل) الماضي وأجراها معه باقتدار (وربما بتحفظ أكثر من اللازم) الصديق كمال حسن بخيت. ولا أريد في هذا المقال أن أناقش مقالات الرأي العام، أولاً لكثرة القضايا التي ناقشتها، وثانياً لغلبة الطابع الحزبي عليها، حيث أن د. منصور العضو القيادي في الحركة الشعبية كان يدافع إلي حد كبير عن موقف حزبه، وهو أمر لا غبار عليه، ولكن الدخول في جدال مع منتسبي الأحزاب يطول ويدخل المجادل في متاهات لا نربأ بأنفسنا عنها، ولكن لكل مقام مقالا.
    أما مقابلة القدس العربي فإنها تستحق وقفة لأن د. منصور خالد أجري فيها ما يشبه التقييم لمسيرته الفكرية والسياسية، فأصبحت أقرب إلي كتابة المذكرات، خاصة وأنه أفصح فيها عن رفضه لكتابة المذكرات، مستشهداُ في ذلك بفرويد الذي قال إن الناس لايستحقون إطلاعهم علي كل شيء. وفي تلك المقابلة تحدث د. خالد مطولاً عن تجاربه السياسية والعوامل والأشخاص الذين أثروا في تكوينه الفكري والمهني، وعن تقييمه لمسيرة السياسية السودانية، وبالطبع عن دوره الشخصي المثير للجدل كوزير في حكومة النميري وكقيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان (اعتذر عن الأول وتمسك بالثاني).
    وقد أصاب د. خالد في كثير من تحليلاته، وقد كان دقيقاً حين قال إن وقوع مثقفي الحركات الوطنية في براثن الطائفية لا يمكن تفسيره بالانتهازية وانما بـ الذريعية ، وأنصف الرعيل الأول السياسيين السودانيين، ولفت النظر إلي مناقبهم، حتي وهو يتهمهم بارتكاب أخطاء كبيرة ساهمت في الأزمات التي ماتزال البلاد تعيش ذيولها. وبحسب د. خالد فإن الخطيئة الكبري للسياسة السودانية تمثلت في العجز عن تطوير السودان الجغرافي واستخراج السودان السياسي منه عبر سياسية تستوعب مكونات السودان المتعددة. وقد ربط د. خالد بين هذا الخلل وما وصفه بالتوجه العروبي للسودان علي حساب هويته الافريقية. وفي هذا الصدد أشاد د. خالد بزعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، ودافع عنه ضد اتهامه بالانتماء الماركسي (في معرض الدفاع عن نفسه ضد تهمة الانتقال الفجائي من موقفه الليبرالي الموالي للغرب الذي اشتهر به إلي الانتماء إلي حركة ماركسية راديكالية)، بالقول بأن قرنق لم يكن ماركسياً بل كان سودانوياً، يسعي إلي تطوير هوية سودانية جامعة تكون أساساً للسودان الجديد. وقال في معرض تعليقه علي شعار الإسلام هو الحل الذي يطلقه بعض الإسلاميين بقوله: أنا أيضا أقول قد يكون الحل في الإسلام، ولكن أي فهم في الإسلام .
    وقد اعترف د. خالد بأنه قد ارتكب أخطاء في حياته السياسية، قائلاً إنه ينتمي إلي النخبة السودانية التي أدمنت الفشل وأن كتاباته التي انتقدت هذه النخبة تمثل نقداً ذاتياً، وإن كان دعا إلي التماس العذر له. وبحسب د. خالد فإن مشاركته في الحكم الدكتاتوري في عهد النميري يجب أن يفهم في إطاره الزمني، وأضاف: في واقع الامر الحكم علي موقفي هذا لا بد ان يتم بادراك الظروف التي احاطت به. ونحن كنا نعيش في عصر هو عصر ثورات، في كل المنطقة سواء كانت في الدول العربية او في افريقيا، فترات عصر الحزب الواحد، عصر الزعامات الكارزمية، كانت كل دولة في الوطن العربي، كانت كل دولة في افريقيا تبحث لها عن عناصر، ويعني كانوا كلهم يفكرون بالطريقة التي يفكر بها الفنان عبدالحليم حافظ الذي كان يغني (يا بطل هات لينا نهار)، يعني الكل يبحثون عن النهار وعلي يد بطل ، وطبعا هذا المنهج في التفكير قائم علي نظرية الاصلاح من اعلي الي اسفل وهذا نوع من الاصلاح لا يصطحب الناس، واثبتت التجارب انه يقود دائما الي كوارث .
    ولعلها مفارقة كبري أن د. خالد وصديقة د. بخيت قد دفعا الثمن الأكبر من الانتقاد، بل وما يشبه الشيطنة بسبب مشاركتهما في نظام النميري، رغم أن دورهما كان ينحصر أكثر في النواحي الإيجابية، مثل تحسين صورة السودان الخارجية وإصلاح علاقاته الدولية في حال د. خالد، وإصلاح الحكم المحلي في حال د. بخيت. ومع هذا فإن ما تعرضوا من هجوم كان أكبر بكثير من الهجوم الذي تعرض له رجال الجيش والأمن. ولعل هذا يعود من جهة إلي أن الجماهير تتوقع من المثقفين أن يلتزموا بمستوي أخلاقي عال، وربما يعود هذا إلي أن مساهمة رجال الفكر تكون أبرز في الإعلام. وقد تعرض د. خالد لمحاولة اعتقال عند عودته إلي السودان بعد سقوط النميري في حين كان يتوقع أن يكون موضع حفاوة وترحاب. ولعل هذا لعب دوراً في اختياره بعد ذلك بقليل إعلان انضمامه إلي الحركة الشعبية.
    ولكن إن كان د. منصور خالد قد أصاب في كثير مما أورده، فإن الصواب جانبه في تحليلات أخري، وهذا ما سنعود إليه إن شاء الله في مقالتنا القادمة.
    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\21e50.htm...0الأفندي&storytitlec
    _________________
                  

04-23-2008, 03:21 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عمر هواري، «الولايات المتحدة الامريكية»، 17/10/2006
    الأمر لا يعدو كونه صراع نفوس حول السلطة والمال. فهذه الحركة التي لم تقدم أي منهاج لتربية أفرادها على النهج الديني الذي تدعيه وتجاهر به والذي خول لها اضطهاد شعب بأكمله بحجة أنه يحتاج الى وصاية كوادرها. لكن بحمد الله تكشف كل شيء للشعب السوداني الصابر وعرف من أي طينة عجن هؤلاء. وحسنا أن صارت كوادر الجبهة توثق لهذا التاريخ المخزي فلعل ذلك يقنع ما تبقى من المتمسكين منهم بحلم الدولة الإسلامية المدعاة. وهذا تأكيد لبشارة الأستاذ محمود عن الاخوان المسلمين بأنه (سينتهي أمرهم فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا). جزيل الشكر للأستاذ محمد الحسن أحمد على قلمه الواعي الذي يستخدمه كمبضع لتشخيص وإزالة أمراض هذا التنظيم المهووس.


    http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=1017...يكتاتورية&state=true
                  

04-23-2008, 03:22 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وما سبقه إليه الشيخ محمود محمد طه (أُعدم 1985) في «الرسالة الثانية» من دعوة صوفية إلى عفة العقل لا فرض الحجاب، زدت عجباً بتكور الزمن لا انطلاقه كالرمح، ولم يترك الأولون في شرقنا للمتأخرين من حداثة مقالة!


    http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=395502&issue=10235
    _________________



    التعليــقــــات

    عيدالله عثمان - أوهايو أمريكا، «الولايات المتحدة الامريكية»، 07/03/2007
    فى السودان علق رجل عفيف اسمه محمود محمد طه في أعواد المشانق لأنه كان يحمل قلما وفكرا - يمجده العالم الآن ولا يذكر أحد إسم قاضيه وسينسى الناس بعد قليل في أي عهد قتل ولكن بكل التمجيد سيذكرون الشيخ الذي قال لا وكان عمره ستا وسبعين عاما حينها.


    http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&artic...e=409503&issue=10326
                  

04-23-2008, 03:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    لندن: «الشرق الأوسط»

    «في السعي الى الذات العليا – دراسة نقدية في فكر محمود محمد طه»، كتاب صدر حديثاً (بالانجليزية) لمؤلفه د. محمد أحمد محمود، عن مطبعة جامعة سيراكيوز يونيفيرستي برس (سلسلة التاريخ الفكري والسياسي الحديث للشرق الأوسط) في 296 صفحة.

    ومحمود محمد طه ـ موضوع الكتاب ـ هو مؤسس «الحزب الجمهوري» السوداني الذي سعى في منتصف الأربعينات الى استقلال البلاد عن التاج البريطاني، والذي انبثق عنه في ما بعد التيار الفلسفي الإسلامي المعروف باسم «الفكرة الجمهورية» ثمرة لأفكار طه وتنظيراته لصياغة رؤية إسلامية جديدة. وقد وجدت هذه الدعوة صدى عميقا وسط بعض صفوة المتعلمين المستنيرين، خاصة طلاب المؤسسات التعليمية العليا في عقدي السبعينات والثمانينات. لكنها اصطدمت بالمؤسسة المحافظة وانتهت المعركة بين الطرفين بإعدام طه في 18 يناير (كانون الثاني) 1985.

    يتناول الكتاب موضوعه من حياة طه منذ مولده عام 1909 ببلدة رُفاعة في أواسط السودان مرورا بمرحلة شبابه مهندسا بمصلحة السكك الحديدية ونضاله السياسي والاجتماعي وخلوته بغرض التأمل، حتى خروجه بمشروعه الإسلامي الجديد. وتتابع فصول هذا المشروع فتقدم للقارئ دراسة عميقة لطبيعة المساهمة الفكرية لطه من ناحية وتقييم هذه المساهمة نقديا من ناحية أخرى. ويقوم منهج المؤلف على كشف علاقة الاستمرار والانقطاع بين مشروع طه الفكري والمصادر التراثية (خاصة الصوفية) والحديثة التي تأثّر بها. وفي معالجته التفصيلية لفكر طه يتناول نظريته الصوفية عن الصلاة ومنهجه في تفسير القرآن وموقفه في مسألة التخيير والتسيير وبرنامجه الحداثي في الاصلاح الجذري، ورؤاه في الشريعة وموقف الاسلام الحقيقي من العلم ومن الفنون.

    وفي التطرق لكل هذه الجوانب يحرص المؤلف على تأكيد وإبراز التوتر الذي يتسم به فكر طه في حركته بين قطبي الأصالة التراثية والحداثة.

    والمولف، د. محمد محمود، الذي يحاضر في قسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز الاميركية، بوستون، تربطه معرفة وثيقة بمحمود محمد طه وبالكثير من طلابه، وبذا فهو يعكس للقارئ منظور الحركة الداخلي وصورتها عن ذاتها بالإضافة الى رؤيته لمنظورها الخارجي كباحث. وهو في كتابه هذا لا يكتفي بالتوغل في دنيا الفكرة الجمهورية وصاحبها، وإنما يتيح لنا الفرصة لقراءة مستنيرة في الوعاء الأكبر المتمثل في أحد أهم فصول التاريخ الفكري والسياسي الحديث في السودان، والقضايا الكبيرة الملحّة التي يثيرها التقاء الاسلام والحداثة في العالم اليوم.



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=1027...حمود%20طه&state=true
    ___
                  

04-23-2008, 03:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كتاب عرب وأجانب يناقشون فكر وممارسات الحركات الإسلامية في مصر والسودان
    لندن: الخاتم عدلان
    كتاب «الإسلاموية وأعداؤها في القرن الإفريقي» (هيرست أند كومباني لندن، 2004)، يتكون من ستة بحوث ألف ثلاثة منها بالاشتراك كل من أليكس دي وال، وعبد السلام حسن عبد السلام، وبحث منفرد لكل من أليكس دي وال، ومحمد محمد صالح ورونالد مارشال. وحررها وكتب مقدمة الكتاب أليكس دي وال.
    يناقش الكتاب فكر وممارسة الحركات الإسلامية في وادي النيل والقرن الإفريقي، مركزا على التجربتين المصرية والسودانية. وسينعكس هذا التركيز على عرضنا للكتاب الذي نعتقد أنه مساهمة عميقة ومتفردة في نقد تجربة الحركات الإسلامية في هذا الجزء من إفريقيا.

    .يقول الكاتبان إن الترابي شارك في إنقلابين عسكريين، وكان المهندس الحقيقي للثاني، الذي كان يوجهه من منزله، أولا، ثم من مؤسساته، كما أنه كان منظر أكثر الحروب دموية في تاريخ السودان ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان التي سماها جهادا.. (ص:88 ـ 89) كما قاد ما يسمى بحفلات «عرس الشهيد» التي كانت تجبر فيها العائلات على الاحتفال بموت أبنائها. وأيد ما سمي بأحكام الشريعة على عهد نميري رغم ركاكة صياغتها، وحشد من أجلها كل أتباعه. أيد إعدام محمود محمد طه، بحكم الردة وسماه «الذبح العظيم». أشار الكاتبان إلى تناقضات فكره الذي يأخذ بالشمال ما يعطيه باليمين وأوردا الأمثلة على ذلك:



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&issue=9546...حمود%20طه&state=true
    ______
                  

04-23-2008, 05:05 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

04-23-2008, 05:06 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الفصل الثامن: السماحة و التسامح أم العنف؟

    * (2) تم حذف الفقرة التالية من صفحة 117: «وعلى أية حال ، فإن صوت العقل اليوم يمثل الإتجاه السائد، الذي يدين الحكم بقتل المرتد، لكونه مخالفاً لسماحة الإسلام، ومن الشخصيات التي تمثل هذا الاتجاه، محمد أسد (2)، وفتحي عثمان الذي صرح بأن إعدام طه محمود طه مناف للإسلام، بدون أي تحفظ». الطريف أن طبعة العبيكان «الخاصة» أبقت، من المؤكد سهوا، كلام المؤلف الوارد في صفحة 120 الذي يؤيد الرأي المحذوف من أن حد قتل المرتد يتنافى مع سماحة الإسلام حيث ورد: «ليس من المعقول إطلاقا، أن الله يريد بالآية «لا إكراه في الدين» الحفاظ على الكرامة الأدبية والأخلاقية، وحرية الإلتزام الخلقي لغير المسلمين، وفي الوقت نفسه يرضى، سبحانه، للمسلمين الإكراه».




    http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&issue=9049...حمود%20طه&state=true
    ____________
                  

04-23-2008, 05:07 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    انه لا يمكن ان نبخس جهود متنورين يجعلون وكدهم مقولة جوته الشهيرة: ما ترثه عن ابيك اكتسبه لكي تمتلكه. واذكر هنا احد الجهابذة الذي سعى ان يطور الفكر الاسلامي من ارضية اسلامية دونما نبذ للدين او عزوف عنه، انه محمود طه السوداني. لقد دفع الثمن غاليا، وكان نصيبه الشنق.




    http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issue=9015&a...حمود%20طه&state=true
    _________
                  

04-23-2008, 05:07 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نقد الإصولية وتحرير المرأة
    فريدة النقاش في «حدائق النساء»: معركة تحرر النساء لن يخوضها غيرهن وهي مرتبطة بتحرير المجتمع كله
    والمفكر السوداني محمود محمد طه والدكتور نصر حامد أبوزيد.
    وذكرت المؤلفة ان المصير المأساوي الذي واجه المفكرين السوداني محمود محمد طه الذي تم اعدامه والدكتور نصر حامد أبوزيد الذي حكم عليه بالردة وتطليقه من زوجته بالاضافة الى ما حدث لغيرهم على امتداد الوطن العربي عطل حركة الاصلاح الديني في المجالات كافة، فقد ظلت حرية الفكر والعقلانية والحريات الديمقراطية عرضة للعصف بها عند كل منعطف حاسم.



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&issue=8944...حمود%20طه&state=true
    ________
                  

04-23-2008, 05:09 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    «محمود»... مسرحية سودانية في لندن


    لندن: «الشرق الأوسط»
    تقدم جماعة فنون الأداء السودانية اليوم الجمعة عرضا مسرحيا باللغة العربية بقاعة «فينشر سنتر» الكبرى الكائنة في وورنينغتون رود بمنطقة لادبروك غروف غرب لندن. والعرض الذي يحمل اسم «محمود»، هو من تأليف واخراج عثمان جعفر النصيري.
    والنص يقدم في الذكرى السابعة عشرة للمحاكمة الشهيرة التي تمت في السودان لمحمود محمد طه زعيم الحزب الجمهوري اثر توزيع الحزب لبيان انتقد فيه التشريعات التي طبقها الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، ووصفها بأنها «لا اسلامية ولا عادلة». غير ان التهمة الموجهة لمحمود وأربعة من جماعته تحولت من تهمة «اثارة الكراهية ضد الدولة» الى محاكمة فكرية اتهم فيها محمود وتلاميذه «بالزندقة والخروج عن الدين الصحيح والردة». وقضت محكمة الموضوع باعدام محمود وتلاميذه الأربعة وأيدتها محكمة الاستئناف، كما أيدها رئيس الجمهورية. ونفذ حكم الاعدام امام حشد كبير من مؤيدي الحكومة على محمود طه الذي رفض مجرد التحدث الى المحكمة ووصف قضاتها بأنهم «ليسوا مؤهلين دينيا ولا اخلاقياً» كما رفض التعاون مطلقاً مع المحكمة ولاذ بالصمت فيما تنازل تلاميذه وقبلوا الاستتابة التي بثت عدة مرات على شاشات التلفزيون في يناير 1985.

    يشترك في التمثيل سلمى بابكر الريح وتؤدي دور المنادية، والزميل محمد المهدي عبدالوهاب ويؤدي دور قاضي محكمة الاستئناف وعز الدين طه وسيف الحلفاوي (الادعاء) وعاصم نورين في دور عبد اللطيف احد تلاميذ محمود المستتابين. ويشارك ايضا محمد عثمان عبد الحميد والقاضي السوداني السابق اسماعيل التاج وانشراح احمد ومواهب ميرغني وعادل مانديلا ومعتز سنجة.
    =



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=8453...حمود%20طه&state=true
    _________________
                  

04-23-2008, 05:10 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

04-23-2008, 05:11 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    «إعدام محمود محمد طه» في لندن


    لندن: «الشرق الأوسط»
    تستمر في لندن حاليا بروفات مسرحية «محمود» التي ستقدمها جماعة الاداء الفني السودانية بقيادة المخرج وكاتب المسرحية عثمان جعفر النصيري يوم 18 يناير (كانون الثاني) المقبل في لندن.
    والمسرحية عن محاكمة المفكر السوداني محمود محمد طه. ويشارك في التمثيل سلمى بابكر ممثلة المسرح الجامعي السابقة، ومجموعة من الممثلين الهواة منهم عاصم محمدين وعز الدين طه ومواهب ميرغني وعثمان عبد الحميد ومحمد المهدي عبد الوهاب واسماعيل التاج وسيف الحلفاوي وعبد الباقي العوض.

    وقال الكاتب والمخرج النصيري لـ «الشرق الاوسط» انه سيقدم هذا العمل الفني في اليوم الذي حوكم فيه المفكر السوداني بالاعدام، مشيرا الى ان نص المسرحية استفاد الى حد كبير من محاضر القضاة والذين استتابوا المحاكمين بعد تنفيذ حكم الاعدام على قائدهم. واضاف: سيكون العرض مناسبة طيبة لاطلاق النشاط المسرحي والثقافي لجماعة الاداء الفني السودانية، لافتا الى ان المسرح والتمثيل يمثلان جانبا واحدا فقط من نشاطاتها.




    http://www.aawsat.com/details.asp?section=24&issue=8429&article=79
                  

04-23-2008, 05:25 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    خالص جلبي
    ---------
    قانون تبادل الأدوار

    تقابل الأفكار الجديدة دوماً بالدهشة والرفض. أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب. فتقاوم بضراوة. أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد. ويتعطل العقل مقابل التشبث بالبنى الذهنية التقليدية. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق. وهذا شيء طبيعي بسبب ضرورة تكرار المجتمع لإنتاج نفسه.
    وفي عام 1971 أعدم (محمود طه) في السودان بيد الطغمة العسكرية بتهمة الردة وكان الرجل مجددا ولم يكفر ولم يرتد ولكنها السلطة التي لا تتحمل النقد والمعارضة.



    http://www.aawsat.com/leader.asp?article=57209&issue=8324§ion=3
    _________________
                  

04-23-2008, 05:25 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مصير الطغاة
    خالص جلبي
    ومات الحلاج صلبا في بغداد بكلمة اختلقت ضده بعد جلده ألفاً وقطعت اطرافه. ومات الحسين وجميع آل البيت معه ذبحا على يد يزيد الخليفة الاموي. وانهى المفكر السوداني محمود طه حياته وهو يتأرجح على حبل المشنقة بتهمة الردة. ماتوا جميعا لا لذنب فعلوه بل من اجل افكارهم ونشاطهم.





    http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=39426&issue=8212
                  

04-23-2008, 05:26 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لا تغضبوا: قراءة جديدة لصلاح الدين الأيوبي
    خالص جلبي
    ولعل كثيرين لا يعلمون عن صلاح الدين، أنه هو الذي وقع على إعدام الصوفي (السهروردي)، مذكرا بما حصل للحلاج، في قتل الناس من أجل أفكارهم. وعرض (ابن أبي أصيبعة) في كتابه (طبقات الأطباء) سيرة الشاب الحلبي، الذي قتله حاكم حلب الملك (الظاهر) أخو صلاح الدين، بعد أن أرسل إليه أنه قد أفسد عقيدة الناس، فأرسل إليه يأمره بقتل الرجل، وبفتوى من وعاظ السلاطين.

    =======
    التعليــقــــات
    وأنه لايوجد نص واحد في القرآن يفتي بقتل من غير رأيه أو بدل دينه ولو ثلاث مرات، وأن قتل السهرودري وفرج فودة ومحمود طه وسيد قطب من أجل آرائهم يحزن النبي، ويخون مباديء القرآن، ويخالف تعليمات الأنبياء، وأنه ضعف في مواجهة الفكر بالإرهاب، وهو خطأ فادح من صلاح الدين وغير صلاح الدين



    http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?article=299702&issue=9667§ion=3
    _________________
                  

04-23-2008, 05:27 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مجموعات دينية سودانية «تكفر الترابي».. ومذكرة للرئيس تطالب بحماية «الفكر»
    الخرطوم: إسماعيل آدم
    واضاف البيان «ينبغي لولاة الامر ان يستتيبوه فان رفض يجب ان ينفذ فيه حد الشرع حماية لجانب الدين وان يحجروا عليه وعلى كتبه وان يمنع من المقابلات». وطالب الشيخ الامين الحاج رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان الرئيس عمر البشير بتشكيل محكمة خاصة اسوة بالتي شكلها الرئيس السابق جعفر نميري لمحاكمة محمود محمد طه زعيم الفكر الجمهوري، معتبراً ما جاء به الترابي من فتاوى اشد خطورة مما كان يردده محمود محمد طه. وابدى رئيس لجنة الدعوة بالرابطة الشيخ محمد عبد الكريم استعداد الرابطة التام الى مناظره الترابي امام الملء في اي مكان وزمان يختار.



    http://root.aawsat.com/details.asp?section=4&issue=10009&article=359761
    _________________
                  

04-23-2008, 07:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أخبارهــم في كـل مكان
    * تقيم رابطة الفكر الإسلامي السلمي بجامعة أيوا في الولايات المتحدة، اليوم الأحد احتفالا بالذكرى السنوية الـ 19 لاعدام المفكر السوداني محمود محمد طه. ويقام الاحتفال بقاعة ريتشي ويحتوي على معرض توثيقي ولوحات وصور فوتوغرافية وكتب ومنشورات، كما تقدم في الاحتفال محاضرات وكلمات ويستمع الحاضرون لبعض الانشاد بمصاحبة موسيقى الفنان يوسف الموصلي. تشارك في الاحتفال حكومة طلاب جامعة أيوا وجمعية حقوق الانسان بالجامعة وقسم الدراسات العالمية بالجامعة وجمعية حقوق الانسان في مدينة أيوا والجمعية السودانية لخدمات المجتمع، ومركز بيزنت ريتش.



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=9182&article=213219
    _________________
                  

04-23-2008, 07:40 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حكم القانون


    > تعليقا على خبر «استجواب أعضاء بجماعات أصولية في حادثة اغتيال رئيس تحرير صحيفة سودانية»، المنشور بتاريخ 9 سبتمبر (ايلول) الحالي، اقول ان رفع سيف لقطع رأس، والادعاء بتنفيذ حد من الحدود، انما تنصيب لرافعه مشرعا وقاضيا وشرطيا. حيث يصادر من يقدم على عمل كهذا، حق الحاكم ويأخذه لنفسه، وتلك هي الفوضى بعينها. أما حين صدر حكم بالإعدام على علي محمود محمد طه، فقد جاء من القضاء، وتم تنفيذ الحكم بعد ان منح طه، مهلة التوبة والرجوع عن ارائه، فذلك حكم القانون والقضاء الذي يحترمه الجميع. عبد الفتاح حسن نوري ـ السعودية [email protected]



    http://aawsat.com/details.asp?section=5&article=382507&issue=10151
    ___
                  

04-23-2008, 11:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المفكرة

    مدينة مونتري (كاليفورنيا) > تلاميذ وأصدقاء الفكر الجمهوري في مدينة مونتري (كاليفورنيا) أعلنوا عن قيام احتفال بالذكرى الثانية والعشرين لإعدام المفكر السوداني محمود محمد طه. يقام الاحتفال في يوم السبت 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، ويشمل معرضاً للفكر الجمهوري، كما ستقام ندوات مفتوحة للحوار. ويبدأ المعرض الساعة التاسعة صباحا ويستمر حتى العاشرة في المساء بالقاعة الكبرى في مركز لميسا الاجتماعي:



    La Mesa Community Center (Ballroom) 1200 Spruance Rd Monterey, CA 93940 Tel: 831-582-9895


    http://www.aawsat.com/details.asp?section=54&article=400352&issue=10266
    _
                  

04-23-2008, 11:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    . أحمد مصطفى الحسين، «الامارت العربية المتحدة»، 17/10/2006
    الدور التاريخي للانقاذ هو فضح دعاوى الإسلامويين التي سعا الجمهوريون لكشفها لنصف قرن فقد استطاعت الأنقاذ في فترة حكمها كشف التدين الزائف لهذه الجماعة.




    http://72.14.209.104/search?q=cache:hIEFX6tuxksJ:www.aa...ct=clnk&cd=438&gl=us
    _________________
                  

04-23-2008, 11:02 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    د.عوض النقر بابكر محمد، «المملكة العربية السعودية»، 16/05/2006
    نتفق مع الكاتب بأن أمة الاسلام في حاجة شديدة للاجتهاد والتجديد وفق معطيات التغيير الهائلة التي يشهدها هذا العصر، وللاجتهاد أسس شرعية متفقا عليها. ولكن تبقى المفارقة هي شخصية الترابي نفسها ولماذا تحفل بكل هذه التناقضات داخل السلطة وخارجها؟ وماذا يقول عن إعدام المفكر الاسلامي محمود محمد طه وهو الذى مهد السبيل إلى ذلك؟




    http://aawsat.com/leader.asp?section=3&issue=10031&article=363385
    _________________
                  

04-23-2008, 11:02 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الصادق يوسف، «المملكة العربية السعودية»، 21/04/2006
    حاول البعض وفي غير هذا الموضع الربط بين ما يدعو له الداعية الإسلامي السوداني الشهيد محمود محمد طه وبين ما يقول به الشيخ حسن عبد الله الترابي . صحيح أن كلا الرجلين يدعو إلى تجديد الفكر الإسلامي إلا أن الفرق بين منهجيهما في التجديد فرق شاسع وكبير .
    والسؤال عبركم محال إلى الشيخ الترابي ليفسر لنا ما سر هذا التناقض الكبير بين أقواله وأفعاله؟



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=11&issue=10006&article=359248
    _________________
                  

04-23-2008, 11:03 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وحضر جمهور غفير الاحتفال الذي اقامته «رابطة مصطفى سيد احمد» في اميركا الشمالية بالاشتراك مع المنظمة السودانية لحقوق الانسان بالولايات المتحدة احياء لذكرى الراحل وتقييم تجربته الفنية، كما اقامت منظمة حقوق الانسان معرضا توضيحيا لمناسبة محاكمة المفكر محمود محمد طه الذي حكم عليه بالاعدام بتاريخ 18 يناير (كانون الثاني) 1985



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=8456&article=84108
    _________________
                  

04-23-2008, 11:04 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    جعفر نميري: السطوع والأفول

    يراه البعض قائدا والبعض الأخر ديكتاتورا.. تحالف مع الشيوعيين ثم انقلب عليهم وانقلبوا عليه


    الخرطوم: إسماعيل آدم
    يبدأ يومه بصلاة الصبح حاضرا في منزله الشعبي العتيق في حي «ودنوباوي» الشهير في مدينة ام درمان، ثم يقرأ في ذات الصلاة جزءا او جزءين من القرآن الكريم، قبل ان يحضر نفسه للخروج الى مكتبه في دار حزبه، الوليد المتعثر: «تحالف قوى الشعب العاملة» في شارع الجامعة، اشهر شوارع قلب الخرطوم. وهناك، يقول احد المقربين، من الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، الذي يصفه خصومه بالدكتاتور، وأنصاره بـ«القائد»، يلتقي نميري بأنصارالحزب اولاً، ثم اصحاب الحاجات ثانيا، ليفسح من بعد وقتا متسعا لرجال من حوله وهم: معاونوه في الدار؛ (اصدقاء، اوفياء، أصيلون)، كما يحلو ان يسميهم، حيث ظل نميري يردد طوال عهد حكمه الذي استمر 16 عاما ان المسؤولين في حكمه نوعان: «الأجير والاصيل».
    وفي الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، يلملم «الرئيس المخلوع»، كما نعته بتلك الصفة قطاع واسع من الشعب السوداني اشياءه وحصيلة اليوم من الحكايات، وهي في الغالب اشواق ممتدة، وضروب من فعل الماضي، وكان واخواتها، ويقفل عائدا عبر شارع النيل في الخرطوم، ثم شارع الموردة في ام درمان، ليحط رحاله في منزله بـ«ودنوباوي»، وهو منزل والده الذي تربي فيه والذي يشرف على منزل ووالد زوجته بثينة خليل. نميري لا يعرف النوم في العصر، كما اعتاد اغلب السودانيين الذين يشغلون مناصب حكومية، او وظائف في الدولة. أحد المقربين منه قال لـ«الشرق الاوسط»: عندما كان قائدا للبلاد يعمل لاكثر من عشرين ساعة متصلة في اليوم الواحد، وعليه تراه في العصر. وبعد تناول وجبة الغداء، يعيد ترتيب هندامه، ويحضر نفسه لاستقبال الاهل والاصدقاء والاوفياء، وكل هذه القائمة.. واحيانا يخرج في مشاوير لقضاء واجبات اجتماعية من تعازٍ في سرادق العزاء، او مشاركة في مراسم زواج، او زيارة مريض.

    نميري، 76 عاما، لا يأكل كثيرا، ولكنه حريص على تناول الوجبات الثلاث، ويفضل «الصنف الواحد» من الطعام وبكميات قليلة. ويقول مقربون ان سبب قلة اكله يعود على الأرجح الى آلام شديدة يعانيها في احدي ركبتيه بسبب ضربة قديمة، وآلام اخرى في الحوض بسبب تعرضه لانزلاق اثناء تحركه من موقع الى آخر داخل منزله. وينفي مقربون منه ان نميري مصابٌ بمرض عضال، ويعزون حالة الارهاق التي تبدو على محياه الى تقدمه في السن، ولكن السودانيين كلما توجه نميري الى واشنطن، من عام الى عام، لإجراء فحوص طبية امتلأت مجالسهم بانه سافر للتداوي من مرض عضال، ويرددون بانه يواظب على الذهاب الى الولايات المتحدة لمراجعة عملية جراحية اجريت له في وقت سابق تتعلق بنظام ضخ الدم في جسمه، خاصة رأسه. منذ عودته من منفاه في القاهرة في 22 مايو (ايار) عام 1999، لم يغادر نميري نطاق العاصمة السودانية في حركته إلا مرات محدودة حيث طار بعد عودته بأسابيع ضمن وفد حكومي وسياسي كبير الى منطقة «هجليج» غرب البلاد ليشهد احتفالا اقيم هناك بمناسبة بداية الضخ التجاري للنفط السوداني نهاية عام 1999. كما زار مسقط رأسه (قرية ود نميري) شمال السودان في الاقل ثلاث مرات، لأداء واجبات اجتماعية. ومنذ عودته «الشجاعة» حسب انصاره او «المنكسرة» حسب خصومه، غادر نميري السودان الى اربع دول وهي: الى الولايات المتحدة لإجراء فحوص دورية درج على اجرائها من عام الى آخر هناك لأكثر من 30 عاما، والى القاهرة نحو ثلاث مرات للملمة باقي اشيائه في المنفى، ولوداع المصريين، ولاسباب صحية. كما زار كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات،. ويلاحظ الناس في الخرطوم ان الرجل رغم سجل حكمه الملطخ بالتعذيب والقتل والإقصاء، يتجول طليقا في شوارع الخرطوم وحتى في رحلاته الداخلية والخارجية، إلا من حارس واحد، ويقول في هذا الشأن: «لست خائفا من أي شيء ولي حراسة من الدولة، مش حراسة لكن متابعة.. ولقد رفضت ذلك عدة مرات ولكنهم أصروا عليها». ويشبه المراقبون راهن الدكتاتور السوداني السابق نميري، الذي اقتلعته من سلطة قابضة، استمرت 16 عاما، عاصفة شعبية في السادس من ابريل (نيسان) عام 1985، يصادف هذا اليوم، بدكتاتور الكاريبي «اورليانو بوينديا»، وهو حاكم متسلط فَقَدَ سلطته. ورسم صورته تلك الروائي العالمي الكولمبي غابريال غارسيا ماركيز في روايته «ليس لدى الكولونيل من يراسله». ومن بين حالته الهستيرية ان دخل الكولونيل مطبخا بائسا في منزله البائس، في طرف المدينة، وملأ ابريق القهوة بالماء ووضعه على النار، ثم رفع علبة البن، ولكنه وجدها فارغة، إلا من بقايا ملتصقة على اطرافها، مما اضطر الى «كردها» بملعقة بعصبية واستياء بالغ، ووضعها بذات العصبية والاستياء على الماء المغلي. كما لم يجد من السكر في علبته غير قليل على الاطراف وضعه على الابريق، كمن يقذف بشيء في السلة، لتنتهيَّ العملية بفنجان قهوة مصنوعة من «البقايا».. وضعها على الطاولة وجلس يرتشفها ويبحر ويهيم في ذكريات الايام الخوالي، حين كان هو الاول والأخير في البلاد.

    وعلى نسق الكولونيل او الجنرال الذي ليس له من يراسله، يمارس نميري هذا الضرب من الحنين في منزله ومكتبه بدار «تحالف قوى الشعب العاملة»، وسرادق العزاء، مع من حوله ممن يطلق عليهم الاصيلين، و«انصاره من جماهير الشعب السوداني الموجودين في كل مكان». كما يعتقد في حديث لـ«الشرق الاوسط» إلياس الأمين احد «الاصيلين» المقربين من نميري، حتى الآن، وهو عضو سابق بالبرلمان في عهد نميري، ومدير مراسمه لسبعة اعوام. ويحرص الأمين على ان يسبق حديثه عن نميري بصفة «الزعيم القائد».

    ليست لدى نميري املاك خاصة او استثمارات يديرها داخل السودان او خارجه، كما يقول اعوانه. ففقط، لديه قطعة ارض غير مستثمرة في قرية «ودبلال» على بعد بضعة كيلومترات جنوب الخرطوم، ومنزل في مدينة «ود مدني» جنوب الخرطوم، وهي ثاني اكبر مدينة في السودان.

    وقال نميري في احد الحوارات الصحافية معه حين سألوه عن وضعه المادي، وماذا يمتلكا: «لي معاشي الشهري». وأضاف: «معاش رئيس الجمهورية معاش كويس ما بطال بيأكلني أنا وزوجتي». وكانما يشير نميري في هذا الخصوص الى تعديلات اجراها البرلمان السوداني العام الماضي في لائحة استحقاقات الرؤساء السابقين وجملة من المناصب الدستورية في البلاد، وصفها المعارضون بأنها جاءت «باهظة التكلفة على الميزانية العامة». وشملت اللائحة الى جانب نميري، كلا من الزعيم الراحل اسماعيل الازهري، والصادق المهدي، واحمد الميرغني، وأعضاء مجلس السيادة السابقين، ورؤساء البرلمان السابقين، وغيرهم. ويشير اعوان نميري ان الاخير يجد كل الدعم والعون من الرئيس عمر البشير، حيث يتفقد احواله من وقت لآخر عبر رسول ويقدم له كل التسهيلات. وتشيع المدينة ان نميري هبط إلى منفاه في القاهرة بأموال طائلة، ولكنه فقدها في اعوام وجيزة عبر استثمارات فاشلة تولاها بدلا عنه سودانيون ومصريون. ولم تبق له سوى شقتين في عمارة واحدة استولى عليهما احد اعوانه المقربين منه، ولكن «قبل ان يهنأ بهما انهارت العمارة على من فيها»، كما يقول إلياس الامين. واضاف «كِدت اصدق ان نميري في بحبوحة من العيش في القاهرة ولكن عندما زرته وجدت انه بلا مال ولا ولا شيء سوى الاصدقاء والاوفياء».

    يرتب نميري الآن، حسب مقربين، لانشاء كلية للدراسات الجامعية والدراسات العليا الاخرى، وهي ممنوحة له من الولايات المتحدة.

    ويقولون ان العمل يمضي على قدم وساق لاكمال انشاء الكلية في الاشهر المقبلة. وربما فتحت ابوابها خلال الاشهر المقبلة، وفقا لمقربين.

    ما سبق يعتبر آخر محطات نميري في«خطوطها» العامة والخاصة. لكن رحلته عموما كانت طويلة محفوفة بالمغامرات والقفز في الظلام، ولعب على كل الحبال، وطرق على اليمين ثم على اليسار، والسير احيانا بكوابح، واحيانا كثيرة من دونها، سلكها نميري خلال عمره الطويل الى ان صار وحيدا. ولد نميري في مدينة ام درمان في السادس والعشرين من ابريل (نيسان) عام 1930 من والدين هما: محمد نميري، وآمنة نميري اللذان قدما قبل زواجهما الى ام درمان من بلدة ود نميري في الشمال بالقرب من مدينة دنقلا من اجل لقمة العيش، وقبل ان يتزوج والده عمل جندياً في «قوة دفاع السودان» لكنه بعد الزواج ترك العمل في الجيش واختار العمل ساعياً في شركة سيارات. وعندما افتتحت الشركة فرعاً لها في واد مدني انتقل والده الى الفرع واستقر به المقام هناك مع اسرته التي باتت تتكون من الاب والأم وثلاثة ابناء هم: مصطفى، ونميري، وعبد المجيد الذي توفيَّ وهو في الرابعة والعشرين من عمره.

    قالت والدته يوما عندما سألها نميري عن سر اختيارها هي ووالده اسم جعفر لمولودهما الثاني، فقالت انها رأت في حلم اثناء حملها به بأنه اذا جاء المولود ذكر تسميه جعفر تيمناً بـ«جعفر الطيار» الذي هو جعفر بن ابي طالب شقيق الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

    ويضيف نميري «تذكرت ما قالته الوالدة هنا بعدما اصبحت رئيساً للسودان حيث انني في الاشهر الثلاثة الاولى من بداية الترؤس كنت احلم يومياً بأنني اطير واسمع الناس من حولي يقولون: «شوفوا الزول ده (اي انظروا الى هذا الانسان) الذي يطير.

    ويتذكر نميري كيف انه عندما انتقل والده ووالدته من ام درمان الى ودمدني انه في بعض الاحيان كان يقود بعض حمير اهل الحي وينظفها في مياه النيل، وان هذا العمل جعله محبوباً بين الناس وعمق في نفسه اهمية التعاون. كما يقول «كنت البارز في الالعاب، وغالباً ما كنت أرأس فريق كرة القدم عندما نمارس اللعبة في حي ودنوباوي». وفي هذا الخصوص، يقول نميري في حواراته الصحافية: «اتذكر قساوة الحياة التي عشناها. وأتذكر في الوقت نفسه كيف ان مرتب والدي عندما احيل إلى المعاش لم يتجاوز تسعة جنيهات. وبسبب ضآلة هذا المرتب حرص والدي على ان يعلمنا. عشنا قساوة الحياة، ولكي يؤمن لي والدي فرصة الدراسة الكاملة فانه طلب من اخي الاكبر ان تتوقف دراسته عند المرحلة المتوسطة ويبدأ العمل».

    تدافع الاخوان لتحسين حال الاسرة الفقيرة، فعمل مصطفى، الاخ الاكبر براتب قدره اربعة جنيهات شهرياً، وأكمل نميري دراسته وتمكن من الالتحاق بالثانوية العليا مدرسة «حنتوب الثانوية»، ولكن نسبة للظروف المادية الصعبة التي تواجه الاسرة بصورة لا تسمح بتوفير مطالب دراسته، قرر نميري بعد اكمال المرحلة الثانوية الالتحاق بالقوات المسلحة بدلا من دخول الجامعة.

    ويقول في حديث مع فؤاد مطر في هذا الخصوص: «الذي شجعني على ذلك شعوري بأن التحاقي بالكلية الحربية سيؤمن لي دخلاً أساعد به عائلتي، وكان الدخل عبارة عن اربعة جنيهات ونصف الجنيه شهرياً للضابط حديث التخرج، أرسل نصفه الى والدي ووالدتي مع مبلغ آخر يرسله اخي الى الوالدين».

    التحق ابن الاسرة الفقيرة بالكلية الحربية عام 1949، وانتابه شعور مزدوج بالفرح في موقعه الجديد لسببين؛ الاول: عندما «قبض» اول راتب وقدره جنيهان ونصف الجنيه لطالب الكلية الحربية، وخروجه من دائرة الاتكال والاعتماد على الاخرين، فضلاً عن انه اصبح في امكانه تقديم المساعدة لاسرته الفقيرة، وذلك بالاضافة الى إشباع حبه للعمل الشاق والحيوية والرجولة الموجودة في الحياة العسكرية.

    ويروي نميري بأنه عندما تسلم المرتب للمرة الاولى اقتطع منه سبعين قرشاً ثم اشترى بجزء من المبلغ المتبقي حلوى ولُعُباً ومشى مسافة عشرة كيلومترات ليوفر ما كان يجب ان يدفعه مقابل الانتقال بالسيارة. ويضيف: «قدمت من هذا المرتب الحلوى واللعب الى اطفال العائلة الذين شعروا بأنهم ذاقوا حلاوة النقود التي حصل عليها ابن عمهم من الكلية الحربية». تخرج نميري في الكلية الحربية عام برتبة ملازم ثان، والتحق بالعمل في القيادة الغربية مركزها مدينة الفاشر. ويروي هنا: «عندما التحقت بالغربية شعرت بشيء من الهيبة بسبب ان العسكريين الذين يعملون في هذه المنطقة هم الاشد بأساً في السودان»، ثم تنقل نميري في عدة مواقع عمل في الجيش السوداني شمالا وجنوبا. واتهم عام 1955 بتدبير انقلاب عسكري على النظام الديمقراطي القائم في البلاد في ذلك الوقت، غير انه «تبين للقيادة بعد التحقيق معه ان الامر ليس اكثر من وشاية وبعدما تبين لها ذلك حُفظ التحقيق».

    ولكن ظلت الجهات الامنية آنذاك ترصد لنميري تحركات ضد السلطة الحاكمة خاصة حكومة ما بعد ثورة اكتوبر التي اطاحت نظام الرئيس ابراهيم عبود، مما اضطرت السلطات اثر تواتر التقارير ضده الى نقله من الخرطوم الى كسلا بصورة اقرب الى النفي، ولكن رغم ذلك امرت حكومة الصادق المهدي المنتخبة بعد ثورة اكتوبر اقتياده من كسلا ووضعه في المحبس في احد معسكرات الجيش في الخرطوم. وجرى التحقيق معه حول محاولة انقلابية فاشلة قادها ضابط اسمه خالد الكد، وهو الراحل الدكتور خالد الكد، غير ان التحقيق لم يتوصل الى ما يجرِّم نميري في المحاولة الفاشلة. ولكن كل ذلك لا يعني ان نميري لم يكن يفكر بصورة سرية وجادة في الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري لوضع حد لكل المخاطر وللتردي المتواصل للاوضاع في البلاد، وعليه عقد هو ومجموعته اجتماعات في الخرطوم وفي مدن اخرى. وبين معارض ومؤيد من الضباط للانقلاب انقض نميري على الحكومة المنتخبة وكان وقتها يعمل في المنطقة العسكرية بـ«جبيت» شرق السودان. ويَحكي نميري في ذكرياته ان محمد ابراهيم نقد، زميل دراسته في حنتوب والسكرتير العام للحزب الشيوعي جاء اليه في موقع ما في الخرطوم وأخذه الى منزل ليلتقي هناك بالقيادي الشيوعي والنقابي آنذاك الشفيع احمد الشيخ، وقال له الاخير: «انه يرى ان الظروف ليست مواتية على الاطلاق للقيام بحركة عسكرية». وبعد خروجه من المنزل، ساور نميري شعور بان خطة الانقلاب قد انكشفت، وعليه بدأ يسابق الريح والظروف لتنفيذ الانقلاب قبل إحباطه من جهة ما، وكان اللقاء قبل 48 ساعة على ساعة الصفر المحددة في الخطة. ويقول نميري في حوار صحافي سابق «كان لابد ان نمنع الحزب الشيوعي السوداني من الوشاية بالحركة فقدمنا ساعة الصفر «24» ساعة، وقمت بحركة تكتيكية حيث انني سألت عن منزل عبد الخالق محجوب وتوجهت اليه مساء اليوم الذي تم في فجره التحرك.. طرقت الباب ففتح احد الاشخاص سألته عن عبد الخالق، فنادي عليه، جاء عبد الخالق وصافحني وكان يرتدي ملابس منزلية، وقادني الى احدى الغرف في الداخل لم أتركه يتكلم، وبدأت الحديث على الفور فقلت له: «انني جئت لأبلغه بان تنظيم الضباط الاحرار نفذ الخطة واستولى على السلطة في الخرطوم.. ان منزلك محاصر وسيتم اذاعة البيان الاول خلال ساعات، كما انه تم الاستيلاء من جانب عناصرنا التي ترتدي الثياب المدنية على جميع المرافق الاساسية في العاصمة، وان اي تحرك او اتصال من جانبك او حتى الخروج من المنزل قبل السابعة صباح غد، سيُعرِّض حياتك الشخصية للخطر.. وحاول عبد الخالق ان يعلق، ولكني لم اعطه فرصة، وغادرت المنزل مرتاحاً الى النتائج حيث انني لاحظت على وجه عبد الخالق وأنا احدثه ملامح الخوف والفزع الشديد. وما دام رد فعله على هذا النحو، فمعنى ذلك انه لن يتحرك». توالت الأحداث سِراعا من بعد الى ان استولى نميري على السلطة بسهولة في صباح 25 مايو عام 1969. قبل نميري التعامل مع الحزب الشيوعي رغم انه يرى خلافات تسري في ساحة الحزب حول عملية الانقلاب نفسه، فيما تحمس فريق من الشيوعيين لنميري واطلقوا على انقلابه ونظامه «ثورية ماي». وغنى مغنيهم لنميري «يا حارسنا، ويا فارسنا، ويا نحنا.. ومدارسنا، كنا نفتيش ليك، جيت الليلة كايسنا». ثم غنى: «ابوعاج يا اخوي دراج المحن». و«بأدبيات الحزب الشيوعي والناصرية، نقض نميري كل برامج السنتين الاوليين من نظامه»، كما قال لـ«الشرق الاوسط» الصادق المهدي، زعيم حزب الامة المعارض، وأحد ألدِّ اعداء نميري المعروف بكراهيته للاحزاب التقليدية المعروفة بالطائفية، وان ثورة كهذه تعني اجهاضاً مبكراً للحركة الشعبية التي يقودها الحزب الشيوعي السوداني. ولكن شقة الخلافات بين نميري والشيوعيين توسعت بعد اقل من عام، حيث يري فريق منهم؛ وعلى رأسهم سكرتير الحزب آنذاك عبد الخالق محجوب، وفاروق حمد الله، وهشم العطا، وبابكر النور، وبينهم من هو ضد الانقلاب مثل الشفيع احمد الشيخ؛ ان نميري قد ضل الطريق وتحول بين ليلة وضحاها الى حاكم متسلط، فخطط فريق من هؤلاء بقيادة الضابطين هشم العطا وفاروق حمد الله لتنفيذ انقلاب على الانقلاب باسم «الثورة التصحيحة».

    ويروي نميري في هذا الشأن: «في هذه الاثناء طلب السماح له بالسفر الى لندن للعلاج فسمحنا له، وطلب السفر الى نيروبي فسمحنا له، لكنه سافر من نيروبي الى لندن، وأقام فيها. وفي الوقت نفسه بدأ هاشم العطا يقوم بتحركات مشبوهة، وهو في الخرطوم ويتصل بالضباط، فقررنا وضعه تحت مراقبة اجهزة الامن». وبعد ايام من الاحداث المتوالية ولعبة القط والفأر، وقع الانقلاب ضد نميري في حوالي الثالثة بعد ظهر يوم الاثنين 19 يوليو(تموز) 1971، وهو الانقلاب المعروف بـ«انقلاب هاشم العطا»، ولكن نميري وأعوانه احبطوا الانقلاب بعد اربعة ايام، «بسبب الخلافات التي سادت اضابير الحزب الشيوعي»، كما قال لـ«الشرق الاوسط» أحد الشيوعيين المشاركين في نظام نميري، طلب عدم ذكر اسمه. وفي رواية لنميري حول تفاصيل الانقلاب، قال «أمضيت في الغرفة بالقصر الجمهوري ايام «19 ـ 20 ـ 21 ـ 22» يوليو أتأمل وأفكر في كل ما اقدمت عليه في حياتي ولم اجد نفسي نادماً على شيء فعلته حتى انني لم اندم على رفعي المراقبة عن هاشم العطا». ونصب نميري لمدبري الانقلاب المجازر في منطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم، طالت بالاعدام كلا من: سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب، هشم العطا، وفاروق حمد الله، والشفيع احمد الشيخ، وقائمة من المدنيين والعسكريين، وزُجَّ بالباقي في السجون، لتبدأ مرحلة العداء السافر الممتد بين الشيوعيين ونظام نميري.

    ثم دخل نميري في مواجهة مع زعيم الانصار في ذلك الوقت الامام الهادي من معتقله في «الجزيرة ابا» جنوب الخرطوم، وانتهت هي الاخرى بمجزرة ضد الانصار، طالت المئات بمن فيهم الامام الهادي الذي لاحقه جنود نميري وقتلوه على الحدود مع اثيوبيا شرقا. وبذلك وضعت احداث الجزيرة حجر أساس متينا لخصومة طويلة بين الانصار ونميري. وقضى نميري بسهولة على الانقلاب الثاني بقيادة الضابط حسن حسين في سبتمبر (أيلول) عام 1975، ويقول حوله «انها محاولة محدودة ومعزولة والدليل على ذلك ان الذين اشتركوا فيها كانوا عبارة عن اعداد قليلة من الجنود وصغار الجنود يجمعهم انتماؤهم العنصري الى منطقة واحدة». وفي عام 1976 خططت المعارضة السودانية من الخارج وتضم: الحزب الشيوعي وحزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي بالتعاون مع السلطات الليبية لانقلاب عسكري ضد نميري بقيادة العقيد محمد نور سعد وكاد يستولي على السلطة، ولكنه احبط، وقتل نميري المشاركين في الانقلاب بمن فيهم قائده، وأطلق على المحاولة «انقلاب المرتزقة». وفي خضم معاركه المباشرة مع خصومه في الاحزاب السودانية، لم ينس نميري اللعب بكل القوى التي تتيح له الفرصة للامساك بها. ويلخص الصادق المهدي في حديثه لـ«الشرق الاوسط» مسيرة نميري في انه «حاول ان يلعب كل الاوراق لأنه أصلا فارغ من اي مضمون آيديلوجي فأصابته موجة الانقلابات العسكرية التي اتسمت بها الدول العربية وقادها من يسمون انفسهم بالضباط الاحرار، فجاء على راس الشيوعيين واختلف معهم وعاملهم بوحشية واستهدى بمصر الناصرية ثم مصر الساداتية ولجأ الى الغرب وحاول ان يصالح الاحزاب وفشل، وهذا ما دفعه الى ولوج خط الاسلام بصورة لا تراعي ظروف السودان، فوقع الاستغلال المتبادل؛ هو يحتاج الى فكرة وهم يحتاجون الى واجهة، ولكن في خاتمة المطاف فشل التحالف مع الاسلاميين فدخل في صدام مع النقابات والأحزاب، فأسقطه الشعب عبر الانتفاضة في السادس من ابريل». ويضاف الى هذا ان نميري طوال الاعوام ما بعد انتهاء العلاقة بينه وبين الشيوعيين، رمى نفسه خارجيا في حضن الولايات المتحدة الى ان ذهب بغير رجعة.

    ويقول نميري في هذا الصدد «منذ 15 عاماً كنا قد وضعنا خطة لأن يصبح السودان أميركا افريقيا لأننا نملك الأرض والناس والإمكانات ولنا علاقات دولية واسعة». ويرصد الموالون لنميري ايجابيات الرجل في انه جلب السلام للسودان لمدة عشرة اعوام عندما وقع مع المتمردين في جنوب السودان اتفاقا في اديس ابابا عام 1972، ولكن نسفه بنفسه عام 1983 لتندلع الحرب من جديد بين الشمال والجنوب.

    ورى مؤيدوه انه هو الذي أنهى موجة لعطش التي كانت تسود الريف السوداني لعهود بعيدة عندما نفذ برامج محاربة العطش في السبعينات من القرن الماضي، وانه اخرج شباب السودان من بيت الطاعة العمياء للطائفية. ويحكي الياس الأمين في هذا الخصوص، ان نميري قال لهم انه سعيد بمظاهرات اندلعت ضده اواخر عهده عرفت بأحداث شعبان، ومنبع سعادته ان من بين المتظاهرين تلاميذ مدرسة في «الجزيرة ابا» المعقل الرئيسي لطائفة الانصار التي يرفضها نميري بقسوة، وان تلك الخطوة من التلاميذ تعني ان مايو حررت سكان الريف من الطاعة العمياء للطائفية.

    ويحسب له أنصاره انه أقام جملة مصانع للسكر ساهمت في دعم الاقتصاد السوداني. ويرد نميري على اسئلة الصحافيين في هذا الجانب بأنه «قد بنى وطناً عزيزاً سيداً». ويقول كنا «أكثر حكومة ديمقراطية أتت للسودان.. كان يمكن أن تزيد الديمقراطية فيها». أما خصومه، فيرون ان نميري هو الذي دمر السودان سياسيا واقتصاديا. وفي عهده بدأت رحلة تدهور النظام الاداري في السودان، وهو النظام الذي ساهم في بناء انظمة الكثير من الدول المجاورة قبل ان تطاله أيدي المخربين من نظام مايو. ويقولون انه ساق البلاد بدون فكرة محددة فوصل بها الى حدود الانهيار في كل شيء، ويتهمونه بممارسة العنف والارهاب ليس ضد المعارضين وانما ضد الذين يعملون معه من السياسيين. وتحكي مجالس الخرطوم ان نميري يعزل وزراءه فجأة عبر نشرة اخبار الثالثة ظهرا في الاذاعة السودانية بصورة درامية. ويُشاع بأنه يحتد في الحديث مع المسؤولين في حكومته يصل الى حد الضرب، ولكن نميري ينفي ما يشاع تماما، ويقول «انها فِرية.. انا اتخذ كل القرارات حسب الدستور والقانون». ويرى المعارضون ان من اهم الممارسات التي ساهمت في إسقاط حكم نميري محاولة ضرب النقابات، ثم ترحيل اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى اسرائيل، واعدام زعيم الجمهوريين محمود محمد طه بصورة بشعة، والتطبيق التعسفي للقوانين الاسلامية، عندما تحالف مع الاسلاميين بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي وأطلق على نفسه «إمام المسلمين».

    على كل، سافر نميري في رحلة علاج الى واشنطن في الاسبوع الاخير من مارس (آذار) عام1985 ، فبلغت مسببات الغضب على نظامه درجاتها العليا. وخرج الناس الى الشارع تقودهم النقابات والاتحادات والاحزاب بصورة أعيت حيل أعتى نظام أمني بناه نميري في سنوات حكمه، فأعلن وزير دفاع النظام آنذاك، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة للشعب، حين كان نميري في الجو عائدا الى الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته الى القاهرة، لان «اللعبة قد انتهت». ومن آخر أقوال نميري في أمل إحباط النظام؛ تصريحات شهيرة أطلقها في القاهرة، جاءت فيها: «ما في زول يقدر يشيلني»، ولكن المنفى امتد اربعة عشر عاما، رقدت خلالها على طاولته اسئلة بلا اجابات، والدليل رده على سؤال ملح بعد عودته الى الخرطوم حول مَنْ الذي أسقط مايو هو: «لا.. أعرف!».



    http://www.aawsat.com/details.asp?section=45&issue=10356&article=413895
    _________________
                  

04-23-2008, 11:05 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كيف نوفق بين حرية المعتقد في القرآن وحد الردة في السنة النبوية؟

    كتاب للشيخ طه جابر العلواني يقدم فيه اجتهاده حول قضية خلافية



    الدمام: حمد العيسى

    تعتبر قضية الردة من المواضيع الخلافية التي اشتد حولها النقاش في السنوات الأخيرة وذلك لصدور فتاوى وأحكام قضائية – بل وتهديدات مؤخراً - عديدة تعلن ردة بعض المفكرين والأدباء المسلمين. ولذلك شن الغرب حملات تشهير ضد الإسلام بصفته ديناً يعتدي – بزعمهم - على أعلى قيم العصر وهي الحرية. وإشكالية حد الردة في الإسلام تكمن في كون القرآن الكريم يدعو إلى حرية المعتقد بصورة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التأويل: ?وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر?. ولكن السنة النبوية الشريفة توجد بها أحاديث تدعو إلى قتل المرتد، وهناك أيضا قضية حروب الردة. فكيف نوفق بين حرية المعتقد من جهة وحد الردة من جهة أخرى؟

    يطرح الشيخ الدكتور طه جابر العلواني في كتابه الذي يحمل عنوان «لا إكراه في الدين» اجتهاده في إشكالية حد الردة، التي يخشى الكثير من علماء الدين المعاصرين الاجتهاد فيها. والكتاب صادر عن «مكتبة الشروق الدولية» بالقاهرة، ويقع في 198 صفحة من القطع الكبير.

    الجدير بالتذكير أن معظم علماء الدين المحافظين والتقليديين ينتقدون اجتهادات بعض المفكرين المعاصرين في موضوع حد الردة نظراً لأنهم، كما يقولون، مجرد مثقفين لم يتخصصوا في الشريعة الإسلامية ولا يملكون الأدوات العلمية لجعل اجتهاداتهم تكتسب أية مصداقية. ومن هنا تكمن أهمية هذا الكتاب، لأن مؤلفه ليس مجرد مثقف عادي أو مفكر إسلامي غير متخصص، بل شيخ أصولي وعالم دين عراقي حاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر عام 1973. وهو عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ورئيس جامعة قرطبة بالولايات المتحدة، والرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية. ومصدر قوة هذا البحث أنه لم يخضع للمؤثرات الليبرالية في تفسير مفهوم الحرية، بل استعمل المنهج الإسلامي الأصيل في التعامل مع الخطاب القرآني والنبوي.

    ويعترف العلواني بحساسية الاجتهاد في هذا الموضوع وخطورته، إذ يشير في المقدمة أنه أعد مسودة هذا الكتاب عام 1992 ولكنه تردد في نشره خوفاً على علاقات المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا الذي كان يرأسه آنذاك مع بعض المؤسسات الدينية المحافظة في العالم العربي. ولكنه بعد تركه رئاسة المعهد، وتقدمه في العمر، قرر نشر هذا البحث الجريء خوفا من كتمان العلم رغم ما قد يسببه له من إحراج شخصي مع تلك المؤسسات. ومن دون شك أن مثل هذا الاعتراف مؤسف للغاية، ويصور بدقة البيئة المحيطة بحرية الاجتهاد والبحث العلمي في القضايا الدينية.

    ويشير العلواني إلى أن حد قتل المرتد أصبح في حكم المجمع عليه رغم مخالفته لآراء فقهاء كبار لهم وزنهم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. ولذلك فهو يشكك في دعوى الإجماع. ولولا تحديات الحضارة المعاصرة التي جعلت النقد والمراجعة خطوات منهجية لها صلاحية مطلقة في تناول أي شيء بالنقد والتحليل لما فُتح ملف الحديث والجدل حول هذا الموضوع في العصر الحديث منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً بمحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة إلى حسن الترابي وغيرهم في وقتنا هذا.

    ويؤكد العلواني أن قضية حد الردة بدأت سياسية، واستمرت سياسية، وستظل كذلك، والجانب الديني فيها ضئيل ولا يثار إلا لخدمة الجانب السياسي في الغالب. ويورد العلواني مجموعة من النماذج للتدليل على أن حد الردة كان سلاحا استغله بعض الحكام عبر السنين في وجوه معارضيهم وخصومهم، بمن فيهم بعض كبار العلماء الذين تصدوا لبعض الطغاة. ويسرد العلواني تجربة شخصية مهمة وذات مغزى ليبرهن على الاستغلال السياسي لحد الردة. فقد حاول الشيوعيون العراقيون القيام بمحاولة انقلاب ضد حكومة عبد السلام عارف البعثية عام 1963، لكن المحاولة فشلت، واعتقلت الحكومة البعثية خمسة آلاف شيوعي تقريبا. ثم قرر مجلس قيادة الثورة إعدامهم بتهمة الردة، وحدد يوم التنفيذ وجهازه. وأسندت المهمة إلى اللواء الركن عبد الغني الراوي، وكان اللواء الراوي من المصلين، فلما رأى ضخامة العدد الذي أُمر بقتله شعر بخطورة الأمر، وطلب من الحكومة الحصول على فتوى من كبار علماء البلد من السنة والشيعة. فاقترحت عليه الحكومة مراجعة السيد محسن الحكيم والإمام الخالصي بالنسبة للشيعة، ومفتي السنة نجم الدين الواعظ. وأفتى الثلاثة بوجوب إعدام الشيوعيين باعتبارهم مرتدين لأن السؤال صيغ لهم بخبث. وكان اللواء الراوي صديقا للعلواني ويتردد على المسجد الذي يخطب فيه الجمعة. وفي صباح يوم التنفيذ كان اللواء الراوي ما زال مترددا، فقرر استشارة العلواني. فكان رأي العلواني أن القضية «سياسية» لأن دستور حزب البعث في ذلك الوقت كان يؤمن بالماركسية اللينينية بتطبيق عربي، بل ويعتبر «الإرث والهبة كسبا غير مشروع» وهذا إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة. فإذا كانت المسألة مسألة ردة، فردة البعثيين لا تقل عن ردة الشيوعيين! واقتنع اللواء الراوي برأي العلواني، واعتذر عن تنفيذ حكم الإعدام، وأُسقط في يد الحكومة، ولم يُنفذ الحكم. وبعد أسابيع قليلة، كتب ميشيل عفلق نفسه مقالة، نشرت في جميع الصحف وأُذيعت بالراديو والتلفزيون، يدعو فيها الشيوعيين للانضمام إلى حزب البعث العراقي، والتحالف معه! وذكر عفلق في مقالته أن حزب البعث استطاع أن يحمي الرفاق الشيوعيين من مؤامرة رجعية خطيرة كانت تستهدف إبادتهم جميعاً!

    ويستعرض العلواني أشهر قضايا الردة في العقود الثلاثة الأخيرة. فيتطرق إلى قضايا محمود محمد طه، وسلمان رشدي، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، وأخيراً الأفغاني عبد الرحمن عبد المنان. وبسبب تلك القضايا – يقول العلواني - اشتد هجوم الغرب على الإسلام كدين متهم بهدر حقوق الإنسان. ويتساءل العلواني - بذكاء – قائلا: لو كان حد الردة قائما ومطبقا في بلاد المسلمين كلها، هل كان أولئك الذين تبنوا تيارات فكرية إلحادية أو مناقضة للإسلام ثم عادوا من أنفسهم ودون تدخل قضائي ليكتشفوا هويتهم، ويتبنوا من جديد نهج الإسلام، هل كان هؤلاء اليوم أحياءً يدافعون عن الإسلام؟ وهذا السؤال الجوهري هو ما دفع العلواني لدراسة حد الردة. وهو يؤكد أن قضية البحث الأساسية هي الردة الفردية المسالمة بمعنى: تغيير الإنسان عقيدته بطريقة مسالمة ليس فيها رفع للسلاح أو خروج على الجماعة أو دعوة لهدم الإسلام.

    ثم يناقش العلواني حقيقة الردة في القرآن الكريم. فيسرد ويفسر الآيات المتعلقة بهذه القضية. ومن ذلك يتضح أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بسائر الضمانات القرآنية التي جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود، وأن القرآن المجيد لا يحتوي على حد للردة أو عقوبة دنيوية لها، لا إعدام ولا دون ذلك، ولم يشر لا تصريحا ولا على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، وأن العقوبة على الردة هي عقوبة أخروية موكولة إلى الخالق لقوله تبارك وتعالى ?ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?.

    ويتناول العلواني قضية الردة في السنة النبوية حيث يشير إلى أنه يستحيل عقلا وشرعا أن يأتي في السنة النبوية - الثابتة الصحيحة - شيء يناقض مبادئ القرآن الكريم، فضلا عن أن ينسخه. وإذا كانت مبادئ القرآن الكريم قد حددت بوضوح إطلاق حرية الاعتقاد، وأحاطتها بسائر الضمانات، وجعلت جزاء المرتد لله تعالى في الدار الآخرة، فلا يتوقع من السنة أن تأتي على خلاف ذلك. خاصة وأن هذا الأمر لم يرد في آية واحدة، أو اثنتين، بل جاء في ما يقارب مائتي آية بينة وكلها متضافرة على تأكيد حرية الاعتقاد. ونطالع سردا لعدد من وقائع الردة التي حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة إلى يثرب لنخلص منها أن الرسول لم يقتل مرتدا أو زنديقا طيلة حياته إلا في حالة كونه مرتكبا لجريمة أو محاربا.

    ثم يعرض العلواني للسنة القولية وأشهرها حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فيورده بكل طرقه ومتابعاته وأقوال العلماء فيه. ويخلص العلواني إلى أن هذا الحديث حديث آحاد يعد في المراسيل في الغالب، ولا يؤخذ على إطلاقه ومعناه الحرفي، بل يرتبط بواقعة محددة وهي مؤامرة اليهود التي ذكرها القرآن الكريم «وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون» بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين وزعزعة ثقتهم بدينهم، خاصة من هم حديثو عهد بالإسلام. وبدون مثل هذا التقييد، يؤدي الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه إلى نسخ أو إيقاف العمل بما يقرب من مائتي آية قرآنية كريمة نصت على إطلاق حرية الاعتقاد، ونفي الإكراه على الدين، وعدم ترتب أي عقوبة على مبدل دينه في الدنيا إذا كان مسالماً ولم يرتكب جرائم أخرى كما ذكرنا سابقاً. وهذا ما لا يقبله العقل. ويستشهد المؤلف كذلك برد الرسول على من اقترح عليه قتل بعض المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».

    ثم يناقش العلواني مذاهب فقهاء جميع الطوائف الإسلامية ليخلص إلى أن هؤلاء الفقهاء كانوا يعالجون جريمة مركبة غير التي نعالجها اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد دينه يصاحبه خروج على المجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة.

    أما بخصوص حروب الردة، فيؤكد العلواني أنها كانت سياسية في المقام الأول. فهي لم تكن بسبب الامتناع عن أداء الزكاة فقط، بل لإلزام مواطنين هددوا وحدة الأمة وسيادتها واستقرارها على الخضوع للسلطة الشرعية.

    ويخلص العلواني في نهاية بحثه القيم إلى أن الإنسان المكرّم المستخلف المؤتمن أكبر عند الله وأعز من أن يكلفه ثم يسلب منه حرية الاختيار، بل إن جوهر الأمانة التي حملها، والتي استحق بها القيام بمهمة الاستخلاف، إنما يقوم على حرية الاختيار التامة الكاملة: ?لا إكراه في الدين?.

    http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=10452&article=427643
    ___
                  

04-23-2008, 11:06 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    عبدالله عثمان جامعة أوهايو/أمريكا، «الولايات المتحدة الامريكية»، 20/10/2007
    مهما تسترت حركة الإخوان المسلمين بالشعارات البراقة، فهي لا تعدو قدرها من كونها تنظيما سياسيا يستغل الدين لأغراض سياسية محدودة وهم في ذلك يطوعون ويلتفون حول صحيح الأحاديث والعقائد لتخدم أغراضهم السياسية الضيقة وليس أدل على ذلك من تحالفهم الأخير مع محامية قبطية لأنهم أحسوا أنهم لا يمكن لهم الفوز في دائرتها!! ومن ألاعيبهم مثلا أنهم يربون أبنائهم على أن الغناء حرام ومزامير الشيطان الخ الخ ولكنهم لما أرادوا استقطاب الناخبين في الإنتخابات الأخيرة في مصر جوزوا استخدام المزمار لحشد الجماهير!!
    رجل عالم في السودان اسمه محمود محمد طه فضح ألاعيبهم هذه وبين للناس أنها ليست من الدين في شيء فعلقوه على أعواد المشانق!! ألم يقل زعيمهم حسن البنا في مذكرات الدعوة والداعية: (سنتوجه بدعوتنا الى المسئولين من قادة البلد، وزعمائه، ووزرائه، وحكامه، وشيوخه، ونوابه، واحزابه، وسندعوهم الى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا) (فان اجابوا الدعوة وسلكوا السبيل الى الغاية آزرناهم، وان لجأوا الى المواربة، والروغان، وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة، فنحن حرب على كل زعيم) (ستخاصمون هؤلاء جميعا، في الحكم، وخارجه).

    http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=442143&issue=10553
    ____
                  

04-24-2008, 00:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    صدور أول كتاب شامل عن محمود محمد طه وفكرته الجمهورية*
    صلاح حسن أحمد
    د. محمد أحمد محمود، في السعي إلى الذات العليا دراسة نقدية في فكر محمود محمد طه
    (بالانجليزية)* ، مطبعة جامعة سيراكيوز (سلسلة التاريخ الفكري والسياسي الحديث للشرق
    296 صفحة. ، الأوسط)، ديسمبر 2006
    محمود محمد طه، موضوع الكتاب، هو مؤسس "الحزب الجمهوري" السوداني الذي
    سعى في منتصف الأربعينيات إلى استقلال البلاد عن التاج البريطاني، والذي انبثق عنه
    في ما بعد التيار الفلسفي الإسلامي المعروف باسم "الفكرة الجمهورية"، ثمرًة لأفكار طه
    وتنظيراته لصياغة رؤية جديدة للإسلام. وقد وجدت هذه الدعوة صدى عميقًا وسط
    بعض صفوة المتعلمين المستنيرين، خاصة طلاب المؤسسات التعليمية العليا في عقدي
    السبعينات والثمانينات. لكنها اصطدمت، حتميًا، بالمؤسسة المحافظة وح  راسها من
    العلماء التقليديين والإخوان المسلمين الذين آلوا على أنفسهم مهمة اجتثاثها، وهو ما
    . صار لهم بإعدام طه بعد اتهامه بالردة في 18 يناير 1985
    يتناول الكتاب موضوعه من حياة طه منذ مولده عام 1909 ببلدة  رفاعة في أواسط
    السودان، مرورًا بمرحلة شبابه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية، ونضاله السياسي
    والاجتماعي وخلوته بغرض التأمل، حتى خروجه بمشروعه الإسلامي الجديد. وتتابع
    فصوله مشوار هذا المشروع فتقدم للقارئ دراسة عميقة لطبيعة المساهمة الفكرية لطه
    من ناحية، وتقييم هذه المساهمة نقديًا من ناحية أخرى. ويقوم منهج المؤلف على كشف
    علاقة الاستمرار والانقطاع بين مشروع طه الفكري والمصادر التراثية (خاصة
    Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
    Sudanese Society for Research in Arts and Humanities
    الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
    www.sudaneseonline.com
    2
    الصوفية) والحديثة التي تأّثر بها. وفي معالجته التفصيلية لفكر طه يتناول نظريته
    الصوفية عن الصلاة ومنهجه في تفسير القرآن وموقفه في مسألة التخيير والتسيير
    وبرنامجه الحداثي في الإصلاح الجذري لرسالة الإسلام السياسية والاجتماعية (ما أطلق
    عليه الرسالة الثانية من الإسلام) ورؤاه في تحديث الشريعة وموقف الإسلام من العلم
    (خاصة نظرية التطور) ومن الفنون. وفي التطرق لكل هذه الجوانب يحرص المؤلف
    على تأكيد وإبراز التوتر الذي يتسم به فكر طه في حركته بين قطبي الأصالة التراثية
    والحداثة.
    Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
    Sudanese Society for Research in Arts and Humanities
    الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
    www.sudaneseonline.com
                  

04-24-2008, 00:41 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ماذا نفعل ب "مشكلة الشرق الأوسط"؟
    د. حسن موسى
    أعني ب "مشكلة الشرق الأوسط" ذلك الكتاب الذي أصدره "الحزب الجمهوري" في
    السودان عقب حرب يونيو 1967 . وأظنه من أول ومن أهم الكتب التي صدرت
    في السودان حول مشكلة الشرق الأوسط بعد حرب 67 . وصفة الأهمية تتأتى من كونه
    كتاب صادر عن جهة سودانية منظمة سياسيا (الحزب الجمهوري) تحاول أن تقف على
    مسافة نقدية من مجموعة المسلمات والمفاهيم السائدة في المجتمع العربي عن العلاقة
    مع الآخرين في مشهد الواقع الذي شكلته الحرب الباردة.
    ورغم أن الكتاب يعالج أسئلة الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا التحالفات السياسية
    ضمن ملابسات التحرر من الاستعمار والحرب الباردة إلا أن مركز الثقل الفكري فيه
    يتبلور عند سؤال الهوية.
    والكتاب يلح على سؤال الهوية كسؤال مفتاحي يمكن أن تحال إليه كل قضايا المجتمع
    العربي الأخرى، بما في ذلك قضية "قيام دولة إسرائيل في أرض فلسطين".
    ففي الفصل السابع من " مشكلة الشرق الأوسط" (أكتوبر 1967 )، يخلص الكاتب إلى
    تعريف " الحل الآجل" لمشكلة الشرق الأوسط من منظور قومي عروبي يموضع العرب
    أمام مهمة تاريخية في جلال ابتداع مدنية جديدة وإنقاذ العالم من قدر القسمة المريعة
    بين الانحدار الأخلاقي والتقدم التقني:
    " أول ما تجب الإشارة إليه هو أن العرب اليوم يواجهون تحديا حاسما، وليس هذا
    التحدي هو قيام دولة إسرائيل، في أرض فلسطين، بعد أن اقتطعتها، وشردت أهلها،
    وأعانها، على كل أولئك قوم آخرون، في طليعتهم الشيوعية الدولية التي تدعي صداقة
    العرب اليوم، وتتباكى على مأساتهم. . بل أن النظر العميق في حقيقة هذا التحدي
    ليظهر دولة إسرائيل وكأنها صديق في ثياب عدو. . أو أنها نعمة في ثوب نقمة.

    2
    وأما التحدي الحاسم الذي يواجه العرب فإنه يتمثل في أن منطق تطور الحياة البشرية
    المعاصرة في هذا الكوكب يقول للعرب أن عليكم، منذ اليوم، أن تدخلوا التاريخ في
    القرن العشرين، كما دخله أوائلكم في القرن السابع، فأشرقت بدخولهم على عالم يومئذ
    شمس مدنية جديدة. . أو أن تخرجوا عن التاريخ، لبقية التاريخ. . " إن العرب اليوم لا
    يوجهون التاريخ، ولا هم يسهمون في توجيهه، وإنما ينساقون خلفه ويعيشون على
    هامشه. . ". . " ويزيد في حسم التحدي الحاسم الذي يواجه العرب عدة أمور: منها
    أولا، أن المدنية الغربية، الآلية، الحاضرة قد أعلنت إفلاسها، ووصلت إلى نهاية
    مقدرتها التطورية، وعجزت عن استيعاب طاقة بشرية اليوم، وتطلعها إلى تحقيق
    الاشتراكية والديموقراطية في جهاز حكومي واحد. . ". . " وقد ع  مق إفلاس هذه
    المدنية، وعجزها،شعور البشرية المعاصرة بالحاجة إلى بزوغ شمس مدنية جديدة،
    تلقح الحضارة الغربية الآلية الحاضرة وتنفخ فيها روحا جديدا به يتسق التناسق بين
    التقدم التكنولوجي، والتقدم الخلقي. وبذلك تصبح المدنية الغربية الحاضرة قادرة على
    التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة
    الاجتماعية الشاملة. ".
    ومساهمة الأستاذ محمود في مساعي" تلقيح المدنية الغربية" وحقنها" بدم جديد"، (دم
    عربسلامي) يجدد شبابها، إنما تندرج في ما يمكن أن نسميه ب "نظرية صراع
    الحضارات". وهي "نظرية" تمخضت عنها آيديولوجيا المركزية الأوروبية العنصرية
    والاستبعادية التي تعتبر نفسها مستودعا طبيعيا لقيم حضارية جوهرية خارج التاريخ.
    وتستمد من هذه القناعة الخرقاء كل المسوغات التي تحتاجها للاستعلاء على الآخرين
    وقهرهم واستغلالهم . ومصيبة " نظرية صراع الحضارات " تتلخص في كونها تتصور
    الحضارات ككيانات صافية قائمة على استمرارية قيم حضارية ثابتة لا تعرف القسمة،
    قيم مستقلة بذاتها عن كل شائبة وكل تأثير أو تداخل مع غيرها من قيم الحضارات التي
    تعاصرها أو حتى تلك السابقة أو اللاحقة لها. وإذا كانت " نظرية صراع الحضارات"
    Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
    3
    التي تسقط على الظاهرة الحضارية مواقف الإنسان وبواعثه السلوكية، قد أورثتنا ذلك
    المقطع المشهور من شعر روديار كيبلنغ "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"
    Oh, East is East, and West is West, and never the twain shall meet, Till Earth
    and Sky stand presently at God’s great Judgment Seat;
    فهي قد ألهمت صامويل هانتنغتون، الأستاذ بجامعة هارفارد ومستشار الأمن القومي
    لدي الإدارة الأمريكية، بذل المبررات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية التي تس  وغ لدول
    حلف شمال الأطلنطي إتخاذ مواقف عدائية تجاه " الآخرين "( في البلدان الإسلامية أوفي
    الصين) على أساس الإختلاف الحضاري، وقيل على أساس "أخوة الحضارة" حسب
    عبارة هانتنغتون:
    «frères de civilisation»
    S. Huntington, Le Choc des Civilisations, Odiljacob,1997,p. 439
    ووراء كيبلنغ وهانتنغتون تطول القائمة لتشمل تلاوين سياسية وثقافية ما أنزل الله بها
    من سلطان من صدام حسين الذي أعلن الحرب على " الفرس" باسم العروبة لأسامة بن
    لادن الذي أعلن الحرب على الغرب باسم الشرق مرورا بالهادي المهدي إمام طائفة
    الأنصار الذي الذي كان يعتبر السودان بمثابة" رأس الرمح" للغزو الإسلامي العروبي
    في أفريقيا، لغاية شعراء "الغابة والصحراء" والسودانويين من تشكيليي "مدرسة
    الخرطوم" بتنويعاتها العربانية والأفريقانية، وصولا لأصوليي نظام الإنقاذ الذين أشعلوا
    الحرائق في السودان باسم الحضارة العربسلامية ثم أنكروا "المشروع الحضاري"
    الإسلامي وتبرأوا منه بالكلية بعد الحادي عشر من سبتمبر. وبين هؤلاء وأولئك جادت
    القرائح " الحضاروية" بتنويعات شتى على نظرية "صراع الحضارات": من مقولة "نهاية
    الغرب" أو "نظرية موت الحضارة المادية" لمقولة "حوار الحضارات" أو "حوار الأديان"
    لغاية تلقيح الحضارة الغربية الآلية بشيء من المحمول الروحي للإسلام. و"نظرية
    التلقيح" المتمدن، رغم أنها تنطرح هنا كتعبير سلمي "بوليتيكلي كوريكت" إلا أنها تنطوي

    4
    على بعد رسالي "إنقاذي" (في المعنى المحمود للعبارة) كما لو كان مصير الحضارة
    الإنسانية كله يتوقف على الموقف الذي يتخذه العربسلاميون، لا من الحضارات الأخرى
    عموما، وإنما من هذه الحضارة الراهنة المهيمنة، المسماة "غربية" و"آلية " على وجه
    التحديد.
    هذه الفكرة الطوباوية النبيلة، ظلت على الدوام تؤثّث خلفية كل التحليلات السياسية
    التي بذلها الجمهوريون لواقع العلاقات السياسية في الشرق الأوسط. ففي خاتمة كتاب
    "التحدي الذي يواجه العرب"، وهو الكتاب الذي أصدره الحزب الجمهوري في شهر
    سبتمبر 1967 ، أي بعد أسابيع من هزيمة الدول العربية في يونيو 1967 ، طرح
    الجمهوريون رؤيتهم للنزاع بين إسرائيل والدول العربية على منظور المواجهة
    الحضارية بين العرب ومن جهة والعالم من جهة أخرى. على زعم أن العرب هم الجهة
    التي عهدت إليها العناية الإلهية بتحقيق " دين التوحيد" الذي سيخلص الإنسانية من كافة
    شقاقاتها. والجمهوريون بهذه النظرة لا يقّلون عروبة عن القوميين العرب (ناصريين
    كانوا أم بعثيين) لأنهم رأوا في العرب جوهرا عرقيا أو و دينيا يصطفيهم كما
    اليهود لأداء مهمة لا يقدر عليها سواهم. و"شعب الله العربسلامي المختار" هنا يطرح
    نفسه خارج العالم وبالمقارنة مع العالم وقيل ضد العالم بدلا من أن يطرح نفسه
    في العالم وكجزء من العالم. جزء من "الناس".
    تقول خاتمة كتيب "التحدي الذي يواجه العرب":
    "إن هذه الآية التي صدرنا بها هذا السفر، وهي قوله تعالى:" ومن يبتغ غير الإسلام دينا
    فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، آية تطالب هذه الأيام بمظهرها على
    الأرض، وهي تطالب بمظهرها على أرض العرب أولا ريثما تنشر ظلها على سائر
    الأرض، وذلك أمر ما منه بد،وسيكون ظهورها في أرض العرب على أيدي العرب،
    فإذا ل  ج العرب عنها،والتمسوا لمشاكلهم الحل في غير الإسلام، فإن الخذلان هو
    نصيبهم. إن الله غيور على العرب بما جعلهم ورثة المصحف العربي، وعترة النبي
    العربي، فإذا انتصر الناس في هذه الأيام عن غير طريق الإسلام، فإن العرب لن

    5
    ينتصروا، في هذه الأيام، إلا عن طريق الإسلام. وعلى العرب أن يعرفوا أن "من لم
    يسر إلى الله بلطائف الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان، فما من الله بد."
    وفي هذا المنظور،منظور إنقاذ الحضارة الإنسانية بحالها، فنحن أبعد ما نكون عن
    الطموح السياسي البراغماتي الذي يريد حل النزاع العربي الإسرائيلي وحده بصرف
    النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية.
    هذه الفكرة، فكرة إنقاذ الحضارة الإنسانية بحالها، بفضل البعث العربسلامي المرتقب،
    تطمس بصيرة التحليل الجيوبوليتيكي الذي يعبر عنه الكتاب في بعض صفحاته عندما
    يطرح المؤلف مشكلة الشرق الأوسط في إطار الواقع السياسي الذي خلقته الحرب
    الباردة. ذلك لأن الكتاب يب  سط الواقع المركب للحرب الباردة ويختزله لمجرد مواجهة
    بين عملاقين، رأسمالي وشيوعي، يستقطبان كل احتمالات الحركة والسكون ضمن
    مشهد الصراع العالمي.
    وذلك رغم أن خبرة الأستاذ الشخصية، السياسية والتاريخية في نظري الضعيف
    تفرض عليه بالضرورة رؤية التركيب اللاحق بواقع الحروب الساخنة والباردة
    وأمورها المشتبهات التي عاصرها في منطقة الشرق الأوسط . فتحت شروط الحرب
    الباردة أمكن تفكيك آلة الاستعمار الكلاسيكي في بلدان العالم الثالث سواء عن طريق
    الضغوط السياسية السلمية سواء عن طريق النضال المسلح الذي م ّ كن لبعض حركات
    التحرر أن تتقدم على درب التحرر مسنودة بحلفاء موضوعيين معادين للاستعمار
    والإمبريالية. تحت شروط الحرب الباردة تمكن الشعب الفيتنامي من هزيمة آلة القهر
    الطبقي للإمبريالية الأمريكية وبناء دولة السيادة الوطنية. وتحت شروط الحرب الباردة
    أمكن لبعض البلدان المتحررة أن تباشر بعض الإصلاحات المهمة في بنى الاقتصاد
    وإطلاق التنمية الاجتماعية التي استفادت منها أجيال ما بعد الاستقلال. ولا شك أن
    الفلاحين الفقراء الذين حصلوا على الأرض بفضل "الإصلاح الزراعي " الذي أجراه
    عبد الناصر، وأبناء الفقراء الذين استفادوا من مجانية التعليم يحفظون للزعيم المستبد

    6
    لا غلاط في ذلك أنه ف  رج عنهم بعض كرب الواقع الطبقي التعيس في مصر
    الباشوات.
    قلت أن البعد الآيديولوجي الإنقاذي يطمس بصيرة التحليل الجيوبوليتيكي لكتاب "مشكلة
    الشرق الأوسط" لأنه يموضع العرب، كل العرب، بدون فرز طبقي، في جهة غير
    الجهة التي فيها "العالم". ناهيك عن السعي المحموم لموضعة" العالم"، في هيئة" الغرب"،
    ككيان أصم لا يعرف الفرز الاجتماعي ولا تطاله طائلة التاريخ. وهذه الرؤية تحرم
    العرب، من أصحاب المصلحة في التحرر، من احتمال ملاقاة حلفاء موضوعيين خارج
    جغرافيا العالم العربي، وتحكم عليهم بالعزلة النهائية داخل" الحفرة" العربسلامية
    المجيدة. وعرب إسرائيل الذين يقاومون السياسات الصهيونية لليمين الإسرائيلي
    بالتحالف مع قطاع من اليسار الإسرائيلي على سبيل المثال لا بد أنهم يقدرون
    قيمة القرب الآيديولوجي الذي يربطهم بالشيوعيين الإسرائيليين بأكثر مما يقدرون
    قرابتهم العرقية والدينية مع أثرياء الرأسمالية الطفيلية العربسلامية المتحالفة مع أنظمة
    الاستبداد العربي التي تتعيش من المزايدة السياسية باسم القضية الفلسطينية.
    وعبر صفحات الكتاب يرسم المؤلف صورة المجتمع العربي ككتلة ص ماء غاشمة
    عديمة الخيال تتبع " القادة الق  صر" والمتقاعسين أو و المتهورين الذين يلهبون
    الجماهير بالخطب الرنانة ويجهلون كل شيء عن الأجندة الشريرة للقوى الدولية الكبرى
    التي تغرر بهم وتتظاهر بصداقتهم. وقد ك  رس المؤلف مساحة معتبرة من الكتاب الذي
    موضوعه " مشكلة الشرق الأوسط" لنقد مواقف جمال عبد الناصر وسياساته باعتباره
    المسئول الأول عن الكوارث التي لحقت بالعرب مثلما هو مكرس لنقد الأحزاب
    الشيوعية العربية والإتحاد السوفيتي. فعبد الناصر ما هو إلا ضحية لخداع الشيوعيين،
    والشيوعيون بدورهم ضحايا للتضليل الآيديولوجي الماركسي للإتحاد السوفييتي
    الذي"استعمر" عقول الشيوعيين العرب وأفسد بصائرهم.
    7
    وفي مشهد نقد الفكر الماركسي يطرح الكتاب مفهوما جديدا للاستعمار الجديد. وهو
    غير مفهوم " الاستعمار الجديد" (نيوكولونياليزم) المتعارف عليه في مجال دراسات
    الاقتصاد السياسي. ف "الإستعمار الجديد" في التعريف الجمهوري هو "الاستعمار
    الشيوعي الذي يسعى جاهدا اليوم لبسط نفوذه على العالم. وهو استعمار يسعى من
    الوهلة الأولى إلى استعمار العقول بأفكار هي غاية في السوء، وغاية في الخطورة،
    وليس غرضه المباشر الاستغلال الاقتصادي، وإنما غرضه المباشر، النهي، والأمر،
    والسيطرة، والاستغلال الاقتصادي يجيء من بعد ذلك بالتبعية. . ويخطئ كثيرا من
    يظن أن المادة هي أقصى ما تطلب النفس البشرية. . ذلك بأن إلتذاذ النفس البشرية
    بالسلطة يفوق إلتذاذها بالثروة"، وهكذا يؤول أمر ظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية
    في تعقيد وتركيب الظاهرة الاستعمارية إلى نوع من هوى النفس البشرية الأمارة
    بالسوء التي تلتذ بالسلطة قبل الثروة،( ترى هل يمكن تفسير تضامن الشيوعيين
    السودانيين مع الأستاذ محمود ضد حكم محكمة الردة الأولى كنوع من الانسياق وراء
    التضليل الشيوعي المنظم أم هو خيار حر أصيل لدعم الديموقراطية في ساحة العمل
    العام السوداني؟). وما الذي يجعل رجلا في فطنة أستاذنا محمود النقدية وفي سعة حيلته
    الفكرية يقبل بهذا التحليل الساذج لمفهوم الاستعمار؟ ما الذي يدفع أستاذنا محمود
    القارئ الواسع الإطلاع لتجاهل أدبيات الاقتصاد السياسي التي حللت الظاهرة
    الاستعمارية وأفاضت في شرحها كل هذا التجاهل المثير للريبة؟هل يمكن لنا أن نتصور
    أن الأستاذ قد غفل وإنجرف وراء إغراء السهولة التي زينت له استباحة حرمة مصطلح
    " الاستعمار" بذريعة الكسب السياسي العاجل؟أم أن النص المكتوب في مفهوم الاستعمار
    خارج من قلم آخر غير قلم أستاذنا الدقيق ومن فكر آخر غير فكره الثاقب. وأنا أقول
    هذا الكلام لأني أعرف أن في النصوص الصادرة باسم الجمهوريين جزء مكتوب بشكل
    جماعي، وإن صدر تحت اسم الأستاذ محمود وبمباركته. وربما نفعنا الأصدقاء
    الجمهوريون الذين عاصروا كتابة "مشكلة الشرق الأوسط" بمعرفتهم بملابسات كتابة هذا
    النص.
    8
    وبخلاف مشكلة المصطلح السياسي يتكشّف الكتاب عن فهم متواضع لجيوبوليتيك
    الحرب الباردة. بالذات حين يتصور الحرب الباردة كخيار حر مبذول أمام الدول
    الصغيرة فتتبناه أو تلفظه. ذلك أن أحد أهم المآخذ التي يأخذها الكتاب على جمال عبد
    الناصر هي أنه زج ببلاده وبالبلدان العربية في أتون الحرب الباردة واستعدى على
    العرب القوى الكبرى في أوروبا وأمريكا وجعلها ألعوبة في يد حليف مخاتل من شاكلة
    الإتحاد السوفييتي إلخ...". وحين تدخل مصلحة دولة صغيرة في حلبة هذه الحرب
    الباردة، تهدر هذه المصلحة، ولا تعار أدنى إهتمام، وتصبح هذه الدولة الصغيرة كالنملة
    تحت أقدام الفيلة المتصارعة، لا تبالي الفيلة بمصيرها.
    وهذا يوجب على كل زعيم يستحق لقبه، من زعماء الدول الصغيرة، أن يسير مفتوح
    الذهن ليكسب لأمته مكانا تحت الشمس من غير أن يجرها إلى حلبة هذه الحرب
    المجنونة. . ". . "ذلك بأن كل ما لقي العرب وما يلقون، إلى اليوم، إنما مرده إلى أنهم
    قد أصبحوا، من جراء قصر النظر في تأميم قناة السويس، غرضا من أغراض الحرب
    الباردة بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية".
    إن كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" يظل من الكتب المهمة التي أصدرها الجمهوريون لأنه
    يضيء منهج التفكير السياسي الجمهوري على الأقل في تلك الفترة بطريقة بريئة
    في إنتقائيتها، طريقة تؤشر لتغ  ول البراغماتية السياسية المغرضة حتى لا أقول
    "الانتهازية السياسية" على منطق الفكر الحر الذي لازم جهد التجديد الديني عندهم.
    وبعد، وقبل،
    ما زالت في الخاطر أسئلة كثيرة تتعلق ب "كعب آخيل " الميراث السياسي الجمهوري
    المسمى ب مشكلة الشرق الأوسط" ويا حبذا إعادة قراءة نقدية تجيء من طرف التلاميذ
    النظاميين للأستاذ ممن عاصروا الفترة التي كتب فيها هذا الكتاب فتستكمل ما غاب من
    الصورة العروبية للجمهوريين.

    http://sudaneseonline.com/sections/special-files/MMTaha/ustazMMtahap1.html
                  

04-24-2008, 00:49 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    1
    محاولة للتعريف بمساهمة الأستاذ محمود محمد طه
    في حركة التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر
    د. عبد الله بولا
    دراسة نشرتها مجلة رواق عربي التي يصدرها "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، في عددها
    . الرابع الصادر في أكتوبر عام 1996
    ثمة مشكلات عديدة تواجه قضايا التجديد في حركة الفكر الإسلامي في هذا العقد الأخير من
    القرن العشرين بالذات. وهي مشكلات تتطلب مواجهة حقيقية للنفس وللواقع لكي يكون للفكر
    الإسلامي المعاصر فرصةٌ للمساهمة في صياغة، أو بالأحرى في إعادة صياغة العالم بالفعل
    لا بالأوهام الذاتية. والمواجهة الحقيقية للنفس وللواقع المعاصر التي تمكن الفكر الإسلامي من
    الارتقاء إلى مستوى "عالمية جديدة" وتؤهله لدورٍ فاعلٍ فيها ليست من قبيل الاحتيال
    الإيديولوجي السفسطائي على المفاهيم والمناهج والنصوص والوقائع التاريخية التي تشكل
    نسيج هذا الفكر، كما أنها ليست في تجميد تراثه وقسره على الإجابة على أسئلةٍ وإشكالياتٍ لم
    تكن ضمن مشاغله في زمانه التاريخي المحدد، مما هو اليوم شأن الغالبية العظمى من
    اجتهادات المفكرين الذين يسمون أنفسهم ب"الإسلاميين". إن المدخل "الوحيد الممكن"* لأي
    ثقافةٍ تطمح إلى المشاركة في صياغة العصر هو تجديد بنياتها، أي مفاهيمها وآلياتها لإنتاج
    المعرفة وقيمها الأساسية ومناهج تعبيرها وإدراكها لذاتها وللآخرين "من حولها" بغرض أن
    تستوعب حركة هذا الواقع ومستجداته وتستشرف آفاقها الممكنة. ولا سبيل، في اعتقادنا، إلى
    تجديد بنيات الثقافة إلا بمواجهةٍ نقدية لإنجازها التاريخي ومسلماتها المستقرة. وليس معنى
    المواجهة النقدية بالطبع الرفض أو التخلي والطرد، وإنما تعني النظر الفاحص للعناصر
    المكونة لإبداعية الثقافة في إطارها التاريخي وفهم فاعليتها وضروريتها وغائيتها في السلب

    2
    والإيجاب، لإعادة انطلاقها، بإكمال هدم ما انهدم أص ً لا من بنياتها وأصبح حجر عثرة في
    حركة جدلها الداخلي وجدلها مع الواقع المحيط. وهذا أمر يمكن أن يجر إلى الموت، ضمن
    ما يجر من عواقب أخرى على المجدد. بهذا الثمن وحده، أعني بامتلاك هذا الوعي بفداحة
    العبء الذي ينبغي على دعاة التجديد أن يحملوه، وبامتلاك الاستعداد النفسي والأخلاقي
    لتحمله، يمكن الحديث عن فتح أفق حقيقي لحركة للتنوير في الثقافة الإسلامية المعاصرة
    عمومًا، وفي حركة الفكر منها على وجه التخصيص. في هذا الإطار، تشكل مساهمة المفكر
    الإسلامي السوداني الشهيد الأستاذ محمود محمد طه ( 1909 1985 ) نموذجًا أصي ً لا من عدة
    وجوه سنعرض لها في سياق هذه الورقة.
    إنني أزعم أن الأستاذ محمود هو بين المفكرين الإسلاميين المجددين المعاصرين أكثرهم
    وأعمقهم إدراكًا لمأزق الفكر الإسلامي السلفي في مواجهة متغيرات الواقع المعاصر وما
    تطرحه من إشكالياتٍ متواترةٍ ومعقدة. ولقد كان عميق الإدراك بنفس القدر لقصور محاولات
    الكثيرين من دعاة التجديد و"بؤس" مفاهيمهم وقراءاتهم ( بل تأهيلهم واستعدادهم أص ً لا، وليس
    المقصود بالطبع تأهيلهم المعرفي الأكاديمي أو مواهبهم الشخصية) عن التصدي لمثل هذه
    المسئولية الجسيمة. فالدعوة للتجديد الجذري لبنياتٍ فكريةٍ قائمةٍ على سلفٍ مقدسٍ وتقاليدٍ
    مقدسةٍ أيضًا، قداسة تحميها وتحتمي بها سلطة دولةٍ استقر فيها الاستبداد نحواٍ من ألفٍ
    وثلاثمائة عام ونيف، (حتى أصبح الاستبداد بذاته واجبًا مقدسًا عند نفرٍ ممن يظنون أنهم
    حماتها وورثتها الوحيدون) أقول إن الدعوة للتجديد الجذري في مثل هذه الشروط ليست نزهة
    سعيدة. ولم يكن غريبًا في هذه الحال أن يتراجع معظم دعاة التجديد عن جوهر مشروعاتهم
    في مواجهة سيف الإرهاب السلفي المشرع فوق الرقاب، تراجع طه حسين وتراجع علي عبد
    الرازق، وتراجع خالد محمد خالد، وآخرون كثر غيرهم، وقد سبقني إلى ملاحظة ظاهرة
    التراجع هذه الصديق الدكتور نصر حامد أبوزيد (وهو من الذين رفضوا أن يتراجعوا).
    تراجعوا بدرجاتٍ متفاوتة عن جوهر مشروعهم التنويري: النقد الجذري لسلطة التراث
    وسلطة السلف واقتراح قراءةٍ جديدةٍ، أو بالأحرى فتح أفق بلا حدود لقراءات أخرى نقدية
    Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines3
    للمناهج والمفاهيم للنصوص والمؤسسات والمأثور من نماذج السلوك والمناقب. ولعل أهم
    مستويات هذا التراجع ومظاهره لجوء الغالبية العظمى من دعاة التجديد إلى الإمساك بالعصا
    من منتصفها كناي ً ة عن المنحى التوفيقي. وهو توفيق لا ينبني على أساسٍ مفهوميٍ صلب ولا
    بنيةٍ استنباطية يعتد بها، وقد أقول أن هذه أص ً لا صفة كل منهجٍ توفيقي. وما أظنني بغير
    حاجة إلى التأكيد لمرةٍ أخرى بأن نقد سلطة التراث وسلطة السلف وسلطة النصوص شيء
    مخالف تمامًا للقول بالتحقير والزراية والطرد للتراث وللسلف من مشهد التجديد ومطلبه. بيد
    أن النوايا السيئة والقراءة السيئة كانت ولا تزال تتربص الدوائر بالخطاب المجدد وتجهد
    وتصر على إنطاقه بما لم ينطق به ولم يرد عنده حتى في الخواطر الخفية. ولعل في النماذج
    الحديثة جداً من القراءات الخبيثة المغرضة مما أورده نصر حامد أبوزيد في معرض
    توضيحه لبراءة خطابه المجدد من شبهة الرغبة في هدم التراث والإساءة إلى السلف ما يبرر
    إلحاحي هذا في التوضيح.( 1) فتقدير السلف والتراث شيء وتنصيبهما سلط ً ة مطلق ً ة وأزلي ً ة
    على الحاضر والمستقبل شيء آخر. وأظن أن هذا يكفي لدرء كل التباس لو أن أمر القراءة
    السيئة كان أمر التباسٍ وحسب .
    ولنذهب مباشرًة إلى موضوعنا الرئيسي. ما الجديد في مساهمة الأستاذ محمود محمد طه؟
    وفيم هو هام وجذري إلى هذا الحد الذي زعمته له؟
    يمكن القول أن مفهوم قيام الإسلام على رسالتين، رسالة أولى قامت على فروع القرآن،
    ورسالة ثانية تقوم على أصوله، هو المفهوم الرئيسي المؤسس في فكر الأستاذ محمود. وكلا
    الرسالتين مما بلغ النبي(ص)، بيد أنه فصل الأولى تفصي ً لا بينما أجمل الثانية إجما ً لا. ومناط
    تفصيل الأولى وإجمال الثانية أن الأولى إنما جاءت على قدر حاجة وطاقة مجتمع القرن
    السابع وما تلاه من مجتمعات لا تختلف عنه اختلافًا مؤثرًا في مستويات تطور وعيها
    ومؤسساتها الحقوقية والثقافية والإنتاجية والسياسية. بينما أرجئت الثانية إلى أن يجيء زمانها
    ورجالها ونساؤها( 2). وهذا المفهوم الذي سنفصل القول فيه لاحقًا، إنما هو نتاج ونموذج لما

    4
    أسميته آنفًا بالمواجهة الحقيقية للذات وللإشكاليات التي يطرحها الواقع المعاصر على الفكر
    الإسلامي، وعلى الفكر الإسلامي المتصدي لقضايا التجديد بالذات. فمن أرضية النظر النقدي
    الأمين والمخلص لحقائق الواقع المعاصر والقائم على احترامٍ عميقٍ لمقام الإنسان ولجهده
    المبدع وحقوقه الأساسية، وصل الأستاذ محمود إلى قناعةٍ رصينة بأن المنجز الإنساني
    الحضاري المعاصر في وجوهه المتصلة بحقوق الإنسان وضمان تفتحه وازدهاره وارتقائه قد
    فاق بما لا يقاس ما هو متضمن فيما لدى المسلمين المعاصرين من فهمٍ لدينهم، وفيما لديهم
    من تراث فكري وحقوقي وثقافي وسياسي، وفي ما استقر عندهم من ممارسات ومؤسسات
    تشكل مرجعيتهم في هذا الخصوص. فخرج على الناس بعد خلوة دامت عددًا من السنين،
    راض فيها نفسه رياضً ة قاسي ً ة بالعبادة والتأمل الفاحص والإطلاع الواسع العميق، بمقولات
    ،( جريئة وشجاعة فحواها أن "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين"( 3
    وأن للإسلام "رسال ً ة ثانية" هي في مستوى حاجة القرن العشرين وطاقته، بل هي تتجاوز ذلك
    إلى مستوى قيادة التطور الإنساني في مراقيه التي لا نهاية لها، مراقيه في الواقع التاريخي،
    في ما يتحقق له به من مستويات الرفاه والحرية في هذه الحياة، ثم في الإطلاق، عند الله
    "حيث لا حيث" و"عند لا عند". وأظنني بحاجة إلى وقفةٍ هنا أوضح فيها أنه ليس من أغراض
    هذه الورقة التشيع لهذه المقولات أو معارضتها وإنما إبانة أصالتها وجدارتها بالاعتبار
    والمناقشة الجادة من وجهة نظر منطق التجديد ومنهجيته. لم يغالط الأستاذ* الشهيد حقائق
    العصر، كما أنه لم يراوغ واقع تخلف الفكر الإسلامي وقصور تراثه من المناهج والنصوص
    والوقائع عن الارتفاع إلى قامة إشكاليات العصر وطموحاته وتحدياته. وهذا في حد ذاته أمر
    جديد على مشهد محاولات التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، من جيل الأستاذ، على أقل
    تقدير، وفي داخل دائرة الدعاة الذين ينطلقون من مرجعية دينية "صرفة". (وأعتقد أن تقديري
    في هذه النقطة متواضع جدًا وهو مما تفرضه عل  ي التقاليد الأكاديمية من تحفظ). هذه نقطةٌ
    منهجيةٌ هامة تتصل أساسًا بطرح المشكل. وكما نعلم أنه ليس من الصعب دائما أن نحل
    المشكلات ولكنه من الصعب أيضاً في كثيرٍ من الأحيان أن نطرحها طرحًا سليمًا وشجاعًا،
    وبصفةٍ خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الدين المخيف. فحاجة الفكر الإسلامي، في نظر

    5
    الأستاذ محمود، ليست في مستوى معالجات موضعية وإنما هي في مستوى بعث الأصول،
    في مستوى إعادة تعريف الأصول والعمل بها. وهذا مشهد آخر من مشاهد أصالة مساهمة
    الأستاذ محمود. فبينما اكتفى معظم المجددين (وأنا أتحفظ مرة أخرى من أن أقول كلهم)،
    بالدعوة إلى بعث الأصول، من موقع التسليم بأن تعريف الأصول ناجز أص ً لا، انطلق الأستاذ
    من أن تعريف الأصول الذي بين أيدينا هو في الواقع ليس من أصول الإسلام في شيء.
    فأصول الإسلام عنده لا تلتمس في المفاهيم والشروط وطرائق الاستدلال وتحديد القضايا،
    التي وضعها السلف الصالح من الفقهاء المؤسسين، على جلال إنجازهم وضرورته في حدود
    حاجة وقتهم وطاقته، والتي اصطلح على تسميتها بالشريعة بإطلاق من باب الوهم أوسوء
    الفهم، وإنما تلتمس في مقاصد الدين النهائية: الحرية الفردية المطلقة والكرامة الإنسانية
    المطلقة، بل الكرامة المطلقة لجميع الخلق. كما أن الذي يحدد الحاجة إليها وضرورة بعثها
    وإمكانه ليس الرأي العارض المزاجي وإنما تهيؤ المكان والزمان موضوعيًا لاستقبالها. ولقد
    تهيأت الأرض في زماننا لاستقبالها بما بلغه المجتمع الإنساني المعاصر من مراقي التقدم
    الهائلة في المعارف والتقنية وسبل الاتصال، وهو في المقابل يحتاجها لما يضرب عليه من
    "الحيرة والفقر الروحي"، يكتب الأستاذ في معنى الاستعداد:"الإسلام عائد بعون الله وبتوفيقه
    ... هو عائد، لأن البشرية قد تهيأت له بالحاجة إليه وبالطاقة به ... وهو سيعود نورًا بلا نار
    لأن ناره بفضل الله ثم بفضل الاستعداد البشري المعاصر قد أصبحت كنار إبراهيم بردًا
    وسلاما".( 4) ويكتب في معنى الحاجة: "فإذا كانت الأرض اليوم بكل هذه الطاقة المادية
    الهائلة ثم بكل هذه الحيرة المطبقة على عقول الناس وقلوبهم. فقد أصبح لزامًا على ورثة
    الإسلام – على ورثة القرآن – أن يدعوا إلى الرسالة الثانية ..." ( 5) وعن الداعية أو"المأذون
    له" بالحديث في أمر الرسالة الثانية، فإن أمره لا يتقرر بالرأي المقتحم المرتجل وإنما هو في
    تعريف الأستاذ محمود "رجلٌ أتاه الله الفهم عنه من القرآن وأذن له في الكلام". وضوابطه
    تجويد العبادة واستقامة السيرة والسريرة وهي ثمار تظهر للناس واضحة ملموسة. ويضرب
    الأستاذ مثلا لذلك قول المسيح (ع س) "أحذروا الأنبياء الكذبة" قالوا "كيف نعرفهم؟" قال"
    ( بثمارهم تعرفونهم". ( 6

    6
    فما الأصول إذن وبأي منهجيةٍ ومعيارٍ نعرفها ونحددها ؟ الأصول هي معاني الحرية الكبرى
    في القرآن، "الحرية المطلقة" فيما يعبر الأستاذ، وفي ذلك يكتب: "الأصل في الإسلام أن كل
    إنسانٍ حر، إلى أن يظهر، عمليًا، عجزه عن التزام واجب الحرية، ذلك بأن الحرية حق
    طبيعي، يقابله واجب الأداء، وهو حسن التصرف في الحرية، فإذا ظهر عجز الحر عن
    التزام واجب الحرية صودرت حريته، عندئذ بقانون دستوري، والقانون الدستوري، كما
    سلفت الإشارة إلى ذلك، هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة
    وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة،(...) هذا الأصل هو أصل الأصول، وللوفاء
    به بدأت الدعوة إلى الإسلام بآيات الإسماح، وذلك في مكة، حيث نزلت "وادع إلى سبيل ربك
    بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله،
    وهو أعلم بالمهتدين" أخواتها، وهن كثيرات."( 7) وتشريع الرسالة الثانية كله مبني على مقصد
    الوفاء بغاية الحرية وتأسيسها مما جاء فيما يسميه الأستاذ بآيات الأصول، وهي الآيات التي
    ترسي القواعد الأساسية للوفاء بغاية الحرية: العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية
    والسياسية ...الخ التي تشكل القاعدة الموضوعية الضرورية للحرية. فليس الجائع حرًا ولا
    المظلوم والمقهور والخائف ولا الظالم والباطش ... الخ بأحرار بأي معنى من المعاني. آيات
    الأصول هي الآيات التي تبين مقاصد الدين النهائية في هذه المجالات، فالأصل الإسلامي في
    الاجتماع المساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأنواعهم من ذكور وإناث، ومحو
    التفاوت الطبقي والتراتب بينهم من أي شاكلةٍ كان. والأصل في الاقتصاد المشاركة في
    خيرات الأرض والإنتاج، ويسميها الأستاذ الاشتراكية دون لجاجةٍ أو تحفظ. وهوفي الحقوق
    العامة المساواة أمام القانون، المضبوطة بضماناتٍ دستورية تجعل المساواة حقًا عضوضًا لا
    منح ً ة ولا تلطفا. والأصل في السياسة الديمقراطية الكاملة. والأستاذ لا يرجم في ذلك بالرأي
    الفج، وإنما يقيمه على شواهد من القرآن السنة المؤكدة. فالآية الأصل في المساواة
    الاجتماعية" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن
    أكرمكم عند الله أتقاكم."( 8) وهي في العدالة الاقتصادية "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"

    7
    ويفسر العفوبما زاد عن الحاجة الحاضرة.( 9) وآيات الأصول في المساواة الحقوقية " ولا
    تزر وازرة وزر أخرى" و"فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا
    يره"( 10 ) ثم "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم
    عدا* وكل آتيه يوم القيامة فردا"( 11 ) فردًا، أي دون تمييز من جنسٍ أو نوع أو مكانة، في
    المسؤولية، ومن ثم في الواجبات والحقوق. وهي في السياسة وحق الاعتقاد والتعبير "فذكِّر
    إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء
    فليكفر."( 12 ) والواقع أن هذا غيض من فيض من استشهاداته العديدة التي يوردها في سياقٍ
    محكمٍ من التحليل قلما يحسن مجاراته حتى أكثر تلاميذه موهب ً ة. ومن واجبي هنا أن أعترف
    بقصوري عنه. وأتمنى ألا أكون قد أخللت به إخلا ً لا شديدًا. وفي سياق منطقه المحكم يقرر
    الأستاذ أن نزول آيات الأصول إنما سبق نزول آيات الفروع لسببين. الأول طبيعي هوفي
    منطق الأشياء نفسه أن يجيء الأصل أو ً لا. والثاني تعليمي لكي يثبت بالدليل العملي القاطع
    قصور أمة البعث عن الإسلام في مستوى الأصول. يكتب الأستاذ: "وبعبارةٍ أخرى، بدئ
    بدعوة الناس إلى الإسلام (في مستوى أصوله) فلما لم يطيقوه، وظهر ظهورًا عمليًا قصورهم
    ( عن شأوه، ُنزِل عنها إلى ما يطيقون. والظهور العملي حجةٌ قاطعةٌ على الناس".( 13
    وثنائية الأصول والفروع هي عنصر أو قول توطئة أو قاعدة لثنائية أدق منها هي ثنائية
    معنى الإسلام نفسه عند الأستاذ. فالإسلام وإن كان واحدًا إلا أنه معنيان. المعنى الأول هو
    إسلام أمة البعث، إسلام الرسالة الأولى، ويكفي للدخول فيه النطق بالشهادتين كما هو معلوم،
    حتى إذا انطوى القلب على النفاق والكفر. نقرأ في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام": "فأنت
    حين تقرأ قوله تعالى "إن الدين عند الله الإسلام" يجب أن تفهم أن المقصود الإسلام الأخير،
    وليس، على التحقيق، الإسلام الأول، ذلك بأن الإسلام الأول ليست به عبرة عند الله، وإنما
    كان الإسلام الذي عصم الرقاب من السيف، وقد حسب في حظيرته رجال أكل النفاق قلوبهم،
    وانطوت ضلوعهم على بغض النبي وأصحابه ثم لم تفصح ضلوعهم عن خبئها، وذلك لأن
    المعصوم قد قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله

    8
    فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وأمرهم إلى الله".( 14 ) وفي هذا المعنى
    أيضا جاءت الآية "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في
    قلوبكم". ومن الواضح هنا أن هذا الإسلام هو مرتبةٌ أقل من الإيمان ربما قلت بكثير. ولن
    يستقيم عق ً لا أن يكون هذا هو نفس معنى الإسلام الذي يرد في نصوص أخرى من القرآن في
    معانٍ كبيرة من الإجلال والتبجيل. من ذلك مث ً لا: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا
    تموتن إلا وأنتم مسلمون". أو قول القرآن على لسان النبي "قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي
    ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين".( 15 ) فالنبي، فيما
    يوضح الأستاذ، طليعة أمة المسلمين بمعنى الإسلام الأخير الذي يجيء في مستوى بعض
    الأصول وهي "أمة لم تجئ بعد، وإنما جاء طلائعها، فرادى على مدى تاريخ المجتمع البشري
    الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم، النبي الأمي، محمد بن عبد الله،
    عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم".( 16 ) ويتجلى هنا لكل من يعنى ببسائط المنطق وآليات
    البرهان أننا أمام حجاج ذي نفسٍ قوي يصعب شق غباره. كما أننا أمام شجاعةٍ فكريةٍ مذهلة
    لا تتهيب مواجهة تناقضات النص الظاهرة ومعالجتها بالفكرة الجريئة التي قد ترمي إلى
    التهلكة (وقد أدت بالفعل إلى استشهاد الرجل) حين فضل كثير من دعاة التجديد مراوغة مثل
    هذا التعارض في النصوص بحيل شتى دون جدوى .
    يذهب الأستاذ إلى المزيد من التوضيح لثنائية معنى الإسلام فيكتب: "الإسلام فكر يرتقي
    السالك فيه على درجات  سلَّمٍ سباعي أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها
    علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد،
    ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية، اختلاف مقدار*، فهو في الدرجة
    الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة الثانية انقياد الظاهر والباطن معًا .. وهو في
    الدرجة الأولية قول باللسان وعمل بالجوارح ولكنه في الدرجة النهائية انقياد واستسلام ورضا
    بالله في السر والعلانية.. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر
    من الإيمان .. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه".( 17 ) قد تبدو هذه الفقرة

    9
    لدى الوهلة الأولى ضعيفة الصلة بموضوعنا الرئيس. إلا أنها في الواقع تقع في صميمه
    وتترتب عليها استنتاجات مهمة تتصل بموضوع التجديد ومكانة مساهمة الأستاذ محمود فيه
    وأصالة منهجه وتماسك بنيته الداخلية وسلامتها من الانتقائية والارتجال. فلا مخرج في
    الواقع من ورطات التعارض بين النصوص في مستويات الخطاب القرآني المتصلة بتعريف
    الإسلام بالحيل الذهنية الموضعية المجزأة والمحدودة النطاق وإنما يتطلب الأمر إنشاء بنيةٍ
    مفهوميةٍ كاملةٍ تتجاوز التعارض في صميمه، (أو تقره في صميمه كما يفعل غلاة المتشددين
    الظاهريين). وإلا فكيف يمكن أن نجمع في بنيةٍ مفهوميةٍ واحدة بين إسلام الأعراب وإسلام
    النبي دون أن نوجه للمنطق ضرب ً ة قاضية. إننا نملك الحق في الاتفاق مع الأستاذ محمود
    أومخالفته إلا أن اقتراحه سيظل يمثل احد المخارج الأصيلة جدًا من هذه الورطة. وهو
    مخرج يؤسس بنية مفهومي ً ة رصين ً ة للاستدلال تشكل دعام ً ة رئيسي ً ة من دعائم مشروعه
    التجديدي. ومع ذلك فقد كان جزاؤه على هذا الحل الأصيل الذكي التكفير والقتل (شنقًا عن
    76 عامًا)!! يتأسس على ذلك أنه في المستوى الثاني من الإسلام تسقط كل صور الإكراه
    الواردة في الشريعة الأولى أو، بعبارة أدق، ُتنسخ، فيما ُتنسخ آيات الفروع المقررة لها، وفيها
    عدد من الفروض التي اعتبرتها الشريعة السلفية أصو ُ لا .
    فيقول الأستاذ إن الجهاد ليس أص ً لا في الإسلام وإنما الأصل الدعوة بالموعظة الحسنة
    وبالنموذج السلوكي، وذلك لأسباب مبدئية أظنني أوضحتها، فض ً لا عن أسباب واقعية منها أن
    قهر الناس على الإيمان بالعنف (بالسلاح)، هو أمر غير مرغوب فيه أخلاقيًا وعرفًا في
    زماننا، كما أنه غير ممكن عمليًا. بالصعود إلى مستوى قيمة السلام، التي أصبحت قيمة
    أساسية في عصرنا، في مستوى المواثيق والمؤسسات المعرفية والحقوقية التي تبدع القيم
    السائدة القائدة والمثل العليا على الأقل، والتي هي الأصل في الإسلام، ُتنْسخ آية السيف "فإذا
    انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ..." الآية، وُتبعث آيات الإسماح من
    جديد. ذلك أن غلظة القلوب والعقول المفضية إلى سوء التصرف في الحرية هي التي أوجبت
    أحكام السيف ودخول العنف في وسائل الدعوة كما يقول الأستاذ. إن السيف في استخدام
    الإسلام له كان "أداة لطب النفوس" ، في رأي الأستاذ،وليس أداة للعقاب في ذاته. يكتب

    10
    الأستاذ "وكل ما يقال عن تبرير استعمال الإسلام للسيف هو أنه لم يستعمله كمدية الجزار،
    وإنما استعمله كمبضع الطبيب".( 18 ) ومع دقة هذا الحجاج، فهو يبدو لي غير متسقٍ مع
    وقائع التاريخ، في مستوى الممارسة الفعلية للمسلمين، على كل حال. وهذه ملاحظة أرجئ
    تفصيلها إلى مكانها من سياق البحث ضمن ملاحظات نقدية أخرى.
    والرق ليس أص ً لا في الإسلام. (وأقول استطرادا أن التفسير الذي يعطيه الأستاذ محمود
    لوضعية الرق في الإسلام الأول يبدو لي "أقل نصوعًا وإقناعًا" في كثيرٍ من جوانبه، بالمقارنة
    مع وضوح رؤيته النقدية في القضايا الأخرى المتصلة بمفهوم الحرية، ومن ثم فإنني سأورده
    كاملا بقدر ما يسمح الحيز، من باب الحفاظ على نفس مبدأ القراءة النقدية والإخلاص في
    تصوير حقائق الواقع وحقائق النصوص وهي عين الصفات التي حمدتها له). يكتب الأستاذ
    في هذا الموضوع الدقيق: "فالأصل في الإسلام الحرية، ولكنه نزل في مجتمعٍ الرق فيه جزء
    من النظام الاجتماعي والاقتصادي. وهو مجتمع قد ظهر عمليًا أنه لا يحسن التصرف في
    الحرية، مما أدى إلى نزع قيام أفراده بأمر أنفسهم، وجعل ذلك إلى وصيٍ عليهم، وقد رأينا
    أن هذا أدى إلى شرعية الجهاد، ومن أصول الجهاد في سبيل الله أن يعرض المسلمون على
    الكفار أن يدخلوا في الدين الجديد، فإن هم قبلوه، وإلا فأن يعطوهم الجزية، ويعيشوا تحت
    حكومتهم، مبقين على دينهم الأصلي، آمنين على أنفسهم. فإن هم أبوا عليهم هذه الخطة
    أيضًا، حاربوهم، فإذا هزموهم اتخذوا منهم سبايا، فزاد هؤلاء في عدد الرقيق السابق للدعوة
    الجديدة. والحكمة في الاسترقاق تقوم على قانون المعاوضة. فكأن الإنسان عندما دعي ليكون
    عبدًا لله فأعرض، دل إعراضه هذا على جهلٍ يحتاج إلى فترة مرانة، يستعد أثناءها للدخول،
    عن طواعية، في العبودية لله، ف  جعل في هذه الفترة عبدًا للمخلوق ليتمرس على الطاعة التي
    هي واجب العبد. والمعاوضة هنا هي أنه حين رفض أن يكون عبدًا للرب، وهو طليق،
    ( ومكنت الهزيمة منه،  جعل عبدًا للعبد، جزا  ء وفاقا. "ومن يعمل، مثقال ذرة، شرًا، يره". ( 19
    من الأفضل أن نؤجل التعليق على هذا حفاظا على وحدة السياق، واستميح القارئ عذرا في

    11
    مواصلة هذا الاستشهاد الطويل الذي سأستثمره لاحقًا، ضمن مآخذ أخرى في نقدي لهذه
    المساهمة التجديدية التي أجلها كثيرًا مع ذلك. يواصل الأستاذ: "وهكذا أضاف أسلوب الدعوة
    إلى الإسلام، الذي اقتضته ملابسة الوقت، والمستوى البشري، إلى الرق الموروث من عهود
    الجاهلية الأولى، رقًا جديدًا، ولم يكن من الممكن، ولا من الحكمة، أن يبطل التشريع نظام
    الرق، بجرة قلم، تمشيًا مع الأصل المطلوب في الدين، وإنما تقتضي حاجة الأفراد
    المسترقين، ثم حاجة المجتمع، الاجتماعية، والاقتصادية، بالإبقاء على هذا النظام، مع العمل
    المستمر على تطويره، حتى يخرج كل مسترق، من ربقة الرق، إلى باحة الحرية. وفترة
    التطوير هي فترة انتقالٍ، يقوى أثناءها الرقيق على القيام على رجليه ليكسب قوته من الكدح
    المشروع، وسط مجتمع تمرن أيضاٍ، أثناء فترة الانتقال، على تنظيم نفسه بصورة لا تعتمد
    على استغلال الرقيق، ذلك الاستغلال البشع الذي يهدر كرامتهم، ويضطهد آدميتهم، والذي
    كان حظهم التعس إبان الجاهلية. وهكذا شرع الإسلام في الرق، فجعل للرقيق حقوقًا
    وواجبات، بعد أن كانت عليهم واجبات، وليست لهم حقوق. ثم جعل الكفارات، والقربات،
    بعتق الرقاب المؤمنة، السليمة، النافعة. وأوجب مكاتبة العبد الصالح الذي يستطيع أن يفدي
    نفسه، وأن يعيش عيشة المواطن الصالح. وهو في أثناء ذلك يدعو إلى حسن معاملتهم فيقول
    المعصوم "خولكم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تطعمون، وأكسوهم مما
    ( تلبسون". ( 20
    والرأسمالية ليست أصلا في الإسلام عند الأستاذ، و"الأصل في الإسلام شيوع المال بين عباد
    الله، ليأخذ كل حاجته: وهي زاد المسافر، وذلك أمر يلتمس تطبيقه في حياة المسلم الوحيد في
    تلك الفترة، وهو النبي. ولكن الإسلام نزل على قوم لا قبل لهم به، فلا يعرفون إلا أن المال
    مالهم. وهم لم تكن عليهم حكومة تجعل على مالهم وظيفة يؤدونها، ولذلك فقد شقت على
    نفوسهم الزكاة التي  جعلت على أموالهم وكانت لدى التحاق النبي بالرفيق الأعلى، السبب
    المباشر في الردة. (...) وهذا هو السبب الذي جعل تشريع الإسلام في المال دون حقيقة
    مراده، وذلك تخفيفًا على الناس، وتدريجًا لهم، ودرءًا للمشقة عن نفوس أضمرت الشح.
    12
    وهكذا جاءت الزكاة ذات المقادير وجعلت ركنا تعبديا في حقهم، وذلك بمحض اللطف.
    يضاف إلى هذا الاعتبار الفردي اعتبار آخر، هو أن شمس الاشتراكية لم تكن قد أشرقت
    بعد".( 21 ) وربما كان من الإنصاف أن نوضح هنا أن الرجل كان كثير النقد لنماذج
    "الاشتراكية" التي كانت "قائمة"، وقد أخذ عليها، ضمن أشياء أخرى، غياب الديمقراطية عنها،
    وإن كان يحمد لها إرادة المساواة وإن لم توفق فيها.
    "وعدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أص ً لا في الإسلام والأصل في الإسلام المساواة
    التامة بين الرجال والنساء"( 22 ) وهذه في الواقع أصعب القضايا التي تواجه دعاة التجديد في
    الفكر الإسلامي المعاصر وهم طالما تلجلجوا فيها واحتالوا لها أفانين الحيل دون جدوى.
    ويبدو لي أن موقف الأستاذ محمود فيها قاطع وجذري ومتجاوز لكل المعالجات التوفيقية
    المطروحة الآن. وموطن جذريتها في منهج الأستاذ نفسه الداعي إلى نسخ النصوص
    المؤسسة للتمييز والعمل بالنصوص المؤسسة للمساواة باعتبارها الأصول والمقاصد النهائية
    للدين. وشتان بين هذا وبين من يريدون الاحتفاظ بالنصوص القائلة بدونية المرأة مع إثبات
    مبدأ المساواة!! ومع ذلك فسيكون لي بعض الملاحظات النقدية على رأي الأستاذ في هذا
    الشأن. يواصل الأستاذ: "ويلتمس ذلك في المسئولية الفردية أمام الله، يوم الدين، حين تنصب
    موازين الأعمال. قال تعالى في ذلك "ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإن تدع مثقلة إلى حملها
    لا يحمل منه شيء، ولو كان ذا قربى، إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة،
    ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وإلى الله المصير"، وقال تعالى "اليوم تجزى كل نفس بما
    كسبت، لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب"، وقال تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" ولكن
    الإسلام نزل، حين نزل، على قوم يدفنون البنت حية خوف العار الذي تجره عليهم إذا
    عجزوا عن حمايتها فسبيت، أو فرارًا من مؤونتها إذا أجدبت الأرض، وضاق الرزق: قال
    تعالى عنهم "إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء
    ما بشر به، أيمسكه على هون، أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون" ومن هنا لم يكن
    المجتمع مستعدًا، ولا كانت المرأة مستعدة ليشرع الإسلام لحقوقها في مستوى ما يريد بها من
    الخير، وكان لا بد من فترة انتقال أيضًا يتطور في أثنائها الرجال والنساء، أفرادًا، ويتطور

    13
    المجتمع أيضًا. وهكذا جاء التشريع ليجعل المرأة على النصف من الرجل في الميراث، وعلى
    النصف منه في الشهادة. وعلى المرأة الخضوع للرجل، أبًا وأخًا وزوجًا.. "الرجال قوامون
    على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم" والحق، أن في هذا
    التشريع قفزة بالمرأة كبيرة بالمقارنة إلى حظها سابقا، ولكنه، مع ذلك دون مراد الدين
    بها."( 23 ) وهذه أيضًا قفزة كبيرة، في طرح المشكلة على الأقل، تتجاوز، بما لا يقاس،
    مستويات الثأثأة واللجاج التي تسعى إلى إقناعنا بأن حظ المرأة موفور على تمامه في الشريعة
    السلفية على الرغم من وضوح النصوص القائمة على دونيتها. وهو لجاج لم تنج منه حتى
    أقلام مستنيرة جدًا. وفي نفس السياق يذهب الأستاذ إلى أن "الحجاب ليس أص ً لا في الإسلام
    والأصل في الإسلام السفور.. لأن مراد الإسلام العفة.. وهو يريدها عفة تقوم في صدور
    النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول. ولكن ليس إلى هذه
    العفة الغالية من سبيل إلا عن طريق التربية والتقويم. وهذه تحتاج إلى فترة انتقال لا تتحقق
    أثناءها العفة إلا عن طريق الحجاب، وكذلك شرع الحجاب. فكأن الأصل ما كان عليه آدم
    ( وحواء قبل أن يزلا (...) والسفور في الإسلام أصل لأنه حرية".( 24
    وهو يقدم تعليلاتٍ وشروحا مطولة فيمًا يراه من ذلك أسقطتها هنا نزو ً لا إلى مقتضيات
    الحيز، ويمكن إجمالها في أن الأستاذ يميز تمييزًا دقيقًا بين السفور والتهتك والابتذال الذي
    يجعل من جسد المرأة مجرد حليةٍ وأداةٍ للإمتاع مما نشهده في ذلك الفيض الهائل من
    موضوعات الدعاية والإعلان الصادرة عن مفهوم "المرأة الشيء" و"المرأة السلعة" في أفق
    الحضارة الرأسمالية السائدة .
    "والمجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أص ً لا في الإسلام، وتعدد الزوجات ليس أص ً لا في
    الإسلام، والطلاق ليس أص ً لا في الإسلام".( 25 ) كل ذلك في سياقٍ من التعليلات والشروح
    أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ذكية جدًا وتخبر عن منهجية نقدية تحليلية تركيبية فذة، وعن
    عقلٍ مفكرٍ ومثقفٍ من الطراز الأول سواء اتفقنا معه أو خالفناه.
    تمثل آلية التجديد وضوابطه المنهجية إشكالي ً ة عويصً ة في الفكر الإسلامي المعاصر.
    فبالإضافة إلى هالة القداسة المخيفة التي أحيطت بها المنهجية التي حددها السلف من الفقهاء

    14
    المؤسسين (وليس للسلف فيها من يد بالطبع)، والسطوة الخفية لمقولة قفل باب الاجتهاد،
    وربما أيضًا بسبب من ذلك، فإن أجندة المجددين الإسلاميين قد خلت من منهجٍ متكاملٍ
    لإجرائية التجديد. في هذا الإطار أيضًا تمثل مساهمة الأستاذ محمود، التي هي جزء لا يتجزأ
    من جهازه المفاهيمي، إضافة فريدة. يمثل المنحى الإجرائي عند الأستاذ محمود عنصرًا من
    بنية فكره العامة مقولاته الأساسية. فوجود مستويين من التشريع في الإسلام، مستوى الفروع
    ومستوى الأصول، والذي لا يناقض مبدأ واحدية الإسلام بقدر ما يؤكده، إنما هو عنده معن  ى
    يتصل برسالة الإسلام التاريخية المحددة التي بلغها النبي محمد مجمل ً ة في مستو  ى ومفصل ً ة
    في مستوى آخر كما أوضحنا، أو كما أوضح الأستاذ بعبارة أدق. ويبقى المعنى العام للإسلام
    أوسع من ذلك. وهذا الفهم متصل بمشروعية التجديد وإجرائيته عند الأستاذ. وهو يكتب
    موضحًا ذلك: "الإسلام دين واحد.. وهو دين الله الذي لا يرضى غيره.. قال تعالى فيه:
    "أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات، والأرض، طوعا وكرها، وإليه يرجعون"
    (...) وبالإسلام جاء جميع الأنبياء من لدن آدم وإلى محمد.. قال تعالى في ذلك: "شرع لكم
    من الدين ما وصى به نوحًا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن
    أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.. كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. الله يجتبي إليه من يشاء،
    ويهدي إليه من ينيب..". "شرع لكم من الدين" هنا لا تعني الشرائع وإنما تعني "لا إله إلا
    الله".. ذلك بأن شرائع الأمم ليست واحدة، وإنما " لا إله إلا الله" هي الثابتة، وإن كان ثباتها
    في مبناها فقط، وليس في معناها.. وإنما يختلف معناها باختلاف مستويات الرسل.. وهو
    اختلاف مقدار أيضًا.. قال المعصوم في ثبات مبنى "لا إله إلا الله".. "خير ما جئت به أنا
    والنبيون من قبلي لا إله إلا الله.."( 26 ) لا أحسبني بحاجة إلى جهد كثير في إثبات قوة الَنَفس
    النظري لهذا التلخيص والاستخلاص البارع للفكرة من عناصر النص ومعطيات الواقع. هذا
    الاستخلاص البارع للقاعدة النظرية لتطوير التشريع وتجديده، في مستوى مشروعيته
    وتاريخيته وضرورته ومناهج إجرائيته معا، استخلاصًا مبرأً من الارتجال والتقحم. أقول هذا
    في إطار المنطق الداخلي للفكرة الدينية بالطبع. يتابع الأستاذ : "واختلاف شرائع الأنبياء
    الناتج عن اختلاف مستويات أممهم لا يحتاج إلى طويل نظر.. ويكفي أن نذكر باختلاف

    15
    شريعة التزويج بين آدم ومحمد. فقد كان تزويج الأخ من أخته شريعة إسلامية لدى آدم..
    وعندما جاء محمد أصبح الحلال في هذه الشريعة حرامًا.. أكثر من ذلك أصبح التحريم
    ينسحب على دوائر أبعد من دائرة الأخت.. قال تعالى في ذلك: "حرمت عليكم أمهاتكم،
    وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي
    أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
    اللاتي دخلتم بهن، وإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم.. وحلائل أبنائكم الذين من
    ( أصلابكم.. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف.. إن الله كان غفورًا رحيما."( 27
    فتطوير التشريع الإسلامي يجد مشروعيته في تطور الشرائع الإلهية (الإسلامية) من لدن آدم
    وليس هو بدع ً ة ابتدعها مجددو اليوم. وليس من قاعدةٍ أصلب من هذه لمشروعية التجديد. بعد
    إرساء هذه القاعدة المتينة للاستنباط، والتي لم أورد إلا نذرًا يسيرًا من وجوهها المركبة في
    تحليل الأستاذ محمود الإستقرائي، أذهب إلى عرض وجوهٍ أخرى من تأسيسه لمشروعية
    التجديد وتحديد آلياته وضوابطه، فلنستمع: "فإذا كان هذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين
    سببه اختلاف مستويات الأمم، وهو من غير أدنى ريب كذلك، فإنه من الخطأ الشنيع أن يظن
    إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن
    العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع عن مستوى مجتمع القرن العشرين
    أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصي ً لا، وإنما هو يتحدث عن نفسه..
    فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين
    دفتي المصحف، قادرًا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في
    مضمار التشريع، ومضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت وتوقفت عند حد تنظيم
    مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هو مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين
    أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم..
    ومع ذلك فإن المسلمين غير مؤمنين بضرورة تطوير الشريعة. وهم يظنون أن مشاكل القرن
    العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب، ونهض بحل
    مشاكل القرن السابع، وذلك جهلٌ مفضوح.

    16
    المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة.. وهذا صحيح.. ولكن كمالها إنما هو
    في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية، والاجتماعية، وعلى توجيه
    تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغ ً ة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية، والفردية من
    النشاط، والحيوية، والتجديد.. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة:
    الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص.. وهذا
    قول بعكس الحق تمامًا، فإنه إنما يتطور الكامل..(...) فالعشبة الضئيلة التي تنبت في سفح
    الجبل، فتخضر، وتورق، وتزهر، وتثمر، ثم تلقي ببذرتها في تربتها، ثم تصير غثا  ء تذروه
    الرياح، أكمل من الجبل الذي يقف فوقها عاليا متشامخًا، يتحدى هوج العواصف.. ذلك بأن
    تلك العشبة الضئيلة قد دخلت في مرحلة متقدمة من مراحل التطور مرحلة الحياة والموت
    مما لم يتشرف الجبل بدخولها - (...) وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في
    كونها جسمًا حيًا، ناميًا، متطورًا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه
    خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة
    إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا
    فملاقيه".. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها
    الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من
    نصٍ إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نصٍ اعُتبر
    يومئذ أكبر من الوقت فنسخ..(...) فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي
    مرجأًة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها
    الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة في القرن السابع
    منسوخ ً ة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت.. للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات
    الأصول.. وهذه هي الحكمة وراء النسخ.. فليس النسخ، إذن، إلغا  ء تامًا، وإنما هو إرجاء
    يتحين الحين، ويتوقت الوقت.. ونحن في تطويرنا هذا إنما ننظر إلى الحكمة من وراء
    النص(...) فالتطوير، إذن، ليس قفزًا عبر الفضاء، ولا هو قولٌ بالرأي الفج، وإنما هو انتقالٌ
    2) كان لا بد من إيراد هذه الاستشهادات الطويلة لعدة أسباب: منها من نص إلى نص." ( 8

    17
    درء سوء الفهم الذي قد يتولد من الابتسار الشديد، وهو"سوء فهم" كلف الرجل حياته، ومنها
    إكمال سياق الفكرة تحسبًا من قراءة متحيزة من جانبنا.. ومنها عرض منهجية بناء المفهوم
    عند الأستاذ وهي منهجيةٌ قلت بتميزها مما لزمني إثباته أو عرضه بوضوح على الأقل. هذا،
    في تقديري، منهج مكتمل الأدوات، ممسك بخيوط نسيج منطقه الداخلي إمساكًا شديد الانتباه لا
    مجال فيه للخاطرة المرتجلة التي تستر ارتجالها بالاستدراك المتراجع المسكون بالوساوس
    والحسابات والترضيات التاكتيكية الحسيرة الأفق. وأحسب أن هذا هو الأمر الرئيس الذي
    يخص الباحث المجدد، بصرف النظر عن مسائل الاتفاق والاختلاف أو"الخطأ" و"الصواب":
    أن يتأسس الخطاب التجديدي على منهجية متكاملة. ولست بحاجةٍ حقيقيةٍ لأن أستدرك فيما
    أعنيه باكتمال الفكرة وتكامل المنهجية فقد أغنت عن ذلك كلمة الأستاذ "إنما يتطور الكامل"،
    وفيما يليني، فإن منهجية هذا البحث والمفاهيم والمصطلحات التي يتأسس عليها تفصح بنفسها
    عما أعنيه بالتكامل والاكتمال في الفكرة والمنهج.
    وعلى هذا الفهم للاكتمال والتكامل تتأسس ملاحظاتي النقدية لمساهمة الأستاذ الجليلة.
    وسأقتصر هنا، نزو ً لا إلى مقتضيات الحيز، على ملاحظات جزئية، وأتمنى أن يغفر لي كونها
    أصول الموضوع: في قضية الحرية التي اعتبرها الأستاذ محمود "أصل الأصول" فأصاب
    بذلك كبد الحقيقة. لقد أبديت آنفا تحفظًا على ما أسماه الأستاذ بإمكان "تبرير استعمال السيف
    في الإسلام" بأنه قد استخدمه لا "كمدية الجزار، وإنما كمبضع الطبيب". وقد أرجعت تحفظي
    إلى كون هذه المقولة لا تقف مرفوعة القامة تمامًا أمام وقائع التاريخ الفعلية. وسأكتفي هنا
    بمثل حروب الردة وما صاحبها من الغلو في القتل والفتك على يدي صحابي جليل وقائد
    عظيم هو خالد بن الوليد، غلوًا لم يسلم من نقد واحتجاج بعض أجلاء الصحابة أنفسهم، ومثل
    مقتل عثمان على أيدي جماعة ضمت في عدادها بعض الصحابة الكبار. هذا فض ً لا عن الفتنة
    الكبرى التي أشهر فيها نفر من عظماء الصحابة السيف في وجوه بعضهم بعضا!! ولا أرى
    في هذا استعمالا للسيف كمبضع الطبيب. والمسألة تحتاج للنظر.
    وقد أبديت آنفا أيضا قلة قناعتي بمسوغات الرق في الإسلام كما جاءت في تحليل الأستاذ.
    فأقول أن الحجتين اللتين قدمهما الأستاذ في تفسير وضعية الرق في الإسلام ليستا في قوة

    18
    منطقه المتصل بمفهوم الحرية في بعده المنطلق من الأخذ في الحسبان برقي معارف الأمم
    وشرائعها. فالحجة الأولى التي تتأسس على مفهوم المعاوضة لا تنسجم مع الحقيقة التاريخية
    من أن الأمم التي أخضعها السيف وأجاز استرقاقها "حكم الوقت"، كانت على قدرٍ كبيرٍ من
    التحضر والتطور في معارفها وعقائدها وأنظمتها الاجتماعية، مع الاعتبار التام لنسبية
    مستوى تطورها التاريخي مما كان يمكن أن يغني عن اللجوء إلى منهج للمعاوضة في غلظة
    الرق في منحى تدريجها إلى الدين الجديد و"ترويض" عقولها وقلوبها على القبول به. والشاهد
    أن الحضارة الإسلامية لم تقم، في وجوهها المشرقة بالذات من فنون وعلوم ومعارف، دون
    أن تستند إلى تراث الرقي والتحضر الذي كان لهذه الأمم، ولن يكون من الافتراء والهوى أن
    أقول أن الغالبية العظمى ممن ساهموا في تأسيس وتطوير هذه العلوم والمعارف هم من بين
    الذين وطئهم عار الاسترقاق والولاء. إن حجة الأستاذ الرئيسة في دواعي تطوير التشريع
    هي الارتقاء الحضاري، وارتفاع مستوى الفهم والاستعداد للفهم لمطالب الدين الرفيعة، ولا
    أرى أن الاسترقاق كان ح ً لا مناسبا لتدريج أمم كان رقيها بالذات هو مصدر مساهماتها
    المتميزة في حضارة الإسلام. ولعلني أضيف أن "حجة" حكمة الاسترقاق بقرينة المعاوضة
    والمران على الطاعة لله بالتمرس والمران على الطاعة في حق من رفض أن يكون "عبدا
    للرب" ف  جعل "عبدًا للعبد جزاءًا وفاقا" لا تفسر، فيما لا تفسره وهو أكثر من أن يستوعبه هذا
    الحيز، أقول لا تفسر العناء النفسي الذي وقع على بعض ضحايا الرق من الصحابة الأجلاء
    مثل بلال وعمار ممن كان بعض الأصحاب أنفسهم يعيرونهم بأصولهم في سورات الغضب.
    صحيح أن التشريع لا يد له في استرقاق بلال وعمار وأمثالهم، ولا يد له في مثل هذه
    التجاوزات، إلا أنهم عانوا من ظلال التمييز المضمر في الخواطر الخفية مما هو عندي
    متصل بحسم التشريع أو التفسير في موضوع الرق. ويبدو لي أن حجة "الحكمة" التي قضت
    "بالإبقاء على نظام الرق" بقرينة كون الإسلام "نزل على مجتمع الرق فيه جزء من النظام
    الاجتماعي"، وبأن هذا مما كانت تقتضيه "حاجة الأفراد المسترقين، وحاجة المجتمع،
    الاجتماعية والاقتصادية"،( 29 ) تبدو لي أضعف من أختها. وسأستبعد من مناقشتي تما  ما
    "حاجة الأفراد المسترقين إلى الاسترقاق" في أي سياقٍ وردت وتحت أي حجة أتت. وأتوجه

    19
    إلى الشق الثاني من الحجة فأتساءل عما إذا كان اقتصاد المجتمع العربي قبل الإسلام يتأسس
    على الرق بالصورة التي كان يمكن أن تؤدي إلى انهياره لو أن تشريع الرق في الدين الجديد
    كان أكثر حسمًا، أو لنقل، أسرع تدريجا. لا يبدو لي أن آراء علماء تاريخ الاقتصاد السياسي
    المعاصرين تميل إلى تأكيد هذه الفرضية. وجملة القول عندي أن تبرير تشريع الرق عندي
    غير مقنع وهو بحاجة إلى قراءة نقدية أكثر تحريًا في وقائع التاريخ الفعلية في داخل دائرة
    المجددين ذوي المرجعية الدينية أساسًا. ولا شك في أن ملاحظتي بصورتها هذه مبتسرة جدا
    وأتمنى أن تتاح لي فرصة أوسع لتطويرها بالحوار.
    لست مقتنعا أيضا بحجاج الأستاذ المتصل بمقولة "المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة حتى
    في "الرسالة الثانية". (والأستاذ بالطبع لم يقل بمساواتهما في الرسالة الأولى أص ً لا). وستكون
    أولى ملاحظاتي لفت النظر إلى ذكورية خطاب الأستاذ نفسه. هذه الذكورية التي اجتهد في
    تفاديها أحد تلاميذه اللامعين (د.عبدالله النعيم) ( 30 ) فالرجال "يستأثرون" بالنصيب الأوفر بما
    لا يقاس في خطاب الرسالة الثانية نفسه ويبين ذلك بصورة قاطعة لمن يقرأ الكتاب. وأكتفي
    هنا بمثل يغني عن التفصيل من فرط قوة دلالته، يتساءل الأستاذ: "من هو رسول الرسالة
    الثانية؟ " ويجيب "هو رجل آتاه الله الفهم عن القرآن وأذن له في الكلام..."( 31 ) وهو يقول
    قبل ذلك في الإهداء "إلي الإنسانية ! بشرى .. وتحية. بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة
    الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتحية
    ( للرجل وهو يمتخض، اليوم، في أحشائها، وقد اشتد بها الطلق، وتنفس صبح الميلاد."( 32
    والرجل المعني هو رجل الرسالة الثانية، داعيتها "المأذون له"، وإنسانها المتخلق من قيمها
    وبها. وهذا قول يطاول قمم الشاعرية المجيدة ولكنه، مع ذلك، لا ينفي ذكورية الخطاب
    ويحرج منطق مقولة المساواة التامة بين الرجل والمرأة وهذه معضلة لم يتوفر للأستاذ، ولا
    لأي واحد من المجددين حلها بصورة متماسكة تمام التماسك، وإن ظل رأيه فيها متميزًا جدًا.
    ولقد كان لشقيقة كاتب هذه السطور، وكانت متدينة في يقظة ذهنية نقدية شديدة الحضور إزاء
    تعارض النصوص والتأويل، يقظة تجاور حدود التراجيديات الكبرى، أقول كانت لها دورات
    من النقاش عصية طويلة مع الأستاذ حول مقولة مساواة المرأة بالرجل في الإسلام. وأشهد

    20
    بأنه كان صبورًا طويل النفس في حواره معها بل سعيدًا بنقدها، وكان يعلق كلما بدرت عنها
    حجة عنيدة "ما شاء الله على هذا الذكاء يا زينب". ولم تقتنع شقيقتي حتى توفيت (عام
    1975 ). كان لي شرف حضور ذلك النقاش والمشاركة فيه. وقد كانت حجتها الأساسية أنه لا
    وجود للمساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام في مستوى بنية العقيدة نفسها، ولا وجود
    لتأويلٍ مقنع في مستوى ما لدينا من اجتهادات بما فيها اجتهاد الأستاذ نفسه. ذلك أن في قمة
    الخلق رجل، وفي قمة التطور رجل، في التصور الإسلامي العقيدي. كما أن الخطاب
    الإسلامي ذكوري في جملته مع استثناء قليل. وكانت إجابة الأستاذ (التي هي مبذولة أيضا في
    بعض كتبه) إن ذلك صحيح ولكنه لا يعني أن مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة. فهذا لا
    يستقيم دينًا ولا عق ً لا ولا واقعًا. ثمة رجل في قمة مضمار المراقي إلى الله، هو النبي ولا
    مراء، وفي أصل البشرية رجل (وهو آدم بالطبع) بين هذا وذاك فالمساواة قائمة في الرسالة
    الثانية أمام الله، وفي تشريع الأصول. ولم أقتنع بتمام سلامة هذا المنطق. وبدا لي أن هذا
    التمييز "الخفي" وإن لن يكون له تأثير ملموس في مجرى التشريع في الواقع المباشر، على
    افتراض الاقتناع بمنطق الرسالة الثانية، إلا أنه ينطوي على معان من التراتب لا بد أن تترك
    أثرها في الخواطر الخفية. أضف إلى ذلك أن "طلائع أمة المسلمين" الذين يقول الأستاذ أنهم
    "جاؤوا فرادى عبر تاريخ المجتمع البشري الطويل والذين هم الأنبياء" كلهم من الرجال. لم
    يقو التأويل التجديدي حتى الآن، وحتى في مستوى هذه القمة الشامخة، على التحري في
    وجوه التاريخ عن مكان أكثر لياقة بالمرأة في ملحمة التطور المجيدة هذه. هل أقول مع
    الصديق الدكتور محمد أحمد محمود، أن مشكلة الخطاب التجديدي ذي المرجعية الدينية هي
    لا تاريخيته؟،( 33 ) هي إخلاصه للنص أكثر من إخلاصه لحقائق التاريخ الواقعية؟ هذا من
    غير شك جزء من المشكل. إلا أنه قول يصعب الجزم به في حق مفكر يقوم الإخلاص
    لحقائق الواقع في صلب بنية دعوته للتجديد. وقد أميل إلى ترجيح كون السبب قائمًا في أن
    مفهوم الوجود في فكر الأستاذ، الذي ليس هو فكر صوفي "تقليدي" ببساطة، وإن كان للفكر
    الصوفي فيه نصيب يقره هو بنفسه، لم يتجاوز مع ذلك، تجاوزًا بعيدًا، معنى الوجود الجاهز
    (الجاهز في واقعه النهائي) الذي يميز الميتافيزيقا، بصفة عامة، والميتافيزيقا الصوفية على

    21
    وجه الخصوص، حتى في مستوياتها الرفيعة، (وأنا بالطبع لا أستخدم مصطلح ميتافيزيقا هنا
    بالمعنى القدحى)، أقول أن مفهوم الوجود الجاهز المحكم الغائية، والمحكوم بها هذا، والذي لا
    مجال فيه للصدفة الصرفة والخطأ "الصرف" الاحتمال "المفتوح"، هومفهوم يفضي إلى مناطق
    مغلقة كثيرة محرمة على المنطق الإشكالي، هذا المفهوم هو الذي يلقي بثقله على مفهوم
    الواقع وأصالة حقائق الواقع في تحليل الأستاذ، (أقول ربما...). وكثيرًا ما كانت بعض
    مناقشاتي مع الأستاذ وتلاميذه، تنتهي في بعض القضايا البرهانية العصية إلى أن "هذا الأمر
    أمر ذوق"، أي لا تقوم فيه للبرهان قائمة. إلا أنني لم أشأ، في هذه الدراسة، أن أناقش خطابًا
    دينيًا خارج مرجعيته الأصلية، خاصة وأن الأمر يتعلق بالتعريف به ضمن مرجعيته أص ً لا.
    وقد أفعل خلاف ذلك في مجرى المناقشات التي قد تثيرها هذه الورقة. وحجة الذوق، على
    كل حال، أرقى وأكرم وأنبل بما لا يقاس، (وبما لا يقبل المقارنة أص ً لا)، من "حجة" التكفير
    والمتفجرات والمدافع الرشاشة.
    ملاحظتي النقدية الأخيرة، في هذا الحيز، تتصل بصدور الأستاذ عن مفهوم الدين الأفضل
    والصحيح الوحيد على الرغم من سعة فهمه لمعنى الدين ومعنى الإسلام وتقديره العميق
    للإبداعية الإنسانية في تعبيرها الفكري والفني والثقافي بكل صوره بما في ذلك إبداع القيم
    الأخلاقية حتى ما صدر منها عن مؤسسات لا تتصل بالدين اتصا ً لا مباشرًا، بل لعلني استند
    إلى أنه بنى بعض عناصر مفهومه لأهلية القرن العشرين وجدارته بالرسالة الثانية من
    الإسلام على إنجازات إنسانية في مستويات إبداع القيم الأخلاقية، وفي قمتها قيمة الحرية، لم
    تصدر من مواقع الفكر الديني وربما قلت ضده أحيانا. ومع ذلك يبقى مفهوم الدين الأفضل
    معضلة تحتاج إلى حل. تنطوي مقولة الدين الأفضل بطبيعتها، وبالضرورة، على اعتقاد
    ظاهر أو مضمر بأن الآخرين، ممن ليسوا من أتباعه إنما هم على ضلال، وتشكل أرضية
    ممكنة للتمييز.( 34 ) وهو تمييز يمكن أن يكون خفيًا جدًا فلا يتجاوز حركة ظلال الخواطر
    الباطنية المبهمة، وربما أقول لا يتجاوز مستوى دلالات الخطاب الإسقاطية البعيدة عن
    القصد. وهو، مع ذلك، يبقى تمييزًا. تمييزًا يصبح معه الحديث عن كرامة الإنسان بما هو
    22
    إنسان ومبدأ الاحترام "التام" لحرية الاعتقاد أمرًا مشوشًا، على الأقل، يحتاج من المجدد إلى
    نظر طويل. وهو، على التحقيق، نظر لا يسقط مساهمة الأستاذ الجليلة، ولن يفلح لو فعل.
    بقي علي أن أضيف أن مساهمة الأستاذ محمود محمد طه لم تقف بأصالتها عند حدود التجديد
    النظري بل امتدت إلى كافة مجالات العمل الحركي السياسي والتربوي المنظم. فقد كان تنظيم
    "الإخوان الجمهوريين" نموذجًا ممتازًا للجماعة الملتزمة المنضبطة النشطة. وكانت حلقات
    حوارهم التعليمية "ندوة الخميس" ومؤتمراتهم و"أركان النقاش في الشوارع والمؤسسات
    التعليمية" (وهي تقليد ابتدعوه ثم انتشر عنهم في الحركة الفكرية والسياسية في السودان)
    صورًا حي ً ة للممارسة الديمقراطية الراشدة. (تشرف كاتب هذه السطور بحضور الكثير منها).
    هذا على الرغم مما يمكن أخذه عليهم من بعض اضطراب في التحليل السياسي والمواقف
    المتصلة بمبادئ الديموقراطية. (في بعض لحظات فترة حكم النميري بالذات) مما ليس يسعه
    الحيز هنا. فض ً لا عن عدم خلو طرف أي حركة فكريةٍ أو سياسيةٍ في البلاد عن مثل هذه
    المزالق في وقت أو آخر. أما ملحمة الرجل الحقيقية فقد تمثلت بحق في وقفته الجليلة،
    المجللة بنصاعة الحق وأنوار الفداء العظيم، أمام قضاة السوء أو ً لا: فقد ظل يردد أمام
    المحكمة كلما عرضوه عليهم، أم ً لا في أن تلين قناته فينتزعوا منه نأمة من تنازل: "أنا أعلنت
    رأي مرارًا، في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة الإسلامية وللإسلام. أكثر من
    ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها  وضعت
    واسُتغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلي الاستكانة عن طريق إذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد..
    هذا من حيث التنظير. أما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير
    مؤهلين فنيًا وضعفوا أخلاقيًا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة
    التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر
    والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين. ومن أجل ذلك، فإني غير مستعد للتعاون مع أي
    محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداًة من أدوات إذلال الشعب وإهانة
    الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين".( 35 ) كان هذا حديث الرجل إلى المحكمة التي
    كان يعلم أنها أضمرت قتله أو إذلاله بالتراجع عن آرائه، حديث رجل  سلِّط على عنقه سيف

    23
    إرهابٍ مشرعٍ مديدٍ طوله ألف وثلاثمائة عام ونيف، فما زاغ بصره وما طغى، ولا أقول لم
    يرمش له طرف، بل لم يهتز منه ظل من خاطرة في أعمق أعماق طبقات وعيه الباطن:
    وقد كان فو ُ ت الموتِ سه ً لا *** فساقه إليه الحفا ُ ظ الم  ر والخل ُ ق الوع  ر!
    وأمام المشنقة ثانيًا: فعندما أحكموا حبل الموت حول عنقه وأزاحوا غطاء الرعب عن وجهه
    الوضيء وجدوا رجلا يبتسم لا ساخرًا ولا مستهزئًا بالموت بل موقنًا بالفداء الكبير مطمئنًا
    إلى "اختيار ربه" منسجمًا حتى "النهاية" مع منطقه التوحيدي وهذا أقصى ما يصل إليه
    الصدق. وهكذا فقد مضى "إلى الخلود بط ً لا ورائدًا وقائدًا رعيل الشهدا ورمز إيمان جديد
    ( بالفداء ... وبالوطن". ( 37
    أقول هذا وأنا جد قلق مستوحش من أن أكون قد أسأ ُ ت الوقوف في حضرة هذا "الشيخ"
    الجليل.
    هوامش
    . 1) أنظر "أبوزيد والخطاب الديني"، في قضايا فكرية. الكتاب الثالث والرابع. القاهرة 1993 )
    2) أنظر "الرسالة الثانية من الإسلام". وهو أكثر كتبه تفصي ً لا في الموضوع بطبيعة الحال. وقد أصدرت )
    المنظمة السودانية لحقوق الإنسان طبعة جديدة له (يناير 1996 ) بمناسبة الذكرى الحادية عشر لاغتيال
    الأستاذ. وهي النسخة التي نرجع إليها هنا.
    3) وهو عنوان كتاب صدر في هذا الموضوع، أمدرمان، (بلا تاريخ) )
    . 4) "رسالة الصلاة"، أمدرمان، بلا تاريخ (النسخة التي عندي منزوعة الغلاف في الواقع). ص 52 )
    .16- 5) الرسالة الثانية من الإسلام، ص ص 15 )

    24
    . 6) نفس المصدر، ص 20 )
    . 7) نفسه، ص 9 )
    . 8) نفسه ، ص 127 )
    . 9) نفسه، ص 120 )
    103 ، 10 ) نفسه، وقد وردت هذه الآيات في أكثر من موضع في هذا المعنى، انظر ص ص. 38 )
    11 ) نفسه ، ص. 83 )
    12 ) أوردها عبدالله النعيم، " م.م. طه وإشكالية التجديد، في م.م. طه وإشكالية التجديد"، مركز الدراسات )
    السودانية، الدار البيضاء ، 1992
    13 ) الرسالة الثانية، ص. 97 )
    . 14 ) نفسه، ص 91 )
    15 ) المصدر السابق، ص. 114 )
    16 ) نفس المصدر، ص. 24 )
    17 ) الرسالة الثانية، ص. 23 )
    18 ) نفسه، ص. 100 )
    19 ) نفسه، ص. 103 )
    20 ) نفسه، ص. 103 )
    21 ) نفسه، ص. 104 )
    22 ) نفسه، ص. 104 )
    23 ) نفسه، ص. 105 )
    24 ) نفسه ، ص. 109 )
    111- 25 ) نفسه ، ص ص. 107 )
    26 ) نفسه، ص ص. 16 وانظر أيضا ص. 84 )
    27 ) نفسه، ص. 17 )
    17- 28 ) نفسه، ص ص. 18 )
    29 ) الرسالة الثانية، ص. 103 )
    30 ) يحرص عبدالله على إثبات ضمير المؤنث بين قوسين في خطابه كناية عن شموله للجنسين، وهذا )
    حل معقول نسبيا في ظل الذكورية المسيطرة ل"جميع" اللغات.
    Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
    Sudanese Society for Research in Arts and Humanities
     م ا

    ن وا
    
    داب وا  ا  ث
    
    ت وا  را 
     دا
    
    ا 
    ا
    www.sudaneseonline.com
    25
    31 ) الرسالة الثانية من الإسلام، ص. 20 )
    32 ) نفس المصدر، نفس الصفحة. )
    33 ) أنظر دراسته "حرية الفكر بين السياق الإسلامي والسياق المعاصر". في محمود محمد طه رائد )
    68- التجديد الديني في السودان، مصدر سبق ذكره، ص ص 57
    34 ) أنظر في هذا الخصوص العرض الممتاز للمشكلة الذي قدمته الدكتورة فيوليت داغر في كتيب )
    بعنوان "الطائفية وحقوق الإنسان" مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. 1996
    35 ) النص المشهور (في السودان). وقد أخذته هنا عن مقدمة المنظمة السودانية لحقوق الإنسان للطبعة )
    الخاصة التي أصدرتها من كتاب "الرسالة الثانية ..." التي سبق ذكرها.
    36 ) قوانين سبتمبر 1983 هي القوانين الشهيرة التي سنَّها جعفر نميري على أثر "اللوثة الدينية" التي )
    اعترته في أواخر سنوات حكمه وقد كان مصممها الحقيقي ومحرك خيوط لعبتها من وراء الستار هو
    الدكتور حسن الترابي. وقد هللت لها كل الفرق "الإسلامية" وسمتها "قوانين الشريعة". إلا أن الأستاذ
    وتلاميذه رفضوا هذه التسمية وأسموها ب"قوانين سبتمبر" فصار ذلك مصطلحًا ثابتًا في اللغة السياسية في
    السودان.
    37 ) المقطع الشعري لمحمد المكي إبراهيم وهو شاعر سوداني مجيد جهلت أمره هو الآخر حركة التجديد )
    في الشعر العربي جه ً لا لا يليق. من ديوانه "أمتي" والمقطع ليس في الأستاذ محمود، وإنما قيل في أول
    شهيد لثورة أكتوبر السودانية 1964 (أحمد قرشي طه ولا علاقة لاسم جده بالأستاذ). وهو مما يناسب مقام
    كل شهادة عظيمة عامرة بالحياة.
    * استوحشت من عبارة "الوحيد الممكن" ولم أجد من حلٍ مناسب سوى وضعها بين
    مزدوجتين. ثم لا أزال منزعجًا منه فمعذرة.
    ** الأستاذ هواللقب الذي أطلقه عليه تلاميذه تمييزًا له عن الشيوخ التقليديين.
    *** لا يقر الأستاذ اختلاف النوع أص ً لا ويعتبره مناقضًا للتوحيد. وبهذا المعنى ينبغي أن
    ُتفهم إشاراته لاختلاف المقدار حيثما وردت.

    http://sudaneseonline.com/sections/special-files/MMTaha/ustazMMtahap1.html
                  

04-24-2008, 01:57 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    "ماذا نفعل بمشكلة الشرق الأوسط"؟

    "تعقيب على د. حسن موسى
    بقلم: سعد عبدالله أبونورة
    مسقط - سلطنة عمان
    مقدمة:
    أخرج الدكتور الفاضل (حسن موسى) مقالاً بعنوان (ماذا نفعل بـ "مشكلة الشرق الأوسط") في الملف الخاص الذي أصدره منبر (سودان للجميع) بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لاستشهاد الأستاذ (محمود محمد طه) . ومن خلال قراءتي لمقال الدكتور حسن موسى تبين لي أن قراءته النقدية قد غلب عليها عدم التأني والانتقائية في فهم الاستقراء التاريخي والتحليل السياسي المطولين لموضوع الصراع العربي الاسرائيلي الذي انتهجه كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) ، كما أنه قد قفز إلى نتائج غير موضوعية ، حين قال بأن (( مركز الثقل الفكري فيه يتبلور عند سؤال الهوية)) ، وذلك كمقدمة لتصنيفه للجمهوريين بأنهم ((بهذه النظرة لا يقلون عروبة عن القوميين العرب "ناصريين كانوا أو بعثيين" لأنهم رأوا في العرب جوهراً عرقياً أو ـ و ـ دينياً يصطفيهم كما اليهود لأداء مهمة لا يقدر عليها سواهم. و"شعب الله العربسلامي المختار" هنا يطرح نفسه خارج العالم وبالمقارنة مع العالم وقيل ضد العالم بدلا من أن يطرح نفسه في العالم وكجزء من العالم. جزء من "الناس")) .. وهو أمر غير صحيح على إطلاق العبارة ، لأنه ومنذ البداية وبالنسبة لأي قارئ جيد لفكر الأستاذ محمود محمد طه ، يعلم بأن محور هذا الفكر هو (الانسان) من حيث هو إنسان ، وهو فكر يتجاوز مرحلة (البشرية) ، بشرية عالم اليوم المتصارعة حول مفاهيم الدين والعرق والهوية والعنصر ، إلى مرحلة (الانسانية) التي لا يتفاضل فيها الناس بالعنصر والعرق والدين ، وإنما بموهبتي (القلب السليم والعقل الصافي) واللذين هما حظ كل إنسان من حيث هو إنسان وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها جميعاً من حيث هم ناس ، قبل أن تقوم ثقافات المجتمع البشري المختلفة بتشكيل وعيهم (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) .. فالفكرة الجمهورية وبشكل صارم ضد أي مفاهيم قومية أوعنصرية ، سواء كانت من جانب اليهود أو العرب أو الشعب الآري .. ويكفي استشهاداً في هذا الأمر وصف الأستاذ محمود في كتابه (مشكلة الشرق الأوسط) للعرب بأنهم ((يحاربون بالعنصرية العربية ، العنصرية الاسرائلية "الصهيونية" .. يهود يحاربون يهوداً!)) ويضيف الأستاذ محمود قائلاً في نفس الكتاب ((أمام عودة الإسلام عقبات كثيرة، نذكر منها إثنتين: دعوة القومية العربية، والدعوات السلفية الى الإسلام: فأما القومية العربية فقد أسلفنا طرفا من الحديث عنها، وقلنا أنها دعوة عنصرية في وقت خلّفت البشرية فيه الدعوات العنصريات وراءها، وأخذت تستقبل عهد الصراع الفكـري، والمذهبي. ويزعم أنصار هذه الدعوة أنها ليست عنصرية بحجة أنها دعوة لا تستعلي بعنصريتها على أحد، ولا هي تدعو لاضطهاد العنصريات الأخريات. وأمرهم في هذا جد يسير، فكونها لا تذهب في شطط العنصرية الى هذا الحد البشع لا ينفي عنها كونها عنصرية.. وقد ينفي عنها كونها عنصرية متطرفة.. ونحن لا نريد الدعوات العنصريات وان كانت موزونة، ومعتدلة وذلك لأنها لا تقوم على مذهبية)) كتاب مشكلة الشرق لأوسط ـ الفصل السابع .

    يشكل هذا النص قطيعة جذرية مع أي فكر عروبي أو اسلاموي سلفي ، وبشكل لا يبرر للدكتور حسن موسى توصيفه للجمهوريين بأنهم ((لا يقلون عروبة عن القوميين العرب "ناصريين كانوا أو بعثيين" لأنهم رأوا في العرب جوهراً عرقياً أو ـ و ـ دينياً يصطفيهم كما اليهود لأداء مهمة لا يقدر عليها سواهم. و"شعب الله العربسلامي المختار")) .. فعند الأستاذ محمود لا يوجد أصلاً شئ يسمى القومية العربية ، فهو ينقد هذا المفهوم بقوله (( والحق ان ليس للعرب فلسفة الا فلسفة تقوم على أديم الاسلام، فاذا زعم دعاة القومية العربية لها انها وحدة الثقافة ووحدة التاريخ ووحدة اللغة فقد وجب ان يذكروا ان العرب لم يكونوا شيئا مذكورا قبل الاسلام، فهم لم يكن لهم ثقافة، ولم يدخلوا التاريخ قبل ان يكونوا مسلمين، و كانت لغتهم لهجات قبلية متفرقة لم تتوحد الا بعد ان جاء القرآن بلغة قريش فوحدها – فالاسلام هو الذي أعطى العرب الثقافة، وهو الذي أعطاهم اللغة، وهو الذي جعل لهم تاريخا يذكر، اذا ذكرت تواريخ الامم)) ـ كتاب مشكلة الشرق الأوسط ـ الفصل الثالث ..

    الحل العاجل لمشكلة الشرق الأوسط

    يقفز الدكتور حسن موسى قفزاً للحديث عن (الحل الآجل) لمشكلة الشرق الأوسط في الصفحة الأولى من مقاله دون أي حديث عن (الحل العاجل) المطروح في الكتاب ، بالشكل الذي يوحي وكأن الأستاذ محموداً لم يطرح حلاً عملياً للمشكلة أسماه (الحل العاجل) وإنما هو قد طرح فهماً طوباوياً نبيلاً آجلاً يربط الحل النهائي لمشكلة الشرق ألأوسط بحل أزمة الحضارة الغربية المادية .. بل أن الدكتور حسن موسى قد تجافى التزام الموضوعية تماماً في عدم ذكره لتفاصيل (الحل العاجل) كما هو مذكور في الكتاب أو حتى الإشارة إليه ولو بكلمة واحدة ـ وهو الحل الذي اضطر العرب إليه اضطراراً من الناحية العملية ـ إذا أن ذلك من شأنه أن يفند الكثير مما ساقه الدكتور حسن موسى ، عن ما أسماه (الفكرة الطوباوية النبيلة ) التي (ظلت على الدوام تؤثث خلفية كل التحليلات السياسية التي بذلها الجمهوريون لواقع العلاقات السياسية في الشرق الأوسط) .. ويجهد الدكتور حسن موسى نفسه في الكثير مما بذله في هذا المقال ، في أن يثبّت لدى القارئ ذهنياً صورة التفكير الطوباوي النبيل لدى الأستاذ محمود والجمهوريين ، فيختار من العبارات ما يؤكد هذا المعنى ، حيث يقول مرةً (قلت أن البعد الآيديولوجي الانقاذي يطمس بصيرة التحليل الجيوبولوتيكي لكتاب "مشكلة الشرق الأوسط") ويقول حيناً آخراً (وفي هذا المنظور ، منظور انقاذ الحضارة الإنسانية بحالها ، فنحن أبعد من ما نكون عن الطموح السياسي البراغماتي الذي يريد حل النزاع العربي الاسرائيلي وحده بصرف النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية).

    عليه فما هي تفاصيل (الحل العاجل) الواردة في كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" ؟

    في الفصل السابع من الكتاب وتحت عنوان (الحل العاجل) ورد الآتي :

    ((الحل العاجل

    ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور انهم، إيثاراً منهم لعافية الدول ، وتضحيةً منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاءً منهم على المنظمة العالمية العظيمة ، ورعايةً منهم لصالحهم هم انفسهم ، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل ، تحت اشراف الامم المتحدة ، (ومجلس الامن بشكل خاص) وعلى ان يكون التفاوض على أساس قراري الامم المتحدة ، المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 (قرارالتقسيم)، وفي الحادي عشر من ديسمبر عام 1948 (قرار إعادة اللاجئين) . وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدى دخولها هيئة الامم ، وقد وردت الى ذلك الالتزام الاشارة في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في الحادي عشر من شهر مايو عام 1949، وهو القرار الذي يقضي بقبولها في الهيئة، وينص ((في ديباجته على ان اسرائيل قد تعهدت باحترام التزاماتها تجاه ميثاق الامم المتحدة منذ قيامها ، أي في الرابع عشر من آيار (مايو) عـام 1948، كمـا ينـص على التذكيـر بقـراري 29 تشـرين الثـاني (نوفمبر) عـام 1947 (قرار التقسيم)، والحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1948 (قرار إعادة اللاجـئيـن).)) عن كتاب ((قضايانا في الأمم المتحدة)) .. وسيكون هدف المفاوضة المباشرة مع اسرائيل تحت اشراف مجلس الأمن، الآتى :-
    1) انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل ، والاعتراف لاسرائيل بحق البقاء في سلام ، وامن ، واحترام لسيادتها على أراضيها .
    2) احترام حق اسرائيل في المرور البري بالممرات المائية - خليج العقبة ، وقناة السويس .
    3) انسحاب القوات الاسرائيلية ، والسلطات الاسرائيلية ، من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل على التوالى : في حروب 15 مايو عام 1948، و29 أكتوبر عام 1956، و5 يونيو عام 1967.
    4) ارجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم ، أثناء هذه الحروب ، أو بعدها ، وتعويضهم عن جميع ما تعرضوا له من خسائر . وتوطين من لا يرغبون منهم في العودة الى داخل الحدود الإسرائيلية ، في الأرض الفلسطينية ، التي خصصها مشروع التقسيم الأصلي للعرب ، مع تعويضهم أيضا.. وهذا يعني تنفيذ مشروع التقسيم الأصلي .
    5) ضمان مجلس الأمن (الامم المتحدة) لحدود الدولة العربية الجديدة ، التي تنشأ نتيجة لتنفيذ مشروع التقسيم الاصلي ، ولتأكيد هذا الضمان توقف ، على الفور، الهجرة اليهودية الى دولة اسرائيل ، وذلك لان زيادة السكان الناتجة عن استمرار الهجرة ستجعل اسرائيل مضطرة الى التوسع ، وقد تصبح مهددة بذلك لامن جيرانها ، وسلامة اراضيهم .
    6) تأخذ هيئة الامم على دولة اسرائيل تعهدا بالا تحاول أي توسع في أرض أي من الدول العربية المجاورة لها . فاذا جرت منها أية محاولة فان مسئولية ايقافها عند حدها تقع على عاتق المنظمة الدولية ، مجلس الامن والجمعية العامة .

    فاذا ملك الزعماء العرب هذه الشجاعة، وهي شجاعة سيحتاجونها لمواجهة شعوبهم ، (وذلك ، على كل حال ، أفضل من التضليل الذي يمارسونه الآن) فان موقف اسرائيل سيصبح ضعيفا.. ولكنها امام اغراء اعتراف العرب بها ، وامام الرأي العام العالمي ، في المنظمة وخارجها ، لن تجد بداً من الموافقة. فاذا ما أبرم الحل العاجل بصورة مرضية فقد أصبح على العرب ان يباشروا الحل الآجل .))

    فلو أن الدكتور حسن موسى قد أورد (الحل العاجل) المطروح في الكتاب والمذكور أعلاه ، لكان قد اتضح بأن هذا الحل يتوجه أيضاً إلى (حل النزاع العربي الاسرائيلي وحده بصرف النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية) . ولكن ذلك لا يخدم غرض الدكتور حسن موسى من مقاله الرامي لوصف الأفكار الواردة في الكتاب بالطوباوية النبيلة وبعدم الواقعية ، لذلك تجاهل أي حديث أو إشارة للحل العاجل للمشكلة المطروح في الكتاب .

    والآن فلننظر ماذا فعلت حركة التحرر العربي ، في شقها الفلسطيني ، بالاقتراحات العملية التي قدمها الأستاذ محمود في (الحل العاجل) وبعد مرور ثلاثين عاماً من كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" ؟

    يورد موقع الهيئة العامة للاستعلامات ـ السلطة العربية الفلسطينية على الإنترنت حالياً البرامج السياسية للمنظمات الفلسطينية ، ومن ضمن هذه المنظمات يستعرض الموقع البيان السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، والتي كانت من المنظمات الماركسية المنخرطة في النضال الفلسطيني المسلح ضد اسرائيل والرافضة للتفاوض مع اسرائيل والتصالح معها ، والذي نورده أدناه :

    (( السلطة الوطنية الفلسطينية
    الهيئة العامة للاستعلامات
    مركز المعلومات الوطني

    البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

    · المسألة الوطنية الفلسطينية هي في جوهرها مسألة التبديد القومي لشعب فلسطين واقتلاعه من وطنه وتقسيم واحتلال بلاده فلسطين وحرمانه من حقه الطبيعي في تقرير مصيره.
    · الحركة الوطنية الفلسطينية هي حركة وطنية تحررية مهمتها التاريخية في انجاز حل ديمقراطي جذري للمسألة الوطنية الفلسطينية بكل أبعادها .
    · ان تصاعد النضال الوطني التحرري للشعب الفلسطيني والشعوب العربية يؤدي الى فضح الطبيعة الوهمية للحل الصهيوني وينمي القناعة بان الطريق الوحيد الى السلام هو التعايش بين الشعبين في فلسطين ديمقراطية موحدة.
    · يتحدد الهدف المرحلي في انتزاع حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشريف.
    · اعلان دولة فلسطين وربط سياستها الكاملة على الأراضي المعترف بها دولياً كأراضي فلسطين محتلة وفقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 605 - 607 - 608 وهي أراضي الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة حتى حدود 4 حزيران 1967 .
    · دعوة حكومة اسرائيل الى اجراء مفاوضات لاقرار سلام دائم ومتوازن على أساس تطبيق قراري مجلس الأمن 242 - 338 الذين يقران مبادلة الأرض بالسلام والحل العادل لقضية اللاجئين والنازحين.
    · بناء اجماع وطني على الحدود الدنيا التي لايمكن ابرام أي اتفاق للحل بدون ضمانها وهي :
    أ. الانسحاب الاسرائيلي الكامل الى حدود 4 حزيران 1967 وتطبيق قراري مجلس الامن 242/338 .
    ب. ابطال الضم الاسرائيلي للقدس الشرقية عملاً بالقرار الدولي 478 والاعتراف بها عاصمة لدولة فلسطين المستقلة .
    ج. تفكيك الوجود الاستيطاني ورحيل المستوطنين عملاً بالقرار الدولي رقم 465 .
    د. الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بما يعني الاستقلال والسيادة الكاملة على أرضه الوطنية في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة .
    هـ. التمسك بحقوق اللاجئين وفقا للقرار 194 الذي يكفل لهم حق العوده والتنفيذ الفوري للقرار 237 الخاص بعودة النازحين .

    · التأكيد على ان قيام الدولة المستقلة لن يشكل مساساً بحق اللاجئين في العودة وفقاً للقرار 194 .
    · تعزيز التعبئة الشعبية الشاملة ضد الاحتلال داخل الوطن باتخاذ الاجراءات التي تكفل ازالة عوامل الاحتقان والتوتر بين السلطة والشعب .
    · تأمين مقومات الصمود الاقتصادي للتحرر من اعباء بروتوكول باريس الاقتصادي .
    · استنهاض دور جماهير الشعب الفلسطيني في الشتات تاكيدا لوحدته في اماكن تواجده.
    · تعزيز التواصل والالتحام المصيري مع جماهير شعبنا داخل حدود الـ 48 ، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني .
    · التحرك على الصعيد العربي لضمان دعم الدول الشقيقة للخيار الوطني الفلسطيني .)).

    عليه فإنه في يومنا الحاضر هذا ومن الناحية العملية أصبحت الدول العربية (مبادرة الرياض) والمنظمات الفسطينية الماركسية والقومية منها ، على السواء ، تتبنى (الحل العاجل) للمشكلة وكما طرحه الأستاذ محمود قبل ثلاثين عاماً ، والذي يتضمن الاعتراف باسرائيل وقبول قرار التقسيم .

    ولقد كان الاستاذ محمود يريد للعرب ان لا يصلوا لهذه المذلة والمهانة ، وان لا يفقدوا مافقدوه من ارواح ابنائهم ، بأن يساوموا بالاعتراف بأسرائيل ، في وقت كان فيه للاعتراف قيمة في المساومة (عام 1967) ، وأنذرهم عاقبة الابطاء ، مما يفوت الفرصة ، ويفقد الاعتراف قيمته في المساومة ، فيضطروا للاعتراف بأسرائيل دون ان يقبضوا الثمن ، وهذا بكل أسف ، هو ماحدث بالفعل . يقول الأستاذ محمود في في الفصل السابع من الكتاب وتحت عنوان (المفاوضات المباشرة) ، وهو يرى ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل من حصول إسرائيل على اعتراف العرب بها كدولة دون أي ثمن يقبضه العرب بالمقابل :

    ((كما قلنا ، فان اعتراف العرب باسرائيل واقعيا ، وعمليا حاصل ، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي الى تسجيل هذا الإعتراف . لا يختلف في ذلك أصدقاء العرب ، أو أصدقاء اسرائيل . ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل هذا الاعتراف أم بعده؟؟ وهناك إصرار اسرائيل على التفاوض المباشر. وأمام هذه الإصرار فان اسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير، قد لا يكون ممكنا بغير قوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف من جانب العرب ، ومن مصلحة القضية العربية الا تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظي ، مع أن الاعتراف عمليا واقع ، ومع الزمن ، فان اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف ، بدون أن تدفع عليه ثمنا كافيا للعرب)) ..

    كما أشار الأستاذ محمود في الفصل السادس من الكتاب وتحت عنوان (الاعتراف باسرائيل من مصلحة العرب) لهذا الأمر أيضاً :

    ((ولكن العرب يرفضون هذا الاعتراف بدولة اسرائيل ، وهم ، ان اردت الدقة ، لا يرفضونه الا شكلا ، ولا يرفضونه الا قولا.. ولكنهم مضمونا ، وعملا ، لا يرفضونه.. هذا من أشد الامور مدعاة للاسف ، وهو في نفس الوقت من أدل الدلائل على جهل القيادات العربية ، وقلة حنكتها ، ذلك بان اسرائيل في فترة الاصرار على عدم الاعتراف بها قد تقوت ولا تزال تتقوى ، عسكريا ، وسياسيا ، ودبلوماسيا ، واقتصاديا ، وبشريا . ثم هى ستنال الاعتراف الكامل بها بعد ان تفرضه وبعد ان يكون العرب كما هو واضح الآن ، قد قدموه على أقساط ، وبعد ان يكون على ذلك قد فقد قيمة المساومة التي كان ولا يزال يحظى بها .. فكأن اسرائيل ستحرز اعتراف العرب بها بدون ان يقبض العرب من اسرائيل ثمن هذا الاعتراف )) .


    كان يمكن الإجابة وبكل بساطة على تساؤل الدكتور حسن موسى عن (ماذا نفعل بمشكلة الشرق الأوسط؟) بقولنا أن هذا التساؤل قد أجاب عليه التاريخ فاصبح مقترح (الحل العاجل) هو لب الحل السياسي للمشكلة الذي أجمعت عليه جامعة الدول العربية (مبادرة الرياض) ، واصبحت حتى المنظمات الفلسطينية الماركسيه تتبناه كبرنامج سياسي لها (البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين كما ذكرناه أعلاه) .. ولكن الإجابة ليست بهذه البساطة ، ذلك أنه عندما فكر العرب في التفاوض مع اسرائيل والاعتراف بها وقبول قرار التقسيم ، فقدوا قيمة المساومة الذي كان يمكن أن يتمتعوا بها في اللحظة الزمنية التاريخية الحرجة في عام 1967 حينما كانت اسرائيل مستعدة للتفاوض وقتها معهم . أما الآن فإن اسرائيل ترفض إطلاقاً موضوع عودة اللاجئين العرب للأراضي الاسرائلية ، وترفض التخلي عن القدس الشرقية ، كما أنها تقول بأن دولة فلسطين في حالة قيامها في قطاع غزة والضفة الغربية سوف لن تكون على كامل أراضي الضفة الغربية كما كان عليه الوضع في عام 1967 ، كما صرحت وزيرة الخارجية الاسرائلية (ليفني) قبل بضعة أيام .

    هل أخطأت نظرة الدكتور حسن موسى النقدية كل هذه الحقائق ، وهل يمكن القول ( أن رجلاً واسع الاطلاع) عارفاً بكل مآلات التطورات السياسية لقضية الشرق الأوسط مثله ، قد اشتبهت على بصيرته السياسية أن يرى في ما طرحه الأستاذ محمود من حل عاجل لمشكلة الشرق الأوسط أي واقعية براغماتية (بمعنى عملية) أثبتت الأحداث صحتها ، بالشكل الذي يسوغ له أن يقول عن منظور الحل المقدم في كتاب "مشكلة الشرق ألأوسط" (فنحن أبعد من ما نكون عن الطموح السياسي البراغماتي الذي يريد حل النزاع العربي الاسرائيلي وحده بصرف النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية) .. ثم إن الدكتور حسن موسى يناقض نفسه بنفسه في وصفه للأفكار الواردة في الكتاب بأنها (طوباوية نبيلة) وينعى عليها قصورها عن (الطموح السياسي البراغماتي) ، حين يعمد مرة أخرى لوصف كتاب مشكلة الشرق الأوسط بأن منهجه براغماتي مغرض فيقول (إن كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" يظل من الكتب المهمة التي أصدرها الجمهوريون لأنه يضيء منهج التفكير السياسي الجمهوري على الأقل في تلك الفترة بطريقة بريئة في إنتقائيتها، طريقة تؤشر لتغول البراغماتية السياسية المغرضة حتى لا أقول "الانتهازية السياسية" على منطق الفكر الحر الذي لازم جهد التجديد الديني عندهم) . فبين قطبي التوصيف المتناقض والمتأرجح بين "البراغماتية" و"الطوباوية النبيلة" أخطأت نظرة حسن موسى النقدية أن ترى الحقيقة الموضوعية المجردة والمتمثلة في أن (الحل العاجل) الوارد في الكتاب ، هو مايسعى العرب والفلسطينيون جاهدين لتحقيقه الآن دون أن يظفروا من ذلك بأي طائل . ومن هذا المنظور ، منظور (الحل العاجل) الذي توافى عليه أخيراً كل من الدول العربية والمنظمات الفلسطينية ، فإن كتاب "مشكلة الشرق ألأوسط" ليس ("كعب أخيل" الميراث السياسي الجمهوري) كما خيٌل للدكتور حسن موسى ، وإنما هو الحجر الذي رفضه البناؤون في بادئ الأمر فأصبح "حجر الزاوية" ، كما قال السيد المسيح (الحجر الذي أباه البناؤون قد أصبح حجر الزاوية) ..

    تم الجزء الأول من التعقيب ويليه :
    الجزء الثاني .. الحرب الباردة وحركات التحرر الوطني
    الجزء الثالث .. الحل الآجل لمشلكة الشرق الأوسط
                  

04-24-2008, 01:58 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    2

    الحرب الباردة وحركات التحرر الوطني

    عقب الحرب العالمية الثانية وما تمخضت عنه من تعاظم لنفوذ الاتحاد السوفييتي في أوروبا وبروز الكتلة الشرقية ، استعرت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ، واصبحت الكثير من مواقف الاتحاد السوفييتي تمليها مقتضيات الصراع الاستراتيجي الدولي بينه وبين أمريكا على اقتسام وإعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم . وفي حقبة الحرب الباردة مارس الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه في المعسكر الاشتراكي عملاً دعائياً منظماً فحواه أنه يمكن لدول العالم الثالث أن تتجنب ويلات السير في ركاب طريق التطور الراسمالي ، وذلك بالسير في طريق التطور اللارأسمالي عن طريق التحالف مع المعسكر الاشتراكي . ومن هذا المنظور رفع الاتحاد السوفييتي شعارات التحالف والصداقة مع الكثير من الدول التي استقلت عن الاستعمار الغربي وحركات التحرر الوطني التي كانت تسعى وقتها للتحرر من الاستعمار الغربي . وعلى الرغم من الصورة الرومانسية الزاهية التي رسمها الاتحاد السوفييتي لنفسه كدولة اشتراكية تسعى لمساعدة دول العالم الثالث ، دون أي نزوع للهيمنة وبشكل يخلو من أي غرض استعماري لاستغلال هذه الشعوب واستغلال مواردها ، إلا أن هذه الصورة لم تكن مطابقة لواقع الأمر ، ولم تكن دوافع الاتحاد السوفييتي مبرأة تماماً عن الهيمنة والتحكم في مصائر الشعوب . كما أن هذه الدوافع النبيلة ، قد وجدت دوماً من يتشكك في مصداقيتها حتى داخل المعسكر الاشتراكي نفسه ، وذلك حين ارتطمت رغبة الشيوعيين المجريين بقيادة (إيمر ناجي) في تأسيس نموذجهم الاشتراكي الوطني في عام 1956 بجدار الهيمنة السوفييتية وتعرضت تلك التجربة للقمع العسكري العنيف من قبل الاتحاد السوفييتي . وتكررت نفس التجربة في ربيع (براغ) عام 1968م حين حاولت تشيكوسلوفاكيا تحت قيادة (الكسندر دوبتشيك) سلوك نفس التجربة ، فأطاحت الدبابات السوفيتية بذلك الحلم .. وفي كل الأحوال تم دمغ مثل هذه التجارب بالنزعات الشوفينية من قبل الاتحاد السوفييتي . ولم تجد الصين الشيوعية مفراً من سلوك طريقها الخاص في تطبيق الاشتراكية ، في تحدٍ واضح للهيمنة السوفيتية ، بل أنها قد عمدت إلى إدانة ما أسمته بالامبريالية السوفييتية الجديدة . وتأست ألبانيا تحت قيادة (أنور خوجة) بالنموذج الاشتراكي الصيني في قطيعته الكاملة مع الاتحاد السوفييتي .

    عليه فإن الصورة المثالية التي حاول الدكتور حسن موسى أن يضفيها على موضوعة تحالف ما يسمى بالأنظمة التقدمية العربية وحركة المقاومة الفلسطينية مع المعسكر الاشتراكي في ظل أجواء الحرب الباردة تعتبر صورة مغايرة للواقع الموضوعي في ذاك الوقت .. يقول الدكتور حسن موسى :
    (فتحت شروط الحرب الباردة أمكن تفكيك آلة الاستعمار الكلاسيكي في بلدان العالم الثالث سواء عن طريق الضغوط السياسية السلمية سواء عن طريق النضال المسلح الذي مكن لبعض حركات التحرر أن تتقدم على درب التحرر مسنودة بحلفاء موضوعيين معادين للامبريالية. تحت شروط الحرب الباردة تمكن الشعب الفيتنامي من هزيمة آلة القهر الطبقي للإمبريالية الأمريكية وبناء دولة السيادة الوطنية. وتحت شروط الحرب الباردة أمكن لبعض البلدان المتحررة أن تباشر بعض الإصلاحات المهمة في بنى الاقتصاد وإطلاق التنمية الاجتماعية التي استفادت منها أجيال ما بعد الاستقلال)

    ذلك هو بالضبط ما آمن به عبد الناصر وما آمنت به الأنظمة العربية وما آمنت به حركة المقاومة الفلسطينية ، فهي لم تفعل أكثر مما قاله الدكتور حسن موسى حين حاولت أن (أن تتقدم على درب التحرر مسنودة بحلفاء موضوعيين معادين للامبريالية) فكيف ساعدها هؤلاء الحلفاء (الموضوعيين المعادين للامبريالية)؟ في حرب يونيو 1967 دفع الاتحاد السوفييتي عبد الناصر دفعاً للحرب ، فنقل إليه معلومات خاطئة مفادها أن اسرائيل تحشد قواتها لغزو سوريا ، ثم في اللحظة الأخيرة طلب منه عدم البدء بالضربة ألأولى ، ليتلقى عبد الناصر هذه الضربة الأولى ، ويخذله السوفييت فيخسر الحرب . وهذا هو ما فعله السوفييت أيضاً في الحرب الخامسة في لبنان ، فيما تنقله لنا مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) والتي صدرت في النصف الثاني من عام 1982 إبان الغزو الاسرائيلي للبنان ، والذي أدى لإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان ، وإعادة تمركز قيادتها في تونس


    وكان الأستاذ محمود قد وجه الأخوان الجمهوريين لكتابة مقدمة جديدة لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) تستوعب الدروس المستقاة من الحرب الخامسة .. ورد في مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) في الصفحات من الصفحة رقم 5 إلى الصفحة رقم 8 ما يلي عن الحرب الخامسة بلبنان :

    ((فحسب ما نقلته مجلة (المجلة) عدد 126 الصادر بتاريخ 10 يوليو 1982 ، فإنه قد : (تعهد الاتحاد السوفييتي خلال الأسابيع التي سبقت الغزو الاسرائيلي المتوقع للبنان بدعم سوريا في حالة نشوب قتال مع اسرائيل ، بما في ذلك ، ارسال عسكريين سوفييت لتشغيل بطاريات صواريخ (سام) سوفييتية الصنع في سوريا نفسها) (وقد عكست هذه الوعود السوفييتية الثقة المتزايدة في لهجة السوريين الذين أعلنوا أنهم سيتدخلون في القتال إلى جانب الفلسطينين إذا غزت اسرائيل جنوب لبنان) ..
    هكذا هيأ الاتحاد السوفييتي أذهان السوريين إلى أنه سيدعمهم ، ولكنه وعندما نشبت الحرب بالفعل تخبرنا (المجلة) بأنه (ألقى بثقله الديبلوماسي من أجل الحيلولة دون نشوب مواجهة شاملة بين اسرائيل وسوريا في لبنان ، قد تتطور إلى حرب شاملة ، يعتقد السوفييت أن السوريين سيخرجون الخاسرين منها ، وركز جهوده على مساعي وقف اطلاق النار ، حتى لا يتورط بالوفاء بالتزاماته لسوريا بموجب معاهدة الصداقة والتعاون). إن الخذلان السوفييتي للعرب في الحرب الأخيرة بلبنان قد بدا واضحاً بصورة دفعت أصدقاءه أنفسهم لانتقاده .. فكما تخبرنا مجلة الحوادث ، 30 يوليو 1982 : (فقد ذهب عرفات أكثر من مرة إلى دار السفارة السوفييتية في بيروت الغربية ، حيث اجتمع مع السفير الكسندر سولداتوف ثم انقطع عن القيام بزيارات إلى هذه السفارة . إلى أن جاءه سولداتوف يعرض عليه الخروج من بيروت على ظهر سفينة حربية سوفييتية ، مما دفع عرفات إلى تحذير السفير السوفييتي من أنه قد يكون مضطراً إلى قطع علاقات المنظمة بالحكومة السوفييتية ، إذا تلقى عرضاً مماثلاً من موسكو..) ـ انتهى ـ كما أن الزعيم الفلسطيني نايف حواتمة والذي يتزعم منظمة (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) ، والتي يعتبرها السوفييت بمثابة الحزب الشيوعي داخل حركة المقاومة ، نقلت عنه مجلة الحوادث في العدد السابق المشار إليه الخبر التالي : (لا تزال التساؤلات تطرح حول سبب انتقاد نايف حواتمة ، زعيم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، لكل من جبهة الصمود والتصدي والاتحاد السوفييتي بسبب الوضع في لبنان . ومرجع التساؤلات أن حواتمة ، كان من أشد المؤيدين للذين ينتقدهم) .. وتستطرد (الحوادث) قائلة : (كما تقول هذه المعلومات أن ياسر عرفات يتوسط بين المملكة العربية السعودية وبين الجبهة الديمقراطية ، بعد أن أعلن حواتمة أنه لم يعد ماركسياً بل اشتراكيا) .. انتهى .. هكذا اضطر حلفاء موسكو لانتقادها ، ويصل هذا الانتقاد ذروته في ما تنقله لنا ، مجلة (الحوادث) ، 9 يوليو 1982 عن ما فعله القذافي (رجل موسكو) بالمنطقة ، فتقول : (العقيد معمر القذافي غاضب جداً من الاتحاد السوفييتي بسبب موقفه اللامبالي من الغزو الاسرائيلي للبنان .. وقد استدعى العقيد سفراء معظم دول الكتلة الشيوعية ليقدم إليهم رأيه بشأن الموقف السوفييتي ..) وتواصل المجلة ، فتقول : (وقال لهم الرئيس الليبي : إن الصداقة بين القوى العربية التقدمية ودول الكتلة الاشتراكية في نفس الخطر الذي يحيط بالمقاومة الفلسطينية ، وهي على وشك الالتهاب بنفس الطريقة التي تكاد فيها بيروت أن تشتعل . وقالت مصادر ديبلوماسية أن المقابلة دامت خمس دقائق فقط طلب على اثرها العقيد أن يخرج السفراء من الاجتماع فوراً) .. انتهى

    ولم يستثر البرود السوفييتي تجاه الأحداث اللبنانية ، إلا الدور النشط والفعال لأمريكا طيلة فترة الحرب اللبنانية .. فعندما نقلت الأخبار أن أمريكا قد عقدت العزم على ارسال بعض قواتها ضمن قوات دولية أخرى ، لكي تساهم في (فصل القوات) بلبنان ، استشاط الزعيم السوفييتي بريجنيف غضباً وقال : (إننا نعترض بلا قيد أو شرط على ظهور قوات أمريكية على ألأرض اللبنانية ، وقد سبق أن أصدرنا تحذيراً بهذا الخصوص) .. راجع مجلة الحوادث ، 30 يوليو 1982 ـ الأمر الذي يثبت أن السوفييت لا ينظرون إلى الأحداث في المنطقة إلا من زاوية صراعهم الاستراتيجي مع أمريكا .. هذا بالإضافة إلى أن الاهتمام السوفييتي لم يتحرك تجاه الأحداث في لبنان بقدر تحركه نحو ما أثبتته المعارك من ضعف لفعالية الأسلحة السوفييتية في وجه الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدماً خاصةً في مجال الإليكترونيات .. فقد نقلت الأخبار أن السوفييت بعد ضرب صواريخهم في حقل البقاع قد (قاموا بشحن عدد من هذه الوحدات المضروبة إلى بلادهم لاخضاعها إلى فحوصات مكثفة .. كذلك قام السوفييت بشحن دبابة مضروبة في لبنان من طراز تي ـ 72 لمعرفة لماذ استطاع الاسرائليون تدمير عدد كبير من هذه الدبابات المتطورة جداً) ـ راجع مجلة (المجلة) ، 10 يوليو 1982 ـ

    فلكأن السوفييت قد انزعجو لفشل اسلحتهم ، الأمر الذي يهدد سمعتهم عند أصدقائهم ، فهم يريدون للعرب أن ينهزموا ، ولكنهم لا يريدون أن يكون سبب الهزيمة هو ضعف فعالية أسلحتهم ، بصورة تهدد نفوذهم في المنطقة)) ـ انتهى النقل عن مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) .
                  

04-24-2008, 02:00 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    3
    في هذا الجزء المتعلق بحركات التحرر الوطني والحرب الباردة أود أن اشير للمفكر الماركسي المعروف الدكتور صادق جلال العظم ، السوري الجنسية ، والذي قام ومن خلال استبطانه لتجربته في حركة المقاومة الفلسطينية بإعادة قراءة نقدية لمواقفه وموقف اليسار الفلسطيني . والدكتور جلال العظم حين يفعل ذلك إنما يفعله من موقع المؤسس والمشارك في نضال المنظمات الفلسطينية اليسارية ، فهو أحد المؤسسين لمنظمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، كما أنه أحد المؤسسين لمجلة (شؤون فلسطينية) .. تحدث الدكتور صادق جلال العظم في الحوار الذي دار بينه وبين صقر أبوفخر والمنشور في كتاب (حوار بلا ضفاف) والذي قامت بنشرة المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الطبعة الأولى للكتاب والتي نشرت في عام 1998م عن : (مدى خواء وديماغوجية منطق يساري عربي (وفلسطيني بصورة خاصة) كان لا يكل ولا يمل عن إعلامنا بأن (الامبريالية في أزمة) و(اسرائيل في مأزق) و(كامب ديفيد في طريق مسدود) وأن الاتحاد السوفييتي يعاني بعض المتاعب والمصاعب فقط ليتبين لاحقاً أن العكس تماما هو الصحيح ، أي أن الامبريالية هي التي تعاني بعض المتاعب والمصاعب فقط في حين أن الاتحاد السوفييتي هو العالق في الأزمة الحقيقية والغارق في المأزق الذي لا مخرج عنه والماشي في طريق مسدود إلى حدود الانهيار والتلاشي . وأقول بتواضع إني كنت أحتقر هذا المنطق أشد الاحتقار ولا أهتم به إلا من قبيل التنبيه الى ضرره البالغ واساءته الكبيرة. دعني أذكر أيضاً بمنطق يساري مشابه كان شائعاً في العالم العربي ولكنه كان يأخذ منحى الإرهاب الفكري من دون أن يقل عن الأول خواءً وديماغوجيةً وتعطيلاً لأي تفكير نقدي جدي ولأي تحليل موضوعي مستقل . كان يقدم هذا المنطق نفسه على شكل سؤال خطابي بسيط وتبسيطي وبديهي يقول : يتألف عالم اليوم من المعسكر الامبريالي وحليفته الرجعية العالمية في كل مكان ، من ناحية ، ومن المعسكر الاشتراكي وحليفته قوى التحرر الوطني العالمية في كل مكان أيضاً ، من جهة ثانية . وهل عندك أي شك في أي من المعسكرين سينتصر؟ وفي تلك الأيام من كان يجرؤ على التعبير العلني عن أية شكوك من هذا النوع ، أو عن مجرد الظن ، مهما كان ظنه افتراضياً بامكانية تحقق الاحتمال الآخر؟ طبعاً اصطدمت بهذا المنطق مراراً خصوصاً في كتاباتي ومحاضراتي عن السياسة الأمريكية في المنطقة وحقيقة توجهاتها وبواعثها وخلفياتها وآلياتها الأعمق) .

    وفي تعليقه على تجربته مع المقاومة الفلسطينية في عمان يرد الدكتور صادق جلال العظم على السؤال الموجه إليه من قبل صقر أبو فخر بقوله (( كان سؤالك (ماذا عن ذكريات عمان في تلك الفترة؟) . ذكريات سيئة ، في الحقيقة على الرغم من التفاؤل في البداية والتعلق بالمقاومة كخشبة خلاص .. الخ . تبين لي بسرعة أن المقاومة في العمق هي جزء من حركة التحرر العربي على العموم ، بتركيبها وقياداتها ومصالحها وعقليتها وعجرها وبجرها . وإذا كانت الحركة الأكبر قد هزمت أمام المشروع الصهيوني فلن يكون مصير الفرع بأفضل من الأصل . وهذا ما قلته بصراحة ووضوح ، في كتابي عن تجربة المقاومة في عمان . تعرضت وقتها لتهديدات جدية من قيادة فتح (كمال عدوان تحديداً) واضطررت للتواري عن الأنظار فترة (مرة ثانية الهرب من بيروت إلى دمشق حين تضيق الفسحة) . لكن الغارة الاسرائلية المشهورة على بيروت والتي استشهد فيها كمال عدوان ومعه كمال ناصر ومحمد يوسف النجار من قادة (فتح) غطت مشكلتي ومشكلة كتابي ، واكتفت (فتح) بعدها بشراء جزء منه لسحبه من الأسواق ومنع الناشر من إخراج طبعات لاحقة منه) .

    وفي تأكيد لا يخفى لما سبق أن نبه له الأستاذ محمود عن العرب بأنهم (يحاربون بالعنصرية العربية ، العنصرية الاسرائلية "الصهيونية" .. يهود يحاربون يهوداً) أشار الدكتور صادق جلال العظم إلى هذا الأمر بقوله (هذا تماماً ما فعلته حين وصفت علناً وعلى رؤوس الأشهاد ما كان يجري داخل منظمة التحرير بـ (الصهيونية الفلسطينية) في وقت مبكر وقبل الجميع وفي وقت كان يمكن ثمن هذا الكلام باهظاً حقاً . من يعترض على هذا النعت اليوم؟ حتى المنعوتين به لا يعترضون ، هذا إذا لم يفاخروا به . وإذا ثارت الدبابير من أعشاشها فلا بأس . وهنا آخذ (اعشاش الدبابير) والإثارة بمعانيها الأكثر إيجابية . فأنا أرى فيها جزءاً من حيوية حياتنا الثقافية والسجالية والفكرية والنقدية . دعني اذكر أن ادوارد سعيد هاجمني علناً بسبب طرحي مسألة نمو تيار الصهيونية الفلسطينية داخل منظمة التحرير ، وكنت فعلت ذلك في مقال نشرته بالانكليزية في أواسط الثمانينات ، ولم أجرؤ على نشره بالعربية . وأنا سعيد الآن أن أرى ادوارد سعيد وهو يوجه مدفعيته النقدية الثقيلة إلى الظاهرة ذاتها ويقطع كل صلة معها ، ولكن بعد خراب البصرة) .

    وفي إطار نفس الحديث عن الحرب الباردة والمنظور الذي كانت تنظر به حركات التحرر الوطني لدور الاتحاد السوفييتي كحليف لها في صراعها ضد الامبريالية ، أود أن اشير إلى سؤال صقر أبوفخر للدكتور صادق جلال العظم عن الدروس المستخلصة من فشل التجربة السوفيتية فيجيبه قائلاً (مصادر معلوماتي كانت المتابعة العادية للأحداث الدولية ولتطورات الحرب الباردة وتوتراتها وانعطافاتها وانعكاسات ذلك كله علينا وعلى منطقتنا وعلى العالم الثالث على العموم ) ويتحدث الدكتور صادق جلال العظم عن (مستوى دقة التحليلات الغربية على العموم والأمريكية خصوصاً للوضع الداخلي السوفييتي وصحة تشخيصاتها لمتاعبه ومعضلاته ونقاط ضعفه ومقاتله . كان اليسار عندنا لا يهتم بهذه التحليلات أو هو يعدها مجرد دعاية امبريالية ضد الشيوعية والسوفييت والعالم الثالث) . ويتحدث دكتور صادق العظم أيضاً عن (مدى معرفة الصحافة الغربية الراقية (لوموند) ، (النيويورك تايمز) ، (الواشنطن بوست) بأحوال الاتحاد السوفييتي الداخلية معرفة متقدمة دقيقة واقعية لا غش فيها . كنت أيضاً أميل إلى الاستخفاف بما تنشره هذه الصحف من معلومات ومعطيات وتحقيقات واستنتاجات وتنبؤات عن الاتحاد السوفييتي وعن نقاط قوته ونقاط ضعفه مع احساسي الدائم بأن (لا دخان بلا نار) في مثل هذه المسائل مهما بلغت رغبة الإعلام الغربي في تشويه صورة التجربة السوفييتية والتشنيع على الحركة الشيوعية عموماً . في الواقع نعرف الآن أن الإعلام الغربي كان يتعمد تضخيم قوة الاتحاد السوفييتي وجبروته وخطره (بالتعاون مع الأجهزة المختصة الأخرى) لأسباب داخلية وأغراض خارجية تتراوح بين زيادة الضرائب من أجل رفع مستوى الانفاق العسكري من جهة وبين التعبئة النفسية والأيديولوجية والثقافية من جهة ثانية وبين رص صفوف الحلفاء الأطلسيين والعالم ثالثيين في مواجهة الخطر شبه (التتاري) أو شبه (المغولي) الداهم من ناحية ثالثة . نعرف الآن أنه حين ألقى نيكيتا خروتشوف خطابه الشهير في الأمم المتحدة سنة 1960 وادعى أن مصانع بلاده الحربية بدأت تنتج الصواريخ العابرة للقارات في الوقت الذي تنتج مصانع أخرى عنده السجق والمقانق كان يكذب . كما نعرف الآن أن النخبة الأمريكية الحاكمة كانت تعرف جيداً يومها أن الأمين العام كان يكذب ويفاخر ويهول على مشهد ومرأى من العالم كله . ومع ذلك تصرفت المؤسسة الأمريكية الحاكمة كأن مزاعم خروتشوف وإدعاءاته صحيحة تماماً ، كما أقنع الإعلام الغربي العالم كله (بما فيه الشعب الأمريكي) نفسه بسلامتها ودقتها وصدقها وخطرها الحقيقي في الوقت نفسه) .

    ويتحدث أيضاً الدكتور صادق العظم عن (مدى فقدان النخبة الشيوعية السوفييتية نفسها كل ثقة بمؤسساتها ونظامها واقتصادها وأهدافها ودولتها ودورها وفقدانها كل ثقة بمقدراتها هي على البقاء ومقدرة الاتحاد السوفييتي على الاستمرار . ويبدو لي أن فقدان الثقة المتراكم هذا هو الذي يفسر جزئياً الطريقة الفجائية وشبه العجائبية التي انهار بها الاتحاد السوفييتي واضمحل . لقد تخلى عنه أصحابه فجأة في ليلة بلا ضوء قمر ، كما نقول ، وكأنهم اكتشفوا فجأة أيضاً بأنهم غير قادرين على حكم البلاد وإدارتها بالطريقة القديمة من جهة ، وأن البلاد صارت غير قابلة لآن تحكم وتدار بالطريقة ذاتها ، من ناحية ثانية) .

    فإذا كان الاتحاد السوفييتي يعاني من المصاعب والمتاعب وأن سكرتير الحزب الشيوعي السوفييتي يكذب ومنذ عام 1960 في تصويره بأن الأوضاع بخير وأن النخبة الشيوعية السوفييتية تعاني من فقدان الثقة بنفسها وأن فقدان الثقة هذا لم يحدث فجأة عند إنهيار التجربة ولكنه قد تراكم عبر الزمن ، فما فائدة التحالف مع (حليف مخاتل) كهذا ؟ لقد انساقت حركة التحرر الوطني العربية والفلسطينية أمام هذا الوهم بأن الأوضاع بخير وأنه ليس هنالك أي شك في أن معسكر الاشتراكية وحليفته قوى التحرر الوطني العالمية سوف ينتصر على معسكر الامبريالية وحليفتها الرجعية العالمية ، فنتجت عن ذلك هزيمة حركة التحرر الوطني العربية الأصل (الأنظمة العربية) ثم هزيمة حركة التحرر الوطني العربية الفرع (المقاومة الفلسطينية) .

    الاتحاد السوفييتي والاستعمار الجديد

    أود أن أختم الجزء الثاني من هذا التعقيب بالإشارة لما استغرب له الدكتور حسن موسى من وصف الأستاذ محمود لنزعات الهيمنة لدى الاتحاد السوفييتي بأنها شكل من الاستعمار الجديد ، وتساءل بأنه هل يمكن التصور بأن الآستاذ محمود قد استباح حرمة مصطلح (الاستعمار الجديد ) المتعارف عليه في مجال دراسات الاقتصاد السياسي بذريعة الكسب السياسي العاجل ، كما تساءل (ما الذي يجعل رجلاً في فطنة أستاذنا محمود النقدية وفي سعة حيلته الفكرية يقبل بهذا التحليل الساذج لمفهوم الاستعمار) والحقيقة أن الاستاذ محمود ليس هو أول من قال بذلك فقد سبقه إلى ذلك كثيرون ومن مواقع الماركسية اللينينية وغير اللينينية .

    فقد تحدث (ليون تروتسكي) رفيق لينين وهو يصفي حسابات الميراث السياسي للينين مع خصمه ستالين ، بأنه لا توجد أي اشتراكية في الاتحاد السوفييتي ، وقال في كتابه (الثورة المغدورة) : (لقد مر التطور الاقتصادي و الثقافي في الاتحاد السوفياتي حتى الان بمراحل عديدة دون ان يصل الى التوازن الداخلي – لا بل مازال بعيدا عن ذلك. و اذا اعتبرنا ان هدف الاشتراكية هو خلق مجتمع بلا طبقات مجتمع مبني على التضامن و على تلبية كل الرغبات بشكل متناسق فانه لا يوجد الى حد الان بهذا المعنى الاساسي اية اشتراكية في الاتحاد السوفياتي. صحيح ان تناقضات المجتمع السوفييتي تختلف اختلافا عميقا من حيث طبيعتها عن تناقضات الراسمالية لكنها ليست اقل عنفا. وهي تظهر في عدم المساواة المادية و الثقافية و في القمع و في تشكيل المجموعات السياسية و الصراع بين كتل الحزب.) ليون تروتسكي ـ الثورة المغدورة ـ دارالطليعة للطباعة و النشر – بيروت الطبعة الاولى العربية 1968 .

    وفي صبيحة العاشر من سبتمبر 1962 ألقى ماوتسي تونغ خطاباّ شهيراّ أهم ماجاء فيه : (إن الإنتكاسة والعودة إلى الرأسمالية أمر ممكن والتحريفية هي الخطوة الأولى على طريق الإنتكاسة , لقد انتصرت التحريفية في الإتحاد السوفياتي الذي غيّر لونه تغييراّ مخاتلاّ وسلمياّ فإذا كان هذا الجيل من أبنائنا سيعتنق التحريفية التي هي في الحقيقة الرأسمالية تحت إسم الإشتراكية , فإن أحفادنا سيثورون دون أدنى شك ,والسبب الرئيس في ذلك هو تغيير اختصاص الجماهير , لذلك لابد من الإلحاح دوماّ وأبداّ على موضوع الصراع الطبقي)

    كما أشار ماو إلى مصير التحريفية السوفياتية التي أعطت المثل السيْ للتجربة الإشتراكية بعد المؤتمر العشرين عام 1956 بقوله : ( إن الإتحاد السوفياتي الدولة الإشتراكية الأولى ستنحط بعد سيطرة التحريفيين الخروتشوفيين عليها إلى دولة أمبريالية معادية للشعوب وحركات تحررها وثوراتها المشروعة- - من مقررات المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني – نيسان 1969 )

    لاحظ هنا أن ماوتسي تونغ يصف الاتحاد السوفييتي بالمخاتلة وبأنه سينحدر إلى مرحلة الامبريالية والتي هي أعلى اشكال الاستعمار .. وطور ماوتسي تونغ منظومة جديدة من المصطلحات مثل ديكتاتورية البيروقراطية البورجوازية , أو رأسمالية الدولة البيروقراطية التي استولت على السلطة في الاتحاد السوفييتي بعد القضاء على علاقات الإنتاج الإشتراكية ، ودعمت الأنظمة الديكتاتورية المعادية لشعوبها التي رفعت شعار الإشتراكية كذباّ وتشويهاّ للإشتراكية .

    فمن هذه الناحية يمكن القول أن الاستاذ محمود ليس هو أول تحدث عن النزعة الاستعمارية للاتحاد السوفييتي ، وإذا ما حاولنا تقعيد وجهة النظر هذه وفقاً لأدبيات الاقتصاد السياسي ، يمكن القول بأن القاعدة المادية التي نشأت منها النزعات الاستعمارية للاتحاد السوفييتي تتأسس على علاقات إنتاج رأسمالية الدولة البيروقراطية ، التي سادت في الاتحاد السوفييتي .. وكما أشار ليون تروتسكي ومنذ أغسطس 1936 فإنه لا توجد أي علاقات إنتاج اشتراكية في الاتحاد السوفييتي . علماً بأن الاستاذ محمود وفي وقت متاخر نسبياً في عام 1967 اشار في (كتاب الرسالة الثانية من الاسلام) إلى الانتكاسة الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي فقال (روسيا ، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية ، بله الشيوعية وتنكص على أعقابها ، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية ، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جـديدة ، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق ، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر ، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى) .

    كذلك يلاحظ الدكتور صادق العظم في كتاب (حوار بلا ضفاف) أن اشتراكية التجربة السوفييتية نفسها قد تكون مجرد الغطاء الأيديولوجي الضروري لتصنيع روسيا . يقول الدكتور صادق العظم ((هل كانت ثورة أكتوبر منطلقاً حقيقياً لتأسيس نمط إنتاج جديد هو نمط الانتاج الاشتراكي ؟ إذا كانت أنماط الانتاج (وعددها قليل في تاريخ البشرية) تنشأ تاريخياً وتنحل تاريخياً وتعيش طويلاً هل من الممكن تأسيس نمط إنتاج جديد إرادياً وبقرارات واعية ، أي هل يفبرك نمط الإنتاج فبركة؟ إلى اي حد كانت اشتراكية التجربة السوفييتية لا أكثر من الغطاء الأيديولوجي لعملية تصنيع روسيا وتحديث مجتمعها ورفعها إلى مصاف الدول الأوروبية المتقدمة ، عسكرياً على الأقل ، مهما كان الثمن . وحين تحقق ذلك لا بد من لفظ الغطاء المذكور ، بأجهزته ومؤسساته وتنظيماته ، لأنه استنفد أغراضه؟ بهذا المعنى تكون التجربة السوفييتية انتهت لأنها نجحت في إنجاز مهمتها التاريخية الحقيقية في تحديث روسيا وتصنيعها وليس لأنها أخفقت . إلى أي حد مثلت التجربة السوفييتية الطريق اللارأسمالية السريعة إلى التحديث والتصنيع والقوة العسكرية في مناخ مقاومة رٍأسمالية عنيفة وشرسة بدلاً أن تمثل الطريق إلى المجتمع الاشتراكي الجديد؟ إلى أي حد كان المنشفيك على حق تاريخياً (وليس سياسياً بالضرورة في لحظة الثورة) في اقتناعهم بأن إنجاز الاشتراكية في مجتمع روسي فلاحي متخلف مستحيل من غير استيعاب انجازات الرأسمالية والمجتمع البورجوازي ومؤسساته وقيمه) .

    ما نود أن نؤكده هنا هو أن حديث الاستاذ محمود عن الاتحاد السوفييتي باعتباره شكل من أشكال الاستعمار الجديد لم ينطلق من فراغ وإنما تسنده الكثير من دراسات الاقتصاد السياسي داخل أروقة الفكر الماركسي بمدارسه الأخرى والتي لم تقبل وجهة النظر الرسمية السوفيتية عن وجود اشتراكية في الاتحاد السوفييتي ، كما تسنده الممارسات العملية للاتحاد السوفييتي طيلة سنوات الحرب الباردة من نزوع للهيمنة والسيطرة على مصائر الشعوب ومواردها ، والتي قطعت علاقاتها الاقتصادية بالغرب وأصبحت جزءاً من ما يسمى بالسوق الاشتراكية .
                  

04-24-2008, 02:01 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    4
    الحل الآجل لمشكلة الشرق الأوسط

    طرح الأستاذ محمود تصوراً جديداً بالكلية لمقاربة موضوعتي (الحضارة) و(المدنية) في كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) فقال عن تعريف (المدنية) :

    (المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته .
    ويمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء ، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي ، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق . وبعبارة موجزة ، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور

    هل المدنية هي الأخلاق؟؟

    هي كذلك ، من غير أدنى ريب !! وما هي الأخلاق ؟؟ للأخلاق تعاريف كثيرة ، ولكن أعلاها ، وأشملها ، وأكملها هي أن نقول أن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة . ولقد قال المعصوم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . ) فكأنه قال ما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق ، ومن أجل ذلك قلنا أن محمدا عاش في أوج المدنية التي جاء بها الله عن طريقه ، ووصفه تعالى فيها بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم) .
    وحين سئلت عائشة عن أخلاق النبي قالت ( كانت أخلاقه القرآن ) ومعلـوم أن القرآن أخلاق الله ، وأخلاق الله إنما هي في الإطلاق ، ومن ههنا جاء التعريف بأن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ).

    أما بالنسبة للحضارة فقد عرفها الأستاذ محمود على النحو التالي : ( وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة ، ومن طراوتها .. فكأن الحضارة هي التقدم المادي ، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة ، ومنزلا جميلا ، وأثاثا أنيقا ، فهو رجل متحضر ، فإذا كان قد حصل على هذه الوسائل بتفريط في حريته فهو ليس متمدنا ، وان كان متحضرا ، وانه لمن دقائق التمييز أن نتفطن إلى أن الرجل قد يكون متحضرا ، وهو ليس متمدنا ، وهذا كثير ، وأنه قد يكون متمدنا ، وهو ليس بمتحضر ، وهذا قليل ، والكمال في أن يكون الرجل متحضرا متمدنا في آن . وهو ما نتطلع إليه منذ اليوم) .

    أوردنا هذا النص الذي يميز بين (المدنية) و(الحضارة) كمدخل لمناقشة ما أسماه الدكتور حسن موسى نظرية (صراع الحضارات) والتي أدرج مساهمة الأستاذ محمود من ضمن تلاوينها ، وذلك حين قال : (ومساهمة الأستاذ محمود في مساعي" تلقيح المدنية الغربية" وحقنها" بدم جديد"، (دم عربسلامي) يجدد شبابها، إنما تندرج في ما يمكن أن نسميه ب "نظرية صراع الحضارات". وهي "نظرية" تمخضت عنها آيديولوجيا المركزية الأوروبية العنصرية والاستبعادية التي تعتبر نفسها مستودعا طبيعيا لقيم حضارية جوهرية خارج التاريخ. وتستمد من هذه القناعة الخرقاء كل المسوغات التي تحتاجها للاستعلاء على الآخرين وقهرهم واستغلالهم . ومصيبة " نظرية صراع الحضارات " تتلخص في كونها تتصور الحضارات ككيانات صافية قائمة على استمرارية قيم حضارية ثابتة لا تعرف القسمة، قيم مستقلة بذاتها عن كل شائبة وكل تأثير أو تداخل مع غيرها من قيم الحضارات التي تعاصرها أو حتى تلك السابقة أو اللاحقة لها) . ولقد بدا لي من قراءتي المتمعنة لهذا النص للدكتور حسن موسى ، أنه قد كان منقسماً ومتردداً بعض الشئ في توصيفه التقريري والتبسيطي هذا لمساهمة الأستاذ محمود . فهو يعلم مثلاً بأنه لا مساهمة الأستاذ محمود الفكرية ولا مواقفه العملية يمكن أن تنطوي علي أي شبهة عنصرية أو استبعادية ، كما أنها لم توظف أيديولوجياً أبداً كمسوغ ومبرر (للاستعلاء على الآخرين وقهرهم واستغلالهم) من أي جهة . ويتأكد هذا التردد والإنقسام لدى الدكتور حسن موسى حين يستثني لاحقاً مساهمة الأستاذ محمود من إندراجها ضمن تلاوين نظرية (صراع الحضارات) بقوله (و"نظرية التلقيح" المتمدن، رغم أنها تنطرح هنا كتعبير سلمي "بوليتيكلي كوريكت" إلا أنها تنطوي على بعد رسالي "إنقاذي" (في المعنى المحمود للعبارة) كما لو كان الحضارة الإنسانية كله يتوقف على الموقف الذي يتخذه العربسلاميون، لا من الحضارات الأخرى عموما، وإنما من هذه الحضارة الراهنة المهيمنة، المسماة "غربية" و"آلية " على وجه التحديد) . فالاستثناء الذي أورده الدكتور حسن موسى بقوله (رغم أنها تنطرح هنا كتعبير سلمي) هو مربط الفرس ، إذ أن ذلك يفصم جذرياً كل علاقة لهذه المساهمة بنظرية (صراع الحضارات) في نسختها (الآيديولوجيا المركزية الأوروبية العنصرية والاستبعادية) التي قدمت المبررات الأخلاقية لأمريكا ودول حلف الأطلسي لاتخاذ مواقف عدائية وعسكرية تجاه شعوب العالم المختلفة حضارياً عنها .

    أكثر من ذلك فإن مساهمة الأستاذ محمود في موضوعتي (الحضارة) و(المدنية) لا تنتمي وبشكل قاطع لنظرية (صراع الحضارات) من حيث أنها (تتصور الحضارات ككيانات صافية قائمة على استمرارية قيم حضارية ثابتة لا تعرف القسمة، قيم مستقلة بذاتها عن كل شائبة وكل تأثير أو تداخل مع غيرها من قيم الحضارات التي تعاصرها أو حتى تلك السابقة أو اللاحقة لها) كما قال الدكتور حسن موسى .. فالأستاذ محمود في كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) يصف العرب بأنهم (قد تشربوا أخلاق المدنية الغربية ، وجاروا أهلها في مباذلهم ، فأفقدتهم اصالة دينهم ، ولم يبلغوا من أصالتها هي طائلاً ، فأصبحوا يعيشون على قشور من الاسلام ، وعلى قشور من المدنية الغربية) ، فهو بالتالي لا يتصور بأن للعرب والمسلمين اليوم كياناً حضارياً صافياً مستقلاً بذاته عن أي تاثير لقيم الحضارات الأخرى ، ثم هو لا يدعو لمثل هذا الكيان الصافي المستقل عن الحضارة الغربية ، وفكرة (تلقيح الحضارة الغربية) نفسها بكل ما تنطوي عليه من إضافة ومزج قيمة فكرية جديدة للحضارة الغربية لم تكن تمتلكها ، تعتبر مناقضة لمفهوم صفاء تكوين الكيانات الحضارية المستقلة والذي ذكره الدكتور حسن موسى أعلاه .. فمن أي منطلق أدرج الدكتور حسن موسى تصور الأستاذ محمود لهذا الأمر ضمن منظور (صراع الحضارات) ؟

    إيراد تعريف الأستاذ محمود للمدنية والحضارة ثم التأكيد على أن مساهمته الفكرية في هذا الجانب لا ترتبط بأي وشيجة فكرية بنظرية (صراع الحضارات) كان ضرورياً قبل أن نتحدث عن هذه المساهمة نفسها ونوضح أبعادها .

    يعتقد الأستاذ محمود أن الحضارة الغربية السائدة اليوم هي (حضارة) وليست (مدنية) . فهي (حضارة) من حيث ما حققته من تقدم مادي ومن اقتدار في ميدان الكشوف العلمية وتطويعها المادة لاخصاب الحياة البشرية . غير أنها ليست (مدنية) لافتقادها للقيمة الفكرية التي توجه هذا التقدم نحو المسار الذي يحقق التوفيق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة ، وذلك بالجمع بين تحقيق الاشتراكية وتحقيق الديمقراطية في جهاز حكومي واحد . لذا فإن فكرة تلقيح الحضارة الغربية ونفخ الروح في هيكلها المادي العملاق يعني أن يتم التناسق بين التقدم التكنولوجي والتقدم الخلقي (بفتح الخاء واللام) .. وافتقاد الحضارة الغربية للقيم يدل عليه دليلاً واضحاً الاستلاب والتشيؤ الذي يشوش على الفرد أي احساس بالسعادة في المجتمعات الغربية الاستهلاكية الكبيرة .. فأصبحت الآلة في هذه المجتمعات هي سيد الانسان ، وأصبح العمل نفسه لعنة تفتقد أي غائية إلا القدرة على المزيد من الاستهلاك المادي . عليه فقد فقد الفرد ذاته واستعاض عن الحرية بوهم الحرية لاختلال اساسي في ميزان القيم الموجهة له كفرد . ولا يمكن اصلاح هذا الخلل في ميزان القيم إلا بإعادة ترتيب الوسائل والغايات الموجهة للمجتمع ككل ، وذلك بأن نضع التقدم المادي في مقام الوسيلة والتقدم الخلقي (بفتح الخاء واللام) في مقام الغاية ، وبمعنى آخر فإن فكرة تمدين الحضارة الغربية التي طرحها الأستاذ محمود تعني أيضاً أن تكون القيمة الأساسية المشرجة في صميم بنية المجتمع هي تحقيق كل فرد لفرديته التي بها ينماز عن باقي أفراد القطيع البشري بتمليكه المنهاج الذي يمكنه من تحقيق فرديته ، ويعني ذلك بأن نضع المجتمع في مقام الوسيلة والفرد في مقام الغاية . فتلقيح الحضارة الغربية هو أن تنفخ فيها فلسفة إجتماعية جديدة تقوم بإعادة ترتيب الوسائل والغايات . فهل يمكن دحض هذا المسعى بالقول بأنه محاولة لحقن الحضارة الغربية بدم عربسلامي من جانب الدكتور حسن موسى ؟ فالعروبيون والسلفيون الذين نعرفهم مما يسميهم الدكتور حسن موسى بالعربسلاميين لا يقولون بهذا القول .

    من هذا المنظور صدر خطاب الأستاذ محمود المتوجه لتقديم حل آجل ونهائي لمشكلة الشرق الأوسط ، فهو حل يستهدي بفكرة تقديم فلسفة إجتماعية جديدة تتطلع لحل كل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية والعنصرية والتي هي الجذور الحقيقية للحرب وذلك على المستوى الكوكبي . وبمعنى آخر فأنت لكي توقف الحرب في الشرق ألأوسط بشكل دائم عليك أن أيضاً أن تعمل لحل التناقضات التي أدت للتراص والاستقطاب والنزاع على المستوى الدولي والذي جعل من مشكلة الشرق ألأوسط بؤرة اساسية من بؤر صراع القوى الكبرى .

    حين واجه كارل ماركس ، وهو الذي انحدر من أسرة يهودية تحولت للمسيحية فيما بعد ، موضوع الأشواق المشبوبة والتطلعات التواقة لليهود في ألمانيا لتحررهم من اضطهادهم الخاص كيهود استدل بقول برونو باور في كتابه (المسألة اليهودية) قائلاً (يطالب اليهود الألمان بالتحرر، فبأي تحرر يطالبون؟ التحرر كمواطنين، التحرر السياسي . يجيبهم برونو باو ليس ثمة من هو متحرر سياسيا في ألمانيا. نحن أنفسنا لسنا أحرارا، فكيف نستطيع تحريركم؟ أنتم اليهود أنانيون. حين تطالبون لأنفسكم كيهود بانعتاق خاص، عليكم أن تعملوا كألمان من أجل انعتاق ألمانيا السياسي، و كبشر من أجل الانعتاق البشري. و ألا تشعروا أن النوع الخاص لاضطهادكم و لذلًكم استثناء عن القاعدة و إنما هو تأكيد لها). فحل مشكلة اليهود لدى كارل ماركس لا يتأتى إلا من خلال حل مشكلة الجنس البشري برمته .

    يقودنا هذا المنطق إلى أن الأستاذ محمود حينما واجه إشكالية حل مشكلة الشرق الأوسط ، على مستوى الحل المطروح في (الحل الآجل) للمشكلة ، واجهها أيضاً من منطلق مشروعه الأيديولوجي الرامي لتحرير الإنسان من حيث هو إنسان والمتمثل في (الرسالة الثانية من الإسلام) .. ومن هذا المنظور فإن الحل النهائي لمشكلة الشرق الأوسط لا يتأتى إلا بتحقيق السلام على المستوى الكوكبي ، وتحقيق السلام كوكبياً لا يتم إلا عن طريق فلسفة اجتماعية (اقرأ الاسلام كما هو مطروح في مستوى الرسالة الثانية) تملك أن توفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة .. وهذا هو المقام العرفاني الذي صدر منه خطاب الأستاذ محمود الرامي للحل النهائي (الآجل) لمشكلة الشرق ألأوسط والمتوجه لكل العرب والمسلمين ، الذين يعتبرون أنفسهم طرف النزاع الأساسي في المشكلة .. هذا المقام العرفاني هو مقام يتجاوز التقسيم العقيدي والديني ويتسامى على الأفكار الشعوبية والعنصرية والتي كانت أحد أدوات الحرب الأساسية التي خاض بها كل من طرفي النزاع الحرب .. ولقد قال الأستاذ محمود نفسه عن هذا المقام العرفاني ما يلي (إن ما جئت به هو من الجدة بحيث أصبحت به بين أهلي كالغريب وبحسبك أن تعلم أن ما أدعو إليه هو نقطة إلتقاء الأديان جميعها، حيث تنتهي العقيدة ويبدأ العلم، وتلك نقطة يدخل منها الإنسان عهد إنسانيته، ولأول مرة في تاريخه الطويل..) . فالحل النهائي لمشكلة الشرق الأوسط هو تحقيق السلام على الأرض من خلال تطبيق الاسلام في مستواه العلمي ، وهو المستوى الذي يمثل نقطة التقاء جميع الأديان .

    غير أن الأستاذ محمود كان يدرك بأن الحلول المستقبلية الطموحة تتخلًق في قلب النظام القديم وتمر بعدة مخاضات قبل أن تتوفر لها فرصة التطبيق في المنعطفات التاريخية الكبيرة التي تعصف بالقديم وتشيد مكانه نظاماً عالمياً جديداً . لذ فهو لم يرهن حل المشكلة بحلها الآجل كحل استراتيجي نهائي ، وإنما طرح على المستوى التكتيكي حلاً عاجلاً يتمثل في الاعتراف باسرائيل وقبول قرار التقسيم ، بشكل يمكن العرب من الخروج من الحرب بشئ من الكرامة . لكن حتى في حالة تحقيق السلام تكتيكياً ، وذلك ببروز دولتين عربية ويهودية ، فإن الأسباب الحقيقية للحرب والمتمثلة في الصراعات الاقتصادية والدينية والعنصرية بين اليهود والعرب لا يمكن حلها إلا من خلال مشروع تحرر إنساني كبير يستهدي بفلسفة اجتماعية قادرة على حل التناقض الرهيب والمريع بين الطاقات الكبيرة للمجتمع الكوكبي الراهن وعجز أنظمته الاجتماعية عن استيعاب هذا الطاقات ، وهو حل كما أسلفنا لن يتوفر إلا لفلسفة تملك أن توفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة ، وهو ما عجزت عن تحقيقه كل من الرأسمالية والاشتراكية في تجلياتها التاريخية المعروفة .

    عليه فإذا اعتقد الدكتور حسن موسى بأن فكرة الحل الآجل في ما تنطوي عليه من دعوة لتلقيح الحضارة الغربية بفلسفة اجتماعية جديدة (تنطوي على بعد رسالي إنقاذي في المعنى المحمود للعبارة كما لوكان مصير الحضارة الإنسانية كله يتوقف على الموقف الذي يتخذه العربسلاميين لا من الحضارات الأخرى عموماً ، وإنما من هذه الحضارة المهيمنة المسماة غربية وآلية على وجه التحديد) ، فأنا لا استطيع أن أنكر عليه هذا الفهم لبعد الرسالية الإنقاذية ، (في المعنى المحمود للعبارة) ، فإن المفكرين الحقيقين واصحاب الأيديولوجيات ينبغي أن يكونوا معنيين بتغيير العالم وإنقاذه وليس تفسيره فقط ، وتلك هي رسالتهم في الحياة .. غير أنني أود أن أؤكد له بأن العربسلاميين ليس هم الحامل العنصري لهذا التغيير بالمعنى الذي كانت به البروليتاريا هي الحامل الطبقي للتغيير في الماركسية .. فالاستاذ محمود قد احتفظ دوماً لنفسه بمساحة نقدية تفصله عن المقام العقيدي الديني للعروبيين والسلفيين ، وذلك من مقامه العرفاني والفكري في المستوى العلمي من الاسلام .
                  

04-24-2008, 02:02 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    --------------------------------------------------------------------------------

    www.sudaneseonline.com
    Last Update 31 يناير, 2007 10:25:39 PM




    هوامش، أو تداعيات فِكرانيّة، على "ماذا نفعل بمشكلة اليسار السوداني؟!*"...

    إبراهيم جعفر
    [email protected]

    لا بُدَّ لي، يا أستاذ قُصيْ همرور، من بُدِّ أن أحمدَ فيكِ هذه القدرة على الإختِراقِ "التّنْكِيِّ" المباشر، هذه الجّرأة، المستقيمة واللا وجلة، على التحليلِ البصيرِ لخاصّةٍ نفسانيّةٍ سالبةٍ قد غيّمتْ، ولا تزالُ، حاسّة الشّوفِ الإنسانيِّ العميقِ في ذواتِ ومُخيِّلاتِ رهطٍ كبيرٍ من مفكّري وفنّاني ومثقّفي يسارنا السودانيّ العريض، الماركسيّ خصوصاً.



    كتب صاحبُنا الكينونيّ الديالكتيكيّ (بلى الديالكتيكيّ!) سورين كيركيجارد، في إمّا/أو:- شظيّةُ من حياةْ، الخَطْرَةَ الدّقيقَةَ/الرّقيقةَ التاليةْ:-



    "ليس ما أنشُدُهُ هنا أن أنفي أنّ اتّخاذَ الإنسانِ حياةً مركوزةً، في إطلاقيّتها، على البعد الجّماليِّ للوجودِ، خصوصاً عندما تكونُ تلك الحياةُ مُعاشةً عندَ قمّتها، يستطيعُ أن ينطوي على مُركّبٍ من المواهبِ الذهنانيّةِ، بل وأقولُ إنّ هاتيكَ قد تكونُ مُرَقّاةً، في ذاتِ الإنسانِ المعنيِّ، لدرجةٍ غيرِ عاديّةٍ، لكنّها تظلُّ مقيّدةً وفاقدةً للشفافيّةْ. بذاتِ المعنى (المستوى) قد يجدُ المرءُ، أحياناً، ضروباً معيّنةً من الحيواناتِ ذاتَ حواسٍّ شديدةَ النّجابةِ والنّفاذِ وعظيمةَ الحدّةِ والقوّةِ بدرجةٍ لا تُقاسُ بها الحواسّ الإنسانيّةُ، لكنّ تلك الحواسَّ تبقى، مع ذلكَ، أسيرةً للمنطلقاتِ المحدودةِ للغريزة" (إمّا/أو:- شظيّةٌ من حياةٍ (ص. 492-493)- الطبعة الإنجليزية- تحرير فكتور إريميتاد وترجمة مختصرة وتقديم وهوامش بقلم أليستير هانَيْ Alastair Hannay- دار بنجوين للنشر 1992).



    ما قالهُ سورين كيركيجارد (وقد ترجمتُهُ أنا هنا إلى العربيّةِ بمقدارِ المُتاحِ لي، حاليّاً، من الحساسيّة!)، في هذه الخَطْرَةِ، قد واتاهُ آناءَ حديثه عن مستوياتٍ كينونيّةٍ أساسيّةٍ للمعاشِ قد يتّخذُ الفردُ الإنسانيُّ أيّاً منها أساساً وجوديّاً (شعوريّاً وفِكْرَانِيّاً) لحياته في هذا العالمِ الزّمكانيِّ وهي، إجمالاً، المستوى الكينونيّ الجّماليّ والمستوى الكينونيّ الأخلاقيّ والمستوى الكينونيّ الدّينيْ. وفي فكرِ كيركيجارد، بحسبانهِ فيلسوفاً وجوديّاً متديّناً (حتّى لا أقولُ ’دينيّاً‘ أو ’مسيحيّاً‘)، تتدرّجُ تلك المستويات على هيئةِ مَرَاقٍ أنطولوجيّةٍ قاعدتُها المستوى الكينونيّ الجّماليّ (في بعدهِ الحسيّ المباشر)، ثمّ يليه المستوى الأخلاقي (في بعده القِيَمِيّ الكلّيِّ)، ثمّ، في قمّةِ تلك المراقي الأنطولوجيّةِ، يترسّخُ، عندَ كيركيجارد، المستوى الكينونيُّ الدّينيُّ الذي فيه يتمُّ تحقّقِ الذاتِ التامِّ وانفتاحها على الرّحيب، العميق، على المُطلقِ الذي هو أصلُها وجذرُها ومنتهاها.



    ليست، كما هو واضحٌ، هذه هي المناسبةُ الملائمةُ لتفصيلِ ما أجملناهُ أعلاهُ، بأقصى الإبتسارِ المُمْكِنِ، عن فكرِ سورين كيركيجارد الذي دعتهُ ثلّةٌ من الكاتبين عن تاريخِ الفلسفةِ، دونَ دقّةٍ وافيةٍ، باسم "أبَ الفلسفةِ الوجوديّةِ المعاصرة". لكنّني أتيتُ بذاكَ إلى فقط لأُبَيّنَ، بعموميّةٍ شديدةٍ، المُتعلَّقَ الذي كتب فيه "شيخ" سورين كيركيجارد كلامه السابق الذي اقتبسته وترجمته هنا، بقدرِ الممكن من الحساسيّة الحاليّةِ، كما سبقَ وقُلتْ.



    الشّاهدُ الذي يهمّنا، في حديثِ كيركيجارد السابق، هو أنّ المستوى الكينوني الجمالي (بتدرُّجاتِهِ الحسيّةِ المختلفة) لعيشِ الوجودِ يظلُّ أبداً، حينَ يتّخذُ بُعداً مطلقاً لمعاينة ومعاناة الوجود، من قِبلِ الذاتش المفردةِ، بُعداً ناقصاً في شأنِ إخبارهِ بمعنى الوجودِ (أو إضاءته له) ومقيّداً للذاتِ بواحديّتهِ التي هي، عندَ كيركيجارد، دون "واحديّتَيْ" المستويين الأخلاقيِّ والدّينيِّ لمعاينةِ ومعاناةِ الوجود.



    ولربطِ ذاكَ الشاهدِ بموضوعةِ حديثنا الحاليّةِ نقولُ إنّهُ يُومئُ، بعمقٍ، إلى أنّ أيَّ تأمّلٍ للوجودِ، للحياةِ، أو تفكّرٍ فيهِ، وفيها، يتّخِذ المنطلق الأساسيّ له بُعدَه، وبُعدها، الحسيّ، اليوميّ أو التّحتانيِّ الفيزيائيّ-الإجتماعيّ فحسب لا يُودِي بنفسهِ، عموماً و/أو في النّهايةِ، إلى أيِّ بصيرةِ نافذةٍ، بمعنىً عمقيٍّ وعموديٍّ، بخصوصِ عينِ ذاكَ الوجودِ، أو تلكَ الحياةِ، اللتين قد ’يُمارسُ‘ هو تأمّلهما.



    وأزيدُ على الرّبطَ إيّاهُ بقولي إنّ ما يُضاعفُ ذلكَ ويُعقّدُهُ، بل ويُفاقمُهُ، هو اتّكاءُ ذاكَ الموقف التّأمّليّ، أو التّفكُّرِيِّ (وأنا هنا أجتزئُ كلاماً من مقتبسِ كيركيجارد المترجم أعلاه)، على "مواهبٍ ذهنانيّةٍ مُرقّاةٍ، في ذاتِ متّخذها، بدرجةٍ غيرِ عاديّةٍ". ثمّ أُوغِلُ، بتداعٍ فكريٍّ ذي صلةٍ جليّةٍ بهذا لكلِّ ذي عينٍ "ثالثةٍ" بصيرةٍ، في حديثي (وحديثِ كيركيجارد) ذاكَ وأَصِلُهُ بخاطرتي القائلةِ، في جملةٍ واحدةٍ فحسبْ، إنّ تلكَ الوضعيّةَ كلّها، حين تكونُ ذاتٌ إنسانيّةٌ ما مقيّدةً بها بمقدارٍ وهيئةٍ أساسيّين، تتزايدُ في إشكاليّتها وسلبِها (بالمعنى الذي "تُبْخِسُ به أشياءَ النّاسِ ("الآخرين") الفكريّةِ دونَ مَحْصٍ شفّافْ) بمقدارِ تماديها في تصييرِ نفسِها رهينةً نفسيّةً وفكريّةً لأيِّ أيدولوجيا (أكرّر "أيِّ أيدولوجيا"!)، أو عقيدة، إنسانيّة تُرفِّعُ ذاتها لمستوى أيدولوجيّةٍ تفسيريّةٍ وتأويليّةٍ مطلقةٍ تنطوي، وإن تُنكرُ ذلكَ، في أُسّها الفلسفيِّ على أنّهُ، بمعنىً راديكاليٍّ وإقصائيٍّ أكيد، "ليس هناكَ حقيقةٌ أخرى غيرُ حقيقتِها"

    هاكَ (وهاكُمْ) بعضَ تفصيلٍ بيّنٍ لمعنى الكلامِ الأخيرِ أحسُّ أنّهُ واردٌ في هذه "اليوميّاتِ" القديمةِ، التي اختِرْتُ لها، أصلاً وبدقّةٍ، تسميةَ "طائفيّة العنصر والطائفيّة الفكريّة"، بيدَ أنّ ناشرها، في صحيفةِ "الجّريدةِ" السودانيّةِ (الجمعة 29/4/1988)، نشرها، ربّما بفعلِ خوفٍ مبَطّنٍ من كلمةِ "العنصرِ" هذه!) تحتَ اسمِ "القيدِ الأيدولوجيّ":-



    طائفيّةُ العنصرِ والطّائفيّةُ الفكريّة...



    إنّ علوّ قيم المادّةِ فوقَ قيمِ الرّوحِ طبع الحياةَ في السودانِ بطابعِ قبحٍ أخلاقيٍّ وجماليٍّ معاً إذ أنّ ولاة الأمر القائمين والمحتملين معاً قد تقيّد وعيهم إما بالقيدِ الطّائفيِّ، ونعني به طائفيّة العنصر والعلم الدينيّ الموروث وعبادة الشخصيات المقدّسة، وذلك قد ساقوا به رعاياهم منوّمينَ مغناطيسياً في الطريقش الذي هو ضدّهم وضدّ أنفسهم وتعميقها وتطويرها.



    أو قد يتقيّد وعي آخرين بقيدٍ أكثرَ "استنارةً"، فيما يبدو، من قيد طائفية العنصر ويبدو "أجلى" فهماً للأمورِ وأكثرَ سعةً في المواعينِ الفكريّةِ والشعوريّة وذلك هو ما أسمّيهِ القيد الأيدولوجي أو قيد الطائفيّة الفكريّةِ التي هي أخطرَ وأوغلَ أثراً في ذاتِ معتنقها من قيد طائفية العنصر إذ أنّ الأخيرَ قد يزولُ بوعيؤ ونظرة جديدة للعالم أو بتجديد نسيج الواعي الذاتي للشخص بالعالم بأشيائه وأحيائه فيما قد تتدعّم، على العكسِ من ذلكَ، الطائفيّة الفكريّة مستفيدةً من ذلك التقدّم ذاته في طريق الإستنارة والثقافة الذاتية فهذا (التّدعيم) يتحقق بحسب بحسب مجريات ردود فعل "معتادة" لميكانيزماتٍ نفسيّةٍ دفاعيّةٍ تقومُ على أساسِ وقايةِ النّظريّةِ من الحقائقِ التي تتكشّفُ للرائي عبرَ اختبارهِ الشخصيِّ الواقعيِّ، أي الدّاخليِّ، والذي يخصّ موقفه الذاتِيَّ هو، على التعيين، في الآنِ الذي حدثَ فيهِ. هنا تكونُ سلطةُ "سوءِ الطّويّةِ" المتقمصة صورة حسن الطويّة Faith of Bad Faith هي الميكانيزم النفسي الذي اختيرَ لـ(الدّفاعِ) عن الأيولوجية ضدّ "خصومها" الذين قد يكونوا تارّةً "مرتدّينَ وكفّاراَ" أو قد يكونوا "تحريفيين ومتواطئين (موضوعيّاً) مع الثقافة البرجوازية السائدة" فلا فرقَ ما دامت هناك عقدةٌ سايكولوجيّةٌ دفاعيّةٌ متشابهة في جوهرها وإن اختلفت في كثافة أو لطافة تجلّيها، في مدى اتّخاذها شكلاً فظّاً هجوميّاً ومدعوماً بنصوصٍ قًدُسيّةٍ قد انصهرت في روحِ الأمة المخاطبة، أو شكلاً مستنيراً (تقدّميّاً) يزعم لنفسه أنه الوحيد المسلّح بوعيٍ جديدٍ وبنظرةٍ جديدةٍ فليس هناكَ إلا حقيقةٌ واحدةٌ هي حقيقتُهُ!



    وهاتان الطائفيّتان، بعبارةٍ واحدةٍ ومليئةٍ، هما القوى الرّوحيّة (السَّلفِيّة) الأساسيّة التي تعملُ ضدّ الديمقراطيّةِ في نفوسِ معتنقيها (حتّى وإن بدوا أكثرَ الناس حماساً للديمقراطيّةِ وجعلوها علماً عليهم) فالحذر اليقظة الإستعداد ولنحرّر أنفسنا من سيادةِ أيِّ طائفيّةٍ، عنصريّةً كانت أو فكريّةً، حتى نكونُ ديمقراطيّيين حقّاً بالمعنى العميق الممتلئِ لهذه الكلمةِ الجّذريّةِ في ممارساتِ المعاشِ والمعادِ معاً:- ديمقراطيّة.



    أبريل 1984.

    إبراهيم جعفر.



    ******



    ألا ترى معي، يا أستاذَ قُصيَّ، من قبلٍ ومن بعدٍ، أنّ لكلّ ما تداعى به شخصيَ الفاني، آنفاً وفي جُملةِ هذا المقالِ، صلةٌ وثيقةٌ، وربّما تكونُ غير مباشرةٍ في غالبِ أو كثيرِ أحوالها، بسؤالِكَ الأساسيّ الذي جعلتهُ عنواناً لكتابتكَ تلكَ، ألا وهو (كما يقولُ قُدامى المعلّمين!) "ماذا نفعلُ بمشكلة اليسارِ السُّودانيْ؟!...؟!



    إبراهيم جعفر.

    الأربعاء، 24 يناير 2007.

    * ذلكم (أي "ماذا نفعل بمشكلة اليسار السوداني؟!") كان عنوان الإستعراض النقديّ والتّحليليّ الذي نشره- في هذا الشهر (يناير 2007) وفي معرضِ الردّ على مقالٍ للأستاذ حسن موسى بعنوان "ماذا نفعل بـ"مشكلة الشرق الأوسط؟!"...." [و قد عنى الأستاذ حسن موسى بذلك العنوان كتاب الأستاذ الشهيد محمود محمد طه الشهير المعنيّ بمشكلة الشرق الأوسط (1967)]- المفكّر والقاص السودانيّ الشّاب قصي همرور في "منبر الحوار الديمقراطيِّ" في موقع شبكة الإنترنيت السُّودانيِّ المنماز المسمّى "السُّودان للجميع":-



    www.sudaneseonline.com .
    _________________
                  

04-24-2008, 02:13 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وَلا صِرَاخُ العَالَمِ .. كُلِّهِ؟!

    الإثنين
    غداة إعدام الشهيد محمود ضحى السابع عشر من يناير عام 1985م، جاءني صديقي الموسيقار المغني أبو عركي البخيت مُشوَّش الشَّعر، مُجعَّد الثوب، مُسهَّد الرُّوح، متورِّم العينين، دامع الفؤاد، مُحتقباً عوده الفصيح، وشفافيَّته الثوريَّة، واختياراته الباذخة، ورهاناته التي لا تخيب قط، وجلس في ركن الغرفة يُسمِعني، كما (زرقاء اليمامة)، لحناً ظلَّ عاكفاً عليه طوال ليلة البارحة، وقد تجافى جنباه، في سبيل ذلك، عن مضجعهما، وجافت عيناه الكرى وجافاهما.
    ما كاد عركي يطلق لحنجرته العنان، ويتوغل في الاغنية ـ النبوءة، حتى أخذ الكون كله يستحيل، رويداً رويداً، إلى كرة من البللور، وعركي إلى كائن أثيري، وأنا نفسي إلى شبكة من الاعصاب العارية المشدودة، فقد اقشعرَّ بدني، وقفَّ شَعر رأسي، وتحشدت دمدمة العواصف في أذنيَّ، ووجيب (الجلجلة) تحت قدميَّ، وإذا بكلمات الفيتوري التي كان نضَّدها قبل ذلك بما يناهز العشرين سنة كأنْ لم تولد إلا في تلك اللحظة، بل كأنْ لم تولد إلا لأجل تلك اللحظة:
    ـ "أرضُكَ ظمأى/ والخريفُ شَحَّ هذا العامْ/ والمتسوِّلونَ يزحفون، والاقزامْ/ يُعَربدونَ في حُطام المَملكة/ يا ملِكاً مُتَوَّجاً على حُطامْ/ يا قائِداً بغَير مَعْرَكة/ هذا أوانُ المَعْرَكة"!
    ................................
    ................................
    والرصاصة التي شقت قلب القرشيِّ مساء الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1964م لم تكن سوى قشَّة التاريخ التي قصمت ظهر بعير الطغمة النوفمبريَّة في نهاية سنواتها الستِّ العجاف، فقد ظلَّ ظهرُ ذلك البعير ينوء، أصلاً، تحت الحمولة الثقيلة للانتهاكات الفادحة التي ما انفكت تترى تباعاً مذ أجهزت تلك الطغمة على الديموقراطيَّة عام 1958م، فما كان محتاجاً لأكثر من تلك القشَّة، كي ينقصم نهائياً في ملابسات تلك الصدفة الموضوعيَّة التاريخيَّة بالتحديد، مساء (الأربعاء الرائعة) .. لا قبلها ولا بعدها. كان الأمر محتوماً ومقضيَّاً، ومع ذلك لم يكن بمستطاع أيٍّ من كان أن يحدِّد، على وجه الدقة واليقين، متى أو كيف يمكن أن يقع (الانفجار الكوني)!
    بذات القدر يخطئ من يظنُّ أن ثمَّة سبباً واحداً أحداً لانتفاضة أبريل الباسلة عام 1985م، والتي تتوَّجت بأكاليل نصرها المؤزَّر ساعة دكَّت سواعد الجماهير العارية عرش النميري صباح السادس الأغر، فيروح يفتش عن ذلك (السبب) المعرَّف بالألف واللام، تارة في فضيحة ترحيل اليهود الفلاشا الداوية إلى إسرائيل لقاء حفنة من دولارات الصهيونيَّة العالميَّة، وتارة أخرى في فوضى السياسات الاقتصاديَّة الطفيليَّة التي دفعت بملايين الناس إلى بيوت النمل ينبشونها بحثاً عمَّا يسدُّ الرمق، وتارة ثالثة في فرض قوانين سبتمبر الشوهاء ومحاكماتها الجائرة التي طالت، تحت مسمَّى (العدالة الناجزة)، مناضلين سياسيين، وقادة نقابيين، بل ومواطنين عاديين، قطعوهم من خلاف، وألهبوا ظهورهم بالسياط، وصادروا بيوتهم وأموالهم، وزجُّوا بهم في غيابات السجون، وفوق كلِّ هذا سحقوا إنسانيَّتهم، وداسوا على كرامتهم، ومُرِّغوا سمعتهم في الرغام، إذ لم تكن الصحف وأجهزة الاعلام المسموع والمرئي تكفُّ عن استباحة أسمائهم صباح مساء!
    لكن يخطئ أيضاً مَن لا يبصر شيئاً مِن جدل السببيَّة بين حدث الانتفاضة المجيدة ذاك وبين كلِّ تلك الحادثات، وأكثرها مأساويَّة إقدام ذلك النظام المتهرِّئ على إعدام الشهيد محمود، حيث قدِّر، لا للسودان فحسب، بل وللعالم بأسره، أن يبصر، في ذلك الضحى الكئيب، مشهد الشيخ السبعيني يعتلي مشنقته بالخطو الواثق، وبالروح المطمئن، وبالنفس الراضية المرضيَّة، وبابتسامة الفداء الصريحة تكسو محياه الوضئ، لتخلد، مرَّة وللأبد، في الذاكرة الجمعيَّة، وفي وجدان المبدعين الثوريِّين، مع غيرها من وقائع جحد الحقوق، وإهدار الحريات، ونهب الاقوات، وقطع الارزاق، وإشاعة الفساد، وانتهاج القمع، والتنكيل بالمعارضين، والتشريد من الخدمة، والمساس باستقلال القضاء، ومفاقمة الحرب الأهلية، وتهميش تكوينات الاطراف القوميَّة، وما إلى ذلك من (أسباب) كانت تلهب وجيب (الجلجلة)، حتى بلغت مراكمتها الكميَّة حدَّاً أصبح فيه وقوع أيِّ سبب إضافي بمثابة القشَّة التي ستقصم ظهر البعير حتماً، فما أن وقع حتى زلزلت أرض السودان زلزالها، وأخرجت في أفق الفعل الثوريِّ أثفالها، لتلفظ النميري ورهطه في مزبلة التاريخ إلى الأبد. و(أبريل)، من قبل ومن بعد، شكل متميِّز من أشكال الممارسة الديموقراطيَّة، مثلها، في ذلك، مثل فعل (الانتخاب) و(الاستفتاء) سواء بسواء، إذ أتاحت لـ (الاغلبيَّة)، مثلما يتيح لها هذان، أن تعبِّر عن إرادتها على أتمِّ وجه من التحضُّر. سوى أنها لم تكن محفل (عقد قران) يبدأ في ساعة بعينها لينقضي في ميقات معلوم، فيملك الداعون إليه أن يحدِّدوا موعده، أو يؤجلوه، أو يلغوه بالمرَّة! إنها أقصى فعل العبقريَّة الشعبيَّة، ومنتهى حراكاتها (العفويَّة) التي لا تجتمع على باطل، أبداً، إنتصرت أم انهزمت! ولقد أثبتت هذه العبقريَّة مضاء سدادها مرَّتين، خلال ما لا يربو كثيراً على العقدين، وأمام أعيننا هذي التي سيأكلها الدود!
    و(أبريل)، في الحقيقة، لم تحدث في (أبريل)، وإنما ظلت تحدث دائماً، على مدى سنوات (مايو) الستة عشر! فعلت ذلك بما يكفي ويزيد لتنبيه كلِّ من ألقى السمع وهو شهيد، بل ولإيقاظ كلِّ سادر في غِيِّه، لو كان النميري يسمع أو يعقل، ولتنبيه كلِّ من يحسب نفسه، في غفلة الوهم، استثناءً لا يُقاس عليه، ولا هو ينقاس على سواه!
    ................................
    ................................
    كانت (أبريل)، إذن، (حتمٌ)، رغم أنف شانئي الأيديولوجيا الأيديولوجيين! و(الحتمُ) إنما يُدرَك بالقراءة المستبصرة لمنطق التاريخ وجدله الراجح، لا بطيلسانات (السياسة السياسويَّة)، بالمصطلح الفرنسي، أو حسابات ميتافيزيقياها الخائبة التي لا تتأسَّس إلا على (قراءة الفناجيل) الفكريَّة و(ضرب الرمل) السياسي! وأوَّل مُدرَك من (حتم أبريل) أن حراك التغيير لا يُتعمَّل ولا يُصطنع من العدم. ولأن ذلك كذلك، فإن غاية عمل حُداته تعهُّد الوعي العام بالسقيا في صبر، ومواصلة رفده بعناصر استنارته في دأب، وهو ما يمكن أن يقع في جيل، جيلين، أو أكثر، فضلاً عن رصد أمزجة الجماهير بما يفوق مقياس (رختر) دِّقة وصرامة، في طقس إصغاء عميق لوجيب (الجلجلة) حتى لا ينحرف سهم التغيير عن الجادَّة، أو يميل، والناس في ضلال أهل بيزنطة يعمهون، عن الهدف، ليمسي المآل وبالاً، وتنقلب النعمة، بالنتيجة، إلى نقمة، فما أكثر ما انقلبت آمال التغيير التي أسئ قيادها، أو تركت لتنمو، كالسلعلع، وحدها في حقل (العفويَّة)، إلى هرج لا حدَّ له في الجغرافيا، ومآس لا عدَّ لها في التاريخ!
    أما الحكام ذوو الحصافة، مِمَّن حباهم الله نعمة البصر النافذ والبصيرة الحديدة، ولم يكن النميري ورهطه مِمَّن أوتوا من تلك الحظوظ شيئاً، فإن غاية ما ينبغي أن يضعوه نصب أعينهم من عِبَر التاريخ، ودروسه الكبيرة، هو تعظيم شعيرة الانتباه إلى ما يمكن أن تفضي إليه مراكمة الوجيب المتواتر لهذه (الجلجلة) بالذات، وإن اتسمت بالبطء، فيحرصون، الحرص كله، على اتقائها ولو بـ (شقِّ تمرة) من (العدل) يجعلونها في أساس (مُلكهم) .. وكفى بذلك رشداً سلطانياً!
    ................................
    ................................
    اللهم فاشهد ..
    وسلام على شهداء (أبريل) في الخالدين.

    الثلاثاء
    عدت من سفرة إلى خارج البلاد لأجد على مكتبي دعوة كريمة من المهندس أبو القاسم احمد، رئيس مفوَّضيَّة تعويضات دارفور التابعة للسلطة الانتقاليَّة الاقليميَّة، مرفقة بالقرارات الجمهوريَّة الصادرة بإنشاء المفوَّضيَّة، وبعض مستندات صندوق التعويضات، وذلك للمشاورة وإبداء الرأي حول مسائل بدت لي في غاية الأهميَّة والجديَّة، مثل المنهج الفكري والعلمي للتعويضات، والمبدأ الحاكم لتطبيقاتها فردياً وجماعياً، ودعم الصناعات التقليديَّة، وتشجيع الأسر المنتجة، وإلحاق المتضرِّرين بالاقتصاد القومي، والارتقاء بالقدرات الاقتصاديَّة للكليات الاجتماعيَّة، خصوصاً المرأة، فضلاً عن المعالجات البيئيَّة، والتعديلات المطلوب إجراؤها على القرار الجمهوري لفضِّ التداخل في الاختصاصات بين مجلس التعويضات وصندوقها ولجانها، وذلك لضمان حقوق المواطنين.
    رغم رأيي السالب في اتفاق أبوجا، والجراحة القيصريَّة المؤلمة التي أخرج بها ناقص الوزن، مشوَّهاً، مِمَّا أحوجه، منذ صرخته الأولى، إلى حاضنة طبيَّة خاصَّة تنقذه، بمعجزة، من موته المحقق، إلا أنني استشعرت، مع ذلك، واجب المشاركة، ولو بسهم متواضع في أيِّ مجهود يُبذل ليجعل لهذه (المعجزة) سبيلاً، وقلت في نفسي: "سيد الرايحة يفتح خشم البقرة"! هكذا، برغم تكاثر المشغوليات، وجلها (طواحين) تجعجع، لكن قلما يُرى لها (طحيناً)، ألفيتني أشرع في كتابة بعض الأفكار بنيَّة أن أبعث بها إلى المهندس أبو القاسم، مركزاً بالأساس على قضيَّة الارتباط بين (التعويضات) من جهة، والتي ينبغي ألا يقع تقديرها جزافاً كمحض عطيَّة مزيِّن، وبين (العدالة الانتقاليَّة) من جهة أخرى، والتي لا مفرَّ من أن تشكل أساس هذه (التعويضات)، بل وأساس (المصالحة الوطنيَّة)، من جهة ثالثة، والتي لا مستقبل بدونها لمتلازمتي (السلام) و(التحوٌّل الديموقراطي) من جهة رابعة.
    على أنه ما كادت تنقضي بضعة أيام حتى أصمَّ الآذان الدَّوىُّ الهائل لفضيحة حسابات السلطة الانتقاليَّة الإقليميَّة لدارفور، حيث أورد تقرير المراجعة الداخليَّة، بالجنيه القديم، أن (نثريَّة) رئيس السلطة بلغت 951,400,000 جنيه، و(صيانة) منزله 392,000,000 جنيه، و(تأسيس) مقرِّ السلطة بالخرطوم 559,244,000 جنيه، و(تكملة) صيانة بقيَّة مقرَّاتها 396,317,000 جنيه، في حين لم يخصَّص لـ (دعم معسكرات النازحين) كلها سوى 4,250,000 جنيه، ولـ (دعم النسيج الاجتماعي)، وما أدراك ما هو، إلا ما جملته 3,500,000 جنيه، ولـ (تبرعات) مني أركو، رئيس السلطة، ما لم يزد، زاده الله كرماً، عن 31,500,000 جنيه، ولـ (صيانة) جميع (مدارس) الإقليم ما لم يتجاوز 345,100,000 جنيه فقط! من جهة أخرى حصر التقرير جملة الصُرف على (الفصل الأوَّل/المرتبات) بأكثر من 11 مليار و720 مليون جنيه، وعلى (الفصل الثاني/التسيير) بمبلغ 7 مليارات و69 مليون جنيه، وعلى (الحركات الموقعة) بمبلغ مليار 280 مليون جنيه، إضافة إلى الصرف على (فعاليات/ تقرأ: إحتفالات تدشين السلطة) بمبلغ 265,665,000 جنيه، وأرقام أخرى كثيرة و(مفيدة) لمن أراد الوقوف بتثبت أدق على حقيقة ما جرى (الأيام، 24/3/0.
    وعلى حين كشف التقرير عن عمليات سحب على المكشوف، وعدم تعامل عن طريق الخزينة، وغيرها من التجاوزات لقانون الاجراءات الماليَّة والمحاسبيَّة، (إعترفت) السلطة، رسمياً، بـ (سوء إدارة) بعض مؤسَّساتها، و(تبديدها) للمال العام، دون أن تتخذ من الاجراءات ما يكفل وضع الأمر بين يدي القضاء (!) وتقدَّم أمينها العام باستقالته، إثر تعرُّضه لضغوط واستفزازات من مجموعات داخل السلطة نفسها (!) كما قرَّرت كتلتها البرلمانيَّة الدخول في اجتماع موسَّع مع أمانتها العامَّة ومفوَّضياتها للتحقيق في (تبديد) هذا المال وعدم توجيهه لمشاريع (التنمية) في دارفور (راجع: المصدر نفسه).
    عند هذا الحد باخت في نفسي حماستي الأولى لتلبية دعوة مفوَّضيَّة تعويضات دارفور، فأغلقت جهاز الكمبيوتر، وصرفت النظر عن الأمر برمته، إذ عن أيِّ (حقوق مواطنين) سيحدِّثنا المهندس أبو القاسم احمد، وعن أيَّة (عدالة انتقاليَّة) سنحدِّثه، و .. بلا خشُم بقرة بلا نيلة!

    الأربعاء
    يعلم الغاشي والماشي أن (الانتخابات) شأن يتصل، وثيقاً، بصميم الخيار السيادي لـ (الدولة)، وكذا كلُّ ما يتصل بها من عمليات، بما في ذلك (التعداد) وما يلزمه من آليات تشمل أجهزته ولجانه.
    ويعلم الغاشي والماشي أيضاً أن (التعداد)، الذي تعتزم (الدولة) السودانيَّة إجراءه نهاية الأسبوع القادم، شامل، أو هكذا ينبغي، لكلِّ الإقليم الذي يُفترض أن تنبسط عليه سيادتها، دونما استثناء لأيَّة بقعة، مهما تناءت أو صغرت.
    لذلك كله لم أستطع أن أفهم، على وجه الدقة، ما رمى إليه د. ياسين الحاج عابدين، مدير الجهاز المركزي للإحصاء، حين اعتبر أن (حلايب) التي تعيق السلطات المصريَّة عمليَّة التعداد فيها ".. هي قضيَّة دولة ولا علاقة للتعداد بها!"، أو كما قال (السوداني، 25/3/0.
    لا أتصوَّر، بالطبع، أن د. عابدين قصد، فعلاً، إلى القول بأن (التعداد) ليس من ضمن أعمال (الدولة)، فالجهاز نفسه الذي يتربَّع هو على سدته (شغل دولة)، أو، على حدِّ تعبيره، (قضيَّة دولة). لذا، ولأنَّ (الشينة منكورة) دائماً، فأغلب ظنِّي أن الرجل أراد أن يبعد عن أطراف ثوبه (شينة حلايب) التي أثارتها عمليَّة (التعداد) مجدَّداً، ليرمي بها جهات أخرى في (الدولة) لم يشأ، لسبب أو لآخر، أن يعيِّنها؛ ولو كنت مخطئاً .. فليصوِّبني!

    الخميس
    مع كلِّ ما ظلت (الانقاذ) تبدي من فصاحة في شجب (استكبار إسرائيل) على فلسطينيي القطاع، إلا أن في فمها ماء كثير، هذه الايام، إزاء تنكيل (الصينيين) بشعب (التبت)، مثلما كان هذا الماء دائماً في فمها إزاء ما ظلَّ (الروس) يفعلون بأهل (الشيشان)! ولات ساعة فارق بين (بوذيَّة) الأوائل وبين أن تكون في قيادة الأخيرين حركة (إسلامويَّة)، فالمحكُّ، حتف أنف الشعارات الطنانة، ليس أصلاً في نصرة (الاسلام) أو مناهضة (الاستكبار) على الضعفاء، إنما في استراتيجيَّة (تقديم السبت) انتظاراً لـ (نوال الأحد)، وخطة (شيِّلني واشيِّلك) التي يقتسمها، في مستوى العلاقات الدوليَّة، نظاما (الصين) و(روسيا) مع نظام (الانقاذ) بشأن عمايله هو نفسه في أهل (دارفور)! و .. حقاً إذا عُرف السبب بطل العجب!

    الجمعة
    من دارج قول الصحافة الثقافيَّة والفنيَّة في بلادنا صفة "العائد إلى أرض الوطن بعد غياب طويل" تطلقها على (كلِّ) مبدع ألجأته أوضاع القمع الظلاميَّة، أوَّل أمرها، مثلما ألجأت غيره، إلى مشارق الدياسبورا ومغاربها، لسنوات طوال، ثم ما لبث، حال وقوع الانفراج الدستوري الجزئي في السودان، منذ حين، أن صار يزور الأهل والأحباب في (الوطن الأصلي) مِن وقت لآخر.
    خلال تلك الفترة اكتسب نفرٌ من هؤلاء المبدعين (مواطنيَّة) أوطان جديدة، حيث لم يخلُ الأمر، في البداية، من طغيان (النزعة العمليَّة) التي غالباً ما تلوِّن خيار المقموع! لكن، مع الزَّمن، ومع التبدُّل النسبي في الأوضاع، جاءت لحظة الاختيار الحقيقي. غير أن بعضاً من هذا النفر لم يلتمسوا في أنفسهم رغبة صميمة في إنهاء (هجرتهم) المديدة، بل واصلوا تمسُّكهم بحالة (مواطنيَّتهم) الأخرى، مِمَّا رتب لهم عليها حقوقاً مستحقة، ولها عليهم واجبات لا فكاك منها. و(المواطنيَّة) حين تكتسب بمثل هذه النوايا إزاء إخوة جدد، وتاريخ جديد، وجغرافيا جديدة، ولغة جديدة، وثقافة جديدة، وبالجملة تركيبة نفسيَّة جديدة، هي إحساس نبيل بالانتماء ينبغي أن يُفسح له كي ينمو، في الدواخل، ويزهر، فلا تعود محض (رخصة) تمكن حاملها من (الإقامة الآمنة) في هذا البلد أو ذاك، أو (جواز سفر) يتيح له حريَّة التجوال هنا أو هناك، وإلا لأصبح السعي المحموم، بالإظفر والناب، لاكتسابها أو الاحتفاظ بها، حال تغيُّر الاحوال بما يتيح هامشاً معقولاً لطلاقة الاختيار، مجرَّد (انتهازيَّة) قميئة ما مِن أحد يحب لنفسه أن يُرمي بها، دَعْ أن يكون هذا الأحد مبدعاً!
    وهكذ، لو وقع ذلك الوصف الصحفي، كما قد يبدو بالفعل للوهلة الأولى، في مقام الرَّصد (البرئ) لسيرة غيريَّة، لأمكن هضمه شيئاً. سوى أنه ما ينفكُّ يشفُّ، من خلف غلالة (براءته) المزعومة هذه، عن ضرب من التواطؤ غير المفصح عنه على أمرين مختلفين، لكن باتجاهين متداخلين: فهو، بالاتجاه الأوَّل، إغواء مجَّاني لهؤلاء المبدعين بكون مجرَّد "غيابهم الطويل" هذا نفسه هو، في حدِّ ذاته، (قيمة مضافة) يجدر أن يُستقبل بها إبداعهم في (الوطن الأصلي)؛ وذاك ضلال نقدي بيِّن. ثمَّ هو، بالاتجاه الآخر، إلحاحٌ مُمضٌّ على تقرير انتمائهم، فقط، إلى السودان، أوَّلاً وثانياً وعاشراً وأخيراً، فلا يجوز أن يراودهم أوهى إحساس، مجرَّد إحساس، بما عدا ذلك؛ وهذا تشويش أخلاقي بالغ القسوة على سلاسة اندغامهم المطلوب في (أوطان جديدة) جُلُّ بُنات ثقافاتها (مهاجرون) مثلهم!
    ولعلَّ مِن نافلة القول أن نذكر بأننا إنما نتحدَّث عن (مبدعين/مواطنين) كاملي المواطنة، في تلك المهاجر، بقضِّ فضاءات تجربتهم الابداعيَّة والانسانيَّة المغايرة وقضيضها، لا محض رعايا أو (لاجئين) فحسب. ذلك أدعى لأن نرحمهم من أنانيَّة "حبِّنا القاسي" هذا، والذي لا قِبَلَ لهم بضغطه النفسي والفكري، فليسوا أوَّل ولا آخر من خاض، في هذه الحياة الدنيا، مثل هذا المخاض الرهيب!

    السبت
    إستوقفتني بإلحاح عبارة أطلقها د. نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهوريَّة ونائب رئيس الحزب الحاكم للشئون السياسيَّة والتنظيميَّة، في معرض حديثه عن الوضع في دارفور، من خلال الندوة التي عقدتها قناة المستقلة (المستقلة؟!) بالخرطوم في منتصف مارس المنصرم، قال: "لا أرى حرجاً في أن تقاتل الحكومة من يقاتلها، ولن يمنعنا (من ذلك) لا مجلس الأمن .. ولا صراخ العالم كله" (السوداني، 14/3/0.
    أولاً بالتبادي لا يملك أحد أن يلوم الرجل، أو يسأله كم ثلث الثلاثة، في باب التعقيب عليه. فمثل تقريره هذا لا يحتاج، أصلاً، لتصريح مخصوص، كونه يندرج، بطبيعة الحال، ضمن تحصيل الحاصل، وفي عداد المعلوم من (السلطة) بالضرورة، إذ ما من عاقل يمكن أن يطلب من (حكومة) ما أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء من يرفع السلاح في وجهها! بل إن منطق (رفع السلاح) نفسه ينطوي على إقرار ضمني ناتج عن وعي قبْلي (بتسكين الباء) لدى رافعيه ذاتهم بأن (الحكومة) إنما تحرسها، بالمقابل، (قوَّة مسلحة) لا بُدَّ من وضعها في الحسبان، فلا مناص من أن يعدوا لها ما يستطيعون من عُدَّة تكافئها، ساعة الدواس، إن لم تجاوزها، أو فلينفضوا أيديهم عن الأمر برمَّته. أما الحكومة فليس أمامها غير واحد من سبيلين: فإما أن تسعى في فضِّ نزاعهم معها سياسياً، أو تهئ نفسها لحربهم بما لا يعلم إلا الله مداه أو نتيجته!
    ورغم أن الخوض في هذا الشأن ليس من مطلوبات كلمتنا هذي، إلا أن التاريخ، مع ذلك، ومنذ انتفاضة العبيد المصارعين، بقيادة سبارتاكوس، ضدَّ الامبراطوريَّة الرومانيَّة عام 73 ق.م، مروراً بثورة الزنج، تحت قيادة على بن محمد، ضدَّ الدولة العباسيَّة، أواسط القرن الثالث الهجري، وحتى حركات الهامش المسلحة في جنوب السودان وشرقه وأخيراً في دارفور، ظلَّ يرشد الحاكمين، وبالأخص الذين يستمعون منهم دروس التاريخ فيتبعون أحسنها، إلى أن مثل هذه الحروب، بصرف النظر عن نتائجها، كفيلة باستنزاف مقدرات السلطة نفسها، دَع البلاد، وتبديد طاقاتها في ما لا طائل من ورائه. سوى أن ذلك كله، كما قلنا، شأن آخر!
    الشاهد أنه لا القوى الوطنيَّة، ولا الأمم المتحدة، ولا "صراخ العالم كله"، على حدِّ عبارة د. نافع، بمستطيع أن (يمنع) الحكومة، إن هي أرادت أن تسفه هذه الدروس فلا تعتبر بعبرها، من أن تمضي في مواجهة حركات دارفور المسلحة، بالقوَّة المسلحة، إلى يوم يبعثون، فليست تلك هي المشكلة في عبارة الدكتور. المشكلة أن هذه العبارة، وعلى حين تشي، من ناحية، بكونها تلوِّح بحُجَّة رفض الحكومة لـ "صراخ العالم" ضد (حقها) في إخماد أيِّ تمرُّد مسلح ضدَّها بالقوَّة المسلحة، إنما تحاول، من الناحية الأخرى، طمس حقيقة أن هذا (الصراخ) لا يستهدف، في واقع الأمر، ذلك (الحقَّ) المكفول في كلِّ الأحوال، بل كان، وما يزال، منصبَّاً، بكليَّاته، على الانتهاكات البشعة للقانون الانساني الدولي، والتي ما زال يروح ضحيَّتها ملايين (المدنيين) العُزَّل وسط حرائق النزاع المسلح في الاقليم.
    ولعلَّ أحدث وقائع هذا (الصراخ) ما ورد مؤخراً، في تقرير مشترك صادر في جنيف بتاريخ 20/3/08 عن المفوضيَّة العليا لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وقوَّة حفظ السلام التابعة للمنظمة الدوليَّة والاتحاد الأفريقي، من وصف لأعمال العنف حيال المدنيين في قرى دارفور خلال الشهرين الماضيين، والتي حمَّل التقرير مسئوليَّتها للجانب الحكومي، بأنها تندرج في إطار "استراتيجيَّة عسكريَّة متعمَّدة"، مِمَّا أسفر عن سقوط 115 قتيلاً على الأقل، واضطرار أكثر من 30,000 شخص للنزوح، فضلاً عن تدمير ممتلكات المدنيين، خصوصاً الأشياء التي لا غنى عنها لضمان بقاء السكان، بالاضافة إلى تعرُّض مساكن، ومدارس، ومراكز طبيَّة، ومنشآت مياه، ومحلات تجاريَّة، ومخازن مواد غذائيَّة، ومكاتب منظمات غير حكوميَّة، إلى نهب، وتخريب، وإحراق في بعض الاحيان، بينما الناس بداخلها. كما أشار التقرير إلى عمليات اغتصاب ارتكبت، وإلى قصف أوقع عدداً غير محدَّد من القتلى في صفوف المدنيين، وإلى دعم جوي للهجمات العسكريَّة، وإسناد من مليشيات على الأحصنة والجمال، مِمَّا يشكل انتهاكاً للقانون الانساني الدولي وحقوق الانسان (المصدر نفسه).
    والآن، وفي ضوء التسليم الكامل بـ (حقِّ) الحكومة في أن "تقاتل مَن يقاتلها" مِن محاربين مسلحين ينازعونها السلطة، فإن السؤال الذي لا مفرَّ لمساعد رئيس الجمهوريَّة ونائب رئيس الحزب الحاكم من الاجابة عليه بوضوح، على خلفيَّة عبارته سالفة الذكر، هو: هل يا ترى تعتبر الأفعال المذكورة لازمة للحكومة، بالضرورة، أو مِمَّا يسمح لها به القانون أو الدين أو الأخلاق، وبدونها لا تستطيع أن "تقاتل مَن يقاتلها"، وبالتالي يحقُّ لسيادته "ألا يرى حرجاً" في ارتكابها، فلا يجوز أن يمنعهم (من ذلك) لا مجلس الأمن ولا "صراخ العالم كله"؟!
    ما لا تريد الحكومة أن تفهمه هو أن (حماية المدنيين) بآليَّة القانون الدولي لحقوق الانسان في أزمنة السلم، وبآليَّة القانون الانساني الدولي في أزمنة النزاعات المسلحة، أصبحت تشكل عنصراً أساسياً في خط التطوُّر الرئيس للقانون الدولي المعاصر، حيث ارتقت قواعده، عبر جدليات القانون والسياسة، من محض الاقتصار على صون (حقوق الدولة القوميَّة)، كما كان الأمر في السابق وفق مفهوم (السيادة) القديم الذي أسَّست له اتفاقيَّة وستفاليا لسنة 1648م، إلى الاهتمام بصون (حقوق الأفراد والشعوب)، خصوصاً أثناء النزاعات المسلحة. ومن ثمَّ تكفُّ علاقة الدولة بمواطنيها عن أن تكون محض (شأن داخلي) في ذات اللحظة التي يتسبب فيها سلوكها نحوهم في كوارث إنسانيَّة، خصوصاً حين تمتدُّ آثار هذه الكوارث إلى دول أخرى. لذا كان لا بُدَّ لقواعد القانون الدولي الحديثة مِن أن تقضي بالتدخل الدولي لأسباب إنسانيَّة، فى عصر تشبَّع بعالميَّة مبادئ حقوق الانسان، وبالمعايير الدوليَّة للديموقراطيَّة، مِمَّا يوجب على الدولة مراعاة التزامات محدَّدة تجاه مواطنيها، في أوقات السلم كما في أوقات الحرب، فإن هي أخفقت في الوفاء بها من تلقاء نفسها، تحتم على المجتمع الدولى إجبارها عليها.
    ولم تعُد مراقبة تطبيقات هذه القواعد الإنسانيَّة مقصورة، كما في السابق، على المؤسَّسات الدوليَّة الرسميَّة، إذ أن منطق التطوُّر نفسه فرَضَ أن تصبح المجتمعات المدنيَّة أكثر فاعليَّة في هذا السياق، وأن تشكل، كما نرى الآن، اصطفافاً شعبياً عالمياً ضاغطاً ينتظم فيه ملايين الناس من شتى الأقطار، وما لا حصر له من التنظيمات السياسيَّة، والمنظمات الطوعيَّة، والمراكز البحثيَّة، والجمعيات العلميَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، والمؤسَّسات الصحفيَّة والاعلاميَّة المستقلة، من مختلف المدارس والاتجاهات الفكريَّة الانسانيَّة والديموقراطيَّة.
    ويجدر أن نفتح هامشاً هنا لنؤكد أن تلك، في حدِّ ذاتها، وفي وجه مهم من وجوهها، ظاهرة إيجابيَّة تدفع بعولمة إنسانيَّة بديلَة تزيد من معدَّلات التقارب بين الشعوب، في مجابهة العولمة الرأسماليَّة التي لا همَّ لها سوى زيادة معدَّلات النهب لموارد البلدان الضعيفة، و(القولبة) لثقافاتها على النمط الغربي.
    ومع ذلك يجدر، أيضاً، ألا تكون ثمَّة أوهام حول أن اختلال ميزان القوة الدولي الراهن قد يغري بالالتفاف حول هذه الدلالات، وجعلها ذريعة لتمرير أجندات خفيَّة أو معلنة لهجمنة دوليَّة تتفاوت، خشونة ونعومة، بحسب الحال. على أن تغيير هذا الواقع لا يكون بإنكار (المبدأ) نفسه، بل بتعديل هذا الميزان المختل. ولأن هذا ميدان صراع سياسي دولي، فإن المناضلين الديموقراطيين، مِن كلِّ الجنسيات، لا يكتفون، فحسب، ببذل جهدهم من أجل أن تدرك شعوبهم مفاهيم هذا الصراع الأساسيَّة، أو أن تتقن التمييز، فقط، بين صالح ديناميكياته وطالحها، بل وأن تنهض بدورها المقدَّر فيه.
    وهكذا، فليس من الحكمة في شئ، حين يعلو "صراخ العالم"، أن تشيح الحكومة عنه بوجهها، لتسُدَّ أذناً بـ (طينة) وأخرى بـ (عجينة)!

    الأحد
    هل يشرِّفك، مقدار قلامة ظفر، أن تنتمي إلى مؤسَّسة يعمل بها 535 موظفاً، 3 منهم قضوا أحكاماً بالسجن في جرائم اغتصاب، و7 أوقفوا في جرائم احتيال، و19 حوكموا في جرائم شيكات، و29 اتهموا بإساءة معاملة الزوجات، و14 في قضايا مخدرات، و8 قبض عليهم متلبسين بجرائم سرقات، و84 اعتقلوا العام الماضي بسبب قيادة سياراتهم وهم في حالة سكر، و71 ممنوعون من الحصول على بطاقات ائتمانيَّة بسبب سوء سجلاتهم المصرفيَّة، و117 تسبب كلٌّ منهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إفلاس شركتين على الأقل، بينما لا يزال 21 ينتظرون المحاكمة بتهم مختلفة؟!
    قبل أن تجيب على هذا السؤال، نطرح عليك سؤالاً آخر: هل ستدهش إذا علمت أن هذه المؤسَّسة هي (الكنغرس الأمريكي) ذاته، وأن هؤلاء (البلطجيَّة) هم أعضاؤه الذين يشرِّعون، سنوياً، مئات القوانين الجديدة لإلزام (غيرهم) في الولايات المتحدة جادَّة السلوك السوي؟!

    روزنامة الاستاذ كمال الجزولي
    7 - 4- 2008
    صحيفة أجراس الحرية
                  

04-24-2008, 02:14 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    فى لقاء له مع صحيفة "أجراس الحرية" اليوم 17 أبريل 2008 يقول السيد عبد العزيز الحلو: "ومن خلال تنظيم الشباب بدأ نشاطي السياسي مع العلم بأنني لم ألتحق بأى حزب سياسي موجود بالساحة السياسية السودانية، وللحقيقة كنت أتعاطف مع الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم، وتأثرنا كثيرا بأفكار الأستاذ محمود محمد طه باعتبار أن تلك الأفكار تحمل الكثير من معاني التحرر والإستنارة".. ص 5
    _________________
    صحيفة أجراس الحرية
                  

04-24-2008, 04:07 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محمد ابو القاسم حاج محمد
    شبهات التداخل ما بين العالمية الاسلامية الثانية والرسالة الثانية من الاسلام

    هناك دائماً متشابهات لا تضع الامور في ميزانها المحكم , فكما فهم البعض مفهوم ( الجمع بين القرائتين ) فهما تراثياً ورده الى مصادر ظنية مثل " ما فرطنا في الكتاب من شئ " او العلاقة بين الكون المسطور ( القرأن ) والكون المنثور ( الوجود ) غافلاً ارتباط الجمع بين القراءتين ( بجدلية الغيب والانسان والطبيعة ) وفق نهج تحليلي يأخذ بجدل الانسان وجدل الطبيعة بطريقة معرفية مستوعبة ومتجاوزة للمنطقية الوضعية الحديثة بكل افاقها النسبية والاحتمالية من جهة واللاهوت من جهة اخرى .
    أتى بعضهم برد محكم العالمية الاسلامية الثانية وجدليتها الى متشابه ( الرسالة الثانية في الاسلام ) لصاحبها ( محمود محمد طه ) علماً اني قد استبقت الامر في الطبعة الاولى حين قلت في صفحة 153 و 154 :
    ( الايمان المحمدي هو مقدمة البشرية لتعرف طريقها الى الله في المادة وفي الحركة دون حلولية ودون ما ورائية ودون ارتداد الى مبدأ المادة الناقصة . انها من اعظم المراحل واغناها في التاريخ الايماني للبشرية وقد جاء افتتاحها بعبارة ( اقرأ ) وانتهت الى الجمع بين القراءتين وهذا هو جوهر الحقيقة المحمدية الكونية .
    وهي حقيقة تورث والارث عن الاصل المتلقي اي عن محمد والذي يملك حق التوريث هو الله لمن يصطفي من عباده . ولها مواصفات شتى على انواع ثلاثة والثاني وسط بين اثنين أولهما ظالم لنفسه واخرهما سابق بالخيرات ( والذي اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير * ثم اورثنا الكتاب الذي أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بأذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) ( سورة فاطر : الايات 31 -32 ) . وارث الحقيقة يخرج معجوناً في لحمة العصر . فعلاقة من يلي محمداً بالكتاب لا تكون علاقة نبوة ولا علاقة تجديد ولا علاقة رسالة ثانية ولا ثالثة وانما علاقة توريث يتفاعل فيها وحي الكتاب مع شخصية العصر حافظاً لاستمرارية الحكمة والمنهج الالهي " .
    ان من يفهم حكمة انقضاء مرحلة النبوات سيفهم تماماً ان الله قد جعل ارادته في اعادة اكتشاف القرأن وفهمه ضمن كل مرحلة من مراحل التطور البشري بما ينسجم والخصائص الفكرية لشخصية المرحلة الحضارية . وقد ضمن القرأن وحي كل مرحلة كنور تتضح به حكمة المنهج الالهي وتطبيقاته الكونية " .
    فالذين ظنوا ان ( رسالة ثانية ) تتنزل عليهم ليسوا ضمن منهجنا , ولسنا من انصار الاتجاهات الاشراقية ولو كانت معاصرة او اهتمت بتحديث المفاهيم الاسلامية وعصرنتها لتتكيف مع العقل الليبرالي وبطريقة انتقائية تعتمد على ( التأويل الباطني ) .
    قد قسم صاحب الرسالة الثانية القرأن الى فروع وأصول حيث جعل من الفروع أساساً لما سبق , ومن الاصول اساساً لرسالته هو الثانية , وكما كتب :
    ( الاسلام رسالتان : الفهم الجديد للاسلام اللي بتقدموا - الدعوة الاسلامية الجديدة - وهو انوا الاسلام فيهو رسالتين , رسالة اولى بتقوم على فروع القرأن , ودي مرحلية في كثير من صورها , وهذه الصورة ما اصبحت مناسبة لحاجةالناس اليوم , ورسالة ثانية بتقوم على اصول القرأن , ودي سنة النبي ( ص ) وعاشها هو وحده وما عاشتاه الامة المؤمنة في الوقت ذاك لانها اكبر من حاجتها , ونحن الجمهوريين بنقول انها مدخرة للناس اليوم ) - راجع كتاب محمود محمد طه في ( أصول القرأن ص2 و3 ) .
    بتحليل هذه الفقرة نجد ان صاحب الرسالة الثانية يطرح نفسه كباعث لآصول القرأن وليس فروعه في حين اننا نرفض جذرياً مفهوم تجزئة الفهم القرأني بين أصول وفروع , فالقرأن بالنسبة لنا كتاب منهجي يتمتع بخصائص الوحدة العضوية التي قضت باعادة ترتيبه خلافاً لترتيبه السابق استناداً الى أسباب النزول ,ولتاكيد هذه الوحدة العضوية للكتاب التي تعطي منهجيته لم نتعامل مع القرأن بالتمييز بين المكي والمدني . ونصوصنا المفارقة لصاحب الرسالة الثانية والنقيضة لها ايضاً واضحة جداً ,فقد قلنا في كتابنا العالمية الاسلامية الثانية ص 168 ما نصه :
    " ليس ثمة جديد يضاف ولكنه فهم للحديث المستجد في اطار الوعي المنهجي بالقديم المتجدد , ونتوقف هنا لما نسميه بوعي المنهج متسائلين لماذا بقيت كتب التفسير دون شرح القرأن شرحاً منهجياً متكاملاً ؟ ولماذا لم نرث هذه المدرسة بتمامها عن السلف الصالح ؟ ليس ثمة تقصير ولا لوم ولا عتاب .
    لو فصلنا مجموعة من سير خاصة المتلقين من الصحابة لأمكننا ان نكشف في حياتهم اثراً كبيراً طبعها به فهمهم للمنهج الالهي في الكون كله . ويلحق بهم في هذا المجال اخرون من رجال هذه الامة غير ان تحليل السيرة وصولاً الى الكشف عن كوامن الشخصية امر لم يعرفه العرب من قبل وهي من الامور المستحدثة في الذهنية العربية من خلال القصة والنقد . اما القرأن فانه يشتمل بطريقة فريدة على هذا المبنى من الفن الحضاري ولكن بأسلوب خاص ومتميز في التحليل ضمن السرد ( وراودته التي هو في بيتها ) بما يعني تحليلاً للحالة التي تمت ضمنها المراودة . فالامر ليس محض رغبة جنسية كما فهمه البعض .
    اذن منهجيتنا هي منهجية القرأن التي نشأت ضمنها التجربة المحمدية العربية , ولا ندعي أن ثمة جديداً يضاف , سوى محاولة الوعي بالقرأن في أطاره المنهجي الكلي على نحو كوني شامل بوصفه معادلاً للحركة الكونية , وكل دلالاتها .
    هذا الفهم ليس جديداً في ذاته ولكنه جديد في تناوله اي انه كان موجوداً في القرأن غير ان العرب لم يكن من شأنهم وطبيعتهم ان يتناولوه بشكله المنهجي الكلي ولا يعود الامر لنقص فيهم وكمال فينا وانما يعود لطبيعة مقومات تجربتهم وخصائص تكوينهم التاريخي والاجتماعي " .
    ثم ان اخطر ما توصل وانتهى اليه صاحب الرسالة الثانية بعد أن قسم القرأن الى أصول وفروع انه جعل ممن سبقه من الانبياء ( طلائع ) لرسالته هو الثانية , كما جعل خاتم الرسال والنبيين ( مبشراً ) بأمة الرسالة الثانية التي تأتي من بعده :
    ( وهذه أمة لم تجئ بعد وانما جاء - طلائعها فرادى - على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل , واولئك هم - الانبياء - وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم , هو قد بشر بمجئ هذه الامة كما جاء برسالتها مجملة في القرأن مفصل في ( السنة ) محمود محمد طه في كتاب " تعلموا كيف تصلون " ص 16 .
    ان المتغيرات العصرية لا تفترض بالضرورة نشوء رسالات ثانية وثالثة ورابعة , والا للزم على كل مصلح او مجتهد ادعاء انه صاحب رسالة ثانية وثالثة وذلك منذ ان دخلت المنطقة الاسلامية في تفاعل مع عالمية الغرب الاوربي الوضعية والمركزية والخذة بهمينة العلم على مقولات العقل الطبيعي . وبداية في منتصف القرن التاسع عشر , فلماذا لا يكون اولئك الرواد من امثال الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وبن عاشور وبن ياديس وغيرهم وبما أثاروه من محاورات التجديد , هم اصحاب الرسالات الثانية اذا كانت مجرد المتغيرات العصرية هي الدالة عليها والباعثة لها ؟ فالمتغيرات العصرية لا تستلزم ( رسالة اسلامية ثانية ) ولا حتى ( عالمية اسلامية ثانية ) وانما تستلزم فقط اجتهاداً وتجديداً وتجدداً ؟ فلماذا قال محمود محمد طه بأنها (رسالة اسلامية ثانية ) ولماذا قلنا نحن بعاملية اسلامية ثانية وما هو الفرق بينهما ؟ وما هي علاقة ذلك بمتغيرات العصر التي لا تستدعي سوى الاجتهاد فقط .
    لم نقل بعالمية اسلامية ثانية رجوعاً الى المتغيرات العصرية , او تأسيساً عليها , ولم نجعل منها رسالة ثانية , وانما قلنا بها كدورة تاريخية ثانية للاسلام تعقب الدورة الاولى , ولكن ضمن شروط تحقق ( جدل تاريخي محدد ) يبتدئ ( بعالمةي الاميين ) ثم ( العالمية الشاملة ) للاسلام عبر تدافع ما بين العرب والاسرائيليين . وقد حدد القرأن هذا المسار التاريخي الجدلي والذي استهلك أربعة عشر قرناً بداية بطرد اليهود من المدينة المنورة ثم عودتهم الى الارض المقدسة .وقد شرحنا الامر في كتاب العالمية ص ( 175 - 176 ) ثم اكدنا في ص 258 :
    " وقد قضى الله أن تنتهي العالمية الاولى بعودة بني اسرائيل الى فلسطين ( المسجد الاقصى ) وانشائهم لدولتهم وامدهم الله كما قضى بأموال وبنين تتدفق عليهم من ارجاء كثيرة في العالم وجعلهم اكثر نفيراً . وكما يعتبر قيام دولة بني اسرائيل المظهر الاكثر عملية لانتهاء دورة تاريخية كاملة في التاريخ الحافل لهذه المنطقة الحضارية بالذات فأن مظاهر اخرى متزامنة تعتبر مظاهر عملية اخرى لانتهاء تلك العالمية وهي الارتدتا نحو الاقليمية وعناصر الانقسام والتحول نحو البدائل الوضعية والعودة الى الاصول الحضارية السابقة على الاسلام . كل هذه المظاهر ذات علاقات جدلية متفاعلة باتجاه اهزيمة الكبرى فليس غريباً اذن ان يعلن الرئيس المصري برنامجه للصلح مع اسرائيل وهو يخاطب الصحفيين مشيداً بحضارة مصر الضاربة الجذور ومتخذاً من الاهرامات الثلاثة خلفية لمظهره التلفزيوني .
    غير انه ومع انقضاء تلك المرحلة في شكلها التاريخي العالمي الا انها قد ابقت في داخلها وضمن موروثاتها امكانية الانطلاق نحو العالمية الاسلامية الثانية التي تأتي ضمن أفق تاريخي جديد ومغاير وضمن خصائص موضوعية متميزة . وتوالد العالمية الثانية عن العالمية الاولى هو دلالة قرأنية على تواصل الرسالة المحمدية باعتبارها خاتمة الرسالات وعلى امتداد القرأن بشكل مطلق في الزمان والمكان . وفي أطار العالمية الثانية سيتحقق قضاء الله ( فاذا جاء وعد الاخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) .
    ومع ان العالمية الثانية ترث في انطلاقتها عن العالمية الاولى مقومات الوجود والبقاء الكياني الا انها لا ترث عنها مفهومها السلفيس التطبيقي للقرأن ولا ترث عنها مفهومها التأويلي , بل تستعيض عن السلفية التطبيقية والتأويلية الباطنية بمفهوم منهجي جديد للقرأن في وحدته العضوية ودلالاته الكونية .
    ولا تأتي هذه الاستعاضة من قبل الاجتهاد الفكري التجديدي بل ترتبط بتجاوز التاريخ ومقومات التكوين للشروط الواقعية التي حكمت مرحلة تحويل العربي بالقرأن من الأطر البدوية ضمن خضائصها المحلية والى أطر اسلامية مغايرة . فالانسان العربي قد فهم القرأن ضمن خصائص تكوينه الموضوعية وقد كانت بسيطة ومتخلفة اجتماعياً وفكرياً بالقياس الى خصائص التكوين الحضاري العالمي الراهنة .
    اذن على أي المرتكزات بنى الشيخ محمود محمد طه فهمه للرسالة الثانية طالما انه لم يأخذ بجدل التدافع التاريخي بين العرب وبني اسرائيل , وقد كان هو من اوائل من نادى بالصلح مع اسرائيل في كتابه ( الصلح خير ) واول من ساند الرئيس المصري الراحل انور السادات ؟ وهذا ضد منهجنا كلياً .
    ثالثاً : يعتبر الشيخ انه يأخذ رسالته الثانية ( مباشرة ) عن الله وبلا واسطة وذلك عبر ( العلم اللدني ) وصلاة ( الصلة ) وبما تحقق له من عبودية :
    فعلى مستوى صلاة الصلة فانه يعرفها بأنها تتحقق في حال ( الشهود الذاتي ) حين ( يتم رفع حجاب الفكر ) :
    " وفي مقام الاستقامة يحصل ( التوقف الفكري ) . والتوقف الفكري هو ما يعرف برفع حجاب الفكر .. وبرفع حجاب الفكر هذا يتم الشهود الذاتي .. والشهود الذاتي هو ما اتفق للنبي الكريم .. في المعراج العظيم , بعد ان تخلف جبريل عن سدرة المنتهى .. وفي هذا المقام - مقام الشهود الذاتي - فرضت صلاة الصلة " - محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون ص30 .
    ويعتبر ان صلاة الصلة هي ذكر الله الحقيقي وما الصلاة الشرعية الا وسيلة لها , ففي تأويله للاية ( اتل ما اوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاءوالمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) .
    يقول الشيخ محمود محمد طه :
    " ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " .. هذه هي الصلاة الشرعية .. ( ولذكر الله أكبر ) اشارة الى صلاة الصلة , فصلاة الصلة هي الصلاة ( الحقيقية ) اما الصلاة الشرعية فهي صلاة ( المعراج ) - محمود محمد طه -تعلموا كيف تصلون - ص 37 و 38 .
    ثم يعتبر ان صلاة الصلة هي صلاة الثلث الاخير من الليل ( التهجد ) , وهي الصلاة الحقيقية والاهم ويحولها من ( نافلة ) الى ( فريضة ) :
    " وصلاة الثلث من أهم صلاتك . وهي قد كانت مكتوبة على النبي , ولم يكن - الاصحاب - الا مندوبين اليها ندباً , غير مكلفين بها شرعاً .. وهي اليوم بفضل الله ثم بفضل حكم الوقت , قد أصبحت مكتوبة على هذه الامة المعاصرة , التي يطلب اليها ان تبتعث - سنة النبي - بعد اندثارها لترقى ببعثها الى مقام - الاخوان " - محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون - ص 58 .
    " نحن بشرية القرن العشرين , نحن بشرية الثلث الاخير من ليل الدنيا , ومعلومة قيمة الثلث الاخير من ليل النوم : أن ناشئة الليل هي أشد وطأ واقوم قيلاً " بنفس هذا القدر يجب ان نعلم قيمة الثلث الاخير من ليل الدنيا . وقيمة البشرية التي تعيشه .. فهذه البشرية هي الموعودة بأن تملأ الارض عدلاً , في وقتها كما ملئت جوراً , وهي الموعودة بتحقيق جنة الارض في الارض .. هذه البشرية المعاصرة هي بشرية ( اليوم الأخر ) الذي من اجل تحقيقه أرسل الرسل وأنزلت الكتب وشرعت الشرائع في جميع حقب هذه الدنيا " محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون - ص 96 .
    ولكن ما هي خصائص هذه الامة , والتي حدد الشيخ زمانها بأنها ( أمة القرن العشرين والثلث الاخير من ليل الدنيا ) ؟ أنها في مصلحة امة اخوان النبي وليس أمة الصحابة وهي أمة افضل من امة الاصحاب :
    " أن مستوى جديداً من البشرية سيظهر على هذه الارض , وانما بظهوره تملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً , وهذه البشرية التي ستظهر في هذا المستوى الانساني الكبير - بمحض فضل الله - , أنما هم - أخوان النبي - الذي أشتاق اليهم حين قال وهو بين ( أصحابه ) : واشوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد . قالوا : أولسنا أخوانك يا رسول الله ؟ قال : با أنتم أصحابي . قالوا : من اخوانك ؟ قال : قوم يجيئون في أخر الزمان , للعامل منهم أجر سبعين منكم . محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون - ص 96 و97 .
    ولكن هل فصلت السنة النبوية في تطبيقاتها على ( نسبية الواقع ) مطلق القرأن ؟ ان الاجابة دائماً لدى الشيخ ان السنة تقوم على ( اصول القرأن ) فيما طبقه الرسول على ( خاصة نفسه ) وبما يماثل ما سيكون عليه ( تطبيق الاخوان ) وليس الاصحاب , يقول الشيخ :
    " هناك الشريعة , والطريقة , والحقيقة , فأما الشريعة فهي قاعدة التكليف العام , وهي أدنى درجات التكاليف على المؤمن . واما الطريقة فهي النهج المؤكد الذي كان يلتزمه النبي في خاصة نفسه , وهي من ثم ( سنة النبي ) والسنة شريعة وزيادة , وأما الحقيقة فهي حالة القلوب التي تكون عليها المعرفة بالله نتيجة للعمل بالشريعة , او للعمل بالطريقة , حسب مقتضى الحال " . ونسب الشيخ للرسول ما قيل ( قولي شريعة , وعملي طريقة , وحالي حقيقة ) - تعلموا كيف تصلون ص 76 و77 .
    ثم جعل الشيخ من سنة النبي الأصل للمسلم اما الشريعة فهي للمؤمن :
    " الشريعة هي تكليف ( المؤمن ) وهي من ناحية الالزام قصاراه , وهي بالنسبة للمسلم تكليف في بداية امره , وهي بالنسبة اليه منفتحة على الطريقة , فالمسلم شريعته السنة " .
    فما مفهوم الشيخ بين المؤمن المرتبط بالشريعة والمسلم المرتبط بسنة النبي على مستوى ( الطريقة اولحقيقة ) ؟
    يقول الشيخ :
    " ان المسلم مطلوب منه الترقي المستمر , من نهج الشريعة الى نهج الطريقة الى نهج الحقيقة , وفي نهج الحقيقة اذا شدد وجود يدخل - في مقامات الشرائع الفردية فتكون شريعته طرفاً من حقيقته - وهذه هي ( العبودية ) " .
    ها قد وصل الشيخ الى مبتغاه - مقام ( الشريعة الفردية ) على مستوى بلوغ الحقيقة تذرعاً بسنة الرسول في ( خاصة نفسه) وهكذا انتفت مصدرية القران الذي سبق وان قال عنه أنه ( كتاب هذه الامة المبشر بها ) وانتفت حتى ضوابطه في مقام الشريعة الفردية .
    ويؤكد الشيخ هذا المعني نصاً ( 95 كيف تصلون ) :
    " أسمعوا قولي هذا فأن شريعة الاسلام في أصلها أنما هي شريعة فردية .. والقرأن يركز على الفردية , تركيزاً مستفيضاً .. وحين كانت شريعة الاسلام , في أصله فردية , كانت شريعته في الفرع جماعية , وما الشريعة الجماعية الا وسيلة للشريعة الفردية " .
    قد قضى الشيخ على ( عالمية الخطاب ) الاسلامي وعلى مفهوم الانتماء للامة والجماعة والتواصل مع تاريخها عبر ( التدافع ) مفككاً الأمة الى مستوى الفرد فاذا قلنا ان ذلك كله ناتج عن فهم باطني تأويلي خاطئ لسنة خاتم الرسل والنبيين ولمفهوم الرسالة نفسها ,فاه الأدهى من ذلك فهم الشيخ للقرأن والذي يحتوي على ( الضوابط الاساسية ) للفهم .. فكيف يفهم الشيخ القرأن ؟
    " كتاب الله في الأصل , وهو الأكوان جميعاً , وهو الانسان في المكان الاول لآن في الأنسان - جسمه وعقله - اجتمعت ايات الظاهر وايات الباطن .. يقول تعالى في ذلك ( سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم ) .
    جسم الانسان هو كتاب الله .. والقرأن المحفوظ بين دفتي المصحف والمقروء باللغة العربية , انما هو صورة لفظية وصوتية , وعلمية لهذا الكتاب العظيم .. و( المثاني ) انما تعني زوجين .. وأعلى الزوجين النفسان : نفس الرب ونفس العبد .. كما أن المثاني في القرأن تعني , المعنى البعيد عند الرب والمعنى القريب التي تدنى لتفهيم العبد " - تعلموا كيف تصلون - ص 3 و4 .
    ----------------------------
    *المصدر: العالمية الإسلامية الثانية


    http://www.balagh.com/mosoa/tablg/5q0oxqaq.htm
                  

04-24-2008, 04:12 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في الذكرى الثانية لوفاة المفكر السوداني أبو القاسم حاج حمد (التقييم: 0)
    بواسطة زائر في 3-12-1427 هـ
    الأخت الكاتبة
    رحم الله الأستاذ حاج حمد و غفر له زلاته و آجره على اجتهاداته. لا يمكن لأحد أن يبخس قيمة مفكرنا السوداني و تضحياته من أجل ما يعتقد، ثم سعة صدره و رحابة وجهه التي تعكس أخلاق و حكمة إخواننا السودانيين (عكس ما يحدث اليوم من حرب داخلية بينهم!). و لا يجد المرء في نفسه إلا التصاغر أمام إرادة الرجل في تعميق فكره و بث فكره و المجاهدة العنيدة في ذلك
    لكنني أجد في كتابة الأخت الفاضلة غمامة الهيمنة لفكر الأستاذ علي رأسها اختلط فيها العقل بالقلب و تغلب فيها فكر التأليه و التنزيه على النقد و عقلية الشيخ و المريد على فكر النقد و التشريح، و لعل موقف الاحتفاء هو الذي أملى نص المقال.
    أعتقد بأن لأعمال الأستاذ حاج حمد جذور و سوابق في أسس و منطلقات الباحث السوداني الراحل محمود محمد طه الذي كان أسبق في استعمال الرسالة الثانية من الإسلام و الذي أعدمه الرئيس النميري بتهمة الردة، و هو ما يحتاج إلى تحقيق و دراسة.
    كلما أرجوه من إخواننا بمدرسة أغادير أن يعقدوا ندوات لمناقشة فكر الأستاذ حاج حمد بما له و ما عليه و يدعو ا الأصدقاء و الخصوم على السواء و لا يسقطوا في نفس ما سقط فيها مناوئوهم من السلفية. فيصبحوا سلفيين بالمعنى اللغوي باتباع من يرونه سلفا.
    إنني شخصيا بحكم سماعي له لمحاضرتين و الاطلاع السريع على ما كتب -بسبب هموم التدريس و البحث العلمي- وجدت في نسيجه الفكري ثغرات لا تخفى على طالب علم و أكاديمي مبتدئ، استطاع أن يغطيها بالتلفيق الفكري البارع و الجامع بين المنطق والآيات القرءانية، و بين النص و التاريخ المكتوب، إني أتمنى من الله أن يلهمني و يقدّرني على الاطلاع الشامل على أعماله ثم وضع اليد على ما لم أستطع أن أستسيغه. و لعل زهدي فيما أنتجه الأستاذ الحاج حمد هو استحواذ اعتقادي بٍلَغْوية (من اللغو) الكثير منه من المنظور العملي و إحساسي بأنه طريق مسدود أو يؤدي إلى صحراء قاحلة من الضياع الفكري، مع اعتذاري الشديد لمريديه.
    أخوكم مصطفى حموش


    http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=1634
                  

04-24-2008, 04:15 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    مصرع القداسة على اعتاب السياسة
    هاني أبوالقاسم محمد
    [email protected]
    الحوار المتمدن - العدد: 853 - 2004 / 6 / 3


    الإهداء

    رسالة من القبر

    القبر بارد يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف..

    إلى هؤلاء الأحياء تحت الثرى … وأولئك الأموات الصابرين …
    كم مرة أوصيتكم أن يكون كفني هو العلم بألوانه الثلاث .. الأزرق، الأصفر،الأخضر –نيل يجري على الصحراء يحيلها جنة خضراء- ليس لأنني أحب هذا العلم فحسب ولكن لأترك مزيدا من القماش الأبيض ليكمل به بعض هؤلاء ثيابهم القصيرة.

    إليك يا أفلاطون…
    هل تذكر ذلك اليوم، عندما كنتم جميعا مقيدين داخل كهف. حين كسرت القيد لترى الحقيقة التي لم تر سوى ظلالها مطبوعة على جدران الكهف، هل تذكر حينما عدت لتخبرهم أن الحياة لديهم ليست سوى ظلال.. وأن عليهم أن يكسروا القيود لتتجلى لهم الحقيقة والحياة .. قتلوك عندها! لا بأس يا صديقي .. قليلٌ هم الذين كسروا القيد بعدك .. منهم من لم يعد .. أما الذين عادوا فقد قتلوا.

    إلى وطني …
    ما زلت أذكر مقولة سليمان عميرات .. لو خيرت بين الجزائر والديموقراطية، لاخترت الجزائر .. أما أنا فلو خيرت بين الوطن و … لاخترت الوطن حتما.

    إليكم أيها الكفرة …
    نعم حتى هؤلاء ، الذين لم يؤمنوا يوما بالحب .. لا تقتلوهم فإني لا أريد أن أراهم هنا.

    إليك أبتها الجميلة …
    أما زلت تعتقدين أنه ما زال للذكر مثل حظ الأنثيين؟

    إلى أبي …
    كانت صداقتك متعة لي ، وأنت يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف، لعلي أغطي هذا الجرح الذي ما زال ينزف منذ أن أطلقوا رصاص الجهل على عقلي فلم يصبه، فأطلقوا النار على قلبي.

    إليك يا أحلام …
    ما زلت أحث الخطى .. تاركا خلفي فوضى الحواس.

    ------------------------------
    ديباجة…
    لنا هنا وقفة قصيرة وهي ليست على أطلال الماضي ولا على منزل ليلى أو سعاد ولكنها وقفة على مفترق الطريق الذي نحن فيه، فإما السير إلى الأمام بخطوات واسعة دليلنا فيها بحث علمي ودرس متواصل وإما الرجوع إلى الوراء بخطوات أوسع …
    إن الصراع بين مختلف القوى في المجتمع يحتم على التغير الاجتماعي أن لا يتوقف أبدا، فإذا ما تباطأت قوى التقدم فالنتيجة الطبيعية هي الرجوع إلى الوراء. رغم أن قوى التخلف والرجعية لا تملك الكثير من أدوات التغيير في وجه القوى الحديثة إلا أن وجودها يصبح مؤثر جدا إذا ما تغيبت أو تقاعست القوى الحديثة عن دورها الفاعل وواجبها تجاه المجتمع.
    والحركة الاتحادية هي امتداد طبيعي للقوى الحديثة السودانية منذ نشأتها في مطلع القرن العشرين. سيرا منا في طريق الواجب تجاه الوطن وتجاه الفكر الذي نحمله وامتدادا لتلك المسيرة المستنيرة واقتباسا من نورها كانت لي هذه الورقة ..

    مدخل …
    إن الجدل الذي دار في الشارع السوداني حول إعلان القاهرة وما حواه من طرح عرف بعلمانية الخرطوم أعاد من جديد تسليط الضوء على قضية الدين والدولة. رغم ذلك لم يكن ذلك التسليط كافيا ليزيل الغمام الذي صنعه النظام حول القضية وبدلا من الرد الموضوعي أو النقد الفكري وجدنا أن النظام بدأ مباشرة في تزييف الحقائق وتلبيس الحق بالباطل .. بعد ذلك تسارعت الأحداث السياسية لتغطي على قضية الدين والدولة واتجه الشارع السوداني لمتابعة أوراق مشروع السلام -بتشعبه وكثرة أوراقه ووسطائه- بشيء من الحذر والفرح والخوف.

    الدين و الدولة …
    إن القيم الروحية مقوم أساسي من مقومات الثقافة في أي مجتمع. ولا يمكن لأي توجه تنويري أن يكون مجرد توجه رافض لهذه القيم. فالمحافظة على هذه القيم لا تتعارض أبدا مع ركائز الأفكار التنويرية بل إن هذه القيم تمثل سندا داعماً لبناء وامتداد القاعدة التنويرية. لكن الفهم المتحجر أو المتيبس لهذه القيم هو الذي تحاربه الاتجاهات التنويرية بمختلف مشاربها الفكرية. فالحرب إذا ليست ضد القيم في حد ذاتها كما يدعي أصحاب الفهم المتحجر من الأصوليين و العديد من أصحاب الاتجاهات الإسلاموية. لهذا فأننا نرى في الذين يتبنون مواقف رافضة لمجمل هذه القيم الروحية، حجر عثرة يقف في طريق المناهج التنويرية نفسها. وفي الطرف الأخر نجد أن الذين يرون في كل التجارب الإنسانية فكرا ضالا وافدا يتعارض مع القيم الروحية لمجتمعنا أو بعبارة أخرى يتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف كأهم مصدر من مصادر القيم الروحية في المجتمع السوداني، إنما يجهلون أن هذا الفكر إنما هو امتداد للفكر الإنساني الذي تأثر فيما تأثر بالإسلام و تلاقح مع الكثير من مفاهيم هذا الدين الحنيف. كما تأثر كذلك بالفكر اليوناني، الإغريقي والفارسي ومختلف المدارس الفكرية القديمة والحديثة. وقد رأينا جميعا كيف أن محصلة هذه التجارب والأفكار سمت بالإنسان فعلى سبيل المثال كيف أن الفكر الإنساني قد تخطى ودثر الرق والعبودية كمفاهيم تحط من قدر الإنسان.
    يقول الشيخ العارف محي الدين بن عربي: علماء السوء هم الذين أنكروا ما جهلوا وقيدهم التعصب عن مجرد سماع الآخرين وعن الإذعان للحق والتسليم له إن لم يكن الإيمان به. ويقول الإمام محمد عبده وهو أحد رواد الفكر التنويري في الإسلام "عندما بدأ الضعف يظهر بين المسلمين بسبب الجهل والجمود على القديم، حدث الغلو في الدين وثارت الفتن بين الناظرين فيه وسرت عدوى التعصب بينهم وسهل على كل واحد منهم لجهله بحقيقة دينه أن يرمي الآخر لأدنى شبهة بالكفر والزندقة وكلما ازداد جهلهم بدينهم ازداد نفورهم من العلم والنظر وساد فيهم الاعتقاد بالعداوة بين الفلسفة والدين" .
    كما أن الإسلام كرسالة سماوية أقر بالتجارب الإنسانية بل إنه وضع العديد من التشريعات والعبادات على أساسها فعلى سبيل المثال نرى أن الإسلام قد تبنى العديد من المفاهيم التي عمل بها العرب قبل الإسلام "كفضل يوم الجمعة والعناية بالإبل وتعدد الزوجات والاستجارة والجوار والاسترقاق والسبي والديّة" . هل نستطيع أن نتحدث عن علوم كالطب والفلك وغيرهما من علوم عند العرب إلا ابتداء من العصر العباسي؟ لماذا؟ السبب هو حركة الترجمة التي ازدهرت في العصر العباسي والتي عن طريقها عرف العرب ثمار العقليات الأخرى من علوم وفنون … إن الإسلام قد أطلق العنان للعقل، ولا يقيد العقل بكتاب ولا يقف به عند باب ويعطينا الشيخ محمد عبده مثالا .. فيما جاء في خبر من سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل السماوات والأرض؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: كان في عماء تحته هواء، والعماء عندهم هو السحاب. ويقول الإمام أبي حامد الغزالي صاحب الإحياء أن العقل والدين شيء واحد، أحدهما أساس والأخر بناء فالشرع عقل من خارج والعقل شرع من داخل وهما متعاضدان بل متحدان. فالدين الذي يوحد بين العقل والشرع لا بد أبد يكون منهاجه هو العلم نورانيا كان أم عقلانيا. ويقول الشيخ عبد الله بن المبارك: "كاد العلم أن يكون ثلثي الدين".
    كما أن الإسلام دين لا يعرف الطبقية الاجتماعية بل لا يعرف التمايز بين الناس إلا بالتقوى بالرغم من ذلك فقد اعترف الإسلام بطبقية واحدة هي طبقية العلم والمعرفة "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقوله جل وعلى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
    ويقول الشيخ محمد عبده في مقال له تحت عنوان"أصول الإسلام" أن الأصل الأول هو النظر العقلي لتحصيل الإيمان وكيف أن القرآن أثبت وحدانية الخالق بالأدلة العقلية ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) والعديد من الأدلة العقلية الأخرى. ويقول الأصل الثاني هو تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض ويقول أن في ذك طريقان الأول طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه والثاني طريق تأويل النقل حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل. ويواصل الشيخ محمد عبده في الأصل الثالث قائلا بالبعد عن التكفير(وليس التفكير) ويقول إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان. أما الأصل السادس هو أن القتال ليس في طبيعة الإسلام بل طبيعته العفو والمسامحة ولكن القتال فيه لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله إلى أن يأمن شرهم. والأصل السابع أن الإسلام لم يوجب العداوة بين المسلمين ومخالفي عقيدتهم بل إنه أباح الزواج من الكتابيات وجعل من حقوقهن أن يتمتعن بالبقاء على عقيدتهن. بل أمر بمودتهم ما داموا ليسوا من أهل الحرب أملا وطمعا في هدايتهم.
    المقصود من هذا أن أشير إلى أن معالجة قضايا الإنسان في الحياة إنما تكون عن طريق المنهج العقلي وليس في ذلك مخالفة للشرع لأنه هو الذي أمر وأقر ذلك. وسيظل ابن رشد هو رائد المنهج العقلاني الإسلامي إذ يقول "أن الدين بالضرورة لا يضاد الحقيقة والبرهان العقلي، فان اختلف الدين مع العقل، فإن مصدر الاختلاف هو أن الذي يسمونه دينا إنما هو اجتهاد باطل أو تخريج فاسد للدين .. أو أن الذي يحسبونه علما إنما هو توهم أو خيال، ونحن نقطع قطعا بأن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فان ذلك الظاهر يقبل التأويل .. فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد عليه" .
    ويذكرنا التاريخ بالعديد من الحوادث التي تثبت أن تقديم العقل على النص ليس بدعة ابتدعها المفكرون في عصرنا هذا، فالسيرة النبوية تذكر لنا حديث الغامدية المحصنة التي زنت فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطبق فيها الحد فلم يطبقه إلا بعد أن وضعت حملها وأرضعته ووجدت من يكفله رغم أن النص القرآني لم يذكر ذلك. وإذا اعتبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم مصدرا تشريعيا حتى حين مخالفته للقرآن فلنا أن ننظر في التاريخ الإسلامي لنرى نماذج أوفر. فعمر بن الخطاب عليه السلام هو رائد تطبيق المنهج العقلاني حتى قبل أن يقول المنظرون بهذا المنهج فهو لا يرى في النصوص الشرعية قدسية بل يرى القدسية في القيم التي تعبر عنها تلك النصوص ومشهور عن عمر أنه رفع حد السرقة في عام الرمادة وهو عام فقر مر بالمدينة وكان بعض الناس يسرق ليطعم ويطعم أهله. وقدم خطبة الجمعة على صلاتها، فالجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق عليه السلام كانت تصلى ثم يجلس الناس للخطبة، وكذلك ألغى سهم المؤلفة قلوبهم وهم حديثي العهد بالإسلام بالرغم من النص الصريح في القرآن بأنهم يستحقون الزكاة. وكذلك اجتهاده حول مسألة الفيء الذي كان يذهب لآل الرسول صلى الله عليه وسلم والمجاهدين من الأنصار والمهاجرين فعندما اتسعت الفتوحات الإسلامية وكثر الفيء، قرر عمر أن يكون ذلك ملك للأمة أو الدولة لا كما أشار النص القرآني لأن جوهر الدين هو العدل والمساواة .. فوقف ضده العديد من كبار الصحابة وناصره يومها علي بن أبي طالب رغم سهمه في الفيء. أيضاً منع عمر بن الخطاب واليه على المدائن حذيفة بن اليمان كاتم سر الرسول صلى الله عليه وسلم منعه من الزواج بيهودية رغم وجود نص يحل ذلك إذ يقول عمر في كتابه لحذيفة : "إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين". وكذلك أمر ابن الخطاب بعدم تطبيق حد الخمر على المقاتلين حتى يعودوا إلى ديارهم. وصادر عمر الأراضي التي لا يستثمرها أصحابها رغم الحديث "لا يحل مال إمرىء مسلم إلا بطيب نفسه" ورغم اعتراض أصحاب الأراضي إلا أنه مضى في حكمه حرصا على مصلحة الدولة والأمة.
    يقول ابن القيم"إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض. فإذا ظهرت إمارات الحق، وقامت أدلة العقل ، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره" . ومهما كان المبرر العقلاني أو السبب الذي دفع عمر بن الخطاب لمخالفة النصوص القرآنية أو النبوية، حرصا على الدولة الإسلامية فإن ذلك لن يقودنا إلا لإدراك أن عمر بعمق إيمانه وقوته في الحق عمل بمنهج تقديم العقل على النص سواء كان النص من الكتاب أو من سنة المصطفى ليس لهوى في نفسه ولكن لأن العقل والمنطق يوجبان ذلك والدين يوجب ذلك على التوالي.
    أردنا من هذا العرض أن نؤكد أن فصل ظاهر الدين عن الدولة ليس بالنظرية الحديثة الوافدة إلينا من الغرب. فالفصل الغربي لسلطة الكنيسة عن كيان الدولة أتى بشكل قاطع وكلي في شكل ثورة حاربها رجال الدين الذين كانوا يتمتعون بتنفيذ السلطة الكنسية التي يرعاها الإقطاعيون والحكام في مقابل إيجاد سند ديني لسياساتهم القهرية المستبدة. أما في الإسلام فإن الدعوة إلى نظرة عقلانية للدين بدأت تظهر في صفوف رجال الدين أمثال ابن رشد والكندي وجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وقبلهم جميعا كان إمامهم هو عمر بن الخطاب. وقد أمنت على هذه الدعوة الكثير من الحركات التنويرية ويتضح هذا جليا في كتابات الكثير من الكتاب والمفكرين ورجال الدين والأكاديميين والمثقفين والقادة السياسيين في العصر الحديث أمثال: عرفات محمد عبد الله، محمد أحمد محجوب، روجيه جارودي، محمد أركون، فرج فودة، نصر أبو زيد، خليل عبد الكريم، علي شريعتي، محمود محمد طه، منصور خالد، محمد إبراهيم نقد، محمد أبو القاسم حاج حمد، حيدر إبراهيم. رغم تفاوت هذا المفهوم من مدرسة فكرية إلى أخرى إلا أن غالب هذه الاتجاهات الفكرية يرون أن التمسك بظاهر النص أو ظاهر الدين دون الاكتراث بالقيمة التي يقدمها النص إنما يجر مخاطر على الدولة وعلى الدين في المقام الأول.
    إن الحديث عن حزب إسلامي أو نهج إسلامي للدولة في الوقت الحالي لن يتمثل إلا في ثلاث صور الأولى أن تكون النظرة أصولية قمعية ديكتاتورية وهي مرفوضة أو أن تكون وصولية تسعى للوصول إلى رضا الشعب متلبسة لباس الدين زورا وبهتانا وهي مرفوضة أيضا. أو نظرة تحديثية كما يقول الصادق المهدي . وما زال أمام هذه درب طويل لأن هذه المناهج التحديثية ليست سوى مناهج فكرية جاهزة ألبست ثوبا أبيضا وأطلق عليها إسلامية.
    ويكمن الخطأ والخطر في تبني مفاهيم الدولة الإسلامية في نقاط عديدة منها أن هذه الحركات والأحزاب الإسلامية تبرر مواقفها السياسية باسم الدين، تارة بالتمسك بظاهر النص وتارة بتأويل النصوص الدينية بما يدعم مصالحها، فيما أن هذه المواقف لا تعبر سوى عن مصلحة هذه الجماعات أو الأحزاب وقد لا تمت إلى الدين بأي صلة. كذلك أن الحاكم يرى في نفسه جهة مفوضة من الخالق لتنفيذ سياسته التي شرعها (أي الخالق) ويرى في معارضيه السياسيين مجموعة من الخارجين عن أمر المولى عز وجل لأنه الممثل الشرعي والوحيد لهذا الرب في هذه الدولة وقد ظهر ذلك واضحا عندما اختلف علي بن أبي طالب عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان، حينما أشتد الخلاف بينهما حول قضية الحكم (السياسة). أنصار علي كانوا يقاتلون باسم الإسلام وكذلك فعل أنصار معاوية وكل فريق منهم كان يرى أنه يمثل وجهة الإسلام الصحيحة ويرى في الطرف الآخر خارج عن الخلافة الإسلامية المقدسة. وحدث أيضا أن قتل عبد الرحمن بن ملجم علياً إنقاذا -كما ظن- للمسلمين من التناحر والانقسام. كانت تلك الفتنة خلافا سياسيا لا دينيا أو شرعيا، فقد اجتمع علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس ضد عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن الزبير و الزبير بن العوام وفي الطرفين من هم مبشرون بالجنة. ونعلم جميعا أن هذا الصراع خسر فيه المسلمون الكثير من رجالهم الأشداء، كيف لا؟ وفيهم علي بن أبي طالب. حدث هذا مع رجال الصدر الأول من الإسلام -أفضل القرون- عندما زجوا بالدين في أزقة السياسة.
    وتستغل حركات الإسلام السياسي المنابر الدينية التي يتعامل معها الكثير من المسلمين باحترام شديد ويولونها في كثير من الأحيان الطاعة العمياء. مما يؤدي إلى تشويه العديد من المفاهيم الفكرية والمواقف السياسية دون وجود أي جانب عقلاني يدحض هذه المفاهيم أو المواقف لأن المتحدث في المنبر إنما يمثل الدين الذي شرعه الله –وهو في الحقيقة ينقل رؤيته أو رؤية حزبه إلى جمهور المصلين على أنها أمر الله-، على سبيل المثال في محاضرة ألقاها رجل من جماعة أنصار السنة في أحد المساجد، عن الفكر الإسلامي أعطى نبذة عن بعض المناهج الفكرية للمقارنة، منها الاشتراكية، تحدث قائلاً أن "الاشتراكية منهج فكري يدعو إلى الاشتراك في جميع أمور الدنيا وأن هذا المنهج دعا له كارل ماركس المفكر اليهودي وللأسف اعتنقه بعض عديمي الإيمان في عالمنا الإسلامي ومنهم من آمن بالاشتراكية لدرجة أنه يشرك رفاقه الاشتراكيين في زوجته" وتحدث عن الليبرالية قائلا "الليبرالية هي الحرية وهي المنهج الذي يدعو إلى حرية الإنسان وعدم عبوديته لكائن من كان حتى ولو كان الله، وتدعو الليبرالية إلى الحرية في جميع الأمور كحرية المرأة والحرية الجنسية … الخ" وفي النهاية نصح هذا الرجل الشباب بأن يبتعدوا عن هذه الأفكار الهدامة التي أعطاهم نبذة عنها، وكأنهم تعرفوا على حقيقتها. ومن الواضح ضحالة معرفة هذا الرجل عن هذه المناهج الفكرية التي ادعى أنه قدم عرضا لها. ولأنه رجل دين كان على الجميع أن يطيع أمر الله ويلتزموا بعدم الاقتراب أو الاطلاع على هذه الأفكار. فأي دين وأي منهج فكري هذا الذي يدعو معتنقيه أن لا يطلعوا على أفكار الآخرين خوفا أن ينقادوا خلفها؟؟ من المؤكد أن هذا المنهج يعي تماما ضعفه أمام حجة ومنطق هذه المدارس الفكرية فكان الحل الوحيد هو الهرب من المواجهة. ومن المؤكد أيضا أن العيب لا يكمن في الدين الإسلامي إنما يكمن في تفكير هؤلاء الذين يحرمون القراءة والاطلاع والمعرفة والعلم بدلا من قراءتها والرد عليها أو نقدها عقلانيا أو أيدلوجيا. ويدعون أن سلاحنا لمواجهة سطوة الغرب الاقتصادية والعسكرية والعلمية هو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وهذا ليس تقليل من شأن الكتاب والسنة ولكن تقليل من شأن طريقة التفكير فكيف لنا أن نواجه حربا بأسلحة بيولوجية أو جرثومية ببنادق البارود أو الكلاشنكوف، يبدو هذا سخفا ومناقضة للواقع والمنطق. فلكي نحارب السطوة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية يلزمنا السير في طريق العلم لكي تكون الحرب متكافئة وهذا لا ينافي تمسكنا بالدين بل أن ذلك ما يفرضه الدين علينا.
    وفي كثير من الدعوات التي تتبناها الجماعات الإسلامية، دعوة إلى الرجوع إلى دين السلف وإلى حال السلف الصالح، وهذا يخالف المنطق والعقل لأن حالنا لم يعد كحال السلف الصالح بل إن الدعوة يجب أن تكون لتطوير المنهج والفكر الإسلامي ودفعه إلى الأمام لا الرجوع به إلى الوراء ولهذا يبعث الله للمسلمين من يجدد أمر دينهم كما قال الحديث الشريف. ومن يسمع حديثهم يعتقد أن حال السلف كان جنة الله في أرضه متناسين أن السلف عندما اختلفوا سياسيا قتل بعضهم بعضا وقتلوا حفيد رسول الله وعقروا ناقة أم المؤمنين عائشة وقتلوا أول مسلم من الصبيان والراقد في فراش رسول الله ليلة الهجرة، وعذب حكامهم أئمة الفقه ورجال الدين لمجرد الاختلاف في رأي (نذكر كمثال لا للحصر تعذيب المأمون للإمام أحمد بن حنبل عليه السلام عندما اختلفوا حول خلق القرآن أم تنزيله) وسقطت دول السلف دولة تلو أخرى ليس لعدم صلاحهم أو لقلة معرفتهم بالدين ولكن لأنها محض سياسة … نحن لسنا في العالم الثالث لأننا أهملنا ديننا بل نحن مستضعفين لأننا أهملنا العلم والعقل والمعرفة والتجربة الإنسانية وهي نفس العوامل التي دفعت بالغرب إلى صفوف العالم المتقدم حين أخذوا بها وبقينا نحن في مكاننا إلى أن ندرك الحقيقة ونبدأ العمل. وهذه الدعوة ليست دعوة لترك الدين والعمل بالدنيا بل هي دعوة للعمل بالدنيا واستصحاب هذا الدين العظيم الذي يقدس العلم ويرفع الذين آمنوا وأوتوا العلم درجات. ونحن لا ننكر على من يفهم الدين ذلك الفهم المتحجر حقهم في أن يدعو لما يؤمنوا به ولكن الذي ننكره هو ادعاؤهم الحق في قسر الناس على اتباع ذلك باعتباره رسالة الإسلام التي لا معدى عنها ولا فهم للإسلام بسواها، وأن ما سواها هو الكفر والفسوق.
    ليس المقصود من هذا أن ألبس التنوير أو العلمانية ثوبا أبيضا أو أن أدعي أسلمتها إنما عملا بمنهج ديكارت القائل بأن جميع النظريات قابلة للشك المنطقي والمنهجي وإلى تحليلها وإعادة قراءتها ثم تركيبها ثم تطبيقها، حتى وإن كانت بديهيات أو مسلمات. وهذه بدورها لا تنطوي على ردة لأن الإسلام دين منطقي وعقلاني، فإذا ما أخضعنا عقلانيته للعقل فمن الطبيعي أن يتم تحليله وفهم أبعاده بصورة أفضل.

    صوفية الإسلام في السودان …
    التصوف علم يبحث عن الذات الأحدية، وأسمائه وصفاته وبيان مظاهر الأسماء والصفات وخفاياها ويبحث كيف الوصول إلى هذه الذات ومتصوفة الإسلام زادوا بيان حال وفضل ومعجزات وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضل آله الطيبين وكذلك أهل الله من العلماء والفقهاء والمتصوفين وكيفية سلوكهم ومجاهدتهم ورياضتهم وبيان فضائل الأعمال والترغيب فيها. وربما كانت قصائد أبونا البرعي في مجملها تحوي هذا التعريف الذي لم أجد أفضل منه. ومن نفحات المتصوفة أن قال أحد العارفين: من كان نظره في وقت النعم إلى المنعم لا إلى النعمة، كان نظره في وقت البلاء إلى المبلي لا إلى البلاء فيكون في جميع حالاته غريقا في ملاحظة الحق، متوجها إلى الحبيب المطلق وهذه أعلى مراتب السعادة. ويقول الشريف الرضي: تاهت العقلاء في ذاته تعالى وصفاته لاحتجابها بأنوار عظيمة، وتحيروا في لفظ الجلالة كأنه انعكس إليه من تلك الأنوار أشعة بهرت أعين المستبصرين.
    ويقول الشيخ العارف الواصل محي الدين بن عربي المتوفى سنة 438 للهجرة:

    لقد صار قلبي قابلا كل صورة
    فمرعا لغزلان ودير لرهبان

    وبيت لأوثان وكعبة طائف
    وألواح توراة ومصحف قرآن

    أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه
    فالحب ديني وإيماني

    والحب هنا ليس حب قيس وليلى ولا حب جميل بثينة، بل هو الحب كقيمة في حد ذاته وهو حب العبد لله وحب الله لعبده .. الذي إذا جاءه بملء الأرض خطايا أتاه بملئها مغفرة ، وهو الحب الذي في قلب المسيح و قلب غاندي نحو الإنسانية والخير و الحق والجمال والمثل العليا، وحب الخير والحق والجمال إنما هو حب الله، وهو الحب الذي تحدث به أئمة الصوفية وتغنوا به. تذكرني هذه الأبيات بمقولة لمحمد أحمد المحجوب: إنما مثلنا الأعلى .. حفاظنا على ديننا الإسلامي وتمسك بتراثنا العربي مع تسامح شامل وأفق فكري واسع وطموح يجعلنا نقبل على دراسة الثقافات الأخرى.
    ويقول أحد الصوفية: إن الله خلق الإنسان على صورة أسمائه الحسنى فهو محل لظهور أحكام هذه الأسماء وصفاتها وقابل لتجليات الحضرة الربوبية، الإنسان هو العالم الصغير الذي فيه انطوى العالم الكبير وهو الكتاب الجامع والعالم الطبيعي صفحات لهذا الكتاب، يقول الله في حديث قدسي: "لم تسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".
    والمدارس الصوفية باختلافها كان لها الدور الأبرز في انتشار الإسلام في السودان، فقد اخترقت الحركات الصوفية الحواجز القبلية والإقليمية وتجاوزت بمسلكيتها الأخلاقية أطر التعصب ، وذكر الدكتور يوسف فضل في كتاب له عن الشلوخ، أن هناك العديد من الشلوخ نسبت إلى شيوخ الطرق الصوفية وتبعها مريدو الشيخ والمتبعون لطريقته وتشلخوا بها.
    كانت حملة عبد الله بن أبي السرح على دنقلا، بداية تعرض السودان للفتح الإسلامي ومع ذلك لم تتأثر حياة النوبة بالإسلام فقد عقدوا مع العرب اتفاقية البقط في دنقلا العجوز العاصمة المسيحية وقد ارتضى المواطنون فيها دفع الجزية للعرب. أما الذين اعتنقوا الإسلام فغالبا ما كان ذلك هربا من دفع الجزية لأن معظمهم عاد إلى ممارسة الطقوس المسيحية بعد ذهاب جيش ابن أبي السرح إلى مصر.
    وفي 1276 أرسل الظاهر بيبرس حملة أخرى قوية استطاعت هدم مملكة المقرة المسيحية وتدمير الكنائس في عاصمتها دنقلا العجوز. وهنا بدأ دخول العرب وبالذات الفارين من الحكم الأموي وأغلبهم كانوا من المتصوفة الذين دانوا بالولاء لعلي بن أبي طالب إبان حربه مع الأمويين في بداية دولتهم.
    اهتم الدعاة وجلهم من التجار والبدو الرحل والمهاجرين من الجزيرة العربية بنشر هذا الدين وهم ممن تنقصهم الثقافة الدينية العميقة فقد ركزوا على السمات العامة للدين دون التفاصيل المرهقة أو المقيدة .
    تكونت دولة الفونج بعد أكثر من 200 سنة بتحالف قبائل الفونج مع قبائل العبدلاب العربية الأصل ليشنوا هجوما على مملكة علوة -آخر المعاقل المسيحية في السودان- ودمروا عاصمتها سوبا حتى أطلق المثل (خراب سوبا). وإذا تحدثنا عهد دولة الفونج 1504-1821م وهي أول دولة أطلق عليها مسمى دولة إسلامية في السودان. فقد كان إسلامها لا يعدوا أن يكون اسميا فقط، إذ يقول محمد النور ود ضيف الله في طبقاته نصا يوضح علاقة السودانيين بالدين فيقول عن دولة الفونج أنه لم يشتهر في تلك البلاد مدرسة علم ولا قرآن ويقال أن الرجل كان يطلق المرأة ويتزوجها غيره في نهارها من غير عدة.
    بعد الاستقرار النسبي الذي حققته دولة الفونج اجتاحت الحركات الصوفية السودان بأكمله دون جنوبه ونهل السودانيون من تعاليمها بل فضلوها على المدارس الفقهية السلفية وكما يحلل ذلك محمد أبو القاسم حاج حمد قائلا كانت الصوفية (وليست الفقهية السلفية) هي التيار الوحيد القادر على تمثل واستيعاب الحالة الفكرية السائدة (قبل الإسلام في السودان) .. مفهوم الحكيم في الثقافة الإفريقية يسقط نقسه على شيخ الطريقة، دائرة الرقص تسقط نفسها على حلقة الذكر وما بها من إيقاع جماعي .. وعبر هذه الإسقاطات المختلفة تمثلت الصوفية في السودان أبعاد الروحية الدينية الإفريقية ثم استوعبتها في إطار الدين الإسلامي وتطورت بها إلى صورة فقهية أكثر تحديدا. فقد مدت الحركات الصوفية يدها فتناولت مفتاح الشخصية الإفريقية وهنا بالضبط فشلت تيارات السنية النصية وكان مقتل الظاهريين وفقهاء مصر في بداية دولة الفونج .
    وبعد استيلاء محمد علي باشا على مقاليد الحكم في مصر بدأ يمد عينيه إلى ما متع الله به الشعب السوداني من الأجسام والأراضي والكنوز وأرسل حملاته المسعورة لجلب الرقيق والخيرات حتى أسقط دولة الفونج في 1821م. وبدأت الدولة التركية السابقة كما يسميها السودانيين ولم يكن السودان وقتها بالنسبة لدولة محمد علي باشا في مصر سوى مصدرا للرقيق وأرض جباية للضرائب التي أنهكت كاهل المزارع والمواطن السوداني.
    أرسل السيد أحمد بن إدريس زعيم الأدارسة تلميذه محمد عثمان الميرغني الكبير سنة 1834م . من الطائف بالجزيرة العربية إلى مناطق غرب البحر الأحمر لينشر التعاليم الإسلامية هناك وقد لقي الميرغني حظا وافرا من القبول والمحبة والأتباع والمريدين هناك وتركز ذلك النفوذ الديني ما بين أسوان و دنقلا و أسرع الكثير من أهل النوبة وسلكوا طريقته. وانتشرت طريقته بعد وفاته بواسطة خلفائه وأبنائه لتصل إلى سواكن وكسلا وإرتريا و مصوع وجنوب غربي الحبشة. وقد عاصر الميرغني طوال حياته (1793م – 1853) صراعات الوهابيين السلفيين ذووا الفهم الحجري للدين الإسلامي، القادمين من الدرعية في نجد، ضد الحركات الصوفية وضد الأشراف في مكة والطائف و مختلف أرجاء الحجاز. وهذه الصراعات قد تكون أحد الأسباب الذي دفعت الإدريسي لإيجاد مناطق نفوذ غرب البحر الأحمر عبر تلميذه الميرغني لمواجهة الخطر السلفي الذي يتهدد الدعوة متمثلا في الدولة السعودية أو الحكم الوهابي السلفي النصي. والطريقة الختمية هي إحدى الطرق واسعة الانتشار في السودان ويبدوا واضحا أن الطريقة ومنذ دخولها السودان كانت معادية للاتجاه السلفي أو النصي المتحجر وهو السبب الذي أدى لدخول إمام الطريقة إلى السودان.
    وفي لبب وهي جزيرة بالقرب من دنقلا ولد محمد أحمد بن عبد الله سنة 1844م. فنشأ وترك صنعة أهله وكانت صناعة المراكب وأحب العلم الديني فدرس على يد العديد من المشايخ واشتهر بتقواه وورعه وزهده وحبه للخير ونصرته للحق. وفي شبابه تاقت نفسه إلى التصوف فتعلم عند الشيخ محمد شريف نور الدائم وهو أحد كبار قادة الطريقة السمانية في السودان ثم غادر إلى الجزيرة أبا ليكون مدرسة صوفية نهل منها أهل المنطقة واستقطبت الكثير من السودانيين.
    جمع الشيخ محمد شريف نور الدائم قادة الطرق الصوفية وكان فيهم المهدي، عارضا عليهم إنشاء سلطة بديلة للحكم التركي الذي أرهق العباد ظلما وضرائبا واستغلالا وتعذيبا، لكن الشيخ عبد المحمود نور الدائم اعترض على تلك الدعوة وكره هذا الرأي واعتبرها جريا وراء السلطة ووافقه العديد من المشايخ. ولهذا رفض محمد شريف دعوة المهدي إلى الدولة المهدية فيما بعد.
    وفي عام 1881م قال محمد أحمد بأنه هو المهدي المنتظر ودلل المهدي على مهديته بأحاديث نبوية ورؤية رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد أخبره بذلك كما دلل أيضا بأحاديث منقولة عن الشيخ ابن عربي والشيخ أحمد الإدريسي أستاذ الميرغني الكبير. وكتب ذلك إلى قادة الحركات والطرق الصوفية في أرجاء السودان وقام بزيارة بعضهم والتف عدد منهم حوله وتعلق أمل السودانيين في المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأها الأتراك (التركية السابقة أو الحكم المصري التركي الذي بدأه محمد علي باشا) جورا وتعسفا وقهرا.
    والعديد من قادة الطرق لم يقبلوا الدعوة بصفتها خارجة عن الإطار الصوفي الداعي إلى الإصلاح بالتي هي أحسن. وقد كان قادة الصوفية في السودان يهربون من الحكم والسلطة كهروب الصحيح من المجذوم كما يقول حاج حمد. مع العلم أن المدارس الصوفية السودانية كانت تنهل من مصدر واحد ولعل كتاب الفتوحات المكية لابن عربي هو المصدر الأساسي لها. إلا أنهم اختلفوا حول قبول مهدية المهدي من عدمها وحول تسويس الحركة. وقد كانت دعوة المهدي التي تضمنت تكفير كل من لم يؤمن بمهديته سببا في إثارة الرأي ضده. كما أن المهدي انتهج نهجا دمويا لمحاربة أعدائه ومن لم يؤمنوا بمهديته مما أدى إلى المزيد من التباعد بينه وبين قادة الطرق الصوفية التي لم تنضوي تحت رايته.

    المثقف السوداني والمنهج التنويري …
    فارقت دولة المهدي الإطار الصوفي للدين وانتهجت نهجا راديكاليا شبيه بذلك الذي تلبسه الحركات السلفية حتى في أحكامها الفقهية، رغم أن قرارات الخليفة التعايشي الذي خلف المهدي المتوفى عقب فتح الخرطوم بأشهر، كانت قرارات في معظمها مأخوذة من رؤيته للمهدي أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو نبي الله الخضر في المنام وكان يدير أمر دولته بواسطة هذه التجليات الصوفية، إلا أن الفكر الصوفي لم يكن متمثلا في بنية الدولة المهدية الإدارية والتنظيمية والسياسية.
    ومع مرور الأيام تحولت أكبر الحركات الصوفية انتشارا في السودان الختمية والمهدية أو الأنصار إلى طوائف أكثر من كونها طرقا صوفية. وبدأ أرباب هذه الطوائف يخوضون المسرح السياسي في فترة الحكم المصري الإنجليزي فتارة هذا مع هؤلاء أو ذاك مع أولئك ليصونوا مصالحهم وأموالهم ونفوذهم في السودان. واصطدمت الطائفتان بعد ذلك بالقوى الحديثة الصاعدة في السودان لتقف الطائفية بجانب الاستعمار ضد القوى الحديثة التي تفاعلت مع الثورة الوطنية المصرية الرافضة للاستعمار. وبدأ المثقفون السودانيون ينتشون بانتصارات الثورة المصرية ويخططون ويحلمون لنظيرة لها في السودان فكانت جمعية اللواء الأبيض بقيادة علي عبد اللطيف وهو ابن قبائل الدينكا الجنوبية.
    شنت الطائفتان حملات معادية للمثقفين ولجمعية اللواء الأبيض وثورة 1924. وقد كال حسين شريف رئيس تحرير جريدة حضارة السودان وهي الناطق الرسمي باسم علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والشريف يوسف الهندي أي الناطقة باسم الطائفية والتي دعمها رجال الحكم البريطاني، كال رئيس التحرير للشعب الذي ثار بثورة 24 وانتفضت الخرطوم و بورتسودان و عطبرة. وكتب رئيس تحرير جريدة الطائفية تلك:إن البلاد قد أهينت عندما تظاهر أصغر وأوضع رجالها … إنها لأمة وضيعة تلك التي يقودها أمثال علي عبد اللطيف ..إن الشعب ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر ولكل منها رئيس أو زعيم أو شيخ .. من علي عبد اللطيف هذا وإلى أي قبيلة ينتسب؟؟. ونسي الكاتب أن شرف علي عبد اللطيف ليس في انتسابه لقبيلة معينة بل في انتساب السودان كله لعلي عبد اللطيف. و حينها زمجرت الخرطوم وعلي عبد اللطيف في سجن كوبر وأخرجت أشعارها المخبوءة:
    ألا يا هند قولي أو أجيزي
    رجال الشرع أضحوا كالمعيز

    ألا ليت اللحى كانت حشيشا
    فتعلفها خيول الإنجليز

    وهكذا وقف المثقف في وجه الاستخدام المشين للدين الحنيف وكأنه يقول لا قدسية لمفهوم ديني يقف في وجه المنطق والعقل والوطن.
    واستطاع مد المثقفين رغم تشعبه وتخبطه الذي أراه طبيعيا، استطاع أن يجر الطائفية إلى مواقعه ليتبنوا النداء الوطني الداعي إلى حرية الشعب السوداني وجلاء المستعمر الأجنبي. ونظرة خاطفة إلى تاريخ استقلالنا تشهد بوطنية السيد علي الميرغني والإمام عبد الرحمن المهدي وكفى بالدموع شهيدا يوم رفع الزعيم إسماعيل الأزهري يدا بيد محمد أحمد محجوب، علم السودان ذا الألوان الثلاثة الأزرق والأصفر والأخضر، إعلان استقلال أمة كافحت وناضلت وبذلت من كل غال ونفيس من أجل حريتها.
    وهنا بدأ فصل آخر وهو دخول الطائفية إلى معترك السياسة السودانية وهو ليس فصل فحسب بل يلزمنا دراسة نفند فيها هذا الموضوع.
    مرت لتك الفترة وصراع الدين والدولة يدور في الخفاء فالمثقفين أمثال عرفات محمد عبد الله، أحمد خير، معاوية محمد نور ومحمد أحمد محجوب والهادي العمرابي وتوفيق صالح جبريل وأبناء مدرسة أبو روف الاتحادية الذين شكلوا جزءا هاما في جمعية ود مدني الأدبية والتي من خلالها أطلق أحمد خير الدعوة لإنشاء مؤتمر الخريجين. ومختلف الكتاب والأدباء الذين امتلأت صفحات مجلة النهضة ومجلة الفجر بكتاباتهم في الحرية وتحرير المرأة والقومية والاشتراكية ونقد العقلية التقليدية. وتبنت الفجر خط وطني متنابذ مع الطائفية والقبلية وساعيا بكل جهد لتمييز المثقف السوداني بمواقف الحداثة والتجديد.
    وليس أوضح من انفتاح المثقف السوداني على الثقافات الأخرى من سياسة طلاب كلية غردون في مواجهة قرار الاستعمار بإلغاء ألف وظيفة وتخفيض مرتبات الموظفين السودانيين فقد قرروا مقاطعة البضائع البريطانية وطالبوا المجتمع بمقاطعتها كما صاموا عن الكلام واعتصموا تماثلا مع دعوة غاندي القائمة على الكفاح السلمي والعصيان المدني. وانقسام مؤتمر الخريجين إلى قسمين أحدهم بقيادة أحمد الفيل والثاني بقيادة محمد شوقي. وقد سميتا مجموعتي الفيلست و الشوقست.. الشوقست أدانت الإضراب الذي تبناه طلبة كلية غردون خوفا من مزيد من البطش على يد الإدارة البريطانية وهرعوا إلى السيد عبد الرحمن المهدي ليقنع الطلاب بالعدول وكانت هذه أول بارقة لتبني المهدي لما سمي لاحقا بحزب الأمة. أما الفيلست فقد أيدوا الطلاب المضربين. بذلك اختار كل شق منهم درب مقاومته للمستعمر فقد مال الشوقست إلى الاستكانة والسلم أكثر حتى من دعوة غاندي أما الفيلست فقد جنحوا إلى المواجهة.
    وليس أوضح من أن الصراع كان قائما آن ذاك من مقالة محمد أحمد محجوب التي كان عنوانها "قضاء على حصون الرجعية" في مجلة النهضة والتي لقيت معارضة من أنصار الفكر التقليدي فكتب مواطن مقالة يصف فيها المقال بأنها كلمات محفوظة من بعض ملحدي الأمم الخارجة عن الأديان ويلقي اللوم على التعليم اللاديني ويوقع مقاله باسم رجعي من بورتسودان. وساند كاتب آخر من القضارف، رجعي بورتسودان في مقال سأل فيه الشباب عما جنوه من التعليم غير التفرنج والتقليد الأعمى قائلا وإن كانت هذه نتيجته بيننا ونحن الشبان فكيف تكون بين فتياتنا آلائي لم يهبهن الله عقلا؟ والله إنها لطامة كبرى.
    مصرع القداسة على أعتاب السياسة .. كان ذلك هو شعار الحزب الوطني الاتحادي ليأتي معبرا عن توجهاته الفكرية بكل وضوح، ولأرد به على كل الذين يتشدقون رغم جهلهم بأننا انحرفنا عن مسار الحزب. ولم يكن غريبا أن يكتسح الحزب في 1953م الانتخابات النيابية الأولى في تاريخ السودان بأغلبية مطلقة.
    أما بعد الاستقلال فقد عادت القضية إلى السطح بشكل واضح بالذات في الفترة التي تلت ثورة أكتوبر المجيدة. في خضم الحديث والنقاش حول دستور السودان. وشهدت تلك الفترة أكبر خطأ انتهجته الأحزاب في حق الديمقراطية والليبرالية السياسية باسم الدين، عندما كشرت جماعة الأخوان المسلمين عن أنيابها فرحة بل حق لها أن تحتفل عندما استطاعت أن تجر البرلمان إلى قرار حل الحزب الشيوعي وطرد أعضاءه من البرلمان وتبعها في ذلك الاتحاديون وحزب الأمة للمكاسب السياسية التي ستؤول لكل منهما. عندها خرج بيان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ليثبت الطلاب وكعادتهم دوما أنهم صمام الأمان الوطني الذي يصون الديمقراطية وورد في لبيان:
    يا جماهير شعبنا لقد استطاعت بعض العناصر التي تقف في ضد التطور السلمي الديمقراطي لبلادنا أن تتسلل خلف شعار الدفاع عن الدين وتستغل هذا الحادث الفردي وتصور هذه القضية الأخلاقية كأنها نزاع سياسي ذلك لا لشيء إلا لضرب الديمقراطية وتصفيتها وكان أن خرجت مظاهرات تجوب شوارع العاصمة بتحريض من خطباء المساجد لا للدفاع عن الدين ولا لحماية البلاد ولا لحل مشاكلنا الخانقة بل فقط لمكسب حزبي رخيص وفرض طريق رفضته جماهير شعبنا منذ أكتوبر 1964. إننا نؤمن إيمانا جازما بأن الزج باسم الدين هي إساءة لمعتقداتنا لأنها تجعل من الدين مطية للأهواء والمطامع السياسية المنحرفة.
    والحادث الفردي الذي تحدث عنه البيان هو أن طالبا في معهد المعلمين كان قد أساء للإسلام وادعى أنه ماركسي. وبغض النظر عن كونه ماركسيا أم لا! فكما قال البيان هو حادث فردي أدى إلى طامة ديمقراطية في البلاد وتعدي على مفهوم الديمقراطية والليبرالية السياسية.
    وبعدها أتى نميري .. وبعد تخبط فكري وسياسي أتى ليطبق لنا قوانينه الإسلامية التي عزف الشعب حتى عن أن يسميها إسلامية فالإسلام منها براء، فسميت قوانين سبتمبر والتي صفقت لها الجبهة الإسلامية كثيرا لا لشيء إلا لأنها تعلم جيدا أن قوانينهم هذه لن تأتي إلا بالقوة ولن يقبلها الشعب السوداني بتعدديته وثقافته ووعيه. وأيضا أعادت الأحزاب الكرة مرة أخرى عندما أمنت للإمام نميري فعاد حزب الأمة بقيادة الصادق ليؤكد لنا أن الحديث عن منهج تحديثي مازال أمامه الكثير لكي يقف جنبا إلى جنب المدارس الفكرية الأخرى وكذلك فعل الميرغني. بقي الشهيد الشريف حسين الهندي ومعه جماهير الحركة الاتحادية ليشكلوا من جديد وبقيادة الشريف، الجبهة الوطنية الديمقراطية في نوفمبر 1979م، متحالفين مع القوى التنويرية أو اليسارية. ومن جديد جاءت الحركة الطلابية لتسجل شموخها فقد فاز التحالف الجديد في انتخابات جامعة الخرطوم في مارس 1980م، معلنين بذلك وقوفهم الصادق مع الديمقراطية رافضين أن ينخدعوا بأي شعار براق أو كذبة واهمة أو ينقادوا خلف القادة في اعوجاجهم الفكري ودخولهم في أزقة التاريخ والسياسة.
    وجاءت انتفاضة الشعب في 85م لتسقط الطاغية نميري وبعد عام من الحكم الانتقالي من جديد ترك المسرح للطائفية وكانت الجبهة الإسلاموية في صفوف المعارضة ريثما تحل مشكلات تنافسها مع الصادق المهدي حول شرعية التحدث باسم الصحوة الإسلامية وحول تبني نفس القوانين السابقة (قوانين سبتمبر) معدلة أو مستبدلة . أما الحزب الاتحادي الذي قاده مولانا محمد عثمان الميرغني عقب استشهاد الشريف حسين الهندي وهو في أوج حربه مع الطاغية نميري. فقد سار الحزب بموازاة الشارع السياسي ليخرج برنامج الحزب الاتحادي أيضا باسم الصحوة الإسلامية صافعا التوجه الفكري للحزب منذ نشأته ومنجرفا مع التيار السائد.
    أبرم الميرغني و قرنق اتفاق أديس أبابا في نوفمبر 1988م والذي قضى بتجميد قوانين سبتمبر وحل مشكلة السودان في جنوبه وعاد الميرغني ليستقبل بطلا في السودان، رغم تململ الصادق من الاتفاقية وخلافه مع الميرغني حول تنفيذها. وكان للصادق المهدي مبرران للاختلاف مع الميرغني والتحالف مع الجبهة الإسلاموية، الأول هو اعتقاده بأحقيته في حل أزمة كأزمة الجنوب نظرا لأحقيته وأهليته التاريخية لذلك والثاني أن برنامجه يدعو إلى صحوة إسلامية ويأتي تجميد قوانين سبتمبر عقبة في طريقها كما رأى. إلا أن الأمل لاح لجميع السودانيين. ففي فبراير 1989م وقع 29 حزب ونقابة (68 حزبا ونقابة كما ورد في الإنقاذ الأكذوبة .. الوهم - إسماعيل أحمد محمد ، وديع إبراهيم) على برنامج السودان الانتقالي والذي قرر التحضير للمؤتمر القومي الدستوري في 4/7/1989م. وهكذا كانت ستنتهي محنتان للشعب السوداني في آن واحد، حربه في الجنوب ومشكلة دستوره العالق منذ الاستقلال وكانت تلك الاتفاقيات محل إجماع الشعب السوداني ماعدا الجبهة الإسلامية القومية. لأن تلك الاتفاقية كان من شأنها أن تهدم الخطاب السياسي للجبهة الداعي للجهاد ضد زمرة الأوباش في الجنوب كما يقولون. وكان الانقلاب خيارا مصيريا للجبهة لأن عدمه يعني إنهاء الحرب ووضع دستور للسودان أي إنهاء وجود الجبهة في الساحة السياسية. وجاء الانقلاب على عجل حتى دون وجود خطة مدروسة للحكم بعده فعلى سبيل المثال بدأت بإحكام الرقابة على النقد إلى درجة تطبيق الإعدام بسبب التجارة في العملة لتتحول فيما بعد إلى سياسة السوق المفتوح والرأسمالية الفاضحة وكأن شيئا لم يكن. ولا حاجة لنا لتعرية النظام والحديث عن الانتهاكات التي قامت بها حكومة الجبهة باسم الإسلام وباسم إنقاذ الوطن فقد خبرنا سياسة بيوت الأشباح والتصفية الجسدية والمهنية والأكاديمية والاقتصادية… الخ. بالفعل لا حاجة لنا لتعرية النظام فهو يفعل ذلك بنفسه وإن ادعى جنوحه إلى الديمقراطية والتسامح والعدل في الفترة الأخيرة (كما يدعي) إلا أن الحق لا يقوم وأساسه باطل.
    لم يكن مشروع الإنقاذ سوى استكمالا لمسيرة الطاغية نميري أو بالأصح استكمالا لمسيرة الجبهة الإسلامية التي وسوست لذلك الطاغية إلى أن نصبته إماما وخليفة إسلام ووسوست له إلى أن أعدم الأستاذ محمود محمد طه الذي كان أيضا يدعو لنهج إسلامي تجديدي .. وأتت لتكمل مشروعها الذي وأده الشعب بانتفاضة أبريل. لهذا لم يكن غريبا أن تبدأ الجبهة بإعادة قوانين سبتمبر83 في 91م مرة أخرى وتعيد سياسية النظام العام على السلوك الشخصي والمظاهر العامة للمجتمع وتستمر في تعاطي إشكالية الجنوب بإضافة العنصر الديني، ضاربين بحق المواطنة عرض الحائط لينقسم الوطن إلى مسلمين وغير مسلمين. واستمرت حملت النظام لأسلمت المجتمع قسرا .. وكانت النتيجة طبيعية .. انحلال أخلاقي واجتماعي في ظل انضباط مظهري شوفيني .. ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الإصابة بالإيدز في ظل تكتم من الأجهزة الرسمية.. تكدس رأس المال في أيدي رجالات الجبهة وتدني المستوى الاقتصادي للمواطن وإدعاء توفير كافة الخدمات والسلع رغم تردي أحوال المواطنين .. حتى الكهرباء التي صرنا ندفع ثمنها مقدما فإننا لا نجدها… كل ذلك وأكثر باسم الإسلام.
    وأتت حملت النظام التي شنها على إعلان القاهرة متناسيا تماما أن هذا ما احتفل به السودانيون قبيل الخاتم من يونيو 89م وأتى هو ليجهضه وليدعم الحرب لمزيد من الخراب ويجبر الشعب على حرب أصلا لا يطيقها ولا يريدها وما زال يبث دعواته باسم الجهاد ويسجل برنامج في ساحات الفداء لكسب المزيد من الشباب ليلقي بهم إلى التهلكة ويغرر بآمالهم وتطلعاتهم وعاطفتهم تجاه دينهم. ورغم ذلك اكتسح تحالف القوى الديمقراطية انتخابات جامعة الخرطوم حتى رغم حملات التكفير التي نالت بعض أعضاء التحالف، لكن الخطير في الأمر هو أن تنظيم أنصار السنة المحمدية حصل عدد مرتفع من الأصوات. وكان ذلك مؤشرا لتراجع الخطاب التنويري في الساحة هناك وهو ما دفعني بإلقاء هذه الورقة لإعادة تسليط الضوء على القضية.
    إن الذين يتحدثون عن أن نهج الإسلام السياسي في السودان هو سمة طبيعية في المجتمع السوداني إنما يجهلون أو يغالطون أنفسهم لأن تجربتي نميري والجبهة الإسلامية لم تطبقا إلا في إطار ديكتاتورية ترفض الآخر لأن وجوده يعني زوال دعوتهما. أو ربما أن السودان خلال عقدين من الزمان حكم بديكتاتورية إسلاموية أنست البعض من هو الشعب السوداني. والحديث هنا عن نهج الإسلام السياسي وليس عن الإسلام كقيمة روحية واجتماعية وأخلاقية في المجتمع السوداني. أقول هذا لكي لا أجد اسمي مدرجا في قائمة التكفير التي تبناها بعض الإسلامويون مؤخرا في الخرطوم وأهدروا دم عشرات الكتاب والصحفيين، لأنهم عجزوا أن يطلقوا رصاص الجهل إلى عقولهم فأرادوا أن يطلقوا النار على قلوبهم.

    -------------
    المراجع والهوامش:-
    - القيد الذي أدعو لكسره ليس قيد الدين..لأن الدين ليس قيدا أصلا .. إنما هو قيد التحجر والتخلف والرجعية التي تأتينا باسم الدين في أكثر الأحيان.
    - الهادي عثمان العمرابي - مجلة الفجر 1953.
    - الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية .. الشيخ محمد عبده.
    - الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية .. خليل عبد الكريم.
    - الشيخ أبو حامد الغزالي صاحب إحياء علوم الدين المتوفى سنة 505 هـ.
    - د. منصور خالد . لا خير فينا إن لم نقلها.
    - النقل هنا هو النص أو ظاهر الشرع من قرآن أو سنة.
    - الشيخ محمد عبده .. الإسلام دين العلم والمدنية .. أصول الإسلام .. تحقيق د. عاطف العراقي
    - ابن رشد .. فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال
    - منصور خالد .. لا خير فينا إن لم نقلها.
    - أعلام الموقعين .. ابن القيم الجوزية.
    - الصادق المهدي .. الإسلام النظام العالمي الجديد .. إصدار مركز الإعلام الخارجي لحزب الأمة.
    - الكشكول .. الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين العاملي المتوفى سنة 1031هـ.
    - حديث قدسي.
    - السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .. محمد أبو القاسم حاج حمد.
    - مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي .. د. يوسف فضل
    - دولة الفونج أو سلطنة سنار أو السلطنة الزرقاء.
    - السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل
    - وهو من تنسب إليه الطريقة الميرغنية في السودان
    - الأدب الصوفي في السودان .. د. الطاهر البشير .. النص والترجيع من السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .
    - السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .
    - النهضة .. المصدر السابق
    - المصدر السابق.
    أرشيف ووثائق رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين السودانيين – باكستان.
    الإنقاذ الأكذوبة .. الوهم – إسماعيل أحمد – وديع إبراهيم


    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=18911
                  

04-24-2008, 04:22 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محنة الإيمان المعاصر لدى حاج حمد


    يتضمن الملف ندوة نظمها الباحث العراقي طه جابر العلواني وآخرون بالقاهرة قبل أعوام لمناقشة بحث السوداني أبو القاسم حاج حمد «منهجية القرآن المعرفية وأسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية». كما توجد دراسة لحاج حمد عن «المبادئ التطبيقية لأسلمة العلوم». شاركت في الندوة أسماء إسلامية معروفة تكاد تجمع على أهمية الأفكار التي طرحها الرجل، لكنهم يجمعون كذلك على تعقيدها وتشابكها. لفت نظري في الندوة موقف محمد عمارة الأكثر وضوحاً وصرامة حيال حاج حمد، وجعلني أشعر بأن المواجهة بينهما تستعيد الصدام التاريخي بين الاتجاه النصوصي الظاهري حنبلياً وأشعرياً، والاتجاه العقلي والصوفي المتحرر في التعامل مع النص، رغم ان كلاً من الرجلين يحاول أن ينأى بنفسه عن هذا الانتماء الفكري. يقول عمارة في حديثه عن التفسيرات التي قدمها حاج حمد للنص القرآني، انها تفسيرات باطنية عرفانية. الأهم في موقف عمارة انه يدعو إلى قراءة جهود حاج حمد بوصفها ممثلة لمدرسة محددة تزعمها الشيخ السوادني محمود محمد طه (الذي أعدمه النميري بجريمة الارتداد)، وكتابه الشهير (الرسالة الثانية من الإسلام)، إلى جانب كتاب (العالمية الإسلامية الثانية) لحاج حمد (ص165). ويتهمه بأنه متأثر بالوضعية الغربية كما في تقسيمه لمراحل الوعي الإنساني. وبشكل إجمالي يأخذ عمارة على صاحبنا انه يدعو إلى تجاوز التراث وللسنة تحديداً، ويجد ان هذا لا يناسب ظروفنا كأمة فرض عليها القتال من قبل الغرب، وأمضى الأسلحة لهذه الأمة هو تراثها وحضارتها (ص169)؟



    أعتقد انه من غير المناسب مناقشة الملاحظة الأخيرة للدكتور عمارة، فهي ملاحظة سياسية ونحن نتحدث هنا عن أفكار علمية. خاصة وإنني لا أدري ان كانت (ظروفنا العسكرية) هي المعوق الأساسي لتجاوز التراث ونقده، أم ان لدى الدكتور مانعاً معرفياً موضوعياً. ولكن يهمني هنا التعليق على الصلة بين حاج حمد والراحل محمود محمد طه. لم أكن أعرف كثيراً عن الأخير حتى فترة قريبة حين حدثني عن أعماله بعض أساتذتنا، فقلت حينها ان حاج حمد في كتابه (العالمية) يذكر الرجل ويتبرأ منه ويدعو إلى تمييز عمله عن رسالة طه. يومها عدت إلى نص حاج حمد ثانية بعد ان اطلعت على نصوص طه نفسها[3] ولاحظت ان حاج حمد يظلم الرجل في سبيل تبرئة نفسه وهو استبق التهمة في الطبعة الأولى من كتابه (لاحظ ص115 من الطبعة الثانية) فراح يتحدث عن استقلالية منهجه وتميزه عن طه. وأقول ظلمه لأنه يصر في أكثر من مناسبة على ان الرجل يزعم انه يتلقى الرسالة الثانية للإسلام مباشرة من الله (العالمية، ص121و187). بينما لا نجد ما يرقى إلى خطورة هذا الزعم في نصوص طه أو تلك التي نقلها حاج حمد، وليس سوى حديث عن الشهود أو الكشف العرفاني المتداول بين المتصوفة على نطاق واسع. أحسب انه إنما تطرف في موقفه من الرجل إمعاناً في الدفاع عن نفسه، ورغم انني لا أود الخوض أكثر في هذا الموضوع، بيد ان انطباعي خلال قراءتي لأعمال طه وحاج حمد، هو ان الأخير يقدم نسخة مطورة بشكل متميز لأفكار محمود محمد طه، بفضل ما أتيح لحاج حمد من سعة اطلاع على الفكر الحديث تحديداً، الأمر الذي أدى إلى ظهور بعض الفوارق بينهما. يعرض حاج حمد عدة مبادئ تطبيقية لأسلمة العلوم، لكنه لا يتجاوز المفارقة القائمة في تحكيم نص جوهر قيمته قداسة الدلالة، على موضوع ذي طابع تكويني حقيقي، خاصة مع المجازات القرآنية التي يقرؤها بطريقة لا يمكن ان نستنتج منها قانوناً فيزيائاً[4]. كيف يمكن ان نطلق العنان لمجاز تمثيلي ليلعب دوراً في فلسفة العلم. ان حاج حمد يشترك في هذا مع الاتجاه السلفي الذي بدا أنه اختلف معه، كما ان هذا التوظيف للنص يتقاطع مع مقولة يتمسك بها حاج حمد كثيراً تقرر ان ثمة استلاباً لاهوتياً يوازي في خطره الاستلاب المادي الوضعي. بينما طريقته هذه في توظيف النص تفتح الطريق إلى استلاب العلم من خلال سيميولوجيا لاهوتية مكثفة. إذ ليس ثمة مبرر منطقي لاستدلالاته سوى المصدر الغيبي للدلالة بطابعها الافتراضي المجازي. ان ملاحظة طريقة الإمساك بدلالة النص تستدعي في هذا المجال لون التعامل المثالي الأفلاطوني بطابع تأملي صارخ يصلح ربما في مقاربة مفهوم في النقد الأدبي أو تصور لمعنى تجريدي، لكنه لا يمتلك قيمة كبيرة في نطاق المعرفة الرياضية أو فلسفة العلم والتفسير الاكتشافي، فهو على الأقل مما لا يمكن الاستفادة منه عملياً في مختبرات العلوم ومناهجها، ويظل بالتالي فرضية مجازية على أفضل التقادير، لا يمكن تقديمها كمبدأ في «فلسفة إسلامية للعلوم». سأتساهل مع نيتشه لو تحدث بهذه اللغة عن فلسفة الإرادة أو الفن، لكن من الواضح انه لا يحق لسارتر أو جبران خليل الحديث عن قانون فيزيائي بهذه الطريقة.



    لكن هذا لا ينفي أهمية الفكرة التي يود حاج حمد ان ينطلق منها في معالجته للنص القرآني. يقول: «ان من مهمات المنهجية المعرفية القرآنية ألا تتعاطى بعفوية مع عقلية التراث التفسيري الذي يستمد أصوله من الموروث التوراتي، الذي يستمد أصوله بدوره من الموروث الأسطوري البابلي، وإلا لاختلطت المعرفية القرآنية بأساطير الأولين وأغلقت دونها قدرات الوعي المنهجي». لكنني على الأقل، لم أجد عند حاج حمد في العديد من النماذج التفسيرية التي يقترحها، تجاوزاً منهجياً للنسق الأسطوري (المجاز، التخييل، التمثيل، التهويل)، مع انه يحاول أحياناً ان يتولى المصالحة بين التصور القرآني والعلم الحديث، وأحسب انه لم يعتمد خياراته ويفاضل بينها بوضوح، وهو ارتباك يعبر عن محنة الإيمان المعاصر وحيرته في آلية التوفيق بين المرويات الدينية ولغتها الخاصة، والمرحلة الراهنة من أداء العقل الإنساني. وغير بعيد عن أفكار حاج حمد، نجد الفيلسوف الإيراني حسين نصر مبشراً بنموذج «المعرفة والأمر القدسي» في حوار أجرته معه المجلة، وهو يستعير من التصوف مجازات يريد لها ان تبلور بديلاً لفلسفة العلم الحديث، ومعطيات ما بعد الحداثة التي يوظفها لنقد الحضارة الغربية.


    http://www.rifae.com/page.php?cat=13&id=25
                  

04-24-2008, 03:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حبابو عماد ... يا محمد عبد الرحمن العافيه اول ما قريت البوست ده فى الصباح قلته اطالبك بسحب كلمه جميل . لانه الحقيقه ما شفنا ولا سمعنا بجمهورى ما جميل تقول بنجروهم من الصندل . وقبلهم وحدهم ما بشبهوا الناس الثانيين لا بعرفوا مهاترات ولا لؤم ولا جشع ولا خباثه او مكر او حقد وقد يكون هذا سبب حسدنا لهم . والله يعلمنا منهم...ز
    التحيه ...
    شوقى ... شوقى بدرى

    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1103084589


    عماد بشري محمد احمد ...رجل بتهذيب المتصوفة وباخلاق

    الصالحين وبتواضع العلماء ، جمعتني به جامعة الخرطوم (كلية

    العلوم الادارية ) ، فكان نعم الصديق والرفيق ، قضيناها اربعة

    اعوام عجولة عجولة كانت ، كما البرق ذهبت ، وخلدت ذكريات

    بطعم الشهد ....

    رحبوا معي بتلميذ الاستاذ محمود محمد طه النجيب ، نختلف في

    الرؤي ونجتمع في عمق الالفة والمودة ، وفوق كل ذلك نجتمع في حب

    المصطفي عليه السلام ، فقد كان عماد بشري يحلق بنا في

    عوالم العرفان والانشاد النبوي الجميل ، انشدنا معه للنبي ولفاطمة

    الزهراء ، لابن عربي ولرابعة العدوية ، شربنا معه انخاب

    من الحب الالهي والنبوي الجميل ، ولم نخذله وانشدنا

    معه ايضا (شيء لله ياحسن ) ....


    رحبوا معي بالفتي الخلوق المهذب عماد بشري ، وافتحوا له

    الابواب ، فلمثله تفتح الابواب كيفما يشاء .....

    مودتي ...
    ===========
                  

04-24-2008, 08:08 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محمود محمد طه و تميمة الشفاء

    عبد الله الشقليني
    [email protected]

    (1)

    كتب الشاعر درويش :

    لملمت جُرحك يا أبي

    برموش أشعاري

    فبكت عيون الناس

    من حُزني ... ومن ناري

    وغمست خُبزي في التُراب

    ....................

    (2)

    وكتبنا :

    هذا زمان الطيف يُحْيي مَوات الأرض .

    هذا ربيع الصفاء ،

    يحمله الريح إلينا.

    يهُز جُذوع أشجارٍ

    لكَ تقرأ أسفاراً .

    تَمَهْلتَ الطريق إلى العُلا .

    مولدك المُنى يا سيد الغائبين ،

    يا عالياً في بُرجِك.

    اهتديت لتُهدي

    ومن ورائكَ الأحجارُ ،

    في تسبيحها حين تذكر رَبك ،َ

    تنظُرك َ بفرَح السُكون وتَبتهِج .

    (3)

    كُلنا لم نَعرفك حق عِرفانك إلا عند رحيلك الساطع ، حين توهج نجمك في ضُحى الجمعة العظيمة مرقتَ مروق السهم من بين أبناء جيلك. رميتَ القدح المُعلَّى وخير الطبقة التي أثرت من كدح الفقراء و من خير الزرع و الضرع .هُم تعلّموا وتيسرت لهم سُبل العيش الكريم وقليل منهم نذر حياته لرد الجميل .أنت مع القليل تبذُر للفلاح

    جئت أنتَ سيدي من بطن أمٍ ولدتكَ والمستعمر يدُق أوتاده سنوات من بعد كرري واستباحة أم درمان .

    (4)

    اعتاد العُباد على المحبس الفردي ففيه يتخفف المرء من أحمال الحياة ويبدأ التعميد من جديد.كنت سيدي من السباقين ومن بعد فك أسركَ الأول جلستَ جلوس المُخلصين للقراءة والتأمُل في رُفاعة وجَلَست معك المحبة تقرأ لك من الذكر الحكيم :

    {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء .....} فاطر28 .

    سألت ربك وانفتحت نعمة الفِكَر عليك . كان إيمانكَ هو القوي فتدفقت نُذر الخير مطراً مِدراراً. من هناك تفتَّح الذهن المُتقد واستبطنتَ التاريخ القديم والحاضر و وَلجتَ المُستقبل ونهلت من أعذب الموارد التي ينهل منها صِحابكَ المتصوفة وهم في الطريق . جلستَ للصفاء وحفرتَ بأظافر تقواكَ حتى انفتحت لكَ الآفاق .جالس أنتَ على بُساط الأرض . لباسكَ من لباس العامّة ومجلسكَ للعلماء مكاناً للترويح . فروحكَ السَمحة بوابة للنفوس العطشى لتغرف من الروح عندما يكون الإنسان مُتصالحاً مع نفسه .

    (5)

    لم تغب أنتَ عن رؤى الذين من حولكَ وكنتَ وسطاً مُبدعاً يرى العقيدة روحاً تُرفرف تُعيد للإنسان حيويته ومحبته للآخر . أوجزتَ رؤاكَ عن البدائل التي تحترم الفرد وتحترم الحرية . تحدثت عن علوم النفس البشرية وعن فكرتك غير المسبوقة في تأويل النصوص تمهيداً للفهم العميق للرسالة المُتسامحة التي احتجبتْ من ثِقل عظمتها عن عقول الذين عاصروا حياة النبوة ونَسَختها الشريعة فهي تُناسب أهل الزمن الماضي إلى أن جئتَ بنظرتكَ الثاقبة واكتشفت العقيدة وروحها بالتأويل، فكانت الرسالة الثانية .

    (6)

    عندما يجلس الذين ينتظرون الفيض الرباني عند الشروق أو المغيب تتبدى فتنة الشمس في ألقِ بهائها . تخرُج موجات تحت الحمراء لتُقِّوي الأجساد والأرواح . جلستَ أنتَ جلوس الصبر في خلوتكَ ساكناً مُتأملاً , دواخلكَ يصطخِبُ موجها وإلى الشواطئ تستريح . نهلتَ من زاد المتصوفَة و حيواتهم الضاربة في عمق التاريخ وهي تقول لك :

    ـ اركب رواحِلنا إن كنتَ ظمآن لترتوي .

    نهلتَ سيدي من الينابيع الصافية فخير الزاد التقوى . صبرت على الدُنيا وهي تُغريك بلباسها المُترَف ولم تستجب . على بساط الأرض حيث تدُب الكائنات تطلب رزقها جلستَ أنتَ تتأمَلْ .

    على وجهكَ كلما نظرنا يفتَّر بَسمك . عابدٌ أسعدته الدُنيا وغسلت نفسهُ من كل تاريخ الإنسانية الأسود وَعُدتَ طفلاً ملائكي الملمح والمشرب والمسكن والمسلك .ضرب ذهنك المُتقد الآفاق بأجنحة فراشٍ خُرافي يأمل أن ينظره ذو مِرِّّة حين يستوي على الأفق الأعلى . يلمحه بطرف ذاكرة النبوة حين تفيض على المُحبين . سِرتَ تطلُب الرُقي وكان النبي الكريم سائراً قبلكَ وعلى خطوه مَشيت .

    (7)

    على كفيكَ قمرٌ هُنا وشمسٌ هُناك ، تَحمَّل وجدانَك طريق المتصوفة بعقولهم النيِّرة . آن لمخاض الفتح المعرفي أن يكشِف الدروب التي تأمل أن ترتقي سُلم المجد الرباني . رحيلك البهي سيدي وأنتَ تتلألأ إشارة أن موعد التغيير قد حان أوانه . للذين يمشون على وقع الحافر من بَعدك ، عليهم خطوات لغسل ما تبقى من أثر غلظة ماضٍ ينتظر تثقيف السِنان برِقة الإنسانية .

    على الزهر الذي أينع في ذكراك تكوَّر الندى وتجمع السحاب في السماء يُظللنا من شمس الضُحى وهي تعتدل إلى الظهيرة .أفواج المُحبين والمندهشين جاءوا لوداعَكَ فالجلاد لم يكن في حُلة الرُعب يرتجِف مثل ما كان ذاك اليوم .أغمضَت الشمسُ أجفانها نذير عافيةٍ كصراخ الأمهات عند الطلق وإلى موالد الأنوار أطفالاً إلى المُستقبل و نفض العُقاب جناحيه وانتفض .

    أيها البهي الذي ينظرنا من العُلا : كنتَ تعُدّ العُدّة لتكملة النذر الذي نذرته على نفسِكَ و وهبتَ تلاميذك والقراء جميعاً مفاتيح كيف يرتقي المرء من أرضه وتُطل السماء بأنوارها علينا و تُزهر حقول الحياة .

    عبد الله الشقليني

    21 /10 / 2007 م

    اكتوبر 23 الفان وسبعة
                  

04-24-2008, 09:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    Last Update 23 اكتوبر, 2007 08:02:11 PM

    إلغاء عقوبة الإعدام بالسودان .. هل من ملتمس (1)

    عصمت عبد الجبار التُربي- سلطنة عمان
    [email protected]

    عقوبة الإعدام كعقوبة استئصالية هي أقصى عقوبة توقعها المجتمعات البشرية على الجاني, ويصادف العاشر من أكتوبر من كل عام الاحتفال باليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام , لقد ألغت الولايات المتحدة هذه العقوبة لأول مرة في العالم عام 1786 ولازالت بعض ولاياتها تطبق هذه العقوبة, اليوم هناك 13 دولة افريقية ألغت هذه العقوبة كما ان بنين والمغرب أوقفت تنفيذ عقوبة الإعدام, بالطبع دول أوروبا كلها حوالي 27 دولة قد ألغت هذه العقوبة وبلغت عدد الدول التي ألغت هذه العقوبة في العالم 128 دولة ( المصدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان )

    أما الدول العربية الوحيدة التي ألغت هذه العقوبة فهي دولة البحرين والمغرب وصلت الشوط النهائي لإلغائها , و كقانوني عملت داخل البلاد وخارجها في النيابة والمحاماة وعايشت من تبقت ساعات لإعدامهم وهم قابعون داخل غرفة (الليلة الأخيرة) فان يأس المحكوم عليه وخوفه يعديك مثل التثاؤب وتشعر بفراغ هائل وان قدميك لا تقويان على حملك وإذا رأيت الجلادين وهم يقودون المحكوم لنهايته المحتومة وقد انهارت قواه وهو يجرجرونه مثل حيوان قبل ذبحه لأدركت مدى وحشية هذه العقوبة , لذا آمنت بوجوب إلغاء هذه العقوبة غير الإنسانية وكتبت عدة مقالات في مختلف الصحف السودانية وجدت قريبا قصاصة لإحداها بتاريخ 7/7/1996 بجريدة أخبار اليوم السودانية الصفحة الأخيرة تحت عنوان (التحديق نحو الشمس) وفيها تنبيه لعدم إنسانية هذه العقوبة وطرق تنفيذها ومقارنة بين مصر والسودان في طريقة التنفيذ , وتقول منظمات حقوق الإنسان ان عدد ضحايا هذه العقوبة يقترب من الأربعة ألف شخص في العام .

    سأحاول في هذا المقال وما يليه توضيح حجج من يقولون بإلغائها ومن يقولون بإبقائها ورأي الشريعة الإسلامية في ذلك ونظرة لمستقبل هذه العقوبة بالسودان ومدى إمكانية إلغاؤها مراعياً الايجاز الشديد , أرجو بهذا ان أدير نقاشاً يشترك فيه من يرغب فالأمر لا يقتصر على القانونين فقط , وحبذا لو انتقل الحوار لدوائر الإعلام في السودان من مقدمي البرامج في الإذاعة والتلفزيون والصحف.

    لقد أثارت الدول الأوروبية ضجة بعد إعدام الرئيس صدام حسين وعدم الانضباط في تنفيذ العقوبة على برزان تكريتي حيث فصلت رأسه عن جسده وطار مسافة 30 متر , ونادت مجدداً بإلغاء عقوبة الإعدام في العالم كله.

    وهناك صراع فكري محتدم في الوقت الحاضر بين من يقولون بإبقاء عقوبة الإعدام وبين من ينادون بإلغائها , لقد أصبح إلغاء عقوبة الإعدام من الدستور هو احد شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي مثلا فهم يمارسون ضغوطا على تركيا لإلغاء عقوبة الإعدام إذا أرادت ان تدخل النادي الأوروبي .

    إذا فترضنا ان هناك جزيرة يعيش فيها شخصان واثر نشوب خلاف بينهما قام احدهما بقتل الآخر , فهل ننفذ عقوبة الإعدام إرضاء للعدالة فكما قتل يقتل , أم ان الأثر الاجتماعي هو الهام فطالما لا يوجد شخص آخر على الجزيرة فلا داعي لقتله , هذا سؤال فلسفي قديم .

    استندت معظم الآراء التي تطالب بالإبقاء على عقوبة الإعدام إلى اثر الردع العام الذي تحدثه هذه العقوبة فإذا كان الألم الذي تحدثه هذه العقوبة اكبر من اللذة التي يحصل عليها المجرم فإنه يكف عن ارتكابها.

    أما عند ((كانط )) الذي ابتدع نظرية العدالة المطلقة فإن الجاني يعاقب طبقا لما اقترفت يداه , فالجاني الذي يرتكب جرما خطيرا يؤدي إلى إزهاق أرواح الآخرين فإن اقل شي يمكن فعله تجاهه هو إزهاق روحه هو الآخر لتحقيق مقتضيات العدالة.

    وكثيرون يرون ان التكفير عن الجريمة هو الهدف الحقيقي للعقوبة ويعتقد الضمير الجماعي ان عقوبة الموت هي السبيل الوحيد لتكفير المجرم عن أفعاله .

    ويرى آخرون ان عقوبة الإعدام ضرورية لدفاع المجتمع عن نفسه ضد بعض الجرائم الخطيرة التي لا تحترم الحياة الإنسانية , ويضيفون حجة أخرى وهي قيام الدولة بإلغاء عقوبة الإعدام بصورة منفردة سوف تجذب مواطني الدول الأخرى المجاورين لها و لاسيما المجرمين منهم إلى النزوح إليها لارتكاب ما يشاءون من جرائم دون ان يتعرضوا للإعدام , ومن ضمن آراء المؤيدين للعقوبة ان إلغائها سوف يؤدي إلى إعادة النظر في بقية العقوبات الأخرى مثل السجن المؤبد والأشغال الشاقة كما يرون ان إلغاء العقوبة سوف يساوي في العقوبة بين الجرائم بغض النظر عن خطورتها كالسرقة وقطع الطرق - الحرابة- والحريق بظرف مشدد وهي جرائم كان يعاقب عليها بالسجن المؤبد فلا يتورع المجرم من ارتكاب جرائم أخرى مثل السرقة مصحوبة بالقتل ,ومثلا ماذا يضير مجرم محكوم عليه بالمؤبد من قتل زميل له بالسجن طالما انه يعلم انه لا جديد في الموضوع وسوف يستمر في السجن. (( انظر مؤلف د . ساس سالم الحاج, عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء ))

    وأخيرا يرى العديد من الباحثين ان التعاليم الدينية تبيح عقوبة الإعدام بل تطالب بتطبيقها وعدم إسقاطها ومن خلال التعاليم الدينية تستمد هذه العقوبة مشروعيتها فلا يستطيع المشرعون إغفالها أو إلغائها ما دامت التعاليم الدينية تنص عليها .

    أما القائلون بإلغاء عقوبة الإعدام فيرمون بسهامهم على عدة أوجه , سندهم الأول هو الدفاع عن الحياة نفسها واحترام الحياة الإنسانية مهما كانت النتائج , واقوي حججهم تتمثل في حصول أخطاء قضائية تؤدي بالمتهمين إلى حبل المشنقة دون ان يكونوا قد ارتكبوا فعلا الجرم المسند إليهم ورغم التقدم العلمي في مجال التحقيق الجنائي فان هذه الأخطاء تجد طريقها من حين لأخر , وتكمن المشكلة في عدم إمكانية إصلاح الخطأ القضائي المرتكب بعد تنفيذ الحكم الصادر على المتهم كما ان الإعدام بسبب الآراء السياسية يعتبر اكبر ثغرة في عقوبة الإعدام , ونحن في السودان قد عانينا من هذا , فمحاكمة المدنيين من قيادة الحزب الشيوعي السوداني أمام محكمة عسكرية عام 1971 ثم إعدامهم بعد ذلك أمر غير قانوني وكذلك إعدام الأستاذ محمود محمد طه بسبب أفكاره وآرائه كان جريمة القرن .

    ويذهب أنصار إلغاء عقوبة الإعدام إلى ان المجرم لا يفكر في العقاب الذي يوقع عليه , إذا عقد العزم على ارتكاب جريمة بحيث ان همه الوحيد يقتصر في هذه المرحلة على كيفية ارتكابها والطريقة التي يستطيع بموجبها إخفاءها بعد ارتكابها ان الردع الذي تحدثه عقوبة الإعدام ليس مطلقا ويتأثر به بعض الناس دون بعضهم الأخر , كما تقتضي قيمة هذا الردع دراسة حركة الإجرام في البلدان التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام وفي البلدان التي ألغت هذه العقوبة جزئيا أو كليا .

    ويذهب أنصار الإلغاء إلى التأكيد على ان معظم المجرمين لم تردعهم عقوبة الموت عن ارتكاب جرائمهم لان هناك دوافع عديدة قادتهم إلى ارتكابها دون حساب للعقوبة المنتظرة أو لأنهم يعتقدون في أنفسهم بأنهم يكونون بمنجاة منها , وأثبتت الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص ان هذه العقوبة لم يكن لها اثر في ازدياد الجرائم أو نقصانها , بل ان العكس كان صحيحا ففي البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام جزئيا أو كليا تناقص فيها الجرائم الخطيرة .

    ان عقوبة الإعدام التي يخشاها الناس المحترمون الأسوياء الذين لا علاقة لهم بالجريمة أو العنف إلا أنها لا اثر لها بالنسبة للمجرمين ومرضى العقول وغير الأسوياء ومن هنا تفقد هذه العقوبة أي اثر لها وخصوصا وقد ثبت فعلاً انه عندما كان يتم تنفيذ عقوبة الموت علنا فإن الكثيرين الذين حضروها لم تردعهم عن ارتكاب جرائم القتل , وهذا النظر تؤيده أحكام الإعدام في إحدى الدول العربية التي تنفذ أحكام الإعدام في الأماكن العامة المفتوحة للجمهور نهاراً جهاراً بقصد الردع ويصل فيها ضحايا عقوبة الإعدام في العام عدد ضحايا حوادث السير مما أثار قلق منظمات حقوق الإنسان ومع ذلك لم تقل الجريمة .

    ان ما يتسم به عصرنا الحاضر من احترام متزايد لحقوق الإنسان طبقا للإعلانات الوطنية والدولية بخاصة ولاسيما في مجال المحافظة على حياته وعدم المساس بجسده ورفع أي تعذيب مادي أو معنوي يلحق ببدنه يشجع على المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام التي سيحدد حتما مستقبل بقائها أو إلغائها طبقا لاحترام حقوق الإنسان .

    ان أول من نادى بإلغاء عقوبة الإعدام هو ((بيكار يا )) صاحب نظرية المنفعة , (معاقبة المجرم إذا كان في ذلك منفعة للمجتمع( ووصفها بالوحشية وعدم فائدتها في القضاء على الجرائم ولم يناد بإلغائها بصفة نهائية ولكن طالب بالتقليل منها وحصرها على أفعال معينة ذات خطورة كبيرة وكان ذلك في القرن الثامن عشر .

    وهناك دول عديدة لم تلغ عقوبة الإعدام صراحة إلا أنها امتنعت عن تطبيقها ضمنا, فالمحاكم تنطق بها والتنفيذ لا يتم بموجبها واستخدام حق العفو ثم التوسع فيه لوقف تنفيذها.

    لقد كان أيضا للتعاليم المسيحية المتسامحة دورا كبيرا في إلغاء عقوبة الإعدام فالمسيح عليه السلام كان ضد عقوبة الموت وحواريه وأتباعه الذين نشروا تعاليمه من بعده سلكوا السبيل نفسه , اما الاسلام فلم ينادي بتطبيق عقوبة الاعدام وانما نادى بالقصاص في حالة القتل العمد والذي يمكن الاستغناء عنه بعقوبة الدية أي دفع تعويض في حالة تسامح اهل الضحية مع الجاني , اما في الجرائم الغير مقصودة فيكون الجزاء الدية فقط .

    ان حرمان المتهم من الحرية مدى الحياة كاف لان يدفع المجرم ثمن ما ارتكبت يداه , ويقول المحامي دريد بشراوي , ان قتل القاتل لا يعوض اهل الضحية خسارتهم الجسيمة لا تعوض ولو قتل القاتل لما بلسم ذلك الجراح ولا اعاد على اهل الضحية عزيزا مضى في لحظة قدر .

    ان التشريعات المتحضرة تنبذ فكرة الثأر , ان الغفران والتسامح هو وحده الذي يعيد راحة النفس لا الثأر ولا تشفي .

    اهل القتيل هم ضحايا لأنهم يتألمون بفقد حبيب غال ولكن بقتل القاتل نعمل على ايجاد ضحايا جدد يتألمون هم ايضاً بدورهم بسبب ما يلحق بسمعتهم من مس او اذى يصيبهم في الصميم وفي الكرامة وبسبب المعاناة التي سيلقونها تكفيراً عن جريمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل فلنوقف اذن القتل والقتل المضاد ( نواصل ) ...

    _________________
                  

04-24-2008, 11:24 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ورقة التوت
    سودانايل 27 اكتوبر 2007
    دفن الآباء أو الانتقام الفني من صورة الأمام المهدي

    خالد موسي دفع الله
    [email protected]

    أبتدر الأديب المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي علي صفحات الأهرام القاهرية سلسة مقالات حول النهضة والأنحطاط في ذكري الشاعرين حافظ وشوقي بمناسبة مرور ثمانية عقود علي وفاتهما.واستعرض حجازي في مقالاته ما أسماه ظاهرة دفن الآباء حيث ناقش بأستفاضة نظرية أدونيس في الأتباع والأبتداع،وتتبع نقده لأدباء عصر النهضة الحديثة خاصة شوقي وحافظ أبراهيم ، وهما حسب مقاييسه لا يعدوان أن يكونا مقلدين، حيث أن لغة شوقي حسب زعمه مشبعة بالكلاسيكية وتستقي من القاموس القديم وفيها صدي لديباجة المتنبي وصوره الشعرية. وحتي محاولته التجديدية نبعت من معارضته لخرائد القصائد العربية، كما أستهلك طاقته الشعرية في الأغراض القديمة الغارقة في المدح والوصف ، وأسقط ذات المعايير علي شاعر النيل حافظ أبراهيم. ولا أدري لماذا عمد الأديب حجازي الي محاكمة أدونيس وأسقاطاته النقدية بعد مرور ما يقارب الأربعة عقود علي كتابه المذكور الذي صدر عام 1969..ولا شك أن هذه الحفريات قد أرتقت بالهم الثقافي لمناقشة أخطر قضية ظلت تسيطر علي دائرة الجدل الأدبي وسط النخب المثقفة في العالم العربي.ألا وهي قضية الحداثة والأنحطاط والنهضة ودور الأدب في التعبير عن ملامح وخصائص هذه النهضة . وأضطر الأديب حجازي في مقالاته الي أستعراض فذلكة تاريخية متطاولة أشار فيها الي أن مصر ظلت لمدة 23 قرنا تحت الأستعمار الأجنبي ، أي أنها كانت فاقدة لشخصيتها الوطنية ، وأبداعها الثقافي المتوطن في وجدانها الأجتماعي . وبدلا من أن يناقش أدعاءات ومزاعم أدونيس عمد الي تفكيك الواقع التاريخي السابق للنهضة ..وقد شاع أن نهضة مصر الحديثة بدأت بأحتلال نابليون الي مصر ..وقيام دولة محمد علي حيث أزدهرت حركة البعوث العلمية والترجمة .. وقال أن النهضة تقوم علي شرطين الأول هو أكتشاف العالم والأتصال بحضارته مثلما فعل بعض المفكرين مثل أحمد فارس الشدياق في كتابه كشف المخبأ في فنون أروبا والطهطاوي في تلخيص الأبريز وخير الدين التونسي في أقوم المسالك.والشرط الثاني هو أحياء التراث القديم كما فعلت أروبا في أحياء التراث اللاتيني واليوناني .

    العودة الي التراث وأحياء الفنون القديمة كأحد شروط النهضة جاءت متلازمة مع حركة المقاومة الوطنية لأنها تشعل شرايين الثورة بالأدب المقاتل وشرارات الوعي الوطني...ويقف هنيهة مع أدونيس الذي يري أن حركة الشعر لم تعبر عن أصداء النهضة لأنها لم تنقل حركة الشعر من وضعها القديم الي موقف جديد متقدم..

    هذه الشنشنة التي تدور علي صفحات الأهرام تكتسب أهمية نوعية لأنها تناقش وتجادل في شروط النهضة وأسباب الأنحطاط، ولعل مما زاد أوارها هي النزعة الوطنية التي تلبست حجازي الذي عكف علي مراجعة الأطروحة النقدية لأدونيس بعد نيف وثلاثين عاما لأنه جرد مصر من دورها الريادي في قيادة النهضة ، وشكك في دور الطليعة والرواد من لدن البارودي وشوقي وحافظ حاملوا لواء نهضة الشعر الحديث.

    ظاهرة دفن الآباء عادت في أقوي صورها الي المشهد السوداني عبر الفن التشكيلي، وهو أقرب الفنون للأسقطات الأيديلوجية وتسنمت بعض التيارات الفكرية التي ترفض مسلمات التاريخ ، الدعوة لتبخيس أنجازات الآباء المؤسسيين للدولة السودانية الحديثة ، ولا شك أن هذا الشكل من التعبير الفني قد أستقي أفكاره المركزية من تيار الرفض الأجتماعي في تجلياته السياسية والثقافية والفكرية التي تري أن التاريخ المكتوب هو تاريخ زائف لا يعبر عن جوهر الحراك الأجتماعي ولا يعترف بالفسيفساء الديمغرافية التي أثرت التنوع التاريخي والمعاصر ، وأنكرت دور الفواعل الأخري التي تنتمي الي الهامش ، لذا فأن الراهن المعاصر هو تمثيل زائف للحقائق التاريخية ، وخيانة لصيرورتها الأجتماعية ، مما يستدعي أشتداد معاول الهدم الوطني وأعادة بناء وتشكيل الأمة السودانية علي قواعد جديدة من التصورات ، ولا يتم ذلك إلا بالتمثيل بصور الآباء المؤسسين للدولة السودانية الحديثة وأن دعا ذلك الي بقر بطونهم وتشقيق أكبادهم....

    ولعل أشهر من عبر عن هذا الخطاب بشكل صارخ هو الفنان التشكيلي خالد كودي الذي أكتسب شهرة واسعة في الولايات المتحدة وأصقاع أروبا المختلفة لمثابرته الفنية وناشطيته السياسية، ومشاركته الفاعلة في معظم المعارض والفعاليات الفنية..وأعتماده علي تكنيك فني يستبطن في خطوطه والوانه تعبيرات صارخة وصادمة للوجدان السوداني..وهو تكنيك قديم أشتهر في منابر الجدل السياسي يقوم علي أحداث نوع عنيف من الصدمة تهز المسلمات والخبرة التاريخية المتراكمة وتقوم فلسفته علي السفور الفني الجارح وتعرية التاريخ الوطني وأسقاط لوازم ومقتضيات الستر الأجتماعي .

    علي ذات النسق شارك الفنان خالد كودي في أحدي مؤتمرات جمعية الدراسات بولاية بنسلفيانيا بعرض فني باذخ يحتوي علي عدة جداريات..وقد أبتدر معرضه الفني بعرض مبتكر رسم فيه القادة السياسيين عراة كما خلقهم الله من الرئيس البشير حتي رافع علم الأستقلال أسماعيل الأزهري، وأستثني من القادة عبد الخالق محجوب ونقد ومحمد عثمان الميرغني ومحمود محمد طه، وأبتدر عرضه مؤكدا أنه يبحث في تعرية التاريخ الوطني ، وأنه ينزع بلوحاته ثوب القداسة من الزعماء والقادة الذين خانوا وطنهم وشعبهم..وتوسطت العرض جدارية ضخمة للأمام محمد أحمد المهدي مع عدد كبير من النساء يشاركنه المخدع ويرقدن حوله ، و زين الجدارية بأوراق ووثائق من فترة المهدية السابقة..وفي التعريف بالمهدي قال أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه ، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة وأستدل علي هذا الزعم بالوثائق المنشورة في كتابات أبوسليم عن تاريخ المهدية و أملاك بيت المال الذي كان يحتوي علي سجلات بعدد وأسماء الرقيق في زرائب الأبيض وام درمان وغيرهما..وعن وجوه النساء في اللوحة الجدارية قال أن المهدي كان عاكفا علي الأستمتاع بملذاته الحسية وله أكثر من 100 عشيقة ،يتساقطن علي فراشه مثل فراشات النار ..وقال مذكرا أنه أراد فقط تعرية التاريخ الوطني وسحب ثوب القداسة عن أجساد زعمائه وقادته ، وأختتم عرضه بما أسماه النموذج الأمثل للأنسان السوداني وهو أنسان الهامش ..وكل ما عداه هباءا منثورا..ولا أستطيع بطبيعة الحال أن أصور حجم الصدمة لدي زوار المعرض من الأمريكيين والسودانيين، ولعل تلك الصدمة الشعورية هو ما أراده الفنان فعلا..

    لقد لمست أتقانا فنيا بديعا في الخطوط والألوان والفراغات ، ولكن صدمني التهريج الفني الذي يتكئ علي فكرة فوضوية تزعم أن فكرة تعرية التاريخ تعني التعرية الحسية للجسد، إذ بأمكان الفنان المبدع أن يعري التاريخ دون تعرية الأجساد ، لأن تعرية التاريخ هي فكرة ملهمة تستعلي علي الترميز الفوضوي ويمكن التحليق بها في فضاءات رحيبة من الالهام المبدع..دون أن تسقط في وحل الهجائية والريطروقيا وله أن يسكب عصارة أبداعه علي أدانة كل تاريخنا الزائف ، وأن ينتقد بروية وحصافة كل الصيرورة التاريخية للأنسان السوداني ، وأن يسلخ جلد التجربة السياسية وله حق نصب المشانق الفكرية والثقافية لأدانة رموزها وسدنتها ، و ذلك نقد مبدع ومشروع ومحبذ وسط النخب المثقفة..ولكنني أقف بقوة ضد التمثيل الفني بصورة الأب المؤسس للدولة السودانية الحديثة founder of the nation و ضد أن تبقر بطنه وتلاك كبده في فضاء التاريخ وعلي رؤوس الأشهاد..بل وتمتد الأدانة لينكر جهاده البطولي الذي شهدت به الدنيا ، لا بل و أن تنكر دماء الشهداء الذين صنعوا لنا العزة والمجد والسؤدد.والآن ماذا تبقي لنا في تاريخنا الوطني..الذي بدلا من أن يكون مداعاة للفخر ، يراد لنا أن نطأطئ رؤسنا خجلا من خيباتنا وعارنا لأن الأمام المهدي تاجر رقيق وزير نساء.

    بهذه اللوحة تطل علينا ظاهرة دفن الأباء بصورة أكثر شراسة مما عهدنا ، بل وتمتد لتمس وجدان الأمة وترسم جرحا غائرا في عصب التاريخ و تستصرخ كل مسلماتنا التي عكفنا عليها بأظافرنا نحتا ورهقا..ولنا أن نجدد السؤال كما أفترعه أحمد عبد المعطي حجازي لمصلحة من يتم دفن الآباء... فالأمام المهدي لم يكن طائشا نزقا يستخدم السيف لأشباع ملذاته الحسية ولم يكن تاجر رقيق يشيد الدور ويكنز الذهب والفضة ، بل كان مجاهدا ، ومجددا وقائدا وفقيها وثائرا وبطلا قوميا وأبا مؤسسا للدولة السودانية الحديثة..

    هذه ليست أدانة شخصية للفنان خالد كودي الذي يختزن طاقة أبداعية هائلة ، وأداة فنية باهرة ، ويملك عصا الأدهاش بريشته وخطوطه والوانه في رحلة بصرية ساحرة ولكنها أدانة جمعية لمدرسة هذا التعبير الفني و التيار الفكري الذي يمارس الهدم الوطني ويجترئ للتمثيل بصورة الأمام المهدي ويغرس خنجر الأنتقام الفني في قلب تاريخنا الوطني ،لأن هذه الأطروحة الفنية هي أصدق تعبير عن التيار الفكري العامل لنسف الدعائم الوطنية والمسلمات التاريخية والداعي لتفكيك السودان وأعادة تشكيله من جديد لأنه حسب زعمهم ما يزال في مرحلة سيولة وتشكل ولم يصل الي مرحلة الصلابة النهائية،، فلا بد من مواصلة الهدم الوطني الذي لا يستقيم إلا بهدم فكرة مؤسس الدولة السودانية الحديثة والقائها في مذبلة التاريخ..ومرة أخري نجدد السؤال لمصلحة من يتم دفن الآباء

    _________________
                  

04-25-2008, 00:31 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عبدالله عثمان
    جامعة اوهايو
    [email protected]

    مما يؤثر عن الأستاذ محمود محمد طه أن رجلا قد رآءه على أيام خلوته مرتديا ثيابا لم ير ذلك الرجل أنها ترقى لمستوى "الغردونى" الذى فى ذهنه، فلما رأى الأستاذ محمود منه ذلك أجاب على حيرة الرجل بـ :

    إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل!!

    وقد رأته حفيدة له بلباس السجن الخشن فى كوبر فتأثرت لذلك فسرى عنها أن هذا أشرف وأحسن لبس، ذلك لأنه إنما لبسه لأنه وقف وقفة الحق فى وجه السلطان الجائر فأكتسى بذلك الهيبة والجلال.

    كانت خلوة الأستاذ المعروفة بعد حادثة "الخفاض الفرعونى" الشهيرة فى رفاعة والتى حبس فيها الأستاذ محمود لعامين ثم لما خرج قال أنه رأى أن الناس تجعجع "فى أمر الدعوة للإسلام" فلم تطب له نفسه أن يجعجع فاختلى بها ليعرفها ويعيش فى سلام معها وينشرها للناس وقد فعل.

    وبعض ما عناه الأستاذ بـ "الجعجعة" هو أن الناس لا تفعل ما تقول ولذا فقد قال قولته المشهورة عن أن الإنجليز قد تخرج اليوم أو غدا ثم لا نجد أنفسنا أحرارا ولا مستقلين وانما استبدلنا الإنجليز بسودانيين فى أسلاخ "إنجليز"، وقد كان، فقد تدّثر الناس للناس بالصوف اللانكاسترى الفاخر، ولا يزالون، ثم هم بعد يخاطبون، وفى درجة حرارة قد تصل لخمس وأربعين، بذلك اللباس، أناس قد إهترأت "عراريق" الدمورية منهم!! وقد يستشهدون لهم بعدل عمر ويمنونهم بدولة عمر!!

    وقد لاحظ حامد درار – باحث سودانى فى شئوون الغذاء – أن الصفوة المتعلمة بعد خروج المستعمر قد نحت للتشبه بالمستعمر فيما يخص الطعام فأختفت "الكسرة" من موائدهم وحل محلها الخبز الأفرنجى. ويمكنك أن تقيس على ذلك الملبس والمسكن وما الى ذلك.

    وتأسيسا على ذلك، فقد كان من الواضح أن تلك الصفوة "الغردونية" قد خلقت وقتها حاجزا بينها وبين السواد الأعظم من السودانيين، إذ يتأفف السودانيون بطبعهم من مخالطة "الما متلم" فى "البساط الأحمدى" ولكن يقول حسن مكى ويقول غير حسن مكى أنهم كانوا يجدون "لقمة الكسرة" عن الأستاذ محمود محمد طه، أى كان منزله مفتوحا ويجيئه كل الناس بلا موعد. كان الأستاذ يقول أن يوم الويكاب دة يوم عيدنا!!

    ودعوة الأستاذ محمود الدائمة لـ "ساووا السودانيين فى الفقر الى أن يتساووا فى الغنى" عاشاها لحما ودما فلم يتميز عليهم فى شىء وقد نعى على رجال الدين تميزهم على عامة الشعب بملبس خاص اتخذوه لأنفسهم بل أنه ذهب ليبين لهم أن ليس فى ديننا شىء اسمه "رجال دين" وانما هذه بدعة أتتنا بعد أن حلت بنا النذارة "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه!! قالوا: أاليهود والنصارى؟؟ قال: فمن؟؟!!" ولقد تميز رجال الدين عندنا بما تميز به أولئك طمعا فى حظوة دنيوية تميزهم عن سائر الشعب بل أنهم ذهبوا لأكثر من ذلك وتجلببوا للإنجليز بكساوى الشرف التى أنعم بها عليهم لجليل خدماتهم له وقد نعى عليهم الأستاذ محمود ذلك وأسماها لهم "كساوى عدم الشرف"

    وقد خرج علينا مؤخرا قنصل سودانى بسفارة السودان بواشنطون مستنكرا كيف أن الفنان السودانى خالد كودى قد رسم لوحات لزعماء سودانيين عراة ولم يكن بين أؤلئك الزعماء الأستاذ محمود محمد طه!! عجبا لهؤلاء القوم فهم وكدهم أن ينفوا عن الأستاذ محمود "الزعامة" وأن يسقطوه من ذاكرة الشعب السودانى ولكن أن يأتى أحد ليبوئى الأستاذ مكانة سامقة يستحقها وأكثر ذهبوا يقولون (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الـ ....)!! هذا ديدنهم فى الكيل دائما بعدة مكاييل وعهدهم أنهم يطففون الكيل، فالأستاذ محمود لم يجرد من شىء يتدثر به لأنه ببساطة لم يتدثر بشىء لا يستحقه، ومن يطمع فى عراقى وهو يلبس أحسن منه!!! فالأستاذ محمود رجل قد اتسقت سيرته مع سريرته خيرا وبرا بالأحياء والأشياء لذا لن تجد فيه ما يشين الا لمقلة ترى النور ظلاما!!

    أولئك الناس الذين تلفعوا للناس بفاخر الثياب إنما تلفعوا بذلك على حساب نساء تأكل لحى الأشجار فى دارفور ورجال تقرحت أكبادهم لأنهم لا يجدون ما يأكلون لذا فهم عراة لأنهم قد تدثروا بدثار غيرهم وأنه "ما أغتنى غنى الا بجوع فقير" وقد طالب الفقراء بحقهم الآن فانتزعوه منهم!! ولكن الأستاذ محمود قد شارك "الفقرا" نبقتهم بل وقد آثرهم بها على نفسه وبه خصاصة ولذا فسيكسوه الناس كساء العز والشرف وقد قال هؤلاء الفقراء:

    الناس فى العروض ما تقيسا بى تبانا ما يغرك لباسم والعروض عريانة

    ============
    نقلا عن سودانايل 29 اكتوبر 2007


    الأستاذ محمود محمد طه: كل رداء يرتديه جميل
    ____________
                  

04-25-2008, 00:31 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الامام المهدي والفنان التشكيلي

    أجهل بالتاريخ أم جلد للذات بعد الانهيار

    د. عبد الله محمد قسم السيد السويد
    [email protected]

    ليس بغريب في حاضرنا الردئ والغريب أن يطل علينا بين الفينة والأخرى بعض الباحثين عن الشهرة ويطرقون أبواب التاريخ بحثا عن أقصر الطرق لتلك الشهرة فيجدونها في التشنيع بهذا الرمز أو ذاك الثائر وقتل شخصيته بهتانا وكذبا وافتراءا حتى وان مات جسدا. فهناك كاتب الآيات الشيطانية وهناك راسمي الكاريكاتورات وغيرهم ولكن الانسان السوداني المبدع كان بعيدا عن هذا المسلك حتى جاء الفنان خالد كودي في أحدي مؤتمرات جمعية الدراسات بولاية بنسلفيانيا كما يقول الكاتب خالد موسى في سودانايل، لينزع كما يقول ثوب القداسة من القادة في تاريخ السودان. ولكنه في حقيقة الأمر وكما جاء في لوحاته يسعى لهدم أسس المجتمع السوداني وسماحة الروح فيه والتي تقوم عليها أركان الدولة في السودان وبذلك ينهد البيت على من فيه بعد أن انهد في بلاد الصقيع الممثل للرمز والقدوة.

    في مقال له عن الفنان التشكيلي خالد كودي الذي يعمل جاهدا لقتل الشخصية القيادية في السودان خاصة المنتمية الى الثورة المهدية بما فيها قيادة تلك الثورة المتمثلة في الامام محمد احمد المهدي، تناول الكاتب خالد موسى اتهامات خالد كودي لثورة السودان الأولى في أفريقيا والعالم العربي وآسيا الصغرى والكبرى بقوله "..وقد أبتدر معرضه الفني بعرض مبتكر رسم فيه القادة السياسيين عراة كما خلقهم الله من الرئيس البشير حتي رافع علم الأستقلال أسماعيل الأزهري، وأستثني من القادة عبد الخالق محجوب ونقد ومحمد عثمان الميرغني ومحمود محمد طه، وأبتدر عرضه مؤكدا أنه يبحث في تعرية التاريخ الوطني، وأنه ينزع بلوحاته ثوب القداسة من الزعماء والقادة الذين خانوا وطنهم وشعبهم..وتوسطت العرض جدارية ضخمة للأمام محمد أحمد المهدي مع عدد كبير من النساء يشاركنه المخدع ويرقدن حوله، وزين الجدارية بأوراق ووثائق من فترة المهدية السابقة..وفي التعريف بالمهدي قال أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه ، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة وأستدل علي هذا الزعم بالوثائق المنشورة في كتابات أبوسليم عن تاريخ المهدية و أملاك بيت المال الذي كان يحتوي علي سجلات بعدد وأسماء الرقيق في زرائب الأبيض وام درمان وغيرهما..وعن وجوه النساء في اللوحة الجدارية قال أن المهدي كان عاكفا علي الأستمتاع بملذاته الحسية وله أكثر من 100 عشيقة ،يتساقطن علي فراشه مثل فراشات النار ..وقال مذكرا أنه أراد فقط تعرية التاريخ الوطني وسحب ثوب القداسة عن أجساد زعمائه وقادته ، وأختتم عرضه بما أسماه النموذج الأمثل للأنسان السوداني وهو أنسان الهامش ..وكل ما عداه هباءا منثورا.[1] هذا النص والذي قال به الفنان خالد كودي لا يحكي فقط عن الخواء الفكري والجهل الفاضح الذي يتحلى به فنان "السودان" بتراث وتاريخ السودان وهو يعمل كما يقول لتعرية التاريخ الوطني ولكنه بجانب ذلك يحكي عن حقد دفين وسوء نية لكل ما ينتمي الى هذا الشعب الكريم الأبي الذي يعمل على تنقية تاريخه. كان على هذا الفنان الجاهل بتراث هذا الشعب أن يقرأ عن ملابسات وأسباب انفجار ثورة السودان بقيادة الامام المهدي وأن يقرأ عن هذه الشخصية الفذة في التاريخ البشري الحديث من ناحية الطهر والنقاء والتقوى. كان عليه أن يقرأ كيف استطاع هذا الثائر كما سماه الكاتب والمؤرخ القدال، وأنصاره أن يزحف نحو الخرطوم وهو ينتقل من نصر الى نصر حتى تحقق له استقلال السودان. أهم النقاط التى احتوتها الفقرة أعلاه من حديث هو قوله لا فض فوه أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة فما معنى الوطنية لديه ان لم تكن العمل الدؤوب المتواصل من أجل الوطن والمواطن وتقديم النفس والنفيس من أجل عزتها وكرامتها؟؟ ومن أين أتى ياترى هذا الفنان بأن الامام المهدي كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة. فنهن نعرف من خلال المؤرخين والكتاب وعلى رأسهم المسعدتعمر أن الامام المهدي وأنصاره لم يبخلوا في بذل أرواحهم ودمائهم الزكية من أجل عزة السودان وتحريره من براثن المستعمر الغاصب رغم ترسانته العسكرية وعتاده الحربي التي تغذيها مصادر الامبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس وتدعمها طوابير الخسة والخيانة.

    فهل قرأت يا كلودي قبل أن تصدر اتهامك بخيانة الامام المهدي وعدم وطنيته عن اللوحات الفنية الرائعة التي صورها الكاتب حسن زلفو وهو يتحدث عن فنون الحرب والانقضاض على العدو لدى قيادات الانصار من أهل الهامش من أمثال الأمير عثمان دقنة وود النجومي وحمدان أبوعنجة ومحمود ود أحمد والزاكي طمل والآلاف الذين جندلوا قوات هكس باشا وغيره حتى قطعوا رأس قائدهم غردون وهو الذي يقول عنه الانجليز أنه من أعظم قياداتاتهم في القرن التاسع عشر وأحضر خصيصا من أجل قهر الامام المهدي وأنصاره الأشاوس. هل قرأت لتشرشل الجندي البريطاني وهو شاهد يتحدث عن البطولة والشجاعة والتضحية التي يتحلى بها الأنصار عندما سجلها في كتابه حرب النهر. هل قرأت عن هذه الثورة وقائدها الثائر في ملاحم البطولة التي صورها القدال في كتابة عن لوحة ثائر وهل اطلع على كتبه الأخرى وهو يتحدث عن التنظيم والادارة والتخطيط المالي لدى الامام المهدي ومن بعده خليفته الخليفة عبد الله. هل قرأ عن ورع الامام المهدي وتقوته وهو بين أقرانه في خلاوي القرآن كما صورها يراع المؤرخ محمد ابراهيم أبوسليم. وهل قارن بين هذه الثورة المنتصرة باذن الله مع مثيلاتها في العالم ليعرف أنها ثورة قامت على التقوى والطهر والنقاء والتضحية ونكران الذات وأنها سبقت الثورة التي قادها الرفيق الاله لدى أهل اليسار في أرض الصقيع وهي خاوية من التقوى والطهر حتى في مفهومها غير الاسلامي فانطبقت عليها نظرية الحتمية التي قامت عليها فانداحت وذهب ريحها وانقذفت من قبل أهلها في مذبلة التاريخ في عقر دارها. فما بال الآخرين من أهل الهامش العقائدي والآيديولوجي ولمصلحة من يريدون تعرية تاريخنا حقدا وكذبا وبهتانا وهم يصورون قادة النضال والتضحية عراة وغيرهم ممن لم يعرف لهم نضال كالذي بذله أهل المهدية وما زالوا يبذلون.

    أن التيار الفكري الذي يشتم من رؤية الفنان كلودي ما فتئ يمارس الهدم الوطني ويجترئ على الأمام المهدي وأنصاره بعد فشله المتواصل في ابعادهم عن ماضيهم التليد الزاخر بالوطنية والتضحية فجاء هذه المرة ولا أعتقد أن تكون الأخيرة في محاولاته المتكررة، ليغرس خنجر الأنتقام الفني كما يقول خالد في قلب هذه الثورة التي بغيرها لا يوجد وطن ولا مواطن في تاريخنا الوطني. والهدف كما تبرهن الأحدث المعاصرة في الساحة السياسية هز المسلمات التاريخية ومن ثم تفكيك السودان وأعادة تشكيله من جديد وفق بذرة لا تنتمي الى صلب هذا الوطن ولا عقيدته ولا تراثه. ألم تقرأ يا كودي لمحمد ابراهيم نقد وهو يتناول رؤية اليسار في ضوء التراث السوداني وأهمية هذا التراث في البنية الاجتماعية مستقبلا قبل أن يعمل على تعرية تاريخنا كذبا وبهتانا.

    هل قرأت يا فنان السودان كودي عن الرؤية الفكرية التي قامت عليها الثورة المهدية كما جاءت في كتابات القدال وأبوسليم وشبيكة والصادق الصديق عبد الرحمن وغيرهم قبل أن تحكم عليه باتهاماتك الباطلة. هل تعلم أن رؤيته تلك قامت معه وهو طفل يقرأ القرآن في الخلوى فيرفض تناول الطعام المقدم من المستعمر لأهل الخلاوي واستمرت الرؤية الفكرية تلك تنمو معه فترافقه في صباه فيبتعد عن الغش والخداع في صيده السمك في النيل. ولما أصبح رجلا كانت رؤيته الفكرية أكثر وضوحا فيما يختص بعلاقة الدين والدنيا وفي وحدة البلاد والعباد فأطلقها تجلجل في الآفاق حينما قال عن السلف الصالحين بأنهم رجال اجتهدوا في التراث الاسلامي والبشري وعلينا كرجال أن نجتهد في تراثنا، فاتجه اليه كل السودان بقبائله المختلفة والمتعددة في جوانبه الأربعة. هل قرأت تلك اللوحة الرائعة التي صورها فرانسيس دينق وهو يصف قيادات الدينكا والجنوب يومئذ وهم متجمعون حول الامام المهدي وينظرون اليه كالاله دينق لديهم في الصدق والعفاف والبذل والعطاء من أجل تحرير الانسان في السودان من العبودية والرق قبل أن تقول بأنه تاجر رقيق. ألم يكن أجدر بك وانت تعمل على اتهام شخص ما بأن تعرف قدر ذلك الانسان قبل أن تصدر اتهامك فما بالك اذا كان ذلك الشخص هو في قامة الامام المهدي الذي ان رفع يدا لم تكن تردها السماء الا مستجابة المطلب وقبل أن ينزلها يومئذ تتجاوب معه في لمح البصر مئآت الآلاف من لا يقيمون وزنا لدنيا فانية ويشترون الموت قبل أن يداس لهم شبر أرض أو تهان لهم عقيدة.

    ألا يجدر بالفنان الذي يصور فنه وفق رؤية فكرية ما أن يقرأ رؤية الآخرين ويستوعبها ويقارنها ليعرف مكانة من يريد تعريته أمام التاريخ بما يحمله هو من أفكار ومدى صدق رؤيته تلك في ضوء التجارب التي مرت بها تلك الثورة. فالشيخ محمد احمد قبل أن يصبح المهدي، كان مجددا للمفاهيم الدينية المتعلقة ببناء الدولة الاسلامية في اطارها السوداني. فقد كان مفهومه للدولة الإسلامية في ضوء الفكر الصوفي السائد وقتئذ يستند علي فهم تقاصر عن اللحاق به من أتي بعده ليس فقط في تطبيقه وانما التحديد الذي يحتويه. فقد رفض الإمام المهدي فقه السلف باعتباره اجتهادا توصلوا اليه حسب طبيعة ظروفهم الاجتماعية والزمانية واعتبره غير ملزم له وهو يسعى لجمع صف المواطنين بمختلف قبائلهم من أجل تحرير بلاده وذلك بسبب اختلاف هذه الظروف زماناً ومكاناً. فقد قال الامام المهدي للعلماء الذين حاوروه مستنكرين اعلانه الثورة ضد الحكم الأجنبي باعتباره حكم يقوم علي الاسلام " ولا تعرضوا لي بنصوصكم وعلومكم عن المتقدمين فلكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال "[2] وصف الإمام المهدي لفقهاء السلف بأنهم "رجال ونحن رجال " يحمل المعني التجديدي المطلوب للزمان والمكان . أما عن الوحدة فقد كان السودان عند اندلاع الثورة المهدية ان لم تكن تعرف، تجمعات قبلية تختلف في ثقافاتها وأعراقها وتسيطر عليها قوي أجنبية تعمل علي التفريق بينها كلما دعت الضرورة. لذلك راى الامام المهدي توحيدها لمواجهة المستعمر يتطلب شعارا يرفض التمايز بين الناس على أساس العرق وفي نفس الوقت يؤسس لفكر يرفض قبول الذل والخنوع للحاكم الجائر وان تدثر بالاسلام. لم يكتفي الامام المهدي بذلك بل استفاد من الدور الذي يلعبه الدين في توحيد المجتمع خاصة أن الدين في ذلك الوقت لم يكن مصدر خلاف بين السودانيين.[3] لقد كان الامام المهدي جريئا في عرض ما يؤمن به من أفكار وحاسما ومصادما لكل من يعترض طريقه وهو يعمل على تطبيقها. تتمثل هذه الجرأة في رفضه العلاقة بين رجال الدين والدولة التركية حين رفض المساعدات التي تقدمها لرجال الدين مثل الطعام باعتبار أنه طعام غير شرعي يأتي من دولة غير شرعية. كما يتمثل الحزم في مخالفته وانتقاده لشيخه محمد شريف في حادثة ختان أبنائه متهما اياه بانه من اهل الدنيا ولا يعمل من أجل الدين. وهو بهذا الرفض لمساعدات الدولة ولنقده لشيخه وايمانه العميق بوطنه بجانب توحيده لقبايل السودان ضد الحكم الأجنبي يعتبر" قائدا ثوريا يملك مؤهلات (عصره) واستطاع أن يجسد الوعي الاجتماعي والسياسي وكيفهما في اطار الايديولوجية المهدوية التي استطاعت ان تحث انقلابا نوعيا في آلية الحكم ومنهج التشريع"[4]هل قرأت لعلي عبد الرازق وهو يتجدث عن الخلافة الاسلامية عام 1926 وهوخريج الأزهر لتدرك أن ما أتى به من أفكار حول الخلافة الاسلامية أن الامام المهدي خريج الخلاوي السودانية قد سبقه في رؤيته للخلافة بأكثر من أربعين عاما وقال بعدم وجودها في الاسلام. وأنه أي الامام المهدي كان أكثر صلابة وأقوى عزيمة وشكيمة حين أردف الفكر بالعمل وحارب الحكم التركي وذيله في مصر والمندثين وراءهما من بريطانيين فكان السيف في يده ويد أنصاره أصدق انباء من الكتب وكان في حده الحد بين الاستغلال والاستقلال. فأي خيانة تقصد هل لأنه حارب الترك والخديوية أم لأن صقره في الشرق عرى بعضهم وهزمهم شر هزيمة وهم يقدمون كل معلومة للمستعمر الأجنبي؟؟؟؟!!!

    لقد استخدم الامام المهدى الدين من أجل تحقيق أهدافه الوطنية وهو أمر طبيعى ومقبول في ذلك الوقت ولكنه لم يستخدم نصوصه المتعلقة بالمعاملات كنص جامد كما لم يستخدم شروح وتأويلات السلف كأمر مسلم به لا يأتيه الباطل مثل النص العقائدى. أخذ الامام المهدي من التراث والنص الديني ما يواكب ويعاصر زمانه وترك غيره مما يتعارض مع ظروف السودان الاجتماعية أو كما قال فهم رجال اجتهدوا فى النص ليواجهوا به حياتهم وهو اجتهد فى النص أيضا حسب حياته وظروفها. بمعنى آخر فان التراث الثقافى للمهدية كان امتدادا لمحاولات دولة الفونج فى خلق اسلام له طابعه السودانى المستند على دولة لها رموزها وأيديولوجيتها النابعة من الذات السودانية.أما مدخل الإمام المهدي في توحيد قبائل السودان في بداية دعوته فقد كان اللجوء إلى قبائل غرب السودان والتزاوج منهم باعتبار أن للزواج وقتئذ قيمة اجتماعية تتخطي الرجل والمرأة لتمتد عبر أسرتيهما إلى كل القبيلة وتلزم الجانبين بالمساندة والتضامن. فالامام المهدي لم يكن زير نساء كما تقول ولكن همه على بلده أكبر من أن تستوعبه عقلية مريضة لا ترى في المرأة الا ما يراه الحيوان بين رجلي الأنثى من نوعيته. لقد تزوج المهدى من كثير من قبائل السودان بهدف التقارب من جهة واضعاف روح العداوة والبغضاء بين القبائل من جهة ثانية. فمثلا تزوج الامام المهدي أولى زوجاته بنت عمه فاطمة من الدناقلة وأنجبت له نورالشام وأم كلثوم وعائشة ونفيسة وتزوج من الجزيرة فاطمة بنت أحمد شرفى وأنجب منها محمد الفاضل والبشرى وذينب وبعد وفاتها تزوج أختها عائشة وأنجبت له الكامل وتزوج النعمة بنت الشيخ القرشى وأنجب منها على وتزوج من فاطمة بنت حسين من تشاد وأنجبت منه الصديق الذى توفى مع الخليفة عبدالله فى أمدبيكرات وتزوج من الفلاته عائشة بنت ادريس وأصلها من الفولانى أتباع الشيخ عثمان دان فوديو ومن النوبة تزوج قبيل الله وأنجب منها نصرالدين ومن الفور (الدينكا) مقبولة وأنجب منها السيد عبد الرحمن ومن الدينكا أيضا تزوج نحل الجود وأنجب منها الطيب والطاهر.[5] بذلك يكون الامام المهدي قد تزوج من الدناقلة في الشمال ومن الجزيرة بوتقة انصهار قبائل السودان في الوسط ومن الفلاتة الفولاني والبرنو والفور في غرب السودان ومن الدينكا في جنوب السودان. هذه الزيجات المتعددة أفقيا والعميقة الأثر فى النفوس كان لها دور عظيم فى تكاتف "أولاد كل البلد" ما عدا قلة قليلة تمثلت في قيادة طائفة الختمية والتابعين لها. هذا التكاتف مع الامام المهدى كان يهدف الى تحرير السودان وارجاع السيادة فيه الى السودانيين بمختلف أعراقهم وثقافاتهم أولا ثم الدفاع عن الدين كرمز للأخلاق والفضيلة ثانيا وهو ما لم يكن ممكنا ان لم يتم تحرير السودان.

    ان تاريخ السودان لم يجد طريقه الى عقول الشباب في السودان فالحكومات الاستعمارية كان هدفها طمس الشجصية السودانية وابعاد روح المقاومة فيها كما أن الحكومات الوطنية المتعاقبة بما فيها تلك المحسوبة على الثورة المهدية فقد تجاهلت ذلك التاريخ باسم التوجه القومي تارة وبالاهمال المتعمد في أغلب الأحيان. لهذا فلا غرابة أن يقول قائل ما قيل في تلك الندوة النشاذ ويعرض في ذلك المعرض ما يتنافى مع الخلق الانساني عامة والخلق السوداني خاصة والذي انكره الغريب قبل الحبيب.

    خالد موسي دفع اللهwww.sudaneseonline.com , 2007-10-27 دفن الآباء أو الانتقام الفني من صورة الأمام المهدي

    [1]

    [2] منشورات الإمام المهدي .

    [3] للمزيد عن الفكر المهدوي انظر محمد ابراهيم ابو سليم الحركة الفكرية في المهدية مطبعة جامعة الخرطوم ط1، 1970و عبدالله علي ابراهيم الصراع بين المهدي والعلماء دار نوبار للطباعة، القاهرة 1994

    [4] أحمد ابراهيم ابو شوك منهجية التشريع المهدوي في السودان (1881-1885) كتابات سودانية. مركز الدراسات السودانيةالعدد 7 مارس 1999 القاهرة ص.ص 16-19

    رباح الصادق نساء أمدرمان 1995 مرجع سابق ص ص 33-34 الجدير بالذكر أن رباح حفيدة المهدى وبنت الصادق المهدى[5]
                  

04-25-2008, 02:45 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اضمحلال المعرفة

    عدنان زاهر
    [email protected]

    نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قبل عدة اسابيع موضوع يتعلق بالمعرفة فى السودان، و كان بعنوان "ثورة فى النشر تراجع فى القراءة - شذى مصطفى". الموضوع يتحدث عن تمدد مستبان و ملاحظ فى آليات النشر و الطباعة، يقابله انكماش و تراجع فى الاطلاع و القراءة.جاءت تلك النتيجة او الاستنتاج فى فقرتين من ذلك المقال و للفائدة اوردهما هنا ( فى الثمنينات كانت هنالك 186 مكتبة و الآن تقلص العدد ليصبح سبع مكتبات فقط فى الخرطوم. و تعتمد دور التوزيع على المعارض و الملفات الثقافية فى الصحف). فى ذات المقال أجاب صاحب احد دور الطباعة و هو يشير الى ابتعاد المواطن السودانى و عزوفه عن الكتاب ( أعلى نسبة طبع كتاب صدر حتى الآن لاتزيد عن 1000 نسخة ).

    المقال رغم تمخضه عن تلك النتيجة و اجراءه مقابلات مع بعض الشحصيات التى تعمل فى مجال الثقافة، الا انه لم يورد الاسباب التى ادت الى تراجع الاطلاع و بشكل كبير عما كان عليه فى الماضى. لاهمية الموضوع و لارتباطه بتطور السودان المستقبلى، احاول تناول بعض من تلك الاسباب فى هذا المقال.

    هذه الاحصائيات التى تتحدث عن تدنى الاطلاع رغم ازدهار النشر لا تدعو فى واقع الامر للدهشة رغم التناقض الشكلى الواضح، بقدر ما هى تدعو للأسف و الحزن و الانقباض.

    فى تقديرى و كمدخل لمناقشة الامر من زواياه المتعددة، لابد من العودة بخفة الى التاريخ ، باعتبار ايراد بعض حقائقه تعكس و توضح لما آل اليه الوضع فى الحاضر. أشتهر السودانيون فى الماضى بولعهم بالقراءة و الاطلاع، يقابل ذلك قلة فى التوثيق، الكتابة ثم النشر. ساتناول الشق الاول المتعلق بالعزوف عن القراءة و العودة مستقبلا للكتابة عن الشق الثانى. أزعم ان الميل المبكر للشعب السودانى للقراءة نتاج لاسباب تاريخية، سياسية، اجتماعية و ثقافية تتداخل و تتقاطع و تتمثل فى الآتى: 1- طلائع المثقفين الوطنين قد توصلوا مبكرا ان من أهم ادوات منازلة المستعمر و الانعتاق من الاستعمار، هى المعرفة بفروعها المختلفة الموجودة فى باطن الكتب او تجارب الشعوب و بديهى كان أيسر السبل اليها فى ذلك الزمن الاطلاع .

    2- مناهج التعليم فى الماضى رغم قصورها لكنها كانت تميل نحو المعرفة وتدفع للتقصى.

    3- توقير المجتمع فى ذلك الزمن للمعرفة و الاحتفاء بحملة مشاعلها.

    4- انتشار اماكن المعرفة من مكتبات فى المدارس ، المكتبات العامة ومن ثم الدور الثقافية.

    5- الانفتاح المعرفى و العقلى لدى العامة لمعرفة ثقافة الاخرين و اخذ ما هو يتوافق و تطور المجتمع مع نبذ التعسف و الجمود.

    6- الوضع الاقتصادى كان يساعد كثيرا فى امكانية اقتناء الكتب.

    تلك كانت أهم السمات التى جعلت السودانى يلتهم الكتب و يداوم التسكع بالمكتبات و دور المعرفة عموما. فى تقديرى أن العد التنازلى ، انحدار مؤشر القراءة والبعد عن اصطفاء ا لمعرفة قد بدأ مؤشره فى التراجع المنتظم فى اواخر عهد نميرى، و يمكن أن يؤرخ لذلك باغتيال المفكر محمود محمد طه و سن قوانين سبتمبر المسماة اسلامية. كان ذلك العهد بداية النكوص المعرفى و الهجمة ضد الفكر و المفكرين عموما. أدخل المجتمع السودانى فى نفق مظلم ذو اتجاه واحد لا يسمح بالتعايش مع الثقافات الاخرى ، زاد الامر بؤسا الوضع الاقتصادى المتدهور.

    أكتمل ذلك الابتزاز المعرفى، وفرض ستار من العزلة بقيام سلطة الانقاذ التى قامت بتدمير كل منجزات الشعب السودانى، باعتبارها نتاج لمجتمع جاهلى و كان رأس الرمح مكرس و موجه بشكل واعى نحو المعرفة و أدواتها واماكنها.

    منذ بدايات ذلك النظام عكف اعلامه و بشكل دؤوب و مثابر، مؤكدا بأن كل المعرفة تنحصر فى خياره الحضارى الاسلامى، و هو البديل لكل المعارف الانسانية الاخرى. ذلك الطرح و بذلك الشكل كان يعنى و بطريق غير مباشر ان الاطلاع و التوغل فى المعارف الانسانية الاخرى هو مضيعة للوقت و تبديد للجهد.

    تزامن كل ذلك مع آلة اعلامية مقرؤة و مسموعة - اقصي منها اى فكر مغاير- تروج لتلك الوجهة. هوجم الادباء و المفكرين السودانين وغير السودانين بابتذال و دون علما ومن غير دراية، ابتداءا من الطيب صالح و رائعته " موسم الهجرة الى الشمال" ، و انتهاءا بنجيب محفوظ و سفره " اولاد حارتنا".

    أشهر سلاح التكفير لكل رأى مختلف او اعتراض فكرى لما هو جارى. عبث بمناهج التعليم و تم تحويرها و تغيرها بما يتناسب و الطرح الجديد. أبعد عنها كل ما يحض على التفكير و احكام العقل او يحبذ روح التقصى و البحث. ذلك الاسلوب ترك الناشئة فى العراء دون دثار، عرضة للافكار المنغلقة و المتحجرة. بالطبع أشاح اولئك الناشئة بوجوههم دون وعيا و تدريجيا عن الاطلاع و القراءة، و من ثم تم الاتكاء على الاجابات الجاهزة والمسلم بها فانعدم الابتكار و الابداع.

    أقفلت بتشفى المؤسسات و الدور الثقافية و دور الصداقة مع الدول الاخرى مثل " المركز الفرنسى، جوته، المركز الروسى.....الخ" فحجبت بغطاء كثيف نافذة كان يأتى منه كثير من الضياء.

    تلك الدور كان كثير من الاشعاع يأتى من خلال مكتباتها المتنوعة ، كانت مركزا لتعلم اللغات و اكتشاف ثقافات الشعوب الاخرى.

    اقفلت المكتبات العامة على قلتها، رفع عنها الدعم المعنوى و المادى لتموت "اكلنيكيا" و تتناثر و تتلاشى مع تأثيرات الزمن. توقفت الندوات و المهرجانات الثقافية التى كانت تقوم دوريا.

    ذلك الهجوم على الطرح التنويرى و الافكار الجديدة أدى الى احجام كثير من الاقلام عن الكتابة و ابتعادهم عن ساحات الفكر. ذلك الاحجام أدى الى انعدام مصدر كان ضروريا و مهما لاغناء الفكر و المعرفة.

    الفصل التعسفى و الاحالة الى الصالح العام ، ركز و استهدف بعدسة مكبرة مجال التعليم. احيل الى الصالح العام كل المعلمين الذين يحملون بذرة من الثقافة الانسانية و استعيض عنهم بالمنغلقين ضيقى الأفق، بل احيانا تركت اماكنهم شاغرة. نتيجة لتلك المذابح تدنى مستوى المعرفة فى كل مراحل التعليم من الابتدائى حتى الجامعى و خيم الجهل المستور و غير المستور.

    الهجرة الضخمة للسودانين الى خارج الوطن، تفاديا للاضطهاد او البحث عن لقمة عيش كريمة، التى شملت كل مناطق السودان. تلك الهجرة تركزت بشكل أساسى على متوسطى الاعمار، فانقطع تواصل الاجيال فى تلك المناطق وكف انسياب نهر من المعرفة كان يجرى و يخصب المنتديات العامة ملتقى الجمع .

    ضرب ستار من الرقابة البوليسية على الكتب ، فرضت الجبايات المختلفة على المتعاملين بها بشتى المسميات، فارتفع سعر الكتاب ليصبح حلما لمن أراد اغتناءه.

    توج ذلك الكم من المعيقات و الحواجزالوضع الاقتصادى المأزوم، الذى جعل الناس يعيشون فقرا مدقعا، لتصبح الخيارات بين الضروريات كالمدية القاطعة. عندما يصبح الخيار شراء دواء، رغيف لمواصلة الحياة او بين شراء كتاب، يصبح ضربا من العبث و عدم الجدوى الدعوة الى القراءة.

    تلك فى تقديرى حيثيات متناثرة للاسباب التى أدت الى تراجع و تدهور الاطلاع فى السودان، و غنيا عن القول، ان العودة الى ازدهار الاطلاع و بهاء القراءة رهين بزوال تلك الاسباب!



    عدنان زاهر

    30-10-2007
                  

04-25-2008, 03:08 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    اسطورية الزعماء في السودان (طبقات ود ضيف الله نموذجاً)

    كتب الدكتور غازي صلاح الدين موضوعاً بعنوان: (قراءة سريالية لعالم ود ضيف الله) وذلك لانه كان يريد تحت عنوان جانبي (صورة الزعيم الخارق) ان يناقش فكرة الزعامة في ثقافتنا السودانية وكيف انها تتحول إلى اسطورة في فضاء وجداني وفكري مسحور. وقد ذهبنا لعدد من المثقفين السودانيين مستطلعين آراءهم حول ما طرحه الدكتور غازي صلاح الدين.
    وكتاب الطبقات لصاحبه المؤرخ الصوفي محمد ود ضيف الله سفر في التاريخ الاجتماعي والنفسي للشخصية السودانية الاوسطية، وقد اثار الكتاب كثيراً من الجدل والنقاش بين الباحثين والدارسين في تاريخ الصوفية فاحتدم الخلاف بينهم حول بعض ما حواه الكتاب من معلومات واحاديث وانساب، فاتهم جماعة منهم مؤلف الطبقات بالتحيز ورماه آخرون بعدم الدقة في تحرى الحقائق وخاصة ما تعلق بسيرة رجال الطرق الصوفية وانسابهم ومجريات الاحداث في حياتهم وما جاء فيها من معجزات وكرامات.
    المحرر
    ----------------

    من مبالغات الاتباع:
    المفكر والكاتب الإسلامي الدكتور حسن مكي: يرى ان صورة الزعيم الخارق ونظرة الناس لها من مبالغات الاتباع الذين لايرون شيوخهم مثل سائر الناس بل فوق الناس فهم يعرفون الغيب، ويداوون المرضى ويشفون الجرحى ويطلقون عليهم صفات تتعامل مع اشواقهم وتطلعاتهم للخروج من الواقع المؤلم.
    ويضيف د. حسن مكي: ويظهر هذا التمجيد والاحاطة بهالة من القداسة والاسطورية في الانتخابات السياسية فالاتباع يرون في السيد عبد الرحمن قائداً بقدرات المسيح والمهدي هو المخلص والمنتظر ويرون في السيد علي سيد الاولياء وصفوة الزمان.
    وان كان بعض الناس يعيشون على هامش العقلية الخرافية ويعتقدون في تحقق الاشياء عن طريق الدجل والشعوذة الآن العقلية السودانية لم تعد خرافية الى هذا الحد، واصبحت النظرة موضوعية إلى حدٍ ما للقادة والزعماء.

    حدث عادي!
    الاترى ان عودة الميرغني للسودان ما اثير حولها وقبلها من ارهاصات وتبشير وزخم إعلامي نوعاً من محاولات رسم ملامح الصورة لزعيم خارق؟!
    يقول د. حسن مكي: إن هذا محاولة لإظهار ان عودة الميرغني نفهسا انجاز واعجاز باعتبار ما صاحبها من معاناة كبيرة، وما سبقها من لقاءات واتفاقات سياسية تخلو من الضمانات إلا ضمانات الخصوم وان كانت هذه العودة للكثيرين لا تعدو ان تكون مشروعاً عادياً ليس فيه كرامات أو مبشرات فالمسافة من مطار القاهرة - مقر الميرغني - للخرطوم لا تستغرق سوى ساعتي طيران.
    وفي رأيي ان الحديث عن وضعية الميرغني البروتوكولية وزعامته الروحية لم يأت بجديد، فعودته ليست مثل جون قرنق مثلاً الذي جاء بضمانات ولتحقيق وفاق داخلي، ومثل هذا يتم التعويض عنه بما اثير حوله من هالة إعلامية، لا تعدو ان تكون حدثاً عادياً.

    قداسة دينية وليست سياسية
    الدكتور عبد الله حمدنا الله: عميد كلية الآداب بجامعة افريقيا العالمية سألته عن اسطورية الزعامات في السودان من خلال قراءة لكتاب الطبقات.
    يقول الدكتور عبد الله: كتاب الطبقات تناول بصورة اساسية الحياة الدينية في عهد دولة الفونج، وفي ذلك الوقت لا نجد قداسة للزعماء على المستوى السياسي، بل كانت على المستوى الديني والعلمي والصوفي، حيث كان الشيخ او الفقيه يجمع كل صفات القيادة الدينية والدنيوية، فشيخ التصوف هو عالم الدين وهو شيخ القبيلة وقائدها، والصورة الخارقة للزعيم تأتي من هذا المنطلق.
    ويوضح د. عبد الله قائلاً: إن النظر للقيادة على مستويات فالمستوى الديني غير القبلي وغير المستوى السياسي والشخصية السودانية تأسست على هذه النظرة، فأصبحت الصورة المتخيلة للذهنية السودانية صورة لعالم مُخلص قادر على قضاء حوائج الناس، فلما وجدوا الإمام المهدي متصفاً بالصفات العلمية والقيادة الدينية تحلقوا حوله وآمنوا به.
    ويستطرد د. عبد الله قائلاً: بعد ذهاب الاتراك ووفاة المهدي اراد الاستعمار ان يستبدل العقلية الصوفية بالعقلية العلمية، لكنه لم يفلح وعاد للاستعانة برجال الصوفية وبالبيوت الدينية الكبيرة لما لها من دور دنيوي مؤثر وإرث طويل في الثقافة السودانية والشخصية السودانية.

    عرفتها المجتمعات والاديان
    الكاتب الصحفي والباحث في القرآن الصوفي وصاحب كتاب (السرانية): (مقال في عقيدة أهل الباطن) ميرغني أبشر يرى ان صورة الزعيم الاسطوري او الخارق منطلقها من البعد الديني وهذا يبدو ظاهراً في كل الاديان وضعية أو سماوية وهي ايضاً حالة البشرية، فالمجتمعات الانسانية منذ نشأتها تنشد فكرة (السوبرمان) وتحاول خلقه وتوخيه من خلال تجسيده على بعض شخصيات دينية أو سياسية، وعليها تستند فكرة المخلص أو المهدي المنتظر، وقد احدثت في تاريخ السودان السياسي ظاهرة الإمام المهدي التي تجسدت في حفيده الصادق المهدي وفي الطوائف الدينية والعقائدية فعند الختمية مثلاً ينظر للسيد محمد عثمان الميرغني بأنه قر الزمان وسيد المشهد، فالفكرة إذاً متجذرة في الوعي الصوفي السوداني وكذلك في المجتمعات الغربية فمجموعة الصقور في البيت الابيض لديها رؤى قدسية لبعض الشخصيات فهم يعتقدون ان المخلص من بينهم.
    ويواصل ميرغني أبشر قائلاً: مؤخراً برزة فكرة ظهور المخلص في صحيفة سودانية عبر اطروحات لشيخ خلاوي الزومة تنبئ عن ظهور (فتى النيل) الذي يبايع له بالتراضي ويشير في ذلك إلى الرئيس عمر البشير.. كذلك الصحفي الشهيد محمد طه محمد أحمد أشار في بعض مقالاته الى ظهور مخلص بعد ثلاث سنوات من ظهور الشيخ حسن نصر الله.
    ويؤكد أبشر ان للصحافة والإعلام دورهما في تجذير هذه الرؤى لتمجيد وقداسة زعامات دينية وسياسية، ويعتبر مثل هذه الافكار تلعب دوراً ايجابياً في تقوية العزائم وتعزية البؤساء ونشدان الخلاص ودوراً سلبياً في تعليق كل الحلول على شماعة انتظار المخلص.

    العاجز يتطلع للمنقذ
    د. ناهد محمد الحسن متخصصة في الطب النفسي ولها دراسات وبحوث حول خصائص وملامح الشخصية السودانية منشورة عبر عدد من الصحف السيارة سألتها عن النظرة الشخصية السودانية للزعامات الدينية والسياسية واحاطتها بهالة من القداسة والتمجيد وجذور هذه النظرة: تقول د. ناهد: في قراءتي للشخصية السودانية والمقاربات التحليلية التي اجريتها لايجاد ملامح وخصائص هذه الشخصية خلصت الى انها شخصية تم قهرها بشكل تاريخي الي اليوم، غارقة في بؤسها وعجزها وكآبتها، ولم تجد وقتاً لترتق ذاتها لتكون شخصية سوية، لذلك تتطلع دائماً إلى بطل خارق ينقذها ويخلصها من الشقاء فتضفي عليه هالة من القداسة والاسطورية وقد يكون هذا الشخص بالفعل ذا شخصية قيادية كاريزمية. هذا ملمح نفسي فالشخص العاجز امام قوى الطبيعة ومتطلبات الحياة والاوضاع التي يعيشها يتطلع دائماً إلى شخص عظيم ينتشله من شقائه وبؤسه، وهذا في كل المجتمعات التي تعاني من قهرها وفشلها وليس المجتمع السوداني فحسب.
    هل تعتقدين ان مؤلف الطبقات استفاد من جهل المجتمع في ذلك الوقت الذي كان من السهل عليه تصديق الكرامات والمعجزات التي نسبت لبعض شخصيات الكتاب؟
    تجيب د. ناهد بقولها: بغض النظر عن ان هذه الكرامات متخيلة أو حقيقية، إلاَّ ان كتاب الطبقات يعد أول كتاب توثيقي تحليلي لطبقات المجتمع السوداني، وهو تداعى طبيعي محدد للسياق التاريخي الذي عاش فيه ود ضيف الله في وقت سيطرت فيه الكرامات والمعجزات على العقلية السودانية، لذلك من الصعب اتهام الكتاب بتوظيف ثقافة المجتمع من أجل تغييبه أو خداعه.
    وتعتقد د. ناهد ان الخراقة والاسطورة في ذهنية غير علمية وغير نقدية من الصعب جداً ان تفرق بين الخطأ والصواب دينياً وثقافياً.
    وتواصل د. ناهد توضيح الفكرة بقولها:
    فكرة المخلص موجودة في غير المجتمعات الاسلامية فالدكتور ريك مشار القيادي بالحركة الشعبية هو اسطورة عند النوير، وعودة جون قرنق للسودان بعد سنوات كانت تمثل للملايين التي استقبلته حلماً طال انتظاره، والبعض يتنبأ بان عودة الميرغني ستحدث تحولات كبيرة في تاريخ السودان وتكشف ضبابية الخارطة السياسية السودانية، فالميرغني عند جمهوره المتصوفة سليل اسرة صوفية قديمة وجده مذكور في الفتوحات المكية، ولدى الجمهور السياسي يعتقدون ان عودته يمكن ان تحدث تحولات في مرحلة والبلاد مقبلة على انتخابات وتحول ديمقراطي، وتحالفات جانبية.

    شخصيات اسطورية
    د. عزالدين بين الباحث في ملامح الشخصية السودانية يرى ان الشخصية السودانية لم تتبلور ملامحها بعد ولم تتفق على زعيم واحد ترى فيه الخلاص والانقاذ فالمهدي نفسه كان بعض أهل السودان يشككون في مهديته، وفي وقت ما كان أهل بحر الغزال ينظرون للزبير باشا على انه مخلصهم، وكذلك رؤيتهم للسلطان علي دينار، والاستاذ محمود محمد طه عند الجمهوريين من اتباعه هو الذي يدرك الكثير من كنه الاشياء غير المدركة ويعتقد عمر القراي ان محمود محمد طه افتدى السودان بنفسه وبدلل على ذلك بقيام الانتفاضة بعد ثلاثة شهور من اعدامه.

    http://www.rayaam.sd/News_view.aspx?pid=146&id=10032
    _________________
                  

04-25-2008, 03:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    سقوط المثقف

    د. وول عبدون
    [email protected]

    19 نوفيمبر 2007

    "كن جريئاً في إعمال عقلك" هذا هو شعار التنوير. و من هذه الزاوية يقال عن العقل أنه عقل مستقل، واستقلال العقل يعني أنه عقل ناقد، وهذا هو السبب في تعريف التنويرللفلسفة بأنها" العادة المنظمة للنقد

    "إمانويل كانط"



    مقدمة

    • يعتبر المثقف من أهم ركائز التغيير في أي مجتمع أودولة، وفى مساهماته يكمن سر أستمرارية التطور والتغيير فى الدول الحديثة،نسبة لما يحمله المثقف من زخائر فكرية ومعرفية ومقدرات هائلة علي عمل موازنات مختلفة بين عناصر التطور و التغيير المجتمعى.

    • ووفقاً لأهمية المثقف نجد كل قطاعات المجتمع والدولة فى المجتمعات الحديثة قد أفردت لها دور,حيث نمت الحاجة إلى العناية بالمثقف وما يتعلق به بدءاً بتوفير مناخ الحريات البحثية وتمويل و أنشاء معاهد بحثية تهتم بتجميع مساهماتهم وتوظيفها لخدمة العلم والتطور.

    • أن الثقافة التى تربينا عليها فى قراءة الكتاب المنهجى بالمدارس والجامعات لا تتعدى تقنياتها سوى ثقافة الحفظ والأجترار لأجتياز الأمتحانات للحصول على الشهادات ووظيفة للعيش , كما أنها لم تكن فى ميكانيكيتها دراسة لترويض متلقيها على أثارة الأسئلة المنطقية ,أذ لم تغرس فينا أى رغبة للحاجة للبحث و التحليل , وربما السبب فيها يعود الى عامل التنشئة الأجتماعية وعامل العشائرية القبلية كسبب مضاف الذى لا نحب أن نستسيغ سماع من يتهمنا بها خوفاً أن يفتىَ فى حقنا بالخروج عن القيم والتى تعمق من سلطة شيخ العشيرة ومصلحته شبه العضوية المرتبطة بالمؤسسة الدينية .

    الفصل الأول

    أهداف الورقة :

    تهدف هذه الورقة إلي دراسة ظاهرة المثقف الدينى (المثقف الأسلامى كنموذج) ودوره الأيجابى فى عملية التغيير المجتمعى و مقاومة خطر الانزلاق الأيديولجى والريئى, وبالتالي ضمان تقديم عصارة جهده الفكرى والمعرفى وذلك من خلال آلاتي:-

    • الإهتمام بالمثقف الدينى والدور الذي يلعبه في تطوير المناحى الحياتية المختلفة (السياسية- الأقتصادية – الأجتماعية –الثقافية ...الخ ).

    • إظهار مردود المثقف الدينى على السلطة والمجتمع واثره على التغيير المجتمعى.

    • تحقيق أستقلال المثقف الدينى و التوازن بين السلطة والمثقف الدينى .

    فروض الورقة :

    تهدف هذه الورقة لإختبار الفروض التالية:-

    • المثقف الدينى يساهم في التغيير المجتمعى .

    أسئلة الورقة :

    • هل ساهم المثقف الدينى فى العالم الثالث فى عملية التغيير المجتمعى؟

    • الى أي مدي استفادت المجتمعات فى دول العالم الثالث من مثقفيها الدينيين؟

    سنحاول في هذه الورقة الإجابة على هذه الأسئلة مستخدمين الفروض أعلاه وقبلها سأتجاوز التعريفات الى الأهتمام بالمفهومات ( مفهوم السلطة و مفهوم المثقف) حتى لا أقع فى شرك الأخطاء الصياغية .

    الفصل الثانى

    مفهوم السلطة:

    يرتبط مفهوم السلطة بالحكم والحاكم والفئة الحاكمة أوالسلطة التنفيذية. وقد تكون السلطة وراثية أو قائمة على الشورى. كما تكون ديكتاتورية مطلقة أو ديمقراطية أو أرستقراطية أو تيوقراطية أوبيروقراطية أو أوليغارشية (حكم الأقلية). وغالبا ما تغلف هذه السلطة بقناع الإيديولوجية والديماغوجية والاعتماد على القهر والتسلط والتجبر والتحكم في رقاب العباد قسرا وجبرا. ومن ثم، تعرض علاقة الحاكم بالمحكوم أو السلطان بالرعية على محك النقد والتنظير، فتنشأ الآداب السلطانية أو السياسة الشرعية التي تهدف إلى وضع شرائع ودساتير سواء أكانت عرفية أم مكتوبة أو سواء كانت جامدة أم مرنة من أجل تقنين سلطة الحاكم والمحكوم في إطار الحقوق والواجبات. وعندما تسيطر الفئة الحاكمة بالتعيين أوبالاختيار أو بالأنقلاب فهي التي سيكون لها الحكم والقرار في تسيير شؤون البلاد إما بطريقة ديمقراطية أو استبدادية تعسفية تستند إلى الشطط والقهر والقمع والتعذيب وكبت الحريات والنفي والاعتقال ومصادرة حقوق الإنسان وأملاكه.أيضا " كلمة ((الجامع)) فى الأسلام ,صيغة أخرى من صيغ السلطة الجماعية .أنه مقر مفتوح فى كل محلة .يرتاده الناس خمس مرات فى اليوم. لهم حق الأجتماع فيه ,حتى خلال ساعات حظر التجوال .تحت سقفه مكفولة حرية القول ,وحرية العقيدة ,وسلطة الأغلبية ...الخ.

    مفهوم المثقف الدينى :

    إن الشكل الميتافيزيائى هو المرتكز الذى يحدد هوية المثقف الدينى الخاصة ,حيث يتمثل بظاهرة الوحى و النص ,لكنه فى نفس الوقت ليست فى خلو عن سائر النزعات المعرفية ,ففى الغالب يقوم هوية المثقف الدينى الملتزم على مزيج من العلموية التى تستند على حقائق العلم وأعتباراته , والعقلانية التى تتمثل بالأنشداد الى منطق العقل فى محاكمة القضايا العامة ,وهذه لا يعفى المثقف الدينى من النزعة اللا عقليه لوجود جانب غرائزى مظلم (حيوانى) فى النفس البشرية بل انه أى المثقف الدينى يحاول دائما مقاومة هذه الغرائز بتحاشى تحول عقله الى مطية لهذه اللامعقول كما يقول الأمام الغزالى فى مرحلته الصوفية ,"أنه يتحتم على المسلم البحث عن الذات الألهية بالتغلب على الحواس والسيطرة على الغرائز".فى واقعنا الأفريقى و العربى والسودانى بصفة خاصة هناك صنفين من المثقفيين الدينيين أولهما صنف لا يعتمد على منطق التفكير العقلى بقدر ما يعتمد على دواعى الحدس و الوجدان والزرائية كجانب مكمل, الصنف الآخر من المثقفين الدينيين الذى يمكن أن أسميهم صنف الملتزم يعتمد على الحدس و الوجدان بقدر ما يعتمد على التفكير العقلى مثل الأمام الغزالى و الشهيد داؤود يحى بولاد." كم يقول شيخ المتصوفة أبوالقاسم محمد بن الجنيد الخزاز ,بأن مهمة المسلم الحقيقى هى البحث عن الحقيقة الروحانية الخالد".

    فى كتاب محنة المثقف الدينى مع العصر يرى صاحب الكتاب أن للمثقف الدينى مفهوم ينطلق من ثلاث خلفيات متماسكة ومتشابكة :

    o الخلفية الأولى الدين مرجعية فكرية وتشريعية وأخلاقية ينطلق منه المثقف وينتظم فيها ويتحاكم إليها . ويرى أن المرجعية إنما تتشكل على أساس العلم والمعرفة الواسعة والعميقة, وبدون هذه المعرفة, وبهذا المستوى لا يتحول الدين إلى مرجعية عند المثقف, كما أن الدين لا يمنع الإنسان في أن يكون مثقفا.

    o الخلفية الثانية أن الثقافة لا تتصادم مع الدين وبالتالى لا ينبغى التخلى عن أحدهما كشرط للتمسك بلآخر. وقد توحدت العلاقة بين الثقافة والدين مع أول آية نزلت من القرآن الكريم, وهي آية (اقرأ) التي ترمز إلى العلم والمعرفة والثقافة, وتتسع باتساع الخلق (اقرأ باسم ربك الذي خلق). والقرآن الكريم الذي يحرض على النظر في سيرة السابقين, ويجعل من الحكمة ضالة المؤمن, فهذا يعني أن الدين ليس بديلاً عن الثقافة, لأنه لا يلغي التراث الإنساني, ويعترف بدور العقل, كما أن الثقافة ليست بديلاً عن الدين.

    o والخلفية الثالثة, هي أن الدين لديه القدرة على مواكبة العصر, والتواصل مع حركة العلوم والمعارف, والاستجابة لمتطلبات المدنية والتقدم, وهذا يعني أن الدين لا يحجب عن المثقف مواكبة العصر, أو التواصل مع حركة العلوم والمعارف. ومن بعد آخر فإن مفهوم المثقف الديني يتضمن دعوة إيجابية إلى من ينتمون للدين, ومن ينتمون إلى الثقافة, فمن ينتمون إلى الدين والمتمثلون في رجال أو علماء الدين, فإن هذا المفهوم يدعوهم إلى الخروج عن الانغلاقات الدينية, والانفتاح والتواصل مع العلوم والمعارف الحديثة والمعاصرة. ومن ينتمون إلى الثقافة والمتمثلون في المثقفين ورجال الفكر, فإن هذا المفهوم يدعوهم إلى الخروج عن الانغلاقات الثقافية, والانفتاح والتواصل مع العلوم والمعارف الدينية. والعمل على بناء نموذج يكون فيه المثقف دينيا, والديني مثقفا. وهذا ما نحتاج إليه فعلياً, وغياب مثل هذا النموذج هو الذي يعبر عن أزمتنا الثقافية الراهنة.

    دور المثقف الدينى فى التغيير المجتمعى :

    قبل الولوج فى الحديث عن دور المثقف الدينى فى التغيير المجتمعى, سأعرج قليلآ وأتناول بنقد دور السلطة الدينية فى تدجين المثقف الدينى ,لا سيما أن "أقصر طريق يسلكه الحزب السياسى لكسب المعركة على السلطة ,هى أن يلبس الأحزاب جبة الدين, لكن مشكلة هذه الطريق القصير,أن قوانين الشريعة بالذات, لا تطبقها الدولة بل يطبقها المواطن .والمشكلة يكبر عندما تكون الدولة أصلآ متعدد الشعوب و متعدد الإديان واللغات كالسودان و نيجيريا ومصر ولبنان...الخ . يمكننا تمحيص تجربة الشيخ الخمينى فى أيران والشيخ حسن نصرالله فى حزب الله فى اللبنان وتجربة الشيخ الترابى فى الجبهة الأسلامية القومية فى السودان ,كل هؤلاء الشيوخ المثقفين أستطاعوا من بناء أمبراطوريات سياسية خلف السلطة الدينية عبر أعادة صياغة عقلية المثقف الدينى خلال منظومات أعادة الصياغة القصرية (القيم والعقيدة – الهوية – الجامع – التربية – الأعلام – الأدارة الأهلية – السلطة ...الخ,وقد نجح الشيخ المثقف فى ذلك لسببين أولهما الضبابية التى تعيشه المثقف الدينى فى العلم الثالث لهشاشة أطلاعه على النص الدينى ولغياب ألمامه بالمنهج البيانى والعلوم المعرفية والثقافية الأخرى من ناحية "وعدم قولها بآليات الأجتهاد المتعارفة" . فيه والسبب الثانى أساس يتمثل فى عامل التنشئة الأجتماعية وعامل العشائرية القبلية الذى ينتمى إليها المثقف الدينى.ومن هنا يتخلق فى عقلية المثقف الدينى القيود والتشويش والذى لو حاول الأجتهاد للخروج والتحرر عنها يحسب تمرد على القيم والعقيدة لذا يظل حبيس سلطة الشيخ.الأفذع من ذلك أن هذا المنظومات فى الوقت الذى فيه يوجه لأعادة صياغة عقلية المثقف الدينى الذكر بمشروعية سلطة النص الدينى ,تعمل فى نفس الوقت على الغاء دور المثقف الدينى الأنثى .كلمة "عبدالله" لا بد أنها تشمل عبدالله "الأنثى" ولا بد أنها تعنى ,أن المرأة أيضا مسؤلة عما كسبت يداها,وليس بوسع أحد أن ينوب عنها فى تحمل هذه المسؤلية ,حتى بتوكيل شخصى من المرأة نفسها.إن أجهاض مبدا السلطة الجماعية – وليس الأسلام –هو الذى أتاح للفقهاء ,أن ينوبوا عن ملايين النساء,فى أتخاذ قرار لا يخص فقيهآ واحد ,ويفتوا بوضع المرأة فى كيس أسود مغلولة اليدين,من غير أن يلاحظ أهل الفتوى ,أن قرار الفقهاء نفسه غير دستورى,لأنهم لا يمثلون المرأة أمام الله,ولا يحق لهم شرعآ أن ينوب عنها.

    o نظرة تاريخية : يمكن أن نفترض ثلاث مراحل تاريخية لدور المثقف الدينى فى التغيير المجتمعى :

    مرحلة الأولى :مرحلة الانفصام

    مقارنة بالمثقف فى دول العالم الثالث الأفريقى والعربى بصورة عامة و دولة السودان بصورة خاصة نجدأن المثقف فى الغرب نجح فى لعب دوره التاريخى بفاعلية وأوصل مجتمعه الى بر الأمان ,على عكس المثقف فى عالمنا الثالث والذى سقط عندما أعنقد منذ الذمن الغابر بأن دوره كمثقف هو التصفيق وتمجيد عرش السلطان ولحس قدم الخليفة والملك بنسج القصائد والقصص ,فأصابته العزلة والكآبة وسقط غارقآ فى بالوعات السلطة والتنظير العقيم فى أغتراب تام عن المجتمع وفى تعاطف مصلحى مع السلطة.



    مرحلة الثانية : مرحلة الألتزام والمقاومة

    أتسم المثقف الدينى فيه بالنشاط والعقلانية فى التعامل مع القضايا العامة , وأن كان البعض منهم أحتموا فى قصور المستعمر الأجنبى الا أن الغالبية كانوا ملتزمين بدورهم فى التغيير المجتمعى ,وقد لعبوا دورهم فعلا فى مقاومة سلطة المستعمر عبر تجمعاتهم المذهبية والأجتماعية والثقافية.عل سبيل المثال لا الحصر على عبداللطيف – عبدالفضيل الماظ (السودان ) – الشيخ عمر المختار (ليبيا)- مهاتما غاندى (الهند).

    المرحلة الثالثة : مرحلة الهوس الدينى

    اتسم المرحلة بتفشى ظاهرة الهوس الدينى بين المثقفين الدينيين بصورة مرعبة وملفت للأعجاب ,بقيادة الشيوخ المثقفين على سبيل المثال لا الحصر الشيخ الترابى و الأمام نميرى فى السودان (السودان) – الشيخ حسن بنا فى (مصر)-الشيخ حسن نصر الله (لبنان)- الخمينى فى أيران ..الخ ,وبالتوازى لتفشى الظاهرة برز حفنة من المثقفين الدينييين الملتزمين والمقاومين ومنهم على سبيل المثال من .تصدى لذلك الهوس المحموم "الأخوان الجمهوريون " وشيخهم الصليب الأستاذ محمود محمد طه .وقد ظل الجمهوريون رغم تأييدهم لتوجهات النظام الأساسية ,يتعرضون لحملات جائرة من بعض المشايخ ومن ناصرهم من المسئولين.وحال ضيق الوعاء بين هؤلاء المشايخ ومناصريهم دون الولوج الى الأعماق التى ذهب اليها مفكر جمع مع نفاذ الفكر , عمق التصوف , وطهارة الوجدان .وكما تحامل صيادلة الفقه وأنصاف العلماء على السهروردى "المقتول" ,وعلى بن الوليد بن رشد , وعلى الحلاج شهيد العامة ,الى أستعداء السلطان على مفكرنا العظيم بعد أن عجز فكرهم مجابهة فكرهم الباهر.وهذه الهوس الدينى ما كان فى وسعها أن تنتشر بين المجتمع ووسط المثقفين الدينيين الا بتوفر عدة عوامل :"(1) تبنى شخصية دينية وأجتماعية لها نفوذ فى المجتمع لهذه الأفكار .(2) غياب أى طرح آخر يشكل بديلآ للمجتمع عن الأفكار السابقة .(3) غياب الوعى الدينى فى المجتمع ,وأعتماد الأحداث التاريخية والشخصيات الأسلامية كمصدر يمكن أقتباس الدين الأسلامى منه.(4) وجود آلية يمكن أن تتبنى هذه الأفكار وتحميها بما يخدم مصالحها,وهذه الآليا يمكن لها أن تكون نظام الحكم,أو الأحزاب ,أو مؤسسات سياسية أخرى".

    نظرة معاصرة :

    أن العقد الأخير من القرن العشريين تميز بتغول الشيخ المثقف على الحياة العامة السياسية والأقتصادية والثقافية الأجتماعية و تميز المثقف الدينى بالضعف والأستسلام والخضوع إمام السلطة ويمكن تبيين ذلك أذا تأملنا فى تجربة الشيخ أسامة بن لادن وأنصاره فى الطالبان والقاعدة كنموذج للخضوع المطلق لبعض المثقفين الدينيين لسلطة الشيخ المثقف.وكما فى الخمينية الأيرانية– والجبهة الأسلامية السودانية . فأذا أخذنا تجربة الأخير الجبهة الأسلامية سنجد المثقف الدينى خلال العقد الأخير من القرن الماضى قد تلقى العديد من الضربات من قبل السلطة عبر منظومات أعادة الصياغة القسرية , أذ تم أعادة صياغة العديد من المثقفين الدينيين قصريآ ليتماشوا وسياسات السلطة (المشروع الحضارى ) ومن جاهر السلطة أو خرج عنه كان مصيره التكفير والقتل,ولكن هناك من المثقفين الدينيين من التزموا بدورهم وجاهروا السلطة (الجبهة الأسلامية ) بالحقيقة مثل الشهيد داؤود يحى بولاد والذى كان ينتمى للجبهة الأسلامية ,اذ جاء مصيره كمصير زميله الشيخ محمود محمد طه (التكفير ثم القتل ).

    موقف المثقف الدينى من السلطة السياسية فى العالم الثالث (الأفريقى والعربى) يمكن تلخيصه بثلاث مواقف تبعا لموجهات المؤسسات الدينية: (1) المثقف الدينى الموالى للسلطة السياسية : وينطلق هذه النوع من المثقفين الدينين من منطق أن الحاكم ولى لأمر المسلمين عملا بالآية الكريمة (وأطيعوا أولى الأمر منكم ...) ,لذا يعمل المثقف الدينى على توظيف كل ما يملك من قوة ورباط خيل لخدمة وحماية السلطة السياسية حتى وأن مارس الأرهاب ضد أفراد من المجتمع.ويمكن تبيين ذلك أذا تأملنا فى المواقف المتناقضة بين الشيوخ فى الثلث الثانى من القرن الماضى , ففى الستينات من القرن الماضى أفتى الشيخ الجليل (محمد شلتوت) الأمام الأكبر للجامع الأزهر بأن الصلح مع أسرائيل حرام.وفى السبعينات منه أفتى الشيخان ((عبدالحليم محمود )) و ((محمد متولى الشعراوى )) (كان الأول شيخ الأزهر والثانى وزير الأوقاف) فتوى بأن الصلح مع أسرائيل حلال , وبارك كلاهما أتفاقية ((كامب ديفيد)) . فى سابقة أخرى حدث فى السبعينات من القرن الماض فى مصر" حينما تظاهر المواطنين أحتجاجا على الأرتفاع الجنونى فى الأسعار وتوفير الخبز , تصدت السلطة بكل وسائل القمع لتلك التظاهرات ولكنها لم تصل الى الحسم.لذا لجأت السلطة الى علماء الأزهر لتهدئة الوضع ,وخرج شيخ الأزهر ((عبدالحليم محمود )) بفتوى يؤكد فيها :بأن هذه الأحتجاج من أعمال الشيطان يراد بها الدمار لمصر وشعبها ,وأن الأشتراك فى أعمال الشغب هذه بمثابة الخروج على الدين وداعيآ المواطنين الى التصدى بأنفسهم لمن يشترك فى هذه الفتنة .وبعدها خرج وزير الأوقاف ((محمد متولى الشعراوى )) ليؤكد ويدعم فتوى زميله فى الأزهر ,وبهذه فأن السلطة أخمدت المظاهرات من خلال رجال الدين “. وهذه ما لم يفلت منه حتى الشيخ المثقف نفسه فى تنافسه على السلطة مع زملائه الشيوخ ,وهذه يمكن تبيانه أذا نظرنا الى تجربة الشيخ الترابى مع هيئة علماء السودان ,فى العام 2001 أنضم حوالى 2000 عالم فى تأييد المؤتمر الوطنى على الترابى فى صراعهما على السلطة بل تعد الأمر الى أتهام الشيخ الترابى بالخروج عن الملة. (2) المثقف الدينى المعادى للسلطة السياسية :أن تجربة الشيخ أسامة بن لادن وأنصاره يصلح نموذج لمعاداة المثقف الشيخ للسلطة السياسية ,حيث تتخذ هذه المعاداة مشروعيتها من خلال أستخدام النص القرآنى المجتز لتبرير أعمال العنف والقتل ضد مخاليفيهم فى الرأى ,وفرض الأحكام المخالفة للشرعية والمتفقة مع أهواهم النفسية.(3) المثقف الدينى الملتزم :يقتصر دور هؤلاء المثقفين على الشؤون الدينية (الدعوة والتبشير) وتوعية العامة من الناس بشؤون الدين بعيدا عن الشؤون الدنيوية .وهم أصدق فئة لعبة مهام و أدوار المثقف الدينى الملتزم من أنتاج المعرفة وتنمية الثقافات – مواجهة الأختراق الثقافى – تطوير وعى الأمة بقضايا العصر – الأندماج والمشاركة الأنمائية فى المجتمع ...الخ. على سبيل المثال الشيخ العلامة عمرو خالد.

    الفصل الثالث

    أختبار الفروض :

    نختير هنا الفرض الأتى :

    المثقف الدينى يساهم فى عملية التغيير المجتمعى :

    أن التحقق من هذه الفرض يصعب قليلا لعدم وجود دراسات كافية تدعم الفرض غير هفنه من بعض الدراسات لتجارب تاريخية لعب فيه المثقف الدينى أدوار أيجابية فى عملية التغيير المجتمعى ,لذا يمكن أن تظل كل الدلائل تشير الى تأكيد سلبية المثقف الدينى فى عملية التغيير ,ولكن هناك أهتمال لرفض هذا الدلائل التى تشير الى تأكيد سقوط المثقف الدينى ,وأن كان الغلبية العظمى من الدراسات تشير الى أتهام المثقف الدينى بالسلبية ,الا أنه لا يمكننا رفض الدور الأيجابى للمثقف الدينى فى عملية التغيير المجتمعى بناءآ على هذه الدراسات.



    التوصيات :

    • رفض فكرة المثقف الدينى نوع من الأجحاف والظلم .ولا نبدى ممانعة أذا كان الرفض أختص بها أفراد محدودين من المثقفين الدينيين,أذ لا يجوز محاكمة جميع المثقفين الدينيين على حساب أفراد أو فئات محدودة من نفس الشريحة.الا أن واقع المثقف الدينى فى دول العالم الثالث أن لم يكن مهمشآ ظلما وعدوانآ فهو مقموع من جانب السلطة السياسية أو سلطة الشيخ الفقيه.

    • على المجتمع والمؤسسات الدينية لعب دور كبير للحد أو التقليل أو العدم من ظاهرة الهوس الدينى المستشرى ,وأن نسترشد بقول الأمام على "لا خير فى عبادة ليس فيه تفقه ولا خير فى علم ليس فيه تفكر ولا خير فى قراءة ليس فيها تدبر".

    • المطلوب من المثقف الدينى أن يكون أنسانا رسالياً ,وهذا لن يتأتى الا أذا حمل مشروع حقيقى للتغيير يستوعب التعدد والتنوع ( الدينى – العرقى – اللغوى -الحزبى) بجانب ما يحمله من الهم الدينى,أذ أنه مطالب بالفعل الأيجابى الذى يحققه مشروعه وأهدافه فى المجتمع.



    الخاتمة :

    · واضح من خلال أستعراضنا أن للمثقف الدينى الملتزم أدوار أيجابية فى عملية التغيير المجتمعى ويمكن بطبيعة الحال أن يكون واحد من أهم ركائز التغيير فى اى مجتمع أو دولة , لما يحمله من مقدرات معرفية وفكرية هائلة ,ويمكن الأستفادة منه بتوفير مناخ مناسب للحريات البحثية وتمويل وأنشاء معاهد بحثية تهتم بتجميع مساهماتهم وتوظيفها لخدمة العلم والتطور. .

    وشكرآ



    الهوامش والمراجع

    (1) الصادق النيهوم – الأسلام فى العصر ـ صـ21ـ

    (2) محمد عثمان مكى العجيل – خواطر فلسفية –صـ59ـ

    (3) ذكى ميلاد – محنة المثقف الدينى مع العصر – دار الجديد - بيروت

    (4) الصادق النيهوم – الأسلام فى الأسر – ط1- صـ32ـ

    (5) د.منصور خالد – النخبة السودانية وأدمان الفشل (الجزء الأول) –صـ637ـ



    المراجع الأليكترونية (الأنترنت)

    (6) أساليب السلطة الدينية فى محاصرة العقل المسلم – بلال الشويكى – معابر 2005 http//www.maaber.50megs.com/last-issue/index.htm

    (7) ذكى الميلاد - حوار حول المثقف الأسلامى– حوارات وندوات موقع الشهاب – التاريخ 18/8/1428 هجرية

    http://chihab.net/modules.php

    ( المؤسسات الدينية والسلطة فى الوطن العربى – مركز الدراسات العلمانية فى الوطن العربى – 26/9/2004 http//www.rezgar.com/debat/show.art

    _________________
                  

04-25-2008, 05:55 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مارس, 2008 09:33:23 AM

    نهاية التاريخ بالسودان .... للصوفية

    عصمت عبد الجبار التُربي

    سلطنة عمان
    [email protected]

    انتشرت في السنوات الماضية موجه فنية لا أقول صرعة نحو الاغاني الدينية ومدح المصطفى rوتم تخصيص قناة تلفزيونية لهذا الغرض والناس على دين ملوكهم وكثرت الفرق الشبابية بصحبة الايقاعات الموسيقية ( وهذه بحد ذاتها اشكالية في الاسلام ) وحليل أولاد الماحي وكل زمن وليه ناسه, ومن الغريب ان يدعي البعض محبة الرسول ( r) وهم في طريقه غير سائرين منتظرين الشفاعة وليتولى الله الجميع برحمته .

    كثيرون ارخوا لتاريخ المدائح بالسودان وصدرت كتب بذلك ( مثلاً قرشي محمد الحسن ) وفيها قصائد جياد وبعض المغنيين اطربونا باغانيهم العاطفية واشجونا بمدح المصطفى (( r)) منهم خضر بشير – صلاح بن بادية , وأخيراً الناشئة عافية فهم يغنون بلسان ويصلون بلسان على قول الشاعر محمد عبد الحي , ولكن هذه الاغاني الدينية التي يؤديها الشباب بالفرق الموسيقية المختلفة هل هي مظهر ديني دون جوهر تماماً مثل الحجاب الذي يشف اكثر مما يستر والتكبير بمناسبة ودون مناسبة ؟ ام انها بدعة والمديح نفسه بدعه كما يدعي الموحدين وهم الوهابين المعرفون في السودان بأنصار السنة المحمدية , وهل انتهى الصراع بين الاخيرة والصوفية بانتصار لأحدهما ام ما زال الجدل الفكري والاجتماعي دائر بينهما .

    لنحاول اولاً الرجوع لجذور الخلاف بين الفرقين في العالم الاسلامي والسودان .

    لقد ظهرت بوادر التصوف الاولى في نزعات الزهد القوية التي عمت المجتمعات الاسلامية في القرن الاول للهجرة وكان الداعون الى الزهد من اشهر اتقياء المسلمين وكانت العوامل الى دفعتهم الى الزهد هي تفشي الحروب الاهلية وتطرف الاحزاب السياسية واستبداد الحكام والاسراف في ملذات الدنيا فاتجهت انظار المسلمين للاخرة وغلب عليهم الشعور بالخطيئة والخوف من عقاب الله وتأثروا ببعض الافكار النصرانية والهندية والفارسية فيما يتصل باحوال الصوفية ووحدة الوجود والفناء والحب الالهي , ومن اقوالهم ان التصوف علم باطن قاصر على الخواص وان توبة العوام تكون من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة . لقد أخذ المتصوفة يؤولون نصوص القرآن الكريم والسنة الغراء بما يتفق مع معتقداتهم قائلين ان كل آية في القرآن تحمل معنى باطنياً لا يعرف كنهه الا الخواص , و اغلبية المتصوفة يرون ان صور العبادات ليس لها من القيمة ما لأعمال القلوب وقال آخرون برفع التكاليف الدينية , وقد توضأ (الحلاج) بالدم نتيجة افكاره وتم صلبه وتقطيع اوصاله تدريجياً لان العطر انسكب بقلبه وفاح (الشاعر صلاح عبد الصبور ) , ويحضرني هنا ما يشيعه الناس عن الاستاذ/ محمود محمد طه من اقوال رفعت عنه الصلاة والتكاليف ( الحج مثلا ) الامر الذي لم تنفيه ابنته الاستاذة اسماء في احدى المقابلات الصحفية بعد عودتها من الولايات المتحدة في العام الماضي او الذي قبله . ولما بلغ التصوف مرحلة متقدمة من النضج والانتشار نشأ صراع حاد بين اتباعه من جهة والفقهاء وأهل السنة من جهة اخرى وكان الفقهاء يرون ان لتحصيل العلم طرقاً واضحة تعتمد على القرآن الكريم والحديث الشريف والاجماع وهو ما يعرف بعلم الظاهر ورأوا في اسلوب المتصوفة لتحصيل العلم عن طريق علم الباطن خروجا عن السنة وافساد للعقيدة , بينما يرد المتصوفة ان الدين اصبح في عرف الفقهاء واهل السنة جملة رسوم وممارسات لا حياة ولا روحانية فيها , لقد حاول الامام الغزالي الذي كان عالماً دينياً ثم تصوف بعد ذلك ,حاول ايجاد طريق وسيط والف كتاب ( احياء علوم الدين ) وكتاب (المنقذ من الضلال) وحوى تعاليم اهل السنة والمعتدلين من الصوفية .

    لقد شجع توسع الحركة الصوفية الجهلة والادعياء على افساد هذا النهج التعبدي بإسباغ الكرامات وخوارق العادات على مشايخهم وظهر نظام الشيخ والمرشد , الذي يقوم على الانصياع التام , لكن انجاز المتصوفة الاعظم في السودان كان في مجال نشر العقيدة الاسلامية ورفع الوعي الديني بين من اتبعوه وقد لجأوا الى التلقين واستعمال الترانيم والمدائح والطبول في الاذكار بغرض نشر تعاليم الدين وكان لهذا الاسلوب غير المتزمت اثره في جذب العامة وتحبيبهم في حلقات الذكر والالتفاف حول مشايخ الطرق .

    وكان الشيوخ ذوي علم وخلق وورع وزهد وانقطاع عن الدنيا وصلاح و بركة باعتقاد الاحباب والمريدين و الاتباع ولكن قلة المحصول الفقهي عند بعض الشيوخ اوقع بعض المريدين في الشطط عندما اضافوا على شيوخهم الكرامات وخوارق العادات ما لا يقبله عقل ولا يقره الشرع وكان الشيوخ بما تجمع لديهم من مال من المريدين وحتى من الحكام كانوا ينفقون هذا المال على علاج المرضى والانفاق على الفقراء والمساكين وابناء السبيل وطلاب العلم , ويذكر الاستاذ محمد ابراهيم نقد في كتابه عن ( علاقة الرق في المجتمع السوداني) ان الشيخ حمد المشيخي كان يشتري الرقيق بزكاة بني جرار ويعتقه وكأنه يؤدي وظيفة من وظائف بيت المال ويعود بالزكاة لسيرتها الاولى ويدعو اسرى الفور للاسلام ويعتقهم ويعيدهم لمسقط رأسهم والشيخ صغيرون يتنازل على الرقيق والسواقي ويقدمها للشيخ زيادة ود النور لكثرة الفقراء في خلاوية .

    لقد نجحت الحركة الصوفية عبر مؤسستي الفكي والخلوة في بسط روح التدين بين المواطنين. وبظهور الحركة السلفية او الوهابية او الموحدين في ( الحجاز) و(نجد) على يد ( محمد بن عبد الوهاب) في القرن السابع عشر دعا للعودة الى اصول الدين والقرآن والسنة وتطهير العقيدة مما علق بها من ادران الشرك والبدع والخرافات ودعا الى انكار أي فهم عصري للدين مما جعل اتباع هذه الطريقة في استنفار دائم لمحاربة البدع وكل ما هو جديد وجعل المراءة في وضع مزري ومتخلف ومصادمة الحضارات الاخرى , وتتهم الدول الغربية المذهب الوهابي بانه وراء انتاج الفكر الارهابي السلفي وحتى عندنا في السودان اذكر ان انصار هذا المذهب كانوا فيما مضى يحضرون ليلة المولد النبوي واحتفالها ويعكرون صفو الحاضرين والمولد هو تجمع كبير لاهل الطرق الصوفية وكذلك في المساجد يستهدفون القباب والسبحة بدلا من ادخال آخرين للاسلام , ولكنهم فيما يبدوا تخلوا عن هذا المنهج المصادم وبدوا يكسبون قواعد في الجامعات وسط الطلاب وتربية الافراد والقدوة الحسنة بل نالوا وزارة الشئون الدينية والأوقاف في احدى الفترات وغيرها وهذا اجدى فالمجتمع السوداني يقوم على التسامح اكثر من أي شي آخر .

    ان الطرف الصوفية لا تزال تلعب دورا هاماَ في عصرنا رغم هجمة الثقافة الأوروبية كما ان الزهد الذي اتسمت به في البداية ربما بدأ يفقد بريقه ويتحول احيانا الى كسب دنيوي للوجاهة والسمعة وريادة الناس وليس بعيداً عن الاذهان الصراع الذي دار في العام الماضي حول خلافة السجادة في امدرمان في احد الطرق الصوفية مما ادى لتدخل الشرطة, واهتمام الاحزاب السياسية باقامة علاقة مع الطرق الصوفية حتى ولو كانت احزاب غير دينية.

    واخيراً ارجو ان انوه الى ان هذا المقال اعتمد على اكثر من مرجع واهمها مقالة البروفيسور يوسف فضل حسن عن التصوف وجذوره في السودان , ولكن هل حقاً ينتهي الصراع الديني في السودان بسيادة الصوفية على غيرهم ؟ ام يظل الامر سجالا الى يوم يبعثون .
                  

04-25-2008, 09:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ====
    البعنيب والرخم في ميزان الفضيلة والكرم

    2- 3

    صلاح حامد هباش
    [email protected]

    نواصل الحديث عن الفضيلة في الأغنية السودانية والفضل في مجتمع اهل السودان فنبدأ براية خفّـاقة وعلما بارزاً رفرافاً من اهل الفضل والمعرفة حيث قالت الشاعرة:

    يا خريف الرتوع أب شقة قمر السبوع... خال فاطنة

    في بيته بيسند الجوع ويا قشاش الدموع

    يسلم لي خال فاطنة وليهم بلالي البدرج العاطلة

    تفوح من هذه الأبيات روائح نباتات وأشجار السافنا الغنية المتشابكة والتي يتعانق بعضها ببعض في إلفة وحميمية فتمنح بذلك الظلال الظليلة التي تستريح في رحبتها قطعان الضان والأبقار وقد شبعت وارتوت من الماء الذلال الذي يتدفق سلسبيلاً رقراقا فيروي الأنام والأنعام والهوام ثم السباع والضباع وبقية خلق الله في الطبيعة الساكنة.. هكذا كان الممدوح... فالخريف هو الرحمة الربانية المهداة لعباده الصالحين والطالحين من الطغاة والعصاة.. فهذا الرجل اكتملت مروءته وتوافرت في ذاته سماحة لا تخطئها العين وذلك لوصفه بالخريف الذي تعيش عليه كافة المخلوقات وبتدريجه للعواطل من النساء.. وهو كذلك بالإضافة إلى السماحة التي آزرته في حياته كان شجاعاً فارساً حيث تقول:

    أبكريق في اللجج دقّر حبس الفجج

    أبكريق هو التمساح العشاري ويسمى أيضا بالـلِدر والدابي..وكذلك الدود.. أما اللجج جمع لجة وتعني البحر الخضم الذي تصعب رؤية ساحله الآخر وربما عنت الشاعرة هنا النيل في موسم الفيضان وفي أوج هيجانه وإصطخابه... ولذلك ترى الشاعرة أن الممدوح هو أهل لكل ما وصفته به وهو الذي ضرب وبيد من حديد وتجاوز في ضربه الأرقام القياسية في الفضل وفي عمق الرؤي بما قدمه من درر وجواهر في الفكر الإنساني ظل يغذى بها الحياة ولما يقارب النصف قرن من الزمان.. ولعل كل ذلك يستكمل صورته البهية الجلية بالبطولة النادرة في التصدي للباطل عبر الحقب التاريخية التي عاشها حينما وقف شامخا كالجبل الأشم متحديا المشنقة بإبتسامة عريضة حاضر القلب رابط الجأش... الأمر الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء... فسلام على الأستاذ محمود محمد طه في الخالدين.

    ونأخذ من كردفان الغرة.. من المجلد دار أبو سلمان أمَّ الديار... نأخذ من الحكامات ما يلي:

    النيل أبو غالية الدونكي البوردو ليهو

    النيل إسم علم في المنطقة ويكنى بإبنته غالية وشبهته الشاعرة هنا بالدونكي وهو حاوية أو صهريج المياه والذي يعني في ذهنية الشاعرة الوفرة والأمن وتعني السلام وإستقرار الأوضاع... ولذلك فهو من أهل الفضل والإحسان تعاوده الشاعرة ويتردد عليه غيرها فيجد كل مناله ويصل إلى مبتغاه من مساعدة مالية أو إسعاف بالرأي وقد يتعدى ذلك إلى الزند ومد الضراع وهي الحماية والإجارة...

    كذلك مرثية موسى أبوحجل كبير الرباطاب تلحق بالمعاني السابقة بل وتعطي الصورة الواضحة لترابط وتماسك معاني البسالة والكرم وهي متشحة بأبهى الحلل وأنضر القوافي:

    حليل موسى مقنع الكاشفات

    حليل موسى مشرع الواردات

    حليل موسى مركز العزبات

    ترى اتحربس الأسد ما فات

    مااتوسد الدلاقين مات

    يبكنك الدغس هاجات

    على تندل الرماد راقدات

    هنالك حشد مكثف للكثير من المعاني النابضة بالحياة.. تتضح من خلالها عظمة شأن الفقيد وذلك بتعاظم حجم الإفتقاد الذي إجتاح رقعة واسعة من ذلك البلد.. فقد كان ذلك الفارس معيناً للهاكع وسنداً للواقع وأباً حانياً للأيتام والأرامل.. وليس هنالك أمدح من التشبيه بالسحب المرسلة والبحر العباب.. والذي تلخصه عبارة مشرع الواردات

    أيضا المواقف الرجولية المليئة بالشهامة والمكتنزة بالنخوة باعث قوي للمدح حيث قالت بت رحمة في حق المهدي عبد الرحمن أبوكرسون....

    يا عشاي برية برية يالضليت بقيت شمسية

    يالغطيت كتير ما شوية إت ياك ود عرضية

    ويُرى هنا واضحاً أنَّ الممدوح نشر ظلاله وأفياءه الظليلة الوارفة ليستظل بها آخرون فتتسع الرقعة وتزداد المساحة لتسع المزيد والمزيد من الذين يكابدون الهجير ويتمرغون في لظى وسعير الرمضاء فيحمل عنهم ذلك العبء الثقيل.. عبء السجن والزنازين بعد أن داهمت شرطة الإنجليز قرية الممدوح حلة يونس بمنطقة بربر في مطلع أربعينيات القرن الماضي ووضعت يدها على كميات من البن تم تهريبها من الجارة يوغندا.. فيما كان يعرف في ذلك الوقت بتجارة البرشوت التي ظل تجار المنطقة يمارسونها... وذلك في قصيدة رائعة تتمتع بكم هائل من الموسيقى الداخلية تصول وتجول بين كلماتها ومفرداتها وتقول بدايتها:

    جِيد المهدي دنقر شاله(ها) أخوكن ياجَدايةْ النالة

    دي في حقو مي بطالة جيدا جاتو أصلو تجارة

    لا ها سرقة لا ها رغالة وتسلم يا أمين الجارة

    وجيد المهدي دنقر شاله وختَّ الشكرة للرجَّالة

    الأمين البنا:

    بالألف إبتديت إنت بتفرج الهم

    ياجبل الضراء ومقنع بنات العم

    يقول بعض العارفين إنَّ الهمَّ هو أقوى مخلوقات الله وأشدها وقعا على النفس الإنسانية.. ولعل أغلب الهموم تسببها الحاجة وتراكم الديون فيفقد الإنسان بالتالي طعم الحياة ويفارق نعيم الطمأنينة ويعجز الكرى أنْ يلم بين مقلتيه.. فيلجأ إلى أهل الفضل بحثاً عن الحل وتوقاً إلى الإنعتاق من ساجور الهموم التي لازمته... ولم يجد الشاعر أعتى وأكبر من الجبال الراسيات الشامخات شبها ونعتا ووصفا لهذا الممدوح...

    وتتوالى ذات الكلمات وتتكرر عند الكثيرين.. الفينا مشهودة عارفانا المكارم نحن بنقودها / ربَّاي اليتامى ومركز الضعفان/الصافي دهب الخزانة/دهب بني شنقول/دهب شيبون/متين ياعلي تكبر تشيل حملي

    ومنها أيضا.. للعبادي في مدح احد رموز بطانة أبـ علي:

    عمي العمَّ سيل إيديه يروي الماحل.. ياحليل ود دكين مونة المقيم والراحل

    الماحل تعني الأرض القفر التي لم تصبها المطر... وهذا الوصف يدخل في إطار إتساع دائرة المعروف والمونة هي ما يقتات به الإنسان فهو يزود العرب الرحل في حلهم وترحالهم وهذه النماذج كثيرة تفوق الحصر

    ومنها ليوسف الشوبلي:

    ما سمعت في أم همج كاكوم عقيد الزايلة؟

    ما بعشوا الضيوف تحت السحابة الشايلة؟

    ولكل ذلك تجد الألقاب الكثيرة والتي تكمن في ثناياها وبين تجاويفها أعظم النعوت وأنبل الصفات.. ومنها الأرباب وأب شلعة واللزوم والكرماخ وود العقاب وعوج الدرب والفحل وغيرها من صفات الأكارم

    ولذلك يصدح العطبراوي وبالصوت العالي:

    ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها حطةٍ ولا درن

    هذه أمثلة فقط ولعلها قليل من كثير في هذا المجتمع العريض منهم الصالحين والمقربين ومنهم دون ذلك يسلكون طرائق قددا... حسب درجات إستعدادهم الفطري الذي خُلقوا به ليلعبوا الأدوار الكريمة والغير كريمة في تفاعلهم مع الحياة.. فيقصدهم الناس لمقضاة الغرض إذا ما تعذر أمر أو إدلهم خطب فيجدون الحلول الناجعة والناجمة في ركاب السكون من غير منٍ ولا أذى ومن غير ضوضاء وصخب. وينشأ على سليم الفطرة أبناؤهم فيرثون منهم هذه المحامد.. وقد عاشوا وعايشوا مختلف التجارب في رحلة حياتهم.. فكم إستضافوا ضيوف الهجعة الذين تأتي بهم القطارات واللواري..وكم لله إستقبلوا جثامين الموتى.. من المستشفيات القريبة ممن لم يكن أهله حاضري تلك البقعة... ولكل ذلك فقد رَكَـزوا رَكْـزةً رجاليةً جعلتهم يركزِون الأبواب حتي لا يضطر القادم للطرق..الأمر الذي هيأهم أكثر لحمل الراية التي رفعها الآباء.. بل في أغلب الأحيان يتفوقون على آبائهم وأسلافهم بالأساليب المتطورة وطرق التعامل الحديثة في مناهج علم الكلام وفنون الإنتقاء في ضروب اللغة وفلسفة السلوك.

    هنالك أيضا الخصوصية في الحياة فالحياة ليست كلها جهر ولكنها مليئة بالأسرار وعليه يكون هنالك حالات كثيرة مستثناة:

    فهنالك حالات كثيرة لا حصر لها من الوجهاء وقيادات المجتمع تؤم بيوتهم الأعداد الغفيرة من الناس من الصفوة الإجتماعية العاملة في شتى الحقول ومختلف التخصصات.. ويشكل لديهم منظر السيارات أمام السراي بموديلاتها الحديثة.. غاية الإحساس بالعظمة والكبرياء..ولذلك فهي ليست أماكن عامة يرتادها محمد أحمد... إذ يقضي ويقتضي واقع حالهم... أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين.. ولذلك يكون روّاَدها من علية القوم وسادة الحياة فيحسنون إستضافتهم ويكرمون وفادتهم ويغدقون عليهم أنماطاً من النعم وصنوفاً من البذخ الباذخ حيث لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت .. إعتزازاً بقدراتهم وفخراً بإمكانياتهم وتحدياً صارخاً أيضاً لهؤلاء الضيوف..

    قد يكون هؤلاء الضيوف ضيوفاً للرحمن اجتمعوا لأغراض نبيلة وأهداف سامية تصب في حوض العمل العام والخدمات الإنسانية... وقد يكونون غير ذلك ضيوفاً للشيطان جمعتهم المصالح ووحدت بينهم الإختلاسات وسرقة المال العام.. يتهيبهم الجمهور وكأنما كُتب على بيوتهم ممنوع الإقتراب والتصوير ولذلك يندرج هذا النوع تحت قائمة دنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها وهؤلاء لا يمكن وصفهم بالجبن أو البخل لأن حياتهم صُمِمت بشكل يتوافق مع الوسط والطبقة التي يعيشون في كنفها وإذا قصدهم ذي حاجة من الأهل والأقارب قد يجد مناله وقد لايجده شأنهم في ذلك شأن الطبقات والفئات الأخرى

    وتقل درجات إستعداد هذه النخب تدريجياً في المجتمع فتجد من هم أقل إستعداداً من الأمثلة السابقة ولكن بشكل مقبول ومعقول وهي درجة سترة الحال وهو أن ينستر الشخص إذا ما دعت الضرورة وأصبح أمام الأمر الواقع فيلوك حينئذٍ الصبر ويقوم بالواجب في حدود المعقول وفي إطار ما يتاح من إمكانيات وهي درجة من الذوق لا بأس بها.. (الواجب نسوِّي ونرجى ستر الساتر.)... وهذاالنوع من الناس لو تيسرت له أي فرصة للنجاة اوالزوغان من هذا المأزق لما تردد لحظة في إغتنام الفرصة وإستغلالها إستغلالاً طيباً ينجيه من أي خسارة سواء مادية او معنوية اوخسارة في الزمن....

    والوضع الطبيعي جدا للإنسان السوي يلخصه الشاعر د. محمد بادي:

    قالوا إتربى فوق خيركم..

    يوم الحارة شايل شيلته من شيلكم ...

    وقالوا الهِيله كانت في العُرف هِيلْكُم..

    يخالطكم قداحة الخير ويتحزم وقت شينكم..

    ولعل ما إستعرضناه من نماذج يكشف عن ثلاثة أشياء:

    أولاً هذه القصائد قيلت في أزمنة ومناطق بل وبيئات مختلفة تماماً وبها مفردات ومعاني تتكرر عبر الحقب والتواريخ التي قيلت فيها مما يكشف جلياً مستوى الفقر والعوز وضيق ذات اليد الذي كسر جناح الشعب المغلوب على أمره عبر تاريخه ويعيشه الآن في ظل وكنف أهل الإنقاذ.. إلا أنّ عناية الله قضت وقيضت ان يكون ذلك مصحوباً بالتكافل الإجتماعي..

    ثانياً العنصر النسائي الذي يقف ويعمل من وراء الكواليس ليدفع بهذا العمل الكبير إلى الأمام تشجيعاً وتحفيذاً وتعزيزاً للكثير من المواقف الرجولية والبطولية والإنسانية في معظم الأحوال.. وترى ست البيت, والتي قال عنها مبارك حسن بركات( تكرِم كل منسوب ليَّ) وهي التي تعودت وخبرت في بيت والدها هذا النمط من الحياة, تراها تتبسم ضاحكةً عند رؤية الضيوف.. فهي ترى في زوجها صورة أخرى لوالدها كريما مضيافا ولا تقبل بأي حال ان يقل زوجها عن ذلك المستوى.. وهي تريده أن يكون كما قال العبادي:

    زايد في الرجال طالِق قفاي ووشيَّ

    ضيوف الليل يكفيهم مرارة وشية

    الأمر الذي يجعل زوارهم في حالة من النشوة الإسترخائية والطمأنينة الزائدة على القوانين وصدق القائل حينما قال أنَّ وراء كل عظيم إمرأة.. لا تقل عن عظمته بأي حال من الأحوال.. وذلك مما يجعل الزائرئن يرفعون أكفهم للسماء بأن يزيد أهل الدار من فضله ونعمه ويبارك لهم في رزقهم ويحفظهم ويخلف عليهم بالبركة...

    وأخيراً قوة شخصية وشكيمة وجرأة كل الممدوحين في الإندفاع بإتخاذ القرار بل والثقة الوافرة في القدرة على التنفيذ.. الأمر الذي قد لا تجده عند الكثيرين وذلك مما سنناقشة في الحلقة القادمة من هذا المقال حيث نتناول شعر الهجاء والذي قيل بالضرورة في الرخم والسجم والسخم المنتشر في المجتمع من الذين تهرشهم نساؤهم وأمهات نسائهم.. ويتخذون أسماء كثيرة تدل على مدى فراغهم وضعف إرادتهم ومن هذه الأسماء الدلوكة عند الجعليين والطنبور عند الشايقية ويُعْرَف عند أهل الوسط بالطَـبَـرة وهي العملة التي كانت سائدة في التركية وغيرها وغيرها من الأسماء كالتمبل والهمبول وما إلى ذلك.

    هذا هو الجزء الثاني من ثلاثة
                  

04-25-2008, 09:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مُستهلكون: التعبد فى "محراب" الأسواق الأمريكية

    قرآءة وعرض: عبدالله عثمان

    "للبشرية ما يكفى حاجتها ولكن ليس للبشرية ما يكفى أطماعها"

    الأستاذ محمود محمد طه
    "ما عاقه الاّ تكاثر زاده

    لو حط ثقل رحاله
    لمضى خليا
    لأستراح
    عوض الكريم موسى
    بنجامين باربر، مؤلف كتاب الجهاد ضد عالم "مكادونالد"، باحث متخصص فى شئون المجتمع المدنى، يعمل أستاذا بجامعة ميريلاند، صدر له مؤخرا كتابا هاما بعنوان "مستهلكون" بضم الميم. مستهلكون لأن الأشياء أصبحت تسترقهم فتستهلكهم بدلا من أن يسترقونها.
    يستعرض الكاتب فى هذا الكتاب القيّم كيف أن العبودية قد تلبست أثوابا جديدة فأصبح الناس، وهم لا يعون، فريسة لآلية رأسمالية تدفعهم للعمل ساعات طوال، وفى ظروف غير متكافئة، ليؤمنون لهم ولأسرهم حاجيات هم أصلا ليسوا فى حاجة اليها ولكن آليات الدعاية الرهيبة بما تقوم به من "غسيل مخ" لهؤلاء التعساء تدفعهم دفعا لـ "يسنوا" كروت الإئتمان كل صباح قائلين "بسم الله!! نوينا أن نستهلك" فتمتلىء مخازنهم بأشياء يكتشفون بعد فترة أنهم ليسوا فى حوجة اليها ولكنهم لا يزالون يكررون نفس العملية لأن آلة الدعاية تقول لهم "أشتر ووفر" "أشتر واحدة وخذ أخرى مجانا"، هذا غير التغليف البراق الجيد الذى يخلب الألباب قبل العيون فتشترى وأنت مغمض العينين "الله يحضّر مالهم، ويغيّب بالهم" هكذا ربما دعوة التجار الأمريكان وأعتقد أن اسواقهم يغشاها سيدنا الخضر كل صباح داعيا لها بالنماء. أنت تدفع أيضا ثمن زاهى التغليف ولا تشعر بذلك، كما تدفع فواتير باهر الإضاءة!! يعرض الكاتب نوعا آخر من أسلحة الإستهلاك التدميرية وهو الشراء بغرض "الترويح" عن النفس فلربما يدفعك الملل أو السأم من الضغوطات الإقتصادية نفسها للخروج والشراء ومن ثم اضافة المزيد من الضغوط الخ الخ ... يضاف الى ذلك خدعة الشراء من اماكن نابنتى ناين سنتس - اشتر بدولار واحد فقط - فلربما تدخل لشراء مفتاح علب، لأنك وانت الصباح فى عجلة من أمرك بحثت عنه ولم تجده، فتخرج بالعلب نفسها ومكانس ومفارش يكون موجود مثلها فى خزانتك ولكنها بدولار على كل حال!! ولما تصل لماكينة الدفع تجد أنك دفعت ثلاثين او أربعين دولارا ولما تصل للبيت تخرج لك زوجك ثلاثة مفاتيح علب

    تظل الأسرة تكدح سحابة نهارها لتسهل عملية "سن" كرت الضمان وعندما يجن عليها الليل يجد الرجل نفسه غير راغب فى إنشاء علاقة سوية مع زوجته والعكس وينعكس ذلك أيضا على الأطفال فيلجأون "لآباء تعويضيين" مثل ألعاب البلاى ستيشن، الكمبيوتر والتلفزيون وعندما تحين التاسعة مساءا يأمرون أولئك الأطفال التعساء بالنوم ليوقظوهم فى الخامسة صباحا لللحاق ببص المدرسة، كل ما يراه الطفل من الأب او الأم هو وجه عابس يوقظه صباحا وسبب عبوس ذلك الوجه أنه هو نفسه مضطر للذهاب لأداء عمل لا يجد فيه نفسه ولكن "ساعى البريد" بفواتيره التى لا تنقضى يظل يلح عليه لقطع ذلك المشوار.

    قد يعثر الأب أثناء تجواله فى محطات التلفزيون على فيلم عاطفى تقول فيه البطلة للبطل، وهما يتناجيان فى مقهى عالى الدرجة او على البلاج:

    (If reincarnation would be true, I would rather be a woman, because you made it beautiful for me to be a woman)

    (لو كان تناسخ الأرواح حقيقة أفضَل أن اكون إمرأة، لأنك قد جعلتها لى جميلة أن أكون إمرأة) فتثور فى مخيلة الزوج عديد الصور عن "السعادة الزوجية" ولكن لا يتخيل أن تحقيق تلك السعاة سيتم لولا توفر المال فيسعى ليكد فوق طاقته، على حساب أسرته وصحته ليؤمن مبالغا إضافية تتيح له أن ينعم بتناج مثل الذى رأى فى الفيلم مع زوجه فى إحدى البلاجات. قد يحدث ذلك ولكنه لن يجد راحة البال لأن مرأى الفواتير فى صندوق البريد سيظل يؤرقه.

    يؤكد الكاتب باربر أن الأطفال هم الحلقة الضعيفة التى يستهدفها الإعلام فيظل الأبناء يضغطون على الآباء لشراء ما يريدون ويظن الآباء انهم ان فعلوا ذلك سينمون علاقات جيدة مع أطفالهم لأنهم لا يجدون وقتا أو آلية أخرى لإنشاء تلك العلاقة ولكن مثل ذلك الصنيع لا شك سينمى فى الأطفال عادات سيئة ستظل تلازمهم طوال حياتهم ثم هى، بعد، لا تفلح فى إنشاء تلك العلاقة المتوهمة.

    فى بعض الأحيان قد يلجأ المقهورون "المستهلكون" لصب جام غضبهم على زوجاتهم لا لشىء الا لتوهمهم أنهن السبب فى "أستهلاكهم" أو لمجرد البحث عن حائط مبكى فالإحتقان فى مكان العمل أو الضغوطات الإقتصادية قد تجد "تنفيسا" لها فى البيت بصورة سلبية بدلا من أن يكون البيت وسيلة لـ "مساج" ذلك التوتر - كما تأتى العبارة الأمريكية.
    يضرب الكاتب أمثلة عديدة يبين فيها كيف أن عهد السرعة قد أثر على علائق الناس الإجتماعية، فكمثال لذلك قد صغرت غرفة الطعام فى بيوت المدن الحديثة، فبينما كانت غرفة الطعام فى البيوت العتيقة هى أهم الغرف وكانت رحيبة وبها عدد من المقاعد الوثيرة حول منضدة الطعام، أصبحت الآن بكراس صغيرة وغير مريحة "مصنوعة فى الصين" لتجلس عليها لدقائق لا تناقش خلالها أحدا وقد تكون منكبا على حاسوبك الشخصى أو هاتفك الجوال أو حتى الصحيفة اليومية التى لا تجد لها وقتا. كانت غرفة الطعام فى الماضى ملتقى للأسرة تتناول فيها طعاما، جيد الطبخ، بتؤدة وقد يلبسون له زيا خاصا ويناقشون فيه مواضيعهم الأسرية بحميمية وربما على ضوء الشموع ولكن كل ذلك لا مجال له الآن فأنت ربما تأخذ قهوتك وإفطارك عن طريق "ممر السيارات" فى مطاعم الوجبات السريعة ويظل ذلك الحال ينطبق على كل شىء، فى سائر يومك، بل وسائر حياتك، حتى العلاقات العاطفية فلربما تتصل بإحداهن فى عطلة نهاية الأسبوع لتقضيا ليلة واحدة ثم لا تراها ولا تراك بعدها!!

    فى غرف النوم لا ترى غير الساعة "المنبه" لتوقظك صباحا وهى من أكثر الآلآت مبيعا وكراهية فى أمريكا ثم بعد ذلك ترى منضدة صغيرة بجوار سرير النوم وقد امتلأت بالعقاقير المهدئة والمنشّطة وخلافه، ذلك لأن الناس لم تعد قادرة على العطاء بالصورة الطبيعة فلا بد هم مستعينون بهذه الأدوية لتعينهم على المزيد من "الرسف" فى أغلال العبودية.

    من المفارقات التى يتطرق لها الكاتب أن وسائل الدعاية تعمد لجعل الأطفال يصبون ليكونوا كبارا فيستهلكون ما ينتج للكبار وما ينتج للصغار أيضا وبنفس الآلية يوهمون الكبار بأن بإمكانهم ان يصيروا شبابا فيعمدون لبيعهم أشياء أشبه بـ "عروق المحبة" وهذه "تجعل شعرك أسودا دائما" وفى هذا، وبحسب الكاتب أن النساء "شرخ الشباب عندهن عجيب" - بائية علقمة - الغريب أن كلا الطرفين يصدق تلك الفرية فتمتلىء الأسواق ويجد عمال البريد عملا دائما.

    يعرض الكاتب أيضا كيف أن العبودية الجديدة قد استغلت المرأة باسترقاقها لجسمها واستغلالها فى الدعاية وكيف أن ذلك لا يزيد على أن يعرض المرأة كجارية فى بلاط السلاطين ويعجب لكون ذلك يتم فى دولة ديمقراطية مثل أمريكا تؤمن بتكافؤ الفرص بغض النظر عن الجنس.

    من أخطر فصول الكتاب أثر الإستهلاك المدمر على البيئة، كل بيئة العالم. تخيل طفلا واحدا فى مطاعم ماكدونالد وقد اشترى سندوتشا ملفوفا فى عدد من الأوراق الملونة والأحبار، الثصدير حافظ الحرارة، صندوق الكرتون الأنيق، ووضعت شرائح البطاطا كذلك فى صندوق آخر وغلفت الملاعق والشوك والسكين ببلاستيك كثيف، لزوم الـ sanitation ثم توقف الطفل لأخذ كمية من المناديل ومغلفات الملح والفلفل والصلصة المعبأة - كتشب وربما بعض معينات القهوة ولا قهوة له - هى مجانية على كل حال، وفى نافورة المياه الغازية ملأ جكا ضخما ثم ذهب نصف ذلك كله لـ "برميل الزبالة" وفى نفس الوقت ذهبت معه ربع شجرة كاملة لتنعكس على موزمبيق جفافا وتصحرا فيأتى أهلها يدفون على أبواب العالم "المتحضر" بعنف يسألون عن شجرتهم لماذا لا يأتيهم هبوبها؟ ومع مجيئهم تتحدث مجالس "المثقافتية" عن الإيكولوجى وتنميط الجريمة الخ الخ وهم يمضغون شرائح البطاطا.
    لا يرى الكاتب حلا أمثل من إعاة النظر فى مناهج التعليم لإعادة النظر فى أنماط الإستهلاك ويرى أن الديمقراطية الممارسة حاليا تعد نفسها ذراعا من أذرع الإستهلاك والسوق الرأسمالى فيدعو لإعاة النظر فى الديمقراطية نفسها وإصلاحها من "الداخل" لتؤمن فرصا متكافئة للناس لا يستغل فيها بعضهم بعضا



    http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2974
                  

04-25-2008, 09:47 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    هذة القصيدة من سودانايل

    قصيدة إلى العارف بالله الأستاذ محمود محمد طه
    د. معتصم محمد سيد أحمد/بيروت
    [email protected]

    يا صاحب الطوفان هذا شرعهم** من لم يكن منهم يكن زنديقا
    مصوا دماء الشعب فهى قصورهم** طالت علوا شاهقا وسحيقا
    آتاك ربي العلم فكرا صادقا ** فبخلق أهل الحق كنت خليقا
    لم يسمعوك و لم يعو ما قلته ** بل زوروه وكذبوا تلفيقا
    جعلوا أكفهم على آذآنهم ** و أتوا بران بالقلوب لصيقا
    لبسوا لباس الدين للدنيا هوى ** ورأوا بصدقك عائقا ومعيقا
    فتدبروا أمرا فنضح اناءهم ** وأتوا عليك بحكمهم تطويقا
    ودوا لو أنك ساجد مستشفعا ** فيباد جمعك كله تفريقا
    فجهرت قول الحق في قاعاتهم ** بهت القضاة مشيرهم وفريقا
    لا خوف لا طمع بقلبك سيد ** متعبدا حرا فصرت طليقا
    فكشفت عن حوض المعارف حجبها ** و سلكت درب العارفين طريقا
    ترجو الاله وسالك في دربه ** فدنوت من قوسين كنت مطيقا
    حسبوك من حبل المشانق جازعا ** فشددته لله أنت وثيقا
    حشروا فنادوا تلك أبشع موتة ** وكذا سيذهب فاسقا هرطيقا
    سترون نعلا طائشا من محدث ** عاض لسانا بارزا و مريقا
    ناداك ربك عندها من تحتهم ** أن الق حبلك غالبا صديقا
    فوقفت بالوادي المقدس في تقى ** رجلا نقيا طاهرا و أنيقا
    و خلعت نعلك للاله تأدبا ** و مشيت نحو الله أنت رفيقا
    ما زاغ بصرك في المنصة ما طغى ** هي سدرة للمنتهى تصديقا
    جاء التجلي عندها في نوره ** وكساك ثغرا باسما ورقيقا
    فصعدت في المعراج لطفا رائعا ** وذهبت اسراء له تحليقا
    وأتاك كوثر عابقا في مسكه ** وسقاك مختوما صفا و رحيقا
    و الروح كانت في المقام بقربه ** و مقام محمود كفى تشويقا
    (د. معتصم محمد سيد أحمد) القاضي
    الجامعة الأ مريكيه في بيروت ، لبنان
    فبراير 22/2004
    _________________
                  

04-26-2008, 01:09 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الصادق المهدي ... ولعبة الشهرة

    الطيب كبَّاشي الفزاري

    الرياض/ المملكة العربية السعودية
    [email protected]

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه مع التسليم

    أما بعد :

    إضافة إلى ما تفضل به الأستاذان / صلاح شعيب والدكتور على حمد إبراهيم في مقاليهما المنشورين في صحيفة سودانايل الاسفيرية بالعنوانين على التوالي (الصادق المهدي- أزمة قائد أم أزمة ناقد) و( تعقيب حول الصادق المهدي ... أزمة قائد أم ازمة ناقد") والذي أبانا فيه كيف أن النقد الموجه للسيد الصادق فيه كثير من التجني وعدم الموضوعية بل والتحامل غير المنهجي على مسيرة الرجل الرمز وقد عزاه الأستاذ صلاح شعيب إلى أزمة الناقد الذي يذهب بنقده إلى التصويب والإصلاح والنصح لا الهدم وكسب مآرب سياسية ، والصادق لا يلتفت إلى ذلك لأنه (حامل مسئولية ) لا يجوز ولا ينبغي له التخلي عنها أو التهاون فيها حسب تعبيره ، بينما عزاه الدكتور على حمد إبراهيم إلى سياسة المستعمر الذي خلق بيئة مناوئة للإرث المهدوي من خلال استخدامه لبعض الطرق الصوفية والتي بدورها قد وجدت في غريمتها الثورة المهدية - بعد أن أفقدتها هذه الأخيرة كل امتياز حين طردت المستعمر الذي كانت تتدثر به - فرصة للثأر منها ، وقد تداع هذا الموروث الكاره لأي شيء يتعلق بالمهدية وأرثها حتى يومنا، كما أوضح الدكتور كيف أن السيد المهدي لم يترك سبيلاً لتعليم وترقية وتثقيف نفسه ورفدها بكل معارف السلف والخلف إلا وطرقها حتى اختير من بين (المائة العظماء من علماء المسلمين المعاصرين) وقد سبق في الترتيب كثيراً ممن يملأون الشاشات العربية صباح مساء ورئيس منتدى الوسطية في الإسلام ورئيس نادي مدريد وغيرها من الوظائف العلمية المرموقة كأنه يقول (هآنذا لا ما كان أبي) ولكنه يظل ابن المهدي على حد تعبير الصادق نفسه " أن مجرد سماع اسمي يسبب لبعض الناس مشكلة. ولكن هناك أناس كثيرون يحبونني".

    ولكني أرى هناك نفراً آخراً من أرباب الثقافة والفكر و الكلمة والمتواجدين في الساحة الفكرية والثقافية والسياسية السودانية قد تجنوا أيضاً على السيد المهدي ولكن من أجل شيء آخر يبقيهم في دائرة لضوء ألا وهو الشهرة لا غير، لأن من يقول كلاماً أو يؤلف كتاباً عن الأعلام والزعماء من الناس حتماً سيلتفت إليه الناس ولو كان ما يكتبه سقيم المنطق والحجة و(السفيه نبذ الباشا ).

    يظل السيد الإمام الصادق المهدي- رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار - طول تاريخ السياسة السودانية هو السياسي السوداني الوحيد الذي اشتهر خلق كثير عن طريق التعرض له مدحاً وذماً وانتحال فكره و إليكم ما يعضد ذلك:

    هناك كثير من كتاب السياسة والأعمدة الصحفية في السودان لم يشتهروا إلا بذكرهم الصادق المهدي و أول هؤلاء الكتاب هو الصحفي السوداني الراحل محمد طه محمد أحد وقد وصفه الصادق مرة في برنامج (الخط الساخن ) بأنه (كان متَلِّحه) والذي كان كثير التعرض للصادق المهدي في كتاباته إبان فترة الديمقراطية الثالثة خلال صحيفة الراية التي يصدرها حزب الجبهة الإسلامية القومية أو خلال نظام الإنقاذ الحالي حيث أصدر صحيفة الوفاق والتي كانت تباع وتشترى بإبراز العناوين الكبيرة بأن الصادق فعل والصادق قال وكان صاحبها يدبج المقالات الطوال في إثبات علمانية الصادق المهدي – فقد كان - غفر الله له – يغلب كثيراً من الهوى فيما يكتب لاسيما في عموده المقروء (لله والحرية) ، فهو كثير التشنج والانفعال في كتاباته وله قلم مدمر عندما يتناول أحد الساسة فهو يكتب ما يراه لا يلوي على شيء وكان للصادق نصيباً وافرا في كتابه الصادر في بداية التسعينات (الحريق السياسي الذي أتى بالإنقاذ).. قال محمد طه عندما تزوجت- وقد كان في قمة كتاباته اللاذعة ضد الصادق - فإنه أي الصادق لم ينس أن يرسل له مظروفاً يهنئه بالعرس وفيه الواجب !؟!

    ثاني هؤلاء الصحفيين هو رسام الكاريكاتير هاشم كاروري ، فقد جعل هذا الرسام الصادق مادة دائمة لرسوماته الكاريكاتيرية حتى اشمأز منه رئيس التحرير وقتها في صحيفة الأسبوع
    محي الدين تيتاوي ، أما إذا أراد أن يمدحه فإنه لا ينسى أن يضع مايكروفوناً صغيراً في جلبابه كناية على ذمه بكثرة الكلام والغريب أن هذا الرسام عندما أراد أن يصدر كتاباً للرسومات الكاريكاتيرية عن فترة الديمقراطية الثالثة لم يجد من يقدم له كتابه هذا إلا الصادق نفسه وعندما سأل لماذا الصادق دائماً قال لأنه الوحيد الذي يتقبل النقد أياً كان.. حاجة غريبة!!!

    وقد سبقه إلى هذا المضمار الصحافي السوداني الراحل محمد مكي صاحب جريدة الناس والذي كان يفرد الصفحات الطوال لتناول الصادق مستخدماً العبارات التي ترد في خطاباته وأحاديثه مثل (السندكالي ، وهلم جرا ، وينبغي أن وغيرها).

    أما حسين خوجلي فقد كان الصادق الحاضر الغائب في كل ما يكتب ، فالرجل يمتلك قلماً ساحراً وطيعاً ولكنه يستخدمه بخبث فهو الذي كان يطلق العبارة التي تسير بين الجماهير على نسق الصحفي مكي الناس من شاكلة (أبو كلام ).. ولا ينسى أن يذم نائبه - المفغور له- الدكتور/ عمر نور الدائم فيصفه بأنه (درق سيده) ولكن بعد فترة الإنقاذ هذه فإن الرجل قد قلل كثيراً من قدح الصادق ربما أحبط من مكائد أخوة يوسف أو أن عامل السن والتجربة قد أكسبتاه حلماً افتقده في أول تسنمه سلم الصحافة المتعرج ... بل قد شاهدته مرة في إحدى اللقاءات التلفزيونية يمدح الصادق ويدعو للديمقراطية التي أساء إليها أيما إساءة عندما كان الحبر يندلق من قلمه مداداً قانئ ليشكل به دولة التآمر الورقية.

    نعم أن هناك غرضاً آخراً للتعرض للصادق وهو أن الجريدة ستباع والسبب الثاني هو التنافس السياسي ، فالرجل قامة في كل شيء ، بل يعتبر شوكة في زور كل نظام ، فكان لابد من تحطيم هذه القامة لأنهم يعرفون إن استطاعوا تدميره أو تدجينه على أي حال ، عندها سيخلو لهم الجو حيث إن الموجودين غيره في الملعب السياسي والثقافي والديني إما دمىً أو أصحاب قنابر يمكن أن يتعلموا الزيانة فيها بشفرات صدئه.

    هؤلاء ليسوا فقط من كتبوا في ذم الصادق وإنما هناك آخرون كثر من ذات التيار مروراً بإسحق أحمد فضل الله وعثمان ميرغني والزومة وموسى يعقوب وراشد عبد الرحيم وعبد الرحمن إبراهيم ومحمد وقيع الله وحتى عبدالوهاب الأفندي وغيرهم . بل إذا تكلموا عن قضية داخلية في تنظيمهم فالصادق بند ثابت فيها ... بهم هوس اسمه الصادق المهدي.

    منذ فترة قصيرة شاهدت محاضرة دينية عن سمات الخطاب الإسلامي المعاصر ألقاها الدكتور/عصام البشير في القاهرة وكانت منقولة عبر قناة (الجزيرة مباشر) وقد أدهشني كيف أن الفقيه البليغ قد حشد في محاضرته كثير من العبارات الواردة في كتاب السيد الصادق (جدلية الأصل والعصر) بعد أن أضاف إليها مما يحفظه من كتب الفقه والحديث والأصول والأدب كمحسنات لفظية حسب مقتضى الحال ولكنه لم يكلف نفسه عناء أن ينسب ما قاله لصاحبه الذي سبق غيره فيه ، بل هذا الكتاب (جدلية الأصل والعصر ) أرى بعض المشتغلين بالفقه والفتوى في بعض البلاد الإسلامية والتي لا تتفق مع ما يطرحه مؤلفه يتشدقون به في الصحافة المقروءة والمسموعة و المشاهدة ولا يردون الفضل لأهله. وقد ألقى الدكتور/ عصام محاضرات وأحاديث كثيرة عن الوسطية في الإسلام في المملكة العربية السعودية – وهي محاضرات مسجلة ومحضورة - لكنها في كثير منها مأخوذة وربما حرفياً من كتاب المهدي المذكور أعلاه، ولكنه ظهر كأنه أول من قال بها، بل وسوقها في هذه المنابر على أنها اجتهاداً خاصاً به حتى أصبح أميناً عاماً لمنبر الوسطية في الكويت وبدأ يجوب بهذه الأفكار أقطار العالم العربي والإسلامي ويلقى المحاضرات ويبتسم للكاميرا تارة بالعمامة والعباءة وأخرى بالبنطلون وربطة العنق مشفوعاً بإعلام وقنوات توجهه السياسي في هذه البلاد أو تلك بينما صاحبها الأصلى لا يذكر حتى ولو من باب العرفان !!؟ قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) النمل ، الآية 14.

    الآن دعونا نقلب الصفحة ونرى ماذا كتب وقال آخرون :

    الدكتور / منصور خالد / السياسي السوداني المعروف ، لقد ألف هذا الرجل كتباً كثيرة تذم النخب السودانية وتوضح مدى فشلها في إدارة شئون البلاد وهو كاتب متقعر يبحث عن غريب الكلام وشاذه مثل (هذا الهرار اللفظي .. رطيني اللغة ... والذين حملتهم أمهاتهم على ظهورهن من نهر الداجو والنيجر وغيرها ) ومعجب جداً بالتعابير السيارة وقد استشهد كثيراً بما قاله الصادق في كتابه (النخبة السودانية وإدمان الفشل) ولكنه حيث ما كتب في قضية تهم السودان فالصادق دائماً هو الحاضر ليس لأن للصادق يد في كل قضايا السياسة السودانية ولكن حباً لغريزة غريب الكلام التي أدمنها والتي يرى أنه لا يجارى فيها أحد مثل الصادق والتي متى ألصقت بأحد فإنها تعمل عملها وأمضى . للعلم فقد سأل خالد مرة في برنامج (زيارة خاصة ) بقناة الجزيرة عن الصادق فوصفه بأنه (سياسي جاد) ولعمرى فهي عبارة مدح في حق الصادق لم تصدر من أحد وفيها كثير من الصدق ولكنه لم يزل يستل سيفه اللفظي همزاً ولمزاً.

    كاتب آخر من "الأخوة الجمهوريون" يدعى عمر القراي – هذا الكاتب عندما يكتب فإن الصادق المهدي يتواجد بكثرة فيما يكتب لكأنه فاصلة أو نقطة آخر السطر ، بل ويفرد مقالات منفصلة عن الصادق حيث ما فتئ سيادته يذكرنا دائماً بأن الصادق غدار وخائن وفي أحسن الفروض فهو سياسي فاشل ومتقلب المزاج ، بل وصفه في إحدى كتاباته بأنه لا يخاف الله!! – يذمه بوقاحة وجرأة لا يدانيه فيها إلا كاتب آخر يكتب في الصحف الاسفيرية يسمى شوقي بدري . هذا الكاتب يكاد يكون كاتب الذم الأول في حق الصادق لم يذكر له فضيلة واحدة لكأنما الصادق هو من أصدر الحكم بإعدام شيخه محمود محمد طه . حالة من اللا موضوعية واللا منهجية تتساقط من قلم القراي وتحدث دوياً لا ينفك أن يرتد إلى أذنيه صفيراً كصفير الريح ومن ثم يبدأ الجولة مرة أخرى وهكذا دواليك. وما أسهل أن تذم الصادق لتشتهر !!؟.

    وهذا صاحب مؤلف (سقوط الأقنعة ) فتحي الضوء ، يبدأ بمثالب الصادق ويسردها ولا يترك منها شاردة إلا وكتبها في مؤلفه ، بل يحمله كل عيوب الفترة الديمقراطية الثالثة ومجيء الإنقاذ ويصفه بالضعف في اتخاذ القرارات الصعبة ، و الغريب عندما سأل لماذا هذا قال لأن الصادق رجل ديمقراطي ... فالصادق هو الوردة التي تجمل قطعة الجاتوه المالحة.

    وأخيراً الدكتور / حيدر علي إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية بالخرطوم ، فالرجل في تقديري يعيش حالة من الإحباط من تعاقب السنين الإنقاذية والتي كادت أن تضرب مشروعه في مقتل ، فانبرى يمتشق سيفاً خشبياً ليكون الصادق أول ضحاياه.. فإذا لم يكتب عن الصادق لنسوه الناس لأن الكتابة عن آخرين ستكلف كثيراً وما أسهل الكتابة عن الصادق فهو مشاع لكل قلم سواء كان مبروءاً أو مكسورة سنه.

    وقد ذكر السيد الصادق مرة في لقاء عبر (برنامج الخط الساخن ) بأن جميع من أساءوا إليه قد اعتذروا ما عدا قلة في طريقها للاعتذار وأن الصحفي محمد طه قد اعتذر إليه فقط قبل أسبوع من اغتياله .. والسؤال عن ماذا اعتذر هؤلاء ؟؟؟؟!!!

    وسوف لن نخرج من هذه الدائرة الخبيثة بمسمياتها المختلفة إلا إذا أجرينا دراسة موضوعية وأمينة في فكر الصادق السياسي والديني والمعرفي ، دراسة توضح حظ الرجل في هذه الميادين، دراسة نقدية شاملة تقيمه كسياسي وعالم دين ومفكر ومثقف دون الحاجة للدخول في الشخصنة والتاريخ الأسري ، فالرجل يريد تقييماً ونقداً فردانياً لمسيرته في المجالات التي خاضها حتى نستطيع تكوين مدرسة نقدية منصفة تهذب وتنصح ولكن بالتي هي أحسن.

    أخيراً شكراً للسيد الإمام الصادق بن الصديق بن عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي - حفظه الله وأبقاه ذخراً للإسلام والمسلمين و السودان والذي فرش عباءته الوهيطة ليتمرغ عليها كل عاشق وباحث عن الشهرة وذوأب عزبته الأنيقة ليعتصبها من شاء (حليف وصديق ومغاضب ) ووهب جلبابه الصادقابي ليرتديه من أراد ولو كان لباس أسلافه ( الجلابية أم لياقة أو اللاويه ) ونصب عنزته القرناء ليتكئ عليها كل محب للأضواء حيث ما ضر الأسد وخزة نالها من منقار نقار الخشب .

    _________________
                  

04-26-2008, 01:14 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ومنصور خالد (11)

    سأعطس في وجوه أهل الريب بأنف شامخ



    د. عبد الله علي إبراهيم
    [email protected]

    استعرضنا في حديثنا السابق "المذكرات المضادة" للسيد إسماعيل الأزهري، أول رئيس لوزراء السودان المستقل وزعيم الحزب الوطني الاتحادي، كما نشرتها جريدة الناس، لسان حال منافسه اللدود السيد عبد الله خليل البيه الذي خلفه في رئاسة الوزارة في 1956 وسكرتير عام حزب الأمة. وهي مذكرات جاءت متزامنة مع سيرة الأزهري الحقة التي أملاها على السيد بشير محمد سعيد ونشرها تباعاً في عام 1957 بجريدة الأيام التي ترأس تحريرها. وجاءت المذكرات المضادة موغلة في سوء وبهتان لا مبرر لهما بالغاً ما بلغت الخصومة بين الرجلين. وصبت الجريدة فيها على الأزهري جام الاستعلاء العرقي لود العرب النيلي من رمي للآخرين بالعجمة والدين الظنين . فقد رمت الجريدة الأزهري بالنقص في السودانية، في تعريف ود العرب، لنسبه القوي في الفلاتة أهل نيجريا ومن لف لفها. وقد استعانت جريدة الناس في هذا اللؤم حيال رجل ذي سابقة وطنية تأسيسية، وحيال شعب الفلاتة (وهم قوم من كرام أهل الأرض انتسب لهم الأزهري أو لم ينتسب)، بنص من كتابات هارولد ماكمايكل، السكرتير الإداري للحاكم العام الإنجليزي لعام 1926، قال فيه إن قوم الأزهري يدَّعون نسباً للبديرية الدهمشية من سكان شمال السودان وبادية كرفان ولكنهم في حقيقة الأمر لا بديرية ولا دهمشية. وللعبارة إيقاع بليغ في إنجليزيتها مما تطرب له الصفوة. وهكذا تغذى عرق استعلاء أهل البحر العرب أو (المستعربة كما يصفهم المرتابون في عروبتهم) بتطفل هذا المستعمر على أنساب اهل السودان.

    حين نشرت جريدة الناس سخفها هذا كان السيد منصور خالد المحامي الشاب محرراً بالجريدة بل ربما كان محررها الأول بحكم وظيفته كسكرتير للبيه رئيس الوزراء أو المسئول عن اتصالاته. ولا نريد بالطبع حساب منصور على هذه الترهة من زمن الصبا الأول. فقد مرت مياه غزيرة من تحت كبري منصور وأصبح الفتي الذي قبل ذلك الفحش العرقي بحق الأزهري (أو ربما ساهم فيه) صوتاً مسموعاً في إدانة الميز العرقي حبر به الكتب الغلاظ الشداد. وانضم بعد انتفاضة 1985 إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق وأصبح من مستشاريه. وكان رده على من استنكر هذا النقلة المفاجئة أن دافعه كان زكاة يؤديها لينقذ أولاد العرب والبلد، ممن كان واسطة عقدهم في جريدة الناس وغيرها، من أنفسهم الأمّارة بالاستعلاء العرقي. وزاد منصور بإنفعاله البلاغي الأشم المعروف بأنه سيؤدي فريضة هذه الزكاة وهو "ناهض إلى صعدائي، أعطس في وجوه أهل الريب بأنف شامخ" (جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 194). ونسب ترحله من العنصرية الى السماحة إلى ملابسة أنه "قضى عمره الراشد" بين مؤسسات عالمية تدين سياسات الميز العرقي والنوعي ولمس عن كثب في أسفاره مضاضة التميز العرقي على من يقع عليهم.

    ولا تثريب بالطبع في إفاقة منصور المتأخرة جداً لسوءة عرقية ود العرب أو البلد التي امتزج بفكرها وأذاعه في جريدة الناس أو أعان على ترويجه. فإن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي قط. ففي الفكر مكان رحيب للأوابين إلى الحق. بل قيل لا يخدم الحق مثل عائد إليه لائذ به. وهذا مما نستفيده مما كتبه ناثان قليزر الكاتب الأمريكي. فقد ناهض قليزر حركة التنوع الثقافي التي تأذن بها الجامعات الأمريكية وغيرها بتدريس كتب ومنتجات ثقافية من غير إرث الغرب. وكتب في إفاقته لضرورة المطلب ونفعه كتاباً عنونه: كلنا في صف التنوع الثقافي الآن. وقال فيه كلمة غراء عما يعتلج المرء من طاقة وشفافية يوم يَطّرح الضلال ويستبين الحق: "ليس هناك ما يعبيء الذهن ويركزه على مسألة أشد مضاء من اكتشافه أن الصواب قد جانبه فيها".

    للعودة للحق نصاب مستحق للزكاة. ويكتمل هذا النصاب عبر وسائط التربية والثقافة. ولم يبلغ منصور عندنا هذا النصاب لأسباب نتناولها في حديثنا القادم. ولهذا شابت الأوهام ما زعم أنه توبة نصوحة للحق. واصطفينا أن نطلع القارئ على عينات مما كتبه منصور بعد إثابته المزعومة للحق لم يبرح فيها امتيازه العرقي ك"ود عرب" قيد أنملة. ورأينا في تشبث منصور بمِيَزه العرقية نقصاً في نصاب الحق يجعل زكاته، التي خرج يؤديها عنا، حشفاً وسوء كيل. وسنرى متى وقفنا على أسباب هذا النقص أن هجرة منصور ل "عناق الآخر" العرقي لم تكن لله وإنما لنفسه. ولذا لم تمس منه الشغاف فتزلزل دفين محفوظاته العرقية الأولية وتنقيه منها ليخلص للإلفة العرقية في الوطن وغيره. ولما لم تكن هجرته للحق كانت مضمضة سياسية.

    من أوجب الأمور على مثل الأواب إلى الحق مثل منصور أن يستوثق أنه قد نقى لغته من مصطلح الميزة العرقية الذي نفرت نفسه منه. فهذا مصطلح خبيء دسّاس مثل العرق، لو استلفنا من قاموس للعرق بغيض. وهو باق في مطاوي الثقافة المستعلية لا يزول بمحض تحول حامل اللغة من عقيدة عوراء إلى أخرى عيناء. فمن أراد بعد تحوله من البغضاء إلى السماحة التعبير عن نفسه بلغته ذاتها وجب عليه أن يوسعها نظراً ويقتحمها بالفحص ويكسر قاموسها المستعلي ويعيد تركيبه على نور الحق الذي استبانه. وهذا من شغل الثقافة الذي قال قرامشي إنه شغل طويل . . . سلبة. وهذه تقوى مدنية لها مشابه في تقوى الدين. فقد نبه الإمام أحمد بن عبد الوهاب أن المسلم متى استقام على التوحيد ونفى الشرك عن نفسه استردف ذلك بتنقية لغته عن أوهام الشرك وعلى محجة التوحيد. فمتى وحدت بالله لا تقول للفرد من رقيقك "عبدي" بل "فتاي" لتحقيق التوحيد في الألفاظ. ومع مجافاة المثل مع معلوم عصرنا بالضرورة إلا إنه دال على عناية الشيخ بتقوى في اللغة قصر عنها شغل منصور في تنقية نفسه من نتن العرقية. ولفساد هذا الشغل صح عليه مصطلحه هو نفسه عن الأشغال من شاكلته: لهوجة.

    فستجد منصور يستخدم صيغاً من مصطلح التميز العرقي لم تمر بمصفاة الحق الذي استبانه (ضحى الغد). فلو احتكم لتلك المصفاة كان إمّا أجاز هذه الصيغ أو عدلها أو إطرحها. والأمثلة كثيرة. فهو حشد في رثائه للمرحوم محمود محمد طه المشهور طائفة نكراء من هذه الصيغ ذم بها الرئيس نميري وزمانه. فقد صور منصور محموداً بمنزلة أبي شجاع فاتك الذي قتله "كافورنا" الأخشيدي أي النميري. وأضاف إن زمان نميري فينا "زمان عقيم عقم الخصي الأوكع تسرح فيه إماء لكع". وها أنت ترى هنا أن منصوراً استدعى مصطلح الرق العربي كله لحجته. فأورد الخصي وكافور والمتنبئ والإماء بغير أن يطرف له جفن من شفافية. بل ذهب إلى تبخيس العجم قاطبة بقوله إن مقتل محمود هو بدع لم يعرفها المسلمون."إلا في عهود الانحطاط التتري والشعوذة الأيوبية والطغيان اللملوكي". وخلص له تاريخ الإسلام من بعد نفي العجم عنه عربياً عربياً. ولا يطيق منصور مزاعم بعضنا عن عروبيته أو سياساتهم حولها لا لأنها مما يخرق عقيدته المستجدة في التنوع الثقافي بل لأن العرب قوم أشراف لن نطالهم. فلم يكن أبو سفيان مشلخاً مثل دكتور الشوش مثلاً. قالها منصور ليخزي الدكتور ومزاعمه العربية. واستنكر منصور تعريب نظام الإنقاذ للتعليم العالي. ولا تثريب فهو أمر خلافي حتى في تلك الأحوال التي لم يٌفرض فيها الأمر فرضا. ونقول للتذكرة فقط هنا أن منصوراً كان من عتاة دعاة التعريب في كتابه "حوار مع الصفوة" مثلاً. ولم يبدر منه، وقد تولي مسئوليات التربية والإرشاد في مغيب سنينه المايوية، ما يؤشر لمراجعته عقيدة التعريب حتى انضم للحركة الشعبية. أنكى من هذا كله الحيثيات التي جاء بها منصور لشجب نظام البشير لاستحداثه التعريب بغتة ومن عل. فقد صدر منصور فيها عن مصطلح "ود العرب" ومزاجه وهما ما نسب منصور إليهما فشلنا وإدمان صفوتنا هذا الفشل. فقد استفظع منصور أن يحاول قطر كالسودان، لا هو في العير ولا في النفير، التعريب في حين تحاشته دول عربية يشار إليها بالبنان. وسنتجاوز عقدة قلة القيمة عربياً هذه إلى ما هو أكدر للخاطر. فالأدهى أن منصور احتج على إتمام التعريب في ظل حكومة يقودها حاكم السودان "المستعرب"، الذي هو البشير، ورئيس مجلس تعليمه العالي وهو المرحوم اللواء الزبير محمد صالح. ووصف الأخير بأنه: "ما زال يتحدث العربية برطيني(رطانة) يكاد لا يفهمها الأعاريب" (النخبة وإدمان الفشل، الجزء الثاني ، صفحات 344-346).

    ولم يقف منصور، هذا الثور في مستودع الخزف، عند هذا الحد من التبكيت. ويبدو واضحاً أن منصور لا يطيق عبد الإخشيد كافوراً بالمرة مثل صفيه المتنبيء. فاستقدم عزته كملكي (في مقابل جهادي أي عسكري) إلى دائرة تبخيس الزبير العسكري. فواصل قائلاً إن الزبير غير مستأهل أن يكون رئيساً لمجلس التعليم العالي أو الخوض في تعريبه لأنه "عسكري" يٌضحك عِيَه (عدم إبانته) وحصره (نفس الشيء) "ربات الحجول البواكيا". والمقطع مأخوذ من المتنبيء العربي يهحو كافوراً الأخشيدي الأسود. أقبض! بل أنظر ربات الحجول مما لا شغل لهن سوى صب الدمع الهتون. أقبض!

    وأساء منصور هنا من وجهين. فقد خاض في شأن علم العسكر أو جهلهم لا يعتوره حرج أن يمضهم هذا التبخيس وهو الذي قال إن أوبته إلى توقير الآخر قد بدأت بأسفار وقف فيها على مضاضة الآخرين من الميز العرقي وغير العرقي. أما من الجهة الأخر فقد كان منصور يٌنَظر طويلاً للدور التقدمي للجيوش في الدول النامية بإطلاق. فكيف بالله لجيش تقدمي أن ينهض بالتبعة الملقاة على عاتقه وضباطه مصابون بحصر يٌضحك ربات الخدور. ومن الغريب أن يصدر مثل هذا القول عنه وهو مستشار حركة يغلب عليها العسكر. ولا يصدر مثل قول منصور عن الزبير والعسكر والنساء إلا ممن استبدت به وعثاء العنصرية والصفوية الملكية والذكورية بينما يظن أنه قد خرج ليقضي عليها وعلى نتنها.

    يزعم منصور أنه قد تربي في عمره الراشد على الحساسية تجاه مضاضة الآخر من شرور الميز العرقي من عنف لفظي وزراية. ولكننا نشك مما نقرأ له إن كان منصور قد تطهر فمه من وعثاء العرق على حد قوله أو أن ذلك التطهر ما يزال مشروعاً ينتظر التنفيذ. فقد أسقم منصوراً أداء القوات المسلحة على عهد الرئيس نميري التي كان يصحب قادتها الرئيس و"فكيه" الرسمي، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 1983، ليذروا الرمل المبارك في طول الجنوب وعرضه حماية لنميري من عوادي الكفار. فقارن منصور هذه الشعبذة برجال الجيش الشداد البواسل على عهد الفريق عبود قائلاً: "وعلم الله إن ذلك لعوج كبير يتململ له في القبر أبطال بنوا للسودان جيشاً فاخر به أمة العرب في الكويت وفاخر به أفريقيا في الكنغو . . تململ له الصنديدان أحمد عبد الوهاب وحسن بشير نصر" (النخبة وإدمان الفشل، الجزء الأول، صفحة 674) . وتجاهل هنا منصور، الذي بوسعه عقد هذه المقارنة بالنظر لإرثه الشمالي الذي يبيح له المفاضلة بين "وحوش" قومه، أن حكم عبد الوهاب ونصر هو الذي استن أسلمة وتعريب الجنوب التي انقدحت منها شرارة الحرب الأهلية التي انكوينا منها طويلاً أو ما نزال. وقد اشتهر عن نصر سخيمة ذاعت بين الناس أنه قال، بعد انقضاء عهدهم بضربة جاءتهم نتيجة سياستهم في الجنوب، إنه لو تركه رفاقه ولم يحولوا دونه ودون خططه لحرق غابات الجنوب عن بكرة أبيها لا يبقي فيها من المتمردين ديارا. ومنصور متفق معنا على جريرة نظام عبود في الجنوب. ولكنه عطل حكمه هذا في العبارة التي سلفت مواتاة حتى ينال من نميري وجنده. فمنصور هو القائل في صحوته الفكرية الحالية لمسألة التنوع الثقافي إن قهر الجنوب بواسطة نظام عبود وقع بالعمل العسكري والأسلمة القهرية. وإنه هو النظام الأول الذي اختط هذين السبيلين لحكم الجنوب ( جريدة الفجر، الأسبوع الثالث من ديسمبر 1996).ولكنه عاد مرة في حديث مع عادل الباز ليخفف من وطء هذه السياسة ووصفها بالأسلمة القهرية الساذجة (الصحافي الدولي 22 يناير 2000). ولم يخطر لمنصور أن إشادته بشدة جند عبود وخيبة جند النميري (او البشير سيان) هي بعض امتيازه كشمالي. فلن نتوقع جنوبياً يقيم مثل هذا التمييز بين قتلته. وكذا لن تجد جنوبياً يفرق بين السذج والدهاة ممن أزروا بثقافته وخياراته.

    ومع جزالة عبارة منصور في كراهة العنف اللفظي والزراية بالآخر عرقياً إلا أنه احتفظ لنفسه وحده ربما بحق ممارسة هذا المكروه عمداً من موقع ود العرب متى شاء. فإن ظن أنه اشتفى من داء العنف اللفظي بالجنوبيين أو النوبة والزراية بهم خلال صحوته الثقافية نجد أنه لم يبرأ بعد من تعنيف الفلاتة وأهل غرب أفريقيا بعامة. فقد استغربت لإفتتان معجبي منصور من الأوابين بعبارة تنضح بالعرقية حيال الفلاتة وجمهرة غرب أفريقيا. وهي عبارة لم أجد لها موضعاً من كتب منصور ولكنها شاعت حتى أضحت من الحكم السائرة. وهذه العبارة هي: "أولئك الذين جاءوا مستردفين على ظهور أمهاتهم، من سفوح كانم، وتمبكتو وسهول نهر النيجر، يدعون العروبة أكثر من أهل تهامة والإسلام أكثر من أهل بكة." ومفاد هذه الجملة في عربية بسيطة هو :"ألزم محلك يا فلاتي". وقالها منصور في لجاج السياسة يبكت ناشطاً من دولة الإنقاذ أصوله من برنو دارفور. واستهوت العبارة كاتب مجيد على منبر سوداتيزأونلاين حتى قال إنها تشخص "أس البلاء في بلادنا" تشخيصاً ما حصل. ولا يعدل إعجاب طائفة منصور بعبارته هذه سوى إعجابهم بأخريتين هما "القلوب الغلفاء والفكر الأصلع" و"ألص من فأرة وأزنى من قرد" . وأخرى عن الفسو. فتأمل

    وبلغ من شيوع عبارة المستردفين أن خطب ودها كل مضطغن على من انتسب إلى الفلاتة حقاً أو بالحدس اللئيم. وقد دنت العبارة بقطافها على رجل رشيد في معركة اشتهرت حول أمر ما بينه وبين رجل أصوله القديمة من نيجريا. فقال الرجل الرشيد إن هذا "الفلاتي" لا يستطيع سلبه من حق ما "ولو بأمر من سلطان مايرنو". ومايرنو هي مواطن للهوسا والفلاني ممن هاجروا بعد ضربة الإنجليز القاضية لخلافة صكتو الإسلامية ببلدهم في 1898. وأكد الرجل ل"لفلاتي" واقعة ما وقال إنها تأسست قبل دخول ذلك "الفلاتي" جامعة الخرطوم وقبل أن يعرف أين تكون جامعة الخرطوم أو أين الخرطوم ذاتها في خريطة السودان. وافتخر الرجل الرشيد بسودانيته قائلاً إنه "لم يعبر حدوده (السودان) محمولاً على ظهر أمه" مستعيداً نمطية عن الفلاتة للزراية مما تلقاه عن منصور . . . عن ثقافته.

    ويعرف منصور عن الفلاتة وأهل غرب أفريقيا غير هذه الزراية متى أراد دفع الزكاة عنا يطهرنا ويزكينا بها من سئيات عرقنا. فقد أخذ بشدة على السيد خضر حمد، الزعيم بالحزب الوطني الاتحادي وعضو مجلس السيادة السابق، نصاً ورد في مذكراته. جاء في النص أن خضر انشغل جداً خلال حجة له يوم كان وزيراً بحكومة الحكم الذاتي في نحو 1954 بإقناع السعوديين بالتمييز بين السودانيين الشماليين العرب الخلص والتكارنة الذين ينبيء قوله عنهم إنهم فئة مستحقرة. وساء الوزير أن السعوديين لم يأبهوا لتفرقته بين كرام القوم ولئامهم. وأطنب منصور في سرد فضل التكارين أو أهل غرب أفريقيا كمثل قيام الشيخ عثمان دان فوديو فيهم وغير ذلك (جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 384) وربما لاحظ القاريء أن مقالة خضر في الفلاتة أقدم بثلاث سنوات من مقالة جريدة الناس عن القوم نفسهم في شخص الأزهري زعيم خضر. ويٌشَهِر منصور بخطئية خضر الأقدم ويعف عن التشهير بخطئية جريدة الناس الأفحش والأقرب. وهذه اصطفائية من منصور (وهذه من لغته يذم فيها المصطفين) ينهي فيها عن فعل وقع في 1954 ويأتي مثله في تسعينات القرن. وهذا عتو شديد لا يقبله منصور إلا . . . من منصور.

    وسنحاول في كلمتنا القادمة فهم لماذا ظل منصور يتورط في الوعثاء العرقية ومصطلحها في حين تأبط قلمه لحربها مذ انضم للحركة الشعبية. وبعبارة أخرى لماذا يصلي بلسان ويلحد بنفس اللسان؟
                  

04-26-2008, 01:16 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ومنصور خالد

    منصور خالد: القوّال (The Snitch)



    د. عبد الله علي إبراهيم
    [email protected]

    امتطى محمد الأمين عبد الله عباس الطالب بكلية الأقباط المصرية الدرجة الرابعة في أكسبرس حلفا بمحطة الخرطوم في نحو السابعة والنصف من صباح يوم في الاسبوع الأول من مايو من عام 1953.كان يطوي لفافة ما طياً جيداً في رحلة لا تشبه رحلات من حوله في شيء. كان واجف القلب يتفصد جبينه قطرات عرق باردة يجففها في قيظ الخرطوم بعد انحسار برودة الصباح. لم تكن تستقر له عين على شيء. وكاد المريب أن يقول خذوني. وبالفعل أخذه البوليس الذي بدأ بفض لفافته فاسقط في يد محمد الأمين. ياله من صباح. انتهت المهمة قبل أن تبدأ. وفتح البوليس اللفافة فإذا بها تحتوي على مائة نسخة من جريدة "اللواء الأحمر"، جريدة الحزب الشيوعي السرية، وبياناً سياسياً فيه تحليل طويل لإتفاقية الحكم الذاتي الموقعة بين دولتي الحكم الثنائي: مصر وبريطانيا في فبراير 1953. وكان محمد الأمين في طريقه بهذه المواد الخطرة إلى عطبرة.

    هذه واقعة ربما لم تجدها مؤرخة في أي من صحفنا أو كتب تاريخنا. ولكنك تجدها حسنة التوثيق في أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية المودع بدار الوثائق الوطنية بمدينة كولدج بارك بولاية ميرلاند. فبجانب خبر هذه الواقعة بمحطة السكة حديد التي كتبها السيد جوزيف سويني (1912-1979)، ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية ، من مصادره سيجد المطلع بدار تلك الوثائق نسخاً من المواد الشيوعية المصادرة نفسها. بل سيعثر على عدد آخر من اللواء الأحمر ( بتاريخ 10 مايو 1953) حصل عليه البوليس بعد مداهمة منزل السيد عبد الوهاب البشير في أم درمان. وكل هذا كائن بين دفتي فايل لوحده عن الشيوعية في السودان. وهو سجل عن الحزب الشيوعي من أندر المراجع في تلك الفترة الباكرة أو هو الأندر. وفي عدديّ اللواء الأحمر تقرأ لرفاق مولهين بستالين وسكرى به. مثل ما كتبه الرفيق كمال (بين قوسين سعاد) "حول وفاة ستالين الصديق" وسبب اختياره له كأحسن صديق. وستجد توقيعاً ل"الرفيق راشد-السكرتارية المركزية" على بعض كلمات الجريدة السرية أو افتتاحياتها. وراشد هو الأستاذ عبد الخالق محجوب. ويسود العددين والبيان المصادرين سوء ظن عميق بالنظام المصري تحت اللواء نجيب بنسبته للعمالة للاستعمار البريطاني والأمريكي. وكان الاستعمار الأخير قد بدأ يطرح بضاعته في الشرق الأوسط مثل مشروع النقطة الرابعة لبناء تحالفات مع عرب ما بعد الاستعمار المباشر للوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي لدي تباشير الحرب الباردة. ومن شأن هذه الوثائق أن تزيدنا علماً بمنطق الشيوعيين في معارضة اتفاقية الحكم الذاتي لفبراير 1953 التي بها استقل السودان في خاتمة الأمر.

    لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية ان تترك الحبل للشيوعيين على الغارب. لم تستفز تلك المخابرات لرصد نشاط الشيوعيين مقتضيات الحرب الباردة الأيدلوجية التي كانت آخذة في الشدة فحسب بل عافية الشيوعيين السودانيين السياسية التي أذعرت جوزيف سويني والذي ربما كان رجل المخابرات بالخرطوم. وهو ذعر امتد حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958 وخلاله كما بينا في الحلقة الخامسة من هذا الكتاب. وبلغت تلك العافية حداً وصف به سويني مدينة عطبرة، التي لم ينفذ إليها محمد الأمين بشحنته السياسية، بأنها "مركز السكة الحديد وواحدة من المواقع الرئيسية للتحريض الشيوعي في السودان." وبلغ به الخوف حداً سأل به السيد بابكر الديب، نائب مدير البوليس، إن كانت همة الشيوعيين وحميتهم بين المزارعين كما فصلها في رسائله ستفضي إلى حركة مسلحة شبيهة بحركة الماماو في أوائل الخمسينات بكينيا التي قام بها مزارعون معدمون جردهم الإنجليز البيض من أفضل أراضيهم. وقد طمأنه الديب أن الأمور لن تبلغ بنا ذلك المبلغ وإن نبهه إلى أن أوضاع المزارعين في المشاريع الخاصة بشندي وأملاك السيد عبد الرحمن المهدي ربما نضجت لتسلل شيوعي لبسط نفوذهم بين المزارعين.

    وأذعر ما في همة شيوعيي السودان أنها كانت وثيقة الصلة بالكمنفورم بصور وأخرى. والكنفورم هو مكتب إعلامي للأحزاب الشيوعية والعمالية تكون في 1947 وانحل في 1956. فاقتطف سويني من نشرة "بروجكت" (3 يوليو 1953) التي يصدرها الكمنفورم فقرة من مقال عن حركة المزارعين في السودان لابد أنها بلبلت خاطره للعلاقة غير الخفية بين شيوعي السودان ومركز الشيوعية العالمي. وعلق سويني على الفقرة بين قوسين : "لربما جاء الوقت لمن ظن أن بالوسع تجاهل الشيوعية في هذا البلد أن يعيد النظر كرتين." ووقف سويني عن طريق الديب بصورة دقيقة على نشاط المخابرات البريطانية (MI-5) ومركزها الإقليمي في قناة السويس ثم عدن الساهر على محاربة الشيوعية في السودان. ولاحظ سويني ان بريطانيا بدأت تأخذ موضوع محاربة الشيوعية في السودان بجد. فدربت بمركزها بعدن السيد أحمد حسن. وقد كان للمخابرات البريطانية اليد الطولى في تشريع محاربة الشيوعية الذي أجازه المجلس التنفيذي للجمعية التشريعية في بداية الخمسينات. فهي التي سَرَعت خطواته بينما كانت تشريعات الديب وبوليسه السياسي ترواح في محلها. وكان MI-5 يعين البوليس في السودان بتعقب الشيوعيين متى بارحوا السودان. وكانت خطة MI-5 أن يقيم مكتباً له في جهاز البوليس السياسي يغشاه ج آي إليوت من عدن للتنسيق مع أمن السودان عن كثب. ومما يستحق الذكر أن المجلس التنفيذي بقيادة السيد عبد الله خليل البيه هو الذي عارض بشدة ترتيبات الحكومة تلك مع ال MI-5 وتراجعت الحكومة عنها.

    علقت بمنصور خالد تهمة أو ريبة العمالة للمخابرات الأمريكية في سياق هذه الرصد الغربي الدقيق لنشاط الشيوعيين. وكان أكبر من روج لعمالة الرجل بالطبع الشيوعيون. وظلوا حتى وقت متأخر من عام 1972 يصفونه ب "عميل المخابرات الأمريكية" في تقويمهم لإتفاقية سلام أديس ابابا. وظلت التهمة ذماً سياسيا عاماً لمنصور لم يقم الشيوعيون الدليل الملموس على التهمة ذاتها. وهو أمر صعب بالطبع. وربما لم يكن الجيل الأول من الشيوعيين بحاجة إلى التدليل على ذلك. كانت تكفيهم البينات الظرفية وما دونها. فمن جهة كان منصور يشاهد في دوائر "الخواجات" غير حافل أو مكترث في وقت استفحلت الوطنية وأصبحت مجرد خلطة الإنجليز والرهط من عظائم الخيانة. فأكتفى ذلك الجيل الشيوعي الأول من البينات على عمالة منصور بالنظر المجرد والريبة الوطنية البديهية. وبدا أن تهمة منصور قد أخذت تسقط بالتقادم حتى أن الشيوعيين أنفسهم سحبوا عبارة "وعميل المخابرات الأمريكية منصور خالد" حين أعادوا نشر بيانهم الذي قوموا فيه إتفاقية اديس أبابا منذ سنوات خلت. وقد سميت ذلك ب "خفة اليد الثورية" لأنهم خدشوا مبدأ نهائية النص التاريخي وقدسيته بغير أن يصرحوا لقارئهم بدافعهم لتلك المراجعة.

    وبلغ فساد تهمة منصور بالعمالة لأمريكا حداً لم يعد منصور يعدها سوى "سفاهة". فقد استنكر سؤالاً عنها من محرر جريدة البيان (13-3-2002)وتمنع أن يجيب عنه لأنه إذا فعل يكون انحدر من دَرَج المسائل الهامة والجدية التي سبقت في الحوار إلى درك السفاسف. وأضطر منصور للقول تحت إلحاح المحرر بإن اتهامه بالعمالة مما يشغل الأذهان: "اتهامي بالعمالة "سفاهة" درجت على تجاهلها". وواصل في استهجان بليغ للتهمة: "حسناً مثل هذا الكلام درجنا على تجاهله وتجاوزه لأنه يندرج في خانة "السفاهة". وهذه من التهم السائدة في المنطقة خاصة من قبل الجماعات المتطرفة، أياً كان نوع التطرف، ضد كل من يخالفهم في الرأي. وقذف الناس بتهم مثل هذه تنضح يالسخافة خصوصاً في عالم اليوم في زمن تقوم فيه أمريكا بالتدخل في كل شيء حتى أنها تسعى لحل قضية فلسطين عبر مخابراتها. في زمن مثل هذا يكون مثل هذا الكلام غير ذي معنى ولذلك لا اقف عنده كثيراً ولا أعيره اهتماماً. من جانب آخر عندما يكون المرء قد تربى في أحضان الأمم المتحدة ويتدرج إلى مكانة تؤهله لخلق علاقات واسعة مع أشخاص رفيعي المستوى وتؤهله بالتالي حتى للالتقاء بروؤساء أمريكا نفسها فلا يكون عندها حاجة ليكون مجرد عميل لجهاز في إدارتها."

    دفع منصور التهمة عنه لأنها من فرط سخفها ترده أسفل سافلين في حين بلغ هو منزلة تساوى كتفه فيها مع علية القوم الأمريكيين فاصبح نداً لا عميلاً. وهو دفع لا بأس به لولا "شطح حيرانه" الذين . . . بالغوا. فلم يكتفوا بتثبيت علو مقام حبيبهم منصور بل أسفلوا بالأمريكيين حتى أصبحوا عملاء لمنصور. مدد مدد. فكتب السيد قاسم ثروت (سودانايل 62-5-2005): "أزعم أن المخابرات الأمريكية عميلة لمنصور وليس العكس. هذا إذا افترضنا وجود عمالة وهو إفتراض خاطيىء . . . فمنصور لا يحتاج أن يكون عميلاً لأحد فعنده من المال والخيل ما يهديه. وفوق ذلك فإن استقلاله وقوة شخصيته الطاغية لا تجعله رهن (؟) لأي من كان. ثم أن اتساع ماعونه الفكري يجعله يٌلعب المخابرات الأمريكية "سورو؟" ويلبسها خاتم في يده. وإذا جمعت كل عناصر المخابرات الأمريكية واحداً فوق الآخر لما وصلوا لكتف منصور." وهذه دروشة الحداثة بزبد وعبل.

    ويأسف المرء لأن حقائق الأمر غير حقائق منصور وشيعته. فقد وقعنا على وثائق خبرها غير سار. فقد خدم منصور المخابرات الأمريكية في عام 1953 وهو طالب بعد بكلية الخرطوم الجامعية. وربما كان في عامه الثاني بكلية القانون. فقد ورد اسمه ونوع خدمته في تقرير من ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية بتاريخ 8 أغسطس 1953 إلى الخارجية الأمريكية بصورة إلى أفرع القوات المسلحة الأمريكية والسي آي أى. وهو تقرير استكمل به ضابط الاتصال مذكرة سلفت له بتاريخ 31 مارس 1953 . وعنوانه "الشيوعية في السودان". وشمل تلخيصاً أثبت فيه قوة الشيوعية السودانية وحسن تنظيمها وسدادها في بناء الجبهات المتحدة حتى أنها نجحت بسرعة في إزالة الآثار السلبية التي ترتبت على موقفها المعارض لإتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953. وتعرض لحزم بريطانيا في حرب الشيوعيين في حين تجرجر مصر قدميها حتى لا تكسب عداء دوائر سودانية. ثم تعرض إلى تمويل الشيوعيين وقد نقل عن أحدهم أنهم يحصلون على المال من الشيوعية العالمية مطوياً في صناديق الكبريت "أبو مفتاح" الذي يستورده السودان من تشيوكوسلوفاكيا بواسطة موردين أرمن سودانيين. وقد استسخف سويني هذه الرواية.

    ثم عالج التقرير بنية الشيوعية السودانية في أبواب ستة هي منظمات العمال والطلبة والصحافة ومنظمات النساء ونشاط الشيوعيين في القوات المسلحة ثم الحركة الشيوعية. وشمل الفصل الأخير خطط البوليس السياسي لرصد الشيوعية وقمعها ثم تطرق لبرنامج الشيوعيين للترشيح في انتخابات الحكم الذاتي. وذكر التقرير أن عبد الخالق محجوب ربما ترشح لدوائر الخريجين وهو ما لم يحدث. ثم تعرض التقرير لتنظيم البوليس السياسي وعلاقاته المصرية والبريطانية وتناول أخيراً وضع القوانين الحكومية وسياساتها إزاء الشيوعية ثم موقف دولتي الحكم الثنائي من الشيوعية في السودان.

    وأرفق سويني قائمة بالمصادر البشرية التي زودته بالمعلومات لكتابة التقرير ثم قائمة أخرى عَرَّفت بعشرين شيوعياً أو من أعتقد مخبرو سويني أنهم شيوعيون ومنهم عبد الخالق محجوب ومحمد سعيد معروف وأحمد سليمان وقاسم أمين وطه بعشر وحسن الطاهر زروق ومصطفى السيد وعبد القادر حسن وفاطمة طالب وخالدة زاهر السادات ومحمد أمين حسين وعز الدين على عامر وأحمد محمد خير وحسن سلامة ومحمد المرضي جبارة وعبد الرحيم الوسيلة وفتح الرحمن محمد خلف الله وجيمس تدي لاركن (جوبا) ومحمد إبراهيم نقد وعبد العزيز أبو. وأرفق سويني بالتقرير القوانين التي صدرت لمكافحة الشيوعية ونصاً مترجماً لخطاب القاه المرحوم محمد سعيد معروف في الأبيض عن مهام ما بعد الاتفاقية كانت قد نشرته جريدة "الصراحة".

    جاء اسم منصور خالد بالرقم 9 من بين المصادر البشرية لهذا التقرير وعددهم إحدى عشر. ووصفته القائمة بأنه "طالب قانون بكلية الخرطوم الجامعية ومحرر بجريدة "الوطن" والمعلومات عن الطلبة من صنعه." وعلى ضوء هذه المعلومات كتب سويني ما يلي عن عبد العزيز أبو : " طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وكان عضواً بلجنة اتحاد الطلبة. طٌرد من الكلية لقيادته مظاهرة. هو الآن بسبيله للدراسة بجامعة براغ التي منحته مواصلات مجانية بداخل البلد وأعفته من المصروفات الجامعية ونفقات السكن والأكل التي تكفلت بها الحكومة التشيكية طوال تلقيه العلم بالجامعة. وبحسب إفادة منصور خالد فإن أبو كان بادر بالتقديم لهذه المنحة بالسفارة التشيكوسلوفاكية بالقاهرة. ويقول خالد أن أبو شيوعي لا غلاط فيه."

    وجاء ما يلي في تقرير سويني عن محمد إبراهيم نقد: "طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وسكرتير اتحاد الطلاب. طردوه من الكلية لنشاطاته الشيوعية. هو الآن بسبيله إلى براغ. فقد منحوه مواصلات مجانية بداخل البلد وكذلك أعفوه من المصاريف الجامعية مع السكن والأكل وتكلفت الحكومة التشيكية بذلك. وبحسب قول منصور خالد فإنه قد بادر بالتقديم للمنحة بسفارة تشيكوسلوفاكيا بالقاهرة. ونقد هو قريب الدرديري نقد من الحزب الجمهوري الاشتراكي."

    هذا الفصل من كتابي عن منصور خالد هو أشقها على نفسي. فلست ممن يسعد بتعقب سير الناس وكشف صغائرهم. وشهد الله لم أسع لدار الوثائق الوطنية الأمريكية لتوثيق عمالة منصور الشاب للأمريكان. ما حملني لشد الرحال لتلك الدار هو الوقوف على وثائق الخارجية الأمريكية عن انقلاب 17 نوفمبر 1958 بعد اطلاعي على طرف من وثائق الخارجية البريطانية. ووجدت فيها علماً منيراً. ومن جهة أخرى تربيت في خلقية أن البحث"أمانات" مثل البيوت لا تحفر في أرشيفاته صيداً للزلات الشخصية الصغيرة ولا الكبيرة حتى. وتربيت في الحركة الماركسية أنه لن يفل حديد تطفل المستعمرين على المستضعفين إلقاء القبض على مخبريهم وفمهم في الدريش. فالتطفل والمخبرون جزء من اللعبة التي بوسعك أن تستدبرها إلى بنية الاستضعاف نفسه لحشد أكبر حلف من غمار الناس لمساواة الصفوف وسد الفرج بوجه شيطان المخبرين.

    ولكني ضربت باعتبارات الحشمة الأكاديمية والسياسية عرض الحائط لأن منصوراً استكبر جداً وعكر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتي. فقد جاء من حيث لا يحتسب إلى مسألة الآخاء السوداني التي شقي بها بعض جيله بينما هو في شغل بالتبليغ عنهم فأفسدها فشخبت دماً. وكان فينا مثل طويس الولع بشعر نقائض الأوس والخزرج وحروبهم. "فقلَّ مجلس اجتمع فيه هذا الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء. فكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن". ومثله في الإضرار بمشروعنا في الإلفة السودانية وممارستها مثل الشيخ الأمين داؤد من المرحوم محمود محمد طه. فقد بث المرحوم شكواه منه في 1978 في محكمة أراد بها رد الاعتبار لتعرض الشيخ لفكره بسوء النقل والتعليق الفاحش قائلاً: " نحنا الأذى البلغنا من الشيخ الأمين مزمن صبرنا عليهو."
    _________________
                  

04-26-2008, 04:18 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    على‭ ‬خلفية تصريحاته لـ»خرطوم مونيتر‮«‬
    كتب معمر حمد عثمان
    Monday, 31 March 2008


    متى يخلع الترابي بدلة السياسي ويرتدي عمامة المفكر



    ربما يختلف الانسان مع د. الترابي في آرائه الفكرية وقد يصل الخلاف مراحل بعيدة أدناها رفض الفكر وأقصاها التكفير.

    وما بين المرحلتين يقف خصوم الترابي المفكر. منهم من يرفض أفكاره ويرى فيها جملة ثقوب وكثير عيوب ولكن يبقى الرجل في نظرهم صاحب رأي قد يخطئ وقلما يصيب.

    ويندرج تحت هذا التصنيف مجموعة كبيرة من الاسلاميين- بالمعنى اللفظي للمفردة- وليس بمعناها الحركي.

    ويرى آخرون أن الرجل صاحب دعاوى غريبة تقدح في أصل دينه وترديه مهاوي الردة والضلال. وجلهم من أصحاب التفكير السلفي والمدرسة الحجازية - إن جازت التسمية- وما انفك هؤلاء يقيمون الندوات ويدبجون المقالات ويوزعون المنشورات عن ضلاله وخطورة فكره. لسنا معنيين في هذه المقالة بواحد من الفريقين بل نجتهد أن نغوص في بحر مؤيديه بعد أن أصبحوا قلة- وما تجره عليهم أفكار الشيخ بعد أن فقدوا في محنة الانقسام أكبر مناصريه وتلامذته النابهين.

    وبما أن الحركة الاسلامية بمعناها التنظيمي والتي ترتكز على المؤتمرين الوطني والشعبي استمدت أصول فكرتها ودعائم معرفتها من أقوال الرجل وأفكاره.

    وبما أنه لم يصل مسامعنا حتى هذه اللحظة أن الاسلاميين في المؤتمر الوطني أو فلنكن أكثر دقة- الكيان الخاص- قد تبرأ من آراء الرجل وأفكاره القديمة فإنهم مشمولون في خانة أنصاره ومؤيديه الفكريين - وإن رفع عنهم حرج المدافعة والتبرير بعد خروج الرجل عنهم والذي طالما أرهق الجميع بجلب الدفوعات وسوق الحجج عن آرائه لعقود من الزمان خلت.

    وآراء الترابي المثيرة للجدل والتي تنوعت وتوزعت في مناحٍ شتى. فتحدثت عن عصمة الأنبياء - وعدالة الصحابة- وإمامة المرأة- وعدم معاقبة المرتد، وعدم رجم الزاني - ونفي عذاب القبر- ونفي وجود ليلة القدر وزواج المسلمة من الكتابي. وشهادة المرأة - وعدم تحديد عقوبة لشرب الخمر٠ وايمان أهل الكتاب- وانكاره رجوع المسيح وعودة الدجال. وأخيراً حديثه لخرطوم مونيتر بأنه سيصوت للمسيحي إذا كان أميناً ولن يصوت للمسلم إن كان فاسداً.

    ورغم قناعتي بأن آراء الشيخ قد سبقه إليه الكثيرون وقال بها أولون- إلا أن حرصه على أن يلقيها بلا سند ولا مرجعية لنص أو تراث تجعله في نظر الكثيرين منفرداً بها. وحائز على قصب السبق في ايرادها فمعلوم أن آراءه في المرأة سبقت للطبري- وأبي ثور- والمزني.

    وفي الردة قال بها النخعي والثوري. وحديثه عن المسيح سبقه إليه رشيد رضا - وشلتوت- والغزالي.

    لا أود الخوض في الجانب الفقهي والفكري فما أفقر علمي واضعف معرفتي وأبعد فكري أن ألج هذا البحر المتلاطم ولكني أردت القول أن الآراء فيها أخذ ورد.

    وليست حقاً كاملاً ولا باطلاً مكتملاً. وايرادها أتى في خانة التذكير بها حتى يتذكر الجميع ما أحدثته من ردة فعل وأثر على كل المتعاملين مع الفكر الاسلامي دراسة وتأملاً واتباعاً. وعلى الشارع السياسي المترصد لأخطاء الاسلاميين وسقطاتهم.

    كيف لا- والرجل شغل ما شغل في قيادة التيار الاسلامي منذ أكتوبر وحتى الآن وتزعمه بكل مسمياته.

    فمثلت آراؤه مصدر حرج بالغ لمؤيديه بل وصارت مساحة تباعد وتنافر واضح بين التيار الاسلامي وتيارات أخرى اشتركت معه في ذات الأشواق بقيام دولة إسلامية وحلم تطبيق الشريعة الاسلامية. وفرقتها منه غرابة الأفكار وجرأة الطرح وحدة المفردة.

    بل لعل تيار الحركة الاسلامية كان الأقرب إلى التوفيق بين التيار السلفي وتيار التصوف.

    نحن لا نعيب على الرجل أفكاره- فمقامنا دون ذاك بكثير ولكنا نرى أن الجهر بها وهو على قيادة الحركة كلفها كثير عنت في الدفاع عنه وانشغل اتباعه وانصرف جهدهم للبحث والدراسات فيما يدفع عنه تهم الضلال والتفكير خوفاً أن تصيب جريرة الاتهام كل تنظيمهم.

    فالتاريخ القديم والحديث يمتلئ بمفكرين دخلوا دائرة الاتهام ولكن لم تسر التهمة علي غيرهم لوقوفهم متخندقين في ساحة الفكر وحده لا التنظيمات والأحزاب.

    فالشيخ علي عبد الرازق الذي أصدر كتابه »الاسلام وأصول الحكم« عام 1925م وقال فيه ان الخلافة قضية سياسية وليست دينية فقام عليه الأزهر وطرده. ود. نصر حامد أبو زيد صاحب كتاب »نقد الخطاب الاجنبي« الذي جر عليه تهمة الكفر والمطالبة بتطليق زوجته.

    ودونكم ما يثيره الدكتور جمال البنا من آراء جريئة وفتاوى غريبة ساقته إلى سوح المحاكم الفكرية والفقهية. ولكم أن تتخيلوا كيف لو كان الشقيق الأصغر لحسن البنا قيادياً في جماعة الأخوان المسلمين.وشاهدتم جميعاً ما جرته آراء محمود محمد طه على التيار الجمهوري الذي صار أثراً بعد عين.
    نتمنى أن تستمر آراء الترابي الفكرية واجتهاداته الفقهية بعد أن يتخلى عن العمل السياسي حتى لا يكلف اتباعه رهق الدفاع عنه.

    إلا إذا كانت الآراء نفسها والفتاوي ذاتها »ترس« في مكنة الرجل السياسية تسهم في دفع عجلته السياسية ويسلط الأضواء التي غابت وانزوت.


    http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...w&id=1116&Itemid=107
                  

04-26-2008, 04:19 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كتب اسحق احمد فضل الله
    Tuesday, 22 January 2008


    اخر الليل
    اسخق احمد فضل الله
    ‬ ‮:‬‭ ‬تعرف هذا‮..‬؟ ‮{ ‬والشاب الذي‮ ‬يعبر ومسبحة بين أصابعه حين‮ ‬يزجره أحدهم بعنف ويطلب إلقاء‭ ‬المسبحة هذه‮ ‬ينظر الشاب إليه لحظة ثم‮ ‬يلقي‮ ‬إليه بالمسبحة ويقول‮ ‬ ‮:‬أحرقها‮..‬ ‮{ ‬والآخر‮- ‬وعدد‮ ‬غير قليل هناك‮ = ‬يجعل المسبحة داخل صندوق ورق‮ - ‬ثم‮ ‬يحشو الصندوق بالورق ثم‮ ‬يشعل النار‮.‬ ‮{ ‬ساعة‮.. ‬وكل شئ‭ ‬احترق‮- ‬والمسبحة ظلت‮- ‬سليمة والخيط كذلك‮.‬ ‮{ ‬ولم نقل شيئاً‭ ‬فالتخبط المجنون في‮ ‬فهم الدين‮ ‬يلطمنا من كل اتجاه‮..‬ ‮{ ‬ونجلس إلى التلفزيون‮- ‬وقناة الجزيرة الثلاثاء‮- ‬وباحثة سودانية‮ »‬ناهد محمد الحسن‮«‬‭ ‬في‮ ‬لقاء‭ ‬عن تعدد الزوجات تقول للجزيرة ‮:‬‭ ‬التاريخ تطور من الشيوع الجنسي‮ ‬إلى‭ ‬الزواج دون عدد‮- ‬ثم الأربعة‮- ‬والآن الواحدة‮!!‬ ‮{.. ‬وما‮ ‬يدير كل شئ هو‮ »‬الغرائز‮«‬‭ ‬وغددها التي‮ ‬تتضخم عند الحيوان وتقل عند الانسان‮.‬ ‮{ ‬والدين أباح التعدد بعد معركة‮ »‬أحد‮«‬‭ ‬التي‮ ‬فقد فيها عدد كبير من الرجال و‮..‬ ‮{ .. ‬قالت‮ »‬مسوغات التعدد عند الأديان وقتية‮«‬‭ ‬‮.. ‬والآن تنتفي‮...‬ ‮{‬و»الولية‮«‬‭ ‬مخلصة جداً‮- ‬ولكن ‮{ ‬ونفتح الصحف ‮} ‬والشيوعيون‮ - ‬الذين‮ ‬يحرصون جداً‭ ‬على‭ ‬سلامة الاسلام‮!- ‬يجددون الاحتفال بمحمود محمد طه‮..‬ ‮{‬وعام‮ ‬1990م نكتب قصة الشيوعيين والمحموديين‮- ‬ونستعيد قصة بريطانية حقيقية‮.‬ ‮{ ‬قلنا‮ - ‬إنه وفي‮ ‬الحرب العالمية الثانية‮ »‬قائد السرية‮ ‬يفاجأ‭ ‬بحقل ألغام‮ ‬يسد عليه الطريق‮«..‬ ‮{ ‬القائد الذكي‮ ‬يميل إلى‭ ‬قرية هناك ويشتري‮ ‬كل ما فيها من بغال وحمير‮- ‬ثم‮ ‬يدفع بها أمام جنوده في‮ ‬حقل الألغام‮- ‬ويمشي‮ ‬وراءها‮.‬ ‮{ ‬وقلنا إن الشيوعيين حين فوجئوا بالاسلام‮ ‬يسد عليهم الطريق في‮ ‬السودان مالوا إلى‭ ‬قرية الجمهوريين و‮..‬و ‮{ ‬احتفال الشيوعيين الهائل الآن بمحمود وأخوته سببه هو أن الشيوعيين حريصون جداً‭ ‬على‭ ‬‮»‬سلامة‮«‬‭ ‬الاسلام‮!‬ ‮- ‬بالطبع‮ ..!! ‬ويكفي‮ ‬انه اسلام‮ ‬يحرص عليه الشيوعيون جداً ‮{ ‬ونفتح كتاباً‭ ‬عن النميري‮ ‬وأيامه‮.‬ والكتاب‮ ‬يرسم تصور النميري‮ ‬وأيامه للإسلام حين‮ ‬يكون من‮ ‬يقود مشروع النميري‮ ‬للاسلام شخص في‮ ‬نصف‮ ‬غيبوبة‮- ‬وفي‮ ‬مرقعة‮-‬ ‮{ ‬والمرقعات ونوع آخر من التصوف كلها‮ ‬يفضحه الحسن البصري‮ ‬حين‮ ‬ينظر إلى‭ ‬من‮ ‬يرتدي‮ ‬زياً‭ ‬صوفياً‭ ‬ليقول ‮:‬‭ ‬أتعلمون ما‮ ‬يقول هذا؟ إنه‮ ‬يقول اعرفوني‮- ‬اعرفوني‮!!‬

    ‬والنميري‮ ‬مخلص جداً‮.. ‬ولكن ‮(‬2‮‬ ‮{.. ‬وإذاعة القوات المسلحة التي‮ ‬تنجح جداً‭ ‬تجعلنا نحرص على‭ ‬بعض برامجها‮.‬ ‮{ ‬والإذاعة هذه تعيد إلينا مشهد أستاذ في‮ ‬المتوسطة‮ ‬يلصق أنوفنا بالحائط ليقول إن‮ »‬ما نقترب منه جداً‮- ‬لا نراه‮«‬ ‮{.. ‬وما نقترب منه هو مشكلة الجنوب‮.‬ ‮{ ‬وفي‮ ‬إذاعة القوات المسلحة كان السيد ديشان‮ ‬يقول إن ‮: ‬الشمال فيه ثلاثة ملايين من الجنوبيين‮ - ‬والحركة تدعوهم إلى‭ ‬العودة جنوباً‮..‬ والحركة تطلب منهم أن‮ ‬ينزعوا أطفالهم من المد ارس هنا‮- ‬ويذهبوا إلى‭ ‬الجنوب‮ - ‬حيث لا مدارس‮- ‬وأن‮ ‬يتركوا بيوتهم هنا ويذهبوا إلى‭ ‬الجنوب حيث لا بيوت‮- ‬وأن‮ ‬يهجروا مهنهم هنا‮.. ‬ويذهبوا جنوباً‭ ‬حيث العطالة‮.‬ ‮{.. ‬قبلها كان بونا ملوال‮ ‬يقول هذا ليدهشنا كلاهما بأننا لا نرى‭ ‬ما تحت أنفنا‮.‬ ‮{.. ‬لكن السيد ديشان‮ ‬يقول شيئاً‭ ‬مذهلاً‮.. ‬ديشان‮ ‬يقول‮:‬ ‮{ ‬الحركة الشعبية لم تفعل شيئاً‭ ‬لتنمية الجنوب رغم ملايين البترول لسبب بسيط وهو أن رجال الحركة الشعبية أرسلوا الأموال إلى‭ ‬سويسرا وأوروبا حيث شيدوا البيوت والحسابات‮.‬ ‮{‬اتهام بالسرقة عديل؟ ‮{ .. ‬والحركة الشعبية لا تصرخ متهمة ديشان بإساءة السمعة‮- ‬فالحركة أكثر معرفة بالعواقب‮!!‬ ‮(‬3‮‬ ‮{.. ‬والسيدة ناهد محمد الحسن تذهب في‮ ‬حديثها عن نسخ تعدد الزوجات الآن إلى‭ ‬أن‮:‬ ‮{ ‬الغرائز شئ‭ ‬يمكن التحكم فيه‮ - ‬مثلما‮ ‬يفعل بعض الهنود في‮ ‬رياضة»اليوجا‮«.‬ ‮{ ‬وأن الثقافة الآن تذهب بالرجل إلى‭ ‬هذا‮ ‬ ‮.. ‬وأن البيئة حول الإنسان هي‮ ‬ما‮ ‬يقود أو‮ ‬يحبط هذه الغرائز‮..‬ ‮{‬و‮...‬و‮...‬ ‮{ ‬السيدة ناهد تقول إن المجتمعات الآن‮ ‬غرائز الناس فيها أقل إشتعالاً‭ ‬لأنه لا توجد الآن مهيجات للغرائز هذه او هكذا قالت المرأة تلك التي‮ ‬هي‮ ‬طبيب علم نفس‮!!‬ ‮{‬فهمنا للدين إذن‮- ‬تخبط‮.. ‬مهما كان الإخلاص‮.‬ ‮{ ‬والتخبط هذا‮ ‬يركبه أمثال الشيوعيين الذين‮ ‬يحتفلون بمحمود ليركبوا ظهورنا‮.‬ ‮{.. ‬ولماذا لا‮ ‬يفعلون؟ ‮{.. ‬وفهمنا لمقاصد الحركة الشعبية‮ - ‬تخبط ‮- ‬والتخبط هذا‮ ‬يستغله باقان وسلفا ليركبوا ظهورنا‮.‬ ‮{ ‬ولماذا لا‮ ‬يفعلون؟؟ ‮{ ‬وفهمنا للمجتمع هو فهم السيدة ناهد هذه‮..‬و ‮{..‬و»العامة‮« ‬ليست هي‮ ‬الجهة المتخبطة الوحيدة‮.. ‬فالمحاكم والقضاة الذين‮ ‬يقرأون في‮ ‬كتاب الله سبحانه‮: »‬واضربوهن‮«‬،‭ ‬يحكمون بطلاق المرأة إذا ضربها زوجها‮.‬ ‮{ ‬محاكم السودان تحكم بهذا الآن‮!!‬ ‮{.. ‬والمحاكم هذه سوف تلغي‮ ‬القانون هذا حين‮ ‬يلغيه الغرب‮.. ‬مثلما تفعل وزارة التربية عندنا التي‮ ‬تلغي‮ ‬جلد الأطفال في‮ ‬المدارس حين‮ ‬يُلغى‭ ‬في‮ ‬أوربا‮- ‬ثم تعود إليه حين تعيده الآن أوربا‮.‬ ‮{ .. ‬وما دام التقليد‮ ‬يمضي‮ ‬هكذا فلماذا لا نقلّد‮ »‬روما‮«‬‭ ‬في‮ ‬كل شئ‮.‬ ‮{ ‬ففي‮ ‬روما القديمة كان المجلس الحاكم‮ »‬السيناتو‮«‬‭ ‬الذي‮ ‬يتلقى‭ ‬مشروعاً‭ ‬من النواب ويقوم بتطبيقه‮ ‬يعود ويصدر حكمه على‭ ‬النائب صاحب الاقتراح إذا ثبت أن الاقتراح مضر‮.‬ ‮{.. ‬والنائب‮ ‬يعدم‮.. !! ‬فقط‮.‬ ‮{ ‬اللهم نسألك قانوناً‭ ‬مثل هذا‮!!‬


    http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...iew&id=98&Itemid=108
    _________
                  

04-26-2008, 04:21 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كتب اسحق احمد فضل الله
    ==
    رد التحية‮.. ‬بعد عشرين سنة
    كتب mohaned
    Friday, 18 January 2008


    أستاذة..



    { لا أعرف في أي الأرض أنت.. في عالمنا أم عالم الملائكة.. ومنذ عشر سنوات.. وأكثر.



    { وطفلتي تقف على أقدام قصيرة وتصيح بي



    { أڤوي..



    تقلب حرف »الباء« إلى »v«



    وتصيح محرضة ضد أخيها الذي يمشي حافياً



    .. ثم تكتشف أنها تمشي حافية.. وتحاول إخفاء قدميها وراء ظهرها.



    : تخيلي من يحاول إخفاء قدميه وراء ظهره وهو يقف عليهما



    { كان ممكناً أن تكون الطفلة هذه طفلتك أنت !! أو تكون هي أنت ذاتك فالجدال الطويل بيننا...



    لم يكن إلا محاولة منك لإخفاء قدميك وراء ظهرك.



    { وفي الأسبوع الماضي كانوا يهدمون البيت العجوز الذي كان يضم صحيفة الانقاذ..



    { كنا نثرثر هناك. كاتب وقارئة - ومشاجرة.. مشاجرة حقيقية.. مشاجرة طويلة- وهدايا وجدال.. و



    { وباتفاق ودون كلمة كنا نحرص بدقة على أن نظل كاتب وقارئة ومشاجرة... و



    { والهدايا كانت صغيرة لذيذة ولامعة مثل فقاقيع الصابون في حمام فاخر



    {... والمشاجرة الحقيقية ودون كلمات كان كل منا يصنعها ليقول للآخر



    : احم.. احم.. نحن هنا.. كف عن ازعاجي حتى أتمكن أنا من إزعاجك





    قبل عامين وكأننا نستأنف الإزعاج هذا.. كتبنا نقص تلك الأيام.. أيام بدايات صحيفة الانقاذ.. وأيام لم يكن لأحد مكتب.. وكل واحد كان يجلس في كل مكان.

    {.. والمحررون حين يلتقون بك في ممرات الصحيفة يدلونك على مكاني دون سؤال.. فالمشاجرة كانت مشهورة.

    { قلنا إنك كنت فتاة أرهقها السفر والسهر ومطارات الدنيا واضواؤها المدببة مثل الزجاج المنثور.

    وآنك كنت تحملين شعراً مبهولاً وآراء مبهولة وغلياناً قاتلاً.. وثقافة حادة مشعثة.. وسخطاً له كل أسنان المطارات.

    { وبعض كتاباتنا تجعلك تعثرين على شيخ »تفشين« غيظك فيه - شيخ فيه ثقوب ثقافة غربية تصلح لأن تسكبي فيها براكينك حتى تأكلي كبده وكبد كل شيخ ممن يقتلون الناس بشئ اسمه الاسلام

    { كنت كافرة عديل!!

    {.. وفي الصحيفة جلست تسخرين من كل شئ .. من المكتب المشعث ومن مضيفك المشعث »شيخ دين في بنطلون؟!.. أين حصانك بالمناسبة« وتسخرين من الثقافة الاسلامية المشعثة و..

    { وبادلناك السخرية.. ولم نتحرج ونحن نسخر حتى من قميصك الأحمر الذي ينقص زراراً ومن أصابعك الصفراء من التدخين.. ومن الصحراء التي سقطت فيها - فلا أنت سودانية ولا أنت أجنبية.. »بالمناسبة تعرفي تقولي سجمي؟!

    - وتشاتمنا..

    { مع الأيام تعثرين على مكاننا دون جهد.. والسباب يتحول مع الأيام إلى نقد ونقض - ويا لهول

    القراءات التي ترقد في شقوق ذاكرتك العطشانة .. المتعبة- والتعب يحول الحديث إلى أنس هادئ وكلمات مغمغمة.. وأحياناً إلى صمت له مذاق القهوة الحارة في صباح الشتاء

    { وكنت تعرفين أنني أقول لك أنني شيخ أشوس الطباع- مدبب الشوك بحيث لا أمل في حصاره - وأنه لا عنده شئ ولا هو يريد شيئاً- وأنه يفخر بدينه فخراً له استعراض ورقص .. ويعرف الغرب معرفة تجعله يركل مؤخرته.

    { ودون كلمات كنت أقول لك

    : لا أريدك.. اذهبي -

    ودون كلمات كنت تقولين لي

    : ومين عايزك؟ طظ...!

    { حتى اللؤم كانت ماهرة في إرساله دون لؤم

    { وكنت تدفعين بنا في مكر إلى حافة الهاوية وأنت تتأملين اسلام محمود محمد طه الذي يعدمه اسلام النميري »المرقع«.. وتحكين قصة الدرويش الذي ملك على نميري أمره وهو يرتدي أي شئ ويقول أي شئ في أي مكان وإلى درجة أن الرجل في بداية لقاء ضخم يشهده أجانب كثيرون انطلق يهلل ويكبر ويهزج و.. و.. والأمر يطول حتى يضطر النميري إلى أن يقول

    : يا شيخ فلان.. حقو ننضبط شوية

    { وما بين دين محمود ودين صاحب النميري هذا ودين صاحبنا في بورتسودان نتخبط الآن ونتخبط = وأنت مبسوطة= منذ عقود.. وتبشرين الانقاذ بالعرض المستمر .

    { وعن استغلال الساسة لعقول الجماهير- والأمر قديم- تقصين حكاية »الحذاء« في مسرحية يوليوس قيصر والذي يقود مظاهرة طويلة.. وحين تعتقله الشرطة ويسألونه فيم يقود هذه المظاهرة يقول ببساطة

    :أقود المظاهرة هذه وذلك حتى تهترئ أحذية المتظاهرين وتنقطع سيورها- ويكثر كسبي من إصلاحها.

    { عديل كدة!!

    { بالمناسبة يا هذه - الأحزاب التي تقود المظاهرات الآن احتجاجاً على مقتل طالب الجزيرة تفعل الأمر ذاته - فالأحزاب هذه تعرف أن طالب النيلين الاسلامي قتله ناس الحركة الشعبية - وطالب الكلية تلك في أمدرمان قتله الشيوعيون و.. وو

    { لكن الأحزاب تقول للناس =- أنتم لا عقول لكم - فاتبعونا حتى تنقطع أحذيتكم ونكسب نحن.

    { وددت أنك الآن هنا تشفطين سيجارتك وتطلقين السخريات والمطاعنات وتشتمين وأنا ألعن جدودك..

    { لكن .. هل السياسة وحدها هي ما يجعلنا نشتهي حضورك ورائحة سجائرك المختلطة بروائح أخرى.. روائح لها رموش مدببة!؟؟ ونتذكر يوم سبيطة البلح

    {.. ونشتهي أن »ندفر« يوم سبيطة البلح إلى الوراء خطوتين.

    { ويوم سبيطة البلح روينا حكايته قبل عامين

    - اليوم الذي لم ترجعي بعده أبداً

    {.. فوق ركام بيت الصحيفة الذي يهدمونه الآن وقفنا نذكر هداياك.

    {.. هداياك الغريبة.. وتذكرين بالطبع يوم جئت ببيضة دجاج فارغة؟؟

    ؛قلت في شراسة: تأمل هندستها - أراهن أنك لم تفعل ذلك في حياتك - تكسر وتأكل وبس !! كلكم عمي لا ترون الكون تحت أنفكم وتزعمون أنكم ترون الملائكة والجنة.

    {.. ثم جئت بسبيطة بلح.. ذات صباح

    {.. ولا أنسى المشهد لأنه... ولأنه..

    { في المكتب الخالي كنت غارقاً في ساعة من الكرب الكروب- ودخلت أنت وألقيت على المكتب بسبيطة بلح- .. »رررب«

    {.. والاختناق لم يسمح للكلمات بالخروج لرد تحيتك - وخرجت أنت..

    { بعد لحظات كانت سبيطة البلح تنزلق وتسقط على الأرض.. وأنا غارق في الكرب لا التفت اليها.. وبقيت على الارض..

    { .. بعدها كنت أشعر بشئ عند الباب- لا يدخل- ولا يخرج.. ورفعت بصري- وكنت أنت هناك- عيونك عندي وعند السبيطة على الأرض.

    { ورموشك تهبط تجاه خدودك في أسف عميق كأنها يد تقبض فم الجرح بعد خروج السكين.

    {.. تحولت راجعة.. ثم لم تعودي بعدها أبداً.

    { كان هذا منذ عشر سنوات.. منذ خمسة عشر عاماً.. منذ سبعة عشر عاماً وشهرين!!

    { .. وجدتهم أمس يهدمون المبنى العجوز = مبنى الصحيفة.. وتذكرتك.

    { ويحتفلون بدين محمود محمد طه هذه الأيام وليتهم سمعوا سخرياتك ونتذكرك. { ويقودون مظاهرات »الحذاء« هذه الأيام.. يقولون إنهم يطلبون دم طالب الجزيرة بينما »النقلتي« إنما يطلب مكسباًو.. و.. نتذكرك

    { أستاذة..

    { أين أنت؟.. اتصلي

    { بالمناسبة.. أنا على يقين من أنك الآن تؤدين لله صلاة خاشعة فمن يتأمل الحياة بالحدة التي تحملينها لا يموت إلا على دين ابراهيم بن ادهم.


    http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...iew&id=46&Itemid=108
    __
                  

04-26-2008, 04:22 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    حضور النساء لعقودات الزيجات وتزييف الحقائق
    عبدالله عثمان

    للأستاذ محمود محمد طه قولة مأثورة هي "ان الاعلام والأقلام عند غير أهلها اليوم"، تذكرت ذلك وأنا أطالع مقالا منقولا عن جريدة الخرطوم في صفحة السودانيين علي الشبكة العالمية sudaneseonline ، للكاتب مصطفي أبو العزائم الذي نقل وصفا لزواج كريمة الدكتور الترابي، أشتمل وصفه علي الطرقات التي ضاقت بسيارات راكبيها، واجراءات العقد حتي غناء الفنانة "حواء الطقطاقة"، بحضور الشيخ حسن الفاتح قريب الله!! كل هذا اللبن!! سمك، تمر هندي الذي تم في منزل شيخ داعية أسلامي لم يستوقفني كثيرا مثلما أستوقفني حقا حديث الكاتب عن حضور المرأة لأول مرة – ربما في تاريخ السودان الاجتماعي للزيجات!! أحترت وقلت لو كان هذا الصحفي يعلم أن الحقيقة غير ذلك، ثم هو أخفاها، فتلك مصيبة، وان لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم!! ان الثابت في الأمر أن الأستاذ محمود محمد طه كان قد أجري عقد قران بالموردة في مطلع سبيعينات القرن المنصرم وأخرج كتبيا بأسم "خطوة نحو الزواج في الاسلام" بتاريخ يناير 1971، ومنذ ذلك التاريخ تمت مئات الزيجات المباركات وقد كان حضور العروس وصديقاتها وأهلها من النساء من أساسيات تلك العقودات التي شهدتها كثير من مدن السودان المختلفة وحظيت الخرطوم منها بنصيب كبير. ليس هذا هو الخبر ولكن الخبر أن كثيرا من فقهاء السلطان – وأعيذ الكاتب أن يكون أحدهم- قد أنكروا علينا ذلك نكرانا مبينا- ففي مطلع عام 1974 تمت لنا زيجة مباركة بحي دردق بمدينة ودمدني، فقام فقهاء المدينة من شاكلة الشيخ حسن عبدالعزيز حمومة وعبدالرحمن عبد السلام وغيرهما بهجوم مخل بكل منطق علينا، ومن أساسيات هجومهم – حضور النساء للعقد!! وفي كوستي كان الأمر أغرب اذ رفع فقهاء المدينة وتجارها!! عريضة لرئيس الجمهورية بصورة للمحافظ وقضاة المدينة يستنكرون فيها زيجتان تمتا للجمهوريين بحي السكة حديد بكوستي في أخريات العام 1973 – راجع كتاب قضايا كوستي للأستاذ سعيد الطيب شايب يوليو 1975 – صفحة 30 وما بعدها- وظل الأمر كذلك والناس وبخاصة الفقهاء ينكرون علينا ذلك، وقد كان ديدنا، كما عرف الناس عنا، أن نقارعهم الحجة بالحجة فأخرجت الأخوات الجمهوريات كتيبا بعنوان "كيف ولماذا خرجت المرأة الجمهورية" ليؤسس من الدين الحنيف لخروج المرأة، ولكن ما زال فقهاء السلطان يفتئتون علينا ويحسبون ذلك كفرا مبينا!! حتي خروج نساءنا لتشييع موتانا بالذكر المفرد "الله الله الله" حتي المقابر كان ولا يزال يعد منكرا من المنكرات عند أولئك الفقهاء ومن لف لفهم!! وقد وصل الأمر بأحدهم أن يتقول علينا في المساجد بودمدني عقب رحيل عزيزنا الراحل عبد الرحمن أحمد عساكر،كما ورد بكتابنا "تعلموا كيف تجهزون موتاكم الصادر في مايو عام 1978 " ومن المؤسف حقاً أن تنطلق هذه الشائعات من بعض (( رجال الدين)) بالمدينة، ومنها ما قاله أحدهم بأحد المساجد (( وقد بلغني ممن أثق فيه أن المتوفى لم يغسله الجمهوريون الغسل الشرعي، ولم يكفنوه الكفن الشرعي كما لم يصلّوا عليه صلاة الجنازة الشرعية، وأن نعشه قد حمل على عواتق البنات إلى المقابر..))!! وتدور سائر الإشاعات الأخرى على هذا النحو من السفه والاسفاف الذي لا نرى خيراً في متابعته..
    راجع الكتب المذكورة علي www.alfikra.org
    ولعل نفس الأمر ينطبق علي حديثنا عن الضحية وأنها ليست واجبة لا علي الأغنياء ولا علي الفقراء الذي اصدرنا عنه منشورا بتاريخ 7/11/1978 ثم أعقبناه بكتاب يبين في جلاء عدم وجوب الضحية، ذلك عندما كان الخروف بجنيهات قد لا تتعدي الخمس، وكان وقتها الناس يتندرون ويتضاحكون علينا ويرموننا بالويل والثبور وعظائم الأمور ولكن عندا صار الخروف بالآف الجنيهات، كثر الحديث عن ديك ابن عباس ويكاد فضيلة المفتي يأتي بذلك الديك للتلفزيون كل عام عندما يحين موعد الأضحية ويبارك للسيد رئيس الجمهورية حدبه علي "اقامة سنة النبي بالتضحية عن فقراء أمته"!! نفس هؤلاء الفقهاء الذين كان ينعون ذلك علي رجل بسيط يسكن بيت الجالوص في أطراف الثورة، ولكنهم لا يستنكرونه علي أصحاب السلطان!!
    ثم لا يزال السؤال يواجه دكتور الترابي وحسن الفاتح قريب الله وأضرابهم من الفقهاء: من أين لكم بالمرأة تسفر لغير ضرورة وتخرج أمام الرجال – حتي حواء الطقطاقة – ودونكم آية "وقرن في بيوتكن"؟؟؟؟
    _________________
                  

04-26-2008, 05:35 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    عون الشريف: موته الوديع الوسيم



    د. عبد الله على إبراهيم


    مضى الى الرحاب السنية، رحاب ربه، البروفسير الوزير العالم المحدث الثبت الحجة المحقق عون الشريف قاسم. وبكي الناس سودانياً خلوقاً عذباً للبشر على وجهه نبع وللحفاوة دوحة. لم يتمترس خلف ألقابه دون غمار الناس واواسطهم فعل الأفندية الأشاوس. فقد طهره من هذا الرجس أنه مثقف أدرك أن مرجعه في شغله هم العامة بإرثهم من الإسلام والعربية وحيلته على الدنيا بهم. أما الأفندية فمرجعيتهم وحي أو وهم من الخارج يريد ان يفرغ العامة من ثقافتها ليعبئها بمدنية مجلوبة.

    كانت سودانيته مستقاة من فروسية "يا أبو مروءة". فقد قصدته عصراً مع جماعة في نحو عام 1980 نطلب منه أن يتدخل لإطلاق سراح الشاعر حبيبنا محجوب شريف من السجن ليري أمه المحتضرة مرآه الأخير. وكان وقتها فى أمانة ما بالاتحاد الاشتراكي. ووالله ووالله قضي سحابة عصره ومغربه وعشائه في شغل يطرق تلفونات جهات الاختصاص. وبلغنا فجر اليوم التالي أن محجوب طليق السراح وكانت له حضرة عند سرير موت "الوالدة يا مريم". وكانت هذه التجربة في صون المعاني التي لا غنى عنها، والاستبداد ضارب أطنابه، مما جادلت بها جماعة من دعاة حقوق الإنسان. فقد بدا لي عملهم منحصراً في الترويج لقضايا المعتقلين على طريقة قميص عثمان. وهذا باب في المعارضة لا غير. فليس نحاسب الناشط في حقوق الإنسان على كم مذكرة احتجاج أذاعها على الملأ. أهم من ذلك نسأله كم سراحاً أطلق وكم هماً فرج وكم معني عزيزاً صان وما طول يده حتى بين طاقم النظام القاسي يجندهم لراحة المعتقلين. وهذه هي العاطفة الأصل في حركة حقوق الإنسان أما ما عداها فهو من طبول الهرج.

    لعون مشروع في النهضة او البعث الوطني الحضاري من نسق معروف في المستعمرات السابقة. فمطلب هذا المشروع أن يسترد أصالة للأمة جهلها الاستعمار وأساء اليها. وهو يفعل ذلك بصحوة للأمة تسترد فيها الصفوة ذاتها من شائبة الاستعمار لتتصل بتراثها وشعبها في عملية خلاقة نحو حداثة مبتكرة ليست هي حداثة الغرب حذو النعل بالنعل. وقال الدكتور البوني، على ما أعتقد، محقاً إنه قل من نظر في مشروع عون الإسلامي مثل نظرنا في مشروع الدكتور الشيخ الترابي أو السيد الصادق المهدي أو المرحوم محمود محمد طه. وربما كان تفسير ذلك هو أنه بلا عصبة في حين استكثر منها الآخرون. ولتعويض قلة العصبة لجأ عون بدعوته إلى الدولة خلال وزارته الطويلة بنظام نميري (1969-1985). وهو نظام جاءه عون في عصبة مع ذلك. فعون من تيار حركة المستقلين من الطلاب من أرادوا منذ الأربعينات شق طريق فكري وسط بين الشيوعيين والإسلاميين. وكان ممثلاً نشطاً لهم باتحاد طلاب جامعة الخرطوم في منتصف الخمسينات. وكان تيار المستقلين في الحلف الذي سند انقلاب مايو. وكانت لهم مشاحنات مع الشيوعيين ذوي الغلبة في باكر عهد الانقلاب ثم خلا لهم الجو بعد خروج الشيوعيين من الحلف في 1971. وربما حجب تسييس نميري الدين بصورة سلطانية أقباس عون لتجديد الدين. وقد شقي عون من مكر نميري بالدين بطريقته اللطيفة في الهزء بالذات. فقد جئته يوماً في آخر السبعينات اعرض عليه فصلاً من رسالتي للماجستير التي كان يشرف عليها. وكان نميري أجرى تعديلاً وزارياً أبعد عون من وزارة الشئون الدينية والأوقاف وعينه على رأس لجنة تعيد النظر في مقاصد وهيكل الوزارة. وسألت عون عن جلية المسألة فقال: "بقت علينا حكاية التي نقضت غزلها"

    ودعوة عون ليست دعوة دينية وإنما هي دعوة حضارية يريد بها استعادة فعالية الشخصية القومية في عالم ما بعد الاستعمار المباشر. فهي ليست دعوة دينية صرفة لأنها تستدبر المعيار الديني النابع من تخلف المسلمين وتنظر إلى حقائق الشوكة في العالم في وصل الدين بالمجتمع. فالاستعمار في مركز دائرة نظر عون. فليس بوسع طالب للنهضة في السودان أن يقفز فوق الإسلام إلا من كانت قفزته في الظلام. فالشخصية أو الأصالة السودانية الشمالية هي صياغة لحضارة الإسلام في تفاعلها مع بئية السودان المخصوصة. فطالب نهضة السودان سيجد الاستعمار قد أفسد عليه جسر بلوغ تلك الأصالة بطريقين. فهو أولاً قد نفى تراثنا عنا فصادر عنا ملكة تدراسه وتأمله وإجالة النظر فيه وأن نجري من التطوير والتحوير والتطوير بما يتلاءم وتغير الأحوال والظروف. ولما انعدمت فينا هذه الحيل الفكرية والابداعية قبلنا بإزدواجية ثقافية مملاة من المستعمرين. فهم مثلاً استبعدوا الشريعة مسبقاً من التشريع المدني والجنائي بغير جريرة كما وصفت ذلك في كتابي "الشريعة والحداثة" وقبلنا منهم بذلك. بل يرى بعضنا في ذلك منشأ مشروعه العلماني في فصل الدين عن الدولة. وهو مطلب مشروع لولا فساد أساسه الأول. فمن رأي عون أنه لم نكن بحاجة إلى فصل الدين عن المجتمع لو لم يجمد الاستعمار الإسلام أولاً ويعطل اجتهادنا فيه ثانياً.

    واتبع عون خطة الأفروعروبية في النظر إلى هوية السودانيين. وهي الخطة التى ترى السودانيين رحيق تزواج خلاق بين العرب المسلمين، ممن جاءوا إلى السودان بدءاً بالقرن السابع الميلادي، والأفارقة مستظلة بسماحة الإسلام التي قضت بتعارف الشعوب والأعراق ونوهت بنعمة اختلاف الألسن والرأي. وقد تأسست كتبه العديدة الأخيرة عن الأنساب على هذه الفرضية البحثية. واتفقنا معها او اختلفنا في منطق نظريتها فخطة الأفروعربية هي التي جعلت جيل الستينات من المبدعين جيلاً فطحلاً. فقد استبطنت مدرسة الخرطوم و انجبت لنا درر إبراهيم الصلحي في التشكيل واستكنت في شعر مدرسة الغابة الصحراء ورزقتنا شعر محمد المكي إبراهيم ومحمد عبدالحي. وكلهم نظروا في كتاب البروفسير يوسف فضل حسن للحصول على أثاثاتهم الفكرية. واهتدى عون بالأفرعروبية إلى كتابه قاموس الألفاظ العامية الذي سارت بذكره الركبان. وقد سخر لي الله أن كنت من شهود الكتاب وهو نطفة فكرية. فكنا في جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم دعونا عوناً إلى رحلة بحدائق أبى العلا في اوائل الستينات لو اسعفتني الذاكرة. وفوجئنا به يخرج نوتة صغيرة من جيبه يلتقط ألفاظاً من مجري الحديث وقد يغير دفته طلباً لمعني اللفظ وصور نطقه في بئيات السودان المختلفة. ولم يرتح الطربيون في الرحلة إلى تحويل عون لها إلى "حصة إملاء" (في فكاهة منسوبة إلى المرحوم محمد التوم التيجاني"). وقد بقي لعون عندي له هذا الشغف المدجج للمعرفة فكنت استعيد يومنا ذلك في الرحلة كلما اخرجت نوتتي خلال عملى الميدان في بادية الكبابيش وحقول الرباطاب.

    وحالة عون من بين من اقتنعوا بهذه الهجنة الخلاقة فريدة. فهي مما يسميه علماء الثقافة بتطابق ترجمة شخص مخصوص و التاريخ العام للجماعة. فعون نفسه ثمرة تلاقح عربي أفريقي أقرب من أياً منا للحظة التكوين السوداتي كما تراه الأفروعروبية. فهو الجيل الأول من زواج والده الشريف القاسم أحمد الجيلي، اليماني أصلاً، بإمرأة من قرية الحلفاية حين قدم إلي السودان في مطلع القرن الماضي. وانغمس الشريف في محبة السادة الختمية وأصبح من خلفائهم المشهود لهم وصديقاً للسيد علي الميرغني. وكتب الشريف القاسم كل أناشيد شباب الختمية الذائعة الآن وكان يختم كل منها، كما درجت عادة نظم المدائح، بشطر يقول فيه "قاسم الجيلي نظم لكم يأ أهل الكرم" يثبت فيه حق التأليف ويرجو البركة. ولم يعد الشريف إلي اليمن حتى وفاته عام 1979. ولم ير عون نفسه اليمن إلا بعد بلوغه السبعين عام 2004. وهكذا فعون هو بمنزلة النطفة الأولي التي تخلق منها الإنسان الأفروعروبي السوداني في ظل سماحة الإسلام.

    ويري عون أن العامية السودانية جاءت من كنف هذه الخلطة البديعة. فهي قد نشأت في منطقة النيل الوسطي التي شهدت التمازج المثالي بين العرب وغير العرب في السودان. فأقصي الشمال لم يتعرض لضغط قوي من هجرات العرب لفقر بئيته خلافاً للوسط من حول الخرطوم الذي تحقق به التمازج الحق بين النوبة والعرب. فقد بقيت في الشمال لغات النوبة وبقي تيار قوي من الأثر النوبي حتي في لهجة الشايقية العربية. أما الوسط فقد اصبح بوتقة توازنت فيها العناصر الثقافية ونشأت في أثره "منطقة تعادل لغوي" يتمثل فيها "القدر المشترك بين كافة القبائل العربية في السودان، الي جانب ما تأثرت به هذه القبائل بحكم اتصالها بالسكان الأصليين سواء اكانوا البجة في شرق البلاد أم النوبة في حوض النيل، أم العناصر النيلية في الجنوب، أم الكردفانية والدارفورية في الغرب". وقد استبعدت منطقة التعادل اللغوي الوسطية الحضرية المستقرة هذه لغة البادية الحوشية العسيرة .

    ويتنامى النقد منذ حين للأسس النظرية الأفرعروبية بغير جحود لما ترامى لنا منها من ثمر جميل في الإبداع من دوحتها الوارفة. فقد توافر الدكتوران عبدالله بولا وحسن موسي على نقد مدرسة الخرطوم. واتفق لكاتب هذا المقال نقد مدرسة الغابة والصحراء. أما مدرسة عون في عامية السودان فقد تناولها بالنقد الدكتور شاع الدين محمد الحسن شاع الدين. فمن رأيه أن عون قد حمل هجنة العامية العربية محملاً بعيداً نسب معه كلمات صحيحة الأصول العربية الي هذه العامية المزعومة كهجين عربي افريقي.

    لدى نعى الناعي عوناً تذكرت أننى كنت كلما قلبت كتبه الحسنة عن أنساب حلفاية الملوك، بلده و قبيله، أتذكر قول الدكتور عزالدين الأمين يوماً لي. سألته يوماً عن كتابه عن أهله علماء قرية كترانج بالجزيرة الذي توافر على كتابته بعد تآليف عديدة عن أمور أخرى بعيدة. قال لي يا ابني تطوف بقلمك في آفاق الدنيا وتحلق في موضوعات العالمين ويطول بك التطواف ثم تعود في شيخوختك تكتب عن مأثرة قريتك. وتساءل: هل يضيق ماعون المؤلف وموضوعاته كلما اقترب من من ضيق آخر هو القبر؟ ويقول أهلنا قديماً يموت المرء في مكان "مخموشته" أى فى موضع تخلقه من صلصال بلده. وهو الموت الوديع الوسيم. وضم قبر بالحلفاية عوناً الذي هو باحثها المفلق وضرب بها مثلاً في الإلفة على حد الهجنة والإسلام. إنزل ربي شآبيب رحمتك على عبدك العالم المحدث الثبت المحقق الهاش الباش عون الشريف الذي بر أهله بمزجهم على الألفة والاحسان والتراحم بين دفتي كتاب. والحمد لله.
                  

04-26-2008, 05:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    صه يا كنار

    عبد الله على إبراهيم

    ربما كان نزع الصفة السلطانية عن احتفال الذكرى الذهبية لاستقلال السودان هو السبب في حيوية بعض مشاهده. فقد تشربتْ هذه المشاهد بعاطفة خالصة للوطن وخيال مجنح يفسده السلطان حين يرهن عمومية المناسبة بخصوصية متاعبه وإيدلوجيته. وأذكر احتفالاً لنا بالاستقلال بحلة الداخلة بعطبرة في أوائل الستينات اضطررنا أن نستأذن لقيامه من الحاكم العسكري للمديرية الشمالية على عهد الفريق عبود. ولم نقف الساعات الطوال أمام النقيب عواض، سكرتير الأميرالاي أحمد المهدي حامد، الحاكم العسكري بسلاح المدفعية، نلحف في الطلب بل جرّت علينا جُرأتنا هذه كيد الأمن لاحقاً. وما زلت احتفظ بصورة للجنة الاحتفال ضمت الرفيق المرحوم عبد الله محي الدين والأستاذ إمام علي بري والمعلم الركن ميرغني عبد الرحمن حميد وآخرين. وما زال كذلك احتفالاً احفظ له بامتنان حيث تعلمنا منه ونحن في غضارة الشباب جسارة العمل بين الناس في ظل النظم البغيضة لا تولية الأدبار والنضال أو مزاعمه من على بعد. وسمّى استاذنا عبد الخالق محجوب هذه المزاعم بالتطهّر من الجماهير.

    من آيات خيال الاحتفال الذهبي الطليقة إعادة إنتاج لحظة رفع العلم وجلسة البرلمان التي تقرر فيها الإجماع على استقلال السودان الذي تخطت بها البلاد شد الاتحاديين مع مصر وجذب الاستقلاليين (عن مصر في الغالب) الذي طبع الحركة الوطنية وأذاها. ولم أملك، وأنا أشاهد تلك الجلسة المستعادة ولحظة رفع العلم في التلفزيون، إلا أن استحضر مشهداً مماثلا توظيف التاريخ قمنا به في منظمة ابادماك للكتّاب والفنانين التقدميين عام 1969 إعدنا فيه إنتاج واقعة شهداء القصر نهار 26 أكتوبر 1964 حيث صرعوا امام القصر الجمهوري. وكنا طلبنا من نظام مايو اليساري الجديد ألا يشلع ساحة القصر من الكراسي بعد الاحتفال الرسمي بالثورة ليجلس عليها جمهورنا. وقد أجاد الأستاذ صلاح قولة، وهو من مصر، إخراج النص الوثائقي الذي قمتُ بكتابته وعنوانه "قائمة باسماء الشهداء". وقد نشرته ضمن مجموعة مسرحية بعنوان "من تصريح لمزارع من جودة".

    وقد اسعدتني أيضاً ندوة المشائخ على التلفزيون عن دورهم في تحقيق الاستقلال الوطني التي قدمها مولانا الزين أحمد خير. وقد استعاد فيها المشاركون ذكريات عن مشائخ من غمارهم ومن طلائعهم مثل الشيخ الغبشاوي ممن ناصبوا الانجليز العداء بعاطفة دينية وطنية لا فرق. وحكى الدكتور جعفر شيخ إدريس (الشيخ طوعاً) عن خطيب مسجد ببورتسودان انزعج منه الإنجليز فقالوا له ننفيك إلى بلدك ويقصدون دنقلا. فقال لهم بغير اكتراث: "وهل بورتسودان لندن؟" وقد اسعدني أن استعاد الأستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد ذكرى الشاعر الفحل حسين منصور المعلم بالمعهد العلمي بام درمان وقصيدته "قياما قياما مع القائم" لطلاوتها، وعاطفتها الثورية الحقة، وأثرها القوي على التيجاني. وقد وُفّق الشيخ الوزير عبد الباسط عبد الماجد في تأطير نضال المشائخ في غير جهاد آحاد منهم بل في نضال مؤسسي لحفظ بقية الدين (كما يقولون والحق أنه أكثره) من مثل إنشاء المعهد العلمي في 1910 بفروعه.

    وقد ظلمت الحركة الوطنية الغردونية المشائخ وجعلتهم من "أهل العِمم" ومن صنائع الإنجليز كما تجد في كتاب "كفاح جيل" للأستاذ أحمد خير أو في نقائض المرحوم محمود محمد طه والقضاة الشرعيين المعروفة. وربما صدق هذا التبخيس عن شرائح من المشيخة كما صدق على تيارات من الأفندية الغردونيين. ولن يزيح شائبة تبخيس المشيخة في سجل الغردونيين إلا بالنظر المؤسسي لها ولمساهمتها في الذود عن الثقافة الوطنية. فقد وددت لو تطرق شهود ندوة التلفزيون لخدمة المشائخ الوطنية في تنمية تقليد فقهي سمح في المحاكم الشرعية فى ظل الإنجليز. وقد توفرت على دراسة هذا التشريع أمريكية تقدمية هي الدكتورة كارولين فلوهر-لوبان. وقد تعلمنا منها نحن المحدثين عن خطره وإبداعيته. وقد أصبح كتابها عن إرث القضاة متاحاً لمن لا يحسن الإنجليزية بفضل ترجمة منشورة قام بها الدكتور محجوب التجاني. كما وددت لوتعرضوا لجهاد قضاة الشرع القوي لصيانة وحدة الشريعة بمنع الإنجليز من إغلاق المحاكم الشرعية في الريف في الثلاثينات وتحويل اختصاصها لمحاكم الإدارة الأهلية. وكانت حجة الإنجليز أن أعراف القبائل لا تواطئ الشرع أو هي تعيد تأويله بلا غضاضة. ووقفة مولانا محمد الأمين القرشي ومولانا أحمد المدني، والد مولانا مبارك المدني، ضد هذا المخطط مما شهدت به أوراق الإنجليز. وقد كتبت عن ذلك في كتابي "الشريعة والحداثة."

    أما هذا العيد الذهبي فقد كان عيد "صه ياكنار" بلا منازع بفضل برنامج تلفزيوني خصيب قدمه مذيع شاب ،فات عليّ ضبط اسمه، وبدا لي من طغيان هذا النشيد على مشاهد العيد الذهبي أن الأمة ، أخيراً، تحني رأسها عرفاناً لهذا الاستثمار الفريد في وجدانها. فالنشيد يواتي كل من أراد جمع الناس على صعيد واحد. ولذا طربت لقول الأستاذ احمد أدهم بالتلفزيون إن ما يميز "صه ياكنار" أنه نشيد غير إيدلوجي أومتحيز لفريق دون آخر. وقد أجاد حين واصل القول إنه حتى "صرخت روت دمي" ، وهو نشيد مؤتمر الخريجين، إيدلوجي لأنه يقول" أمة أصلها للعرب ودينها خير دين يحب". كما أعجبني قول الدكتور أنس العاقب ما يقرب من اعتبار "صه ياكنار" محض موسيقي من الدرج الأعلى. وهذا حجة في حيادها الجميل المتجاوز للقيل والقال السياسي.

    ولهذا يواتي النشيد كل مثالي طالب إجماع العواطف السكوّتي على شأن الوطن الجلل. وقد قرأت هذا المعنى فى قول الأستاذة فيحاء محمد علي في البرنامج التلفزيوني. فقد قالت إنها منشدة دينية ولكن إمامها وحبيبنا الصادق المهدي سألها أن تعتني ب "صه ياكنار" وأن تضيفه لحصيلتها من النشيد. وقد تباطأت ثم فعلت وأشجت. وذكرني هذا بمواتاة النشيد لي يوماً في 1980 رتبنا فيه لتأبين البروفسير مكي شبيكة. فقد اقترحت على اللجنة أن نفتتح الليلة ب "صه ياكنار". ولم يشذ أحد في الموافقة على اقتراحي بزعم عدم خلط الغناء والحزن. فقد اضحت ل "صه يا كنار" منزلة النشيد الوطني. وسعيت لمعهد الموسيقي والمسرح الذي كانت فرقة منه تؤدي النشيد على آلات شعبية بتورزيع علماء كوريين في الموسيقي. ولما جاء شباب وشابات المعهد لأداء النشيد رآهم الدكتور عمر بليل، مدير جامعة الخرطوم آنذاك، يحدقون بقاعة الامتحانات، صالة التأبين، فأنزعج. ثم طمأنته. وعهدي بالغناء في التأبين قديم. فقد أبّنا في أوائل الستينات المرحوم الشاعر محجوب قسم الله، الشهير ب"المنبثق" وأحد مؤسسي رابطة أصدقاء نهر العطبرة في آخر الخمسينات، وغنى لنا في الحفل الأستاذ حسن خليفة العطبراوي قصيدة من وضع المرحوم. ولم يحس أيّ منا بشذوذها عن معني الحزن. كانت رافعة غراء للحزن وربما نقص بدونها.

    احتفالنا ب "صه ياكنار" تكريم تأخر طويلاً للموسيقار اسماعيل عبد المعين والشاعر الصاغ محمود أبو بكر. والنشيد ، كما حدثتنا مؤرخة الأغاني الأستاذة فاطمة مدني، ثمرة لقاء صدفة (في التوقيت لا الظرف الثقافي والسياسي) بين الموسيقار والشاعر في قاطرة حلفا في منتصف الأربعينات. فقد كان الموسيقار عائداً من مصر في عطلته من معهد الموسيقي العربية الذي كان ملتحقاً به. وقد أحسن وردي، في ندوة له بالتلفزيون، حين قال إننا غمطنا عبد المعين كثيراً. فهو، أقله، أول من خرج لدراسة الموسيقي، علم الروح والصياع، في حين كان الطلاب آنذاك يطلبون علوم النفع والمادة. ومن استمع إلى أحاديث عبد المعين عن الموسيقي السودانية عرف أنه عاشق متبتل لها وكان نفاذاً إلى مناجمها خطاراً فوق سماواتها الفذة. وكان إنساناً برئياً يقربه ولاؤه للموسيقي من السذاجة . . . الراديكالية:

    القدو قدو يا يا

    باكلها برايا

    وكان الشاعر، من الجهة الأخرى، عائداً من جبهة الشرق الأوسط من الحرب العالمية. ووطنية من حاربوا للقضاء على النازية باسم الحرية هي التي يرد اليها المؤرخون نشأة الحركة الوطنية الجذرية في افريقيا مثل حركة الماو ماو في كينيا وأتباع الرئيس نكروما في غانا ومن استبسلوا في مواجهات المؤتمر الوطني الأفريقي الباكرة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. ويبدو أن خلو "صه يا كنار" من الإيدلوجية راجع إلى فدائية عالية اتصف بها محمود: رب للسيف والقلم معاً. وكان ميلاد "صه يا كنار" طاقة اشتعلت في تناصر المصب والنبع والوطن الأسير في بيداء العتمور في "القطار المار."

    استذكارنا "صه يا كنار" هو عودة لما أضعناه طويلاً في حرب الطغم المديدة: العرفان.

    http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2488&KW=
    _________________
                  

04-26-2008, 05:38 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الجمهوريون: لماذا نحن "نصوصيون"؟

    عبدالله عثمان

    جامعة أوهايو

    فى منبر أسفيرى نعى الأستاذ عبدالكريم الأمين أحمد على الجمهوريين - تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه - التطويل فى نقل النصوص، ومن قبل أسماهم د. عبدالله على ابراهيم "عتالة النصوص"، فى هذا المقال القصير سأسعى لإلقاء بعض الضوء على ذلك ولكن يجدر بى أولا أن أشير الى واقعة تاريخية لها دلالاتها ومعانيها الكبيرة فيما نحن بصدده من تكريم الإنسان من حيث هو إنسان واعطاءه قدره اللائق، ثم تكريم الكلمة والإحتفاء بها وعند السيد المسيح "كلمتى لا ترد الىّ فارغة". ولعلنى لست فى حوجة الى الإشارة "المكثفة" لإحتفاء الأكاديمياالغرببة بـ "النصوصية" للحد الذى يجعل بعضهم "عبدة" نصوص.

    الواقعة هى أنه لما حرّض الواعظ حسن عبدالعزيز حمومة بعض الغوغاء والمغرر بهم فى مدينة ودمدنى فقاموا بحرق معرض الفكر الجمهورى المقام حينها بنادى الخريجين بحاضرة الجزيرة، سأل الأستاذ محمود الذين أبلغوه الخبر أن هل أخرج أحدكم كراس الإنطباعات (كان الجمهوريين يضعون كراسا يسجل فيه الزوار إنطباعاتهم وتحظى تلك الإنطباعات بإهتمام كبير من الأستاذ والأخوان ولا يزال لنا كراس انطباعات فى موقع الفكرة) لك أن تتخيل معرضا يحوى آلاف الوثائق والكتب والأشرطة والصور ولا يسأل الأستاذ الا عن كراس الإنطباعات، ذلك لأنه النسخة الوحيدة التى هى "أصل" ولا بديل لها وكل ما تبقى يمكن إعادة تدويره أو إنتاجه.

    لأهمية ذلك ثم ليقيننا أن ما كتب الأستاذ محمود هو الحق الذى لا حق بعده والا منجاة للبشرية الا به ولأننا ذقنا طعم ذلك ونحب لغيرنا أن يتذوق ذلك أيضا - اذ شعارنا هو شعاره (ولا هطلت على ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا) - لذلك فنحن شديدو الحرص على إيراد النصوص كاملة وندرك - ويفيدنا بعض القراء بذلك - أنها تفعل فى الكثيرين منهم فعل السحر.

    ومن هذا الباب فإننا نوّثق أيضا لكل من يكتب قادحا أو مادحا وقد تندهش اذا قلت لك ان بعض تقارير وفود الجمهوريين التى اعتادوا كتابتها أيام حملات توزيع الكتاب قد تحوى بعض أسماء من ودعوهم فى محطات القطار أو مواقف البصات من غير الجمهوريين. نوثّق للتجانى عامر ولعون الشريف ولمحمد محمد على، فى أرشيفنا بعض حديث عن التجانى الماحى وعن سلمى الجيوسى، نكتب ما تفوّه به فى حقنا عطية محمد سعيد أو الشيخ خلف الله كرم الله ببورتسودان، نرصد ما يكتبه جعفر شيخ ادريس وما تتحدث به سعاد الفاتح. كتب وحاضر الأستاذ محمود عن الإسلام والفنون وعن الضحية وعن الخفاض، له رأى فى التكامل وفى صعود الإنسان للقمر وفى تعدد الزوجات، ليس بشىء عنده بمفلت عن البحث أو عن التدقيق لذلك نصح د. مصطفى محمود أن يدع ما يفعل للإشياخ ولم يستبن دكتور مصطفى النصح الا ضحى الغد، نادى بالصلح مع إسرائيل وكان سببا فى نشوء جماعة أباداماك الأدبية التى شغلت الناس عهدا، ولا تنتطح عنزتان فى ان وقفته الشماء وإبتسامته وهو على حبل المشنقة هما وقود إنتفاضة أبريل وملهمة الشعراء والفنانين (يا شعبا تسامى وراجع رزنامة كمال الجزولى عن عركى و18 يناير، عماد براكة وعطره النسائى، عبدالغنى كرم الله وآلآم ظهره الحادة). يشكل حضورا فى نيفاشا والشهيد دكتور قرنق يحدث الصحفيين عن إعجابه واعجاب مقاتليه بالأستاذ محمود ومطالعتهم لكتبه، وتجده حاضرا فى مؤتمرات حزب المؤتمر الوطنى الحاكم وعلى عثمان يحدث قبيله عن "الشعب السودانى شعب عملاق يتقدمه أقزام" وحضوره لا تخطئه عين فى كتابات د. عبدالله على ابراهيم اذا ما كتب عن شيبون، عون الشريف، حاج حمد أو الإتحاد النسائى، وذات الحضور فى أدبيات مؤتمر الطلاب المستقلين وهم يعشقون مقولته "إختلاف مقدار وليس اختلاف نوع". نافح الأستاذ محمود عن حق الحزب الشيوعى السودانى فى العمل الديمقراطى أقام اسبوعا منافحا عن ذلك، نصح عبدالخالق على صفحات الصحف أن "سودنوا الشيوعية"!! كتب لعبدالناصر غداة إعدامه لسيد قطب ورفاقه أن "ستلقى الله وفى يديك من دمائهم أغلال" كتب لمحمد نجيب وللنويهى ولخالد محمد خالد، يتحدث عن النسبية والأمر التكوينى والأمر التشريعى كما يتحدث عن خليل فرح ونحن "سوجو عروضن ونحن يوم المحشر". زرع بالسلوكة ويحدثك عن "البروس" ونال جائزة الفلاحة فى غردون، تحدث الإنجليزية كما يتحدثها أهلها ويبين لأساتذة اللغة العربية ما هو "اسم الفاعل الذى يفعل فعل فعله" يرقع ثوبه بنفسه ويكرمك بالبلح ويرتحل فى الدرجة الرابعة بالقطار.

    من يعرف قدره يسلم له قائلا "اعصر خمر وأضرب زمر يأتيك من كل فج زيد وعمرو" كما فعل خليفة الشيخ السمانى، وقد جئناه شايقية وشيوعيين، إسكافية، وأنصاف وجوديين، جآءه الرسامون والمزيكاتية، يمن، وأقباط، استراليين وأمريكان، عمال بناء ومعلمون، طباخون وأساتذة جامعات، بشتون ومناصير وهلالاب، أوزاع القبائل رجالا ونساءا، جآءه بخيت أحمد إدريس والذى كان وهابيا منكرا فى السيد الحسن، فلما رأى ما رأى دلف للجناب وأخذ يعطر المجالس برائعة ود حليب "حرمو أبعنابر من عنا وقام ليهو هابر شوقى لى"، وسلم له العم مجذوب محمد مجذوب الذى كان قياديا بجبهة الميثاق وكتب "انا ومحمود محمد طه أمام الله" فلما ذاق ما ذاق كتب "انا ومحمود محمد طه سويا الى الله"!! قد نظرة منه تفعل ما لا يخطر لك على بال وقد حكى لى دكتور مهدى عبدالله عن رؤياه له يوما يزور مريضا بالقسم الجنوبى ومن "الدخلت ما مرقت"!! من يدرك سره قد يقول له "طبخت لك بنفسى" مثلما فعل الحسن الإدريسى أو يقبله على رأسه مثلما فعل محمد المهدى مجذوب - ليلة مولد ما - قائلا "انت إبن مريم فينا"!! أو يخلع نعليه ويجدّع عمامته مثل حسنا الذى فعلها وأنشده "يا طه وأحمد ومحمّد ... حسن السجمان ومرمّد ختو حملو فوقك وغمّد)!! ومن يجهله فهو أيضا يدعو له "الما عندو حديدة نحنا بنسو ليهو حديدة"، لذلك حلف لى أحمد سليمان المحامى يوما فى واشنطون "على الطلاق تانى مقّنعة بتلد متلو مافى" ولأن ذلك يقيننا فإننا نحس بإنا مقلون فى ابراز ما نحب أن يراه الناس وكأنى به يستحثنا بما كان يردد دائما (ولم أر فى عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام)


    from sudaneseonline.com
    april 19, 2008
    __
                  

04-26-2008, 05:55 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الأكرم : عبد الله عثمان ،
    تحية لك
    ونورد هنا نصاً مما كتبه عقيد الأمن (م) هاشم عثمان أبورنات في سفر " أسرار جهاز الأسرار " حرره مع العقيد أمن (م) محمد عبد العزيز ، ص 11 ـ12 :
    النص المنقول :

    ( على ما أذكر أنه وفي خلال شهر يناير 1985 م ، كنتُ موفداً في مهمة كلفني بها اللواء أ.؛ عمر محمد الطيب إلى القصر تستدعي مقابلة المستشار النيل أبو قرون . عندما دلفت إلى مكتبه قابلني مقابلة جيدة ، ثم رن جرس الهاتف ، لم أكن أعرف من هو المتحدث على الطرف الآخر ...برهة وإذا بأساريره تنفرج .. ويهتف فرحاً ..خلاص .. ده تمام .. الله أكبر .. الله أكبر . ووضع السماعة ..ثم قال لي ..فرحاً : المحكمة حكمت على محمود محمد طه بالإعدام .
    لم أدر ما اعتراني في تلك اللحظة فسرحت بخيالي وحزنت حزناً عميقاً ففي تلك الأيام كل شيء جائز ولم نعد ندري الصحيح من الخطأ . صمتُ طويلاً ولما لاحظ النيل وجومي رفع السماعة مرة أخرى وبدأ يحدث آخرين بالنبأ كما أنه نقل الخبر إلى عوض الجيد محمد أحمد .
    بعد انتهاء مهمتي مع النيل أبوقرون دلفت إلى مكتب اللواء عمر بالقصر و وجدت مدير مكتبه العقيد أ.ح صلاح محمد محمد صالح فأخبرته بالنبأ فلم يصدق ، بعدها دخلت إلى اللواء عمر محمد الطيب فأخبرته بما سمعت . كان يبدو أنه يعرف ولاحظت أنه منزعجاً . توقع الجميع أن يراجع السيد رئيس الجمهورية قرار المحكمة ويصدر حكماً أخف . خاصة أنه في تلك الأيام كان يتراجع عن قرارات كثيرة ، لكن نميري أيد قرار المحكمة وأتى بفتوة إضافية تؤكد إصراره لإعدام الأستاذ محمود محمد طه . حاول اللواء عمر محمد الطيب إثناء الرئيس العدول عن قرار الإعدام إلا أنه لم يوفق . فبذل جهداً خارقاً لكي يثني الأستاذ محمود محمد طه ، لقد سمعته يجادل بعض رجال الدين لكي يحاولوا قدر الإمكان أن ينصحوا محمود محمد طه ليجد له مخرجاً هو و جماعته من هذا المأزق ، كما قال لهم :

    " اتكلموا معاه فهموه إنه الراجل دة حيعدمو ...يا أخوانا إنتو ما شايفنو بقى كيف ".)

    انتهى النص

    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2008, 05:58 AM)
    (عدل بواسطة عبدالله الشقليني on 04-26-2008, 06:01 AM)

                  

04-26-2008, 03:40 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    --------------------------------------------------------------------------------

    23) http://www.madarat.org/6.htm

    --------------------------------------------------------------------------------

    حركة الجمهوريين فى السودان
    تحت منظار النقد والتاريخ 1945 -1985

    --------------------------------------------------------------------------------


    جزء 1 من 2
    مقدمة :

    تشكل الذكرى السادسة عشر لاغتيال المفكر السودانى الفذ ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ فرصة لاعادة قراءة تراث وتجربة واحدة من اهم الحركات الفكرية –الدينية السودانية بعد الحرب الكونية الثانية ؛ واكثرها اثارة للجدل ؛ اعنى هنا حركة الاخوان الجمهوريين . ان هذه الذكرى ؛ باسترجاعاتها المؤلمة ؛ لا ينبغى ان تغيب عن نظرنا واجب استخلاص الحكمة الكامنة فى هذه التجربة المتفردة ؛ والتى تجلت بعمق فى شخصية الاستاذ محمود ؛ وسيرة حياته النضرة ؛ واستشهاده الباسل . ان هدف هذه القراءة ليس اذن التبجيل الاجوف او النقد المغرض ؛ وانما محاولة الغوص فى التاريخ لاستخلاص التجارب والدروس ؛ وتسجيل الحقائق التى طالما ضاعت وتضيع فى ساحة الغرض السودانية ؛ والغرض مرض كما يقول اهلنا العارفين .

    ان المقال الحالى ؛ يتكون من جزيئين ؛ الاول منهما تاريخى ؛ ننشره هنا ؛وقد حاولنا فيه رصد الحقائق كما كانت ؛ وان اضفنا اليها بعضا من تعليقاتنا ؛ بما يسمح بتفسيرها ؛ وبما يدع مجالا للاخرين للتعليق عليها . والثانى نقدى تحليلى ؛ سننشره قريبا ؛ وهو يقوم على قراءة نقدية لثوبت الفكر الجمهورى ؛ فيما نعتقد انه استخلاص للحكمة الكامنة بين ذواياه ؛ حصرا للايجابى واعترافا به ؛ ورصدا للسلبى ؛ اوما نعتقد انه السلبى ؛ لتجاوزه من اجل بناء فكر سودانى جديد ؛ يغتنى من التجربة الجمهورية ؛ وهى تجربة رائدة من تجارب الفكر السودانى ؛ دون ان يتقيد بها ؛ او يحد بحدودها ؛ المربوطة بقيود الزمان والمكان ؛ والمتأثرة باسقاطات البيئة والتجارب الشخصية لمن بنوها؛ وقاموا بها ؛ ونذروا حياتهم لها .

    اننا لا نخفى هنا اعجابنا الذى لا ينقطع بشخصية الاستاذ محمود ؛ وتقديرنا غير المحدود لسيرة حياته واستشهاده ؛ فقد كان الرجل شمسا فى ظلمة ؛ وقامة فارعة تحدت قزمية الرجال وتفرعن الاحوال ؛ الا ان هذا الاعجاب ؛ وذلك التقدير ؛ يفرضان علينا فرضا ؛ مهمة البحث عن الحقيقة ؛ التى طالما سعى الاستاذ فى دروبها ؛ و قدم حياته فداءا لها . ولهذا تاتى محاولتنا المتواضعة فى هذا المقال لمقاربة تاريخ الحركة الجمهورية والفكر الجمهورى ؛ نقدمها للقارى ونامل فى الحوار معه ؛ فان رأى فيها الصواب ؛ فهذا ما نطمع فيه ؛ وان

    راى انها اغرقت فى الذات ؛ وغابت عن دروب الحق ؛ فكلنا امل ان يتصدى لها الاخرون بالنقد والتقويم ؛ عسى ان نصل معا للحقيقة ؛ والتى هى صنو الحرية ؛ وهما القيمتان التى عاشهما محمود فى حياته ؛ وقدم روحه دفاعا عنهما فى محراب مماته .

    نبذة عن المؤسس :

    الاستاذ الشهيد محمود محمد طه :

    لا يمكن تناول حركة الاخوان الجهوريين ؛ بعد حوالى55 عاما من تاسيسها ؛ و16 عاما على توقف نشاطها الرسمى ؛ بمعزل عن شخصية الرجل الذى اسسها وعاصرها وقادها ؛ منذ مولدها الاول وحتى ماساتها الدامية فى يناير 1985 . ان الفكرة والحركة الجمهورية قد ارتبطت ارتباطا لا فكاك منه ؛ بشخصية موسسها ومفكرها وزعيمها الاول والاخير ؛ الاستاذ الشهيد محمود محمد طه .

    ولد الاستاذ محمود محمد طه فى العام 1909 بمدينة رفاعة ؛ شرق النيل الازرق ؛ وتلقى تعليمه الاولى والمتوسط بمدينة رفاعة ؛ والتى رغم صغرها فقد كانت واحدة من اهم مدن السودان فى سبقها للتعليم الاهلى والعمل الاصلاحى ؛ والتى خرج منها المصلح الاجتماعى والتربوى الكبير الشيخ بابكر بدرى ؛ ثم التحق بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) ؛ كلية الهندسة ؛ والتى تخرج منها بتفوق فى العام 1936 ؛ و مارس عمله كمهندس بمصلحة سكك حديد السودان بمدينة عطبرة ؛ وقد كان ملتزما طوال عمله بعطبرة جانب العمال وصغار الموظفين السوداننيين فى مواجهة عنت وظلم الادارة الانجليزية ؛ وكان ذلك موقفا متفردا وسط كبار الموظفين والمهندسين ؛ وعاملا حاسما للدفع عن مصالح المستضعفين ؛ فى غياب التنظيم النقابى للعمال وصغار الموظفين . ثم ما لبث بحثا عن الاستقلااية ان استقال من عمله فى الحكومة فى العام 1941 ؛ ليمارس عمله الخاص بعد ذلك فى المجال الهندسى ؛ والذى مارسه حتى انطلاقة نشاطه السياسيى فى منتصف الاربعينات .

    فى اكتوبر 1945 ؛ عقدت مجموعة من الخريجين اجتماعا فى المقرن ؛ اسست فيه الحزب الجمهورى ؛ ثم عقدت أجتماعا آخر تم بموجبه توزيع مكاتب الحزب وقد وقع الإختيار على المهندس محمود محمد طه رئيسا له والأستاذ عبد القادر المرضى سكرتيرا ؛ وما لبث الاستاذ ان دخل فى مواجهات حادة مع الادارة الاستعمارية ؛ وتصاعدت الحملة لتصل الى اعتقال الاستاذ محمود وحكم عليه بالسجن لمدة عام بعد أن رفض التوقيع على تعهد شخصى بعدم العمل بالسياسة ولقد قاوم الأستاذ محمود قوانين السجن من الداخل بعدم الأنصياع لأوامر ضباط السجن كما أن صيامه المتواصل داخل السجن سبب مشاكل للان

    جليز حينما صوره الجمهوريون فى الخارج كإضراب عن الطعام لسوء المعاملة مما حدى بالحاكم العام لإطلاق سراح الأستاذ محمود بعد خمسين يوما ؛ تجنبا للمشاكل ؛ ثم ما مضى حين الا واعتقل مرة اخرى ؛ حيث قاد حملة تصعيد ضد الإنجليز إثر اعتقالهم امراة ؛ فى مدينة رفاعة ؛ لممارستها الختان الفرعونى تجاه ابنتها ليمضى حوالى العامين فى السجن ؛ ويخرج منه فى العام 1948 ؛ ليدخل فى خلوة بمدينة رفاعة استمرت حتى العام 1951؛ وقد خرج بعدها بشخصية دينية واضحة ؛ ومذهبية جديدة عرفت فى السودان بالفكرة الجمهورية .

    مارس الاستاذ من بعدها نشاطه السياسى والفكرى والتعليمى ؛ عن طريق الاشتراكات فى النشاطات الوطنية والتحررية ؛ فكان من المناهضين لقانون النشاط الهدام فى اوائل الخمسينات ؛ وغيره من القوانين المقيدة للحريات ؛و كما اتجه للكتابة الصحفية ؛ فكانت مقالاته ورسائله حول القضايا المحلية والاقليمية والعالمية تحتل صفحات الصحف الرئيسية فى الخمسينات ؛ومن بينها صحيفة الحزب القصيرة العمر ؛الجمهورية ؛ والتى استمرت لمدة 6 اشهر ؛ اضافة الى اصدارات الحزب الرسمية ؛ والى كتبه والتى بدا سيلها ينهمر منذ اوائل الستينات ؛ والتى توجها باصداره للكتاب الام للدعوة الجمهورية ؛ والذى ضمن فيه افكاره التجديدية والاصلاحية ؛ تحت عنوان : "الرسالة الثانية من الاسلام " والذى صدرت طبعته الاولى فى يناير 1967 ؛ وصدرت منه بعد ذلك اربع طبعات لاحقة ؛ وترجمة للانجليزية ؛ ودارت حوله الكثير من الدراسات والكتب ؛ والتى تراوحت ما بين الاطراء والتاييد ؛ ومحاولات النقد الهادف ؛ والهجوم السلفى عليها بدعوى الكفر والردة والالحاد .

    فى سياق ذلك ؛ فقد تعرض الاستاذ محمود الى المؤامرة الاولى تجاهه فى العام 1968 ؛ حيث رفع بعض ممن يسموا نفسهم برجال الدين قضية ضد الاستاذ محمود امام محكمة للاحوال الشخصية (المحكمة الشرعية ) يزعموا فيها بردته ؛ وقامت المحكمة فى غياب الاستاذ وتجاهله لها ؛ وكان ان حكمت بغلاظة وجهل بردته ؛ وبتطليق زوجته منه ؛ ودعت الى حل الحزب الجمهورى واغلاق دوره ومصادرة مملتكاته ؛ فى سابقة قد تكون هى الاولى فى العالم الاسلامى فى النصف الثانى من القرن العشرين .

    كان حكم المحكمة الشرعية سياسيا ؛ وقد كان جزءا من الحملة الفكرية والدعائية الى قادتها قوى الطائفية والظلام ضد ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ والتى اسست على استغلال الدين لاهداف سياسية ؛ فتم تحتها حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان ؛ ومطاردة وتحجيم الحركة النقابية ؛ وبناء ديكتاتورية مدنية باسم الدستور الاسلامى . ان اختيار الاستاذ محمود ليكون هدفا لحكم الردة لم يكن عبثا ؛ فقد كان من ابرز الناشطين فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ ومن اكثر الناقدين للطائفية وسياساتها ؛ ومن اكثر المتصدين لدعوات الهوس الدينى والظلامية المرفوعة من تنظيم الاخوان المسلمين ؛ فحق بذلك عليه غضب هذا الحلف غير المقدس من تجار الدين ومستغلى الشعب من قادة البيوتات الطائفية وانصارهم من الجهلاء وغلاظ القلوب ممن اسموا انفسهم زورا بعلماء الدين .

    بعد وصول انقلاب مايو 1969 الى السلطة ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ بما فيها نشاط الحزب الجمهورى ؛ فقد انتهى الحزب كتنظيم ؛ بينما ساند الاستاذ محمود ومؤيدوه النظام ؛ باعتباره انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية المعادية للديمقراطية والفكر ! وفى العام 1973 اعاد الاستاذ محمود تنظيم الحركة الجمهورية فى صورة جماعة ؛ اخذت اسم الاخوان الجمهوريين ؛ والتى مارست نشاطها الفكرى والدعائى منذ ذلك الحين عن طريق توزيع الكتيبات والنشرات والندوات فى الجامعات والمعاهد وما اسموه باركان الحوار فى الاسواق واماكن التجمعات العامة . وفى كل ذلك واصل الاستاذ تاييده المعلن للنظام حتى العام 1983 ؛ حيث تم الاختلاف بين النظام والجماعة ؛ وبدا الاستاذ محمود نشاطه المناهض لسياسات النظام الاصولية المتزايدة ؛ وتعرض وتعرض من جراء ذلك للاعتقال للمرة الثانية تحت نظام مايو قى اوائل يونيو 1983 ؛ بعد اصدارالجمهوريين لكتيب ينتقد مباشرة النائب الاول للنميرى : عمر محمد الطيب ؛ ليقضى فترة حبس دون محاكمة حتى 19/12/1984 ؛ حيث اطلق سراح الجمهوريين فى خطوة محسوبة ظاهرها العفو ؛ وفى باطنها تدبير مؤامرة جديدة تجاه الاستاذ ؛ الذى ما لبث بعد خروجه ان اصدر بيانا بعنوان "هذا او الطوفان" فى 25/12/1984 ؛ ينتقد فيه قوانين سبتمبر وجملة من سياسات السلطة ؛ فما كان من النظام الا اعتقاله مرة اخرى فى 5/1/1985 ؛ وتدبير محكمة – مهزله له واربعة من رفاقه ؛ قامت على قوانين امن الدولة مواد اثارة الكراهية ضد الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم ؛ وقد رفض الاستاذ محمود مطلق التعامل معها ؛ وحكمت المحكمة على المتهمين بالاعدام . ورفع الحكم الى محكمة الاستئناف ؛ والتى لم تناقش جوهر اللقضية وانما اضافت لها اتهاما بالردة ؛ وهى جريمة لا ينص عليها القانون ؛ وايدت الحكم ؛ الذى رفع الى السفاح نميرى ؛ الذى لم يؤيد فحسب وانما اضاف اتهامات جديدة وبينات جديدة ؛ فى خرق واضح للقواعد القانونية والقضائية ؛ واعطت نحكمة الاستئاف ةتاييد السفاح لبقية المتهمين حق التوبة ؛ بينما حجبته عن الاستاذ ؛ مما يوضح سؤء النية وابعاد المؤامرة التى كان غرضها تصفية الاستاذ ؛ الامر الذى تم فى صبيحة الجمعة الحزينة ؛ فى 18 يناير 1985 .وتم نقل جثمانه بطائرة هيلكوبتر حيث تم دفنه بمكان مجهول فى الصحراء شمال غرب ام درمان .

    كان اغتيال الاستاذ محمود ؛ الشيخ البالغ من العمر 76 عاما ؛ واحد مؤسسى وقادة الحركة الوطنية السودانية ؛ وواحدا من ابرز المفكرين السودانيين ؛ ماساة دامية على جبين عصرنا؛ وعلامة لا تقبل الجدل على الانحطاط الاخلاقى والعجز الفكرى والجبن السياسى لمناهضيه من السلفيين ونظام نميرى . فقد تميز الاستاذ محمود ؛ على عكسهم ؛ فى طول حياته ؛ بسعة الافق والتسامح الشخصى مع مناهضية ؛ والحوار الراقى والجدل الفكرى مع اطروحاتهم ؛ والنشاط السلمى والبعد عن اى مظهر للعنف ؛ فى ظل التمسك التام بافكاره ومبادئه ؛ رغما عن سؤء الفهم العام وتشويهات السلفيين لها. ومارس حياة متقشفة زاهدة ؛ ولم يستفد من دعم مناصرية وايمانهم المطلق بشخصة ورسالته ؛ فى جلب مكسب مادى لشخصه ؛ كما انه وطوال سنوات تاييده ومسايرته لمايو لم يسع الى مكسب مادى من ذلك التاييد وتلك المسايرة ؛ وحين اتت محاكم النظام الجائرة بحكم مصادرة مملتكاته ؛ لم يجد المنفذون ما يصادرون غير سرير خشبى شعبى –عنقريب- وبضع بروش ؛ ومنزل مبنى من المواد البلدية – الطين والجالوص - ؛كان فى حقيقته بيتا للجماعة اكثر منه ملكا شخصيا للاستاذ ؛ وحزمات من الكتب والمخطوطات احرقوها فى شوارع الخرطوم ؛ فى ممارسة اعادت للاذهان تجارب النازية فى حرقها للكتب ؛ كمظهر اعمى للعداء الثقافة والفكر والعجز عن الحوار .

    ان الاستاذ محمود محمد طه ؛ وغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع اجتهاداته الفكرية والدينية ؛ وغض النظر عن تقييمنا لمجموعة من مواقفه السياسية ؛ يبقى معبرا رئيسيا لكرامة الفكر والمفكرين فى السودان . ومثالا حيا ابد الدهر ؛ للشجاعة المرتبطة بالوعى ؛ ورمزا متميزا عن الانتهازيين من الساسة والمفكرين ؛ والذين يبدلوا مواقفهم كما يبدلوا ملابسهم ؛ ويذبحوا المبادى الغالية على اعتاب السلطة ؛ وينكسروا امام جهل الجمهور او تحريضات الجهلة او عنف الخصوم . ان محمود على غرابة افكاره وعلى جراة تجديده وعلى اشكالية مواقفه الاجتماعية والسياسية ؛ قد وجد الاحترام والتقدير من العديد من مفكرى السودان والعالم ؛ فلم يكن غريبا ان يكتب عنه الشاعر الفذ محمد المهدى المجذوب ؛ عند اعتقاله الاول فى كوبر ؛ ممجدا لصمود محمود ؛ ومستنكرا ان تضم جدران كوبر الضيقة تلك الهامة الفارعة ؛ ولم يكن غريبا ان يكتب الاستاذ عبدالله الطيب ؛ وهو من هو من من سلفية الافكار والمواقف ؛ قصيدة رثاء حارة ينعيه فيها بعد استشهاده ؛ ولم يكن غريبا ان يرفعه فى سلم التقدير درجات قادة اليسار الماركسى فى السودان ؛ وهو الذى نقدهم – فكريا – بصورة جذرية ؛ كما لم ينقدهم احد فى السودان ؛ حيث شبه الاستاذ محمد ابراهيم نقد استشهاده ببطولة فرسان القرون الوسطى ؛ وباستشهاد ود حبوبة وابطال النضال الوطنى . وليس غريبا ان يستلهم تراثه ومواقفه وشخصه ؛ العديد ممن لا تربطهم بالفكر الجمهورى صلة ؛ وتربطهم بالاستاذ محمود الف صلة وصلة .

    ان كاتب المقال الحالى ؛ قد تناول شخص الاستاذ محمود ومواقفه فى غير هذا المجال ؛ ونحاول فى عملنا الحالى ؛ ان نستخلص القيمة الكامنة فى نشاط الاستاذ ؛ ليس بالتبجيل والتقديس الاعمى ؛ كما درج بعض تلاميذه ؛ ولا بالرفض والتشويه المغرض ؛ كما درج على ذلك اعداؤه ؛ وانما بالتحليل والنقد الواعى ؛ لتنقيح الايجابى والسلبى من تراثه ؛ واستخلاص الحكمة الباقية من سيرة حياته وجهاده ؛ و فكره واستشهاده ؛ فى جهد نؤمن بانه لو تواصل ؛ فسيكون هو التقدير الحقيقى للاستاذ ؛ والمواصة الحقيقية لرسالته ؛ فى اعلاء راية الفكر والبحث عن الحقيقة والبحث عن بديل يسعد الفرد ويصلح من حال الوطن والشعب .

    الحركة الجمهورية :

    البدايات والنمو والتطور :

    بدأت الحركة الفكرية –الدينية –السياسية التى عرفت لاحقا بحركة الاخوان الجمهوريين ؛ بدات نشاطها كاحد اوائل الاحزاب السياسية السودانية فى النصف الثانى من الاربعينات ؛ باسم الحزب الجمهورى تحت قيادة المهندس محمود محمد طه ؛ والذى عرف لاحقا بالاستاذ ؛ وهو اللقب الذى اطلقه عليه مؤيديه ؛ وانتهى نشاطها الرسمى ؛ فى العام 1985 ؛ فى اعقاب المحكمة الجائرة واعدام مؤسسها وقائدها فى يناير 1985 ؛ فى واحدة من اكبر مآسى الفكر والحرية فى تاريخ السودان الحديث .

    ان الحزب الجمهورى الذى تاسس فى اكتوبر 1945 ؛ قد كان من اوائل الاحزاب السياسية السودانية التى يمكن ان نطلق عليها حركات القوى الجديدة ؛ فقد تناءى منذ قيامه عن الطائفية ؛ وقام على اكتاف مجموعات من المثقفين والخريجين والطلاب ؛ وهى القاعدة التى ظل يستقى منها نفوذه ؛ والتى انحصرت فيها الحركة الجمهورية ؛ حيث لم تتوسع الى صفوف العمال والمزارعين ؛ الامر الذى نجحت فيه بمقدار الحركة اليسارية ؛ والتى عاصرته فى النشاة ؛ كما ان الحزب قد قام واستند طوال تاريخة ؛ ومن بعد ذلك استندت الجماعة ؛ على النفوذ العظيم للاستاذ محمود محمد طه ؛ والذى كان القائد الفكرى والسياسى والروحى للحزب ؛ ومن بعد ذلك لجماعة الاخوان الجمهوريين .

    ان المتابع للتاريخ الحديث لا بد ان يقر بالدور الايجابى الذى لعبه الحزب الجمهورى عشية الاستقلال ؛ فقد نشأ هذا الحزب على اسس وطنية واضحة ؛ وتناءى عن دعوات الوحدة تحت التاج المصرى التى قامت عليها دعاية الاحزاب الاتحادية ؛ كما ناهض حزب الامة المؤيد حينها للادارة الانجليزية تحت شعاره المخادع : " السودان للسودانيين " ؛ كما عارض بصورة واضحة الدعوة الملكية المضمنة فى خطاب حزب الامة والانصار ؛ طارحا بديلا جديدا هو الجمهورية السودانية المستقلة . ولقد ارخ الاستاذ احمد خير المحامى لذلك فى كتابه الرائد " كفاح جيل " ؛ فكتب الاتى عن الحزب الجمهورى :

    "ولما وضحت معالم الخلاف واشتد وطيسه بين الاتحادية والانفصالية ؛ نشأ الحزب الجمهورى ؛ وهو حزب ينادى باستقلال السودان عن مصر وانجلترا على السواء ؛ وقيام جمهورية سودانية . ولقد همس بالفكرة جماعة من انصار الوضع الحاضر ؛ وكانت تبدو حلا وسطا وقنطرة يلتقى عندها دعاة الوحدة والوئام من صفوف الفريقين ؛ ولكنها لم تلق رواجا لان اساسها انفصالى . وبعد فترة من الزمن نادى بها رئيس واعضاء الحزب الجمهورى القائم الان .

    لقد برهن رجال الحزب الجمهورى على صدق عزيمتهم وقوة ايمانهم ؛ لذلك يتمتعون باحترام الجميع . كما برهن رئيسهم على اخلاص وصلابة وشدة مراس ؛ ولعل هذه الاسباب هى نفسها التى جعلتهم يقفون فى عزلة وانفراد ؛ غير ان شدة العداء بين الجمهوريين وحزب الامة ؛ قدم دليلا جديدا لعله الاقطع على انطواء الاخيرين على فكرة الملكية . فالحزبان استقلاليان ؛ ولما لم يكن بين الجمهورية والملكية توسط ؛ كان من البديهى ان ان تقوم الملكية فى الجانب الثانى ؛ بعد ان قامت الجمهورية فى الاول ؛ والا لما كان هناك مجال لعدم التعاون او الاندماج "

    ان الكلمات السابقة لا تحمل اى مبالغة ؛ فقد اشترك الجمهوريون فى كل النشاطات الوطنية من اجل الاستقلال ؛ كما تعرضوا للملاحقة والسجن من جراء نشاطاتهم هذه ؛ واعتقل وحوكم وسجن الاستاذ محمود مرتين ؛ فى المرة الاولى لمدة خمسين يوما ؛ اطلق سراحه بعدها بعد التضامن الواسع الذى لقاه من مواطنى مسقط راسه رفاعة ؛ومؤيدى الحزب الجمهورى وناشطى الحركة الوطنية ؛ وفى المرة الثانية لمدة اطول ؛ خرج بعدها الاستاذ محمود ليدخل فى خلوة استمرت قرابة العامين ؛ ليخرج منها بافكاره الدينية التى كونت لب الدعوة الاصلاحية اللاحقة ؛ والتى عرفت بها الفكرة الجمهورية .ان الجمهوريين الذين يرصدون تلك المواقف فى تاريخهم للحركة فى هذه الفترة ؛ يزعموا ان الاستاذ محمود هو اول سجين سياسيى فى السودان ! وقد يكون رايهم صحيحا ؛ اذا ما اضافوا : بعد معتقلى الغزوالانجليزى المصرى من ثوار المهدية ؛ ومساجين مختلف التمردات والثورات ضد المستعمر الانجليزى ؛ و بعد ثورة 1924 ؛ والتى امضى قادتها السنين الطوال فى سجون المستعمر ؛ واستشهدوا بها ؛ ومن بينهما زعيمى الحركة عبيد حاج الامين و على عبد اللطيف ؛ والذى استشهد الاول منهما سجينا فى العام 1933والثانى فى العام .. 1948 ؛ فى محبسه الاخير بمصحة العباسية بمصر ؛ بعد 24 عاما من انطلاق الثورة .

    اننا فى تاريخنا للحركة الجمهورية ؛ نرصد انها قامت على اسس سياسية وطنية ؛ وفق برنامج ليبرالى واضح ؛ وان الحزب قد تجمد عمليا فى نهاية الاربعينات ؛ وذلك بدخول رئيسه فى خلوته ؛ وذلك حتى العام 1951 ؛ وهو عام خروج الاستاذ من خلوته حيث بدات النزعات الدينية تظهر فى خطاب الاستاذ والحزب ؛ وتتاسس عليها ايديولوجيته الجديدة . ان الحزب سيواصل نشاطه طوال الخمسنينات فى معركة الاستقلال والحريات ؛ وفى مناهضة الاحزاب والسياسات الطائفية ؛ الا انه سيظل حزبا صغيرا ؛ غائبا عن التاييد الشعبى ؛ رغم التقدير العظيم والاحترام الكبير لقائده على مستوى المثقفين وناشطى الحركة السياسية ؛ وسيستمر فى النشاط حتى انقلاب الفريق عبود فى العام 1958 ؛ والذى حل جميع الاحزاب السياسية ؛ ليدخل الحزب فى تجميد جديد لنشاطه ؛عدا عن اخراج اصدارات متقطعة لمحمود ؛ منها الكتيب الرائد فى دعوتهم " الاسلام " ؛ والذى صدر فى العام 1960 ؛ عقب فصل ثلاثة من الطلبة الجمهوريين من المعهد العلمى ؛ والضجة والتشويه الذى دار فى ذلك المعهد عن الفكرة الجمهورية ؛ وقيما عدا ذلك فقد سجلوا سلبية واضحة وغيابا شبه تام عن العمل السياسى ؛ حتى ثورة اكتوبر 1964.

    بعد ثورة اكتوبر واصل الجمهوريون نشاطهم ؛ فى اطار الحزب الجمهورى الذى اعاد تكوين نفسه ؛ وتركز نشاطهم على دعم ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ ومحاربة سياسية القوى الطائفية المعادية للديمقراطية ؛ وعلى عملهم الفكرى والدعائى فى نشر وتعميم دعوة الاستاذ محمود التجديدية والاصلاحية ؛ فكان اشتراكهم فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ وفى الكتابة الصحفية ؛ وشهدت هذه الفترة اصدار مجموعة من اهم كتبهم ؛ والتى تحوى الدعوة التجديدية للاستاذ محمود ؛ ك" رسالة الصلاة " يناير 1966 ؛ و " طريق محمد " مارس 1966 ؛ و"الرسالة الثانية من الاسلام " المشار اليه قبلا ؛ و " الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين "يناير 1969 ؛ وغيرها . كما اسهموا فى النقاش والصراع حول مختلف القضايا السياسية المحلية والعالمية ؛ فكانت لهم رؤيتهم لمشكلة الشرق الاوسط ؛ وتميزوا بموقف مضاد للناصرية والكتلة الشيوعية ؛ كما تصدوا لدعوة الدستور الاسلامى المطروحة من قبل الاحزاب الطائفية والاصولية بالمعارضة والنقد والتحليل ؛ اضافة الى التصدى للدعاية السلفية والاصولية لحركة الاخوان المسلمين الناهضة حينها ؛ وكان لهم اسهامهم فى معارك حماية الدستور والحقوق الاساسية ؛ فى ظل موقف واضح ومبدئى من الاحزاب الطائفية وقيادتها وسياساتها وحكوماتها .

    من الحزب الى الجماعة

    جدل الدينى والسياسى فىصيرورة الحركة :

    بعد قيام انقلاب مايو فى العام 1969 ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ تعطل الحزب الجمهورى ؛ وابتعد قائده واعضاؤه عن ساحة النشاط العام ؛ رغم ترحيبهم بمايو واعتبارها انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية ؛ ليعودوا وينظموا انفسهم من جديد ؛ فى العام 1972 ؛ ليس كحزب سياسى هذه المره ؛ وانما كجماعة دينية –اجتماعية –تربوية اطلقت على نفسها وفكرها ابتداءا اسم الدعوة الاسلامية الجديدة ؛ ثم ما لبث ان تحولت عنه الى الاخوان الجمهوريين ؛ وهو الاسم الذى عرفت به من ذلك الحين ؛ والذى لا يزال قيد الاستعمال ؛ وان كان بعض اتباع الفكرة قد تخلى عنه بعد التوقف شبه الرسمى لنشاط الجماعة بعد استشهاد الاستاذ ؛ ويفضلوا ان يستعملوا بديلا عنه اسم الحركة الجمهورية ؛ للدلالة على مجمل تراث الجمهريين ؛ فى تحولاتهم التنظيمية المختلفة ؛ ويطلقوا على اغلب التراث الفكرى الذى خلفه محمود ؛ وانجزته الحركة فى تطوراتها المختلفة ؛ اسم الفكرة الجمهورية .

    ان اعادة تاسيس الحركة باسم الاخوان الجمهوريين ينبع فى اعتقادنا من سببين رئيسين ؛ الاول منهما سياسى ؛ وهو عدم سماح النظام المايوى لاى شكل من اشكال النشاط السياسى المستقل خارج اطار مؤسساته الواحدية ؛ والتى كانت حينها ذات طابع علمانى واضح ؛ فى الوقت الذى تسامح فيه الى حد كبير مع قيام ونشاط الكثير من الحركات الدينية على اختلاف مشاربها ؛ بدءا من الحركات والتجمعات الصوفية الصغيرة والمتعددة ؛ مرورا بحركة انصار السنه السلفية ؛ وانتهاءا بحركة الجمهوريين التجديدية . ان نظام مايو بهذا الشكل كان يرمى الى تحييد هذه القوى او الى جلبها لمواقع التاييد له ؛ مقابل السماح لها بنشاطها" الدينى"–التعبوى . ومن الجهة الاخرى فقد كان يلعب على تناقضاتها ويستخدمها بذكاء فى مناوراته السياسية ؛ ضد بعضها البعض او ضد اطراف اخرى ؛ مع عدم قطع شعرة معاوية مع اى منها . ان اختيار الاستاذ محمود اذن لشكل الجماعة الدينية قد كان فيه قراءة واقعية لمجال العمل المتاح ؛ فى نفس الوقت الذى كان فيه تقبل النظام لاعادة تاسيس الحركة ونشاطها نابعا من قرائته لها كجماعة صغيرة محدودة التاثيرشعبيا وغير مضرة سياسيا ؛ وهى فى المحصلة مؤيدة له .

    الا ان السبب الاساس يكمن فى اعتقادنا فى طبيعة التحولات الفكرية التى تراكمت فى مسيرة الاستاذ محمود ؛ والتحولات الاجتماعية التى طرات على تركيبة الحركة ؛ وفى مجمل الكيان الاجتماعى السودانى ؛ لتحول الحركة من تنظيم وطنى سياسى معاد للاستعمار الى حركة دينية وتربوية وربما صوفية فى المقام الاول ؛ كما استقرت عليه الحركة فى العقد الاخير لنشاطها .

    ان النزعات الدينية فى شخصية الاستاذ قد كانت ظاهرة منذ البدء ؛ بل ان حتى حملة التضامن مع امراة رفاعة قد فجرت من داخل المساجد ؛ اضافة الى المسلكيات الدينية والصوفية للاستاذ فى فترة السجن وفى خلوته الطويلة ؛ حيث مارس الاستاذ الصيام بكثافة فى فترة السجن ؛ الامر الذى فسره بعض مؤيدوه وناشطى الحركة الوطنية كاضراب عن الطعام وشكل من اشكال مقاومة الاستعمار . الا ان دخول الاستاذ فى خلوة لمدة عامين بعد خروجه من السجن والتعطيل العملى لنشاط الحزب فى هذه الفترة ؛ والشخصية الدينية الطاغية التى خرج بها الاستاذ بعد انتهاء خلوته ؛ قد وسمت الحركة بهذا الطابع الدينى المتزايد ؛ والذى تجلى فى اول خطاب للاستاذ حول الحزب الجمهورى ومبادؤه بعد خروجه من خلوته ؛ حيث ابرز المبادى السياسية التى يقوم عليها الحزب ؛ فراى المهمة الاولى فى الجلاء ؛ واوضح موقفا مستقلا من القائلين بالتعاون مع الاستعمار البريطانى ؛ والداعين الى التعاون مع مصر ؛ و دعا الى زمالة جهاد مع المصريين ؛ لا الى زمالة وحدة او اتحاد ؛ واوضح معالم سياسة الحزب فى الدعوة للجمهورية السودانية ؛ التى تتطلب ضم كل الصفوف ؛ لانجاز الجلاء التام ؛ واقامة الجمهورية السودانية التى تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والحرية الفردية .

    الا ان هذه المبادى السياسية الواضحة ؛ قد ارتبطت بفكرة دينية منذ البدء ؛ حيث شن الاستاذ هجوما فكريا مكثفا على الانظمة الراسمالية الغربية ؛ والانظمة الشيوعية ؛ والتى ارجعها الى مصدر واحد هو المادية الغربية ؛ ودعا الى بديل جديد هو الديمقراطية الشعبية ؛ والتى راى فلسفتها الاجتماعية فى الاسلام ؛ لانه الفلسفة التى جمعت بين الروح والمادة ؛ والقادرة على تحقيق الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية .

    كما راى الاستاذ فى نفس الخطاب ان الوحدة الوطنية وجمع الصفوف لا تتم الا تحت راية الاسلام ؛ والذى راى فيه الفكرة الجامعة ؛ والمدخل للحكم الصالح ؛ والحافز للجهاد الصادق ؛هذا الجهاد الذى ينتهى باحدى الحسنيين ؛ اما شرف الشهادة ؛ او عزة النصر .

    ان الاستاذ يختم خطابه بالقول " ان حركتنا الوطنية لا يمكن ان تحقق طائلا الا اذا جمعت اشتات الفرق ؛ والطوائف ؛ والاحزاب ؛ ايضا ؛ حول الفكرة الخالدة التى جاء بها الاسلام ؛ والتى اشرت اليها انفا ؛ والتى اجتمع عليها اوائلنا ؛ فحققوا العزة ؛ والحرية والعدل ؛ ولن تجد سودانيا واحدا يتخلف عن دعوة تجمع بين عز الدنيا ؛ و شرف الآخرة .." ( التلخيص والفقرة المقتبسة من :البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى فى الاجتماع العام للحزب ؛ الخرطوم ؛ 30-10-1951 ؛ المصدر : مكتبة الفكرة الجمهورية ؛ فى صفحة الانترنت : http://www.alfikra.org)

    ان قراءة تحليلية لهذا الخطاب؛ والذى يشكل احدى الوثائق الاولى للحركة ؛ اضافة الى السفر الاول للجمهوريين (بمثابة وثيقة التاسيس ) ؛ توضح جملة حقائق رئيسية ؛ هى :

    1. ان الدعوة الجمهورية هى دعوة فكرية ؛ حملت منذ تاسيسها مبادى سياسية راقية ؛ من دعوتها الى الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية ؛ فى ظل جمهورية سودانية فدرالية ؛ وفى موقف واضح من رفض الانزلاق لمساندة طرفى الحكم الاجنبى ؛ والذى تورطت فيه الاحزاب الطائفية والاتحادية ؛ مع موقف مصادم من الاستعمار ؛ ومطلب واضح فى الجلاء التام .

    2. ان هذه الدعوة قد ارتبطت منذ البدء بموقف سلبى حاسم ؛ من المؤسسات والنظم السياسية الغربية ؛ فى صورتها الراسمالية اوالشيوعية ؛ ودعت الى فكرة اسلامية بديلة عنهما ؛ رات انها تؤدى الى تحقيق نظام الحكم الصالح القائم على تحقيق الحرية الفردية والعدالة الاحتماعية .

    3. ان الدعوة الاسلامية للاستاذ فى مطلعها ؛ ورغم بعض الملامح التجديدية ؛ الا انها قد كانت تقليدية وسلفية الى حد كبير ؛ كما قامت على حشد الشعور الوطنى من مواقع الحماسة الدينية ؛ كما تجلى ذلك عمليا فى حملة الدفاع عن امراة رفاعة ؛ و نظريا فى الخطاب المشار اليه .

    4. ان هذه الدعوة ؛ قد قامت على اسس تؤدى عمليا الى تديين السياسة ؛ والى استبعاد غير المسلمين من اطار الفكرة والحركة ؛ اللهم الا اذ تقبلوا الاسلام كحل وفلسفة ونظام للحكم ؛ الامر الذى طرحته الحركة فيما بعد كبديل شامل للانسانية .



    اننا فى مقال آخر (تاملات فى افق المعرفة والشهادة ؛ فى موت وحياة محمود محمد طه ) ؛ قد ذهبنا الى ان قيام الحركة فى وقت تصاعد فيه النضال ضد الاستعمار ؛ وبدا فيه نمو الاحزاب والتيارات الفكرية والسياسية ؛ قد فرض عليها شكلا من النشاط السياسى والتنظيمى بدات وانطلقت منه ؛ وهو شكل الحزب السياسى ؛ ونضيف هنا ان شخصية الاستاذ الصوفية ؛ وتوجهاته الدينية ؛ قد جرت الحركة تدريجيا الى مواقع دينية تتعزز باستمرار ؛ حيث سيتضائل العامل السياسى الاول بجلاء الاستعمار ومجى الحكومات الوطنية ؛ وخصوصا تحت الانظمة العسكرية ؛ فى مقابل توجه اكثر نحو الجانب الدينى . ان ما يثير الاهتمام هنا هو هجر الحزب الجمهورى للعملية الانتخابية ووسائل الحشد و النشاط الجماهيرى العام ؛ منذ تحقيق الاستقلال ؛ وهى الاشكال التقليدية للممارسة السياسة ؛ والتركيز فى المقابل على العمل الفكرى والتربوى ؛ والمخاطبة الشخصية ؛ مع الاحتفاظ بالحد الادنى من الروابط التنظيمية ؛ والتى كفلت لحزبهم فى البدء ولجماعتهم من بعد سبل البقاء والحركة والانتشار ؛ الامر الذى ااستمر حتى استشهاد الاستاذ والحل شبه الرسمى للحركة .

    اننا هنا لا نملك الا ان نعلق على التسمية التى اختارها الجمهوريون لتنظيمهم ؛ بعد خروجهم من مرحلة الحزب ؛وهى تسمية : الاخوان الجمهوريين . فالتسمية فى شكل ما تؤكد الطبيعة الدينية للتنظيم ؛ كونهاغالبا تعتمد على مرجعية الحديث النبوى الذى يستشهد به الجمهوريون كثيرا ؛ والقائل : " وا شوقاه لاخوانى الذى لم ياتوا بعد !! قالوا: او لسنا اخوانك يا رسول الله ؟ قال: بل انتم اصحابى..الخ " . اننا لا ننفى هنا ايضا امكانية التاثر و/او المعارضة فى آن بتجربة وتسمية الاخوان المسلمين القديمة والراسخة ؛ وهى الحركة ذات الاصول الدينية الاكثر ديناميكية ونشاطا فى البلدان العربية والبلدان ذات الاغلبية الاسلامية فى الاربعينات والخمسينات ( وقت تاسيس الحزب الجمهورى ) ؛ وفى السودان فى الستينات والسبعينات ( عند الانتقال الى مرحلة الاخوان الجمهوريين) . وفى الحقيقة فان مقارنة هاتان الحركتان توضح انهما قد تطورتا فى اتجاه مناقض ؛ فحين بدا الجمهوريون كحزب سياسى ؛ ما لبث مع الزمن ان تحول الى حركة دينية تجديدية وتربوية ؛ فان حركة الاخوان المسلمين قد قامت فى البدء كحركة اصلاحية تربوية دينية ؛ لكيما تتحول مع الايام الى حركة سياسية صرفة ؛ تمارس السياسة وتدخل اليها من اردأ ابوابها .

    نقطة اخرى تستحق التعليق فى التسمية ؛ وهى طابعها الذكورى الواضح ؛ للدلالة على مجمل التنظيم ؛ فرغم ان الجمهوريين فى حديثهم عن عضواتهن من النساء قد كانوا يرمزوا اليهن بالاخوات الجمهوريات ؛ الا ان تسميتهم للتنظيم ككل قد كانت ذكورية بحته : الاخوان الجمهوريين . ان هذا الموقف يوضح حجم القيود التى تضعها آليات الفكر الدينى والنصوص المرجعية الدينية حتى على حركة تدعى لنفسها التجديد فى فهم وطرح الاسلام ؛ وعلى الطابع المحدود والمحافظ لتقدمية الحركة فى مجال موقفها من المراة ؛ والذى نتمنى ان نناقشه لاحقا فى ثنايا هذ المقال .

    محاولة للتشريح الاجتماعى

    من هم الاخوان الجمهوريين :

    رغما عن عدم توفر احصائيات لنا وتحليلات اجتماعية وفئوية لعضوية الاخوان الجمهوريين ؛ ورغم التقلبات التى طرات على الحركة من بدايتها كحزب وطنى متطرف ؛ وانتقالها الى حزب سياسى –دينى ؛ وانتهاءها الى جماعة دينية تربوية فى المقام الاول ؛ ورغما عن طول الفترة الزمنية التى يغطيها مقالنا (اربعين عاما ) ؛ والتغير الطبيعى فى تركيب الحركة بين الاجيال والافراد ؛ وغيرها من العوائق الموضوعية ؛ الا اننا فى هذه الفقرة نغامر بمحاولة للتشريح الاجتماعى ؛ لمعرفة الاصول الاجتماعية والفكرية لللاخ الجمهورى ؛ من هو الاخ الجمهورى ؛ وما هى جملة الخلفيات الاجتماعية والفكرية التى جعلت مجموعات من النساء والرجال عبر اربعين عاما تنتمى الى هذه الحركة المتفردة فى مجال السياسة والفكر فى السودان ؟

    ان متابعة بسيطة وشخصية لحركة الاخوان الجمهوريين فى اواخر السبعينات والنصف الاول من الثمانينات ؛ فى مدينة عطبرة ( والتى قد تكون مثالا نموذجيا لمراكز تجمعات ونشاط الجمهوريين ) ؛ قد اوضحت لنا ان الاغلبية العظمى من مؤيدى الفكرة الجمهورية قد كانت تتكون من شريحة المثقفين ؛ ونعنى هنا تحديدا الطلاب ؛ صغار المثقفين ؛ المعلمين ؛ الخ . اى بلغة اخرى ؛ هى شريحة تنتمى الى فئة الافندية السودانية ؛ او لو شئت المصطلحات الطبقية فهى تنتمى الفئات المثقفة والمحدودة الدخل من الطبقة الوسطى السودانية . اننا نلاحظ قلة عدد الجمهوريين وسط جماهير العمال والمزارعين ؛ وربما انعدامهم وسط الرعاة . اننا اذا سلمنا بالصفة التمثيلية للجمهوريين فى مدينة عطبرة ؛ واذا استتثنينا المخضرمين من الجمهوريين ممن تابعوا الحركة منذ بدايتها ؛ ومجموعات الاطفال والايافع الذين انتموا الى الحركة من منطلق التاثير الاسرى ؛ فيمكننا ان نرصد ان الحركة ؛ فى فترة السبعينات والثمانينات على الاقل ؛ قد كانت حركة تضم شرائح المثقفين المدينيين الشباب ؛ والمثقفين من ذوى الاصول الريفية القريبة من المدن ؛ او الذين عاشوا ودرسوا بالمدن ؛ من بنات وابناء وسط وشمال السودان .

    ان هذه الشريحة من الشباب المدينى المثقف قد كانت دائما فى واقع السودان الاكثر ديناميكية وفعالية على مستوى النشاط الفكرى والسياسى ؛ وان كان اتجاه ميولاتها قد انقسم طوال الفترة مدار البحث ما بين التيارات والاتنظيمات اليسارية والسلفية ؛ مع هامش صغير وسطها داعم للاحزاب التقليدية ؛ هذا اذا استثنينا بروز ظاهرة المستقلين وسط تالطلاب فى السبعينات والثمانينات لظروف متعددة ليس هنا مجال ذكرها . فاين هو موقع الاخوان الجمهوريين وسط هذا التقسيم العام ؟

    فى اعتقادى ان الشباب من الجمهوريين ؛ وقد تلقوا قسطا من التعليم الاكاديمى والوعى بما يسمح لهم بتجاوز الاطر الطائفية فى الفكر والؤلاء ؛ فقد ووجهوا باختيار مؤلم ومعادلة صعبة ؛ وهم ينظروا الى الساحة السياسية والفكرية حينها ؛ ما بين التوجه والانضمام الى التنظيمات السلفية والاصولية ؛ وهى التى طرحت لفترة طويلة فكرا جامدا ومسطحا ؛ لا يجيب على الكثير من التساؤلات الاجتماعية ولا يستوعب ضرورات العصر ؛ والتغييرات المختمرة فى احشاؤء المجتمع السودانى ؛( فى تلك المرحلة من تطوره) ؛ وبين التوجه الرايكالى الثورى للتنظيمات اليسارية على اختلاف مشاربها ؛ والتى بتركيزها على قضايا سياسية واجنتماعية جذرية ؛ وبطابعها العلمانى الواضح ؛ لم تكن قادرة على اختراق البنية والخلفية النفسية والفكرية التقليدية لشباب منحدرين من بيئة تقليدية دينية ؛ واغلبهم ذو الرتباطات ريفية ؛ مليئة بالكثير من الافكار والمفاهيم والارث التقليدى والصوفى ؛ الامر الذى يكثر وجوده فى ريف وحضر شمال ووسط السودان .

    بهذا المعنى ؛ فان الفكرة الجمهورية والحركة الجمهورية قد كانت اختيارا نموذجيا وحلا وحيدا ؛ فى غياب وجود حركة ليبرالية وسطية قوية ومستقرة فى الفضاء السياسى ؛ لشرائح من الشباب المتعلم والحساس ؛ ممن لم تكسر بعد حواجزها الاخيرة مع التقليدى ؛ وفى نفس الوقت كفت عن ان تتقبله كاملا . انه اختيار وسطى بجدارة ؛ بين سلفية الاخوان المسلمين والتى قدمت اجترارا مريضا لفكر السلف ؛ وان بواجهات حديثة ؛ وبين راديكالية الحركات اليسارية والثورية ؛ والتى افترضت درجة اكبر واكثر حدة من الانقطاع عن الفكر والخلفية والبينية التقليدية لمجتمع شمال السودان ؛ ودرجة اوضح من الالتزام التنظيمى والسياسى .

    ان الفكر الجمهورى قد كان هو البديل المتاح حينها عن هذه المعادلة الصعبة ؛ حيث كان يهدف الى تطويع الدين مع متغيرات الحياة العصرية ( قدمنا الاسلام فى المستوى العلمى الذى يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ) " بيان : هذا او الطوفان" .ان الفكرة الجمهورية ؛ كدعوة دينية تجديدية ؛ مطعمة بعناصر صوفية ؛ وملطفة بعناصر اخلاقية ؛ وكحركة اصلاح اجتماعيى داعية الى طريقة سلمية للتغيير قائمة على تربية الافراد والاصلاح الاجتماعى ؛ وليس عن طريق اجراء تغييرات ثورية مرتبطة غالبا بشكل من اشكال الممارسات العنيفة ؛ (ثورة ؛ انقلاب ؛ مصادمات مسلحة ) ؛ كما كان الامر فى كل من ايديولوجية الاخوان المسلمين واليساريين ؛ قد كانت تشكل الملجا الوحيد لهذه الفئة الوسطية المتارجحة ما بين الارث التقليدى المتراكم وطموح الحداثة وتياراتها الجارفة .

    اننا نزعم انه فى طبيعة الخلفيات التقليدية للشرائح المتعلمة السودانية ؛ وابوية وسلمية التكوينات الاجتماعية فى شمال السودان ؛ وطابع التعليم الذى تتعايش فيه المتناقضات من المفاهيم العلمية والخرافات الشعبية ومؤثرات الفكر الدينى ؛ تكمن الاسباب التى تحفز على قيام حركة مثل حركة الاخوان الجمهوريين ؛ وعلى انضمام الفئات المذكورة الى صفوفها ؛ رغما عن كل الحديث الصفوى عن الذكاء والاذكياء فى فهم الاسلام والعصر ؛ والذى كان يبرر به الجمهوريون اختياراتهم الفكرية والسياسية .

    اشكال النشاط والدعوة

    الطابع السلمى والاتصال الفردى :

    لقد تميز نشاط الاخوان الجهوريين بتفرد مميز ؛ طوال سنوات نشاطهم ؛عن بقية تيارات الحركة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ فى مجال الدعوة والتنظيم ؛ مما يمكن اجمالها فى التالى :

    · انعدام النشاط المعارض او التصادم مع السلطات .

    · الطابع السلمى للنشاط والدعوة .

    · الاتصال الفردى والمخاطبة الشخصية فى كسب التاييد .

    ان الخاصية الاولى ؛ ورغم النشاط المصادم للجمهوريين ؛ والاستاذ محمود شخصيا ؛ ضد الحكم الاستعمارى ؛ وضد نظام مايو بعد قوانين سبتمبر ؛ الا انها تبدو لنا واضحة خلال موقفهم من نظامى الفريق ابراهيم عبود 1958-1964 ؛ ومن نظام جعفر نميرى 1969-1983 ؛ حيث انعدم نشاطهم المعارض طوال سنوات حكم الفريق عبود ؛ رغم المضايقات التى كانوا يتعرضوا لها ؛ ضمن بقية مكونات القوى الفكرية والسياسية ؛ ومجمل قطاعات الشعب السودانى . بل ان الاستاذ محمود قد وجه الى الفريق عبود رسالة ينصحه فيها بتطبيق افكار الجمهوريين ؛ وتبنى مقترحاتهم الدستورية فى بداية عهده ؛ الامر الذى واجهه الفريق عبود بالتجاهل التام .

    ان هذا الموقف السلبى ؛ اى انعدام النشاط المعارض ؛ قد تحول ايجابيا بعد مايو ؛ حيث دعم الجمهوريون النظام ؛ واعلنوا ذلك فى نشراتهم ومواقفهم ؛ رغم الاختلافات الفكرية بينهما ؛ الا انهم عدوا النظام خيرا من تحالف الطائفية والاصولية ؛ واعتبروه مرحلة انتقالية لكيما يتاهل الشعب بالتربية لاستشراف الحرية والنظام الاسلامى الصالح .

    ان انعدام النشاط المعارض هذا ؛ قد يكون جزءا من مفهوم " التقية " الممارس من قبل الكثير من الحركات الاسلامية والصوفية السابقة ؛ لحقن الدماء وحفظ المال والبدن . وربما كان لدواع تكتيكية ؛ تتمثل فى الاستفادة من تسامح السلطة للنشاط الاعلامى والدعوى . الا ان الباعث الاساسى يكمن فى نظرى فى طبيعة فكرهم الاصلاحى والسلمى ؛ وفى انعدام الافق السياسى الجذرى فى حركتهم ؛ وفى الطابع الصفوى لها ؛ والذى يركز على تربية الافراد اكثر مما يركز على استنهاض الجمهور والثورة .وعموما فان لنا عودة فى فقرة قادمة لهذه الثيمة .

    اما الخاصية السلمية فى نشاط الجمهوريين الواضحة ؛ وموقفهم فى عدم الرد لمواجهة القوى السلفية (الاخوان المسلمين وانصار السسنة تحديدا) ؛ وفى مواجهة العنف البدنى واللفظى تجاههم فى العديد من المحافل والمواقع ؛ فقد وصلت الى مراحل متطرفة . فكم من اعتداءات تمت تجاههم فى الجامعات والمدارس بل وحتى فى الشوارع ؛ تعرض فيهم كوادرهم للضرب والتجريح ؛ دون ان تحرك فيهم ساكنا . بل ان الاستاذ محمود نفسه لم يسلم من هذا العنف فى مناسبات مختلفة ؛ والذى كانت قمته فى اغتياله الدامى بيد السفاح نميرى . ان موت محمود بالطريقة التى تم بها ؛و التسليم او الاستسلام الذى واجهت به حركتهم هذه المحنة ؛ يدل على نوع متطرف من الروح السلمية وانعدام روح المصادمة فى بنيتهم .

    هذا الطابع السلمى ؛ قد يجد جذوره فى طبيعة الفكر الصوفى نفسه ؛ وهو فى رأينا نبع اساسى ومرجع فكرى ومسلكى رئيسى للاستاذ والجمهوريين . ففى مسلك اقطاب الصوفية الذين ووجهوا بالمحن ؛ وتميزوا بروح عالية من المسالة ؛ يكمن قدر كبير من التسامح الفكرى والسياسى . هذا التسامح والروح السلمية ؛ تسنده صفوية الفكر والفعل الصوفى نفسه ؛ اضافة الى معرفة الصوفيين ( ومن بعدهم الجمهوريين ) ؛ بتفرد طريقهم وغرابته للعامة واهل الشريعة ؛ حيث جاء فى الاثر الصوفى ( لا يبلغ احد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه الف صديق ؛ بانه زنديق " الجنيد") .وفى نفس الاتجاه كان الجمهوريون يكرروا الحديث النبوى ( جاء الدين غريبا ؛ وسيعود غريبا ؛ فطوبى للغرباء ..) . اضف الى ذلك تسليم مطلق لله ؛ وفق فهم راسخ بان كل ما فى الكون ؛ وفى حياة الانسان ؛ انما يجرى بمسيرته ؛ ولذلك فقد كان مقتل مختلف الصوفيين ؛ مربوط بنوع من الاستسلام اللامبالى بالمصير ؛ وانعدام اى نوع من المقاومة تجاه الجلادين ؛ واستشهاد محمود فى ذلك لا يشكل استثناء.

    غير هذه المصادر المرجعية ؛ فاننا نرجح مصدرا آخر يمكن ان يكون له تاثيره فى تكوين الروح السلمية عند الاستاذ والجمهوريين ؛ وهو ظاهرة المقاومة السلمية لغاندى ( satia grasha ) فى فترة نهاية الثلاثينات والاربعينات ؛ وهى فترة التكون النفسى والسياسى والفكرى لمحمود . ان هذا الاستناج غير مستبعد ؛ اذا ما علمنا بان منهج غاندى السلمى ؛ قد تجاوز حدود الهند ؛ الى العديد من المجتمعات الشرقية والغربية . لقد اثرت تكتيكات غاندى لفترة طويلة على النهج السلمى لحزب المؤتمر الوطنى الافريقى فى جنوب افريقيا ؛ وهى البلد التى عاش ونشط فيها غاندى لفترة من الزمن ؛ كما امتد الى المنهج السلمى لمارتن لوثر كنج ؛ والتيار الذى قاده فى حركة الحقوق المدنية لزنوج امريكا . اننا لا نبالغ بالقول ان هذا المنهج قد اثر حتى على بعض القوى اليسارية الماركسية ؛وهى التى لا تستبعد العنف فى العمل السياسى ؛ وترى فيه مرات قابلة التاريخ (ماركس) . ان محمد ابراهيم نقد قد اشار الى ان احد جذور فكرة الاضراب السياسى ؛ ترجع لممارسات وتكتيكات غاندى فى افريقيا وفى نضاله من اجل التحرر الوطنى فى الهند ؛ وقد تم من بعد تبنى الاضراب السياسى العام ؛ وهو اسلوب سلمى فى مجمله ؛ فى ارث واستراتيجية اليسار السودانى ؛ كاداة اساسية اللنضال والتغيير ( من ندوة لمحمد ابراهيم نقد ؛ جامعة القاهرة فرع الخرطوم ؛ اكتوبر 1985).

    اننا ورغما عن عدم توفر دلائل اكيدة على وجود هذا التاثير الغاندوى ؛ الا انه محتمل جدا فى نظرنا ؛ بطبيعة التكوين الفكرى والنفسى لمحمود ؛ واتباعه من الجمهوريين ؛ وتقارب الجذور الفلسفية للفكر الهندى الذى استقى منه غاندى ؛ مع الاصول الفكرية والمرجعية الصوفية التى استند عليها محمود . اننا نزعم هنا ان فى حياة الرجلين تشابهات اعمق ؛ ليس هنا مجال دراستها ؛ ولذلك فاننا لا نراها مجرد بلاغة لفظية ؛ حينما وصفت صحيفة اللوموند الفرنسية محمود بعد بموته ؛ بانه "غاندى افريقيا" .

    خاصية اخرى فى نشاط الجمهوريين ؛ وهى اتصالهم الفردى والمباشر مع الجمهور ؛ عن طريق جماعاتهم الصغيرة التى توزع وتبيع مطبوعاتهم فى الاسواق والشوارع والبيوت ؛ فى ممارسة قريبة لنشاط "شهود يهوة" فى امريكا واوروبا ؛ وكذلك عن طريق المخاطبة المباشرة ؛ عن طريق اركان النقاش التى كانوا يقيموها فى امكن التجمعات العامة ؛ والتى اسموها "بمنابر الحوار ". واخيرا عن طريق المؤسسة المسماة ببيت الجمهوريين ؛ والذى كان يتبع لهم فى كل مدينة لهم بها بعض الوجود . ان هذا الاتصال المباشر قد كانت فيه محاولة للاتصال مع الشعب عن طريق اللسان ؛ وهو الطريق الاكثر قربا من المواطن ؛ اضافة الى سيطرة الحكومة على وسائل الاعلام العامة ؛ وقد كان هذا الاتصال ميسورا لهم ؛ حيثما لم يكونوا واقعين تحت ضغوط العمل السرى ؛ والتى وقعت فيها التنظيمات السياسية المعارضة ؛ من اطراف اليسار واليمين .اما مؤسسة بيت الجمهوريين ؛ فقد كانت محاولة عصرية ؛ لبناء المسيد او المثابة ؛ التى تمارس فيها واجبات دينية (الصلاة والذكر ) اضافة الى الواجبات التنظيمية (الاجتماعات وحلقات الشرح والندوات للاعضاء الجدد وتنسيق النشاط ) ؛ والواجبات الاجتماعية وهى ربط الاخوان اجتماعيا ؛ واسكان من لا سكم لهم بالبيت . وقد كان منزل الاستاذ نفسه بامدرمان ؛ بمثابة البيت الرئيسى للجمهوريين ؛ والمركز العام لحركتهم ونشاطهم ؛ والرمز الذى اليه يرجعون .

    اننا نلاحظ هنا ان الجمهوريين ورغم نشاطهم الفكرى والدعائى الكثيف ؛ فى ظروف سودان السبعينات واوائل الثمانينات ؛ ورغم امكانيات العمل العلنى المتيسرة لهم ؛ لم يفلحوا فى خلق تنظيم جماهيرى ذو نفوذ ؛يمتد الى طبقات وشرائح اجتماعية متعددة وواسعة . ان احد الشهادات تقول ان عدد الجمهوريين فى لحظة وفاة الاستاذ ؛ لم يتجاوز الالف عضو ؛ بما فيهم الاطفال والايافع ! اننا نرجع هذا الى طبيعة تنظيمهم الصفوية ؛ والى غرابة طرحهم الفكرى ؛ وعدم قدرتهم على تبسيطه وشرحه للمواطن البسيط . وقد يرجع ايضا الى الدعاية الضادة من قبل القوى السلفية والتقليدية ؛ والتى كانت تنظر لهم ككفار ومرتدين . وقد يرجع ضعف وجودهم فى الريف ؛ لموقفهم العدائى الواضح من المؤسسات الطائفية . كما ان من الاسباب المحتملة لضمورهم دفاعهم المستمر عن نظام مايو اليكتاتورى ؛ على الاقل حتى منتصف 1983 ؛ وهو نظام مكروه حتى النخاع من المواطن البسيط ؛ ويفتقد الى اى سند شعبى حقيقى ؛ وخصوصا وسط فئات العمال والمثقفين . وقد تكون كل هذا الاسباب مجتمعة ؛ وكون فكرهم قائم على اساس الطريق الفردى للتربية والتجويد والوصول ؛ وتناقض ذلك مع الشكل الجماعى للنشاط والدعاية والتنظيم ؛ كما يتبدى فى شكل المنظمات الجماهيرية ؛ذات التاييد الشعبى الواسع .

    نهاية الجزء الاول من المقال
    مراجع الجزء الاول :

    · كفاح جيل ؛ للاستاذ احمد خير المحامى ؛ 1948 .

    · نص البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ فى الاجتماع العام للحزب .الخرطوم ؛ 30-10-1952.

    · معالم فى طريق الفكرة الجمهورية ؛ كتيب صادر عن الاخوان الجمهوريين 1975.

    · Biography of Al Ustaz Mahmoud Mohamed Taha , published in www.alfikra.org .

    · بيانات ومعلومات شخصية .

    · معلومات وملاحظات من الاستاذين ياسر الشريف و عمر عبد الله .

    عادل عبد العاطى

                  

04-26-2008, 04:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المشروع الإسلامي - أزمة تطور حضاري(1)
    عبد العزيز بادي
    (أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم . . . )
    محمود محمد طه
    الشكر الجزيل للأستاذ/ ناصر بكداش وأحمد الله أن وفقه لأن يطرق هذا الموضوع الحي ، والمطروق أبداً وأن يعيده بهذه الصورة الحارة المتقدة. وموضوع أستاذنا ناصر هو: (المشروع الإسلامي - أزمة تطور حضاري) والمنشور بصحيفة الصحافة القراء بتاريخ 2 مارس.
    أبدأ مداخلتي هذه بأن أرجع بالأستاذ ناصر وبالقراء إلى أربعينيات القرن الماضي ، والنضال من أجل خروج المستعمر ، بدأت تظهر ملامحه في مؤتمر الخريجين وعدم اعتراف المستعمر بحق الخريجين بالتحدث نيابة عن أهل السودان في القضايا المختلفة ، بحجة أن للسودانيين ممثلين معترف بهم من قبله ، وهم زعماء الطوائف الدينية وزعماء العشائر. وما كان من الخريجين إلا أن قبلوا هذا الرفض دون مقاومة تذكر ، والانصياع له بالقبول العملي ، بتسليم إرادتهم والعمل تحت لواء الطائفية والعشائرية ، التي لا نزال نرزح ونكابد تحت نيرها. وما ذلك إلا للأثر الديني وعلاقته بحياة الناس كما جاء بمقال الأستاذ بكداش: (والدين هو ابن المجتمع وابن علاقاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وعلى ضد هذه العلاقات قد يلعب رجال الدين دوراً محافظاً ورجعياً ، وقد يلعبوا دوراً ثورياً تقدمياً) في ذلك الوقت خرج رجل من صلب هذا المجتمع ، ومن هذا الوطن ، معلناً أن لا للانضواء تحت لواء الطائفية أو العشائرية ، وأن الطريق المأمون العواقب ، هو الالتصاق المباشر بالشعب ، وتوعيته وتعريفه بقضاياه ، وبقيمة الحرية ، وقيمة الاستقلال. فكان أن فارق الخريجين شاقاً الطريق البكر ، باحثاً وملتمساً فيما حوله ، فوجد ألا سبيل إلا سبيل الدين ، كما ذهب أخيراً الأستاذ بكداش: (ظل ومازال الدين كمعطى ومحفز من معطيات ومحفزات الوعي الاجتماعي والتطور الحضاري).
    ذلك الرجل هو الأستاذ/ محمود محمد طه ، اختار التوعية ، واختيار الدين وسيلة لذلك ، لكن لم يكتفِ بما هو مألوف ، ومفهوم عند عامة الناس ، وعند رجال الدين في فهمهم القاصر ، وحشرهم له في قضايا ثانوية قاصرة ، بعيدة عن قضايا الشعوب المصيرية وإنما قال: (فأنت إذا أردت أن تدعو إلى الإسلام ، فإن عليك أن ترده إلى المعين المصفى الذي منه استقى محمد وأبوبكر وعمر. وإلا فإن الدعوة جعجعة لا طائل تحتها ولم تطب نفسي بأن أجعجع...؟) ومن هنا بدأ مشواره الطويل... مصطحباً الدين ، لإبراز المذهبية الرشيدة التي على هديها تتم التوعية ، لينعم أهل السودان باستقلال حقيقي ، وإلا فإننا منذرون بقوله : (قد يجلو الاستعمار اليوم أو غداً ، ثم لا نجد أنفسنا مستقلين ولا احرار ، وإنما متخبطين في فوضى مالها من قرار).
    واصل الاستاذ محمود محمد طه نضاله ضد المستعمر بإشعال الحماس الوطني وسط الشعب ، وحثه على الثورة بتبصيره بمساوئ المستعمر ، وخبثه ، ونواياه السيئة ، وغرضه المبيت بسنه لقانون يمنع الخفاض وهو يعلم - أي المستعمر - علم اليقين أن العادات المتأصلة وسط الشعوب لا تحارب بالقوانين مهما كان سوءها وأضرارها ، وإنما تحارب بالتوعية ، ثم سد الثغرات بالقانون. فتصدى الأستاذ محمود كاشفاً ومسلطاً الضوء على هذه النوايا السيئة ، فكانت النتيجة كما استقرأ وتنبأ ، فكانت قصة فتاة رفاعة المشهورة التي أخذت أمها من منزلها في ليلٍ أسودَ حالك ، إلى سجن غير مؤهل لاستقبال إمرأة شريفة ، لا ترى فيما عملت أنه عمل محرم وممنوع ، بل العكس تراه مقبولاً عرفاً وديناً تثاب عليه. تصدى الأستاذ محمود ، لهذا العمل المنكر في مواجهة شجاعة سافرة ، ادت لسجنه عامين فكان أن وظفها فيما كان يبحث عنه: (فبينما أنا في حيرة من أمري إذ قيض الله مسألة فتاة رفاعة... تلك المسألة التي سجنت فيها عامين اثنين. ولقد شعرت حين استقر بي المقام في السجن أني جئت على قدر من ربي فخلوت إليه حتى انصرم العامان وخرجت ، شعرت بأني أعلم بعض ما أريد ثم لم ألبث وأنا في طريقي إلى رفاعة أن أحسست بأن عليّ أن اعتكف مدة أخرى لاستيفاء ما بدأ وكذلك فعلت...) فخرج من السجن والخلوة وقد استوفى ما كان يصبو إليه ، ثمرة كاملة نتيجة التعامل بالصدق ، والذهن المفتوح ، مع الدين دون أن يلغيه ، أو يتعامل معه تعاملاً عادياً ، كتلك التي لاحظها الأستاذ بكداش في مقاله (لذلك تظل المغالطات المجانية والدعاية الإعلامية التي يطلقها بعض المسلمين في العالم الإسلامي ، عن مشاريع الصحوة والانبعاث الحضاري ماهي إلا محض هراء وعدم قدرة على قراءة الوقائع التاريخية والسياسية والاجتماعية بصورة أكثر شفافية وحياد موضوعي).
    أما الأستاذ محمود فيرى أكثر من ذلك (ان الإسلام بقدر ماهو قوة خلاقة خيره ، إذا ما ابنعث من معينه الصافي واتصل بالعقول الحرة ، واشعل فيها ثورته وانطلاقه... بقدر ماهو قوة هدامة ، إذا ما انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة وأثار فيها سخائم التعصب والهوس.. فإذا ما قدر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين اعرفهم جيداً أن يطبقوا الدستور الإسلامي الذي يعرفونه ويظنونه إسلامياً ، لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدة إلى الوراء ، ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار ولبدأ الإسلام على يدهم وكأنه حدود وعقوبات على ماهو مطبق الآن في بعض البلاد الإسلامية ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية أيضا) محمود محمد طه أنباء السودان 6/12/1958م.
    في الخمسينيات من القرن الماضي اكتملت رؤية الأستاذ للإسلام مذهبية كاملة أو قل مدنية جديدة: (تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادي تأليفا متناسقاً مبرأ على السواء من تفريط المادية الغربية التي جعلت سعي الإنسانية موكلاً بمطالب المعدة والجسد ومن إفراط الروحانية الشرقية التي أقامت فلسفتها على التحقير من كل مجهود يرمى إلى تحسين الوجود المادي بين الأحياء). أطلق عليها الرسالة الثانية من الإسلام أو الدعوة الإسلامية الجديدة ، واشتهرت بالفكرة الجمهورية _ اسم مشتق من الحزب الجمهوري الذي تأسس في أربعينيات القرن الماضي .
    هذه المذهبية المأخوذة من الإسلام والتي تزعم أنها تصلح لإنسانية اليوم بالرغم مما لحق بالإسلام أخيرا ، نتيجة عمل الجماعات الإرهابية التي تنسب عملها للإسلام وتصفه بأنه جهاد في سبيل الله وماذلك إلا للفهم القاصر الخاطئ الذي لا يقدم إلا كدورات وسخائم النفوس كما ورد آنفاً.
    إن هذه المذهبية تصلح لإنسانية اليوم مدعمة بالنصوص والحجج البليغة.... ويكفي أنها ولأول مرة في تاريخ البشرية الطويل تنادي بأن ترفع الوصاية الموجودة في الدين ، وتدعو للمسئولية الفردية ، فتقول: (ليس هنالك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين). ويندب الناس كل الناس ليكونوا أحراراً مسئولين ،كل ذلك مدعم بنصوص من القرآن الكريم - أو ما عرفت به الفكرة الجمهورية ودعت له - الانتقال من آيات الفروع إلى آيات الأصول وتحكيمها - أي نسخ آيات الفروع القائمة على الوصاية وصاية الراشد على القاصر ووصاية المسلم على الذمي والكافر والرجال على النساء. وهي ترى أن القيمة الإنسانية الديمقراطية التي توصلت لها البشرية ، هي من روح الإسلام ، أكثر من ذلك فهي ترى أنه لا يمكن أن تطبق الديمقراطية التطبيق الصحيح إلا بمنهاج يعنى بالفرد بإعادة صياغته. أيضاً تزعم - أي الفكرة الجمهورية - أن الإسلام يمكن أن ينسق بين حاجة الفرد للحرية الفردية ، وحاجة الجماعة للعدالة. وعن ذلك يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه رسالة الصلاة: (...وهو بعد هذا إنما استطاع هذا التنسيق لأن تشريعه يقع على مستويين: مستوى الجماعة ومستوى الفرد: فأما تشريعه في مستوى الجماعة فيعرف بتشريع المعاملات ، وأما تشريعه في مستوى الفرد فيعرف بتشريع العبادات ، والسمة الغالبة على تشريع المعاملات أنه تشريع ينسق العلاقة بين العبد والعبد.. والسمة الغالبة على تشريع العبادات أنه تشريع ينسق العلاقة بين العبد والرب. وليس معنى هذا أن كلا من هذين التشريعين يقوم بمعزل عن الآخر ، وإنما هما شطرا شريعة واحدة ، لا تقوم إلا بهما معاً. فتشريع المعاملات تشريع عبادات في مستوى غليظ وتشريع العبادات تشريع معاملات في مستوى رفيع لأن سمة الفردية في العبادات أظهر منها في المعاملات ) ومن أجل ذلك كله رشحت الفكرة الجمهورية المنهاج النبوي - طريق محمد صلى الله عليه وسلم - موضحة بأنه منهاج عملي مضمون العواقب ، به تساس النفوس لتتخلص من نقائصها وعيوبها وتحقق السلام الداخلي ، لتكون في سلام مع الآخرين - فإن فاقد الشئ لا يعطيه. وبذلك تبلغ الحرية الفردية المطلقة.

    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=47385
                  

04-26-2008, 04:11 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    صحافة تحرير أم صحافة رأي؟!
    صلاح شعيب
    هناك فرق كبير بين المحرر الصحافي والكاتب الصحافي.. ليس بالضرورة للأول أن يكون كاتباً متميزاً وبالمقابل ليس بالضرورة للثاني أن يكون صحافياً خارقاً. ولكن هناك تجارب لصحافيين تألقوا في عملهم التحريري وتفننوا في الكتابة الصحفية أو الإبداعية. هناك تجارب شحيحة لكتاب مميّزين دخلوا الصحافة من موقع الكتابة ونجحوا فيها. والحال هكذا فشل صحافيون كبار في أن يصبحوا كتاباً بمستوى يليق بتجربتهم الصحفية. طبعاً الأمثلة لهذه المقاربات يمكن أن تصدق في العالم العربي أو الافريقي أو السوداني ولكن لا تصدق في الدول المتقدمة. ففي الولايات المتحدة وأوربا لا تجد أنه قد تم تعيين شخص من خارج الطاقم التحريري رئيساً لتحرير صحيفة. والملاحظة الأخرى أن معظم إن لم يكن كل كتاب صفحات الرأي هم من الصحافيين ذوي الخبرة الذين عركتهم تجربة ملاحقة الخبر وصياغته لفترة لا تقل عن ثلاثين عاماً. وحين تقرأ الأعمدة الصحفية في «الواشنطن بوست» أو «النيويورك تايمز» أو «لوس انجلز تايمز» أو «بوسطن قلوب» أو «شيكاغو تربيون» أو «فلادلفيا انغوري»... إلخ، ستجد أن كتاب الرأي والرياضة والأذواق والسياحة والصفحات الثقافية والاقتصادية والمنوعات وحتى الصفحات العلمية هم من قدامى المحررين الذين اكتسبوا التجربة الصحفية من خلال تغطيتهم للأحداث التي نذروا أنفسهم لها منذ زمن بعيد. ومع ذلك تستعين هذه الصحف ببعض المتخصصين أو الأكاديميين، كل في مجاله، وتستكتبهم بشكل غير منتظم ولا تقصر الاختيار أو تحتكره على عدد معيَّن من هؤلاء الخبراء، وإنما تنوع في كل مراحل الاستكتاب الشخصيات والخلفيات. إضافة إلى هذا فإن القنوات الفضائية لا تعين رئيساً لها إلا من خلال تجربته في التغطية الإعلامية. سواء تغطية الحروب أوالتغطية المقتحمة لأوكار المخدرات أو التغطية للأحداث الخارجية في مدينة مثل لندن أو بانكوك أو ريودي جانيرو. فالصحافي الذي غطى حرب فيتنام أو الحرب العراقية الايرانية أو اقتحم معاقل ثوار السانديستا أو انتزع حديثاً صحفياً من رئيس الجيش الاحمر الايرلندي بعد خلوصه من معركة لا يمكن أن يضيع جهده المغامر سدى بأن يتم اختيار مدير جامعة أو بروفيسور رئيساً عليه لمجرد مكانة الدرجة العلمية التي لا علاقة لها في المفاضلة بين مهنية هذا أوذاك، كما أنني لم ألمس ربطاً بين رأي الكاتب ودرجته العلمية، ولعل صحيفة «الحياة» اللندنية هي المطبوعة العربية الوحيدة التي لا تعطي الكاتب حقاً في تبيان درجته الأكاديمية. وكأن لسان حالها يقول أن إهمية الاعتبار للدرجة العلمية تبدو في مدرجات الجامعة وحجرات الدرس وليس في ما خص الشأن العام. بتوضيح ثان فإن حقل الإعلام ورأيه يقوم على جهد المحترفين في صناعة الصحافة والإعلام. فالصحافي يكافأ بأن يكون كاتباً متفرغاً للجريدة حين يبلغ درجة من الخبرة. وعليه تتيح له الصحيفة سكرتارية لإعانته ومده بكل المعلومات. أما إذا لم يلق بالاً لإمكانية تجريبه للكتابة فإنه يبقى مترقياً في سلم الوظيفة الإعلامية حتى يتقاعد. وفي سنين ما بعد التقاعده يمكن لزميلنا أن يحترف التعليق التلفزيوني أو ينصرف لكتابة الكتب المتعلقة بأسرار تجربته أو قد يتفق مع دور نشر ليتولى تحرير الكتب ذات الصبغة التقريرية. وربما يستفيد منه قسم صحافة وإعلام في جامعة ما ليحاضر عن تجربته للجيل الناشئ، خصوصاً إذا كان قد تحصَّل على الماجستير قبل احترافه أو أثناء الاحتراف. إذن ليس مهماً لهذا المتقاعد أن يكون كاتباً كما بقية زملائه.. فالصحافي المعني نفسه قد يرى أن موهبته قد تتحقق بشكل أفضل داخل مجال التحرير، وليس من الأهمية بمكان أن يصبح كاتباً محترفاً للرأي في صحيفة ما. وأحياناً قد يصبح هذا المتقاعد «فري لانسر». يواصل في عمل التحقيقات للصحف والمجلات المتنوعة دون أن يتقيد بالوظيفة. إذن، فإن كتابة الرأي وقوله يعتمد بشكل أساسي على من لهم تجربة في العمل الإعلامي، وكما قلنا هناك هامش ضئيل لمن هم غير اعلاميين. والحقيقة أن كتابة الرأي وقوله في الصحف والقنوات الفضائية يقوم على «فن» وليس هو كما نشاهد في صحفنا وقنواتنا الفضائية. فكتابة الرأي لصحيفة مثل النيويروك تايمز يختلف عن كتابة البحث الاكاديمي أو النقد الادبي أو كتابة القيم الفلسفية. إذا رجعت إلى ارشيف هذه الصحيفة للمئة سنة الأخيرة فإنك ستجد أن لغة الكتابة في صفحات الرأي السياسي او الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي حتى يقوم على لغة واضحة لا مجال فيها لما يقارب الجناس أو الطباق، أو إن شئت التقعر اللغوي الذي يجعل القارئ يحس أن الكاتب يستفز جهله باللغة أكثر مما يشرح له مضمون الكتابة. هذا يعني أيضاً أنك يمكن أن تكون «سيبويه اللغة الإنجليزية» وستجد الاحترام والتقدير اللائق في الحقل الثقافي والادبي ولا يسقط حقك بالتقادم. ولكن أن تحس أن مجرّد هذا النبوغ يتيح لك ميزة حضور حتمية في صفحة الرأي فإن هناك من يقول لك بكل أدب: مهلاً إن لكل مقام مقال. وإذا عنّت الفكرة لهذا «السيبويه» الفكرة لإرسال تعقيب لإفتتاحية «الواشنطن بوست» فإنه بلا شك سيتوقع -من خلال «السيستم»- أن هناك محرراً للصفحة -نظارته قعر كباية كما نقول- سيفعل في تعقيبه فعلاً يقربها إلى لغة «التعقيب الصحفي» دون أن يخل بالمضمون. وإذا أراد رئيس قسم اللغة الانجليزية بـ«هارفادر أو ييل» أن يرد على تكليف بكتابة رأي لملف متخصص حول توليد الجيل الجديد لمفردات غريبة من اللغة الانجليزية فإنه لا يتوقع أن ما سيكتبه سيجد طريقه للنشر دون مرور بالصحافي القديم الذي أصبح متخصصاً في صناعة «الرأي الصحفي» إن جاز التعبير. هذا هو التخصص الذي يفتقده العرب والافارقة والسودانيون، أو بإختصار العالم الثالث المجازي. وسيكون من عجائب الدنيا العشرين لو تطابق الواقع المهني لصحافتنا مع صحافة العالم المتقدم. والسبب بسيط، وهو أن الصحافة هنا -ليست بنت السماء كما قال التيجاني يوسف بشير- إنما هي بنت الواقع. تتطوّر بتطوره وتنحط بإنحطاطه. والاستثناءات نادرة، وفي ذات الوقت مضللة للناس إن لم يقرأوا الأشياء بتعمّق. الطرق التي بها يتم تعيين رؤساء التحرير أو وزراء المالية أو السفراء أو مديري الفنادق أو مديري شركات البناء تختلف بين العالم المتقدم والمتأخّر بطبيعة الحال وهذا ما يجعل نعتنا بالعالم الثالث أقرب إلى الحقيقة ولا أدري إلى أي مدى نستطيع المحافظة على هذا الترتيب، والذي إذا انطوى على إهانة لعقلنا فإنه ينطوي أيضا على اسباب لمواجهة تحديات ضدم النهوض والتقدم. هذا الاعتراف بالحقيقة هو المدخل لتصحيح أوضاعنا كسودانيين، إذا خصصنا الامر، وإلا فإن المكابرة ستزيد حطب النار للحرائق التي أشعلها واقع عدم التخصص في التوظيف، فلا حل لقضية أبيي إذا كان الوزراء يتجولون في التوزير كما يتجول السائح الاوربي بين المدن الافريقية والآسيوية. الواقع مرعب من حيث تأخره.. ومع ذلك يجب ألا يصاب الكاتب الصحافي بالقنوط أو الإحباط، فهو المفكر الذي يصوغ عباراته بالسهل الممتنع الذي يستفيد من مضمونه ذلكم الفيلسوف والرئيس والأكاديمي والطالب والعامل والخفير والسباك والنجار وغيرهم. الكاتب الصحافي يختار اللغة الوسط التي تشبع نهم كل هؤلاء، ولا يعني هذا بأي حال من الاحوال أن يقوم بإبتذال التبسيط في المبنى والمعنى أو التدني باللغة إلى مستوى لغة الكلام. فقدرة الكاتب المبدع تتجلى في صوغ المعاني الكبيرة بلغة رشيقة يحس القارئ أنها «قطيفة جميلة من الكلام» مع الاعتذار للسرياليين. المفهوم الذي تعارفنا عليه حول الكاتب الممتاز هو أنه ذلك الشخص الذي يستخدم العبارات الفخمة التي يصعب للعامة فهمها، وهذا خطأ كبير فتجربة الأستاذ محمود محمد طه دلت على لغته البسيط التي يشرح بها أفكاراً هي من العمق بمكان. ولكن أعتقد أن الكاتب الصحافي كتعريف هو المنتج للأفكار بجانب آخرين من حقول الادب والاكاديميا والفلسفة وتتوقف الريادة الفكرية للكاتب الصحفي برصيده لا بوظيفته الاعلامية، فلا يغني الكاتب الصحافي شهادته الاكاديمية أو موقعه وسط القبيلة أو ريادته السياسية أو جرأته في احتراف شتم الحكومة أو المعارضة ليل نهار.. هذا الاحتراف الذي يسدر فيه بعض الكتاب يمثل «انتحارا عقلانياً» فلا الحكومة وحدها هي سبب البلاء ولا المعارضة بجناحها المهيض أدخلتنا إلى فم البقرة. إن حجم المقاربة بين الكاتب الصحافي والمفكرين في مجالات العمل العام يتم من خلال كيفية مراءاة الرصيد في الانتاج وفي هذا الجانب أرى أن «الافتتاحيات» الصحفية للأستاذة محجوب محمد صالح وبشير محمد سعيد ومقالات سيد أحمد نقد الله والتيجاني عامر وحسن نجيلة «عبد الله على إبراهيم في نسخته القديمة» تنهض دليلاً على حيوية شاغلهم الوطني فكرياً ولعل التاريخ يدلنا على أن الصحافة السودانية أسهمت في إثراء وعي عامة الناس عن طريق كتابتها ولا تجدن سودانياً متعلماً إلا وبدأ إثراء وعيه الباكر بها ومثلت له مدخلاً للمعرفة والإعلام والتواصل. ولعل عدم الاهتمام بالتراتيبية في الوظيفة الصحفية أثر كثيراً في ضعف التحرير الصحفي. وبدا طغيان الرأي ملاحظاً على حساب الاهتمام بالجوانب المهنية الصحفية الاخرى. وللأسف فإن الاهتمام بالكاتب لم يشمل كل القطاعات الصحفية واصبح الكاتب السياسي هو الاكثر تفضيلا في الصفحات. ولو سألنا عن دور الكاتب الاقتصادي أو الثقافي او الفني أو المتخصص في تناول القضايا الاجتماعية والتربوية وغيرها لما وجدنا أدنى تفكير في تفعيل دوره في الكتابة الصحفية. وصحيح أن الكاتب الصحافي هو المتخصص بطرف من أجل أن يحدث الناس عن الهموم التي تمسهم، بمعنى أنه ينتقد التفكير السياسي والمظاهر الاجتماعية الضارة ويناقش مشروع الموازنة العامة ويتناول مشكلة اهمال الدولة للمؤسسات الثقافية والصحية وينتقد المناهج التربوية الجديدة والقديمة إذا ما اكتشف أنها تضر بحاضر ومستقبل السكون الاجتماعي أو لا تحقق الغرض العلمي أو التربوي... إلخ. ولكن لا بد من وجود الكاتب المتخصص كما كان الحال حين وجدنا بعض رؤساء التحرير انتبهوا لهذه المسألة ووفروا مجالاً للأساتذة عثمان سنادة وعثمان سوار الذهب والراحل صلاح عبد الرحيم بالتفرغ لتحرير المادة الاقتصادية. لا أعتقد أن الكم الهائل من الصحف اليومية والاسبوعية يسهم في تجويد التحرير الصحفي، ولا أدري هل يهتم مجلس الصحافة والمطبوعات بأمر تقييم المادة التحريرية أم أن وظيفته هي تحصيل الرسوم لإصدار المطبوعات، وانجاز الجزاءات علي الصحفيين، وستكون المشكلة أكبر لو علمنا أن المسؤولين في المجلس المذكور أبعد عن الدراية بفن العمل الصحفي، والسؤال الاهم هو ما هو دور نقابة الصحافيين والاتحادات المعنية الاخرى في مراجعة الاداء المهني ولو من باب الحوار عبر منتديات الاتحاد إن وجدت. وأعتقد أن من مهمام الاتحاد أن يبدأ بفحص عقودات العملية الصحفية لمعرفة انصافها للصحافيين ومدى إمكانية المساعدة في استقرارهم المادي والاجتماعي، حتى لا يكونوا عرضة للاستغلال من قبل المستثمرين الصحافيين والمؤسسات الحزبية والشركات. إن تجربة صحيفتي «الايام» و«الصحافة» وكذا سونا -ولاستمرار هذه المؤسسات لفترة طويلة من الزمان- خرّجت كوادر صحفية متدربة لا تزال هي الأكثر تدريبا في العمل الصحفي ومعظم الذين يديرون الصحف العربية خلف الكواليس هم من مدارس «الصحافة» و«الأيام» و«سونا» وأعتقد أن عالمنا العربي استفاد من هؤلاء الخبراء في التحرير الصحفي أكثر من بلادنا، وذلك بسبب الموقف الحاد من نظام مايو والموقف الآخر من استمرار الصحف الحكومية بعد إنهيار النظام. وما بعد زمن الانتفاضة توفرنا على تجارب صحفية متطورة ومتنوعة وكان فيها الاهتمام بالتحرير الصحفي أولوية للتنافس ولو استمرت صحف الانتفاضة لوقفنا على تطور لأنواع من المدارس الصحفية ولشهدنا تفتقاً لمواهب صحفية متعددة. وبرغم أن الاهتمام بالكاتب يعتبر أمراً طيباً ويساعد الصحف على القيام بدور تنويري أو تثقيفي إلا أن المبالغ التي تبذلها الصحف لغالبية الكتاب يعتبر مثل عطية المزين ولا تحقق أي قدر من التشجيع اللازم. وللانصاف فإن القارئ للصحف الصادرة اليوم يرى تطوراً فردياً في التحرير الصحفي ولكنه لم يصبح جماعياً ونلحظ وجود اسماء معتبرة في دنيا الحوار والتحقيقات والتحليلات والملفات الثقافية والفنية ولكن المشكلة أن هذه المواهب متناثرة في هذا الكم الهائل من الصحف وتمثل أقليات وسط الضعف المهني لكثير من المحررين. الشيء الاخير الذي اود التنبيه إليه هو أن الصحافة الرياضية، برغم محاولات السخرية من أدائها ورموزها، إلا أنها تضم خبرات متميِّزة في التحرير الصحفي والسبب يعود لرسوخ التجربة في بلادنا، ولذا نجد أن الصحف الرياضية تحظى برواج للتغطيات الصحفية المتميزة للمحررين واهتماماهم بالمنوعات، والتي تمثل حجر الزاوية في اهتمام القارئ، كما أن التجربة تتيح للمحرر صقلاً متواصلاً، فالمحرر الرياضي يبدأ مخبراً ثم مغطياً للنشاط الرياضي وزيارات الفرق محلياً وخارجياً ويقضي وقتاً في اجراء الحوارات الصحفية ثم معلقاً على المباريات ومتمرنا في المطبخ الصحفي حيث يتعرَّف على فنون التصميم وكيفية عرض المادة وإخراج الخطوط. ولقد بدأت بالصحافة الرياضية واستفدت كثيراً منها، وما زلت أرى ان مهنيتها متقدمة بالقياس لمهنية الصحافة الثقافية والفنية أو حتى الصفحات الدينية التي تظهر مرة وتختفي مرات والغريب أن بعض الصحف التي أشرف عليها إسلاميون خصصوا صفحات دينية في «فصل تام» بينها والصفحات الأخرى.. واللبيب بالإشارة يفهم!! وإن كان بعض الناس يصفون مضمون الصحافة الرياضية بالضعف أو الركاكة فالصورة ليست قاتمة كما هو حال الكتابة السياسية التي وجدناها في أزمان مختلفة تؤسس للشمولية وتحض الآن على العنصرية وترتهن بعض الأقلام للسفارات الأجنبية وتنحاز غيرها للتعبير عن الأحلام الحزبية أكثر من الوطنية ولعل كل هذا لم يفعله الصحافيون الرياضيون، والذين مهما علت مهاتراتهم وتجاوزوا الأعراف الصحفية. ويجدر بالذكر النجاحات التي حققها الصحافيون الرياضيون في دول الخليج حيث أشرفوا على الملفات الرياضية ورأسوا تحرير بعض المجلات ونذكر منهم كمال طه وكمال حامد وتاج السر أبو سوار واسعد يوسف وكفاح علي حسين وعلم الدين هاشم وقاسم نايل ونصر الدين منزول وعلي سيد احمد وياسر قاسم وعامر تيتاوي وعوض أحمد عمر وإبراهيم عوض.. والقائمة طويلة. أعتقد أن هناك جوانب خلل كثيرة تتعلق بصحافتنا ونأمل أن تسهم هذه الكتابة في فتح ملفات الصحافة السودانية.. وربما حاولنا في مقالات سابقة تناول جوانب أخرى من القضية الصحفية وهي لا تقل أهمية عن القضية الحزبية.

    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=46950
                  

04-26-2008, 04:13 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حول أزمة الهويــــة وتلاقح الثقافات

    الدوحة: (الصحافة)
    فكك الدكتور الباقر العفيف، مدير مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية، «المسكوت عنه» في الهوية، ولامس قضية بالغة الحساسية، مستخدماً «التحليل السياسي» لموضوع «ثقافي»، وقد يكون صاعقاً في أسلوبه، بتشريحه للواقع وافرازاته، مستشهداً بمحاولات آخرين لسبر هذه «الإشكالية»، ونقدها والإضافة اليها، ومهّد لندوة «اشكالية الهوية في السودان» التي استضافها نادي أصدقاء البيئة بالدوحة، باستعراض مساهمات الشيوعيين وحكومة مايو في إعلان 9 مارس 1970 التي اعترفت *ولأول مرة* بالخصائص الثقافية لجنوب السودان، ومنحه الحكم الذاتي، وموقف الأستاذ محمود محمد طه «لحل مشكلة الجنوب» واستلهم العفيف ما جاء في «حرب الرؤى» لمؤلفه فرانسيس دينق، الذي أرجع الحرب بين هويتين إلى سببين هما: * هوية شمالية تريد القضاء على الجنوبيين. * هوية جنوبية تقاوم من أجل البقاء. ويلحظ العفيف هيمنة الهوية الشمالية، والتي تمارس الأسلمة والتعريب ونحت لهذه السياسة مصطلح «الشملنة»، حيث وضع الصراع على اساس «شمال وجنوب»، لكن الدكتور جون قرنق، عرَّفه بأنه «صراع دائري»، هو بين المركز والهامش، ويقف العفيف بكثير من الإعجاب، والتبني لمقولة الأستاذ محمود محمد طه، «حل مشكلة الجنوب يكمن في حل مشكلة الشمال» ويرى ان «اعراض» الحرب في الجنوب بينما «الجرثومة» في الشمال، واشار ايضا الى اسهامات الدكتور منصور خالد في مسألة الهوية، الذي يرى أن السودان يعتبر وطناً افتراضياً virtual، ويختلف العفيف مع ورقة الدكتور محمد سليمان «حروب الموارد» التي اعتمدت التحليل الماركسي وتهميشها التحليل الثقافي، في انها لم تضع اجابات على أسئلة كثيرة، ولم تفسر مآلات أن تكون الدولة عنصراً في الصراع، ويخلص العفيف «الاشكالية» في أن السودان «بلد متنوّع ومتعدد الهويات والثقافات والديانات والأعراق واللغات والتواريخ المتعارضة، وهو مجرّد شعوب تجاور بعضها البعض لم تستطع أن تصوغ دولة متعددة»، ويجزم بأن البنية الفوقية لا تعكس البنية التحتية، ونتج عن ذلك: تمييز بنيوي، عنصرية مؤسسية والعنصران أنتجا «هوية مهزومة»، وبالنظر الى المؤسسات العدلية يتبدى التمييز الذي يهدر العدالة ويميز بين الناس، وايضا التعليم يعكس منهج واسلوب حياة معين ولا يعبّر عن التعدد الثقافي، وهذه «الهوية المهزومة» مغتربة عن ذاتها، ومستمدة من ثقافات مراكز أخرى في الجزيرة العربية والهلال الخصيب، وهي لا تنسجم معنا، ولا تعكس ملامحنا أو كينونتنا وهي تنظر ليس بعيونها وإنما بعيون الآخرين، وقذف العفيف بالسؤال: من نحن؟ وهو يمشي للبحث عن «اشكالية الهوية»، ويستشهد بنتائج بحث أكاديمي طرح سؤالاً عن الهوية: من انت؟ وتعددت الاجابات، عربي، مستعرب، سوداني، نوبي مستعرب، وخلص البحث إلى عدم اتساق الاجابات، وأرجع مقولة الروائي الكبير الطيب صالح «من هم هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟» إلى شعور صاحبها، بأن ممارسات الجبهة الإسلامية، لا تشبه أنماط سلوك السودانيين، بل مارسوا غلواً في الاغتراب عن الذات، إلى الدرجة التي لم يعد يتعرّف عليهم، دلف العفيف الى تعريف الهوية واكتفى بقوله «الهوية إدراك الذات على حقيقتها وقبولها والتصالح معها، والانطلاق منها لاستقبال العالم والتعامل مع الآخرين»، وهو ما يعني ان تتعامل مع العالم اصالة عن نفسك، افراداً أو مجموعات اجتماعية.. يواصل العفيف حديثه بتحديد مستويين لأزمة الهوية: المستوى الشخصي: حيث تنشأ الأزمة عندما تحين لحظة إحداث التوافق بين التماهيات الطفولية وبين تعريف جديد وعاجل للذات، وأدوار مختارة لا يمكن النكوص عنها يضاف إلى ذلك أن الهوية الشخصية تقوم على جهد يستمر كل الحياة، والفشل في تحقيقها يسبب أزمة ربما تكون لها نتائج مدمرة على الأفراد. * المستوى الاجتماعي: فتنشأ الأزمة عندما يفشل الناس، وهم يصنعون هوياتهم، في العثور على نموذج يناسبهم تماماً، أو عندما «لا يحبون الهوية التي اختاروها أو اجبروا على تبنيها»، ولأن الهويات الاجتماعية يتم تكوينها عادة «من التشكيلة المتاحة من التصنيفات الاجتماعية، فإن ظهور الخلعاء يكون حتمياً»، كذلك يمكن أن تحدث الأزمة عندما يسود الغموض نظرة الناس إلى هويتهم، أو يفتقرون إلى هوية واضحة. وفي حالة أخرى يمكن أن تنشأ أزمة الهوية عندما يكون هناك تناقض بين هوية الشخص ونظرة الآخرين إلى الهوية ذاتها. وأخيراً يمكن أن توجد أزمة الهوية إذا كان مركز الهوية، أي الجهة التي تملك صلاحيات إصباغ الشرعية، لا تعترف بادعاءات الهامش.. أما الدكتور محمد الأمين، صحافي موريتاني، له رؤية واضحة في الهوية وتلاقح الثقافات، ابتكر خلال مشاركته في الندوة مصطلح «الهجنة الثقافية» culture Hybrid أو «الثقافة الهجين» وتعني أن ينتقل الإنسان من ثقافته الأصلية إلى ثقافة أخرى ويتعايش ويتفاعل معها ليكون مثالاً، وزحزحة المفاهيم التي تأسس عليها العقل العربي الذي كبلته الايديولوجيا، والانتقال إلى الخطاب المعاصر الذي يتكيف مع الواقع والتراث ولا يزحزحه، دون تقمص للأساليب القديمة، تناول ما يسمى «المسكوت عنه» في البيئة العربية، وضرب مثلاً بالرق في موريتانيا وكشف أن (66%) من السكان ينتمون إلى فئة المستعبدين، كما أشار إلى العنف العرقي ضد السود في حقبة التسعينيات، وتجاوز هذه المرحلة بعودتهم بعد نزوح قسري، ويجزم الدكتور محمد الأمين أن الهوية منذ نشأتها كانت في «أزمة» وليست «متصالحة»، والفرد لا يقبل التهميش في عراء المعرفة، ويخلق لنفسه إطاراً معرفياً ليعرف ذاته، والخوف من العراء المعرفي، يتجاوز الطبيعة ويتحداها بالعراء الفيزيائي إذا شككت بهويته ينتفض.

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=46852
                  

04-26-2008, 06:00 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أجسام البغال وأحلام العصافير


    بسم الله الرحمن الرحيم

    "مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" صدق الله العظيم

    في حوار لجريدة البيان الخليجية تحدث السيد الصادق المهدي عن تصوره لأحداث سبتمبر التي تعرضت لها الولايات المتحدة ، ولم يستطع أدانة الارهاب، ولا تسميته باسمه ، بل فضل ان يسمي هذه الجماعات الارهابية المتطرفة بالمتشددين !! ثم طرح رايه حول مفهوم الجهاد والاجتهاد ، والوضع السياسي العالمي والسوداني ، وحاول ان يخفي الصراع الداخلي في حزب الأمة ، وأعلن تحول حكومة الجبهة عن التعنت ومحاولته اقناع امريكا والتجمع بالنظام السوداني وامله في

    مصالحة نظام الجبهة هي التي ستسوق الى عودة السودان الي الديمقراطية، والتفاف العالم حول نهج الصحوة الذي يدعو له !!

    ولقد أسمته جريدة البيان "الزعيم السياسي والمفكر الاسلامي " وكلها القاب اعتاد الصادق على سماعها من اتباعه ومريديه ، ولكنها كانت دائما، ولا تزال، أكبر من قامته ، فنحن نراه كما كان دائما الزعيم الطائفي، الجاهل بما حوله، المتسلط بغير حق على اتباعه ، اللاهث دوماُ خلف كرسي الحكم ، والذي يتضح فشله لاتباعه كل يوم ، منذ أن خرج من السودان، ولحق بقوى المعارضة ، وسمى تلك العملية " تهتدون" ثم وضح له ان خروجه وانضمامه للمعارضة ، لم يكن الهداية التي توقعها ، فخرج من التجمع ، ورجع لذات الحكومة التي ادعى انه خرج لاسقاطها، يتسقط مصالحتها ومشاركتها !! ولم يكن الصادق يتوقع ان ترفضه الجبهة ، وانما كان يظن انها ستقدر عودته، فسمى رجوعه " تفلحون" ، ولكن ظهر ان الذي لازمه هو الخيبة، وليس الفلاح.. ولقد تساءل أحد الظرفاء ساخراُ من "تهتدون " الى "ترجعون" ماذا " ستفعلون"!؟

    الجهاد والاجتهاد:

    يقول الصادق المهدي ( في رأيي سيكون لاحداث الحادي عشر من سبتمبر والسابع من اكتوبر ، كذلك آثار هامة جدا على الصعيد الاسلامي ، لان الاجتهاد الاسلامي أصلا في رأيي اوالاجتهاد السياسي في البلدان الاسلامية قائم في اتجاه ثلاثة خيارات ، الاول خيار انتفائي ، يقول به كثير من التقليديين ، وهو خيار يرى ان الاسلام وقد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم واضح النصوص وان هذه النصوص قد بنى عليها أئمة الاجتهاد استنباطات واضحة لكل زمان ومكان وان علينا كلنا نحن الخلف ان نطبق ما استنبطه السلف دون مساهمة برأي او اجتهاد... وهذا الخطاب يوجد بشكل حركي لدى ما يمكن ان نسميهم حركات التشدد الاسلامي، ان حركات التشدد الاسلامي لم تات بجديد بل هي تضع سنانا في قناة التفكير الانكفائي بين المسلمين .. وهناك تيار آخر مضاد للتيار الاول تماما ، ويرى ان الاسلام قد استنفد دوره في الحياة العامة ولا دور له بعد هذا الا كالتزام ضميري للشخص والفرد ، اما في الحياة العامة فقد انتهى دوره ولذلك يجب ابعاده تماما عن الدولة والسياسة وفي الحياة العامة وذلك ما نسميه بالاتجاه العلماني...وفي رأي ان هناك تيارا ثالثاُ يرى ان الدين جزء لا يتجزأ من الحياة ولا يمكن ان يطرد من الحياة وهو في كل جوانب الحياة ولكن مع الالتزام بالقطعيات أي قطعيات الوحي التي هي محدودة للغاية ، اما بقية المبادئ والاسس والتشريعات الاسلامية الي آخره فهي مفتوحة للاجتهاد بحيث تقبل الصياغة الاجتهادية لتلائم ظروف الزمان والمكان ، وهذا ما نسميه اتجاه الصحوة الاسلامية ..."[1]

    ان هذا الحديث لا يختلف من سائر أحاديث السيد الصادق وكتاباته ، فهي جميعها مليئة بالتعميم، وعدم التحديد، والتهرب من مواجهة القضية الجوهرية .. فهو هنا يندد بالاتجاه الاسلامي التقليدي ، ويتهمه بان لم يأت بجديد ، فما هو الجديد في أتى به الصادق ما دام انه يخلص في النهاية الى الالتزام بقطيعات الوحي ، ولا يقدم فهما مختلفاُ لها؟ أليس هذا هو راي الاسلاميين التقليديين أنفسهم ؟ أن الفقهاء حين قفلوا باب الاجتهاد، عادوا بعد فترة وفتحوه ، ولكنهم قيدوا الاجتهاد بعبارتهم الشهيرة " لا اجتهاد مع النص " وهم بطبيعة الحال يقصدون النص القطعي الذي أشار اليه الصادق المهدي.. ولقد أخطأ الفقهاء ، وجماعات الاسلاميين، وتبعهم الصادق، حين ظنوا جميعاُ، ان الاجتهاد لا يجوز فيما ورد فيه نص قاطع، فقفلوا باب الاجتهاد في الأمور التي وردت فيها النصوص ، وفتحوه في الأمور التي لم ير فيها نص قطعي من الكتاب أو السنة، وهي أمور لا أهمية لها عند الله ، فلو كانت مهمة لانزل فيها نصاُ قاطعاُ.. فلماذا نجتهد في أشياء لا قيمة لها عند الله ونترك الاجتهاد فيما أنزل الله فيه النصوص ؟! وانما بسبب الاجتهاد في المسائل الهامشية ، صنف الفقهاء الآلاف من المتون والحواشي التي زادت الدين تعقيداُ ، ثم لم تؤثر على حياة الناس..إن الاجتهاد الحقيقي يجب ان يكون فيما وردت فيه النصوص ، باعادة فهم النص ، ومعرفة الحكمة من ورائه، ذلك لأن المعاني التي يحتملها النص القرآني لا تنتهي ، ولهذا يجب ان لا نبحث عن شئ خارجه ، قال تعالى "ولو ان ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم" (لقمان 27 ) ومعلوم ان القرآن المعروف يمكن ان يكتب بقلم واحد ، ودواة واحدة ، فأين الكلمات التي لا تنفد لو كتبت باشجار الارض ومياه البحار؟! انها المعاني التي يمكن ان تحملها هذه الكلمات، وسبيلنا لمعرفتها انما هو التقوى ، لقوله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم" (البقرة 282)...القرآن هو كلام الله ، ونحن حين نقرأ القرآن فان الله يكلمنا، وكلامه الينا قد حوى كل شئ ، قال جل من قائل " ما فرطنا في الكتاب من شئ" (الانعام 38).. ولكننا لا نفهم لاننا عنه غافلون.. والاجتهاد المطلوب هو ان نحضر مع الله ، حتى نفهم المعاني المتجددة لكلامه القديم، ومن هذا المستوى جاءت الدعوة لتطوير التشريع الاسلامي بالانتقال من فروع القرآن الى أصوله ، الامر الذي أسسه الاستاذ محمود محمد طه قبل ثلاثين عاما ، وهوهو النهج الوسط بين العلمانية ، والدعوات الاسلامية التقليدية السلفية ، التي لا يكفي الصادق للخروج من عباءتها، ان يظل يكرر حديثه عن النصوص قطعية الدلالة..

    يقول الصادق المهدي ( إن الجهاد يعني العمل بكل الوسائل لاعلاء كلمة الله ، وهذا التزام لكل مسلم حتى قيام الساعة ، ليس فيه أدنى شبهة أو إضطراب ، وهذا الجهاد يكون بالمال والفكر والرأي ، والقلم وبكل الوسائل وهو غير مسموح به بأن يصبح قتلا وعنفا الا في ثلاث حالات ، الحالة الأولى دفاعا عن النفس ، والحالة الثانية ضد الاضطهاد الديني ، والحالة الثالثة ضد الاحتلال الاجنبي ، وفي هذه الحالات الثلاث ينبغي ويمكن ان يتحول الجهاد الى عنف...)[2].. فالصادق المهدي يرى ان الجهاد إنما هو مجرد دفاع عن النفس ، وهذا هو رأي الاخوان المسلمين كما عبر عنه محمد قطب في كتابه " شبهات حول الاسلام" .. والحق ان هذا فهم خاطئ للجهاد وللدفاع عن النفس ..( فمع ان المدافع عن نفسه أو عرضه أو أرضه أو ماله في وجه المعتدي يعتبر مجاهداُ إلا ان الجهاد أبعد مدى من ذلك ، إذ ان كل دفاع عن النفس جهاد وليس كل جهاد دفاع عن النفس..والدفاع عن النفس حق مشروع لم يجئ به الاسلام، وإنما هو عرف سابق لكل الاديان ، وعليه نشأت المجتمعات البدائية القديمة ، وهو لذلك أمر طبيعي لا يحتاج الاسلام لفرضه على الناس، وان إعتبره من مكارم الأخلاق ، وبدأ به الجهاد كما ذكرنا. أما الجهاد المقصود والذي جاء به الاسلام ورفع أصحابه الدرجات العلى ، فهو القتال من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض ، ولذلك خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب تغزو بلاد الهند والصين والاندلس ، لنشر الاسلام مع ان أهل تلك البلاد لم يعتدوا على العرب في أرضهم.. وحين إنتصر المسلمون فرضوا نظامهم ، وأقاموا سلطان الدولة الاسلامية ، ولم يرجعوا عن تلك البلاد ، مما يدل على انهم لم يجيئوا دفاعا عن النفس أو لدرء ظلم وقع بهم.. والحق ان الشعوب الأخرى التي وقع عليها الغزو هي التي كانت تدافع عن أوطانها، ونظمها ، ومعتقداتها ، في وجه الغزو الاسلامي ..لقد أخطأ كثير من الدعاة الاسلاميين ، خطأ فادحا،ُ حين ذكروا ان حروب الاسلام ، قد كانت حروباُ دفاعية.. ولعل ما دفعهم لهذا الخطأ ، هو محاولتهم للرد على بعض المستشرقين ، الذين كتبوا ان الاسلام انتشر بحد السيف .. والحق ان حروب الاسلام مبررة بما يكفي اذا أخذنا ملابسات الوقت في الاعتبار. فقد نزل الاسلام على مجتمكع كان العرف السائد فيه هو الحرب والقتال لاتفه الاسباب ، فلم يكن من الممكن تجاوز هذا العرف تماما ، لذلك اتجه الاسلام ليوجه غاية الحرب بدلا من الحرب بلا هدف ، لتصبح حربا من أجل إعلاء قيم الحق والعدل ، ومع ذلك لم يحارب إبتداء ، وإنما حارب بعد ان أضطر الى ذلك ، حين عجزت الجماعة عن النهوض بمسئولية الحرية ،فلم يكن هنالك بد من مصادرة حريتها، وفرض الوصاية عليها.. فالاسلام إستعمل السيف ولكن " كما يستعمل الطبيب المبضع وليس كما يستعمل الجزار المدية" كما قال الاستاذ محمود محمد طه.

    ولكن الامر الذي لا من تقريره هو ان الحروب بغرض نشر الدين غير مبررة اليوم ، لان العرف المقبول اليوم ، أصبح السلم وليس الحرب ، ولان البشرية قد تطورت للحد الذي جعلها تتعلق بمبادئ الحرية وتستنكر مصادرتها ألا وفق القانون الذي ينظمها..ولقد قامت مواثيق الامم المتحدة ، ومبادئ حقوق الانسان ، على حق الانسان في الحياة ، وفي الحرية ، بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو نوعه من ذكر أو أنثى..لقد أصبح من الصعب على العقل المعاصر ان يقبل فكرة قتل انسان ، لمجرد انه مخالف لما تعتقد فيه انت.. وهذا هو السبب الذي دفع بعض الدعاة الاسلاميين ، حين عجزوا عن الرد على المستشرقين، ان ينكروا حقيقة ان الاسلام ، فرض نفوذه وسلطانه بقوة السلاح ، وغزو الآخرين في ديارهم لنشر عقيدته ).[3]

    والجهاد قد ورد بنصوص قطعية الورود والدلالة ، وهذه النصوص لم تتحدث عن القلم والرأي- كما يطيب للصادق ان يحدثنا – وانما تحدثت عن الجهاد بالسيف ، لا دفاعا عن النفس ، وانما بغرض ازالة الشرك ، فالمشرك يقاتل حتى يسلم أو يقتل ، ولا يمنع عنه القتل الا التوبة واقامة شعائر الاسلام.. قال تعالى في ذلك (فاذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) (التوبة 5 ). وبناء على هذه الآية الشهيرة بآية السيف جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحقها وامرهم الى الله ) وعلى الآية والحديث أعتمد أبوبكر الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة..هذه نصوص أجمع السلف على قطعيتها فماذا سيفعل بها الصادق في نهج الصحوة؟ فإن عمل بها ، ودعا لها، لانها نصوص قطعية، فسيمارس الجهاد، ويرجع الى أصله حيث يلتقي في الفكر والممارسة بالجماعات الاسلامية، المتطرفة، التي هاجمها كثيرا في هذا اللقاء ..وان رفض العمل بهذه النصوص القطعية ، واستعاض عنها باجراءات مدنية ، تقوم على نهج سلمي يرفض العنف ، فقد ابعد الدين من الحياة ، مثل ما فعل العلمانيين الذين نقدهم في حديثه !!

    يقول الصادق المهدي عن جماعة بن لادن ( سمعت واحدا منهم وهو يتحدث وهو ابو الغيث الناطق باسم القاعدة يقول نحن ارهابيين لان الله سبحانه وتعالى قال كونوا إرهابيين ويقول سبحانه وتعالى " واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" وهذا فهم جاهل للعبارة نفسها والصحيح ان هناك ترجمة خطأ لعبارة الارهاب Terrorism إرهاب في حقيقة الامر ترجمتها الصحيحة "الترويع" أي الارعاب أما ترهبون التي وردت في الآية فتعني كونوا أقوياء حتى لا يطمع العدو في ان يعتدي عليكم...).[4] هل رايتم مثل هذا الالتواء؟ فالله يقول " ترهبون" والصادق يقول "كونوا اقوياء" ولو اراد الله ذلك فقط لذكره مباشرة ، ولكنه حواه في عبارة الارهاب ذلك انك لا تقطع طمع عدوك فيك الا اذا كنت قويا حتى خافك ، وصار يتوقع بطشك في كل لحظة ، فعاش في رعب دائم ، وهذا هو إرهاب العدو ، وهو مأمور به في الشريعة كما ذكر ممثل حركة بن لادن ، وانما يجئ جهل الرجل من ظنه بان شريعة الجهاد مقبولة اليوم ، وهو جهل هو والصادق فيه سيان.. وحين اراد الصادق ان يقدم بديلا عن طرح جماعة بن لادن قال ( علينا ان نقرأ القرآن بتدبر، وان هنالك اعتبار للآخر " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه" ).[5] وهنا مربط الفرس ذلك ان هذه الآية ومثيلاتها مثل قوله تعالى " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(الكهف 29) قد نسخت بآية السيف كما ذكر سائر المفسرين ، وكما دل الواقع حيث انها لو كانت محكمة لما تمت ممارسة للجهاد..فاذا دعا الصادق المهدي، الى بعث القرآن المنسوخ، فقد وفق للحل الأمثل، وتبقى اشكالية بسيطة، ولكنها عظيمة لدى الصادق، وهي ان هذا الفهم قد طرحه الاستاذ محمود محمد طه قبل خمسين عاما ، فاذا وافق عليه الصادق اليوم، ثم اتقن فهمه ، فسيكون تلميذا فيه وليس زعيماُ !!

    فاذا كان فهم جماعة بن لادن للجهاد خطأ، فقد قتلوا أنفساُ بريئة بغير حق ، قال تعالى " من قتل نفساُ بغير نفس أو فساداُ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاُ ", وهم بذلك قد خالفوا الاسلام مخالفة جوهرية ، فلماذا لا يقرر الصادق المهدي انهم مجرمين ، وقتلة ، وأرهابيين ، ولا علاقة لهم بالاسلام بدلا من ان يهادنهم ويقول عنهم (نحن لا نشك ان هؤلاء المتحمسين المتشددين أسلامياُ لديهم قضية كقضية الفساد والظلم ولكن هذه القضية لا بد ان نحضنها في الوسائل التي لا تأتي بنتائج عكسية ...)[6]!!

    إن حديث الصادق عن الترويع والارهاب يذكرنا بالمهدية ، فقد كتب الخليفة عبد الله التعايشي الى ودالنجومي عن اخبار تمرد الجهادية عليه، وهزيمته لهم (أعداء الله الجهادية الذين كسروا من كردفان بنواحي الجبال قد توجه لهم الحبيب حمدان اب عنجة...واهلك العبيد عن آخرهم... وصار قتل رؤساهم الثلاثة علي ملة وسرور الفور وبشير علي ، وقطع رؤوسهم الثلاثة وارسلها لنا بالبقعة وبعد وصولها أمرنا بتعليقها في المسجد.. ثم أمرنا بتوجيه الروس المذكورة الى الخرطوم لاجل القاها مع رمم الكفرة الذين به لانهم من المغضوب عليهم..)[7]..إن المطلوب من الصادق المهدي، ان يدين هذا الارث الدامي، الملئ بالظلم، والبطش والارهاب، وقتل المعارضين ، وتكفيرهم، والتمثيل بجثثهم ، قبل ان يدين عنف بن لادن ، ويحدثنا عن الديمقراطية، والجهاد بالقلم والرأي على نهج الصحوة ..

    الصادق وحكومة الجبهة :

    يقول الصادق المهدي عن نظام الجبهة ( هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر ، ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية ويقبل ان المصير السوداني ليس حكرا على حزب السلطة، وانما للسودانيين كلهم، صحيح هناك نكسات وهناك معايير مختلفة ، وخطاب مضطرب ، ولكن في جوهر الامر اعتقد ان الموقف الآن هو ان الحكومة والمعارضة يقبلان مبدأ ان يكون المصير السوداني متفاوضا عليه بين القوى السودانية الحاكمة وغير الحاكمة بصورة سلمية ، وانا أعتقد ان هذه اول مرة في التاريخ يحدث فيها هذا النوع من التحول ، صحيح حدثت في عهد نميري المصالحة الوطنية ، ولكن كان واضحا منذ البداية ان نميري كان الحاكم بأمره، وكان يريد ان يجعل المصالحة وسيلة لدفع المعارضة للانخراط في النظام ، وعندما تبينا ذلك تركناه وأستأنفنا المعارضة ضده ، اعتقد ان نظام الانقاذ الحالي ليس فيه هذا النوع من الانفراد بالسلطة أو لدى أي واحد من قادته ..).[8]

    إن إشادة الصادق الآن بحكومة الجبهة، تمهيدا للرجوع الى حظيرتها، ليس أمراُ مستغرباُ، فلقد سبق ان نبهت الى ذلك منذ عدة سنوات !! ففي ندوة عقدت في القاهرة ، بمنزل السيد زين العابدين صالح عام1994 ، تحدث فيها السيد عمر نور الدائم والسيد مبارك الفاضل_ بمناسبة اتفاق شقدم الذي عقداه باسم حزب الامة مع حركة قرنق_ وحضرها جمع من السودانيين، ذكرت انه لا فرق بين الجبهة وحزب الامة ، وان الصادق المهدي قد كان رئيس الحكومة، والحرب في الجنوب قائمة ، والقوانين الاسلامية قائمة ، وحين قام بعض اساتذة الجامعة بحوار مع الحركة عقد في أمبو باثيوبيا قامت حكومة الصادق باعتقالهم وهاجمهم مبارك الفاضل في الجمعية التأسيسية باعتبارهم خونة لانهم تنقاشوا مع العدو !! فلماذا نصدق الآن ان حزب الأمة جاد في الحوار مع الحركة ، او جاد في معارضة الجبهة وهي تنفذ في نفس البرنامج الذي كان الصادق ينفذه حين حالفها ورفض اتفاقية السلام التي عقدها السيد محمد عثمان الميرغني مع الحركة ؟ ولقد ذكرت لهما ان الصادق لا يطيق البعد عن الكرسي، ولهو لذلك سوف يسعى الى مصالحة الجبهة بكل الوسائل ، فرفضا هذا الحديث وسخرا منه.. والحديث مازال مسجل على الشريط ولا تزال الاشرطة لدى الأخ الزين صالح بالقاهرة..

    ان ممارسة الصادق واداء حزبه داخل التجمع ، يعطينا الحق في ان نشك في انه هرب من السودان مراغمة للجبهة ، فيبدو ان الجبهة قد رأت ان تخرجه ليدخل التجمع ويحاول اضعافه ، واقناعه بالمصالحة.. أما هو فقد كان يأمل في الوصول لكرسي الحكم في كل الاحوال ، فاذا استطاع التجمع ان يهزم الحكومة ، سيعود مع الظافرين ليتولى رئاسة الوزارة ، واذا فشل التجمع ، وضعف، فان الصادق سيبادر بالخروج منه، واللحاق بالحكومة .. على ان مشكلة الصادق دائما تكمن في انه يضعف أما الجبهة، ويصدقها للتقارب الفكري بينهم ، فهو لم يكن يتوقع ان تشعره الجبهة بان مصالحته وحده لا قيمة لها، وانه لا بد ان يسعى لاقناع التجمع على الاقل في فصائله الشمالية، حتى تتم المصالحة.. وحكومة الجبهة لم تعط الصادق ما يريد لانها تعلم ضعفه، وحرصه على السلطة ، ومقدرته على التضحية حتى باتباعه في سبيلها.. لهذا فهي تلوح له بها ولا تعطيها له..

    وحين رجع الصادق، رجعت مجموعة من المقاتلين، بعد ان أمضت وقتا طويل،ا في إريتريا دون ان تعطى رواتب ، فقاموا بالاعتداء على عمر نور الدائم ، ولو أنصفوا لطلبوا حقهم لدى الصادق لأن د. عمر نور الدائم لا حول له ولا قوة، ان هو الا تابع للصادق المهدي، لا يكف عن مدحه، ولا يفعل شيئا بغير أمره !! وكما خان الصادق اتباعه، من قبل، فساقهم الى الحرب مع نظام مايو عام 1976 ثم هرع لمصالحة نميري، ودخل الاتحاد الاشتراكي، وأدى قسم الولاء لثورة مايو الظافرة، قبل ان تجف دماء اتباعه على الارض ، هاهو يخونهم اليوم، بعد ان ضحوا بمفارقة وطنهم، والعيش في جبهة القتال ، فيدعو الى مصالحة النظام الذي شردهم ، والتجاوز عن كافة جرائمه، بل يصفه بانه ( يقبل الحوار والتعددية السياسية ) !!

    لقد كانت فترة الصادق مع التجمع، على قصرها، مليئة بالخيانة ، فقد كان معهم في العلن ، ثم هو يقابل الترابي في لندن ثم البشير في جيبوتي في الخفاء !! وحين كشف أمره ، بادر بالهجوم على د. قرنق ، وحاول ان يستعدي عليه حلفاءه من الشماليين ، فلما فشل في ذلك ، خرج من التجمع، وهاجمه، ثم عاد الى الخرطوم ، وحين لم يجد من الجبهة الاسلامية "العظم" الذي يشبعه، غفل راجعا، في وفد من اتباعه، ليفاوض التجمع للرجوع اليه من خلال قبول الجميع للمفاوضة والمصالحة مع النظام.. فهل رأى الناس رجلا منزور الحظ من الكرامة والحياء ، كالصادق المهدي ؟!

    إن خيانة الصادق اليوم تتعدى اتباعه، الى الشعب السوداني جميعه ، فهو يدعو للمصالحة مع النظام الذي قتل الشعب، وعذبه، وشرده، ولا زال حتى اليوم يبيع البترول ويشتري به السلاح ، ويصعد عملياته الحربية في الجنوب، وفي جبال النوبة ، يقتل الابرياء ، ويضرب القرى الآمنة ويروع النساء، والاطفال ، ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد..

    الصادق يقنع التجمع وأمريكا :

    والصادق يحدث جريدة البيان، بانه أختلف مع أمريكا، ومع التجمع، في موقفهما من حكومة الجبهة ، وأخيراُ رجعت أمريكا، ورجع التجمع الى رأي الصادق المهدي !! يقول الصادق المهدي ( أن الراي العام الامريكي والكونجرس الأمريكي وكثير جدا من المنظمات الطوعية الامريكية صارت معبأة ضد النظام السوداني بشكل كبير جدا وهي تعبئة قد اشترك النظام السوداني نفسه في مدها بالاسباب عن طريق سياسته القمعية، وبذلك بعد ان غير النظام سياسته هذه ، فان هذه الاوساط لم تغير موقفها بسرعة لذلك ظهر مفارقة بين رأي الادارة الامريكية وهذه المنظمات واللوبيات وكان حتما سيؤدي هذا الموقف الى مراجعة الموقف الامريكي من المعارضة السودانية المسلحة ، وحقيقة الامر ان هذا كان طلبنا نحن كقوى سياسية ، وقد كنا حريصين على دعم أمريكا للمعارضة السودانية عندما كان الموقف السوداني موقفا نافيا للآخر...ان هذه الموقف الماضي ينبغي التخلص منه لأن المطلوب الآن ليس دعم اتجاه معين في السودان ، وانما دعم فكرة الحل السلمي الشامل... ونعتقد ان هذا ما اتجهت اليه اكثر وأكثر الادارة الامريكية...وحول هذه القضية أختلفنا مع التجمع ، واعتقد ان التجمع الآن يسلك في جوهر الامر اتجاها مشابها ولذلك نحن نعتقد ان ما أختلفنا عليه مع أمريكا تعدل فيه الموقف الأمريكي لصالح ما كنا ننادي به، وما أختلفنا عليه مع أخوتنا في التجمع تعدل فيه الموقف لصالح ما كنا ننادي به ...).[9] فلئن صدق الصادق هذه الدعاوى الكاذبة ، فلأنه يعطي نفسه اكبر من قدرها ، فلماذا يظن ان أحد غيره يمكن ان يصدقها؟!

    مأساة حزب وأزمة قيادة :

    وحين سأل محرر البيان الصادق عن تجميد عضوية بكري عديل ، تحدث الصادق عن الأسس الديمقراطية داخل حزب الامة، وكيف ان هنالك مجلس قيادي، ومجلس أمناء، ومكتب سياسي، ومكتب تنفيذي ، فقال ( اذا هناك شخص قيادي من الحزب خرج عن الموقف الذي أجازته المؤسسات تتصدى له الهيئة وكانها محكمة داخلية لتقييم الاشياء وقالوا ان لديهم أربعة أنواع من العقوبات ألاولى لفت النظر لمن يخالف والثانية التوبيخ والثالثة تجميد العضوية والرابعة الاعفاء من الحزب... وقد رأت الهيئة ان بكري عديل تعدى الخطوط الحمراء لما صدر عنه من حديث عن مذكرات خاصة بالحزب وفي حالة لفت النظر وفي حالة التوبيخ هذه صلاحيات الهيئة وحدها، وفي حالتي التجميد للعضوية أو الفصل اذا استأنف الطرف المعني لرئيس الحزب، لرئيس الحزب الحق في تعديل الحكم..)[10] !!

    والصادق المهدي يحدثنا عن كل هذه الهيئات داخل الحزب، حتى نظن ان في الحزب ديمقراطية ، ولكنه لا يحدثنا عن الخطوط الحمراء، التي تعداها السيد بكري عديل ، ولماذا هي حمراء ، وما سبب وجودها في تنطيم ديمقراطي؟ وهل هناك حزب في الوقت الحالي ، يعاقب قياديه، بالتوبيخ وكأنهم أطفال ؟! أن الشخص المتجاوز لقرارات الحزب، يخطر بذلك رسميا، ليقدم دفعه ومبرراته، ويتم بعد ذلك التصويت حول آراءه في مقابل رأي الحزب ، فاذا وضحت مخالفته للأغلبية، يعلن تراجعه ، أو يفصل من الحزب .. وقد تختلف الاجراءات، من حزب لآخر، ولكنها جميعاُ لا تقوم على مثل هذا الاذلال، الذي يمارسه الصادق على اعضاء حزبه..

    ولعل مأساة ذبح حزب الامة لاعضائه، لم تبدأ بالسيد بكري عديل، وانما سبقه الى محرقة الحزب بروفسير بقادي، والسيد عبد الرحمن فرح، اللذين ادانهما الصادق المهدي، من أجهزة اعلام الجبهة، واتهمهما بالكذب حين ذكرا ان حكومة الجبهة مارست عليهما التعذيب !! وتبع ذلك موضوع أعضاء حزب الامة الذين أجتمعوا وناقشوا انفراد الصادق بالقرار ، وطرحوا آراء حول أعادة الديمقراطية للحزب ، فسمع بهم الصادق وهددهم بالفصل ، فسارعوا بالاعتذار ، ولكن الصادق لم يقبل اعتذاراتهم، حتى كتب كل منهم توبة تسلمها الصادق منهم جميعا،ُ امعاناُ في أذلالهم، وتحقيرهم، وارهابهم حتى لا يعترضوا مرة أخرى .. ولعل هذه المهزلة على بشاعتها، لم تسكت بعض الاصوات الشجاعة داخل حزب الأمة ، وفي مقدمتهم السيد بكري عديل ، فتخطى الخطوط الحمراء الوهمية ، وتمرد على الدكتاتورية اليشعة التي تمارس باسم الديمقراطية داخل حزب الامة، مما عرضه للعقوبات التي لم يستح الصادق ان يذكرها في منبر عام !!

    ولسائل ان يسأل ما ميزة الصادق نفسه على بكري عديل غير انه حفيد المهدي؟ أليست هذه هي الطائفية المنكرة التي يتسلط بها الناس على رقاب بعضهم بسبب انسابهم واحسابهم ؟!

    أحلام العصافير :

    ان الصادق يسعي لاقناع للتجمع ، ويظن انه يؤثر على أمريكا، وان حكومة الجبهة ستعقد المصالحة وتقام الانتخابات ، فيفوز بالدوائر المقفولة ، ويصبح رئيس الوزراء .. وهو ايضا بسبب العبارات الدينية التي يكررها بلا فهم، هنا وهناك، والكتيبات الخاوية، التي ينشرها من حين لآخر، يحلم بان يصبح زعيما أسلاميا عالميا، يعقد مؤتمرا إسلاميا ضخما يصحح فيه المفاهيم لجماعة بن لادن وأمثالهم من المتشددين ويقنع فيه المفكرين الاسلاميين ألم يقل ( فاغلبية المفكرين من الاسلاميين في رأيي الآن هم أقرب الى مفاهيم الصحوة...).[11]

    بكل هذه الاحلام الصغيرة، التي لا تعبر عن آلام الشعب، ومستقبله، يحاول الصادق ان يحكم قبضته على حزبه الذي بدأ يتخلخل تحت أقدامه، وعلى الشعب السوداني المنكوب الذي رزء بحكم بالصادق ثلاث مرات دون ان يحقق فيها مشروعا تنمويا واحداُ ، بل كانت فترات حكمه تمتاز بالفشل في كافة المجالات حتى انه في تجربة حكمه الاخيرة، حل حكومته ثلاث مرات، وكان في كل مرة يغير كل الوزراء ويظل في مكانه ، وكأنه ليس مسئولا عن فشل وزرائه..لقد أنى لهذا الزعيم المزعوم ان يتنحى ، ويعطي الفرصة لغيره ، لو كان حريصا على حزب الأمة ، أو على الوطن ، فقد اتسم كل أدائه بالفشل وصغار الأحلام..



    عمر القراي



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] - جريدة البيان الاربعاء 15 شعبان 1422 الموافق 31 اكتوبر 2001

    2- المصدر السابق

    - عمر القراي 1995 الجهاد أم حرية الاعتقاد؟ القاهرة: مطبعة الشروق [3]

    -[4] -حديث الصادق للبيان.

    [5] المصدر السابق

    [6] -المصدر السابق

    [7] -محمد ابراهيم نقد (1995 ) علاقات الرق في المجتمع السوداني. القاهرة: دار الثقافة الجديدة. ص 100

    [8] - حديث الصادق للبيان.

    [9] - المصدر السابق

    [10] -المصدر السابق

    -[11] -المصدر السابق

    http://www.madarat.org/modules.php?name=News&file=article&sid=16
                  

04-26-2008, 06:10 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    فى الذكرى الثانية والعشرون لإعدامه
    التاريخ: الأثنين 29 يناير 2007
    الموضوع: PHP-Nuke


    فى الذكرى الثانية والعشرون لإعدامه محمود محمد طه ظاهرة أم تيار ؟ شخصيات تكشف معلومات للمرة الاولي منذ اعدامه أمين بنانى : قيادات اليسارقالت إن موقف الإسلاميين من محاكته كان سلبيا حزب الأمة لم يستبعد وجود أيادى خفية تواطت لتصفيته المؤتمر الشعبى : رغم إختلافنا معه نرفض طريقة إعدامه الجائرة حسن مكى : يعتبر أن موقف الإسلاميين حيال القضية بالسلبى هل محمود محمد طه راسبوتين عصره ؟

    أعده وأجراه : بهاء الدين عيسى محمود محمد طه هذه الشخصية المثيرة للجدل فى تاريخ السودان تاره بين دوره الفعال فى الحركة الوطنية ومواقفه القومية وآخرى بين آرائه التى يرى البعض بأنها متطرفة مما دعا من نظام الرئيس السابق جعفر محمد نميرى للتخلص من ما وصفها بالآراء. و التى قال عنها نظام مايو " لابد من إستئصالها تخوفا من الفتنة " التى قيل أنها قد لاحت فى الأفق ويرى بعض المفكرين الإسلامين أن قيادة الحركة الإسلامية آنذاك وقفت ساكنة وكان موقفها سلبيا باعتبار أن من مصلحتهم التخلص سيما وأنه كان يمتلك خاصية جاذبة فى الحديث والعلم والثقافة الدينية والبعض الآخر أن القوى اليسارية عملت على تشوية صورة الإسلاميين مولده ونشأته ● ولد الاستاذ محمود محمد طه فى مدينة رفاعة بوسط السودان فى العام 1909م ، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان ، وأم من رفاعة . توفيت والدته – فاطمة بنت محمود - وهو لماّ يزل فى بواكير طفولته وذلك فى العام 1915م ، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم ، وعملوا معه بالزراعة ، فى قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير أن والده لمّا يلبث أن التحق بوالدته فى العام 1920م ، فانتقل الاستاذ محمود وأخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة . ● بدأ محمود تعليمه بالدراسة بالخلوة ، وهى ضرب من التعليم الأهلى ، كما كان يفعل سائر السودانيين فى ذلك الزمان ، حيث يدرس الاطفال شيئا من القرآن ، ويتعلمون بعضًا من قواعد اللغة العربية ، غير أن عمته كانت حريصة على الحاقه وأخوانه بالمدارس النظامية ، فتلقى الاستاذ محمود تعليمه الاوّلى والمتوسط برفاعة . ومنذ سنى طفولته الباكرة هذه أظهر الاستاذ محمود كثيرا من ملامح التميز والاختلاف عن أقران الطفولة والدراسة ، من حيث التعلق المبكر بمكارم الاخلاق والقيم الرفيعة ، الأمر الذى لفت اليه أنظار كثير ممن عاش حوله. كلية غردون ودراسة الهندسة ● بعد اتمامه لدراسته الوسطى برفاعة أنتقل الاستاذ محمود الى عاصمة السودان ، الواقع حينها تحت الاستعمار البريطانى ، وذلك لكى يتسنّى له الالتحاق بكلية غُردون التذكارية ، وقد كانت تقبل الصفوة من الطلاب السودانيين الذين أتّموا تعليمهم المتوسط ليدرسوا في القسم الثانوي فأكمله الأستاذ محمود بتفوق ومن ثم دخل قسم الهندسة بكلية غردون في عام 1932 ، ودرس هندسة المساحة . كان تأثيره فى الكلية على محيطه من زملائه الطلبة قويا ، وقد عبر أحد كبار الأدباء السودانيين عن ذلك التأثير بقوله : ((كان الاستاذ محمود كثير التأمل لدرجة تجعلك تثق فى كل كلمة يقولها !)). السكك الحديدية واالتوجه السياسى ● تخرج الاستاذ محمود فى العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية ، والتى كانت رئاستها بمدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهر النيل بنهر عطبرة ، وعندما عمل الاستاذ محمود بمدينة عطبرة أظهر انحيازًا الى الطبقة الكادحة من العمال وصغار الموظفين ، رغم كونه من كبار الموظفين ، كما أثرى الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة من خلال نشاط نادى الخريجين ، فضاقت السلطات الاستعمارية بنشاطه ذرعًا ، وأوعزت الى مصلحة السكة حديد بنقله ، فتم نقله الى مدينة كسلا فى شرق السودان فى العام 1941م ، غير أنّ الاستاذ محمود تقدم باستقالته من العمل ، وأختار أن يعمل فى قطاع العمل الحر كمهندس ومقاول ، بعيدا عن العمل تحت امرة السلطة الاستعمارية. ● كان الاستاذ محمود فى تلك الفترة المحتشدة من تأريخ السودان ، وفى شحوب غروب شمس الاستعمار عن أفريقيا ، علما بارزا فى النضال السياسى والثقافى ضد الاستعمار ، من خلال كتاباته فى الصحف ، ومن خلال جهره بالرأى فى منابر الرأى، غير أنّه كان مناضلا من طراز مختلف عن مألوف السياسيين ،حيث كان يمتاز بشجاعة لافتة ، لا تقيدها تحسبات السياسة وتقلباتها ، وقد أدرك الانجليز منذ وقت مبكر ما يمثله هذا النموذج الجديد من خطورة على سلطتهم الاستعمارية ، فظلت عيونهم مفتوحة على مراقبة نشاطه. نشأة الحزب الجمهورى ● فى يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945م أنشأ الاستاذ محمود و رفاقه حزبًا سياسيًا أسموه (الحزب الجمهورى) ، اشارة لمطالبتهم بقيام جمهورية سودانية مستقلة عن دولتى الحكم الثنائى ، وقد كان هذا الحزب هو الحزب السياسى الوحيد وقتها فى المطالبة بالحكم الجمهورى ، وفى المطالبة بالاستقلال التام ، فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الوطنية السودانية ، بقسميها الذين يقودهما حزبا الاتحادى والامة لا يناديان الا بالاتحاد مع مصر (الاتحاديون) أو بالاستقلال فى تحالف مع التاج البريطانى (الامة). أول سجين سياسى فى الحركة الوطنية! ● نشأ الحزب الجمهورى أول ما نشأ على المصادمة المباشرة للاستعمار ، دون أن ورغم أن الحزب الوليد اتخذ من الاسلام مذهبيةً له ، غير أنه فى تلك الفترة لم يكن يملك من تفاصيل تلك المذهبية ما يمكن أن يقدمه للشعب ، فأنصرف أفراده الى ما أسماه الاستاذ محمود (ملء فراغ الحماس) ، و كان الحزب يطبع المنشورات المناهضة للاستعمار ،فتم اعتقال الاستاذ محمود فى يونيو من عام 1946م وتم تقديمه الى المحاكمة ، حيث خُيّر بين السجن لمدة عام ، أو امضاء تعهد بعدم ممارسة العمل السياسى فأختار السجن دون تردد. كان الاستاذ محمود بذلك أول سجين سياسى فى تأريخ الحركة الوطنية السودانية. ثورة رفاعة ● بعد اطلاق سراح الاستاذ محمود واصل الحزب الجمهورى نضاله ضد الانجليز ، حتى حانت فى سبتمبر 1946م فرصة أخرى لتصعيد المقاومة ، اذ قامت سلطات الاستعمار بتفعيل قانون منع الخفاض الفرعونى والذى كان قد صدر فى ديسمبر من عام 1945م ، حين قامت السلطات فى رفاعة بسجن ام سودانية خفضت بنتها خفاضا فرعونيا ، فنهض الاستاذ محمود الى التصدى لحادثة الاعتقال هذه ، معتبرا أنّ الاستعمار بتفعيله القانون فى مواجهة عادة متأصلة لا يمكن محاربتها بالقوانين ، انما يرمى الى اضفاء الشرعية على حكمه عن طريق اظهار نفسه محاربا لعادات الشعب السيئة من ناحية ، واظهار السودانيين كشعب غير متحضر مستحق للوصاية من ناحية ثانية. ● خطب الاستاذ محمود خطبة قوية فى مسجد رفاعة مستنهضا الشعب للدفاع عن المرأة التى نزعت من بيتها الى ظلمات السجن. فتوحدت المدينة بأكملها خلفه فى ثورةٍ عارمة تصاعدت الى اقتحام السجن ، وأطلاق سراح المرأة ، رغم المواجهة العنيفة التى ووجهت بها من قبل السلطات والتى وصلت لحد أطلاق النار على الشعب تمخضت ثورة رفاعة عن سجن الاستاذ محمود لمدة سنتين ، حيث ُسجن فى سجن ودمدنى لبعض الوقت ، ثم أتم باقى مدة السجن فى سجن كوبر الشهير بمدينة الخرطوم بحرى. الحزب الجمهورى يخرج من جديد ● خرج الاستاذ محمود من اعتكافه فى اكتوبر 1951م ودعا الحزب الجمهورى الى اجتماع عام عقد فى 30 اكتوبر 1951م . فى هذا الاجتماع طرح الاستاذ محمود المذهبية الاسلامية الجديدة ، والتى تقوم على الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة ، فى أفكاره التى يرى هو ورفاقه بانها الطريق الأمثل حسب رؤيتهم أصدر أولى كتبه فى عام 1952 بعنوان قل هذا سبيلى ● فى عام 1952م صدر كتاب ((قل هذه سبيلى)) ، وبدأت به حركة واسعة لتأليف الكتب التى تتولى شرح فكرة الدعوة الاسلامية الجديدة وتفصيل مذهبيتها. فصدر كتاب ((أسس دستور السودان)) فى ديسمبر 1955م ليشرح أسس الدستور الذى دعا له الجمهوريون ، *إنقلابيى نظام عبود سعوا لإيقاف نشاطه السياسى ؟ ● لم تتوقف محاولات القوى المختلفة التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشترك بدعاوى قوى الهوس الدينى . وكانت محاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1959م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان أن استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات فى الاندية ، غير أن الحركة استمرت فى شكل ندوات مصغرة تعقد فى المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة. محكمة الرّدة : ● بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة ، تجددت محاولات القوى السياسية لمجابهة الحركة الجمهورية ، حيث دبرت محكمة الردة فى نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة بعد محاكمة صورية سريعة استغرقت نصف الساعة ! ، ولم يمثل طه أمامها ، ولم يستأنف حكمها ، لعدم اعترافه بشرعية المحكمة حسب قوله اصطلحوا مع اسرائيل ● دعا الاستاذ محمود محمد طه ، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل ، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض ! ، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب حسب تعبيره . المصالحة الوطنية وسقوط مايو! ● بدأت سلطة مايو تتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى السياسية .. وبعد دخولها فى المصالحة الوطنية فى العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة * جعفر نميرى ينفذ حكم الإعدام على محمود محمد طه ● فى صباح الخامس من يناير 1985م اعتقلت سلطات النظام المايوى الاستاذ محمود محمد طه بعد أن كانت قد اعتقلت عددا من الجمهوريين قبله ● فى يوم الاثنين 7 يناير 1985م قُدّم الاستاذ محمود وأربعة من تلاميذه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ ، برئأسة حسن ابراهيم المهلاوى ، فأعلن الاستاذ محمود محمد طه رفضه التعاون مع المحكمة ، بحجة عدم شرعية ● فى يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة حكمها بالاعدام على الاستاذ محمود وتلاميذه الأربعة ، وصل جدل واسع بين المؤيدين والرافضين ● فى يوم 15 يناير 1985م أصدرت محكمة الاستئناف برئاسة المكاشفى طه الكبّاشى حكمها بتأييد حكم المحكمة ● فى يوم الخميس 17 يناير 1985م صادق الرئيس جعفر نميرى على حكم الاعدام عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م ، الموافق للسادس والعشرين من ربيع الآخرة من عام 1405ه ، صعد الاستاذ محمود درجات السلم الى المشنقة تحت سمع وبصر الآلاف من الناس ، وعند ما نزع الغطاء الذى كان يغطى رأسه قبيل التنفيذ، انكشف وجهه ● فى السادس من أبريل 1985م سقطت سلطة مايو أمام الإتفاضة ، وفى 18 نوفمبر 1986م أصدرت المحكمة العليا حكمها بابطال أحكام المحكمة ومحكمة الاستئناف بحق محمود. وقد أعلنت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوما لحقوق الإنسان العربي .. *أمين بنانى القيادى الإسلامى أعترف القيادى الإسلامى البارز أمين بنانى بان الأستاذ محمود محمد طه قد بادر بخصومة الإسلاميين منهجيا وعقائديا , قائلا لم يكن الخلاف سياسيا , مبينا أن القيادى الجمهورى تصالح مع الرئيس الأسبق جعفر نميرى ثم إنقلب على نظام مايو بعد المصالحة التى تمت بينه وبين الإسلاميين آنذاك عقب صدور قانون سبتمبر 1982م الذى تم بموجبه الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية , وأشار إلى أن محمود محمد طه وجه إنتقادا واضحا لفكر الإسلاميين , مبينا أن تلك الفترة شهدت جدلا بينه وبين السلفيين من خلال المناظرات الفقهية . وأعتبر بنانى أن د. حسن الترابى فكره لم يكفر محمود محمد طه فى حديثه حول الردة السياسية , وأكد بنانى أن الحديث حول موقف الإسلاميين السلبى حول إعدام محممود محمد طه خط قاده قيادة اليساريين ,ضد الإسلاميين , من يتحمل هذا الإعدام هو نظام مايو , والحركة الإسلامية لم تدعو لإعدام الآخرين رغم الدعاوى التى أطلقت على د. حسن الترابى والجدل الذى دار حول آرائه مؤخرا . *كمال على عمر أمين الدائرة العدلية فى حزب المؤتمر الشعبى يرى الأستاذ كمال عمر أنه رغم الإختلاف الفكرى بين الإسلاميين ومحمود محمد طه إلا أننا نرفض الطريقة التى تم بها إعدامه , وبعض القوى السياسية حاولت نسب التهم للإسلاميين , وطريقة المحاكمة التى تمت طريقة جائرة تتنافى مع القوانيين الدولية وقوانيين حقوق الإنسان , ولو نظرنا إلى سيرة حبيبنا محمد علية أفضل الصلوات والسلام لوجدنا سماحة المعاملة فففى المدينة كان يوجد بها ما يسمى بحزب الشيطان وحزب الأنصار والمهاجرين الذين خاوا بينهم المصطفى , الذى لم يكن قط حاشا لله قاهرا أو ظالما . ومحاكمة محمود محمد طه تشبه محاكمة عود البندر للأكراد والتى جاءت بقرار من الرئيس العرقى الأسبق صدام حسين , فالمحكمة كانت سياسية والقاضى آنذاك المكاشفى طه الكباشى نفذ مطالب الرئيس جعفر نميرى *د. عبد الرحمن الغالى القيادى بحزب الأمة حزب الأمة رفض قوانين سبتمبر بوضوح , وكان لدينا موقف واضح منذ صدورها , وفى خطاب العيد فى العام 1983م بمسجد ود نوباوى بأمدرمان أكد الحزب بوضوح رفضه للقوانين التى قلنا أنها تحتوى على عيوب تتنافى مع القوانين والتشريعات , و؟إعتبرنا أن تلك القوانين هى محاولة للتخلص من خصوم نظام مايو . ولعل بعد هذا الحديث مباشرة تم إعتقال قيادات حزب الأمة بما فيهم رئيس الحزب السيد الصادق المهدى , محكامة محمود "سياسية " ولم يستبعد عبد الرحمن الغالى وجود أيادى خفيه لعبت دور فى تصفيته . · المفكر الإسلامى : حسن مكى فى حديث سابق للدكتور حسن مكى المفكر الإسلامى راى فى حديث سابق أجريته معه أن موقف الإسلاميين من محاكمته فى ذلك الوقت كان سلبيا باعتبار أن محاكمته سبقها المصالحة مع الإسلاميين ومن ثم إنقلب النميرى عليهم قبيل الإنتفاضة بايام . من المحرر : الشخصيات التى زاملت محمود محد طه ترى أن شخصيته جاذبة ولديها " حس " إقناعى كبير قيل أنه يسلب الإرادة فهل محمود محمد طه كان مثل راسبوتين سيبريا . كما قال عنه سكرتيره الشخصى راشفسكى يسلب الإرادة ويوهم العقول .

    http://www.splm-ns.org/modules.php?name=News&file=print&sid=61
                  

04-26-2008, 06:12 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ياسر سعيد عرمان::قرنق أصر على بقائي وقلت لسلفاكير ساعمل لعام واحد

    Anonymous كتب "تسرب من بين عيون و ثقوب الحياة السياسية فى شمال السودان الطالب ياسر سعيد عرمان عندما اتجه الى ادغال الجنوب ناشدا حركة الدكتور جون قرنق ولسان الذين افتقدوه يردد ( ولدا متين بقى للسفر والاغتراب و الدردرة ) و لكن فى عيون البعض كان مبعوث الحزب الشيوعى السودانى لاختراق الحركة الشعبية و امتطائها لايصال الشيوعيين الى الحكم . كبرت الحركة و كبر ياسر و رحل قرنق و بقيت الحركة وبقى عرمان وزادت الاتهامات وتجددت عندما نشط ياسر فى قطاع الشمال فكيف يرد الاتهام؟ و كيف يرد على الذين يتهمونه؟!

    · فى ظل الاستقطاب الواسع الذى يقوم به قطاع الشمال داخل الحركة الا تخشون من الاختراق السياسى لتنظيمكم ؟ نحن ومنذ استقبال د. جون قرنق فى الساحة الخضراء كان هناك مؤشر واضح وثيرمومتر دقيق لكل من يقرأ قراءة سياسية جيدة ان فكرة السودان الجديد و بعد 21 أصبحت فكرة تلبى حاجة كبيرة للغاية للمثقفين والناس العاديين و قد كان في انتظار د.جون قرنق جماعات كبيرة , و الحركة استقبلت اطروحاتها كل اطراف المجتمع السودانى , فالطرق الصوفية رأت فى رؤيتها امتدادا لروح التعايش والسماحة التى غرسوها فى هذا البلد كذلك النساء المهمشات والمزارعين والريف الذى افقر والبيوت التقليدية التى همشت وابناءها المثقفين إضافة للتوتر الاثنى الحاد الذى لا بديل لمعالجته سوى رؤية الحركة الشعبية. وانا التقى عشرات الناس يوميا ومنهم على سيل المثال زعماء قبائل الرشايدة العربية , وتقرأ هنا إهداء بكلمات مشرقة من احد عمدها .. ود. جون قرنق اختزن احلام هؤلاء الناس. نحن حركة جماهيرية عاتية لا تخشى الاختراقات وانما تخشى الاختراقات الاحزاب العقائدية الصغيرة لكننا حركة جماهيرية يأتيها الناس بالالاف و تاتيها قبائل كاملة , و لك ان تعلم ان فيها تنظيما يسمى اللجنة المركزية لابناء المساليت و قطاعات نوبية و رجال طرق صوفية. و نحن وضعنا استراتيجية ان تبنى الحركة على الانفتاح الواسع لاستيعاب هذا الكم الهائل .. قطاع الشمال مثلا كان به 17 شخصا يقومون بالعمل الان بلغوا مائة و اربعين و له مدرسة سياسية هى مدرسة د. جون قرنق و لدينا حملات تنظيمية واسعة للعمل و ذهبنا للاقاليم و كان مدهشا مستوى الاستقبال من الجماهير وهى لا تكذب . · أنت متهم دائما بالعمل لمصلحة الحزب الشيوعى داخل الحركة الشعبية ؟ رواية مضحكة وتوضح بؤس ما ارادوا الصاقه بى وهم يعلمون ان الجماهير واستقبالاتها الحاشدة لا تكون لحركة تعمل بالوكالة . وغريب ان يحتج خصوم الحركة الشعبية فما هذا الود والاهتمام بها ؟! اقرأ من يقوم بالكتابة فى هذا الامر والاتهام الآن أن د. جون قرنق نفسه يعمل لمصلحة الحزب الشيوعى وهذه مسألة مضحكة والذين يعرفون قامته وقدرته لا يصدقون ذلك .. فمثلا اسحق احمد فضل الله و غيره .. اذا تعاملت معهم بحسن نيه و دون شكوك يمكن ان اقول انهم كالفأر الذى لا يزال يرى ان القط هو اخطر مخلوق فى العالم على الرغم من وجود القنابل النووية و اسحق لا يرى اكثر من ارنبة انفه , ولكن اذا اكتملت بشكل حقيقي فان اسحق ومن معه يريدون اغراق الحركة الشعبية وارباكها وجرها الي قضايا اثنية , ولديهم مصلحة في تخويف الناس وابعادهم عنها ,ولعلك تذكر في الاحتفال بذكرى جون قرنق في استاد المريخ ان اسحق ومن معه كتبو ان استاد المريخ سوف يشهد مجزرة ,وقالو ان الشموع التي اوقدناها انها عادة مسيحية ,وكان شعارنا (فلنوقد شموع التسامح والمحبة ) وشعاراتنا تكشف نياتنا ,وشعارتهم تكشف نياتهم دائما . وهم يريدون استخدام اى رماد يذر علي العيون ,وبداوا بالقول ان هنالك مذكرة قدمت للسيد سلفاكير ,وان دينق قوج وملونق واقوك ماكور يحتجون فيها على تهميش ياسر عرمان لهم في قطاع الشمال، ولكن وصلهم في ذات الوقت ان دينق قوج يشرف على ولاية سنار واقوك ماكور يشرف على ولاية الجزيرة، وملونق يشرف على ولاية النيل الابيض وهي ظاهرة جديدة ان يشرف على العمل في ولايات الشمال شباب جنوبيين وهذا لم يحدث منذ هزيمة حركة اللواء الابيض. · البعض يصفك (بالمفرغ) من الحزب الشيوعي للعمل داخل الحركة كعمل منظم مسبقا ومعد سلفاً؟ هم يعتبرون ان مقتل الحركة الشعبية لتحرير السودان في بقائها حركة جنوبية، ويخافون نجاحها في الشمال، وانها ستنجح اذا نجحت في اهدافها القومية، لذا المعركة طويلة وهي امتداد لمثلث كولينالي يقسم السودان على اساس عرقي وديني، واسحق فضل الله يلعب في هذا المثلث ويرى بعوين انجليزية استعمارية والتي يقول انه ضدها ولم يتخط ذلك ويرى البلاد شمالا وجونا، مسيحيين ومسلمين. · ما هو مصير مفاهيم السودان الجديد في حال انفصال الجنوب؟ وما هو مستقبل قطاع الشمال؟ تقرير المصير هو النقاط (أ، ب،ج) وانت لا تتحدث عن النقطة (ج) قبل ان تمر بالنقاط (أ) و (ب)، وما نفعله الان يمكن ان يؤدي الى نتائج ومآلات مختلفة، والانفصال والوحدة نتاج ما نفعله اليوم، فحين نقول وحدة جاذبة لا نطلب من الاستاذ فضل الله اسحق ان يبتز باسمها، فجاذبة تعني فقط تنفيذ الاتفاقية والذي يعطي توجهات وسياسات جديده ويولد فرصا جديده منها الجانب التنموي كانشاء السكك الحديدية والنقل النهري وكذلك الطرق البرية بين الشمال والجنوب، واتمنى انشاء هيئة لربط الشمال بالجنوب، والدكتور جون قرنق اشرف بنفسه على تصميم 18 طريقا لذلك و ... · لم تجبني على مصيركم ومفهوم السودان الجديد حال انفصال الجنوب؟! الجنوب اذا انفصل لن يذهب الى موزمبيق, وسيكون جنوب السودان , ومفهوم السودان الجديد لا مناص منه في الشمال او الجنوب , بل وليس في السودان ولكنه مهم لكل افريقيا التي بها تعدد اثني وديني, والمشكلة إدارة هذا التعدد وفي الشمال الكثير من القبائل, والجنوب كذلك, والمطلوب إدارة الوحدة في اطار التنوع ,وهو مفهوم السودان الجديد ببساطه والافكار لا ترتبط بالجغرافيا وانما بتاريخ المجتمعات البشرية وفصل الجنوب لن يلغي التنوع داخل الشمال او حتى داخل الجنوب نفسه .واستغرب مثلا ان يكون شعار الطيب مصطفى علي جريدة (الانتباهة ) خريطة السودان كله , وكان عليه ان يكون امينا مع نفسه ويضع خريطة لشمال السودان فقط. · لماذا وصلت المعركه بينك والطيب مصطفي الي حد التراشق والاتهام الحاد؟ انقل عني للطيب مصطفي ولامثاله انهم يستثمرون في الكراهية وفي الفتن ,وانا أستثمر في التعايش وهما مشروعان مختلفان . · ولكنهم يتحدثون عن طموحات شخصية وسياسية لياسر عرمان داخل حركته الشعبية ؟ انا ليست لدى طموحات سياسية وحتى داخل الحركة نفسها ,وكنت ساعتزل النشاط السياسي منذ زمن نتيجة للمماحكات في الحياة السياسية ,وانا اسعي لمشروع كبير في ان يظل السودان بلدا فاعلا ,وقد حاولت اكثرمن مره ان اهجر العمل السياسي, وطلبت من الدكتور قرنق ذلك ولكنه طلب مني واصر علي ان اكون موجودا .وبعد رحيله لم اكن اريد ان ابدا في المرحلة الجديدة وجئت بطلب الي رئيس الحركة الشعبية السيد سلفاكير وقلت له اني سامضي معك عاما واحدا حتى تثبت اقدام الحركة الشعبية في مهامها الجديد بعد الدكتور جون قرنق ,وحتى نفعل ما نراه مفيدا مما يساعدك ويساعد الحركة الشعبية علي وجه الخصوص . والان وغدا كل ما اقوله من اجل الحركة وضد خصومها ولكن ليست لدي طموحات خاصة ولماذا اعمل حزبا وحزبي الاكبر الان الحركة الشعبية وانا من الذين بنوها ؟ ولماذا ابحث عن حزب اخر وقد امضيت فيها واحد وعشرون عاما والقمح مر في حقول الاخرين والحركة نحن جزء منها *هل سيتطور قطاع الشمال الي حزب في حال انفصال الجنوب إن انفصل الجنوب وتمزق السودان فانا لا اسف على أي حزب من الاحزاب, وسيكون قد تمزق اكبر حزب وهو السودان ، وماذا تفيد الاحزاب؟! والذين لا يزعجهم ذلك هؤلاء يجب ان يذهبوا الي احد مستشفيات المعالجه النفسية. *المعركة تبدو بينك وبين رموز الحركة الاسلامية دائما ومنذ امد بعيد لماذا؟ ليس كل الاسلامين ولكن ... إن الطيب مصطفي وغيره , منهزمون حتي أمام الفكرة الإسلامية نفسها . وهُم يعلمون ان رجال الطرق الصوفية بالرايات المطرزة وعلي مدى 900 عام نشروا الإسلام والتسامح بين الناس، أما هؤلاء لا يدعون للإسلام ولهم هزائمهم وهم مهزومون والآن يعيشون على هامش الحركة الإسلامية وقد هزموا هزيمة نكراء ولا سبيل لهم، وهم متوارون ومتراجعون ويعبرون عن احباطات ويريدون إرباك الحركة مثلما ارتبكوا! فالطيب مصطفى مرتبك ارتباكا إنسانيا عميقاً وذلك لانه يعلم إن الإسلام هو الذي يستهدي ب(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وهو دين كوني وعالمي، ومشروع الطيب مصطفى هزيمة للإسلام وهزيمة للفكرة نفسها ويعلم ذلك ويعز عليه وجود ناس مثلنا يؤمنون بحق الآخرين والحياة عابرة. · ولماذا يواجهون ياسر فقط ويتركون رموز الحركة الاخرين بل ورموز الحزب الشيوعي الواضحة على الاقل؟ لا توجد مواجهة معي هم ينظرون الى خلفي، 45 ألف من أعضاء الحركة بالجزيرة و8 آلاف بكسلا و7 آلاف بكنانة وما يقارب الألف بالجزيرة ابا، ولم تأت إحصائية نهر النيل والولاية الشمالية بعد! ولكن ما يعز على الطيب مصطفى ومن معه ان محمد عبد السلام شنان هو سكرتير الحركة فيها، وهو لا يريد ذلك ولا يريد انضمام شماليين للحركة، ولكن شاء الطيب او لم يشأ سأسهم في هذه الحملة واريد ان اغرس واساهم في غرس أرجل الحركة عميقا في ارض الشمال وذلك ما ينفع الناس، والطيب تأتيه تقارير من جهات عديدة تؤكد فاعلية الحركة وبقاءها بعد رحيل قرنق، فالخوف من مشروع السودان الجديد وليس ياسر عرمان. · ألا تأتي نجاحات ياسر وقطاع الشمال على حساب الحزب الشيوعي؟ الحزب الشيوعي موجود وأكن له احترام كغيره من الأحزاب حتى المؤتمر الوطني، ولكن الخوف من مشروع السودان الجديد، ويريدون إلصاق التهم به لأنه هزم أفكار الطيب مصطفى الذي ينزوي ويتراجع ويسعى لتقسيم السودان بينما نسعى لوحدته وذلك يقض مضاجع امثاله لانه مشروع مضاد لافكار الطيب مصطفى. · هنالك تهم واضحة في مواجهة ياسر عرمان من الشيوعية الى العلاقة الخاصة بقرنق؟ لا يجدون تهما اخرى وليست الوحيدة ، وفي البداية كانوا يريدون جرنا الى فتن عرقية ولكننا واجهناهم بالحقائق واسقط في أيديهم، وتكلموا عن اولاد قرنق وسلفاكير اكبر هؤلاء الأولاد، وقال انا الوحيد الذي حاربت الى جانب قرنق كتفا بكتف، وليس في الحركة أولاد لقرنق او لغيره وانما هي محاولة لزرع الفتن، وانا جندي لهذه الحركة في أي مكان واي زمان وفق تكاليفي. · كيف تفصل علاقتك بالحزب الشيوعي الان؟ تربطني علاقات صداقة بقيادات الحزب الشيوعي وهو حزب جيد ولا يمكن لاطروحات الطيب مصطفى ان تجعلني انزوي وأتحدث عنه بغير ذلك، كنت بالحزب الشيوعي في يوم من الأيام وتعلمت منه ، ونحن لا نتبول في الاناء الذي اكلنا فيه ، والطيب مصطفى يفعل ذلك للترابي ولا نفعلها نحن ، بل نحن نقدر حتى الترابي نفسه ونقدر البشير وعلي عثمان لأنهما صنعا معنا اكبر تاريخ جديد للسودان وهو اتفاق السلام، وأنت تقرا صحيفة الطيب مصطفى تراه يهاجم ياسر عرمان والدكتور حسن الترابي وذلك لان لديه صدمة وإحباطا. انا لست كذلك، أرى الحياة فسحة قصيرة وعابرة يجب ان استخدمها فيما يفيد الناس وسنتبارى في عمل الخير والخير خير ان طال الزمان به. · ثمة ما يعطي إحساسا بان ياسر لا يزال يساريا؟ اليسار في العالم كله كان مع العدالة، وأنا لا أزال يساريا ولا مجال لاي شخص ان يحاكمني في محاكمات التكفير، ولست غريما لكارل ماركس والذي قال أفكارا استفدنا منها.. ومرة قال لي البشير ( الجماعه ديل يقولون لي ابن عمك شيوعي) فقلت له: (سيدي الرئيس ان تكون شيوعيا ليس كما انك زغاويا او جعلي ولا يمكن ان نغيرها !!) فالعالم كله قابل للمتغيرات وان كنت لا ازال يساريا ادعو للعدالة الاجتماعية فلن اتخلى عن ذلك، واحترام تاريخي في الحزب الشيوعي ولا اتبول على الاناء الذي اكلت منه؛ كما يفعل الطيب مصطفى، كما ذكرت انفاً.. · ماذا تسمي ما يجري حولك؟ هذه حلمة لا تهز شعره مني، واحمل ايامي وسنواتي هي التي قضيتها في الحركة الشعبية لتحرير السودان، والحياة دون قضية لعنة كبيرة. وفي حركة الانانا الاولى كان الذي يستمع الى اذاعة امدرمان يكسر الراديو، ومرت أزمنة وخلقنا ثقة جعلتنا ندخل على مقر الدكتور جون قرنق باسلحتنا ونخرج ولا يشك فينا احد مطلقا، وكسرنا حاجز انعدام الثقة وخلقنا تاريخا جديداً، ماذا نريد بعد ولقد ساهمنا في بناء حركة من جميع انحاء السودان! نجحت ام فشلت فهذه مألات مستقبل الأجيال القادمة وان كنت اتمنى ان اكون عايشت حركة اللواء الابيض، فانا تهزني بعنف صورة عبد الفضيل الماظ وهو يقطع شارع الجامعة في الصباح حاملا صناديق الذخيرة ومعه جنوده والذين كانوا يحسبون انه سيوجهها الى صدور السودانيين حبا في الانجليز وعلاماتهم العسكرية ولكنه وجهها الى رؤوس الانجليز. ونحن ليس لدينا ما نندم عليه ، ولقد عشنا سنوات جميلة مع الدكتور جون قرنق ومع انبل الناس ممن لن تجد مثلهم. · هل جديد الحركة الشعبية هو تقديم ياسر وغيره كواجهات شماليه في الحركة؟ ليس فقط ذلك بل الجديد ان شبابا وشابات جدد ساهموا في بناء الحركة في السودان تحت قيادتي ومعي، ولقد فرغت من جولة في الأقاليم ، وليذهب الطيب مصطفى وليستقبل مثل ما استقبلنا، فحتى في ولاية نهر النيل لن يستقبله او يحفل به احد!! والشعب السوداني معنا ومن اجل حياة أفضل. · ولكن الحركة نفسها فيها تيارات جنوبية مختلفة فيما بينها؟ هذا سر مفتوح، والحركة باستمرار فيها صراع بين من يرون ان تقصر الحركة عملها في الجنوب وبين من يرون انها يجب ان تتمدد في كل السودان، وميزتها انها تستطيع دائما ادارة حوار بين من يدعون الى القومية وغيرهم. وتوفق بين التزاماتها في الجنوب ونحو الوطن، وهذه عبقرية الدكتور جون قرنق الرئيسية ومساهماته من اجل كل السودان وهذه التيارات موجوده. · تتحرك في نظر الكثيرين بماكينة ضخمة في الشمال.. من أين لك قوة الدفع هذي؟ أنا لا يمكن ان أقوم بكل هذه العمل الكبير في شمال السودان دون دعم الحركة الشعبية ، وما قمت به أجيز قبلاً؛ خططا وبرامج في المكتب السياسي للحركة الشعبية وليس في أي حزب اخر. في جوبا صفق اعضاء المكتب السياسي جميعا عندما قدمت تقريري عن العمل في قطاع الشمال، وسلفاكير يدعم ما اقوم به ، فكيف اعمل كل ذلك دون دعم الحركة ؟!. اما الحديث عن اهداف ياسر عرمان فهو محاولة لاصطياد وتمزيق الحركة الشعبية، فانا لست جديدا على الحركة بل انا قديم فيها ولدي صداقاتي وعلاقاتي وتاريخي ولم اقفز من الشباك، ولقد طرقت أبوابها منذ سنوات بلغت 21 عاما. · الغالب ان أكثر شماليي الحركة من أصول سياسية يسارية خاصة الرعيل الأول؟ ليس كل شماليي الحركة أتوا من خلفية يسارية، فمنصور خالد لم يكن يساريا، ولكن حركات الهامش ذات طابع يساري. والحركة إلى حد ما بها مسحة يسارية، وهذه ليست جديده، وفي مدارسها السياسية كان يدرس أدب اليسار باستمرار. · وذلك يجعل احتمالات التنسيق والتحالف مع الحزب الشيوعي قائمة؟! لماذا الحزب الشيوعي ؟! كل القوى السياسية يمكن ان ننسق معها في المستقبل · لماذا لا يعجب أداء ياسر السياسي بعض الرموز السياسية ولا يرتاحون لحركته في الحركة وفي القطاع؟! لقد شاركت في ثلاث حملات رئيسية منها حملة استقبال جون قرنق وحملة تأبينه وتنظيم الحركة الشعبية في شمال السودان وذلك لا يعجب الكثيرين خاصة النجاح الباهر الذي حققه فريقي، ويمكنك أن تسألهم لماذا أنا بالذات أؤرقهم وأنا تعلمت من الأستاذ محمود محمد طه أن يكونوا في أشخاصهم موضع حبي وفي أفكارهم موضع حربي. · هل أنت متفائل وخاصة بالنجاحات الكبيرة التي ذكرت انك حققتها في الحركة وفي قطاع الشمال مع الآخرين؟ لدي قلق كبير، وكانت لديّ أحلام في سودان كبير وان يتوجه المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لرسم خارطته في الإقليم والعالم، ولكن هذا الحلم بدأ يتراجع بفعل قضايا كثيرة، ولكنني باستمرار سأدفع ضد محاولة إغراق الحركة الشعبية في لجة من الصراعات العرقية، وضد محاولة تخريب العلاقة بين الشمال والجنوب، وسأدفع ضد تصنيف السودانيين على أساس عرقي وعنصري ديني وهذا مضر أيما ضرر، سأشعر بأسف شديد ان لم يتم ذلك. "

    http://www.splm-ns.org/modules.php?name=News&file=article&sid=62
                  

04-26-2008, 10:27 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شخصيات ومواقف مهضومة

    فى ذكرى الاستقلال نستعيد جزءا من تاريخ السودان القديم والمعاصر ؛ ونتامل فى دروسه ومآثره ؛ عسى ان نستخلص منها بعض الحكمة . نفعل ذلك وفق قناعة ؛ بان من لا ينظر الى ماضيه ؛ لا يدرك حاضره ؛ وقطعا لا يتاتى له ان يرسم خطوط مستقبله . واذا كان هذا صحيحا على المستوى الفردى ؛ فانه اكثر من صحيح على مستوى الشعوب والامم ؛ والتى لها ذاكرة جماعية ؛ تتذكر وتنسى وتتناسى ؛ تماما كما الافراد .

    وقد عن لى فى هذه الخاطرة ؛ ان استعيد ذكرى بعض الشخصيات والمجموعات السودانية التى هضمها التاريخ الرسمى ؛ رغم اسهامها الفذ فى صيرورة السودان المعاصر . واكاد ازعم بان هذا التجاهل او الهضم ؛ لم يكن دافعه النسيان الطبيعى ؛ وانما التناسى المقصود ؛ وذلك لان هذه الشخصيات كانت خارجة على الخط المرسوم للمفهوم الرسمى للوطنية السودانية ؛ والتى تقوم على اختصار السودان فى السودان الشمالى النيلى ؛ سودان الوسط ؛ وتختصر مكوناته الثقافية الى مجرد التكوين العربى الاسلامى ؛ وتختصر حركته السياسية والفكرية فى الاسهام المحدود للنخبة الشمالية واحزابها واتجاهاتها .

    واول المجموعات المهضومة هى انتفاضات الاطراف ضد الحكم الانجليزى ؛ ومن بينها انتفاضات الدينكا والشلك والنوبة والفور ضد الحكم الانجليزى ؛ والتى لم تجد حقها من التوثيق كما وجدته انتفاضة الحلاويين المهدوية بقيادة ود حبوبة ؛ او اسطورة عثمان دقنه مثلا . ان احد الطوائف التى قامت فى تاريخ السودان الحديث فى جنوب السودان ؛ والتى تجاوزت الاطار القبلى ؛ قد كانت طائفة ابناء دينق ( Deng Cult) ؛ والتى نشطت من اول القرن حتى اواسط الثلاثينات ؛ وكانت المحرض على العديد من الانتفاضات القبلية والوطنية فى جنوب السودان ؛ وكانت ذات طابع معاد للاستعمار بشكل واضح ؛ على خلاف الطوائف الرئيسية فى الشمال ؛ الانصار والختمية ؛ والتى كانت موالية للادارة الانجليزية آنذاك .

    كما نجد وسط الفئات المهضومة ثوار العام 1924 ؛ والذين وان تم الاشارة الى قادتهم ؛ بشكل مختصر ؛ الا ان اعضاء اللواء الابيض المنتشرين فى العاصمة والاقاليم ؛ لم يجدوا الحظ الكافى من الدراسة ؛ بل انه حتى شخصيات قيادية مثل عبيد حاج الامين وعبد الفضيل الماظ ؛ لم تنشر عنها دراسات او كتب ؛ وما الكتب التى كتبت عن على عبد اللطيف ؛ الا وهى فى معظمها مكتوبة باقلام اجنبية ( مصرية ؛ انجليزية وحتى يابانية ) ؛ بينما يظل ارث هذه الثورة فى الاضابير ؛ والاشتراك الشعبى فيها مجهولا ؛ ودور العناصر ذات الاصل الجنوبى او النوبى او من الفور ؛ وهو دور اساسى فى هذه الانتفاضة الوطنية ؛ مغموطا ومهضوما .

    كما نجد وسط الشخصيات المهضومة ؛ عناصر مثل بولين الير ؛ والذى نشط فى اوائل الخمسينات ؛ وكون مجموعة وطنية جنوبية خارجة من الاطار القبلى ؛ وداعية الى السودان الموحد ؛ القائم على اسس عادلة ؛ وكان يمكن اذا امتد به العمر ؛ ان يكون احد الشخيات الفذة والمؤثرة فى السودان ما بعد الاستقلال .

    كما نجد شخصيات مثل عبد الله رجب ؛ صاحب جريدة الصراحة ؛ والذى دعا فى اول الخمسينات الى الكفاح المسلح ضد الحكم الانجليزى ؛ وشكل وجريدته منبرا للقوى الوطنية الخارجة من اسر الطائفية ؛ رغم انه لم ينتم الى حزب ؛ بل بقى مؤسسة بذاته ؛ رغم ان بعض الاحزاب قد بنت وجودها وخروجها الى العلن على صفحات جريدته .

    كما نجد وسط الشخصيات التى هضم دورها فى النضال من اجل الاستقلال ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ رئيس الحزب الجمهورى ؛ والذى شكل رفضا للطائفية ؛ ودعوة للجمهورية الديمقراطية الاشتراكية فى السودان ؛ وكان ذو مواقف جريئة ضد الاستعمار ؛ دخل بسببها السجن لسنوات ؛ قبل ان يتحول الى داعية دينى ؛ فى اوائل الخمسينات .

    كما نجد وسط الشخصيات المهضومة ؛ قيادات الحركة النقابية ؛ من العمال والمزاعين ؛ من امثال الطيب حسن ؛ ومحمد الحسن سلام ؛ وغيرهم وغيرهم ممن بنوا صروح الحركة النقابية السودانية ؛ كاول مؤسسات المجتمع المدنى الراسخة ؛ ولا ننسى شهداء عنبر جودة من المزارعين ؛ والذين تم اغتيالهم من قبل الحكومة " الوطنية " ؛ وهم يناضلوا من اجل حقوقهم المشروعة ؛ بشكل سلمى .

    كما تبقى مغموطة الادوار التى لعبتها نساء السودان وشباب السودان ؛ فى النضال من اجل الاستقلال ؛ وفى النضال ضد التسلط فى العهود " الوطنية " فيما بعد ؛ وتبقى مهضومة ذكرى شهداء النضال من اجل التحرر الوطنى ؛ ومن اجل الديمقراطية لاحقا ؛ بدءا من شهداء العام 1898 ؛ وشهداء ثورة 1924 ؛ وشهداء التمردات والثورات المختلفة ؛ والى شهداء الجمعية التشريعية ؛ وكل شهداء النضال من اجل الحرية ضد انظمة عبود ونميرى والبشير ؛ والذين يتم تمجيدهم طالما كانت هناك معارضة للنظم التى اغتالتهم ؛ حتى اذا ما وصل معارضى الامس الى السلطة ؛ واصبحوا حكاما ؛ تناسوهم كما ينسى حلم نوم عابر .

    ان ذكرى الاستقلال تفرض علينا ان نزيح المخبأ من كل تاريخنا الوطنى ؛ وان نرفع الهضم والظلم عن كل دق ازميلا من اجل ان يقوم الصرح السودانى ؛ وهذه دعوة للجميع لان يفصلوا فيما اجملنا فيه ؛ ويدققوا ويصححوا فيما هضمناه نحن ؛ ولنا فى كل حال الى هذة الثيمة ؛ عودة اكيدة .
    عادل عبد العاطى
                  

04-27-2008, 06:49 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

04-27-2008, 06:52 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا السودانية: عرض الكتب والدراسات


    نحو تطوير التشريع الإسلامى

    تأليف د. عبدالله أحمد النعيم

    ترجمة وتقديم: حسين أحمد أمين

    سيناء للنشر، القاهرة 1994

    -1-
    [/align:9abbbeaa4b]



    يبدو أنَّ المصريين قد اعتادوا واستمرأوا فكرة أن تكون بلادهم مصدر الإشعاع الفكرى فى العالمين العربى والإسلامى، ذلك أنَّ القليلين من مثقفيهم هم الذين يلقون بالاً الى الثمار الفكريَّة فى الأقطار المحيطة بقطرهم، أو يقدرون الضرر الذى سينجم حتماً، عن هذه العزلة وهذا الإغفال. وها قد مضى أكثر من ربع قرن على ظهور كتاب فى السودان، هو كتاب "الرسالة الثانيَّة فى الإسلام" للشهيد محمود محمد طه، الذى أعدَّه أهم محاولة ينهض بها مسلم معاصر لتطوير التشريع الإسلامى، والتوفيق بين التعاليم الإسلاميَّة ومقتضيات المعاصرة، دون أن يحظى فى مصر (أو فى بلد إسلامى خارج السودان على حد علمى) بالإهتمام الذى هو أهل له، ودون أن نلمس له تأثيراً فى إتجاهات مفكرينا ومثقفينا وجمهور شعبنا، رغم إحتوائه على فكرة أساسيَّة ثوريَّة لا شكَّ عندى فى قدرتها متى صادفت القبول لدى الرأى العام الإسلامى، على أن توفر الحلول لمعظم المشكلات التى تكتنف موضوع تطبيق الشريعة، فى إطار إسلامى.



    وفى الكتاب بين أيدينا عرض واف لهذه الفكرة ولغيرها من الأفكار التى نادى بها المرحوم الأستاذ محمود محمد طه. غير أنه لا بأس من أن نوجز الفكرة الرئيسة فيما يلى:



    إنَّ النظرة المتمعنة فى محتوى القرآن الكريم والسنة النبويَّة تكشف عن مرحلتين لرسالة الإسلام: المكيَّة والمدنيَّة. والرسالة فى المرحلة الأولى هى الرسالة الخالدة والأساسيَّة، رسالة تؤكد الكرامة الأصيلة لكافة البشر، دون إعتبار للجنس، أو العرق، أو العقيدة الدينيَّة أو غير ذلك. وقد تميزت هذه الرسالة بالتسويَّة بين الرجال والنساء، وبحريَّة الإختيار الكاملة فى أمور الدين والعقيدة. فأما أسلوب الدعوة اليها فقائم على أساس الإقناع بالحجج العقليَّة، والجدل بالتى هى أحسن، دون أدنى قدر من الإكراه أو القهر.



    وإذا رفض المشركون هذا المستوى الرفيع للرسالة، وبدا واضحاً أنَّ المجتمع ككل لم يكن بعد مستعداً للأخذ بها، جاءت الرسالة الأكثر واقعيَّة فى الفترة المدنيَّة، ونفذت أحكامها. وعلى هذا فإنَّ جوانب رسالة الفترة المكيَّة، التى لم تكن قابلة للتطبيق العلمى فى السياق التاريخى للقرن السابع الميلادى، علقت وحلت محلها مبادئ أكثر عملية. غير أنَّ الجوانب المعلقة من الرسالة المكيَّة لم تضع الى الأبد بوصفها مصدراً للشريعة، وإنما أجل تنفيذها الى حين توافر الظروف المناسبة فى المستقبل.



    وقد سبق لى أن ذكرت فى مقدمة كتابى "دليل المسلم الحزين الى مقتضى السلوك فى القرن العشرين" أنَّ كثيراً مما نخاله من الدين هو من نتاج حسابات تاريخيَّة وإجتماعيَّة معينة، ومن إضافات بشر من حقب متعاقبة. وقد كان من شأن هذه الحسابات والإضافات أن أسدلت حجاباً كثيفاً على جوهر الدين وحقائقه الأساسيَّة الخالدة. فالدين لا ينشأ فى فراغ، وإنما يظهر فى مجتمع معين وزمن معين، فتتلون تعاليمه بالضرورة بظروف ذلك المجتمع ومقتضيات ذلك الزمان وتراعيها. هو إذن حقيقة مطلقة وردت فى إطار تاريخى، وظهرت فى بيئة إجتماعيَّة إنعكست معالمه عليه، وذلك من أجل أن يلقى القبول، ويحظى منهم الغالبيَّة، ويضمن الإنتشار. فكما أنه يستحيل على المرء أن يحمل الماء إلا فى إناء، أو يحتفظ بعنصر كيميائى غازى إلا أن خلطه بعنصر غريب يحوله الى أقراص صلبة، فإنَّ الرسالة الدينيَّة بحقائقها العالميَّة والخالدة لا يمكن إلا أن تبلغ لمجتمع معين، فى حقبة تاريخيَّة محددة، وهو ما يجعل من المحتم أن تدفع الرسالة ثمن ذلك فى صورة الدخيل المؤقت، العارض المحلى، غير الجوهرى وغير الأساسى. فلو أنَّ الرسالة الخالدة لم تراع جهاز الإستقبال لدى من تسعى الى مخاطبته والوصول اليه، لضاعت فى الأثير واستحال إلتقاطها. أما ضمان إلتقاطها واستقبالها فيقتضى تغليف الرسالة بما ليس فى صلبها، وترجمة المحتوى العالمى الخالد الى لهجة محليَّة، ومراعاة غلظ الأذهان، وضعف المستوى الثقافى والحضارى، والتشبث العنيد بالمفاهيم الموروثة والتقاليد. فإن أصرت الرسالة على أن تحتفظ بنقائها فلا تتلون بالظروف المحليَّة والتاريخيَّة، ضاعت هدراً ولم يقبلها أحد. ولو أن الرسالة قد تلونت عند تبليغها بالمحلى التاريخى، ثم أصرت بعد ذلك على البقاء على ما هى عليه، رغم إنتشارها الى بيئات إجتماعيَّة جديدة، ومرور الحقب التاريخيَّة عليها، وأبت أن تتشكل بظروف تلك البيئات الجديدة، ومقتضيات العصر تلو العصر، لاستحال عليها أن تلبى الإحتياجات الروحيَّة لأهل المجتمعات والعصور الجديدة الفعاليَّة نفسها التى لبت بها إحتياجات أهل المجتمع والعصر اللذين جاءت الرسالة فيهما.



    هذا عن رأى وقت كتابتى لمقدمة كتابى المشار اليه. وأنا الآن أميل الى القول مع الأستاذ محمود محد طه بأن رسالة الإسلام بحقائقه العالميَّة الخالدة، بُلغت خلال الفترة المكيَّة دون حساب لغلظ الأذهان، وضعف المستوى الحضارى للعرب فى ذلك الوقت، ودون التلون بالظروف المحليَّة والتاريخيَّة. وفى ظنى أن هذا هو أيضاً ما أراد على عبدالرازق أن يقوله فى كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925، وإن كان قد عبر عن قصده بعبارات تتسم ببعض الإلتواء، وما عبر عنه صراحة المؤرخ البريطانى آرنولد توينبى فى آخر كتاب له وهو :

    Mankind and Mother Earth فى عام 1976 والذى نشر بعد سنة من وفاة مؤلفه.



    غير أنَّ الأستاذ طه يذهب الى أبعد مما ذهب اليه أحد منا، ويصل بالفكرة الى نتيجتها المنطقيَّة: فعنده أن الفقهاء القدامى من مؤسسى صرح الشريعة الإسلاميَّة، جانبهم التوفيق إذ فسروا مبدأ النسخ على أساس أنَّ النصوص اللاحقة من القرآن والسنة (أى الفترة المدنيَّة)، تنسخ أو تلغى كافة نصوص الفترة المكيَّة السابقة، التى تبدو متعارضة معها. والسؤال الذى ينجم عن هذا هو ما إذا كان مثل هذا النسخ دائم المفعول بحيث تبقى النصوص المكيَّة الأقدم، غير معمول بها الى أبد الآبدين. ويذهب محمود طه الى أنَّ هذا القول مرفوض بالنظر الى أنه لو صح لما كان ثمة معنى للإتيان بالنصوص الأقدم. كما يذهب الى أنَّ القول بأنَّ النسخ أبدى يعنى حرمان المسلمين من أفضل جوانب دينهم. وبالتالى فهو يقترح تطوير أسس الشريعة الإسلاميَّة، وتحويلها من نصوص الفترة المدنيَّة الى نصوص الفترة المكيَّة السابقة عليها. ويعنى هذا أنَّ المبدأ التأويلى فى التطوير لا يعدو أن يكون عكساً لعمليَّة النسخ، بحيث يصبح بالإمكان الآن تنفيذ أحكام النصوص التى كانت منسوخة فى الماضى، ونسخ النصوص التى كانت تطبقها الشريعة التقليديَّة، وذلك من أجل تحقيق القدر اللازم من إصلاح القانون الإسلامى.



    كتب محمود طه فى "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" يقول: "وتطور الشريعة كما أسلفنا القول، إنما هو إنتقال من نص الى نص، من نص كان هو صاحب الوقت فى القرن السابع فأحكم، الى نص عُدَّ يومئذ أكبر من الوقت فنسخ. قال تعالى: ما ننسخ من آية أو ننساها نأت لخير منها أو مثلها (سورة البقرة،106). قوله .. ما ننسخ من آية.. يعنى: ما نلغى ونرفع من حكم آية.. قوله أو ننساها يعنى: نؤجل من فعل حكمها.. نأت بخير منها.. يعنى: أقرب لفهم الناس وأدخل فى حكم وقتهم من المنساة.. أو مثلها.. يعنى: نعيدها هى نفسها الى الحكم حين يحين وقتها.. فكأنَّ الآيات التى نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهى مرجأة الى أن يحين حينها. فإن حان حينها فقد أصبحت هى صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح بذلك هى الآية المحكمة، وتصير الآية التى كانت محكمة فى القرن السابع منسوخة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت: للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول".



    ***

    وقد يفاجأ القارئ بهذه القراءة غير المعهودة للآية، فهى فى المصحف بين أيدينا (ما ننسخ من آية أو ننساها). غير أنَّ الطبرى فى تفسيره يقول: "... وقرأ ذلك آخرون (أو ننساها) بفتح النون وهمزة بعد السين بمعنى: نؤخرها، من قولك "نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأ ونساء" إذا أخرته... وممن قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، وقرأه جماعة من قراء الكوفة والبصريين... فتأويل من قرأ ذلك كذلك: ما نبدل من آية أنزلناها إليك يامحمد، فنبطل حكمها ونثبت خطأها، أو نؤخرها فنرجئها ونقرها فلا نغيرها ولا نبطل حكمها، نأت بخير منها أو مثلها". وهو التأويل الذى أخذ به محمود طه، وأخذ به أحد أنجب تلاميذه ومعاونيه، وهو الدكتور عبدالله أحمد النعيم، مؤلف هذا الكتاب بين أيدينا.



    -2-

    اتصل الدكتور إتصالاً وثيقاً، بأستاذه الروحى محمود محمد طه على مدى سبع عشرة سنة كاملة، إنتهت بإعدام طه فى الخرطوم بتهمة الردة عن الإسلام فى 18 يناير 1985، بإيعاز من رئيس الجمهوريَّة آنذاك، جعفر النميرى، الذى سقط نظامه بعد سنة وسبعين يوماً فقط من قتله لهذا المفكر الإسلامى البارز. وقد شارك عبدالله النعيم مشاركة إيجابيَّة فعالة فى حركة "الإخوان الجمهوريون" التى تزعمها محمود طه فى السودان، واعتقل معه فى الفترة ما بين 17 مايو 1983 و19 ديسمبر 1984، وأسهم إسهاماً مشكوراً، وهو القانونى القدير ورئيس قسم القانون العام فى كلية الحقوق بجامعة الخرطوم فى الدفاع عن المتهمين من زملائه فى الحركة، وضمان الإفراج عنهم، غير أنه أضطر بعد إعدام أستاذه والقضاء على الحركة وتفرق السبل بأنصارها الى الهجرة الى الخارج، حيث قام بترجمة كتاب طه "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" الى الإنجليزيَّة، وألف بالإنجليزيَّة هذا الكتاب الذى كان لى شرف الإضطلاع بترجمته الى العربيَّة.

    ***

    والكتاب فى واقع الأمر هو مزيج من فكر طه وفكر النعيم، فالفكرة الأساسيَّة لمحمود طه التى أوجزناها منذ قليل هى التى إتخذها النعيم منطلقاً له فى كتابه الراهن: تعهدها ونماها، وزودنا بإجابات على التساؤلات التى قد تثور بصددها، وبالتطبيق المنهجى المتسلسل لها فى ميادين الدستوريَّة وحقوق الإنسان والقانون الجنائى والقانون الدولى، وبالإستقراء التاريخى للفكر الإسلامى المتصل بقضايا القانون العام، مستفيداً فى كل ذلك من الخلفيَّة القانونيَّة التى توفرت له، ولم تتوفر لأستاذه المهندس محمود محمد طه.



    وهو شأن كل تلميذ نجيب ذكى مبدع لقائد مرموق من قادة الفكر، لم يتوقف عند المدى الذى وصل اليه أستاذه، ولا أبقى الفكرة على الحال الذى تركها عليه ذلك المفكر، وإنما إتجه بكل إخلاص وهمة الى إنماء الفكرة وتطويرها للوصول بها الى نتائجها المنطقيَّة، وتطبيقها على مجالات متنوعة.. فهو هنا إذن يؤدى إزاء محمود طه دور أفلاطون إزاء سقراط. وكما أننا إزاء الكثير من الآراء الواردة فى محاورات أفلاطون نجد من الصعب نسبة هذا الرأى أو ذاك الى المؤلف أو الى أستاذه، فكذا نحن إزاء بعض الأفكار الواردة فى الكتاب الراهن. وقد كان وصفنا إياه بالمزيج من قبيل الإستسهال، وبسبب إصرار المؤلف الكريم فى حواراتى معه على نسبة كل فضل الى أستاذه، غير أنَّ مقارنة القارئ بين كتب طه وبين كتاب النعيم كفيلة بأن تسهل بعض الشئ، من إدراكنا لحقيقة الإضافات الجوهريَّة البناءة والإبداعيَّة للنعيم. وأضيف هنا قولاً أكاد أكون واثقاً من أنَّ الدكتور النعيم سيستاء منه، وسيرفضه ويزور بوجهه عنه، وهو أنَّ إعجابى بكتابه فاق إعجابى بكتاب "الرسالة الثانيَّة من الإسلام". وأما سبب ذلك فأذكره وأنا أكاد واثقاً من أنَّ بعض القراء من العرب سيستاءون منه، وسيرفضونه ويزورون بوجههم عنه، وهو أنَّ كتاب النعيم كُتب أصلاً بالإنجليزيَّة، وهى لغة لا تكاد تسمح بالأسلوب الخطابى الإنشائى الفضفاض، الذى تميز به للأسف كتاب الزعيم السودانى الراحل، ولا يستسيغ قراؤها الإبتعاد عن معايير الفكر المحدد الدقيق.



    -3-

    غير أنى أتدارك وأصحح وأستغفر.. فيقينى أنَّ النعيم لو كان قد ألف كتابه بالعربيَّة لتميز الكتاب بالقدر نفسه من الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة الذى تميز به الأصل الإنجليزى.. فالخطابة والأسلوب الإنشائى الفضفاض ليسا من السمات اللصيقة بالعربيَّة إلا فى عصور إنحطاطها. وأما الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة، فجميعها سمات فى شخصيَّة عبدالله النعيم، لا مفر أن تنعكس فى كتاباته. وصفات لمستها فيه منذ لقائى الأول معه فى القاهرة يوم 29 مارس 1993، وهو لقاء دبرته لنا الفنانة المصريَّة الأصيلة السيدة عطيات الأبنودى مخرجة الأفلام التسجيليَّة الشهيرة، بعد إبدائى لها شهادة إعجابى بكتاب عبدالله النعيم، وكانت قد قرأته وتعرفت بمؤلفه قبلى.. ولن أنسى أمسيَّة جمعتنى بالنعيم والمفكر الإسلامى الكبير الأستاذ طارق البشرى، وهو إنسان على شاكلة النعيم فى الهدوء والوقار، والإتزان ورحابة الصدر، رغم إختلافهما الجذرى فى مجال الفكر الدينى، إذ يأبى المؤرخ المصرى الأخذ بتاريخيَّة النص الدينى، بينما يصر القانونى السودانى عليها. وقد كان حوارهما الهادئ الموضوعى المتزن حول هذا الموضوع مثلاً يحتذى- وإن كان نادراً ما يحتذى فى مجتمعنا الإسلامى البائس- فى تحاور مفكرين إن إختلفت إتجاهاتهم وآراؤهم، جمعتهم الرغبة الصادقة فى الوصول الى الحق، بل والى ما هو عندى خير من الحق ذاته، وهو التفاهم.. فكأنما كان لسان حال الإثنين ينطق بقولة الإمام الشافعى الشهيرة: "والله ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالى أن يبين الله الحق على لسانى أو على لسانه".

    فأين جعفر النميرى وعمر البشير وأمثالهما من أمثال هؤلاء؟!



    ***

    وكم قد حز فى نفسى أن تتقطع لقاءاتى بالنعيم إذ يغادر مصر الى واشنطن ليعمل مديراً تنفيذياً فى منظمة Africa Watch المعنيَّة بحقوق الإنسان فى القارة الأفريقيَّة. ولا شكَّ عندى فى أنه يتطلع الى اليوم الذى يتمكن فيه من العودة الى السودان ليواصل الدعوة الى أفكاره والأفكار الأصيلة لحركة "الإخوان الجمهوريون" التى تفرق أنصارها وتوقف نشاطها بعد حظر السلطات السودانيَّة لهذا النشاط منذ يناير 1985، ولم تظهر لها قيادة جديدة بعد إعدام زعيمها.. وهو أمر يوحى للأسف الشديد بأنَّ إرتباط معظم أنصارها بزعيمهم كان وجدانياً أكثر منه فكرياً. ولا أحسب أنَّ أحداً منهم سعى مثلما سعى النعيم الى تأصيل وصياغة الأسس الفكريَّة للحركة؛ كيما تغدو تراثاً إنسانياً لا هو حكر على تلاميذ طه السابقين، ولا قاصر على السودان، بل ولا حتى على الأقطار الإسلاميَّة. فعند النعيم أنَّ كتاباً ككتابه الراهن "لا يخاطب المسلمين المعاصرين وحدهم. فرغم أنَّ قضايا إصلاح القانون الإسلامى، والتحول الإجتماعى والسياسى فى العالم الإسلامى، هى من شأن شعوب الأقطار الإسلاميَّة فى المقام الأول، فإنها أيضاً تدخل فى الإهتمامات المشروعة للبشريَّة جمعاء، بسبب تأثيرها فى حقوق الإنسان والحريات الأساسيَّة للبشر... ذلك أنه لم يعد بوسع البشريَّة أن تتنصل من مسئوليتها عن مصير البشر فى أى جزء من العالم، وهو ما نعده إنجازاً مجيداً للحركة الدوليَّة الحديثة المناصرة لحقوق الإنسان. فكافة شعوب العالم مدعوة إذن لمساعدة المسلمين فى محنتهم، ولأن تُقبل مساعدة المسلمين لغير المسلمين فى محنهم. غير أنه ينبغى أن نؤكد مع ذلك أن هذه الجهود فى سبيل التعاون المتبادل ينبغى النهوض بها، فى رفاهة حس وطيب نية، إن أردنا لها أكبر قدر ممكن من النجاح والفعاليَّة.



    -4-

    إنَّ آراء كتلك التى وردت فى كتب طه والنعيم هى فى ظنى كملح الفواكه، لا تؤتى مفعولها إلا بعد مدة! غير أنى أكاد أكون على ثقة من أن اليوم سيجئ الذى تحدث هذه الآراء فيه تأثيراً عميقاً وواسع النطاق فى فكر المثقفين فى العالم الإسلامى أولاً، ثم فى وجدان جماهيره العريضة، ولن يكون هذا اليوم بعيداً كما يتصور بعض المتشائمين، فحاجة المسلمين تشتد فى زمننا هذا- ويوماً بعد يوم- الى توفير حلول مناسبة للمشكلات المتفاقمة بأقطارهم، تكون من وحى تراثهم ودينهم وتقاليدهم، والى تأكيد هويتهم الحضاريَّة فى مواجهة الأخطار التى تهدد بإبتلاعها.. غير أنَّ حقهم فى تقرير المصير يحده حق الأفراد الآخرين والجماعات الأخرى فى الشئ ذاته، مما يحتم تحقيق مصالحة بين الشريعة الإسلاميَّة وبين كافة حقوق الإنسان العالميَّة، وإقناع المسلمين بأنَّ "الشخص الآخر" الذى ينبغى عليهم قبول مبدأ المساواة الكاملة بينهم وبينه، (كالدول الأجنبيَّة غير الإسلاميَّة، والأقليات غير المسلمة التى تعيش فى أقطارهم، والنساء المسلمات اللاتى تنتقص الشريعة التقليديَّة من حقوقهن)، يشمل كافة البشر الآخرين، بغض النظر عن الحسابات العرقيَّة والدينيَّة والجنسيَّة.

    ***

    وعندى أنَّ هذا الحل كامن فى الأفكار الأساسيَّة التى طرحها المفكر الإسلامى السودانى الفذ محمود محمد طه، وفى هذا الكتاب لتلميذه المفكر الإسلامى السودانى الفذ الدكتور عبدالله أحمد النعيم، وهو الكتاب الذى سألنى النعيم يوم 29 مارس 1993 أن أكتب مقدة له، فانبريت فى حماسة أسأله الإذن بترجمته بأكمله الى اللغة العربيَّة.



    حسين أحمد أمين

    مصر الجديدة فى 19 يونيو1993
    [/align:9abbbeaa4b]
    source:
    http://www.arkamani.org/bookreview_files/abdalahnaeem.htm
                  

04-27-2008, 06:53 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    رواق عربي
    [/align:1b75b2c4ca]



    العدد الرابع

    دراسات:
    "الحرية في الفكر التنويري العربي":
    لم يذهب مفكرو عصر النهضة إلى مدى أبعد في التأسيس للحرية بسبب نفوذ الثقافات السائدة

    هيثم مناع


    "محمود محمد طه والتجديد في الفكر الإسلامي":
    لا يمكن حل مأزق التعارض بين النصوص من خلال الحيل الذهنية المجزأة، وإنما عبر إنشاء بنية مفهومية كاملة تتجاوز التعارض في صميمه

    عبد الله بولا



    مناظرة:
    مأزق الشريعة وتحديات التحديث":
    مشروع محمود محمد طه كما طوره عبد الله النعيم هو إقامة دولة ذات شرعية دينية على أسست علمانية-

    عاطف أحمد



    "الدين والعلمانية وتحديات التحديث":
    أطروحات النعيم تفتح الباب لأي دولة ثيوقراطية أو طائفية، فالنصوص فيها لا تعدو أن تكون مؤشرات لقيم ومفاهيم ثقافية

    طه إسماعيل

    http://www.cihrs.org/periodicals/Rowaq/4_A.htm
    ------------------


    العدد14
    دراسات:
    "الإصلاح الإسلامي وحقوق الإنسان":

    تطمح هذه الدراسة للتعريف بأربعة نماذج مختلفة من الإصلاح الإسلامي في هذا القرن، وهى مختلفة في البيئة والتجربة الشخصية والمنهج (الطاهر حداد -عبد الله العلايلي- جمال البنا- محمود محمد طه) وهى تنتمي إلى هذا التيار الدينامي والحيوي لإصلاح الدين ونهضة المجتمع، ومعوقات هذا الفكر السوسيو ثقافية في البيئة العربية والركون إلى الفكر التقليدي والقناعة به، ومواجه الجديد والتوجس من خشيته، وتركز الدراسة على موقع حقوق الإنسان في فكر هؤلاء المصلحين .

    هيثم مناع
    http://www.cihrs.org/periodicals/Rowaq/14_A.htm
                  

04-27-2008, 02:08 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    هذا ما كتبه البروفيسور محمد عمر بشير في مقدمة كتاب "عشرة أيام هزت العالم" الذي كتبه الكاتب المصري صلاح عبد اللطيف عن انتفاضة أبريل 1985 والأسباب التي أدت إليها..

    يقول البروفيسور محمد عمر:

    وازدادت الأزمة وتعقدت عندما أعلنت قوانين سبتمبر 1983 وبدأ في تطبيق الحدود من قطع الأيدي والأرجل وجلد النساء وأخيرا إعدام الأستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 بتهمة الزندقة والإرتداد عن الإسلام.
    ومحمود محمد طه ـ كما نعلم جميعا ـ لم يكتب ولم يقل عندما أعدم شيئا جديدا لم يفعله من قبل. نعلم أيضا أنه بالرغم من إدانته بواسطة محكمة الخرطوم الشرعية في عام 1968ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر في عام 1972، ورابطة العالم الإسلامي في عام 1973 ـ إلا أن هذا لم يجعل حاكما يتجرأ بالتوصية بإعدام شيخ يبلغ عمره 78 عاما.
    إن مقتل محمود محمد طه كان عملا عدوانيا صارخا على جميع السودانيين مسلمين ومسيحيين وغير هؤلاء. ولم يؤيده في هذا غير جماعة الأخوان المسلمين والمؤيدين لهم.

    انتهى..
                  

04-27-2008, 02:26 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    تعداد بلا حلايب!!
    د. عمر القراى
    نقلت الصحف، قبل فترة عن نائب رئيس المؤتمر الوطني، د. نافع علي نافع، في إحدى زياراته لشرق السودان، قوله «حلايب سودانية.. ولن ندخل في حرب مع مصر»!! ثم نقلت الأخبار بعد فترة، استثناء حلايب من التعداد، لأن الحكومة المصرية لن تسمح بذلك، وهي تعتبر حلايب مصرية!! وكوننا لا نرغب، أو لا نستطيع، الدخول في حرب مع مصر لا يبرر تنازلنا بهذه السهولة، عن جزء من الوطن، يعيش به سودانيون، ليس لهم ذنب إلا أن حكومتهم عجزت عن الدفاع عن أرضهم، وسمحت لدولة أخرى بالتغوّل عليها. فهناك فرص الشكوى الدولية، وفرص التوسط الإقليمي الأفريقي والعربي، وفرص التحكيم والرجوع للوثائق، وغيرها.. فلماذا لا تطرح كل هذه الأساليب لإرجاع حلايب؟!
    ولم يكتف المصريون بتدفق عمالتهم للسودان، دون قيود العمالة الأجنبية، ولم يتقيدوا بالاتفاقية التي عقدت بين البلدين، إذ ما زالت تطبق من جانبنا دون أن تطبق من جانبهم، وما زلنا نقدم للتأشيرة للدخول إلى مصر، ولا نستطيع العمل أو حتى الإقامة في مصر، دون مساءلة من السلطات.. ولو كان المواطنون السودانيون، يجدون فرصة للعيش الكريم في مصر، لوجدوا مساعدة من الحكومة المصرية -ولو بإرجاعهم لبلادهم- حين تجمعوا معتصمين أمام مبنى الأمم المتحدة حتى فارق بعضهم الحياة!!
    لقد أقيمت الخزانات والسدود، بكثافة وبتمويل ضخم في شمال السودان، في فترة وجيزة، وبإصرار حكومي غريب لم يحدث في أيٍّ من مشاريع التنمية الأخرى.. ثم واجهت الحكومة المواطنين البسطاء، الذين اعترضوا على تهجيرهم من أراضيهم بسبب تلك السدود بالبطش، الذي بلغ حد الاعتقال، والتشريد، وازهاق الأرواح، في أمري، وكجبار، دون أن تشرح لأولئك المواطنين الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، لهذه الخزانات والسدود. ولأن المواطنين استغربوا كل ذلك، طارت إشاعة مفادها أن كل هذه الخزانات، إنما أقيمت حتى يهجر المواطنون السودانيون من أراضيهم، لتعطى لمواطنين مصريين ضمن صفقة أبرمت لمصلحة مصر!! وحين سئل السيد عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، عن توطين مصريين في أراضٍ بشمال السودان، لم ينف ذلك، بل قال إن هنالك الآلاف من مواطني غرب أفريقيا استقروا في غرب السودان.. وكأنه يريد أن يقول ما دام هنالك مواطنون قد هاجروا إلينا من غرب أفريقيا، فلماذا تعترضون على هجرة المصريين، وهم أقرب الينا؟! والحق أن المواطنين القادمين من غرب أفريقيا، لم يجيئوا وفق صفقة مع الحكومة، تعطيهم حقاً دائماً.. وإنما يمكن أن تطبّق عليهم قوانين اللجوء، والترخيص الموقوت بالعمل في دولة أجنبية، ويمكن أن يسلبوا ذلك الحق، إذا بدر منهم أي خرق لعقود العمل التي تبرم معهم.. وكل هذا، هو ما حاول المصريون تجاوزه بالاتفاق السياسي المجحف، الذي يعطيهم حق دائم في السودان، ويحقق لهم مطمعاً قديماً، بأن السودان تابع لهم منذ عهد الخديوي.. وكأن الشمالية وحدها لا تكفي، فقد ورد تصريح من مسؤولين بإعطاء فرصة لحوالى عشرين ألف مزارع مصري للعمل في مشروع الجزيرة!! ولسنا ضد اعطاء المصريين أي فرص للعمل في السودان، ولسنا ضد التعاون بين شعبي وادي النيل، اذا كان تعاوناً عادلاً يقوم بين الاكفاء.
    ولقد صرح والي الشمالية، بأن الولاية تفتقر للأيدي العاملة، وتفتح فرصاً للاستثمار الزراعي.. وحين سئل عن امكانية منح أراضٍ للمصريين، قال إنه لا يستبعد ذلك، خاصة وأنهم سبق أن أبدوا مثل هذه الرغبة!! ومعلوم أن هذه رغبة أزلية للمصريين، وأنها مؤخراً لم تعد مجرّد رغبة، وإنما حاجة ملحة، لا يطيقون دونها صبراً..
    والحقيقة أن المصريين لن يقدموا الينا مستثمرين، وانما سيأتوننا كعمال ومزارعين تقليديين، لن يضيفوا أي خبرات، ولن يطوروا حياتنا أي تطوير، وانما يبحثون عن فرص عمل، تمثل لهم آخر فرص الحياة، التي لم تتوفر لهم بسبب الضائقة السكانية الفظيعة في بلادهم.. والخطورة في هذا، ليس تقليل فرص العمالة على المواطنين السودانيين، والزج بهم في وطنهم، في منافسة غير عادلة، وإزاحتهم تدريجياً عن سوق العمل المنظم، ثم مطاردتهم إلى سوق العمل العشوائي، وإنما الخطورة هي أن المصريين لو استوطنوا بكميات كبيرة، لن يخرجوا مرة أخرى، لأنهم لا يملكون مكاناً آخر يرجعون إليه.. وإنما يصبح الوضع في ظل التخوّف من الحرب معهم، استعماراً استيطانياً، يتمكّن بمرور الزمن، تدعمه دعوى عريضة، في أحقية المصريين في السودان، وتبعيته التاريخية لهم.
    لقد قام كثير من الكتاب المصريين النابهين، بنقد الممارسات الخاطئة لحكوماتهم، ولكن لم ينتقد أحدهم اطماع مصر في السودان، ولا هذا التغول الذي يحدث الآن، من اجل مصلحتهم، وضد مصلحة الشعب السوداني.. ولعل كل المصريين مثقفيهم وأمييهم، يتفقون في تبعية السودان لمصر، ويأسفون لزواله من أيديهم، حين حقق السودان الاستقلال، وزالت الملكية من مصر، ولعلهم يرون مع أحمد شوقي، أنهم فقدوا السودان، بسبب أخطائهم السياسية، ويرددون معه:
    إلام الخلف بينكم إلاما ? وهذي الضجة الكبرى علاما
    وفيم يكيد بعضكم لبعض ? وتبدون العداوة والخصاما
    وها أنتم فلا مصر استقرت ? على حال ولا السودان داما
    ومع أن السودان لم يدم للاستعمار المصري، بعد خروج الإنجليز، وأن دعوى الاتحاديين بقيام حكومة موحّدة تحت التاج المصري قد فشلت، وأعلن الاستقلال عن كلا دولتي الحكم الثنائي من داخل البرلمان، إلا أن استغلال مصر للسودان استمر بعد ذلك. إن اتفاقية مياه النيل التي عقدت عام 1929م والسودان غائب تحت الاستعمار، قد اعطت مصر حوالى (58) مليار متر مكعب من مياه النيل، وأعطت السودان (19) مليار متر مكعب. ولا تزال هذه الاتفاقية المجحفة قائمة حتى اليوم، ولم تستطع الحكومات التي تعاقبت على السودان تغييرها. وحين احتجت الدول الأفريقية، مؤخراً، على تلك الاتفاقية، ودعت إلى تعديلها، بدعوى أن مصر ليست من بلدان منبع النيل مثل يوغندا وأثيوبيا، وأن النيل الذي يجري في أراضيها لا يساوي ثلث طوله، وليس هنالك مبرر لتأخذ أكبر نصيب من مياه النيل، فضل السودان أن يقف بجانب مصر ضد كل الدول الأفريقية الأخرى، وضد مصلحة شعبه.
    ولم يكتف المصريون بأنهم يأخذون النصيب الأكبر من مياه النيل، بل يريدون ان يرسلوا مزارعيهم ليستفيدوا من الجزء الباقي، الذي لم يستطيعوا اخذه عن طريق الاتفاقية، فيزرعون به محاصيلهم في داخل السودان!! وهكذا يأخذون الماء، والأرض، والمحصول، دون مقابل، اللهم إلا رضاهم عن حكومة السودان، وعدم دخولهم معها في مشاكل، مع أن الشعب السوداني ليس طرفاً في هذه الصفقة المجحفة.
    لقد اتهم د. الترابي حكومة المؤتمر الوطني، في عدة مناسبات، بالقيام بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك.. وأنها قد حاولت بشتى الوسائل، اخفاء الأدلة على قيامها بتلك المحاولة، وسعت إلى اقناع المصريين بالتغاضي عنها، في مقابل عدة صفقات على حساب مصالح الوطن الكبرى. ولم يصدق كثير من المتابعين د. الترابي، لأنه قد كان العقل المدبّر للحكومة حين تم هذا الحادث، وهو الآن قد أخرج نفسه، وألقى باللوم على تلاميذه.. ولكن مع ذلك، يصعب استبعاد ما ذكره الترابي، ونحن نرى كل هذه التنازلات، التي تقدمها الحكومة إلى الحكومة المصرية، على حساب الشعب، وآخرها استبعاد مواطني حلايب من التعداد، مما يعني الإقرار الضمني، بأنهم مصريون!!
    وطمع المصريين في السودان قديم، ولقد كان الأستاذ محمود محمد طه، أول من نبّه له، وذلك في خطابه التاريخي، للرئيس محمد نجيب، عقب قيام ثورة يوليو، وقبل أن تؤول الأمور للرئيس جمال عبد الناصر، وكان ذلك بتاريخ 18/8/1952 فقد جاء في ذلك الخطاب: (وشيء آخر نحب أن نشير إليه هو علاقة مصر بالسودان، فإنها قامت، ولا تزال تقوم، على فهم سيء، فإن أنت استقبلتها بعقل القوي، تستطيع تبرئتها مما تتسم به الآن، من المطمع المستخفي والعطف المستعلن، فإن السودانيين قوم يؤذيهم أن يطمع طامع في ما يحمون، كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون).

    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=47441
                  

04-27-2008, 02:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محمود محمد طه معذور

    جريدة الميثاق الإسلامي

    العدد 88

    28 رجب 1385هـ الموافق 21 نوفمبر 1965م

    بقلم جعفر شيخ إدريس

    محمود محمد طه معذور في انتهازه كل فرصة للهجوم على كل شخص وكل تنظيم يدافع عن الإسلام.

    محمود معذور لأن دينه الذي يدين به ليس دين الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    محمود لا يصلي ولا يصوم ويعتبر الحج وثنية والزكاة من بقايا تشريعات الغاب.

    لم يبق من أركان الإسلام الخمسة إلا ركن واحد هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومحمود يرى أن الإنسان لا يبلغ درجة العبادة الصحيحة إلا حين يتخلص من تقليد النبي صلى الله عليه وسلم.

    لم يبق إلا لا إله إلا الله. والله في نظر محمود ليس ذاتاً بائنة عن المخلوقات وإنما هو جزء منها وكل ما يُسمى بالإنسان قادر على أن يكون إلهاً، وأظن أن محموداً يعتبر نفسه قد خطا خطوات واسعة نحو هذه الغاية.

    تباً للمخبولين تباً، وعجباُ من الذين يسيرون ورائهم ويأخذون هذيانهم مأخذ الجد.

    فمحمود حين يدافع عن الحزب الشيوعي إنما يدافع عن نفسه لأنه يخشى حين ينكشف أمره أن يلاقي المصير الذي لاقاه الشيوعيون.

    وبعد: فما هذه الزوبعة المفتعلة التي أثارها حول بيان الهيئة الشرعية؟ إن كل من له أدنى إلمام بالإسلام يعلم أن باب التوبة مفتوح وأنه لا يغلق أمام ذنب مهما عظم إذ لا ذنب أعظم من الشرك بالله، والتوبة من الشرك بالدخول في الإسلام مقبولة.

    وما أظن أحداً يظن أن هذه المسألة البديهية قد فاتت على مجموعة من العلماء. إن الواضح من سياق كلام العلماء أن التوبة لا تُعفي من العقوبة الدنيوية، إنها لا تقبل أمام القضاء لا عند الله سبحانه وتعالى. وهذه مسألة واضحة لأن شتم الرسول صلى الله عليه وسلم جريمة شأنها في ذلك شأن السرقة والزنا والغش. فهل يعفي العقوبة أن يقول إنه تاب؟ وهل تمنعه العقوبة من أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً؟
    [/align:5cdc020524]

    http://www.jaafaridris.com/Arabic/Mithaq/mahmood.htm
    _________________
                  

04-27-2008, 02:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    إنتهـــازية د. فرانســـيس دينـــق والســـقوط الأخــــير

    فصل آخر من رواية تطريب الخواجة

    علي اسماعيل العتباني

    ... لقد امتهن عدد من السياسيين السودانيين لعبة تطريب الخواجة أو محاولة إرضاء الخواجات ولذلك وجدنا كثيراً من الكتابات السودانية تتحرى الكلام عن الرق وعن العبودية حتى في الدراسات الأكاديمية.. ووجدنا كثيراً من الأكاديميين السودانيين يحاولون متابعة ترقياتهم العلمية عن طريق نيل رضاء الخواجات بتناول قضايا كبيرة وصبغها بالصفة العلمية حتى يتم وضعهم في الكتاب الأبيض للخواجة وقد رأينا قبل سنوات كيف تبارى عدد من الأكاديميين في الكتابة عن الحركة الجمهورية ومحمود محمد طه ورفعه الى درجة القديسين والقول بأن مستقبل السودان تحدده كتابات محمود محمد طه وطروحاته.. ورأينا عدداً من الباحثين والدارسين يتخصصون في الكلام عن قضايا الرق وإثارة الكراهية والكلام عن قضية الجنس والقبيلة في السودان ناسين أو متناسين أن (المدينة) في السودان تجاوزت تماماً دور القبيلة وأن المدينة السودانية بملايينها وطريقة معيشتها وبصحافتها وندواتها أصبحت هي المصنع الكبير الذي يصهر المواطن السوداني وأن سكان المدن الآن في السودان هم أكثر من نصف قاطنيه وأن الخرطوم وحدها وما جاورها تعادل ربع سكان السودان وأن مستقبل السودان تحدده المدينة لا الجهويات ولا القبليات ولا تحدده الإثنيات. وقد رأينا أن أكبر كتاب قامت عليه أكبر فتنة في تاريخ السودان الحديث هو تلك الإصدارة التي أخرجها عشاري ود. سليمان بلدو بعنوان (مذبحة الضعين) أو قضية الرق في السودان.. وكيف أن الهيئات الكنسية كمجلس الكنائس الإفريقي ومجلس الكنائس السوداني الجديد والكنائس الأنجليكانية واللوثرية والمشيخية تابعت هذه الأفكار التي كانت تثير الكراهية وروجت لها وكيف أصبحت تتكلم منذ ذلك اليوم عن قضية الرق في السودان وكأن هذا السودان الجميل بانسجامه الاجتماعي وبقبائله وعاداته وإلفه وتنوعه الثقافي لم يعرف إلا الرق ولذلك لا عجب أن هذه الرسالة أصبحت خطاً فاصلاً ودافعاً لأخريات فبعد ذلك رأينا دراسة للأستاذ محمد ابراهيم نقد عن الرق في السودان ورغم أنها كانت أفضل من كتاب بلدو وعشاري لأنها توثيقية وتحليلية ولم تحاول أن تضرب بقصد إثارة الكراهية على طريقة بلدو وعشاري إلا أنها كانت كذلك محاولة لكسب ود جون قرنق واسترضائه واسترضاء الكنيسة من خلفه لأن هذه كانت هي الآيدلوجية الجديدة التي تريد أن تشجع حركة (الزنوجة) وحركة التمرد على الثقافة السودانية والخصوصية السودانية وعلى الذاتية السودانية المتفردة والتي تريد إنهاء الدور السوداني الوطني ولا عجب إن كان وراء هذه الحركات مؤسسات تمويل دولية صهيونية وكنسية ويمينية متطرفة.

    وبعد ذلك رأينا رسالة الدكتور منصور خالد عن الجنوب في المخيلة العربية ومع أنها جاءت في بضع مئات من الصفحات وأنها طبعت في ورق مصقول إلا أنها رسالة خاوية ولا تكاد تضرب على هذا الموضوع وتحلله وتعطي الذات السودانية حقها ولكنها سلطت الضوء على بعض نقاط الضعف فيها وكأنه ليس في الذات السودانية إلا تلك السخافات المهيضة كالكلام عن (الزناقد) والعبيد وغيرهما علماً بأن مثل هذه الترهات الصغيرة لم يقم عليها السودان أصلاً إنما قام على البناء والتكامل والجهاد وعلى تمازج الهجرات والثقافات وقام على التفاعل الاجتماعي منذ فجر التاريخ.. وإذا كان عشاري وبلدو ومحمد ابراهيم نقد ومنصور خالد قد بذلوا في تأسيس آيدولوجية الكراهية في المجتمع السوداني إلا أن هذا الخيط الآن قد التقطه مثقف جنوبي آخر.

    وللأسف فإن هذا المثقف الجنوبي كانت له إصدارات ممتازة نذكر له كتابه (إثبات حيدية الذات) وهو كتاب يتحدث عن الجنوب وكيف أنه في طريقه الى التوحد الكامل مع الشمال وأن الجنوب في طريقه للانعتاق عن التخلف بنفس منهجية انعتاق الشمال الذي احتاج لبضع مئات من السنين حتى أصبح عربياً وإسلامياً ودعوته للصبر على الجنوب وإعطائه الزمن الكافي الذي تحتاج له الوحدة الثقافية والدينية والسياسية.

    ثم قرأنا له كتابه الآخر عن والده دينق ماجوك والعلاقات بين عرب الرزيقات والمسيرية ودينكا أبيي وكان أيضاً كتاباً ممتازاً حيث قال فيه إنه عاش مع والده في منطقة أبيي ولم يشعر بفارق لغوي أو ديني أو اجتماعي بين القبائل المتعايشة في المنطقة.

    ولكن فجأة وفي منافسة مع منصور خالد وعشاري وبلدو تحول الدكتور فرانسيس دينق في الفترة الأخيرة الى (طائر شؤم) نتيجة لأنه أصبح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة وهذا منصب لا يمكن أن يبلغه الإنسان إلا اذا أساء الى مواطنيه وإلا إذا أساء للتجربة السودانية وأخذ يتكلم عن قضايا الرق والكراهية والتفرقة بقصد القضاء على التجربة السودانية وبالفعل فإن فرانسيس دينق أخذ ينحو هذا المنحى العجيب ويتكلم عن أربع درجات للمواطنة في السودان مواطنو الشمال من الدرجة الأولى ومواطنو غرب السودان المسلمين من الدرجة الثانية والمواطنون القادمون من غرب إفريقيا من الدرجة الثالثة ومواطنو الجنوب من الدرجة الرابعة.. وحاول أن يمجد ما قام به أبيل ألير في كتابه (جنوب السودان والتمادي في نقض المواثيق والعهود) حينما أخذ يؤطر وينظر ويؤصل لقضية أن الشماليين شياطين وأن الجنوبيين ملائكة وأبرياء وعلى الفطرة وأن على المجتمع الدولي أن يقوم بفصل الجنوب وحماية الجنوبيين وأصبح الآن مطلوب من د. فرانسيس دينق أن يصبح منظراً وفيلسوفاً لجون قرنق بعد أن سقطت كل شعاراته عن الاشتراكية والسودان الجديد بعد تحريره وبعد أن سقط التجمع والتحالف الديمقراطي ولم يبق إلا محاولة الزج بأمريكا واسرائيل واليمين الأمريكي في حرب ضد الإسلام وضد الثقافة العربية وللأسف الشديد أصبح المنظر والفيلسوف لكل ذلك هو المثقف الجنوبي القادم من أبيي منطقة التمازج والتكامل بين الرزيقات والمسيرية ودينكا أبيي وأصبح د. فرانسيس دينق (يفش) غبينته بتلك الطريقة ويخرب بذلك الوجدان السوداني والفطرة السليمة لينال مقابل ذلك بضع دريهمات من الولايات المتحدة. وأنه من المؤسف أن يحدث هذا السقوط في هذا الوقت بالذات.

    وقد برز هذا السقوط أخيراً في ندوة نظمها مركز التنمية الاجتماعية الدولية بواشنطون حول أطروحات حركة التمرد وزعيمها جون قرنق وقد شارك في الندوة د. فرانسيس دينق ود. سليمان علي بلدو، أما الأول فالانتهازية جديدة عليه كما قلنا لأن الجانب المضئ في شخصيته وموضوعية طروحاته هي التي علقت بأذهان الناس. وأما د. بلدو فانتهازيته يشهد عليها الكتاب الذي شارك في تأليفه في الثمانينات حول ما أسموه (مذبحة الضعين) وكان الغرض من ذلك المؤلف الحقير بذر الفتنة بين قبائل الدينكا والرزيقات التي ظلت متعايشة زماناً طويلاً وأكدت ذلك التعايش أحاديث د. فرانسيس في طروحاته المكتوبة والشفاهية.

    وفي تلك الندوة المذكورة اقترح المتحدثون إيقاف ضخ النفط السوداني باعتبار أنه يستخدم في تمويل الحرب الدائرة في الجنوب كما أطلقت الندوة دعوة صريحة لانفصال الجنوب بحجة أن الحكومة السودانية لم تلغ الشريعة الإسلامية كما أثارت الندوة مفاهيم عنصرية بعيدة عن الواقع حيث ادعى المتحدثون ومنهم د. فرانسيس أن أهل الشمال يعاملون المواطن الجنوبي غير المسلم كمواطن من الدرجة الثانية!!

    ولعل المعلوم للجميع أن كل الأطروحات البالية التي أثيرت في الندوة هي من صميم أطروحات وبرنامج حركة التمرد وهي أطروحات عفا عنها الزمن وتدعي حركة التمرد أن حربها ضد الشمال العربي المسلم تقوم على هذه المرتكزات التي غذتها القوى الاستعمارية وذوو النزعات الانفصالية من أبناء الجنوب. لكن الغريب في الأمر أن يقوم شخص مثل المفكر المرموق فرانسيس دينق بتبني مثل هذه الأفكار غير الموضوعية بل والمتعارضة مع قناعاته التي ضمنها في العديد من مؤلفاته الموضوعية.. وهو أقدر الناس على تقدير مدى الضرر جراء ترويج مثل هذه الأفكار السامة وكيف أنها تضر بالسودان وأهله ووحدته الوطنية.

    ولعل من المفيد هنا أن نذكر أن د. فرانسيس دينق ظل يصنف على أنه طرف وطني ومحايد وغير منحاز لأي من أطراف الصراع الدائر في الوطن.. وهذا هو منطلق الحكومة السودانية في التعامل معه.. بل أن الحكومة كانت تأمل أن يلعب دوراً جوهرياً في تقريب وجهات النظر بينها وبين حركة التمرد فضلاً عن أن هناك أطرافاً دولية عديدة تقدر له نجاح مثل هذا الدور المرتجى.. ولكنه أحبط هؤلاء جميعاً بمشاركته في تلك الندوة التي ناقشت أفكاراً مشبوهة تحوم حولها الكثير من الشكوك.. الأمر الذي أدى الى تآكل المركز المرموق للدكتور الهمام خاصة بعد أن كشف عن هواه الحقيقي في تلك الندوة وسقط تحت هيمنة القوى المعادية لوحدة السودان من المتطرفين المسيحيين في أمريكا ومن السياسيين المعادين للسودان في الإدارة الأمريكية.

    ويشهد الجميع أن د. فرانسيس شارك في حوارات عديدة جرت في كل من سويسرا ولندن والخرطوم حول وحدة السودان وتحقيق السلام وفي كثير من الأحيان كان يبرز موقف د. دينق المعارض لأطروحات التمرد والداعم لوحدة السودان لكن الآن أصبح الأمر واضحاً وجلياً وأن تلك المواقف التي ظهر بها في تلك الحوارات مع الحكومة لم تكن سوى وسائل للتضليل والانتهازية ومعلوم أن هاتين الصفتين هما أخطر أمراض العصر.. وقد عانت إفريقيا كثيراً من الانتهازيين من أبنائها الذين ظلوا يقدمون خدماتهم للمستعمرين مقابل حفنة من الدولارات وفي سبيل ذلك لا يتورعون عن المشاركة في المخططات التي تستهدف أهلهم وشعوبهم ولا تهتز لهم شعرة واحدة وهم يمارسون هذا الارتزاق البشع.

    إن أمثال د. فرانسيس دينق كثر في أوربا وأمريكا وغيرهما لكن آن الأوان للحكومة السودانية والقائمين على ملف الحوار أن يتذكروا دائماً أن المندسين من الانتهازيين هم أخطر من الأعداء الظاهرين لأنهم يمارسون التضليل والكذب والنفاق لتحقيق مآربهم ومصالحهم الشخصية.

    وأخيراً نناشد الدولة بأن تتخذ خطوات عملية وحازمة بأن تغلق هذه الملفات نهائياً حتى تقطع الطريق على كل انتهازي أخرق وأولهم د. دينق



    http://www.rayaam.net/2002/03/21/araa2.html
    ________
                  

04-27-2008, 02:54 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ماذا وراء تمجيد الزنادقة في التاريخ القديم والمعاصر؟

    محمد بن حامد الناصر

    كنا لاحظنا في الحلقة السابقة(*) مهاجمة العصرانيين للفتوحات الإسلامية وقادتها، والتطاول على بعض الصحابة رضي الله عنهم.. ونلاحظ هنا أن بعضهم يدافع عن الزنادقة والمرتدين باسم الدفاع عن حرية الرأي والتجديد .

    وقد تحمل وزر هذه الدعوة عدد من العصرانيين، فمدحوا الخوارج واعتبروا أنهم حزب العدالة والقيم الثورية، رغم أنهم كلاب أهل جهنم، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة. واعتبر بعضهم أن القرامطة هم الجناح اليساري في الحركة الشيعية، كما مدحوا الدولة العبيدية الإسماعيلية، وأشيد بثورة الزنج في البصرة، جرياً وراء تمجيد المستشرقين لهذه الحركات المنحرفة الطائشة(1).

    ثم تابع العصرانيون الجدد، أصحاب النزعة المادية، طريق من سبقهم بجرأة أشد، وانحراف أخطر(2).

    ü تمجيدهم لعدد من الزنادقة:

    دأب الطبيب (خالص جلبي) على تمجيد الحلاَّج والسهروردي ومحمود طه زعيم الإخوان الجمهوريين السودانيين، وهو باطني ضال حوكم شرعياً وحكم بإعدامه وأراح الله السودان منه، وستعرف المزيد عنه في هذا المقال، وقد اعتبر خالص جلبي هؤلاء مجددين قُتلوا ظلماً.

    يقول في مقالة له في الشرق الأوسط: «كل المظالم وقعت باسم الشعب، وباسم الأمن، أنشئت أجهزة الرعب، وتحت بعض الشعارات تغتال الحقائق؛ فباسم الشعب في بغداد حكم على الحلاج بضربه ألف سوط، ثم قطع لسانه وأطرافه».

    «وإن المجتمع الإنساني يتقدم بدون التجديد الدائم.. وكل فكرة جديدة عانت وكابدت، من ذلك إعدام سقراط في أثينا وإعدام محمود طه في السودان بتهمة الردة»(1).

    ثم يعترض (الجلبي) على إعدام محمود محمد طه فيقول: «وتحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، أعدم محمود طه في السودان لرؤيا رآها، فسرت أنها كفر، ولم ينفع في رفع الحكم عنه سنواته السبعون»(2).

    ويقول أيضاً: (وفي عام 1971م، أعدم محمود طه في السودان على يد الطغمة العسكرية بتهمة الردة، وكان الرجل مجدداً، فلم يكفر ولم يرتد، ولكنها السلطة التي لا تتحمل النقد والمعارضة)(3).

    ü حقيقة محمود محمد طه:

    قتل هذا الرجل مرتداً؛ لأنه كان من مدعي النبوة، وكان قد درس مذاهب الفلسفة والمنطق، وله دراسات حول مدرسة الجدليين، واستقال من عمله في الحكومة السودانية، وشكَّل الحزب الجمهوري، ولم ينضم إليه أكثر من عشرة أشخاص. عمد إلى أسلوب المحاضرة في المقاهي والشوارع، وكان يصدر منشورات باسمه، في أخريات عام 1945م(4).

    سجن محمود طه مرتين، وخرج بعد المرة الأولى بعد سنتين وقد أطلق لحيته وأرسل شعر رأسه، وأوضح أن الحزب الجمهوري حزب له رسالة، هي رسالة الحق، وأنه قد كُلِّف بهذه الرسالة... ثم سجن مرة أخرى لمدة سنتين.

    وقد أسقط عن نفسه الصلاة، ولكنه نادى أتباعه بإقامة قواعد الإسلام.

    كان يتأول في تفسير القرآن الكريم، ويعتبر أن الآيات المكية هي أساس الشرع، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتمكن في مكة من تعليم المسلمين أسس هذه الآيات.

    نفذ فيه حكم الإعدام لادعائه النبوة، وخروجه من الإسلام بعد أن أمهل ثلاثة أيام ليتوب ويرجع عن كفره وضلاله فلم يتب ولم يتراجع، (أعدم في سجن الخرطوم).

    وتوجد حقائق مذهلة عن أفكاره، ما كان يعرفها كثير من الناس، وقد بسطتها مجلة المجتمع في بعض أعدادها؛ حيث بينت أن الجمهوريين في السودان يرون: أن محمود طه أفضل من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه فصَّل الرسالة الثانية، وهي بزعمهم أعلى مرتبة من الرسالة الأولى.. وحكمت المحكمة على أربعة آخرين معه بالإعدام(5).

    ورغم هذه الردة عند محمود طه، فإن خالص جلبي يتباكى عليه ويدافع عنه، ويعتبر أنه قُتل مظلوماً، من قِبَل السلطة العسكرية؛ لأنها لا تتحمل النقد والمعارضة»(6).

    ويتجاهل الطبيب خالص ما كُتب عن محمود طه ورِدَّته وفكره، ومن ذلك كتاب «موقف الجمهوريين من السنة النبوية»(7) وكتاب «الردة ومحاكمة محمود محمد طه»(8).

    ü أما الحلاج:

    فهو الحسين بن منصور المتوفى عام 309 هـ. كان جده مجوسياً، عرف عند الفقهاء أنه زنديق، وكان يتعاطى السحر والشعوذة.

    وكان حفيده (الحسين بن منصور) من أكبر دعاة الحلول ودعوى امتزاج الخالق بمخلوقاته، تعالى الله عما يقوله الزنادقة علواً كبيراً.

    ومن شعر الحلاج قوله(1):

    مزجت روحك في روحي كما

    تُمزج الخمرة في الماء الزلال

    فإذا مسَّك شيء مسني

    فإذا أنت أنا في كل حال

    ومن شعره أيضاً:

    أنا من أهوى ومن أهوى انا

    نحن روحان حللنا بدنا

    والحلاج قتل بالعراق بعد أن ادعى النبوة حيناً، والألوهية حيناً آخر، وأقرَّ بكتاب منسوب إليه بهذه التهم.

    قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «الحلاج قتل على الزندقة التي ثبتت عليه، مما يوجب قتله باتفاق المسلمين، ومن قال إنه قتل بغير حق، فهو إما منافق ملحد، وإما جاهل ضال»(2).

    ورغم كل ذلك فإن (جلبي) يرى: «أن الحلاج قُتل مظلوماً، وأعدم في بغداد بعد أن قطع لسانه وأطرافه»(3).

    وقد أشاد خالص جلبي بالشهاب السهروردي أيضاً، واعتبر أن إعدامه كان تجاوزاً. يقول: «ربما حدثت تجاوزات حيث قضى السهروردي نحبه بفتوى أيام صلاح الدين الأيوبي»(4) ومعروف أن السهروردي كان حلولياً من أصحاب وحدة الوجود كالحلاج؛ فهو من ضُلاَّل الصوفية.

    يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وكان الشهاب السهروردي مبتدعاً يخالف في معتقده وآرائه حَمَلة الشرع، فصلبه السلطان الظاهر في حلب - بأمر من والده السلطان صلاح الدين - بعد أن شهَّر به(5).

    ü تمجيد جودت سعيد لعدد من الزنادقة أيضاً:

    كان الشيخ جودت معجباً بابن المقفع والجاحظ أشد الإعجاب؛ وذلك لكثرة قراءاتهما، حسب مفهوم الشيخ للقراءة.

    يقول جودت سعيد: «إن الإنسان يتصاغر أمام من هو أقرأ منه.. أجل إن من يقرأ أكثر يَنَلْ أكثر، إنه قانون الله «من يعمل سوءاً يجز به».

    ثم يقول: «وإن تجرد إلقاء نظرة على تاريخ العلماء في العالم بيبن لك أن القراءة الدائمة هي دأب العلماء».

    «انظر مثلاً كتاب كليلة ودمنة، وما وضع في مقدمته من الجهود التي بذلت في تحصيل هذا الكتاب؛ ففيه معلومات عالمية محجوزة لا يفرج عنها إلا بعد سنوات تطول أو تقصر حسب رؤى أصحابها»(6).

    ثم يقول: «وإذا كان لي من نصيحة أثيرة أقدمها للشباب الذي تعلِّق الأمة عليهم آمالها، فهي أن يتطلعوا إلى مصادر للعلم غير المصادر التي كنا نستقي منها»(7).

    ثم يقول أيضاً: «ويزداد الإنسان إعجاباً بأقوال ابن المقفع حول المُلك «السياسية» وأنه إما مُلك دين، أو مُلك عقل، أو ملك هوى» ويقول: «هذا هو النظر التاريخي العلمي الأخلاقي»(8).

    فكثرة القراءة لا تجيز للشيخ جودت أن يمجد الملاحدة كفلاسفة الملاحدة اليونان، ولا الزنادقة، كابن المقفع وأضرابه.

    قال ابن عبد الهادي: «ما رايت كتاباً في زندقة إلا وابن المقفع أصله»(9).

    وقد أسهم ابن المقفع بنشر الثقافة الفارسية، ويقول عنه ابن النديم في الفهرست ـ وكان معاصراً له: «كان ابن المقفع يعتني بكتاب المانوية، ونقل إلى العربية منها كتباً أخص بالذكر منها كتابه «ديانة مزدك».

    وقال الخليفة العباسي «المهدي»: «وما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع»(10).

    ويشيد جودت سعيد بالجاحظ أيضاً:

    فيقول: «والجاحظ له مقام في الحضارة الإسلامية، يتألق نجمه على مر الزمن.. كان يتذوق مع آيات الله: آيات الآفاق والأنفس.. وهو وإن كان إماماً في الأدب، إلا أنه صاحب مذهب في العقيدة أيضاً»(11).

    ويقول: «كانت وفاته تحت ركام الكتب التي تهدمت عليه، إنه شهيد الكتاب والقراءة، لقد كان قارئاً بمستوى حضاري إنساني عالمي، ولكتبه طعم خاص وذوق معين، وذلك لعلميته في القراءة، ولإنسانيته في الثقافة(12).

    أخي القارئ: إليك أقوال أهل العلم بالجاحظ الذي أتخذه جودت سعيد أسوة له، وزعم أنه صاحب عقيدة. قال ابن حجر العسقلاني: «كان الجاحظ من أئمة البدع».

    ويقول أبو العيناء: «كان الجاحظ قدرياً».

    وقال الخطابي: «كان الجاحظ يُرمى بالزندقة».

    وقال ابن حزم عنه: «كان أحد المُجَّان الضُّلاَّل، غلب عليه الهزل»(1).

    وقال الإمام الذهبي: «العلامة المتبحر المعتزلي، أخذ عن النظَّام.. وأنه كـان يختلق»(2).

    يلاحظ هنا أن هنالك ارتباطاً كبيراً بين أفكار الجاحظ وأفكار جودت سعيد، وخاصة فيما يتعلق بأفكار القدر والاعتزال المبثوثة في كتبهما.

    ü تمجيد العصرانيين الجدد للمعتزلة ورؤوس الاعتزال:

    يقول الدكتور خالص جلبي: «وعندما استقر الأمر للعقل الكسيح، وطُحن التيار العقلاني من المعتزلة وسواهم، أصبح التشكيك في عقيدة أي إنسان جاهزاً وحتى اليوم.. وبقيت الساحة عقلاً من دون مراجعة، ونقلاً من دون عقل»(3).

    والمعتزلة قوم فُتنوا بالفلسفة اليونانية، فأوَّلوا القرآن الكريم، وكذَّبوا الأحاديث التي تتعارض مع العقلية الوثنية اليونانية (4)، وحكَّموا العقل وقدَّموه على الشرع، فكَّذبوا ما لا يوافق العقل من الأحاديث الشريفة ـ وإن صحَّت ـ وأوَّلوا ما لا يوافقه من الآيات الكريمة(5).

    والمعتزلة تطاولوا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الأحاديث التي ينقلونها تخالف أصولهم. ومن هؤلاء: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، والنَّظَّام.

    وقد أُعجب العصرانيون بآراء المعتزلة، ومجَّدوا النظَّام أحد رؤوسهم الذي يقول فيه البغدادي: «دخل الفساد على عقيدة النظَّام ممن خالطهم من الزنادقة والفلاسفة وغيرهم»(6).

    واتخذ المعتزلة ومن شايعهم الجدل والمراء وسيلة للبحث في الدين؛ وذلك مخالف لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ يقول: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أتُوا الجدل» . ثم تلا ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «ما ضربوه لك إلا جدلاً، بل هم قوم خصمون»(7).

    ü تناقضات عجيبة:

    بينما كان خالص جلبي يدافع عن الزنادقة والمرتدين، ويحزن لإعدامهم، نراه يشيد بما سماه «المحاكمة العادلة» التي حوكم فيها سليمان الحلبي الطالب الأزهري الذي اغتال خليفة نابليون بمصر الجنرال كليبر، وقد حكمت عليه بالإعدام؛ فقد أشاد بالمحكمة الظالمة التي تواطأت مع المستعمر الفرنسي آنذاك، فقال: «انظر إلى النظام القضائي البديع، واستيفاء الوقائع، وجمع الأدلة قبل إصدار الحكم.. كل ذلك في غياب مطبق لأي صورة من صور العدالة الحديثة والقضاء الجديد، واستغلال القضاء ونزاهته»(8).

    ومن الغرائب أن الطبيب خالص يحزن لمقتل الزنادقة، بينما نراه يهاجم الدعاة والعلماء، ويفرح لإعدامهم. يقول في مقال له بعنوان: «كيف تنشأ الأساطير» معرِّضاً بسيد قطب: «أفضل طريق لدخول عالم الأساطير أن يختفي صاحبها إما على حبل المشنقة، كما حصل مع سيد قطب، أو غابات بوليفيا كما حصل مع غيفارا»(9).

    ويتشفى جلبي بسجن ابن تيمية؛ لأنه لم يتجنب العنف في خصوماته، وقد تحدثنا عن هجومه على السلطان الفاتح والقائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي؛ لأنهم جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الإسلام (في ساحات المعارك) الروم والصليبيين، وخالفوا منهج الاستسلام واللاعنف كما يفهمه (جلبي وشيخه: جودت سعيد).

    هذا وإن الولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله»(10)، وقال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْـمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] .

    المصدر: البيان - السنة الثامنة عشرة * العدد 196*ذو الحجة 1424هـ * يناير - فبراير 2004م

    http://www.albayan-magazine.com/bayan-196/bayan-21.htm

    --------------------------------

    (*) البيان، العدد (195)، ص 96.

    (1) انظر كتابنا: العصرانيون، ص 292 ـ 293.

    (2) يمثل هذا الاتجاه، الشيخ جودت سعيد، والطبيب خالص جلبي مع فتنة بالتغريب وتعطيل للنصوص.

    (3) الشرق الأوسط، عدد (8324) من مقال له بعنوان: (باسم الشعب)، في 12/9/2001م .

    (4) سيكولوجية العنف، خالص جلبي، ص 36.

    (5) الشرق الأوسط، العدد (8324) في 12/9/2001م.

    (6) تتمة الأعلام للزركلي، محمد خير رمضان يوسف، مجلد 2، ص 169 ـ 170، دار ابن حزم، بيروت، 1418هـ.

    (7) مجلة المجتمع في العدد (703) 15/5/1405هـ، والعدد: (705) في 29/5/1405هـ، وتتمة الأعلام، 2/169 ـ 170.

    (8) الشرق الأوسط، في 12/9/2001م.

    (9) موقف الجمهوريين من السنة النبوية، شوقي بشير، طبعها في مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي، 1408هـ.

    (10) الردة ومحاكمة محمود طه، تأليف المكاشفي الكباشي، دار الفكر بالخرطوم، 1408هـ.

    (11) البداية والنهاية، لابن كثير، 11/132 ـ 134، مطبعة دار الفكر، بيروت.

    (12) مجموع فتاوى ابن تيمية، 35/108.

    (13) جريدة الشرق الأوسط، العدد (8324)، 12/9/2001م.

    (14) جريدة الرياض، عدد (1110500) في 19/11/1998م.

    (15) البداية والنهاية، 13/5، لابن كثير ـ رحمه الله ـ.

    (16) اقرأ وربك الأكرم، جودت سعيد، ص 26 ـ 29.

    (17، 18) اقرأ وربك الأكرم، ص 29، 144.

    (19) لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، 3/ 449.

    (20) وفيات الأعيان، لابن خلكان، 2/125، طبعة (وستنفلد).

    (21) اقرأ وربك الأكرم، جودت سعيد، ص 30 ـ 31.

    (22) المرجع السابق، ص 31.

    (23) لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، 4/409.

    (24) سير أعلام النبلاء، للذهبي، 11/526.

    (25) من مقال لخالص جبلي في الشرق الأوسط.

    (26) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، الدكتور مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت.

    (27) التفسير والمفسرون، الشيخ محمد حسين الذهبي، ص 372، 373، الجزء الأول، دار الكتب الحديثة، 1381هـ.

    (28) الفرق بين الفرق، للبغدادي، ص 43، ص 127، مطبعة المدني، القاهرة.

    (29) الحديث أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

    (30) جريدة الرياض، العدد (10489) في 4/11/1417هـ.

    (31) مقتطفات من مقال لخالص جلبي في الشرق الأوسط في 20/2/2002م.

    (32) سلسلة الأحاديثة الصحيحة: الشيخ ناصر الدين الألباني، حديث رقم (1728).

    _________________
                  

04-27-2008, 02:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اللقاء التشاوري النوعي حول
    "السبل العملية لتجديد الخطاب الديني"
    باريس 12-13 أغسطس 2003

    نحو منهج إسلامي جديد للتأويل

    نصر حامد أبو زيد

    "أول التجديد قتل القديم بحثا" أمين الخولي

    منذ القرن الثالث الهجري (عصر الخليفة العباسي المتوكل) توقف النقاش حول أهم مشكلة من مشكلات "الخطاب الديني"، ولا أقول أهم مشكلات "علم الكلام"، تلك هي إشكالية تعريف "الكلام الإلهي" وعلاقته بالذات الإلهية، وهي المشكلة التي عرفت باسم مشكلة "خلق القرآن" وما ارتبط بها من "محنة" واضطهاد طال كل الأطراف التي ساهمت في النقاش. في عصر المتوكل تم حسم الأمر بقرار سياسي على أساسه تم تحديد "العقائد الصحيحة" وتمييزها عن "العقائد الباطلة"؛ وعلى هذا الأساس اعتبرت عقيدة "خلق القرآن"، التي دافع عنها المعتزلة عقيدة باطلة؛ بل اعتبرت بدعة وهرطقة، وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم" هي العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا القرار السياسي الخطير يمثل نقطة البداية في ما يسمى "إغلاق باب الاجتهاد"، لأنه كان بمثابة مصادرة تامة لأي نقاش فكري في شئون الدين والعقائد. بالطبع لم يتوقف النقاش دفعة واحدة؛ فقد ظل الفكر الديني يمارس حيوية الاختلاف بعيدا عن بلاط الخليفة العباسي وخارج نطاق سلطته السياسية في أرض الإسلام الواسعة، لكن البداية كانت قد وجهت تلك الحيوية نحو نهايتها المحتومة، خاصة بعد سقوط بغداد، لا الخلافة وحدها، على أيدي المغول.

    لن نخوض في تحليل العوامل والظروف التي أدت إلى السقوط الثاني لبغداد في القرن الواحد والعشرين، ولكن الذي يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن عاملا من عوامل السقوط والتردي العام على جميع المستويات وفي كل المجالات هو غياب نقاش علمي حول قضايا الفكر الديني، سواء من منظور التاريخ أم من منظور الواقع الراهن. لم تتوقف محاولات "تجديد الخطاب الديني" منذ بدايات عصر النهضة العربي حتى الآن، لكنها رغم كل إنجازاتها المعروفة لم تمارس فعاليتها النقدية للأسس التي توقف النقاش حولها منذ القرن الثالث الهجري. حاول الشيخ "محمد عبده" في "رسالة التوحيد" –المحاولة الوحيدة في العصر الحديث لصياغة لاهوت إسلامي عصري– أن يفتح النقاش حول قضية "الوحي" و"كلام الله"؛ فاختار في الطبعة الأولى للرسالة أن ينحاز لموقف المعتزلة كما انحاز لموقفهم في قضية "العدل الإلهي وخلق الأفعال"، لكنه سرعان ما غير موقفه في الطبعة الثانية من الكتاب، وربما قام بذلك "رشيد رضا" رفيق الإمام وتلميذه، لينحاز لموقف الأشاعرة، وهو الموقف الذي يميز في الكلام الإلهي بين "الصفة القديمة الأزلية" للكلام الإلهي وبين "القرآن المتلو" المحكي بأصواتنا البشرية، وهذا هو المخلوق لا غيره.

    منذ هذا التردد في موقف الشيخ محمد عبده، أو في تأويل "رشيد رضا" لعبده، ظلت محاولات التجديد تدور في فلك اللاهوت الأشعري، ورويدا رويدا غاب هذا التمييز الأشعري بين جانبي الكلام الإلهي لحساب الموقف الحنبلي الذي يصر على صفة واحدة بلا تمييز، هي أن "كلام الله أزلي قديم وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة". في هذا السياق يمكن أن نشير إلى بعض المحاولات الجريئة، التي حاولت اختراق حجاب الصمت بطرق مختلفة دون أن يقارب هذا الاختراق الجريء تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري.

    نبدأ بذكر محاولات "محمود محمد طه" في السودان للتمييز بين رسالتين في الوحي: الرسالة المكية، التي هي الأصل والجوهر، والرسالة المدنية: التي هي رسالة القرن السابع، رسالة التشريع والقانون والثواب والعقاب، وإقامة الحدود بالمعنى القانوني وبالمعنى المجتمعي كذلك. وفي فهم "محمود طه" أن فشل العرب في استقبال الرسالة الأولي بسبب بدائيتهم العقلية جعل من الرسالة الثانية أمرا حتميا مؤقتا حتى يصل الوعي الإنساني رقيا إلى مستوى الرسالة المكية. ولأن "محمود طه" يؤمن أن إنسان القرن العشرين قد تطور وعيه واتسعت مداركه بما يكفي لاستعادة الرسالة الأولى، ونسخ الرسالة المدينية المؤقتة –رسالة القرن السابع الخاصة بالعرب وحدهم- فقد اعتبر نفسه المبشر بالرسالة الثانية للإسلام. نلاحظ هنا أن "محمود طه" يعتمد بشكل جوهري على علمين من علوم القرآن، هما "علم المكي والمدني" و"علم الناسخ والمنسوخ"، لكنه يعطي نفسه الحق في فهم هذين العلمين خارج سياق تاريخ "علوم القرآن" من جهة، وخارج سياق التاريخ الاجتماعي السياسي للسلمين من جهة أخرى. من هنا تأتي نظريته عن "الهجرة" لا كواقعة تاريخية بل كرحلة معرفية من الأعلى إلى الأدنى، لأسباب بيداجوجية. في هذا المحاولة الجريئة نتلمس التفافا حول جوهر المشكل، كما نفتقد تحليلا نقديا للوقائع والأحداث. نحن إزاء تأويل صوفي يتسم بقدر هائل من النوايا الحسنة لتحديث الإسلام إجابة على السؤال الذي صاغه الأفغاني وعبده: كيف نمارس الحضارة ونعيش في العصور الحديثة دون أن نفقد إسلامنا. والإجابة متضمنة في السؤال بشكل اعتذاري واضح: إن إسلامنا حديث بشرط أن نفهمه كذلك. وفي صيغة الجواب هذه تحديدا تصبح الحداثة مرجعية التأويل، ولا يكون "التأويل" أداة للفهم. ومن السهل أن يستعيد المسلم إسلامه من فك الحداثة إذا رفض هذا التأويل الذرائعي الحداثي للإسلام؛ بسبب غياب فهم علمي للإسلام أو لنصوصه التأسيسية.

    قريب من محاولة "محمود طه" محاولة "محمد شحرور" في سوريا رغم اختلاف الأسلوب. في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" ينطلق شحرور من دعوى عريضة فحواها عدم وجود ترادف في اللغة إطلاقا، وفي لغة القرآن تخصيصا. وهي دعوى عريضة؛ لأن شحرور لا يميز بين وجود الترادف على مستوى "المعجم" وبين اختفائه على مستوى التركيب اللغوي. بعبارة أخرى يميز علماء اللغة في دلالة المفردات اللغوية بين "الدلالة المعجمية"، حيث يوجد الترادف، وبين الدلالة التركيبية، حيث لا ترادف. انطلاقا من دعوى عدم وجود الترادف مطلقا يرى شحرور أن أسماء القرآن –القرآن، الكتاب، الذكر، البيان، السبع المثاني، الفرقان ... الخ- لا تشير إلى مدلول واحد. ما يهمنا هنا في هذا العرض السريع هو تمييزه بين "القرآن" و"الكتاب" من جهة، وتمييزه في شخصية "محمد" بين "النبوة" و"الرسالة"، من جهة أخرى، وهو التمييز الذي يجعل المقارنة بينه وبين "محمود طه" مشروعة. يكاد شحرور في التمييز بين الرسول والنبي يقارب تخوم اللاهوت الشيعي دون أن يبدو متأثرا به، ومع ذلك فإنه يجعل "النبوة" مصدر القرآن، في حين أن مصدر الكتاب هو "الرسالة". وهذا التمييز يجعله يرى الرسالة –المتجسدة في الكتاب- تاريخية مؤقتة قابلة للتطور، في حين أن النبوة –المتجسدة في القرآن- هي الجوهر الثابت. المعنى في حالة "الكتاب" محكم واضح لا يحتاج للتأويل، في حين أن المعنى في القرآن غامض متشابه يحتاج للراسخين في العلم لفهمه وتأويله (الآية السابعة من سورة آل عمران)، وهكذا يصبح المصحف قرآنا وكتابا، هما المتشابه والمحكم. ودون الدخول في تفاصيل لا يتسع لها هذا العرض الموجز فإننا نلاحظ نفس الملاحظات التي سبق أن أوردناها عن محاولة "محمد طه" يضاف إليها الوثبات اللغوية في الفراغ في قراءاته التفصيلية داخل كتابه، حيث اللغة كائن هلامي، بلا معجم ولا دلالة استعمالية. يكفي أن يقرأ الإنسان أن كلمة "شهر" قوله تعالى في سورة "القدر" "ليلة القدر خير من ألف شهر" معناها "الإشهار"، وذلك لتأكيد نظريته أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل بلغة إليكترونية، ولكنه حين نزل على محمد في القرن السابع كان ذلك "إشهارا" له باللغة العربية ليكون مفهوما. وهي قراءة –قراءة الشهر بمعنى الإشهار- تبدو جديدة، لكنها لا تستوعب أن المقارنة هنا هي مقارنة بين "ليلة" و"شهر" من حيث الخير الذي شهدته الليلة، خير نزول القرآن على محمد، وهي مقارنة واضحة. لكن هذا نموذج واحد دال على مستوى وإمكانيات القراءة المعاصرة التي يقدمها شحرور. إذا كان شحرور يتقبل مسألة القرآن المدون في اللوح المحفوظ هذا التقبل الحرفي، فما الداعي للتمييز بين التدوين الإلكتروني أو الرياضي وبين التدوين بحروف عربية كل حرف بقدر جبل "قاف" في الحجم؟ لماذا لا يتقبل شحرور هذا التصور الميثولوجي للوجود الأزلي القديم للقرآن والمبني على مبدأ "عدم الاستحالة" على الله؟ لأنه –أي شحرور- يريد أن يستنطق القرآن بمعان ودلالات محددة سلفا.

    ربما يجب الإشارة هنا أيضا إلى محاولات كل من "جمال البنا" و"خليل عبد الكريم" رغم اختلاف منطلقاتهما ظاهريا على الأقل. في محاولات "جمال البنا" نلمس تمييزا حادا بين الإسلام والمسلمين، حيث الإسلام جوهر ثابت متعال يتمثل في "القرآن الكريم" و "السنة النبوية الصحيحة"، لكن هذه المصادر النقية الطاهرة قد لوثتها الأفهام حين انتشر الإسلام واختلط بالحضارات القديمة من فارسية وهندية ومصرية وبابلية وأشورية، هذا فضلا عن حركة الترجمة التي لوثت النبع النقي الصافي. ويزيد جمال البنا الأمر صعوبة حين يشير إلى مؤامرات اليهود والنصارى للتشويش على عقائد المسلمين، مدينا "علم الكلام" و"الفلسفة" و"التصوف" باعتبارها معارف غريبة مستوردة. وهكذا ينتهي جمال البنا بهذا التمييز الحاد بين المسلمين والإسلام إلى اعتبار الخصوبة الناتجة عن التلاقح الثقافي تلوثا يجب إزالته، مستعيدا بذلك دعوى أخيه "حسن البنا" وأطروحات كل من "أبو الأعلى المودودي" و"سيد قطب". لكنه من جهة أخرى يتعامل مع القرآن والسنة –النصوص التأسيسية- على أساس أنها نصوص مفارقة للتاريخ وللثقافة، نصوص بلا أي سياق إنساني، سوى قراءته هو لهذه النصوص. من هنا تتميز قراءته الحسنة النية بالانتقائية إلى حد كبير، ويصبح هذا سهلا إلى حد كبير بعد نفي الثقافة الإسلامية بكاملها –بما فيها الفقه- من أفق منظوره التفسيري، وكأن النصوص بلا تاريخ سابق، وبلا تراث لاحق.

    تصبح "الحداثة" هي العدسة الوحيدة التي نرى النصوص من خلالها، لكنها الحداثة المفصلة تفصيلا على قدر منهج قراءة النصوص، بلا أي قدر من معاناة "النقد التاريخي".

    يبدو "خليل عبد الكريم" ظاهريا على العكس من ذلك، يبدو مشغولا بالنقد التاريخي، سواء في كتاباته الأولى "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" أو في كتابيه الأخيرين "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" و"النص المؤسس". لكن منهج النقد التاريخي عند خليل عبد الكريم لا يكاد يتجاوز منهج "نقد الرواية" في التراث النقدي لعلم الحديث. لكن لأن "خليل عبد الكريم" مشغول بمناهضة سلطة المؤسسة الدينية –سلطة التقديس كما يسميها أحيانا- فهو يوظف بعض إجراءات منهج النقد التاريخي لغايات براجماتية وأهداف إيديولوجية واضحة، مضحيا دون قصد بالغاية المعرفية. وبذلك يتحول النقد التاريخي عنده إلى الوقوع في انتقائية واضحة للنصوص التراثية التي تحقق غايته، متجاهلا، أو مهملا، التعامل مع النصوص التي تعارض أهدافه. بعبارة أخرى، تبدو النهايات محددة سلفا، فيصبح من السهل انتقاء الشواهد النصية التراثية التي تصل بالقارئ إلى تلك النهايات. في كتابيه الأخيرين يحاول "خليل عبد الكريم" أن يستعيد التاريخ من ركام الأسطورة، فيرى في أولهما "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" أن "خديجة" كانت هي المهندس، أو "الهندوز" بلغة المؤلف- الذي أعد الظروف وهيأ المناخ بالمشاركة مع "ورقة بن نوفل" وآخرين ليكون "محمد" هو النبي المنتظر. وهو في هذا يعتمد على قراءة تضخيمية لبعض الشذرات والأقوال الواردة هنا وهناك، دون أن يدرك أنه قد حول محمدا إلى مجرد ألعوبة، أو صفحة بيضاء كتب فيها آخرون ما يشاءون. ليس هذا هو قصد المؤلف بالطبع، لكن تلك كانت نتيجة قراءة المؤلف التضخيمية لبعض النصوص مع إهمال تلك التي قد تتناقض مع منظوره. في كتابه الأخير "النص المؤسس" ينطلق "خليل عبد الكريم" من التمييز بين "القرآن" و"المصحف" من أجل أن يستعيد السياق الحي لتكون القرآن. لكنه في هذه المحاولة الجريئة يعتمد اعتمادا أساسيا على "علم أسباب النزول" موردا مرويات أسباب النزول دون أي فحص نقدي، رغم أنها مرويات تتداخل فيها الحقائق والأوهام، ويمتزج فيها الصحيح والزائف، الأمر الذي دعا القدماء أنفسهم إلى القول أن ليس لها أصول، بمعنى أنها لم تخضع لمعايير النقد التي خضعت لها المرويات النبوية التي يستشهد بها في مجال الفقه.

    ومحاولة استعادة السياق القرآني لا يكفي فيها علم "أسباب النزول"، حتى مع افتراض صحة المرويات. إن أمر السياق الكامل هو سياق القرن السابع الميلادي كله بحسب ما أشار "محمد عبده" في مقدمة "تفسير المنار"، وبحسب "أمين الخولي" الذي زاد الأمر شرحا في كتابه عن "التجديد في اللغة والنحو والتفسير والبلاغة".

    في كل محاولات التجديد تلك ربما يجب استثناء "حسن حنفي" الذي أعاد وأفاض في الحديث عن الوحي بوصفه علاقة جدلية بين الإلهي والإنساني، بين الأرض والسماء، بين المُدرَك والمتعالي ... الخ.

    وربما يمكن أيضا استثناء المفكر الباكستاني "فضل الرحمن" الذي أكد دور "محمد" الإيجابي في عملية الوحي قائلا إنه لم يكن مجرد ساعي بريد. لكن أيا من "حسن حنفي" أو "فضل الرحمن" لم يتجاوز هذه الملاحظات العابرة؛ فقد انشغل "حسن حنفي"، وما يزال مشغولا، بالتجديد في علوم التراث، وإنجازاته في هذا المجال تنفاعل مع إنجازات "محمد عابد الجابري" "طيب تيزيني" وغيرهما من الفلاسفة. أما "فضل الرحمن" فقد انشغل بدوره في قضية التحديث، ومارس على المستوى التطبيقي إجراءات جديرة بالتنويه، لكن السؤال الأساسي، سؤال "كلام الله" ظل غائبا.

    ما أهمية هذا السؤال؟ إن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية –القرآن والسنة- ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري. دون استعادة السؤال المغيب والمحبط والمكبوت سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. لقد استعرضنا بعض نماذج للقراءات التحديثية ولا حظنا ما تنطوي عليه من مخاطر استعادة المعني التقليدي من براثن المعاني الحداثية. يحدث ذلك طول الوقت، وبوتائر منتظمة؛ لأننا جميعا ننطلق من نفس المفهوم، مفهوم القرآن كلام الله الأزلي القديم، وصفة ذاته الأزلية القديمة، وهو نفس التعريف الذي يسوغ "أسلمة المعرفة" و"أسلمة العلوم" بالقدر الذي يسوغ العنف والقتل والتكفير باسم الله. إذا كان كلام الله هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فاللغة العربية قشرة على معانية كما يقرر الغزالي –الأشعري-في "جواهر القرآن"، وبما هي قشرة فإن علوم اللغة والبلاغة والأسلوب والدلالة هي علوم مهمتها إزالة القشور للبحث عن الدرر والجواهر الكامنة؛ أي كل أنواع العلوم، ما كان وما هو كائن وما سوف يكون. ولأن كلام الله –القرآن- هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فهو أيضا يتضمن الحداثة بكل قيمها ومفاهيمها وفلسفاتها كاملة بنفس القدر الذي يبرر به القتل والتكفير والإقصاء والاستبعاد بلا زيادة ولا نقصان. إذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان القرآن بما هو كلام الله الأزلي القديم يحتمل كل أنماط المعاني والدلالات، الحديث والقديم، الأصولي والليبرالي، التنزيه والتشبيه ... الخ، فأي المعاني ينتصر ويسود ويقهر المعاني الأخرى ويحبسها في سجن "الهرطقة" و"الردة" و"الكفر" أو "الأصولية" و"التطرف" و"الإرهاب"؟ إن المعنى الذي ينتصر دائما ويسود ويقهر هو من يدعيه القوي، صاحب السلطة والجاه والسلطان، الذي قد يكون حداثيا فيقهر أصحاب المعاني غير الحداثية، وقد يكون سلفيا فيقهر الحداثيين. يتحول الصراع السياسي الاجتماعي إلى صراع معنى، ويبدو الأمر أننا نتقاتل حول الدين؟ والسبب أن نظام حياتنا السياسي هو الذي يحتاج أولا إلى التجديد، نحتاج إلى "الحرية"؛ لأنها شرط أولي لممارسة التفكير، الذي هو بدوره أداة التجديد والتغيير.

    نحتاج للديمقراطية، وجوهرها الحرية الفردية، لا مجرد إجراء الانتخابات، وتغيير الوجوه. من هنا توقفت عن الكتابة عن تجديد الخطاب الديني بعد أن نشرت مقالا في الأهرام كان مقدمة لسلسلة من المقالات عن الموضوع. توقفت؛ لأن السباحة في المياه العكرة ليست أمرا صحيا لا لبدني ولا لعقلي، ولأن هذا النمط من التجديد تحديدا هو الذي يسعى إليه الإمبراطور الجديد للعالم. في مناخ ديمقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار، يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي في حقول المعرفة كافة، وفي حقل الدراسات الدينية بصفة خاصة. ولعله من الممكن حينئذ الحديث عن إمكانية وجود مؤسسات أكاديمية لدراسة الأديان، لا لمجرد تعليم الأديان كما هو الحال في العالم الإسلامي كله. إن البحث في الأديان، تاريخها، بناؤها، لا هوتها، مناهج التفسير وطرائق التأويل، بنية مؤسساتها، الفرق بين العقائد وبين الدوجما ... الخ، أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان، حيث لا مجال إلا لتعليم العقائد الصحيحة من منظور المؤسسة والتمييز بينها وبين العقائد الباطلة، من منظور المؤسسة كذلك. وحين تنشأ مؤسسات البحث في الأديان، يمكن تأسيس "علم الأديان المقارن"، وهو علم غائب من مؤسسات تعليم الأديان. في هذه الحالة، ومع تحقق بعض تلك الشروط، يمكن إثارة الأسئلة، وفتح باب النقاش الحر في كل القضايا المكبوته والمحبطة، لا المسكوت عنها فقط. يمكن أن يصبح "اللا مفكر فيه"، بتعبير "محمد أركون" موضوعا للنقاش.

    في ظل مناخ يتوفر فيه الحد الأدنى من الحريات الفردية، ومن حرية البحث والنقاش، يمكن للأسئلة التالية أن تثار. وتلك أسئلة لا يمكن بدون فتحها للنقاش أن يكون هناك أي احتمال لتجديد الخطاب الديني، هذا إلا إذ اعتبرنا أن "الخطاب" هو "الخطبة"، وأن الأمر هو تعبئة الأفكار القديمة في لغة جديدة، كما هو الحال في الجدل الصاخب الدائر الآن هنا وهناك حول تجديد الخطاب الديني.

    السؤال الأول والجوهري: ما معنى أن القرآن كلام الله؟ ليس السؤال هو ما إذا كان كلام الله قديما أزليا أم محدثا مخلوقا، فذلك كان سؤال القرون الأولى من تاريخ الإسلام استجابة للسؤال المسيحي حول تناقض القرآن في فهمه للمسيح، بجمعه بين كونه "كلمة الله وروح منه" من جهة، وبين كونه إنسانا مخلوقا من جهة أخرى. في محاولة المفكرين المسلمين الأوائل حماية الإسلام من التشابه مع المسيحية كان لابد أن يؤكدوا مفهوم "كلمة الله المخلوقة" عن طريق تطبيقها على القرآن.

    سؤالنا الآن ليس عن هذا ولا غايتنا مثل غاية القدماء ولا سياقنا سياقهم. سياقنا هم الدرس العلمي والفهم الموضوعي. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة عن "طبيعة الوحي" وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام. القرآن نفسه يتحدث عن "الوحي" بوصفه اتصالا غير لغوي، وهذا ما حلله كثير من الباحثين دون أن يتجاوزوا الخط الأحمر المفروض من القراءات التراثية لقوله تعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء". تقسم القراءات التراثية للآية الطرق التي يتواصل الله من خلالها مع البشر إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول هو "الإلهام"، كما في كلام الله لأم موسى، والنمط الثاني هو كلامه مع موسى من وراء حجاب الجبل أو النار (وهو كلام إشكالي سيقوم المعتزلة بتأويله بأن الله خلق كلاما سمعه موسى، وهو تأويل قائم على محاولة حماية الوحدة الإلهية –التوحيد- من احتمال أي تشابه بين الله والبشر)، والنمط الثالث هو نمط الوحي في الإسلام، وهو عن طريق الرسول الوسيط –جبريل- إلى محمد. وترى القراءة التراثية أن التواصل بين جبريل ومحمد كان تواصلا لغويا، أي أن جبريل تحدث إلى محمد بالعربية، وهو تفسير تتأبى عليه الأية، التي تنص على أن الرسول "يوحي" إلى البشر بما يشاء الله؛ ومعنى ذلك أن الاتصال بين جبريل ومحمد كان اتصالا غير لغوي، كان بالوحي أي الإلهام.

    يعزز هذه القراءة من جانبنا المرويات الكثيرة التي تنسب إلى الرسول، والتي يحكي فيها أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل "صلصلة الجرس" وأحيانا مثل "طنين النحل"، ولا يمكن أن يكون هذا الوصف دالا على تواصل لغوي بالمعنى المعتاد.

    يتفرع عن المشكل السابق فتح باب النقاش عن معنى "التنجيم" ودلالته. ما معنى أن القرآن لم يوحي الله به إلى محمد دفعة واحدة، بل نزل مفرقا حسب الأحوال والملابسات؟ وهذا السؤال يتفرع عنه سؤال آخر: هل القرآن نص واحد، أم كثرة من النصوص، لكل نص منها سياقه الخاص؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإن السؤال التالي يصبح: لماذا حين جمع القرآن في مصحف، لم ترتب النصوص حسب ترتيب نزولها، ورتبت ترتيبا آخر لم تدرس دلالته بعد. وهذا السؤال لا يعني التشكيك في القرآن، بقدر ما يفتح النقاش بحثا عن "حكمة الترتيب" الحالي، سواء كان الترتيب إلهيا (توقيفيا)، كما يقول الكثيرون، أو بشريا (توفيقيا) كما يذهب البعض.

    والسؤال عن الترتيب يفتح المجال للسؤال عن عملية الجمع والتدوين في المصحف، كيف بدأت وكيف تطورت، من مجرد "رسم" في المصحف العثماني بلا إعجام (تنقيط) وبلا حركات (تشكيل أواخر الكلمات لبيان موقعها الإعرابي) وبلا أي فواصل أو علامات وقف، إلى أن استوى مصحفا مقروءا بعد ذلك بفترة طويلة؟. وهذا الاستواء الأخير ما علاقته بالقراءات التي كانت بلا عدد حتى جاء ابن مجاهد وقرر أن القراءات المعتمدة (السنة) سبعة فقط، وذلك بعد استواء المصحف المضبوط بفترة طويلة. ومع ذلك فتاريخ القراءات يكشف أن محاولات ابن مجاهد وغيره لم توقف سيل القراءات، فتم إضافة ثلاث إلى السبع فصارت عشرا، ثم صارت أربعة عشرة قراءة (سبع سنة وسبع جائزة)، ومع ذلك فإن ابن جني يتصدى في كتابه "المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة) فيجد للقراءات الشاذة مكانا، وهذا معناه أن تعدد القراءات متجاوزة الأربعة عشرة ظل أمر ملحوظا في الواقع.

    في هذا السياق لا يصح علما وإيمانا تجاهل الصحائف الباقية من مصاحف مختلفة، والتي تم العثور عليها بالمصادفة في سقف أحد مساجد صنعاء باليمن بعد سقوط السقف بفعل الأمطار في 1972، وهي صحائف مكتوبة بالخط الحجازي، ولعلها من بقايا المصاحف التي أمر عثمان بحرقها. هذه الصحائف لا تتضمن قرآنا غير القرآن الذي نعرفه، لكن رسمها قد يقترح قراءات أخرى غير القراءات التي في المصحف الحالي.

    أين يمكن أن تقودنا كل هذه الأسئلة، إذا لم يتغلب علينا ضعف الإيمان فنرفض مجرد النقاش وفحص الوقائع، ونصر على أن نجمد عقولنا؟ من المؤكد أنها لن تلغي القرآن، لا ولن تهدم الدين، ولن تزعزع اليقين، بل ستفتح لنا مجالا للفهم يرى تجلى الإلهي في البشري، وانكشاف كلمة الله على لسان الإنسان. والتحقيق التاريخي سيمكننا من استعادة السياق الغائب، فندرك فحوى كلام الله ودلالته، ونميز بين "التاريخي" و"الأزلي". سنكتشف مثلا أن كل "الحدود العقابية" من قطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، والعين بالعين والسن بالسن ... الخ أنها قيم سابقة على القرآن.

    يمكن أن ندرك أن الأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك أننا لا يصح أن ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي. إذا كان العدل هو الأساس، سنفهم أن الأمر بالقتل –قتل المشركين وغير المشركين- هو التاريخي، بدليل أن المسلمين لم يقتلوا المشركين قتلا جماعيا في أي بلد دخلوه. بل لم يقتل النبي مشركي مكة حين فتحها. إذا أدركنا ذلك سندرك معنى "تاريخية" النص بأنها لا تعني "الزمانية"، وسندرك معنى أنه "مُنْتَج ثقافي" في نشأته، لكنه صار "مُنْتِجا" لثقافة جديدة في التاريخ.

    لكن إنتاجية النص للثقافة لم تتم إلا بالفهم الذي أنتجه المسلمون وفق آفاق مواقعهم الفكرية. وإذ نفهم ذلك ستستطيع أن نتفهم أن تلك الثقافة، التي أنتجها المسلمون ثقافة زمانية، نستطيع أن نحللها ونفهمها فهما نقديا، سواء تجلت في علوم الفقه أو التفسير أو الحديث، أو الفلسفة، أو علم الكلام أو التصوف، أو في علوم اللغة والأدب ... الخ.

    في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

    متى نبدأ؟ ذلك هو السؤال.

    http://www.cihrs.org/focus/paris/paris-papers-2_A.htm
    _________________
                  

04-27-2008, 02:58 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اللقاء التشاوري النوعي حول
    "السبل العملية لتجديد الخطاب الديني"
    باريس 12-13 أغسطس 2003

    نحو منهج إسلامي جديد للتأويل

    نصر حامد أبو زيد

    "أول التجديد قتل القديم بحثا" أمين الخولي

    منذ القرن الثالث الهجري (عصر الخليفة العباسي المتوكل) توقف النقاش حول أهم مشكلة من مشكلات "الخطاب الديني"، ولا أقول أهم مشكلات "علم الكلام"، تلك هي إشكالية تعريف "الكلام الإلهي" وعلاقته بالذات الإلهية، وهي المشكلة التي عرفت باسم مشكلة "خلق القرآن" وما ارتبط بها من "محنة" واضطهاد طال كل الأطراف التي ساهمت في النقاش. في عصر المتوكل تم حسم الأمر بقرار سياسي على أساسه تم تحديد "العقائد الصحيحة" وتمييزها عن "العقائد الباطلة"؛ وعلى هذا الأساس اعتبرت عقيدة "خلق القرآن"، التي دافع عنها المعتزلة عقيدة باطلة؛ بل اعتبرت بدعة وهرطقة، وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم" هي العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا القرار السياسي الخطير يمثل نقطة البداية في ما يسمى "إغلاق باب الاجتهاد"، لأنه كان بمثابة مصادرة تامة لأي نقاش فكري في شئون الدين والعقائد. بالطبع لم يتوقف النقاش دفعة واحدة؛ فقد ظل الفكر الديني يمارس حيوية الاختلاف بعيدا عن بلاط الخليفة العباسي وخارج نطاق سلطته السياسية في أرض الإسلام الواسعة، لكن البداية كانت قد وجهت تلك الحيوية نحو نهايتها المحتومة، خاصة بعد سقوط بغداد، لا الخلافة وحدها، على أيدي المغول.

    لن نخوض في تحليل العوامل والظروف التي أدت إلى السقوط الثاني لبغداد في القرن الواحد والعشرين، ولكن الذي يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن عاملا من عوامل السقوط والتردي العام على جميع المستويات وفي كل المجالات هو غياب نقاش علمي حول قضايا الفكر الديني، سواء من منظور التاريخ أم من منظور الواقع الراهن. لم تتوقف محاولات "تجديد الخطاب الديني" منذ بدايات عصر النهضة العربي حتى الآن، لكنها رغم كل إنجازاتها المعروفة لم تمارس فعاليتها النقدية للأسس التي توقف النقاش حولها منذ القرن الثالث الهجري. حاول الشيخ "محمد عبده" في "رسالة التوحيد" –المحاولة الوحيدة في العصر الحديث لصياغة لاهوت إسلامي عصري– أن يفتح النقاش حول قضية "الوحي" و"كلام الله"؛ فاختار في الطبعة الأولى للرسالة أن ينحاز لموقف المعتزلة كما انحاز لموقفهم في قضية "العدل الإلهي وخلق الأفعال"، لكنه سرعان ما غير موقفه في الطبعة الثانية من الكتاب، وربما قام بذلك "رشيد رضا" رفيق الإمام وتلميذه، لينحاز لموقف الأشاعرة، وهو الموقف الذي يميز في الكلام الإلهي بين "الصفة القديمة الأزلية" للكلام الإلهي وبين "القرآن المتلو" المحكي بأصواتنا البشرية، وهذا هو المخلوق لا غيره.

    منذ هذا التردد في موقف الشيخ محمد عبده، أو في تأويل "رشيد رضا" لعبده، ظلت محاولات التجديد تدور في فلك اللاهوت الأشعري، ورويدا رويدا غاب هذا التمييز الأشعري بين جانبي الكلام الإلهي لحساب الموقف الحنبلي الذي يصر على صفة واحدة بلا تمييز، هي أن "كلام الله أزلي قديم وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة". في هذا السياق يمكن أن نشير إلى بعض المحاولات الجريئة، التي حاولت اختراق حجاب الصمت بطرق مختلفة دون أن يقارب هذا الاختراق الجريء تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري.

    نبدأ بذكر محاولات "محمود محمد طه" في السودان للتمييز بين رسالتين في الوحي: الرسالة المكية، التي هي الأصل والجوهر، والرسالة المدنية: التي هي رسالة القرن السابع، رسالة التشريع والقانون والثواب والعقاب، وإقامة الحدود بالمعنى القانوني وبالمعنى المجتمعي كذلك. وفي فهم "محمود طه" أن فشل العرب في استقبال الرسالة الأولي بسبب بدائيتهم العقلية جعل من الرسالة الثانية أمرا حتميا مؤقتا حتى يصل الوعي الإنساني رقيا إلى مستوى الرسالة المكية. ولأن "محمود طه" يؤمن أن إنسان القرن العشرين قد تطور وعيه واتسعت مداركه بما يكفي لاستعادة الرسالة الأولى، ونسخ الرسالة المدينية المؤقتة –رسالة القرن السابع الخاصة بالعرب وحدهم- فقد اعتبر نفسه المبشر بالرسالة الثانية للإسلام. نلاحظ هنا أن "محمود طه" يعتمد بشكل جوهري على علمين من علوم القرآن، هما "علم المكي والمدني" و"علم الناسخ والمنسوخ"، لكنه يعطي نفسه الحق في فهم هذين العلمين خارج سياق تاريخ "علوم القرآن" من جهة، وخارج سياق التاريخ الاجتماعي السياسي للسلمين من جهة أخرى. من هنا تأتي نظريته عن "الهجرة" لا كواقعة تاريخية بل كرحلة معرفية من الأعلى إلى الأدنى، لأسباب بيداجوجية. في هذا المحاولة الجريئة نتلمس التفافا حول جوهر المشكل، كما نفتقد تحليلا نقديا للوقائع والأحداث. نحن إزاء تأويل صوفي يتسم بقدر هائل من النوايا الحسنة لتحديث الإسلام إجابة على السؤال الذي صاغه الأفغاني وعبده: كيف نمارس الحضارة ونعيش في العصور الحديثة دون أن نفقد إسلامنا. والإجابة متضمنة في السؤال بشكل اعتذاري واضح: إن إسلامنا حديث بشرط أن نفهمه كذلك. وفي صيغة الجواب هذه تحديدا تصبح الحداثة مرجعية التأويل، ولا يكون "التأويل" أداة للفهم. ومن السهل أن يستعيد المسلم إسلامه من فك الحداثة إذا رفض هذا التأويل الذرائعي الحداثي للإسلام؛ بسبب غياب فهم علمي للإسلام أو لنصوصه التأسيسية.

    قريب من محاولة "محمود طه" محاولة "محمد شحرور" في سوريا رغم اختلاف الأسلوب. في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" ينطلق شحرور من دعوى عريضة فحواها عدم وجود ترادف في اللغة إطلاقا، وفي لغة القرآن تخصيصا. وهي دعوى عريضة؛ لأن شحرور لا يميز بين وجود الترادف على مستوى "المعجم" وبين اختفائه على مستوى التركيب اللغوي. بعبارة أخرى يميز علماء اللغة في دلالة المفردات اللغوية بين "الدلالة المعجمية"، حيث يوجد الترادف، وبين الدلالة التركيبية، حيث لا ترادف. انطلاقا من دعوى عدم وجود الترادف مطلقا يرى شحرور أن أسماء القرآن –القرآن، الكتاب، الذكر، البيان، السبع المثاني، الفرقان ... الخ- لا تشير إلى مدلول واحد. ما يهمنا هنا في هذا العرض السريع هو تمييزه بين "القرآن" و"الكتاب" من جهة، وتمييزه في شخصية "محمد" بين "النبوة" و"الرسالة"، من جهة أخرى، وهو التمييز الذي يجعل المقارنة بينه وبين "محمود طه" مشروعة. يكاد شحرور في التمييز بين الرسول والنبي يقارب تخوم اللاهوت الشيعي دون أن يبدو متأثرا به، ومع ذلك فإنه يجعل "النبوة" مصدر القرآن، في حين أن مصدر الكتاب هو "الرسالة". وهذا التمييز يجعله يرى الرسالة –المتجسدة في الكتاب- تاريخية مؤقتة قابلة للتطور، في حين أن النبوة –المتجسدة في القرآن- هي الجوهر الثابت. المعنى في حالة "الكتاب" محكم واضح لا يحتاج للتأويل، في حين أن المعنى في القرآن غامض متشابه يحتاج للراسخين في العلم لفهمه وتأويله (الآية السابعة من سورة آل عمران)، وهكذا يصبح المصحف قرآنا وكتابا، هما المتشابه والمحكم. ودون الدخول في تفاصيل لا يتسع لها هذا العرض الموجز فإننا نلاحظ نفس الملاحظات التي سبق أن أوردناها عن محاولة "محمد طه" يضاف إليها الوثبات اللغوية في الفراغ في قراءاته التفصيلية داخل كتابه، حيث اللغة كائن هلامي، بلا معجم ولا دلالة استعمالية. يكفي أن يقرأ الإنسان أن كلمة "شهر" قوله تعالى في سورة "القدر" "ليلة القدر خير من ألف شهر" معناها "الإشهار"، وذلك لتأكيد نظريته أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل بلغة إليكترونية، ولكنه حين نزل على محمد في القرن السابع كان ذلك "إشهارا" له باللغة العربية ليكون مفهوما. وهي قراءة –قراءة الشهر بمعنى الإشهار- تبدو جديدة، لكنها لا تستوعب أن المقارنة هنا هي مقارنة بين "ليلة" و"شهر" من حيث الخير الذي شهدته الليلة، خير نزول القرآن على محمد، وهي مقارنة واضحة. لكن هذا نموذج واحد دال على مستوى وإمكانيات القراءة المعاصرة التي يقدمها شحرور. إذا كان شحرور يتقبل مسألة القرآن المدون في اللوح المحفوظ هذا التقبل الحرفي، فما الداعي للتمييز بين التدوين الإلكتروني أو الرياضي وبين التدوين بحروف عربية كل حرف بقدر جبل "قاف" في الحجم؟ لماذا لا يتقبل شحرور هذا التصور الميثولوجي للوجود الأزلي القديم للقرآن والمبني على مبدأ "عدم الاستحالة" على الله؟ لأنه –أي شحرور- يريد أن يستنطق القرآن بمعان ودلالات محددة سلفا.

    ربما يجب الإشارة هنا أيضا إلى محاولات كل من "جمال البنا" و"خليل عبد الكريم" رغم اختلاف منطلقاتهما ظاهريا على الأقل. في محاولات "جمال البنا" نلمس تمييزا حادا بين الإسلام والمسلمين، حيث الإسلام جوهر ثابت متعال يتمثل في "القرآن الكريم" و "السنة النبوية الصحيحة"، لكن هذه المصادر النقية الطاهرة قد لوثتها الأفهام حين انتشر الإسلام واختلط بالحضارات القديمة من فارسية وهندية ومصرية وبابلية وأشورية، هذا فضلا عن حركة الترجمة التي لوثت النبع النقي الصافي. ويزيد جمال البنا الأمر صعوبة حين يشير إلى مؤامرات اليهود والنصارى للتشويش على عقائد المسلمين، مدينا "علم الكلام" و"الفلسفة" و"التصوف" باعتبارها معارف غريبة مستوردة. وهكذا ينتهي جمال البنا بهذا التمييز الحاد بين المسلمين والإسلام إلى اعتبار الخصوبة الناتجة عن التلاقح الثقافي تلوثا يجب إزالته، مستعيدا بذلك دعوى أخيه "حسن البنا" وأطروحات كل من "أبو الأعلى المودودي" و"سيد قطب". لكنه من جهة أخرى يتعامل مع القرآن والسنة –النصوص التأسيسية- على أساس أنها نصوص مفارقة للتاريخ وللثقافة، نصوص بلا أي سياق إنساني، سوى قراءته هو لهذه النصوص. من هنا تتميز قراءته الحسنة النية بالانتقائية إلى حد كبير، ويصبح هذا سهلا إلى حد كبير بعد نفي الثقافة الإسلامية بكاملها –بما فيها الفقه- من أفق منظوره التفسيري، وكأن النصوص بلا تاريخ سابق، وبلا تراث لاحق.

    تصبح "الحداثة" هي العدسة الوحيدة التي نرى النصوص من خلالها، لكنها الحداثة المفصلة تفصيلا على قدر منهج قراءة النصوص، بلا أي قدر من معاناة "النقد التاريخي".

    يبدو "خليل عبد الكريم" ظاهريا على العكس من ذلك، يبدو مشغولا بالنقد التاريخي، سواء في كتاباته الأولى "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" أو في كتابيه الأخيرين "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" و"النص المؤسس". لكن منهج النقد التاريخي عند خليل عبد الكريم لا يكاد يتجاوز منهج "نقد الرواية" في التراث النقدي لعلم الحديث. لكن لأن "خليل عبد الكريم" مشغول بمناهضة سلطة المؤسسة الدينية –سلطة التقديس كما يسميها أحيانا- فهو يوظف بعض إجراءات منهج النقد التاريخي لغايات براجماتية وأهداف إيديولوجية واضحة، مضحيا دون قصد بالغاية المعرفية. وبذلك يتحول النقد التاريخي عنده إلى الوقوع في انتقائية واضحة للنصوص التراثية التي تحقق غايته، متجاهلا، أو مهملا، التعامل مع النصوص التي تعارض أهدافه. بعبارة أخرى، تبدو النهايات محددة سلفا، فيصبح من السهل انتقاء الشواهد النصية التراثية التي تصل بالقارئ إلى تلك النهايات. في كتابيه الأخيرين يحاول "خليل عبد الكريم" أن يستعيد التاريخ من ركام الأسطورة، فيرى في أولهما "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" أن "خديجة" كانت هي المهندس، أو "الهندوز" بلغة المؤلف- الذي أعد الظروف وهيأ المناخ بالمشاركة مع "ورقة بن نوفل" وآخرين ليكون "محمد" هو النبي المنتظر. وهو في هذا يعتمد على قراءة تضخيمية لبعض الشذرات والأقوال الواردة هنا وهناك، دون أن يدرك أنه قد حول محمدا إلى مجرد ألعوبة، أو صفحة بيضاء كتب فيها آخرون ما يشاءون. ليس هذا هو قصد المؤلف بالطبع، لكن تلك كانت نتيجة قراءة المؤلف التضخيمية لبعض النصوص مع إهمال تلك التي قد تتناقض مع منظوره. في كتابه الأخير "النص المؤسس" ينطلق "خليل عبد الكريم" من التمييز بين "القرآن" و"المصحف" من أجل أن يستعيد السياق الحي لتكون القرآن. لكنه في هذه المحاولة الجريئة يعتمد اعتمادا أساسيا على "علم أسباب النزول" موردا مرويات أسباب النزول دون أي فحص نقدي، رغم أنها مرويات تتداخل فيها الحقائق والأوهام، ويمتزج فيها الصحيح والزائف، الأمر الذي دعا القدماء أنفسهم إلى القول أن ليس لها أصول، بمعنى أنها لم تخضع لمعايير النقد التي خضعت لها المرويات النبوية التي يستشهد بها في مجال الفقه.

    ومحاولة استعادة السياق القرآني لا يكفي فيها علم "أسباب النزول"، حتى مع افتراض صحة المرويات. إن أمر السياق الكامل هو سياق القرن السابع الميلادي كله بحسب ما أشار "محمد عبده" في مقدمة "تفسير المنار"، وبحسب "أمين الخولي" الذي زاد الأمر شرحا في كتابه عن "التجديد في اللغة والنحو والتفسير والبلاغة".

    في كل محاولات التجديد تلك ربما يجب استثناء "حسن حنفي" الذي أعاد وأفاض في الحديث عن الوحي بوصفه علاقة جدلية بين الإلهي والإنساني، بين الأرض والسماء، بين المُدرَك والمتعالي ... الخ.

    وربما يمكن أيضا استثناء المفكر الباكستاني "فضل الرحمن" الذي أكد دور "محمد" الإيجابي في عملية الوحي قائلا إنه لم يكن مجرد ساعي بريد. لكن أيا من "حسن حنفي" أو "فضل الرحمن" لم يتجاوز هذه الملاحظات العابرة؛ فقد انشغل "حسن حنفي"، وما يزال مشغولا، بالتجديد في علوم التراث، وإنجازاته في هذا المجال تنفاعل مع إنجازات "محمد عابد الجابري" "طيب تيزيني" وغيرهما من الفلاسفة. أما "فضل الرحمن" فقد انشغل بدوره في قضية التحديث، ومارس على المستوى التطبيقي إجراءات جديرة بالتنويه، لكن السؤال الأساسي، سؤال "كلام الله" ظل غائبا.

    ما أهمية هذا السؤال؟ إن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية –القرآن والسنة- ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري. دون استعادة السؤال المغيب والمحبط والمكبوت سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. لقد استعرضنا بعض نماذج للقراءات التحديثية ولا حظنا ما تنطوي عليه من مخاطر استعادة المعني التقليدي من براثن المعاني الحداثية. يحدث ذلك طول الوقت، وبوتائر منتظمة؛ لأننا جميعا ننطلق من نفس المفهوم، مفهوم القرآن كلام الله الأزلي القديم، وصفة ذاته الأزلية القديمة، وهو نفس التعريف الذي يسوغ "أسلمة المعرفة" و"أسلمة العلوم" بالقدر الذي يسوغ العنف والقتل والتكفير باسم الله. إذا كان كلام الله هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فاللغة العربية قشرة على معانية كما يقرر الغزالي –الأشعري-في "جواهر القرآن"، وبما هي قشرة فإن علوم اللغة والبلاغة والأسلوب والدلالة هي علوم مهمتها إزالة القشور للبحث عن الدرر والجواهر الكامنة؛ أي كل أنواع العلوم، ما كان وما هو كائن وما سوف يكون. ولأن كلام الله –القرآن- هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فهو أيضا يتضمن الحداثة بكل قيمها ومفاهيمها وفلسفاتها كاملة بنفس القدر الذي يبرر به القتل والتكفير والإقصاء والاستبعاد بلا زيادة ولا نقصان. إذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان القرآن بما هو كلام الله الأزلي القديم يحتمل كل أنماط المعاني والدلالات، الحديث والقديم، الأصولي والليبرالي، التنزيه والتشبيه ... الخ، فأي المعاني ينتصر ويسود ويقهر المعاني الأخرى ويحبسها في سجن "الهرطقة" و"الردة" و"الكفر" أو "الأصولية" و"التطرف" و"الإرهاب"؟ إن المعنى الذي ينتصر دائما ويسود ويقهر هو من يدعيه القوي، صاحب السلطة والجاه والسلطان، الذي قد يكون حداثيا فيقهر أصحاب المعاني غير الحداثية، وقد يكون سلفيا فيقهر الحداثيين. يتحول الصراع السياسي الاجتماعي إلى صراع معنى، ويبدو الأمر أننا نتقاتل حول الدين؟ والسبب أن نظام حياتنا السياسي هو الذي يحتاج أولا إلى التجديد، نحتاج إلى "الحرية"؛ لأنها شرط أولي لممارسة التفكير، الذي هو بدوره أداة التجديد والتغيير.

    نحتاج للديمقراطية، وجوهرها الحرية الفردية، لا مجرد إجراء الانتخابات، وتغيير الوجوه. من هنا توقفت عن الكتابة عن تجديد الخطاب الديني بعد أن نشرت مقالا في الأهرام كان مقدمة لسلسلة من المقالات عن الموضوع. توقفت؛ لأن السباحة في المياه العكرة ليست أمرا صحيا لا لبدني ولا لعقلي، ولأن هذا النمط من التجديد تحديدا هو الذي يسعى إليه الإمبراطور الجديد للعالم. في مناخ ديمقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار، يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي في حقول المعرفة كافة، وفي حقل الدراسات الدينية بصفة خاصة. ولعله من الممكن حينئذ الحديث عن إمكانية وجود مؤسسات أكاديمية لدراسة الأديان، لا لمجرد تعليم الأديان كما هو الحال في العالم الإسلامي كله. إن البحث في الأديان، تاريخها، بناؤها، لا هوتها، مناهج التفسير وطرائق التأويل، بنية مؤسساتها، الفرق بين العقائد وبين الدوجما ... الخ، أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان، حيث لا مجال إلا لتعليم العقائد الصحيحة من منظور المؤسسة والتمييز بينها وبين العقائد الباطلة، من منظور المؤسسة كذلك. وحين تنشأ مؤسسات البحث في الأديان، يمكن تأسيس "علم الأديان المقارن"، وهو علم غائب من مؤسسات تعليم الأديان. في هذه الحالة، ومع تحقق بعض تلك الشروط، يمكن إثارة الأسئلة، وفتح باب النقاش الحر في كل القضايا المكبوته والمحبطة، لا المسكوت عنها فقط. يمكن أن يصبح "اللا مفكر فيه"، بتعبير "محمد أركون" موضوعا للنقاش.

    في ظل مناخ يتوفر فيه الحد الأدنى من الحريات الفردية، ومن حرية البحث والنقاش، يمكن للأسئلة التالية أن تثار. وتلك أسئلة لا يمكن بدون فتحها للنقاش أن يكون هناك أي احتمال لتجديد الخطاب الديني، هذا إلا إذ اعتبرنا أن "الخطاب" هو "الخطبة"، وأن الأمر هو تعبئة الأفكار القديمة في لغة جديدة، كما هو الحال في الجدل الصاخب الدائر الآن هنا وهناك حول تجديد الخطاب الديني.

    السؤال الأول والجوهري: ما معنى أن القرآن كلام الله؟ ليس السؤال هو ما إذا كان كلام الله قديما أزليا أم محدثا مخلوقا، فذلك كان سؤال القرون الأولى من تاريخ الإسلام استجابة للسؤال المسيحي حول تناقض القرآن في فهمه للمسيح، بجمعه بين كونه "كلمة الله وروح منه" من جهة، وبين كونه إنسانا مخلوقا من جهة أخرى. في محاولة المفكرين المسلمين الأوائل حماية الإسلام من التشابه مع المسيحية كان لابد أن يؤكدوا مفهوم "كلمة الله المخلوقة" عن طريق تطبيقها على القرآن.

    سؤالنا الآن ليس عن هذا ولا غايتنا مثل غاية القدماء ولا سياقنا سياقهم. سياقنا هم الدرس العلمي والفهم الموضوعي. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة عن "طبيعة الوحي" وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام. القرآن نفسه يتحدث عن "الوحي" بوصفه اتصالا غير لغوي، وهذا ما حلله كثير من الباحثين دون أن يتجاوزوا الخط الأحمر المفروض من القراءات التراثية لقوله تعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء". تقسم القراءات التراثية للآية الطرق التي يتواصل الله من خلالها مع البشر إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول هو "الإلهام"، كما في كلام الله لأم موسى، والنمط الثاني هو كلامه مع موسى من وراء حجاب الجبل أو النار (وهو كلام إشكالي سيقوم المعتزلة بتأويله بأن الله خلق كلاما سمعه موسى، وهو تأويل قائم على محاولة حماية الوحدة الإلهية –التوحيد- من احتمال أي تشابه بين الله والبشر)، والنمط الثالث هو نمط الوحي في الإسلام، وهو عن طريق الرسول الوسيط –جبريل- إلى محمد. وترى القراءة التراثية أن التواصل بين جبريل ومحمد كان تواصلا لغويا، أي أن جبريل تحدث إلى محمد بالعربية، وهو تفسير تتأبى عليه الأية، التي تنص على أن الرسول "يوحي" إلى البشر بما يشاء الله؛ ومعنى ذلك أن الاتصال بين جبريل ومحمد كان اتصالا غير لغوي، كان بالوحي أي الإلهام.

    يعزز هذه القراءة من جانبنا المرويات الكثيرة التي تنسب إلى الرسول، والتي يحكي فيها أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل "صلصلة الجرس" وأحيانا مثل "طنين النحل"، ولا يمكن أن يكون هذا الوصف دالا على تواصل لغوي بالمعنى المعتاد.

    يتفرع عن المشكل السابق فتح باب النقاش عن معنى "التنجيم" ودلالته. ما معنى أن القرآن لم يوحي الله به إلى محمد دفعة واحدة، بل نزل مفرقا حسب الأحوال والملابسات؟ وهذا السؤال يتفرع عنه سؤال آخر: هل القرآن نص واحد، أم كثرة من النصوص، لكل نص منها سياقه الخاص؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإن السؤال التالي يصبح: لماذا حين جمع القرآن في مصحف، لم ترتب النصوص حسب ترتيب نزولها، ورتبت ترتيبا آخر لم تدرس دلالته بعد. وهذا السؤال لا يعني التشكيك في القرآن، بقدر ما يفتح النقاش بحثا عن "حكمة الترتيب" الحالي، سواء كان الترتيب إلهيا (توقيفيا)، كما يقول الكثيرون، أو بشريا (توفيقيا) كما يذهب البعض.

    والسؤال عن الترتيب يفتح المجال للسؤال عن عملية الجمع والتدوين في المصحف، كيف بدأت وكيف تطورت، من مجرد "رسم" في المصحف العثماني بلا إعجام (تنقيط) وبلا حركات (تشكيل أواخر الكلمات لبيان موقعها الإعرابي) وبلا أي فواصل أو علامات وقف، إلى أن استوى مصحفا مقروءا بعد ذلك بفترة طويلة؟. وهذا الاستواء الأخير ما علاقته بالقراءات التي كانت بلا عدد حتى جاء ابن مجاهد وقرر أن القراءات المعتمدة (السنة) سبعة فقط، وذلك بعد استواء المصحف المضبوط بفترة طويلة. ومع ذلك فتاريخ القراءات يكشف أن محاولات ابن مجاهد وغيره لم توقف سيل القراءات، فتم إضافة ثلاث إلى السبع فصارت عشرا، ثم صارت أربعة عشرة قراءة (سبع سنة وسبع جائزة)، ومع ذلك فإن ابن جني يتصدى في كتابه "المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة) فيجد للقراءات الشاذة مكانا، وهذا معناه أن تعدد القراءات متجاوزة الأربعة عشرة ظل أمر ملحوظا في الواقع.

    في هذا السياق لا يصح علما وإيمانا تجاهل الصحائف الباقية من مصاحف مختلفة، والتي تم العثور عليها بالمصادفة في سقف أحد مساجد صنعاء باليمن بعد سقوط السقف بفعل الأمطار في 1972، وهي صحائف مكتوبة بالخط الحجازي، ولعلها من بقايا المصاحف التي أمر عثمان بحرقها. هذه الصحائف لا تتضمن قرآنا غير القرآن الذي نعرفه، لكن رسمها قد يقترح قراءات أخرى غير القراءات التي في المصحف الحالي.

    أين يمكن أن تقودنا كل هذه الأسئلة، إذا لم يتغلب علينا ضعف الإيمان فنرفض مجرد النقاش وفحص الوقائع، ونصر على أن نجمد عقولنا؟ من المؤكد أنها لن تلغي القرآن، لا ولن تهدم الدين، ولن تزعزع اليقين، بل ستفتح لنا مجالا للفهم يرى تجلى الإلهي في البشري، وانكشاف كلمة الله على لسان الإنسان. والتحقيق التاريخي سيمكننا من استعادة السياق الغائب، فندرك فحوى كلام الله ودلالته، ونميز بين "التاريخي" و"الأزلي". سنكتشف مثلا أن كل "الحدود العقابية" من قطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، والعين بالعين والسن بالسن ... الخ أنها قيم سابقة على القرآن.

    يمكن أن ندرك أن الأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك أننا لا يصح أن ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي. إذا كان العدل هو الأساس، سنفهم أن الأمر بالقتل –قتل المشركين وغير المشركين- هو التاريخي، بدليل أن المسلمين لم يقتلوا المشركين قتلا جماعيا في أي بلد دخلوه. بل لم يقتل النبي مشركي مكة حين فتحها. إذا أدركنا ذلك سندرك معنى "تاريخية" النص بأنها لا تعني "الزمانية"، وسندرك معنى أنه "مُنْتَج ثقافي" في نشأته، لكنه صار "مُنْتِجا" لثقافة جديدة في التاريخ.

    لكن إنتاجية النص للثقافة لم تتم إلا بالفهم الذي أنتجه المسلمون وفق آفاق مواقعهم الفكرية. وإذ نفهم ذلك ستستطيع أن نتفهم أن تلك الثقافة، التي أنتجها المسلمون ثقافة زمانية، نستطيع أن نحللها ونفهمها فهما نقديا، سواء تجلت في علوم الفقه أو التفسير أو الحديث، أو الفلسفة، أو علم الكلام أو التصوف، أو في علوم اللغة والأدب ... الخ.

    في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

    متى نبدأ؟ ذلك هو السؤال.

    http://www.cihrs.org/focus/paris/paris-papers-2_A.htm
    ________
                  

04-28-2008, 03:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من مقال تحت عنوان:
    الخرطوم وواشنطن بين إحتمالات التصعيد وخيارات التهدئة
    العلاقات السودانية الأمريكية وإلى أين تسير؟!
    علي اسماعيل العتباني

    ...
    وبعد الرئيس «كارتر» جاء الرئيس «ريغان» الذي استطاع في عهده أن يربط السودان أكثر وأكثر بأمريكا وأن يربط السودان بمؤسسات النقد الدولي. وبرزت المعونة الأمريكية في مكافحة المجاعة في العام 1984م حتى سمى الناس الذرة بعيش «ريغان».. وبرزت الأغاني التي تشيد بريغان ولكن التميز النوعي في هذه العلاقات برز مع تهجير «الفلاشا» حينما جاء الرئيس الأمريكي «جورج بوش» الأب الى السودان في مارس 1985م ليكمل مشروع تهجير الفلاشا وليقدم شروطه المعروفة الى الرئيس نميري... وكانت هذه الشروط تتعلق بضرب الحركة الاسلامية وتصفية منتسبيها مع تصفية المؤسسات النقدية الاسلامية وتصفية المنظمات الطوعية الاسلامية كمنظمة الدعوة وغيرها. وفعلاً قد حدث ذلك وتم اعتقال كل من وصلت اليه أجهزة أمن النميري من الاسلاميين ولكن أمريكا وبعد أن أكملت عملية تهجير «الفلاشا» قامت بتسريب خبر تهجير الفلاشا واتفقت مع مصر على إنهاء دور الرئيس النميري. ونحن نعلم أن الرئيس جورج بوش الأب اجتمع في السفارة الأمريكية في الخرطوم بعدد من المثقفين والسياسيين السودانيين وممثلي منظمات المجتمع المدني وكانت أمريكا حاملة على الرئيس نميري لأنه قام في يناير 1985م بإعدام المفكر السوداني «محمود محمد طه». وقد أدى إعدامه الى ردة فعل كبيرة على مستوى جمعيات حقوق الإنسان وعلى مستوى الحركات المعادية للسودان وعلى مستوى الحركات الساعية الى إضعاف حركة الفكر الديني الاسلامي. فلذلك لم تكن أمريكا قادرة على مواجهة هذه العاصفة وكانت تريد الخلاص من جعفر نميري رغم خدماته الثمينة التي قدمها الى الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك تم احتجاز الرئيس جعفر نميري في مطار القاهرة بعد عودته من أمريكا واستلام الرئيس المشير سوار الذهب للسلطة في إطارها الإنتقالي.
    ....

    http://www.rayaam.net/22004/11/02/articles/article1.htm



    _______________
                  

04-28-2008, 03:07 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وأذكر أن الشهيد الشيخ ( محمود محمد طه ) بدأ دعوته في قرية ( علي قدر ) علي الحدود السودانية الإريترية حيث كان يعمل مهندساً زراعياً . ونال السودان استقلاله وبقيت إريتريا تواجه مصيرها حتى انتهى بها الحال إلي الاحتلال الإثيوبي .

    http://www.farajat.com/minbarhur/omerjaber_14_6_05.htm
    _________________
                  

04-28-2008, 03:08 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شيخ الأزهر وعقوبة الإعدام

    كامل النجار / إيلاف

    أكد شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي رفضه إلغاء عقوبة الإعدام المنصوص عليها في الدساتير الإسلامية، مشيراً إلى أن هذه العقوبة لا تطبق إلا على من قتل غيره ظلماً وعدواناً وليس في ذلك قسوة أو ظلم. وأضاف إننا نرفض أي تدخلات من جانب أية هيئات أو منظمات تريد التدخل في التشريعات الإسلامية بالإلغاء أو التعديل. ( الشرق الأوسط 16 يونيو 2005). وشيخ الأزهر لم يكن دقيقاً في قوله إن هذه العقوبة لا تطبق إلا على من قتل غيره ظلماً وعدواناً. فالشيخ يعلم حق العلم أن المرتد عن دينه يقتل وأن شاتم الرسول أو منتقده يُعتبر كذلك مرتداً ويقتل، وقد شنق النميري المفكر السوداني محمود محمد طه في الثمانينات من القرن الماضي بحجة الردة عن الإسلام. فمحمود لم يقتل شخصاً بحق أو بغير حق. ثم ماذا عن رجم الزانية التي لم تقتل شخصاً، ومع ذلك يحفرون لها حفرة ويرجونها بالحجارة. وما ذا عن ممارسة اللواط التي يجيز بعض الأئمة قتل مرتكبها. والذين يقعون على البهائم وقد أوصى النبي في بعض الروايات بقتل البهيمة والجاني. فيجب على شيخ الأزهر أن يكون دقيقاً في تصريحاته ويلتزم الأمانة العلمية. ومن حق الشيخ أن يرفض أي تدخل من الأجانب في التشريعات الإسلامية، ولكن ليس من حقه أن يقول إن عقوبة الإعدام ليس فيها قسوة أو ظلم. فالقسوة في الإعدام تقشعر لها الأبدان خاصة قطع العنق بالسيف ورجم الزانية المحصنة. فليست هناك قسوة أكثر من ذلك. وحتى لو أصر فقهاء الإسلام المعاصرون على عقوبة الإعدام كما تفعل بعض الولايات الأمريكية، فهل يجب عليهم أن يلتزموا بنفس الطريقة التي قتل بها السلف المحكوم عليهم بالإعدام ؟ هل لا بد من استعمال السيف في ذلك لأن السلف قد استعملوا السيف ؟ ألا يجوز حقن المحكوم عليه بعقار يقتله دون عذاب أو ألم ؟ فشيوخ الإسلام المعاصرون لم يلتزموا بركوب البغال والحمير كما كان يفعل السلف الصالح، فهم يسافرون الآن بالطائرة في الدرجة الأولى أو بالسيارة الأمريكية مكيفة الهواء. فلماذا الإصرار على السيف وعلماء السلف لم يكن لهم غير السيف والرجم وسيلة أخرى للقتل ؟
    واستمر شيخ الأزهر فقال: " إن العقوبات في الإسلام شرعت لردع المجرمين وأن الإسلام في كافة شرائعه جاء بالرحمة والعدل فشرع القصاص للحفاظ على حياة وأمن واستقرار المجتمع. وأضاف أن العقوبات في الإسلام شرعت لتكريم الإنسان وحمايته وحماية حقوقه، مشيراً إلى أن شريعة الإسلام تعطي كل ذي حق حقه سواء كان مسلماً أو مسيحياً." ( نفس المصدر). ومن حق الشيخ كذلك أن يدّعي للإسلام ما يشاء، ولكن يجب عليه أن يقدّم لنا النصوص التي تُثبت ما يقول، وعليه القول بالحقيقة كلها وليس بأجزاء منها. فبغض النظر عن أن عقوبة الإعدام لا تردع المجرمين، والدليل على ذلك أن القتل في البلاد الإسلامية التي يُطبق فيها الإعدام ما زال مستمراً وبنسب عالية منذ بدء الإسلام، فإن العقوبات في الإسلام لم تُشرّع لتكريم الإنسان، كما يقول الشيخ، وإنما لتكريم المسلم فقط. فالقرآن يقول عن القتل: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها " ويقول كذلك: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة ودية مسّلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدوٍ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتالين " ( النساء 92). والمرة الوحيدة التي استعمل القرآن فيها كلمة " نفس " لتعني جميع بني آدم من كل المذاهب هو قوله عن بني إسرائيل: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل إنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ". فهذا هو ما كتب على بني إسرائيل ولم يكتب على العرب المسلمين. ويتفق كل أئمة المسلمين أن المسلم إذا قتل كافراً لا يُقتل به، والحر إذا قتل عبداً لا يُقتل به، ولكن العكس صحيح، فيقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر. ثم ما ذا عن الدية في المقتول غير قصد ؟ فدية المسلم مائة بعير أو ما يعادلها، ودية الكافر نصف ذلك أو ثلث في بعض المذاهب. ودية المرأة، حتى وأن كانت مسلمة، نصف دية الرجل المسلم. فكيف يستطيع شيخ الأزهر أن يقول: " أن شريعة الإسلام تعطي كل ذي حق حقه سواء كان مسلماً أو مسيحياً ؟ " فهل حقوق المسيحي أقل من حقوق المسلم ؟
    وإذا تقاضينا عن قتل الكافر بدم المسلم، ماذا نقول عن أحكام الإسلام في جريمة القذف أي اشانة السمعة والآية التي تقول: " " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون ". يقول القرطبي في تفسيره: " قد أجمع العلماء على أنه لا حد على من قذف رجلاً من أهل الكتاب، أو امرأةٍ منهم. " فيستطيع المسلم إذاً أن يقذف كل يوم امرأة مسيحية أو رجلاً مسيحياً ويشوه سمعتهما أو سمعته، بلا خوف من أي عقاب لأنه لا حد عليه.
    ولكن إذا كانت هذه المرأة المسيحية لها ولدٌ من رجلٍ مسلم، وليس بالضرورة متزوجة منه، فيجلد من يقذفها. فالمرأة المسيحية هنا صار لها اعتبار لأن لها ولداً من رجل مسلم.
    أما إذا قذف الرجل النصراني مسلماً أو مسلمة، وجب عليه الحد رغم أنه غير مسلم. وإذا قذف العبد حراً وجب عليه الحد ( أربعين جلدة لأنه عبد)، أما إذا قذف الحرُ عبداً فلا حد عليه. وإذا قذف الأمة كذلك فلا حد عليه. فهل هناك من يستطيع أن يدعي أن الإسلام يحفظ للمرء كرامته وأنه يعامل أهل الكتاب نفس معاملة المسلمين؟
    فكل ما نطلبه من شيخ الأزهر هو الالتزام بالأمانة العلمية وإعطاء الصورة الكاملة للأحكام الإسلامية وألا يكون كالذين يقولون " لا تقربوا الصلاة " ثم يصمتون عن بقية الآية.

    http://members.chello.at/iraqihouse/maqalat-472-.htm
    _________________
                  

04-28-2008, 03:35 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محمود محمد طه وسيد القمنى
    جدل الأنتصار والانكسار
    احمد محمود\
    كاليفورنيا


    فى الأشكالات القائمة منذ بزوغ التفكير النهضوى عربيا، ظلت اشكالية الدين ضمن الأسئلة الصعبة فى معادلة النهوض. الدين ليس فى بعده التعبدى الفردانى، بل كتأويل ضرورى عبر جدلية تغاير الأزمنة وتفاوت التحديات، وفى عصرنا الراهن فى كيفية فهم العلاقة بين الأصالة والعصرنة، وهى الجدلية التى يدور حولها النقاش المحتدم منذ اكثر من قرن ونيف. ولقد عرفت الساحة العربية عددا مقدرا من الذين شغلتهم المسألة الدينية وحاولوا التفكير الجدى حولها. عمق من هذا الانتباه الجدى التحدى الذى شكله الغرب كمستعمر أولا وكمتفوق ثانيا وكتصور متعالى نظر بعض مفكريه لتخلف العرب كنتاج حتمى لطبيعة الديانة التى يؤمنون بها ثالثا. ولقد أرتبطت مسألة الحديث حول الدين ومن زاوية نقدية ومغايرة للسائد بتصاعد نهج ضدى تكفيرى من قبل العقل النقلى مدعوما أحيانا بالسلطة الحاكمة فى الوطن العربى ومؤسساتها. ولهذا فأن مقولة نصر حامد أبوزيد حول التفكير فى زمن التكفير تصبح واقعا يعانى منه المثقف العربى أستمرارا. من ضمن الذين حاولوا الأجتهاد وكل على طريقته المنظر السودانى المقتول شنقاالاستاذ محمود محمد طه والكاتب المصرى المنسحب من معركته سيد القمنى. وأيراد هذين النموذجين لا يشأ بتشابه خطابيهما بل معاينة الحالة التكفيرية التى قابلاها وموقف كل منهما.فالاستاذ محمود محمد طه يشتغل من داخل البنية نفسها متخيرا رؤية تختلف عن السائد وناقدة له عاملا على تجسيد أطروحة جديدة للأسلام من حيث طرح مفهوم الرسالة الثانية وهى الرسالة التى يعتقد طه أنها قادرة على مسايرة ظروف القرن العشرين حسب المرحلة الكتابية التى سطر فيها تلك الرؤية. فالرسالة الثانية ترتبط بالقدرة البشرية على الأجتهاد وعلاج قضايا التطور حسب الفهم الواعى للقرآن. ويجتهد الاستاذ محمود اجتهادا غير مسبوق حول مسالة الناسخ والمنسوخ، مرحلا المنسوخ للراهن وامكانية تعاطيه ايجابيا مع عصرنا الحاضر بعد ان أرجأ او عطل فى القرن السابع مقرونا ذلك وحسب الاستاذ محمود بالأجتهاد الواعى والمتعمق. وبما أن المقال لا يتسع لمناقشة هكذا افكار الا أن طه قد فكر فى اللا مفكر فيه ولهذا دخل منطقة التابو وفق ما ينظر الى ذلك عقل التكفير. ولهذا فقد عمل تيار العقل النقلى على محاربةالاستاذ محمود محمد طه عبر وسائل مختلفة دون مساءلة افكاره منهجيا والرد عليها، حتى وصل الأمر الى حبل المشنقة كتأطير نهائى لطبيعة المواجهة ضد المفكرين.ولقد أتيحت الفرصة الى الاستاذ محمود لكى يفلت من حبل المشنقة بشرط التخلى عن أفكاره ومن ثم أستتابته. وهنا وقف الاستاذ محمود موقفا مشهودا مجسدا الاستشهاد لا الأنكسار كفعل تراجعى ينتهك المعنى. وهنا فحسب يمكن ربط الفكر بالتضحية والتجسيد الحى للمبدأ وهى الحالة التى نربطها بالأنتصار للذات اولا وللفكر ثانيا وللآخرين الذين يؤمنون بالفكرة ويعملون على تبينها، لأن الأنسان يموت وتبقى الأفكار. وهذه الحالة التى جسدهاالاستاذ محمود كان من المفترض ان تكون مدخلا حيويا لنشر افكاره بعد ماقدمه من تضحيات،و ربما يقع كل هذا كعبء على أتباعه ولا أدرى الى اى مدى هم قادرون على نقل تلك الأفكار التى استشهد من اجلها محمود وهو سؤال متروك لهم فى منافيهم العديدة. الجانب الآخر الذى يستهدفه هذا المقال هو موقف الكاتب المصرى سيد القمنى. فسيد القمنى يشتغل على منحى عقلانى مادى نافيا وجود المطلق كمطلق ومتجها نحو فكرة الدور البشرى فى صياغة التجربة الدينية. ففى كتابه ، الموسوم بالحزب الهاشممى يلخص تجربة الاسلام بكونها تناسلا أبتداه قصى الجد الأكبر لقريش وواصله احفاده حتى محمد (ص) رابطا المسألة بتبادل الأدوار والنظر للأسلام من زاوية تاريخية تخضع لقانون المسآلة وفق الشرط التاريخى وحسب التجربة البشرية، أى تجربة النسبى بعيدا عن المطلق. وبغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع القمنى الا انه قد استطاع ان يجسد رؤية مغايرة تشتغل على سياقات خارج الميتافيزقا و تبتعد عن التصور الدينى السكونى لكثير من القضايا، ولسيد القمنى اسهامات اخرى عديدة تثير الكثير من النقاش. والمذهل وعبر الفترة الاخيرة خرج سيد القمنى ببيان تراجعى تبرأ عن كل كتاباته وافكاره فى استجابة ذليلة لتهديدات تيار الأسلام السياسى، مما يعبر عن انتكاسة فى مشروع النهضة عربيا فى مواجهة العقل النقلى الاستسلامى اذا قرنا ذلك بحالات عديدة. ونتج هذا التراجع عن رسائل تلقاها القمنى عبر بريده الأكترونى ولم تصل المسألة الى المشانق بعد. وقد برر القمنى ذلك بان هناك اناس ينتظرون دوره وهم اولاده فتخلى عن بنات افكاره من اجل ابناءه (البيلوجيين). ومع تفهم البعد الأنسانى فى المسألة الا ان التراجع بهذه الطريقة يعبر عن انتصار تيارعقل التكفير وبالتالى سيادة التخلف والأنزواء عن الدور التاريخى والذى من المفترض أن يلعبه المثقف العضوى. فالكتابة بالأساس مواجهة حتمية وهى معركة تحصد الارواح فى الوطن العربى. ولهذا فالذين يتصدون لمناقشة المسألة الدينية عربيا عليهم ان يدركوا أبتداءا أنهم يخوضون أشرس المعارك فى واقع اسلم رؤيته للماضى كمنحى هروبى عن مسآئلة الحاضر والمستقبل. ويبقى تراجع سيد القمنى بهذه الطريقة كتأطير فعلى لسيادة روح الهزيمة وتراجع الأستنارة على مستوى الأفراد. ولقد رأى البعض ان تراجع القمنى يعد حالة مصرية تاريخية بدأها طه حسين ومن ثم على عبدالرازق ومرورا بالذين تحولوا كلية عن رؤيتهم الفكرية كمحمد عمارة وآخرين. وهذا المنهج التعميمى لا يصح اجمالا بل يتطلب دراسة الحالات حسب الظرف التاريخى والحالة الفردية. ويبقى استشهاد محمود محمد طه ورغم تراجع البعض كبعد رمزى يجب معاينته عربيا لا سودانيا فحسب عله يعطى نموذجا لمعنى انتصار الأفكار وهى حالة انتصار نادرة ضد مصادرة العقل. وكنا نامل ان يسير التاريخ تصاعديا بدفع القمنى الى مراقى السمو. ولكن حالة الأنكسار التى جسدها القمنى تثير فى النفس روعا على مستوى قضية الاستنارة وقدرة المثقف الطليعى على مواجهة عقل الهدم والمصادرة . فهل بالفعل ومن خلال القمنى قد خسر المثقف قضيته نحو التحرر ام سيظل نموذج محمود ساطعا ليلهم الآخرين الأرادة الحرة التى لا تهزم بما يمكننا ان نقول انه وبرغم ما يحدث ستظل هناك امكانية لأنتصار عقل التفكير على عقل النقل والتكفير وبالتالى سيادة حالة نكران الذات والأنتصار لفكرة النهوض.



    محمـود محـمد طـه وسـيد القمني/احمـد محمـود-كا ليفورنيا
    _________________
                  

04-28-2008, 03:35 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    http://www.aljesr.nl/imp/30620051.htm



    محمود طه ... غاندي السودان


    الشيخ الراحل "محمود محمد طه"


    في خضم الحوارات والتوترات والصدامات التي تسود عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يعود "ميشيل هوبنكز" إلى منتصف عقد الثمانينيات لتأمل سريع الأفكار والوقائع التي قادت هذا الشيخ السبعيني إلى حبل المشنقة التي واجهها ثابتا مبتسما أمام عشرات الآلاف من المتفرجين.

    وافق يوم الثامن عشر من يناير الماضي الذكرى العشرين لإعدام الإصلاحي السوداني الصوفي الطاعن في السن "محمود محمد طه" في أحد سجون العاصمة السودانية الخرطوم؛ لاتهامه بالردة.

    وقد منحت تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعض أفكار "طه" طابعا نبوئيا؛ فقد استطاع محمود طه أن يتنبأ بالسقوط الوشيك للشيوعية في ستينيات القرن العشرين، وفي أوج الحرب الباردة.

    فالشيوعية والرأسمالية كانتا بالنسبة له تمثلان وجهين لعملة واحدة، وهي الثقافة المادية الغربية، والصراع بينهما أمر عابر. فالمواجهة الحقيقية في العالم ليست بين الرأسمالية والشيوعية، بل بين الدين المتخلف والحداثة المادية الفارغة روحيا.

    نشأ "طه" في الريف جنوبي الخرطوم، ثم درس الهندسة في كلية "غوردن" الشهيرة، التي ترجع إلى الحقبة الاستعمارية. يشكل التناقض بين عالم طفولته الديني الساحر، وبين العالم العلماني لدراسته الغربية علامة مميزة لبداية تجربته الشخصية.

    ومع ظهور الإسلام السياسي، شهد "طه" خلال حياته كيف هيمن الصراع بين الدين التقليدي، وبين الحداثة العلمانية الغربية تدريجيا على الحياة السياسية في الشرق الأوسط. وقد تنبأ "طه" بأن هذا الصراع سوف يأخذ بُعدا دوليا.

    مثل معظم الإصلاحيين الحداثيين رأى "طه" أن الإسلام المعاصر تحول عن مقاصده الأصلية، وتحجر ليصبح نظاما جامدا من التعاليم الشكلية، وفشل في أن يمنح المؤمنين أي هدى أو رؤى لمواجهة مشاكل العالم الحديث. فظهرت الحاجة إلى تأويل جديد للقرآن على ضوء المعرفة العلمية والنظام السياسي الديمقراطي الحديث. ومع هذا تجاوز "طه" الاتجاه الحداثي السائد بمناقشة النصوص القرآنية ذاتها. فحتى اليوم اقتصرت جهود الحداثيين على إصلاح وتحديث النصوص الفقهية التقليدية، لكنهم تجنبوا مناقشة الآيات القرآنية التي قد لا تنسجم مع مبادئ الديمقراطية الحديثة، وبخاصة تلك المتعلقة بوضع المرأة وغير المسلمين. وقد تناول "طه" هذه الآيات بالنقاش ـ بعكس معظم هؤلاء الحداثيين ـ وجعلها في قلب مشروعة الإصلاحي.

    لم يكتف "طه" ـ مثله مثل العديد من الحداثيين الآخرين ـ بانتقاد الإسلام التقليدي، بل انتقد الحداثة الغربية أيضا. فبالرغم من إعجابه بالتقدم العلمي، إلا أنه رأى أن الإفراط في الثقة بالعلم الحديث قد أدى إلى إنكار وجود أية قوة غيبية خفية. وهكذا حرم الإنسان الغربي نفسه من النفاذ إلي جوهره الروحي، ولم يعد ينظر لنفسه إلا كمحصلة لمجموع حاجاته الجسدية.

    وبالرغم من إدراكه للسمو الأخلاقي للمُثل الغربية الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية، إلا أن "طه" آمن أن تلك الرؤية المادية لا يمكن أن تحافظ مثل هذه المُثل الأخلاقية على المدى الطويل، فالأمر يتطلب دينا، وإن كان بسمت جديد. يرى "طه" أن المخرج من هذا التناقض بين الأديان التقليدية والحداثة واضح جدا، وهو دين معاصر.

    فيرى "طه" أن الإسلام يحتوي على رسالة ثانية، تمثل الحقيقة الأكثر عمقا وأبدية للدين، وهي تتفق مع المعرفة العلمية الحديثة وقيم الديمقراطية الحديثة وحقوق الإنسان. كما يرى أن هذه الرسالة الثانية ظلت محتجبة داخل الآيات القرآنية إلى أن وصلت الإنسانية إلى درجة من الرقي تجعل من تطبيق الرسالة أمرا ممكنا، ويرى "طه" أن هذه اللحظة قد حانت.

    أصبح "طه" ـ في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ـ معروفا في السودان بزعامته لجماعة دينية اجتماعية صغيرة الحجم كبيرة التأثير، هي "الإخوان الجمهوريون". وقد تشكلت هذه الحركة كجماعة تطبق آراء "طه" على أرض الواقع، وتنشرها بين عامة الناس. وقد عاش "طه" نفسه ـ الذي كان طاعنا في السن وقتها ـ حياة متقشفة تُشبه حياة الزعيم الهندي "غاندي"، حيث ارتدى الجلابية السودانية التقليدية مثل فقراء الريف السودانيين، ولم يمتلك سيارة، واعتاد السير لمسافات طويلة على قدميه. وأصبح أتباع "طه" مشهورين بصورة خاصة؛ بسبب دفاعهم عن حقوق المرأة. فقد تم تطبيق المساواة بين الجنسين ـ من بين أشياء أخرى ـ داخل الجماعة، عن طريق عقد زواج إسلامي خاص يُعطي للطرفين حقوقا متساوية. كما شجع "طه" أتباعه من النساء على نشر آرائهن في شوارع الخرطوم. ولا تزال صورة "الأخوات الجمهوريات "وهن يرتدين الثياب الناصعة البياض ويوقفن المارة لمناقشتهم وبيع الكتيبات محفورة في ذاكرة سكان الخرطوم، ولم يكن هذا النوع من مشاركة المرأة معروفا في المجتمع السوداني التقليدي.

    وقد جاءت أكبر معارضة لطه وأتباعه من جانب رجال الدين التقليديين ـ العلماء ـ وقد استغل "طه" كل فرصة سانحة؛ ليتهم "العلماء" في السودان أو العالم الإسلامي بالجهل، ويُحمّلهم مسئولية التخلف والركود الثقافي للمسلمين. ويرى أن انهماكهم في تفاصيل الأحكام الفقهية المُغرقة في التقليدية والقدم لم يكن عقلانيا، وقد صرفهم في القدم عن رؤية المقاصد الحقيقية للدين من جهة ومشاكل المسلمين في القرن العشرين من جهة أخرى.

    حاول العلماء الذين أحرجتهم هذه الهجمة إيقاف "طه" عن طريق جره للمحاكم ومقاضاته بتهم إشانة السمعة، ولكن "طه" استغل



    هذه القضايا واستخدام المحاكم منبرا ينشر منه أفكاره. وقد استطاع ذات مرة أن يقنع القاضي بأن يسمح له بمواجهة أحد فقهاء الشريعة الذي اتهم "طه" بتشويه سمعته أثناء مقابلة صحفية تتناول السياسة في العالم. ولكي يثبت "طه" صحة جهل الرجل سأله إن كان قد سمع من قبل عن الناتو، فصرخ الفقيه قائلا: اقسم بالله أني قرأت عنه ذات مرة، ولكني لا أتذكر."

    وقد لعب العلماء في النهاية دورا هاما في المؤامرة السياسية التي أدت إلى إعدام "طه" عام 1985 .عندما قام الرئيس السوداني آنذاك "جعفر النميري" بتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، وهو الأمر الذي أعلن "طه" عن معارضته. وقد استغل معارضو "طه" من التقليديين موقفه هذا.

    وقد تعرض الرئيس "نميري" لضغوط من جانب منظمة العالم الإسلامي ذات النفوذ لمحاكمة "طه" وإعدامه لاتهامه بالردة. وكان أحد أسباب استجابة "النميري" لهذه الضغوط حاجته لكسب الثقة في الأوساط الإسلامية، بعد مساعدته لإسرائيل في ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل.

    وفي صبيحة يوم 18 يناير 1985 أُعدم "طه" في سجن "الكوبر" في الخرطوم أمام عدد كبير من معارضيه المبتهجين.

    وتتجلى عبقرية "طه" ـ سواء في كتاباته أو نهجه في الحياة ـ في جمعه بين التدين الخالص والحداثة العلمانية، وهو ما يطالب به العديد من المصلحين الحداثيين المسلمين، ومع هذا فقد انقسم أتباعه على نفس الأسس إلى قسمين؛ ديني وعلماني.

    اعتقد بعض من أتباعه الأكثر تدينا أن طه يمثل تجسيدا للعودة الثانية للمسيح المذكورة في القرآن والإنجيل. وبالفعل فإن الأحداث التي أحاطت بمقتل "طه" تتشابه مع الآلام الأخيرة للمسيح ـ حسب الرواية الإنجيلية.

    أما اتباعه العلمانيون فقد اعتبروه أحد أبطال حقوق الإنسان في المقام الأول. وفي عام 1986 اختارت منظمات حقوق الإنسان العربية يوم الثامن عشر من يناير ـ يوم إعدام طه ـ ليكون اليوم العربي لحقوق الإنسان.


    تقرير : "ميشيل هوبكنز"
    ترجمة: محمد عبد الرؤوف
                  

04-28-2008, 03:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    Last Update 26 اغسطس, 2005 07:50:26 AM (سودانايل)

    منتدى الأشقاء بولاية كلورادو يستضيف المفكر الأردني الدكتور شاكر النابلسي:

    الناسخ والمنسوخ في القرآن تمثل المشهد العقلاني الأهم في الإسلام.

    الطريقة التي اعتزل بها الدكتور سيد القمني الكتابة تمثل نكبة لمشروع التنوير والحداثة.

    في تونس تمت المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث منذ عام 1957 .

    الدعوة لتغيير المناهج الدينية الظلامية دعوة قديمة لم تبتدعها الادارة الأميركية الحالية

    لن ندرك الحداثة الا أذا تجاوزنا عقدة الهوية الدينية والقومية كما فعلت اليابان .



    جانب من الحضور
    بابكر فيصل والدكتور شاكر النابلسي

    حاوره بابكر فيصل بابكر

    استضاف منتدى الأشقاء بمدينة دينفر الباحث والمفكر الأردني الدكتور شاكر النابلسي

    في حوار اتسم بالجرأة والشجاعة ووضوح الرؤية من قبل أحد المفكرين العرب القلائل الذين تمسكوا بآرائهم في مواجهة طوفان التكفير والقتل وقطع الرقاب . وعلي الرغم من الأختلاف في وجهات النظر بين ضيف المنتدى الكريم والعديد من المتداخلين فقد اتخذ النقاش طابع الحوار الهادي الذى لم تكدر صفوه أصوات التعصب لتجىء محصلته كالتالي:

    الحوار

    لنبدأ بأكثر الموضوعات أثارة للتساؤلات فى اللحظة الراهنة وهو موضوع الغزو الأميركى للعراق- هل كان الغزو حقا محاولة أستباقية لهزيمة الأنظمة التى ترعي الإرهاب أم هي الأستراتيجية الأميركية التي أعدها اليمين المسيحى سلفا للسيطرة علي المنطقة لأسباب أخرى فى مقدمتها النفط ؟

    الواقع أن الغزو الأميركى للعراق يمثل اشكالية كبيرة الى الآن,وهناك الكثير من الأسئلة التى تثار فى هذا الموضوع ومنها على سبيل المثال: هل كان هذا الغزو فى فكر الأدارة الأميركية قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر أم هو نتيجة لها ؟ وهل وقع هذا الغزو نتيجة لأن هناك دكتاتور فى العراق هو صدام حسين ويجب ألقضاء عليه ؟ لقد كان هناك دكتاتور آخر فى سوريا هو حافظ الأسد وكان هناك من قبل دكتاتور آخر فى السودان هو جعفر النميرى وكل العالم العربى تحكمه دكتاتوريات. لذلك فأن الجدل ما يزال قائما فى الأوساط العربية والأميركية, لكن الخلاف بين المعالجة الأميركية والمعالجة العربية لموضوع الغزو هو خلاف بين المعالجة العقلية والمعالجة العاطفية, هنا فى أميركا تستعمل التحليلات العقلية فيما يتعلق بهذا الغزو أو بأى خطوة سياسية أوعسكرية تخطوها الأدارة الأميركية, بينما نحن فى العالم العربى نحيل كل مشكلة أو ظاهرة سياسية الى موضوع المؤامرة, ومن ضمن فرضيات نظرية المؤامرة هذه أن أميركا تريد السيطرة على النفط العربى,أنا عندما أسمع مثل هذا الحديث لا أفهم ما معنى هذه السيطرة لأن أميركا- قبل هذه الحملة علي العراق وقبل أحداث سبتمبر ومنذ عام 1942 عندما أعطت السعودية أول امتياز للتنقيب عن النفط فى أراضيها- أصبحت فى قلب العالم العربى والشرق الأوسط وأصبحت مسيطرة من خلال شركة أرامكو والشركات الأخرى على هذا النفط العربى,ثم أننى أتساءل لماذا لم تتبدى هذه السيطره أو هذا النهب للنفط العربى من قبل أميركا بعد تحرير الكويت؟ دعوا الكويتيون يسألون أنفسهم ونسألهم نحن, ماذا أخذت أميركا من تحرير الكويت؟ لم تأخذ أميركا نقطة نفط واحدة مجانا, وهى تشترى الى الآن كما يشترى العالم كله النفط من الأسواق بالأسعار العالمية وبأسعار السوق المتذبذبة صعودا ونزولا, اذا ما هى غاية أميركا من هذا الغزو؟ يجب أن نعلم أن القيم والموازين السياسية أختلفت بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الأتحاد السوفيتى واختفاء الشيوعية من العالم بحيث أصبحت أميركا هى المسئولة عن سلام المنطقة, ما تريده أميركا من المنطقة هو بحيرة نفط هادئة وسالمة كالبقرة الحلوب تستطيع أن تدر هذا النفط يوميا بمقدار عشرين مليون برميل كما تدر الآن وبحيث لا يكدر هذا الصفو أي عامل سياسي أواقتصادي أودينى أواجتماعي وما عدا هذا المنطق فأن كل التفسيرات الأخري تدخل في صفحة الخيال السياسي وهو الخيال الذى تشجعه وتثيره وتغذيه المؤسسات الدينية والقومية في العالم العربي والتي تضخ كل يوم مئات بل ربما آلآف المقالات والأحاديث وخطب الجمعة وأحاديث الفضائيات وغيرها في عقل المواطن العربي المتلقي لهذا الكلام دون أن تدع هذا المواطن يعرف الحقيقة كاملة.

    بعد حوالي ثلاثة أعوام من الغزو هل أصبح العالم أكثر أمنا أم أزداد أنتشار الظاهرة الإرهابية؟

    هذا سؤال صعب,لأننا بعد الحرب العالمية الأولي سألنا نفس هذا السؤال مباشرة, وكذلك كررنا ذات السؤال بعد سقوط هتلر وزوال الرايخ الثالث, من الصعب الأجابة علي مثل هذا السؤال ولكن فيما يتعلق بالحالة العراقية فأن رأيي الشخصى-الذي ربما يكون مستهجنا من قبل البعض- أن ما حدث في العراق حتي الآن هو أفضل بكثير جدا مما كان عليه الحال أثناء حكم صدام, صحيح أنه الي الآن راح أكثر من مائة الف عراقي ضحية لما وقع في فجر التاسع من نيسان عام 2003 لكن لنسأل أنفسنا من هو المسئول عن ذلك؟ لو أن ما حدث في العراق وجد نفس الأرضية السياسية والأجتماعية التي كانت سائدة في اليابان أو في المانيا عام 1945 هل كان سيحدث في العراق ما هوحاصل اليوم ؟ لو لم تكن سوريا علي حدود العراق هل كان سيجري في العراق ما هو جار اليوم؟ لو لم تكن أيران أو الوهابية السعودية علي حدود العراق هل كان يمكن أن يحدث ما يحدث الآن؟ أنا أري- وربما أكون مخطئا- أنه ما كان ممكنا حدوث ما حدث لو أختفت هذه القوي الثلاث. بالنسبة لسوريا التي تمثل الشق الثاني من حزب البعث فلا يرضيها بالتاكيد أن يتكرر الفلم العراقي من جديد ليذهب حكم الأسد الي الأبد كما ذهب صد وبالنسبة لأيران فمعلوم أن لهم مشكلتهم الخاصة مع الغرب عموما ومع أميركا خصوصا منذ عام 1979 والي الآن ولذلك فأنهم وجدوا الأرض العراقية مجالا كبيرا وفرصة سانحة للانتقام من أميركا ,والأصوليون الوهابيون وغيرهم وجدوا فرصة للأنتقام من الكل بالقتل العشوائي الذي طال الجميع دون فرز.أذا الكل تجمعوا في العراق الآن من أجل ثاراتهم الخاصة, واذا أفترضنا علي غرار نظرية الواقع المضاد counterfactual أنه لو لم توجد هذه الدول المجاورة وتلك الأصولية فأنه في رأيي الخاص ما كان ممكنا أن يحدث في العراق ما هو حادث الآن.

    في مقدمته التى كتبها لكتاب المفكر الليبى الدكتور محمد عبد المطلب الهوني "المأزق العربي ... العرب فى مواجهة الأستراتيجية الأميركية الجديدة" لم يرفض الأستاذ العفيف الأخضر التدخل الأجنبي للخروج من المأزق العربي ما هو تعليقكم؟

    أنا في الواقع لدي كتاب تحت الطبع عن العفيف الأخضر بعنوان "محامي الشيطان" ومحامي الشيطان هو أصطلاح فرنسي يعني أن هذا المفكر أوذاك ضد التيار العام وضد الرأي العام في الشارع, ووجهة نظر العفيف الأخضر هذه والتي أؤيدها انا تقول أنني أذا احتجت لأي مساعدة خارجية من أجل هدف وطني كما حدث في العراق فلا مانع من أن استعين بأي قوة أجنبية. الرسول (ص) استعان بملك الحبشة علي قريش وأرسل المهاجرين الي هناك كي يبقوا في سلام. هارون الرشيد أتفق مع شارليمان ملك فرنسا وتحالف معه علي أسقاط الدولة الأموية المسلمة في الأندلس. لماذا نستعين بالغرب في قضاء كل حوائجنا اذا كانت تلك هي رغبة الحاكم وعندما نستعين به لأزالة الحكم الباطش لأن الشعب غير قادرعلي ازالته تصبح العملية تدخلا أجنبيا في شئوننا الخاصة؟ نحن لدينا تاريخ طويل في الأستعانة بالغرب منذ الدولة العباسية وحتي الحكم العثماني, وأخيرا أقول انه أذا تقاطعت مصالحنا مع مصالح الغرب فلا مانع من الأستعانة بالغرب علي أن نحفظ الحقوق الوطنية.

    في تحول كبير في سياستها تجاه دول الشرق الأوسط دعت الأدارة الأميركية الي ضرورة اجراء أصلاحات أساسية فى أنظمة الحكم في تلك الدول وذلك بأعتماد الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الأنسان وفى حين ينظر الكثيرون بعين الشك والريبة لهذا التحول دعا آخرون الي مساندته دون تحفظ. ماذا تري فى هذين الموقفين؟

    المطالبة بالإصلاحات الأساسية في أنظمة الحكم هي مطالبة سابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر, في السودان مثلا أنتم طالبتم بالأصلاح السياسي بعد ذهاب الأستعمار البريطاني, وكل الدول التي استقلت في الخمسينيات والستينيات طالبت بالأصلاح السياسي, اذا هذه المطالبة موجودة ولكن لا حياة لمن تنادي, فليس هناك حاكم لديه الأستعداد للتخلي عن السلطة في سبيل أن يعطي الشعب حقوقه. وأحترام حقوق الأنسان أيضا كان مطلبا أساسيا قبل أنتهاء الحرب الباردة وعندما كان الأتحاد السوفيتي يدعم الدكتاتوريات العربية في مصر وسوريا والجزائر وجنوب اليمن وعندما كانت أميركا تدعم الأنظمة التي كان يطلق عليها الرجعية كالسعودية والأردن والمغرب وغيرها كان الأصلاح موجود كمطلب في هذه الدول. هناك كثيرون ينظرون الي سياسات أميركا بعين الريبة والشك ولهم الحق في ذلك ولكن دعونا نقول بصراحة ان الغرب - وعندما أقول الغرب فأنني اعني أمريكا أوالأتحاد الأوروبي أو كلاهما معا- يريد هذا الشرق الأوسط آمنا مطمئنا وهو كذلك يريد تطبيق الديمقراطية ليس حبا في العرب وليس حبا في أن تسود الديمقراطية في الوطن العربي ولكن حبا في أن يصبح هذا العالم العربي الذى هومصدر الطاقة الرئيسية التي تعتبر الشريان الحقيقي للحياة في الغرب وفي العالم بحيرة هادئة ساكنة بعيدة عن كل التوترات والتقلبات السياسية وبعيدة عن أن يسقط البترول يوما ما في يد ديكتاتور يتحكم فيه كما يشاء وهو في الواقع يتحكم في مصير العالم ككل.

    دعت الإدارة الأميركية الي ضرورة تغيير المناهج التعليمية فى العالم العربى

    والأسلامي وذلك فى أطار حربها علي الأرهاب وكان الأستاذ العفيف الأخضر قد دعا الى ذات الشى من قبل وكذلك الدكتور محمد أركون الذى يقول في كتابه "معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الأسلامية" ما يلى :

    "من الواضح أنّ برامج التعليم منذ المدرسة الأبتدائية وحتى الجامعات هي أول شى ينبغى تغييره اذا ما أردنا التوصل الي ثقافة أنسانية منفتحة يوما ما" ما هو تعليقكم؟

    كلام الدكتور محمد أركون كتب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وموضوع أصلاح التعليم الديني بدأ مبكرا جدا في العالم العربي, في عام 1957 نادي الحبيب بورقيبة في تونس بأصلاح التعليم الديني وأغلقت جامعة الزيتونة التي كانت بمثابة الأزهر في المغرب العربي وقام الطاهرعاشور وعلماء آخرين من تونس بوضع برامج دينية جديدة بحيث حرصت هذه البرامج علي عدم تكفير الآخر وعدم العداء مع الآخر وأصبحت هذه المناهج متماشية مع روح وقيم العصر. اذا أصلاح التعليم الديني الظلامي دعوة ليست لها علاقة بأمريكا. في مصر بعد عام 1979 وهو العام الذي وقع فيه أتفاق كامب ديفيد قام الرئيس السادات بشطب كافة الآيات التي تحض علي كراهية اليهود من المناهج الدراسية وليس من القرآن لأن لا أحد يجرؤ علي أن يحرك حرفا واحدا من القرآن وكانت الحجة في ذلك كما قال حكمت سليمان المستشار المسئول عن تطوير المناهج في وزارة التربية والتعليم أنه ما عادت هناك حاجة الي مثل هذه المناهج ومثل هذا الفكر الذي من الممكن أن يحض الشباب علي كراهية شعب نحن طبعنا علاقتنا معه كمصريين. والواقع فيما يتعلق بالآيات القرآنية التي تتحدث عن محاربة الكفار وخيانة اليهود للاسلام والمسلمين في المدينة فأنا لي رأي قد لا يتفق فيه معي عدد كبير من الناس , أنا أعتقد أن اي حكم سياسي judgment يقع علي حالة سياسية معينة فأن هذا الحكم يأتي بالضرورة في سياق الواقع التأريخي والأجتماعي والسياسي والأقتصادي الذي أفرزه ولكنه ليس حكما عابرا للتأريخ لماذا ؟ لأن السياسة عبارة عن محركات وليست ثوابت, العقائد هي الثابتة, التوحيد هو الثابت علي مر التأريخ , الأيمان بالله والرسول وخلق الكون ومسائل العبادة هي ثوابت لا تغيير فيها , لكن علاقة المسلمين بالأخرهي من المتغيرات وليست من الثوابت. أن الآيات المكية التي نزلت في شأن اليهود تختلف عن الآيات المدنية التي نزلت فيهم. هناك في الآيات المكية مراعاة لأهل الكتاب ودعوة لمعاملتهم بالحسني, في حين أن الآيات المدنية تخالف ذلك وهذا يعزي للخلاف الذي وقع بين الرسول واليهود في يثرب. وموضوع اليهود في المدينة موضوع مهم وقد تحدثت عنه بالتفصيل في كتابي "المال والهلال". كان اليهود في المدينة بمثابة بنك الجزيرة العربية بمعني أنهم كانوا يقومون بتسليف تجار قريش وغيرهم المال وكانوا كذلك يزودون قريشا بالسلاح الذي كانوا يسيطرون علي صناعته في يثرب . وعندما قرر الرسول الهجرة للمدينة شجعه اليهود بالاضافة للأوس والخزرج, ليس حبا في نشر الأسلام لأن اليهود لم يكونوا معنيين بالدين عموما, فيهود الجزيرة العربية لم يباشروا نشاطا دينيا علي الأطلاق, المسيحيون هم الذين نشطوا في الدعوة الدينية وأقاموا الأديرة علي طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام ومكة واليمن في رحلتي الشتاء والصيف. أما اليهود فأنهم لم يحاولوا ممارسة أي نشاط ديني لكسب المزيد من المؤمنين لديانتهم وذلك لأن الديانة اليهودية - كما هو معروف تاريخيا- هي عرق أكثر منها دينا بمعني أنه من الصعب أن تصبح يهوديا الا اذا ولدت كذلك, ولهذا السبب لم يكن اليهود معنيين بموضوع التبشير بديانتهم وكان يهود المدينة يركزون علي موضوع التجارة. وعندما هاجر الرسول الي المدينة وانشأ دولته وهي بالمناسبة أول دولة علمانية في الأسلام بمعني أنه أشرك فيها بجانب المسلمين المشركين من الأوس والخزرج بالأضافة لليهود ولذلك فهي لم تكن دولة دينية بقدر ما كانت دولة دنيوية أوبالأصطلاح الحديث الآن secularist government . أيّد اليهود هجرة الرسول لسبب أقتصادي وليس لسبب ديني فقد كانوا يريدون الأستفادة من الرسول وهو تاجر سابق وذو باع طويل في التجارة. أتفق الرسول مع اليهود علي أن لايناصروه علي قريش لأنه يعلم أن لليهود مصالح تجارية معهم وكذلك أتفق معهم علي أن لا يزوّدوه بالسلاح لأنه سيحارب به زبائنهم القرشيين. الاّ انّ الموازين السياسية أختلفت بعد ذلك فطلب الرسول المال و السلاح من اليهود فرفضوا وذلك حسب الأتفاق القائم بينهم ولذلك وقع الشقاق والنزاع بين الرسول واليهود ونزلت الآيات التي دعت لمحاربتهم. كل هذه الأحداث وقعت قبل الف وأربعمائة عام (أربعة عشر قرنا) نتيجة لظروف سياسية واقتصادية وتاريخية معينة, ونحن اليوم في القرن الحادي و العشرين لنا ظروف سياسية مختلفة, صحيح أنّ لنا خلافا مع اسرائيل التي تحتل ارضنا العربية وتهددنا بعلمها وعسكرها ومالها وصناعتها وخبرائها, ولكن هذه قضية مختلفة من قضيتنا مع اليهود في ذلك الوقت, نحن الآن نرّدد الآيات التي نزلت قبل أربعة عشر قرنا لتوصيف القضية الحالية وأنا أختلف في ذلك وهذه هي وجهة نظري فيما يتعلق بهذا الموضوع. وعود علي بدء أقول أن المناهج التعليمية في العالم العربي مكتظة بهذا الكلام, وهذا الكلام يرّدد في خطب الجمعة وفي البرامج الدينية بالتلفزيون والفضائيات وفي الصحافة الدينية وعلي شاشات الأنترنت وفي المجالس وهو من أسباب – وليس السبب الوحيد – موجات الأرهاب الموجودة في العالم العربي والأسلامي. أن اصلاح مناهج التعليم لا يعني قطعا حذف حرف واحد أو نقطة واحدة من القرآن الكريم أو تعديل أي حديث صحيح صدر عن الرسول الكريم ولكن يعني رفع مثل هذه الآيات وتلك الأحاديث من المناهج الدراسية حتي لا تثير في الشباب ما يسمي اليوم بالجهاد.

    مسيرة التنوير التي بدأت في القرن التاسع عشر مع الطهطاوى وقاسم أمين ثم استمرت مع علي عبد الرازق وطه حسين حتى وصلت الي محمود محمد طه ونصر أبوزيد ومحمود اسماعيل والعفيف الأخضر وشاكر النابلسى وخليل عبد الكريم وغيرهم من المفكرين ما هى ملامحها والي اين وصلت ؟

    يبدو لي أن هذا هو أهم سؤال في هذه الجلسة, وهو في رأيي سؤال يلخص أشكاليتنا الأساسية في العالم العربي وهي لماذا لم تتم المصالحة بين الحداثة والأصالة ؟ وهو سؤال يدور الآن في الوطن العربي وكان يدور منذ أيام طه حسين وكتابه القنبلة " في الشعر الجاهلي" . هناك أسباب كثيرة لعدم أتمام المصالحة بين الحداثة والاصالة. السبب الأول هو غياب فاعل الحداثة التأريخي وأعني به البرجوازية الحديثة, الطبقة الوسطي في العالم العربي غير موجودة الي الآن حقيقة واذا كانت موجودة في بعض البلدان العربية فهي ضعيفة وغير فاعلة. ثانيا, عدم وجود أرضية للحداثة في العالم العربي بمعني أن الملكية الخاصة للأرض لم تدخل الي دار الأسلام الاّ بعد دخول الأستعمار اليها فقد كان الخليفة هو المالك الوحيد للأرض ولم يكن ملاّكها الفعليون الاّ مجرد متصرفين ينتفعون بها مؤقتا في ظل خوف دائم من مصادرتها. ثالثا, هناك عامل نفسي وهو في واقع الأمر عائق نفسي يتمثل في التشبث العصابي بالماضي التليد, فنحن شعب الماضي ولايوجد شعب علي وجه الأرض الآن يتغني بالماضي التليد كالشعب العربي, وربما يكون ذلك بسبب ماضينا العظيم وهذا شى حقيقي لأننا جئنا بحضارة ودين ورسالة هامة للبشرية غيرت وجه الأرض والتاريخ ولكن يجب أن لا نرتهن كلية لهذا الماضي, ويجب كذلك أن نستفيد من تجارب الأمم الأخرى فيما يتعلق بالحياة المدنية المعاصرة ولا ننغلق علي أنفسنا. رابعا, لجوء الوعي الأسلامي التقليدي الي التعزي بالماضي التليد عن الحاضر التعيس. نحن نمجد الماضي لأن حاضرنا بائس أذ نعاني من الأنهزام النفسي والحضاري ومن التدهور الأقتصادي والأجتماعي ولهذا نلجأ الي هذه العملية الأسقاطيه أو التعويضية لنعزي أنفسنا. خامسا, الأصولية الشعبوية التي تقيم مناحة يومية علي الهوية الدينية, فنحن مشغولون بالهوية القومية والدينية للدرجة التي قادتنا الي التعصب ضد الآخر. هذه هي الاسباب التي أدت الي عدم المصالحة بين الحداثة والأصالة , وهي الأسباب التي ادركتها اليابان وعالجتها لتتم المصالحة المنشودة, فاليابان لم تستطع أن تطبق الحداثة السياسية والأجتماعية الاّ عندما فصلت بين الماضي والحاضر ولليابانيين تاريخ مجيد أيضا ولكنهم أستطاعوا أن يتخطوا هذه العقدة التي ما زلنا نعاني منها حتي الآن وهي عقدة الهوية الدينية والقومية.

    تبدو الظاهرة الأسلامية السلفية التى ترجع جزورها الي الأمام احمد بن حنبل ثم ابن تيمية من بعده مرورا بمحمد بن عبد الوهاب وحسن البنا ووصولا الي ابو الأعلي المودودى وسيد قطب وحسن الترابى هى المسيطرة علي المشهد الفكري الأسلامى في حين تم قمع تيارات فكرية أخري علي رأسها تيار الأعتزال حيث أضحي هذا التيار وفكره ورموزه في العالم الأسلامي مرادفا للزندقة والكفر. ما هو دور السلطة في تغييب هذا التيار العقلاني الأهم في الفكر الأسلامى ؟

    دور السلطة كان دورا كبيرا في تغييب العقلانية الأسلامية وكذلك العقلانية القومية لأن مصلحة السلطة كانت علي الدوام مع الفكر التبعي غير العقلاني, وكما هو معلوم فأن المؤسسات الدينية التي كانت وما زالت تقود الفكر الديني كانت دائما أو في أغلب الأحيان الي جانب الحكام. تصوروا معي المشهد العربي الآن وفي التاريخ القريب, من هي الجهة التي تقف الي جانب الحكام وتسندهم بالفتاوي والمبررات الدينية ؟ في مصر نجد الأزهر يلعب هذا الدور, في الردن جبهة العمل الأسلامي, في السعودية والمغرب نجد أن المؤسسة الدينية هي التي تحمي النظام وهي المظلة الكبيرة للحكام, في السودان أيام النميري لعب الأخوان المسلمون بقيادة الترابي نفس الدور, من الذي حمي الملكية الدكتاتورية في مصر ؟ الأخوان المسلمين هم الذين حاولوا بشتي الطرق بعد أن أسقط كمال أتاتورك الخلافة الأسلامية في عام 1924 أن يعيدوا الخلافة الأسلامية وأقنعوا بها فؤاد الأول الذي جمع شيوخ الأزهرالذين نادوا بطريقة غير مباشرة بخلافة فؤاد الأول الي أن أضطر الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الشهير "الأسلام وأصول الحكم " الذي صدر في العام 1925 الي أن يقول أنه لا دولة في الأسلام وهو شيخ أزهري أبا عن جد وقد طرد من الأزهر ومن سلك القضاء وصودر كتابه و حوكم. اذا فهي حقيقة أن المؤسسة الدينية لعبت الدور الأهم والأكبر في تغييب العقلانية.

    قام عدد من المفكرين بدراسة ظهور الأسلام من منظور تأريخى واجتماعى نذكر منهم حسين مروة في كتابه"النزعات المادية في الفلسفة العربية الأسلامية"ومحمود اسماعيل في كتابه"سوسيولوجيا الفكر الأسلامى" وسيد القمنى في كتابه" الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الأسلامية" وخليل عبد الكريم في كتابه "قريش من القبيلة الي الدولة المركزية" وفي حين ركّز هؤلاء جميعا علي تقصى الجوانب التأريخية والأجتماعية والأقتصادية والسياسية اّثرت انت التركيز علي دور المال في ظهور وأنتشار الأسلام وذلك فى كتابك "المال والهلال". لماذا التركيز علي المال وحده دون الجوانب الأخرى ؟

    أنا أؤمن بنظرية تقول أن التاريخ يشكله عنصران أساسيان هما المال والجنس, ربما تكون هناك عناصر أخري ولكنها عناصر ثانوية. لماذا المال والجنس؟ نحن عندما نستعرض حروب البشرية كلها منذ أن خلق آدم والي الآن نجد ان المال كان عنصرا أساسيا في نشوب هذه الحروب., وعندما نستعرض هذه الحروب أيضا فأننا نجد أن المرأة لعبت دورا ما في هذه الحروب. من هذا المنطلق فكرت في أن أكتب عن الموانع والدوافع الأقتصادية لظهور الأسلام, وقلت أن قريشا لم تكن قبيلة دينية متشددة مثل الوهابيين في السعودية أو المهدية في السودان أو السنوسية في ليبيا, وانما كانت قبيلة تجارية من الطراز الأول حتي أنها أستخدمت الأصنام لترويج تجارتها وليس حبا في في العبادة, ولذلك كانت كانت هناك اسواق دينية في الحج تستمر لعدة أشهر وكان اشهرها سوق عكاظ. والهدف الرئيسي من هذه الأسواق هو تنشيط التجارة, وتجميع الأصنام في مكة لم يكن حبا في الأصنام ولم يكن كذلك حبا في الشرك ولكن لكي تكون مكة قبلة العرب الدينية وبالتالي قبلة العرب التجارية. كانت مكة في القرن نهاية القرن السادس الميلادي وبداية القرن السابع عبارة عن نيويورك الآن, هي عاصمة التجارة والمال في الجزيرة العربية وهي لذلك كانت تعمل ما في وسعها لكي تبقي هذه التجارة نشيطة بكافة الوسائل ومنها الوسائل الدينية, ولذلك فأنهم عندما أختلفوا مع الرسول (ص) لم يختلفوا لأن الرسول موحّد وهم مشركون ولكنهم أختلفوا بأعتبار أن هذه الدعوة سوف تعطل تجارتهم وأقتصادهم الي حد كبير, ومن ذلك أن الرسول يدعو العبيد للتمرد علي أسيادهم والتجارة القرشية قائمة علي هؤلاء العبيد الذين يسافرون في رحلة الشتاء والصيف. والجدير بالذكر هنا هو أن الأسلام قضي في مكة أكثر من أثني عشر سنة ومع ذلك لم يستجب للدعوة أكثر من مائة وخمسين شخصا علي أحسن تقدير, والسبب في ذلك هو التركيز علي أنّ هذا الدين هو دين الفقراء والمستضعفين وهو ضد الأغنياء والطبقة الأرستقراطية, وكل هذه الأشياء جعلت قريش تعتقد أنّ هذا الدين جاء لكي يهدم النظام الأجتماعي والأقتصادي القرشي وانّ المسألة ليست أستبدال الأصنام بعبادة واحد أحد, وهي ليست معركة بين الشرك والتوحيد وأنما هي معركة بين الوضع الأجتماعي والأقتصادي الذي كان قائما في ذلك الوقت والدعوة الأسلامية الي التحرّر ورفع الظلم عن العبيد والفقراء وتوزيع الثروة. ومن هذا المنطلق انطلق كتاب " المال والهلال" فقال بالموانع الأقتصادية التي أدت الي عدم أنتشار الأسلام بما فيه الكفاية خلال الأثني عشر سنة الأولي التي قضاها الرسول في مكة , وكذلك درس الكتاب الدوافع التي ساهمت في أنتشار الأسلام بعد ذلك. ومن الأسباب التي دفعتني كذلك الي كتابة " المال والهلال" هي علاقة الرسول (ص) باليهود في المدينة وهي العلاقة التي أسهبنا في شرحها في بداية الحوار. كل هذه الأسباب جعلتني أركز علي جانب المال دون الجوانب الأخري ولكن هذا لايعني أطلاقا أن المال كان هو الدافع الوحيد, أنا لم أقل ذلك علي الأطلاق.

    فتح الدكتور طه حسين الطريق أمام النظرة العقلانية لأكبر الخلافات التي هزّت الكيان الأسلامي وأثرت فى توجيه مساره حتي اليوم بكتاب "الفتنة الكبري" ثم درس المفّكر التونسى د. هشام جعيط فى بحثه الملفت للنظر "الفتنة : جدلية الدين والسياسة فى الأسلام المبكّر" ذات الحدث. كيف يرى الدكتور شاكر أثر الفتنة فى مسار التأريخ الأسلامي ؟

    لاشك بأن للفتنة جوانب سلبية ولها كذلك جوانب أيجابية في التأريخ الأسلامي, ولكن أولا اريد أن اقول شيئا بخصوص كتاب الدكتور طه حسين "الفتنة الكبري" وهو أنه حدث في مصر شىء أنا أسميه عقدة الذنب الدينية لدي بعض المفكرين المصريين. بعض هؤلاء المفكرين عندما يجنحون ويشددون الوطء في الأحكام علي التأريخ الأسلامي يعودوا بعد فترة يستغفروا الله ويتراجعوا عن أفكارهم. حدث هذا الشىء مع الشيخ علي عبد الرازق عندما كتب " الأسلام وأصول الحكم" فقد ذكر الدكتور محمد عمارة أن أبن الشيخ علي عبد الرازق قال له أن والده قبل ان يموت في عام 1970 كان ينوي ان يكتب كتابا ينقض فيه كل ما قاله في "الأسلام وأصول الحكم" . طه حسين عندما كتب كتابه الأشهر " في الشعر الجاهلي" وقال في فصله الأول ما معناه أنه لا يلزمه أطلاقا أن يصدق وقوع حادثة تاريخية ما لمجرّد ورودها في القرآن , وعندها ثارت ثائرة الأزهر وصودر الكتاب وطرد طه حسين من الجامعة . بعد ذلك الكتاب ولكي يكّفر طه حسين عن ذنبه كتب "الفتنة الكبرى" و"علي وبنوه" و"علي هامش السيرة" و"مرآة الاسلام" , وانا أعتبر أنّ هذه الكتب هي كفارة للكلام الذي قاله في كتاب "في الشعر الجاهلي". أمّا خالد محمد خالد فقد كتب كتابه القنبلة " من هنا نبدأ" في عام 1950 وقال فيه أن الدولة الدينية هي أكثر الدول ظلما وفسادا وبأنه لا يوجد شىء في الأسلام أسمه دين ودولة فالأسلام دين وليس دولة وبأنه لا يوجد مبرر لقيام الخلافة الأسلامية . وفي ذلك الوقت تحمست أنا لكتابات خالد محمد خالد وبدأت أشتري كتبه ثم قررت أن أكتب عنه كتابا فكتبت عنه كتابا من ستمائة وخمسين صفحة هو كتاب " ثورة التراث : دراسة في فكر خالد محمد خالد" ثم يفاجئني خالد محمد خالد في عام 1981 وهي نفس السنة التي قتل فيها السادات بأصدار كتاب " الدولة في الأسلام" ويقول في هذا الكتاب أنه لايوجد دين في العالم أقر العلاقة بين الدين والدولة , وتبين فيما بعد أنه كان واقعا تحت ضغط الجماعات الأسلامية التي بدأت في الظهور وأغتالت السادات في نفس العام الذي ظهر فيه الكتاب. ثم أخيرا جاء سيد القمني الذي تخلي عن كافة أفكاره لمجّرد تهديد من الجماعات الأسلامية. هذا كله مسلسل الشعور بالذنب الديني عند بعض المفكرين المصريين. وأما فيما يخص أثر الفتنه فأقول بأن الفتنة كان لها سلبيات وايجابيات. من الأيجابيات الكبيرة أنها أخرجت تيارات فكرية وسياسية حرّكت السكون والجمود الذي صاحب الحياة السياسية عند نهاية العصر الراشدي وبداية العصر الأموي . فالخوارج مثلا هم أول من قالوا بتولية المرأة وكانت عضوية تنظيمهم تشمل النساء. ومن مضار الفتنة هو بدء الحكم الأموي ومن بعد ذلك الحكم العباسي وحصر الملك في في قريش القرون طويلة.

    يعتمد الخطاب الجهادى السلفى في تبرير أستخدام العنف علي الآية الخامسة من سورة التوبة وهي الآية المعروفة باّية السيف:

    "فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم ولعلهم ينتهون, فأذا انسلخ الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم, وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد". وهي الآية التى قالت بشأنها أبواب النسخ في علوم القرآن أنها نسخت جميع آي السلم و التسامح وحرية الأعتقاد. كيف ينظر الدكتور شاكر الى قضية الناسخ والمنسوخ فى القرآن؟

    الناسخ والمنسوخ في القرآن هي أكبر مشهد عقلاني في الأسلام , لأنه عندما كانت تقع حادثة كانت تنزل آية وعندما تقع حادثة مضادة كانت تنزل آية ناسخة لتلك الآية. اذا كان هنالك تعديل للأوضاع حسب السياق التأريخي والسياسي. عندما كان الوحي مستمرا كانت هناك مرونة كبيرة جدا فالله لم يقل أن هذه الآيات التي أنزلتها هي آيات عابرة للتاريخ فلا تغيير فيها بغض النظر عن تغير الظروف التاريخية, لكن عندما كان هناك داعي للتغيير كان ينزل في صورة آيات ناسخة وهذه هي الفكرة الأساسية من الناسخ والمنسوخ .

    أهل الأسلام السياسي يجادلون فى ان مبدأ "تأريخية النص" الذي يطرحه تياركم ما هو الا دعوة لوضع القرآن في متحف التاريخ وتجريده من الفعالية الأمر الذى يتناقض مع صلاحيته لكل زمان ومكان. ماهو تعليقكم؟

    هذا الكلام يقال من قبل بعض المؤسسات الدينية, نحن بصراحة وانا شخصيا لي رأى قد أكون مخطئا فيه وهو أنّ القرآن ينقسم الي قسمين, القسم الأول هو الآيات التوحيدية المتعلقة بالعقيدة وهذه الآيات لا نقاش حولها فهي عابرة للتاريخ مائة بالمائة , القسم الثاني هو الآيات المتعلقة بالعقوبات والحدود والعلاقة بالآخر و ما شابه ذلك وهذه الآيات خاضعة في تفسيرها للسياق التاريخي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي أفرزها ونزلت فيه.

    من القضايا التي تؤرق كثير من المفكرين المستنيرين قضية المرأة فى الأسلام , هل من قراءة أخري لأوضاع المرأة عبر البحث فى موضوعات الميراث والشهادة وتولي القضاء والولاية الكبرى؟

    في واقع الأمر ان الاسلام لم يظلم المرأة ولكن ظلمها الفقهاء الذين أغلقوا باب الأجتهاد منذ القرن الثالث الهجري (حكم الخليفة المتوكل), و قياسا علي الواقع الذي كانت تعيش فيه المرأة قبل الأسلام فأن الاسلام أعطاها أكثر مما تستحق ولكن مع مرور الزمن وجمود الفكر الأسلامي تدهورت أوضاع المرأة ألي حد بعيد. في العصر الحالي حدثت اجتهادات جريئة خصوصا في تونس حيث صدرت في العام 1957 مجلة الأحوال المدنية التي منعت تعدد الزوجات وأقرت المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. وتعتبر مجلة الأحوال المدنية التونسية من أكثر المجلات والقوانين المدنية تقدما ليس في الوطن العربي ولكن في العالم كله .

    يرجع الدكتور نصر حامد أبوزيد تأخر المجتمعات الأسلامية و العربية الي هيمنة عقلية النص كما جاء فى كتابه "مفهوم النص : دراسة فى علوم القرآن" الذي وصف فيه الحضارة الأسلامية بأعتبارها حضارة نص,هل تتفق معه في الرأي ؟ وكيف يمكننا الخروج من هذه الأشكالية ؟

    السؤال الهام في رأيى هو هل الأسلام حضارة غير نص ؟ هذا الكم الهائل من كلام الفقهاء والمفسرين وكلام الشيوخ في الحدود والعقوبات والتوحيد والخ يدور حول النص, اذا بالفعل نحن حضارة نص ولا زلنا حتي اليوم وبعد أربعة عشر قرنا من توقف الوحي ومازال شغلنا الشاغل وهمنا الأول والأخير هو أما أن نقبل بهذا التفسير أو لا نقبل به أو نأتي بتفسير آخر.

    أصدر الدكتور شاكر في العام 2002 كتابا يعتمد نظرية الCounterfactual

    ليرسم عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل العرب فيما اذا لم يظهر الأسلام.

    هل يمكن أن تحدثنا عن تلك النظرية و السيناريوهات التى خرجت بها ؟

    الفكرة الأساسية لهذا البحث تتمثل في السؤال التالي : لو لم يظهر الأسلام ما حال العرب اليوم ؟ وهو بحث قائم علي نظرية علمية يطلق عليها نظرية الواقع المعاكس أو الواقع المضاد, أو نظرية الأحتمالات العلمية Counterfactual , وهي نظرية تقوم علي تصّور الواقع الآخر, فيما لو لم يكن الواقع الذي نعيشه قائما. وقد قمت في هذا البحث بتقديم ثلاثة سيناريوهات محتملة لكل من الواقع الديني والثقافي والأجتماعي والأقتصادي والسياسي العربي, فيما لو لم يظهر الأسلام في الوقت المناسب, وفيما لو بقي العرب وثنيين, أو أعتنقوا الحنيفية, أو أعتنقوا اليهودية أو المسيحية .

    ما هى فى نظرك الواجبات الأساسية للمثقف اليوم ؟

    كثير من الناس يقولون أن علي المفكر أن يكون محرضا ,أنا ضد هذا الكلام, المثقف يجب أن يكون محللا وليس محرضا بمعني أن لايثير الغرائز والعواطف لدي الجمهور ولكن عليه أن يكون علميا وواقعيا ويكشف عن الحقيقة بما هو قائم وبما هو قادم وأن يكون شجاعا بما فيه الكفاية.

    في قضية تسليط سيف التكفير علي رقاب المفكّرين كان لك موقفا رافضا للأعتذار الذى قدمه الدكتور سيد القمنى للجماعات الأسلامية حفاظا علي روحه ومستقبل أبناءه كما قال ؟

    اذا أصدر الدكتور القمني بحثا علميا نقض فيه كل ما قال أو كتب فأنا أتفهم ذلك لأن هذه تعتبر مراجعة والمفكر الحر هو الذي يتغير بتغير الأحوال, لكن أن يحدث هذا تحت الضغط والأرهاب الأصولي فأنه يهزم الفكر التنويري والأتجاه الليبرالي عموما. التاريخ العربي ملىء بالأخبار عن صمود المثقفين في وجه العسف والأرهاب , وكلنا يعلم ان الخليفة المنصور رمي بأبن المقفع في فرن وشواه كما تشوي الخراف ومع ذلك لم يطع الخليفة. وفي أيامنا هذه اضطهد الدكتور نصرحامد أبوزيد وصدر في حقه قرار محكمة يقضي بالتفريق بينه وبين زوجته ومع ذلك لم يتراجع عن حرف واحد مما كتب. محمود محمد طه علّقوه علي حبل المشنقة وهو شيخ تجاوز السبعين ولم يهتز للحظة. العفيف الأخضر الآن مريض وتلقي تهديدا مباشرا من راشد الغنوشى, حسين مروة قتله حزب الله داخل غرفة نومه, فرج فودة ومهدي عامل استشهدوا في سبيل الدفاع عن أفكارهم ورؤاهم, والقائمة تطول.

    الباحث الليبى المرحوم الدكتور الصادق النيهوم يقول أنّ الرجم لا وجود له في الأسلام وأنما اخذه الفقهاء من التوراة , ما هو تعليقكم ؟

    هذه حادثة تاريخية صحيحة, ولكن ل يعيب الأسلام أن يأخذ من الأديان الأخري بعض المفاهيم والحدود والعقوبات, كلمة الذكاة مثلا كلمة عبرية , الحج كذلك كان يطبق كما هو في الجاهلية ما عدا التكبير. وقس علي ذلك العديد من المكونات الأسلامية الأخري.

    لعب الأمام الشافعى دورا خطيرا فى التأسيس للسنة بوصفها مصدرا للتشريع مساويا للنص القرآني ولا يقل عنه الأمر الذي جعل من أصول الفقه مرتعا خصبا للفكر السلفي, ما هو تعليقكم ؟

    هذا صحيح وأنا أتفق معك في ذلك.
                  

04-28-2008, 03:38 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    Last Update 26 اغسطس, 2005 08:06:02 AM

    محمد أدروب البجاوي الشامخ

    والأكاديمي الشهير كتبه تصادر

    د. أبو محمد أبو آمنة
    [email protected]

    حملت لنا انباء الشرق تعرض الاكاديمي الشهير والبجاوي الشامخ الاستاذ محمد ادروب اوهاج لمضايقات اجهزة الامن. فقد تم اعتقاله ببورتسودان ليوم واحد وتمت مصادرة كتبه عن تاريخ البجا ومنعت مداولتها , وطلبت منه اجهزة الامن –ويا للسخرية- استبدال بعض الصفحات باخري. والاستاذ محمد ادروب هو اكاديمي مشهور , ليس فقط في السودان, بل في كل انحاء العالم, خاصة في الاوساط الاكاديمية المتخصصة. ولاتخلو الجامعات في كل انحاء من مؤلفاته القيمة والفريدة من نوعها اذ ان ابحاثه تتناول التاريخ البجاوي, اللغة البجاوية ومفرداتها وطريقة كتابتها, والبجاوية وعلاقتها بالهيروغلوفية , ولغة مروي القديمة, الفلكور البجاوي وتاثره وتاثيره بالثقافات المجاورة. وتناول شخصيات لمعت في التا ريخ البجاوي.

    انه في هذا المجال موسوعة علمية متحركة تنحني امامه الكفآت العلمية الاكاديمية في كل انحاء العالم اجلالا وتقديرا.

    فهل تفهم هذه المجموعة في مكاتب الارهاب ما يكتبه هذا البجاوي الشامخ حتي تامره بتغيير هذه الفقرة او تلك؟ هل هم في مستواه الاكاديمي؟ انهم يسعون فقط لطمس تاريخ البجا الناصع, وخاصة ذلك الذي يتناول مقاومتهم للاذلال والاضطهاد والتهميش.

    لقد كان محمد ادروب تلميذا للاستاذ ضرار صالح ضرارالمؤخ الشهير, فزرع فيه نواة حبه للتاريخ البجاوي, وذات مرة قدمه لوالده فانبهر هذا بحدة ذكاء هذا اليافع واهتمامه بتاريخ عشيرته وفتح امامه خزائن سليمان. انبهر هذا ايضا وكاد يغمي من شدة الفرح, وكاد لايصدق. وجد امامه كتب ومخطوطات ومذكرات وخرائط ووثائق قيمة ونادرة, وقال له الشيخ : خذ ما تشاء و انهل منها ما تشاء, فالتاريخ البجاوي يجب ان يسجل ويتداول. وصار فتانا يتررد علي شيخنا الكبير فسقاه مما عنده من معلومات.

    وشيخنا هذا هو موسوعة تاريخ البجا علي مر الازمان , انه محمد صالح ضرار, ابن سواكن, عميد العجيلاب, حفيد الملهيتكناب. وكمؤرخ وجد كثيرا من الاشادة من عدة مؤلفين وعلي راسهم نيوبولد مؤلف كتاب قبائل البحـر الاحمـر, ومفتش مركز سنكات في اول عهده والسكتير الاداري في عهد الاستعمار. نعم اشادوا به جميعهم وعلي راسهم تلميذه اوهاج.وشيخنا ترك وراءه كوكبة من الابناء يفتخر بهم المجتمع البجاوي بل كل السودان , انهم الاستاذة ضرار, وقاسم, ورفعت, ونورالدين, وادريس, وصديق, وسليمان, والبطلة البجاوية آمنة..لا..انهم كلهم ابطال.

    تأثر كذلك فتانا بمخطوطات ومؤلفات الشيخ محمد الامين شريف.

    وفوق ذلك اجري الاستاذ محمد ادروب بنفسه دراسات ميدانية متعددة مضنية في كل ربوع الشرق, فكان لمؤلفاته طعمها الخاص والفريد.

    الاستاذ الكبير محمود محمد طه وجد في محمد ادروب الذكاء والشجاعة والاقدام والمثابرة, فقربه اليه, وكشف له كثيرا من الافك والتضليل الذي تقوم به جماعات ومعاهد تدعي الاسلام, وهي بعيدة من روح الاسلام, ومن علماء الفتاوي الجاهزة, التي تصدر حسب الطلب.

    هل لذلك ايضا يعاقب محمد ادروب؟

    ان ملاحقات الامن تتواصل لابناء البجا, رغم اتفاقية السلام, ورغم ابداء نية الدولة ــ علي الاقل ظاهرياــ بالتفاوض مع مؤتمر البجا, الممثل الشرعي للشرق, وفي نفس الوقت الذي يجتمع فيه مندوب الولايات المتحدة مع اعضاء مؤتمر البجا في مكتب مجاور لمكتب الامن, انها سياسة عيدي امين, ونول بوت, وملوسوفتش, وبنوشيه, ولكن كما وصلت يد العدالة لهؤلاء السفاحين, ستصلكم ايضا لامحالة.

    ان الاعتداء علي مؤلفات محمد ادروب اوهاج هو اعتداء علي الفكر السوداني, وعلي حرية النشر والكتابة, انه بربرية هتلر بعينها.

    علي منظمات المجتمع المدني ان تتحرك وتحمي نفسها, فالتوقيع علي اتفاقيات السلام شئ وتطبيقها شئ اخر, وانصار الظلام لا يريدون تطبيقها. فعلي منظمات المجتمع المدني والحركة الشعبية يقع العبأ الاكبر في تطبيق وترسيخ بنود الاتفاقية, وجعلها حقيقة معاشة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 8 „‰ 10:   <<  1 2 3 4 5 6 7 8 9 10  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de