الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 08:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-20-2008, 10:11 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مقالة الدكتور كمال حنفي بـ «الرأي العام».
    كتب الدكتور حنفي - وهو من الإسلاميين- عن اغتيال الأستاذ/ محمود محمد طه قائلاً:
    «... الحركة الاسلامية كانت هي القوة الفكرية الوحيدة التي وقفت معنوياً وسياسياً مع الحكم على محمود مع انها كانت من أوائل المتأذين من المحاكم السياسية في السودان وفي غير السودان... شهادات بعض الشهود التاريخيين أن محمود أعدمه قضاته «العلماء».. معنى ذلك ان محموداً أعدمه «العلماء»، لكن لايحدث ذلك إلا بالمناخ السياسي.. محمود محمد طه أعدمته السياسة مثله مثل سيد قطب وباقر الصدر وعباس برشم وعبد الخالق محجوب.
    على الحركة الاسلامية وهيئة علماء السودان ألا يشغلا بالهما بالتفكير في إرسال برقية احتجاج لجاك شيراك لأنه «حرّم» غطاء الرأس على المسلمات بفرنسا، ولكن عليهما ارسال برقية احتجاج لضميرهما في الوقوف ضد المحاكم السياسية بالحجج حينما تصادم مزاجاً سياسياً والوقوف المساند لها بتطويع نفس الحجج إذا حدثتهم نفسهم الأمارة بالسياسة!
    إن مرور تسعة عشر عاماً على إزهاق نفس قالت لا اله إلا الله دون ابداء مشاعر التوبة معناه قتلنا للناس جميعاً.. كي نستوعب صرعى المحاكم السياسية على مدار التاريخ السوداني الحديث معناه أن نتخيلهم جميعاً كانوا من ركاب الخطوط الجوية السياسية وهوت بهم في عباب البحر الأحمر!.. توبوا عن المحاكم السياسية فهي حمَّالة أوجه.. العبارة السابقة لقيناها مسجلة داخل الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية السياسية المحطمة!!»
    _________________
                  

04-20-2008, 10:17 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    متــــى يتدبــــرون؟
    عصام صديق

    في تعقيب لم ينشر على مطالبة الأستاذ عثمان ميرغني للإنقاذ بالتحقيق في محاولة اغتيال الرئيس المصري قلنا بالحرف الواحد (إن المطلب يعبر عن صوت الشعب السوداني المسالم، الذي لا يعرف الغدر ولا الاغتيال، فهو شعب متدين لا يقر اخذ القانون باليد ولا قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق). المصيبة ان هناك بعض السياسيين يؤمنون بمفاهيم مخالفة للدين جذورها حديثان (من بدل دينه فاقتلوه)، (ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده)، وآية (ومن لم يحكم بما انزل الله)، ولهذا ايدوا اعدام نميري للأستاذ محمود محمد طه (وإن ارتد)، وأيدوا محاولة اغتيال الرئيس المصري. وفي تقديري ان الترابي وجماعته كانوا وما يزالون (عدا الترابي وقلة مؤخراً)، لكنه لم يطالب بإلغاء عقوبة الردة من القانون الجنائي الذي ساهم في وضعه) يحملون تلك المفاهيم.. واليوم يعيد التاريخ نفسه، ويبدأ مسلسل تكفيري ضد الشيخ نفسه، وفي ظل استمرار الهجران الكبير لمعاني ومقاصد القرآن الكريم، قد يقود الى ان يشرب من نفس الكأس التي ساهم هو على الأقل سكوتياً في صنعها، وراح ضحية لها الأستاذ محمود محمد طه قبل عقدين من الزمان بعد تجاوزه هو ايضاً السبعين!.


    الاختلاف الوحيد لمناخ اليوم عن سابقه الذي ارتكبت فيه جريمة قتل المرتد محمود هو ان الدستور الانتقالي يبيح حرية تبديل الدين. الا ان القانون المخالف للدستور، هو نفس القانون الذي اعدم بموجبه محمود. ورئيس الجمهورية ونائباه في موقف لا يحسدون عليه، فالجماعات التي نصبت نفسها مفسرة وحامية للعقيدة الإسلامية تضغط وتحرض وتتوعد لإقامة حد الردة على الشيخ، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرئاسة الجمهورية يصدر الفتاوي المؤيدة لتكفير الشيخ.. ومن ناحية ثانية رفع اكثر من حزب ومفكرون مذكرة لرئيس الجمهورية، اهم ما فيها تعديل تلك المادة التي تعدم المرتد عن الدين الإسلامي، وبالتالي قد تقطع الطريق على مرامي الجماعات التكفيرية.

    وفي هذا المقال لن نتعرض الى آراء الترابي، وهل هو مرتد؟ ام غير مرتد عن الدين الإسلامي؟ ولسنا مؤهلين لذلك. المؤسف ان الترابي خصم سياسي لتلك الجماعات، ولذلك تظل شبهة رغبة تلك الجماعات في اختفائه عن الساحة السياسية قائمة. ولذلك فإنني اناشدهم بأن يعودوا الى القرآن الكريم ليكون حكماً بينهم وبين الترابي بالحق، وليدخروا لذلك المؤهلين لإصدار الفتاوي وشرطها - كما يقول البروفيسور ابراهيم احمد - توفر الخبرة والشرع. والخبرة هي بنص القرآن (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق..) الفرقان: 20، اي المهنية في شتى ضروب الحياة والمعرفة. وأذكرهم فإن الذكرى تنفع المؤمنين بقوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد: 24، وقوله تعالى ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) الفرقان: .30

    ترجع مناشدتنا للإسلاميين والعلماء والفقهاء لتدبر معاني القرآن حول الحرية الدينية الى ثمانينيات القرن الماضي بعد اعدام النميري للأستاذ محمود محمد طه، حين اقترحنا (حكم الردة في الإسلام) موضوعاً لبحث بكالريوس التخرج لطالبة السنة النهائية للدراسات الإسلامية عواطف احمد صالح، (ام العيال) بجامعة ام درمان الإسلامية، التي ارسلت استبياناً الى اثني عشر عالما ومفكرا وفقيها، منهم الترابي، الصادق المهدي، ابن باز، شيخ الأزهر والشعراوي. شمل الاستبيان الإجابة على سؤال (ما حكم المرتد في القرآن الكريم؟). ولكن للأسف لسبب ما لم تصل إليها اجابة من اي من هؤلاء، وحصل البحث على درجة الامتياز عام .1986 ومما جاء فيه: (انه لا يوجد نص بقتل المرتد في الدنيا في القرآن الكريم)، وأرسل البحث الى رئيس الوزراء آنذاك السيد الصادق المهدي الذي ايد ما جاء فيه، وبموجب ذلك ارسل كاتب هذا المقال خطابا الى النائب العام عام 1988 د.حسن الترابي في ذلك الوقت، مطالباً بإلغاء مادة عقوبة الردة من مسودة القانون الجنائي. سلم الخطاب الى الأستاذ حافظ الشيخ الزاكي لتسليمه الى النائب العام؛ الترابي، ولكن لم يصل رد يفيد الاستلام او التعقيب، ولم نسقط مادة عقوبة الحد من القانون الجنائي، وبقي كما اجازه النميري. وعندما اعدم محمود كان الترابي مستشاراً ممثلاً لجماعته التي صالحت النميري وشاركته الحكم.

    لم تقف محاولاتنا لإلغاء المادة (126) لمخالفتها الشريعة الإسلامية، عند ذلك الحد، وإنما استمرت المحاولة الى عهد الإنقاذ. فقد حصلت على كتاب محمد منير ادلبي بعنوان (قتل المرتد الجريمة التي حرمها الإسلام) عام 2004، ويا سبحان الله جاء مطابقاً لكثير مما جاء في بحث السيدة عواطف احمد صالح، المشار اليه اعلاه، ولكن بتوسع كبير وإضافات وأدلة من الكتاب والسنة، وتم تسليمه الى سكرتارية البروفيسور احمد على الإمام، مستشار الرئيس لشؤون التأصيل، ليتم التداول حوله بمجمع الفقه الإسلامي، وأعيد لي الكتاب دون تعليق من سكرتارية البروفيسور، ثم سلم الكاتب الى الأستاذ عبد الجليل النذير الكاروي ليعلق عليه.. واليوم مضى على ذلك اكثر من عام ولم نسمع تعليقاً من الأستاذ على حكم الردة في القرآن.

    ثم اقام ملتقى السلام الذي يرأسه كاتب المقال، سمناراً بعنوان (الحرية الدينية والدستور الانتقالي) في قاعة الشارقة مطلع هذا العام شارك فيه كل من الإمام الصادق المهدي، الدكتور الحبر يوسف نور الدائم، الحاج وراق ود.صبحي فانوس، وغاب عنه كل من الشيخ حسن الترابي والدكتور بيتر نيوك. وجه للمتحدث سؤالاً عن حكم المرتد في الإسلام ومدى مخالفة المادة (126) للدستور الانتقالي، ترك لهم حق الامتناع عن الإجابة، وقد فعلوا سوى الحاج وراق، الذي رفض حدة الردة. في تقديري ان هذا الأمر يضع حداً فاصلاً بين الحرية الدينية وعدمها في الإسلام، ولذلك لن نمل مناشدة الخبراء والدعاة ان يقودوا حملات كبرى لوقف الهجران الكبير الذي يتعرض له القرآن الكريم، بتدبر معانيه بعمق شديد ومستمر وجماعي لا فردي، ولا اعنى بالطبع هجر الحفظ والتجويد، فنحن اليوم احوج لهذه الحملة من اصدار فتاوي التكفير، وهل الترابي مرتد أم غير مرتد.. اذا كان السلف من الخلفاء الراشدين مثل الخليفة العادل عمر بن الخطاب كانوا محتاجين لمن يذكرهم بتأمل آيات الله البينات وفي وقت لم يمضِ عليه سوى سويعات على انتقال المصطفى (ص) الى الرفيق الأعلى، اي على ايام دولة المدينة ودولة القرآن، حتى ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان محتاجاً للتذكير، حين استل سيفه يريد اخذ القانون بيده لتنفيذ حد الردة في من نقلوا - فقط - خبر موت محمد (ص)، قائلاً: (من يقل ان محمداً قد مات حسوت رأسه بهذا السيف!) فانبرى له الرئيس الحاكم القائد الخليفة الأول لرسول الله (ص) ابوبكر الصديق، ثاني اثنين في الغار، مذكراً له بالقرآن، الذي هجره عمر بن الخطاب في تلك اللحظة العصيبة التي تلت موت رسول الله (ص)، مردداً قوله تعالى (ايه اسميها؟ اليوم وفي هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال، اسميها ايه: الحرية الدينية): (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) آل عمران: ..144 تعالوا تندبر هذه الآية سوياً. أولاً: هذه آية للإعجاز القرآني، فقد نزلت بالطبع قبل قصة سيدنا عمر بن الخطاب حين انتقل المصطفى (ص) للرفيق الأعلى. ثانياً: الله سبحانه وتعالى لم يشأ ان يكشف لعباده كيفية انتقال المصطفى اليه، ولذلك وضع الاحتمالين لانتقال اي شخص: الموت او القتل. ثالثاً: الجزء الأول من الآية يخاطب عمر بن الخطاب وكل من يحاول اخذ القانون بيده، انه حتى لو قتل الرسول (ص) فلا تبيح لك تلك الجريمة ان تنفذ انت بيدك كمواطن غيور على العقيدة والدين عقوبة القتل على من يقتل شخصاً، ولو كان ذلك الشخص هو اعظم البشر محمد (ص). ولذلك فإن قتل خالد الإسلامبولي للسادات جريمة حسب نص هذه الآية العظيمة التي ذكر بها الخليفة الأول في الإسلام ابن الخطاب وسائر المسلمين الى يوم الدين.. لا اظن ان الإسلامبولي ولا الذين خططوا معه، ولا الذين حاولوا قتل الرئيس المصري حسني مبارك قد تدبروا وأمعنوا النظر في تلك الآية ولم يجلسوا للنظر في مغزى تلك الحادثة الأولى بعد انتقال الرسول (ص) الأمر الرابع لتلك الآية هو ان الجزء الأخير منها يقول بحرية تبديل الدين (..ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً.. الآية). ماذا يضير الإسلام لو ارتد محمود محمد طه أو ارتد الترابي؟ كم عدد الذين يدخلون في دين الله أفواجاً كل يوم؟ وكم عدد الذين يرتدون؟ لا تقولوا إن شيخ الترابي كبير يؤثر في الكبار أو الشباب بأفكاره ولذلك ينبغي ان تحرق كتبه! تدبروا قوله تعالى في شأن الفتن التي قد يجرها المرتد: (... آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) سورة آل عمران: 72، وهي نزلت في اليهود، كانوا يخططون - كدأبهم- لفتنة المسلمين عن دينهم، يؤمنون او النهار ليجالسوا المسلمين ثم يرتدون آخر النهار، عل المسلمين يرتدون مثلهم (لعلهم يرجعون..) الآية. رغم ذلك لم ينفذ فيهم المصطفى (ص) حد الردة المزعوم، رغم تخطيطهم الواضح لفتنة المسلمين، فما بال عمر البشير يستجيب لنداءاتكم المخالفة للكتاب والسنة الصحيحة المفسرة له.. وتدبروا علمائنا الأجلاء قوله تعالى (.. وكانوا شيعاً لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله..الآية) الأنعام: 159، و(من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه..) المائدة: 54، و(ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) البقرة:..127 وغيرها من الآيات البينات التي لا يسع المجال لذكرها كلها، وأضعف الإيمان أن تقرأ هذه الآيات باستصحاب قاعدة (الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة)، فإن نجا المرتد من العقوبة الدنيوية بسبب العفو فلن ينجو من عذاب الآخرة..

    إن كان الترابي، أو محمود من قبله مرتداً، فحسابهم على الله بنص القرآن، (لست عليهم بمسيطر × إلا من تولى وكفر × فيعذبه الله العذاب الأكبر× إن إلينا إيابهم × ثم إن علينا حسابهم) الغاشية: 22- .26 فالإنسان حر فيما يعتقد دنيوياً دون ان يجرح مشاعر المؤمنين أو أي شخص بالسباب أو السخرية من أي دين، كما فعل سفهاء الدنمارك مؤخراً. المطلوب اليوم تدبر القرآن أكثر من الجدال في الفتاوي غير المرتبطة بالقضايا الرئيسية التي تواجه العالم اليوم والغد، مثل أزمة الطاقة بارتفاع أسعار النفط لأكثر من 75 دولارا للبرميل والذي يصادف الذكرى العقدية الثانية لكارثة مفاعل شرنوبل النووي، وتهديدات مجلس الأمن لإيران واعتراضات رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، لنية ايران مساعدة السودان للتوليد الكهربائي النووي وتوليد البرازيل 40% من كهربائها من الكتلة الحية، كأنهم تدبروا قوله تعالى: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) يس: ...80 قضايا أمراض العصر وتلوث الغذاء والبيئة والفقر والحلول القرآنية لها كقوله تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة: .57
    [email protected]


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505003&bk=1
                  

04-20-2008, 10:19 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مبروك عُنيدة
    د.كامل إبراهيم حسن
    اليوم الأربعاء الثامن من نوفمبر أُعلن رسمياً فوز دانيال أورتيقا كرئيس واعتلاؤه سدة الحكم في نيكاراغوا للمرة الثانية بعد أن فارق السلطة لمدة ستة عشر عاماً... عن طريق الثورة العسكرية أطاح دانيال أورتيقا وزملاؤه بحكومة الدكتاتور سموزا وقاتلوا جماعة الكونترا المدعومة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية سنين عددا.. ورغم الانتصارات العديدة التي سجلتها قوات الساندنستا الثائرة علي قوات الكونترا العميلة إلا أن هذه الأخيرة نجحت في فرض جو الحرب على البلاد وبالتالي لم تجد الثورة الوقت والهدوء الكافيين لتنفيذ برامجها الإصلاحية الهادفة الى تحسين حياة المواطن البسيط.. لإيقاف نزيف الدم المتواصل اقترح بعضهم وضع السلاح والاحتكام لصناديق الاقتراع الشىء الذي وافق عليه الساندنستيون فدماء مواطنيهم غالية عليهم وتعني بالنسبة إليهم الشيء الكثير.. جاءت النتيجة لغير صالح الثوار ولكن ذلك لم يمنع أورتيقا ورفاقه قبول النتيجة ولسان حالهم يقول: نحن نرضى بالنتيجة ما دام ذلك هو خيار الشعب الذي نناضل من أجله..

    صبر أورتيقا ورفاقه وصاروا يتعلمون من شعبهم ويعملون في إصرار لرفع الوعي الإجتماعي وسط الشرائح الفقيرة بصورة خاصة ليقطفوا ثمرة نضالهم أخيراً ويرجع أورتيقا على أكتاف الجماهير وعن نفس طريق الصناديق الانتخابية التي لم يحالفه الحظ فيها من قبل.. وهكذا ينضم دانيال أورتيقا الى مجموعة كاسترو وشافيز وغيرهما من باقة التقدميين فواحة العبير لتقوى بذلك شوكة البلدان التي رفضت الخنوع والخضوع لغطرسة اليانكية من رعاة البقر، وأرادت أن يكون القرار في بلدانها في يد أبنائها ليدافعوا عن مصالح شعوبهم، ولا بأس إن توافقت تلك مع مصالح الولايات المتحدة على أن تكون العلاقة مبنية على أساس التوافق والندية واحترام المصالح المُشتركة.

    طربت عند سماع فوز أورتيقا وتلفتّ وقلت في سري: من استدعي اليوم ليشاركني هذه البهجة؟ وعندها قفز الى ذهني اسم الزميلة عُنيدة مرسيدس بنز النيكاراغوية ذات الأصول الألمانية والتي كانت الصديقة الحميمة لأغلبية السودانيين ولكنها تخص الأخ د.بشير حسن موسى - رحمه الله - بمودة خاصة.. كانت عُنيدة تعتقد أن السودان هو القطر الأول المرشح لبناء الاشتراكية من بين كل بلدان أفريقيا، وذلك لأن السودانيين - حسب رأيها - من أكثر شعوب العالم الثالث وعياً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.. وأقول لها: عزيزتي عنيدة.. لقد طاش سهمك.. فنحن - كما قال الأستاذ الشهيد محمود محمد طه - شعب عملاق ولكن ونتيجة حظنا العاثر لا يحكمنا إلا الأقزام، وصار حالنا وكأننا مربوطون في رأس مسمار (قلووز) كر الأيام يزيدنا غوصاً في أوحال التخلف والتشتت.

    عُنيدة من أصول ألمانية - كما ذكرت سابقاً - ولذلك كنت أمازحها سائلاً: أصحيح أن مارسيدس بنز صاحب سيارات المرسيدس المشهورة جدك؟ وكانت ترد بنفس الروح قائلة: هذا صحيح غير أن والدي خُيّر بين الوقوف مع الجماهير الفقيرة وبين الانضمام الى نادي الرأسماليين مصاصي الدماء فصاح بأعلى صوته: أنا مع الأغلبية.. وبذلك حرمنا من الفخفخة وخيرات الدنيا.. ونضحك معاً.. تحياتي يا عُنيدة أين كنتِ وألف مبروك.

    د.كامل إبراهيم حسن

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512910&bk=1
                  

06-06-2008, 00:50 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    ثورة رفاعة 1946
    التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين

    ان الأمم تهتم بتاريخها، وتاريخ عظمائها، وترصد الأحداث التي مرت بها، وتجعلها حية، في عقول، وقلوب، ابنائها وبناتها كي تهتدي بها في حاضرها وتخطط عبرها لمستقبلها.
    لقد لفت نظري، البون الشاسع، بين المثقفين السودانيين، والمثقفين المصريين، في اهتمامهم بتاريخ بلادهم، وموقفهم منه، واهنمامهم بالرواد الذين صنعوا ذلك التاريخ فقد وجدت المصريين- وكثيرون غيرهم- يهتمون اهتماماً بالغاً بتاريخ بلادهم، واحداثه ورجاله.. يخلدونه، وينشرونه من خلال البحث العلمي الجاد، ومن خلال العمل الفني الرفيع، حتى يظل حيا في وجدان الأمة.. أقول هذا، وأنا قد تابعت، هذه الأيام، مسلسلا مصريا حول حياة وافكار " قاسم أمين".. والمسلسل لايؤرخ لقاسم أمين فقط ، وإنما لكل الزعماء والمفكرين، والساسة، الذين عاصروه، على مختلف مشاربهم، وأفكارهم .. وهؤلاء مثل: الشيخ المجدد محمد عبده، والمفكر لطفي السيد، والزعيم سعد زغلول والرائد الوطني الكبير مصطفى كامل، والشعراء حافظ وشوقي، والرائد الاقتصادي طلعت حرب، الى آخر هؤلآء النفر الكرام، من رواد نهضة مصر الحديثة.. وكذلك يعرض هذه الأيام في العديد من القنوات المسلسل المصري: "فارس بلا جواد".. ومن خلال أحداث هذا المسلسل، أبرز المخرج أحداث قرية دنشواي المصرية في مواجهة الاستمار الانجلبزي، بصورة قوية مؤثرة، خصوصا المشهد الدرامي لاعدام بعض أفراد القرية على يد الانجليز- وهو مشهد استفاد فيه المخرج، من مشهد اعدام عمر المختار، في الفلم الذي صرفت ليبيا مبالغ هائلة لاخراجه، وتخليد سيرة بطلهاالعظيم، وقد اسندت البطولة في هذا الفلم للمثل العالمي الكبير"انطوني كوين" وقد استطاعت ليبيا عبر الفلم أن تجعل شخصية عمر المختار ونضاله، حيا، ليس في وجدان الشعب الليبي فقط، وانما في وجدان الشعوب العربية عامة.
    ونحن لانجد حدثاً، أوشخصاً، في تاريخ مصر – منذ الفراعنة، وحتى ثورة يوليو – الا وقد قامت الجهات الرسمية والمثقفون، بابرازه، وتخلبده، من خلال الدراسة والنشر ومن خلال وسائل الاعلام المختلفة أو من خلال عمل فني، أونصب أوتسمية مرفق، أو شارع باسمه.. وما من زائر يزور وسط مدينة القاهرة الا ويطالعه طلعت حرب مثلاً، في تمثال أقيم له، في ميدان هام، سمي باسمه، وكذلك العقاد وكل الرواد، حتى شامبليون الأجنبي، خلدوه بتسمية شارع هام، في وسط القاهرة باسمه عرفاناً لما قام به من دور خطير في تاريخ مصر- وبهذه المناسبة.. ماذا فعلنا نحن بالدكتور هكوك؟!! الى اين انتهت قضية مقتله وأين أوراقه؟!!
    وماذا فعل تلاميذه في مواصلة دراسته العلمية الجادة في تأصيل تاريخ السودان القديم؟ لو كنت، في مكان القرار بجامعة الخرطوم لقمت، على الأقل، بنسمية قاعة هامة من قاعات الجامعة باسم دكتور "هكوك" عرفاناً ووفاءاً، لوفائه.
    عموما أنت لاتجد حدثاً أو شخصاً، له دور في تاريخ مصر القديم، أو الحديث والمعاصر، الا وتجدهم قد خلدوه من خلال عمل ما، لا يختلف في ذلك الزعبم الديني عن السياسي، أو الاقتصادي، أو الأديب والمفكر، والفنان.. حتى الشيخ الشعراوي المعاصر أخرجوا عنه مسلسلا، يعرض هذه الأيام تحت اسم "امام الدعاة " وهذا أمر ليس فاصرا على المثقفين المصريين، وانما تجد له ضريبا في معظم بلدان العالم.
    فاين نحن من ذلك؟! ماهو دور الحكام، والمثقفين عندنا، منذ الاستقلال وحتى اليوم في هذا الصدد؟! لاشئ يذكر.. ان الكثير من المتعلمين عندنا يجهلون الرواد من الساسة والوطنيين، ومن رجال الدين والمفكرين، ومن الفنانين المبدعين.. فقل لي بربك كم من المتعلمين عندنا، سمع ـ مجرد السماع ـ بالمفكر والاديب الفذ معاوية نور؟! انا علي يقين من ان شخصية، مثل شخصية الشيخ بابكر بدري كرائد للتعليم وتعليم المرأة بالذات، لو كان مصريا، لخلدوه باكثر من عمل، خصوصا أن الرجل قد جعل الأمر ميسرا لذلك، بما كتب من مذكرات ضافية.
    وليت الأمر وقف عند مثقفينا، عند مجرد السلبية، ولكنه، وبكل أسف وصل عند بعض، حد الجحود، وعدم الأمانة الفكرية، بسبب من العداوات الشخصية الضيقة أو بسبب السعي في التقرب الى جهات، يطمعون في التقرب اليها!! لقد وصل الأمر ببعض مثقفينا الى حد العمل على تشويه تاريخنا الناصع!! ولكن هيهات!! هيهات!!
    ان مشكلة جنوب السودان، هي مشكلة السودان الأولى: كانت، ولا تزال .. وهي قد وجدت من كل حادب على مصلحة البلاد الاهتمام، والعمل الجاد، على ايجاد الحلول لها.. ولقد كان الأستاذ محمود محمد طه، على رأس من تصدوا لهذه المشكلة، قبل أن تتفاقم، وتصبح حرباً أهلية، لا زلنا نعاني من ويلاتها، حيث أصدر كتاب: "أسس دستور السودان" في عام 1955م.. ثم تناول القضية عبر تاريخ عمله العام الطويل، من خلال الخطابة، والكتابة المكثفة في الكتب والمنشورات، والى آخر منشور، حكم عليه بسببه نظام نميري بالاعدام، منشور:"هذا أوالطوفان".. فلا يستطيع أحد، أن يغفل دور الأستاذ محمود والجمهوريين في التصدي لقضية الجنوب.. ولكن أحد المثقفين، من أبناء الجنوب هو السيد أبيل ألير، كتب كتاباً ضخماً، عن مشكلة الجنوب، يتظلم فيه من نقض العهود.. ولم يفتح الله على أبيل، بكلمة واحدة يذكرها عن دور الأستاذ محمود والجمهوريين!! هذا مع أنه ذكر ادواراً لأفراد .. بل أنه ذكر حتى اصحاب الأدوار السلبية!! ومن المفترض في ابيل انه صاحب قضية حارة، وقد اكتوى بنار الظلم، فهو يأباه لنفسه، ولغيره..
    وابيل رجل قانون، المفترض فيه أنه تثقف وتربى على العدل!! وهو ينعي على الآخرين نقض العهود فما باله هو، يعشى عن الوفاء للأوفياء؟!! هل يجهل ابيل دور الأستاذ محمود في قضية الجنوب؟!! هل لم يسمع بكتاب" أسسس دستور السودان"، وهو المثقف والسياسي صاحب القضية ؟!! هل لم يسمع بكتاب الجمهوريين "جنوب السودان المشكلة والحل" ؟! هل لم يسمع قط بأي منشور، أو محاضرة أو ركن نقاش تعرض فيه الجمهورين لمشكلة الجنوب؟! هل لم يطلع على المنشور الذي حوكم من اجله الأستاذ محمود؟! ان هذا امر مستحيل.. فقضية أبيل ليست قضية نقص معلومات.. اذن فما السبب؟! نترك الاجابة عليه لأبيل وللقراء..
    وآخرون.. نفر من الأكاديميين، وضعوا كتابا في مقرر التاريخ للصف الثالث الثانوي: والكتاب في جملته عمل ركيك، لابمكن ان يجاز لو كان هناك قسم للمناهج له سلطة حقيقية، وملتزم بضوابط العمل الأكاديمي الصحيح، ومقتضيات وضع المنهج السليم.. أقل مايقال عن الكتاب أنه ليست فيه وحدة موضوع وانما نتف من هنا وهناك، ثم هو يقوم على ترتيب تاريخي معكوس لا يمكن أن يصدر عن اي شخص له علاقة بمادة التاريخ، فهو يبدأ باحداث في القرن العشرين، وينتهي في بابه الأخير، بحديث عن الحضارة الأسلامية التي تبدأ في القرن السادس الميلادي!! وهذه وحدها، كافية في أن تخرج الكتاب، من أن يكون عملا أكاديميا يستحق أن يقرر على طلاب.. ولكننا هنا، لسنا بصدد الحديث عن هذا المنهج فمثله كثير!! وانما اردنا فقط أن نشير البه في اطار حديثنا عن المثقفين السودانيين.. فقد تعرض الكتاب، في اطار حديثه عن الحركة الوطنية في الأربعينات لنشاة الأحزاب السودانية، ودورها في الحركة الوطنية.. وأورد أسماء أربعة عشر حزباً، منها مالم يعمر اكثر من عام، وطبيعي أن معظمها لم يكن له دور في الحركة الوطنية، بل ذكروا حزبا ليس له دور في الحركة الوطنية لأنه لم يكن موجوداً أساساً، فمددوا حديثهم ليشملوه بالذكر، وأعطوه مساحة أكبر من الأحزاب الأخرى، ولا يوجد أي سبب لذلك سوى أن يكون بعضهم ينتمون اليه أو يريدون التقرب الى من ينتمي اليه!! هؤلآء النفر لم يوردوا أي ذكر للحزب الجمهوري، ولو بمجرد ذكر اسمه ضمن الأحزاب التي نشأت في ذلك التاريخ ولا يمكن ان اتصور انهم يجهلون الحزب الجمهوري، وتاريخه الوطني، وهو الذي قدم أول سجين سياسي في الأربعينات، وأقلقت منشورات، وخطب كوادره مضاجع الأنجليز!! ولكنه الغرض، وانحرافات الأهواء.
    وكل الذي ذكرناه، عن سلبية المثقفين، وعدم تقديرهم لتراثهم التاريخي، ولرواد الإصلاح، وعدم الأمانة الفكرية عند بعضهم، هو أقل سوءاً بكثير، من الدرك السحيق الذي انحدر اليه د. خالد المبارك وهو يتحدث عن ثورة رفاعة 1946م حديثا مسفا، لا علاقة له بالموضوعية، والأمانة الفكرية، اللتين ينبغي أن يتحلى بهما من يتصدى لتقويم أحداث التاريخ.

    د.خالد المبارك وثورة رفاعة:
    لقد تعرض د. خالد المبارك، لأحداث ثورة رفاعة 1946م في حديث له بجريدة الرأى العام بتاريخ 19/11/2002م، هبط فيه بدور المثقفين الى قاع، يصعب أن يجاريه فيه أحد .. فقد جاء حديثه، متحاملا مغرضا، يفتقر الى ابسط قيم الفكر الموضوعي الأمين.. فالموضوعية في ابسط صورها تقتضي ذكر الحقائق كماهي، ثم مناقشتها، لا تبديلها وعكسها، أو تحريفها.. ولكن لنرى، من اقوال خالد المبارك، ماذا فعل!! فقد جاء من أقواله من ذلك المقال: " لكن الأستاذ محمود محمد طه ارتكب عدة أخطاء تقديرية جسيمة. حدثت انتفاضة رفاعة- التي اشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني. قيل للعامة: يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ..... بناتكم.. وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع، وكان على رأسهم الأستاذ محمود. كان موقفه متخلفاً ورجعباً، في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم. انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل هي من مخازينا، ويقع وزرها على الأستاذ محمود محمد طه. قيل لنا أنها مثل اضرابات الطعام في المدارس، واضرابات زيادة الأجور العمالية، مجرد ظاهرة اجتماعية، لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه، لأن الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علنا أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال" !!
    .. هذا حديث قاله سوداني، لا شك في سودانيته من حيث: الدم وشهادة الجنسية!! ثم هو رجل منسوب للثقافة!! بل وربما الفن ايضا!! " فانها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "!!.. بدل "قيل لنا "، كان ينبغي أن تقول من الذي قال لك، وما نص قوله، وما هو المصدر الذي استقيت منه هذا القول، هذا ماتقتضيه الموضوعية والأمانة الفكرية، اللتين حدت عنهما حيادا تاما!! ما الذي يجعل ثورة شعبية، قامت ضد المستعمر، واجه فيها الشعب الرصاص، وتعرض للمحاكم والسجون، ما الذي يجعل هذه الثورة في نظر د. خالد المبارك "من الأخطاء التقديرية الجسيمة ".. وموقف قائدها موقف متخلف ورجعي.. وهي "ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل من مخازينا"!! كل هذا السباب الفظ ، ما الذي يبرره في نظر قائله د.خالد المبارك؟! السبب في نظر قائل العبارات، وحسب عبارته هو، أن ثورة رفاعة قامت "احتجاجًا على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني"!! وهو يقرر هذا الأمر تقريرا، دون أن يحاول ايراد اي دليل عليه!! فخالد المبارك يريد أن يقول أن الأستاذ محمود، وثوار رفاعة يؤيدون الخفاض الفرعوني ولذلك قاموا بثورتهم ضد الانجليز، لأنهم منعوا هذا الخفاض، في قرار "تحديثي جرئ و سليم" حسب عبارته!! لو كان د. خالد المبارك موضوعيا أو امينا لعرض الموقف كما هو، ثم ناقشه، ولكنه لم يكن كذلك .. فما هو موقف الأستاذ محمود والجمهوريين من الخفاض الفرعوني؟
    ان الجمهوريين يرون منذ البداية، أن الخفاض عادة سيئة وضارة، وكان لخالد المبارك ان يرى ذلك بوضوح لو أراد، فقد جاء في منشور الخفاض مثلا: " لانريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، ولكننا نريد نتعرض لمعاملات خاصة وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعا- وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتدعها ارغاما"..الخطوط تحت الكلمات من وضع الكاتب.
    ويمضي المنشور ليكشف الغرض الحقيقي والمبيت من اصدار القانون، فيقول: "لا شك أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستاصلة في النفوس تاصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ، أو عقيدة أو أن تكون قد ارادت أن تقول للعالم الخارجي ان السودانيين قوم متعنتون وأن تعنتهم الذي الجأنا للقانون لأستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية، هو نفس التعنت الذي وقف في سبيلنا، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبرا، والتوسع في التعليم.. هذا من ناحية الالتجاء للقانون.. وأما القانون في ذاته فهو قانون اريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة.." اذن فالجمهوريين، وحسب منشورهم، لا يدافعون عن الخفاض الفرعوني، فهو عندهم- كما هو عند أي مثقف- عادة ذميمة، وضارة، بل وهمجية، كما ورد في عباراتهم.. و الأستاذ محمود، والجمهوريون ليسوا فقط ضد عادة الخفاض الفرعوني وانما هم ضد خفاض المرأة في أي صورة من صوره، كما سنبينه في موضعه.
    القانون، أي قانون، ليس مجرد نص، وانما هو علاقة تكامل بين النص، والجهة التي اصدرته وغرضها من اصداره، والظروف التي صدر فيها، وآليات تطبيقه.. وأي قانون يصدر من المستعمر، وبحكم طبيعته الاستعمارية لابد ان يكون وراء غرض المستعمر، ومصالحه، لا مصالح الشعب المستعمر، هذا من حيث المبدأ.. وقد بين الجمهوريين بيانا وافيا، الغرض الاستعماري من سن قانون الخفاض الفرعوني ومما جاء في هذا الصدد في منشورهم وفي كتاب: "الخفاض الفرعوني" مانصه :
    "1- الانجليز كأستعمار لم يكونوا يعملون على توعية، وترقية، الشعوب التي تحت حكمهم ولم يكن ذلك لمصلحتهم، بل كانوا يسعون الى تجميد وعي هذه الشعوب ليحكموا اطول فترة ممكنه .. ولذلك لايوجد سبب موضوعي للاعتقاد بان الانجليز لم يكونوا يريدون من قانون الخفاض سوي محاربة عادة ذميمة وليس لهم غرض استعماري وراء ذلك
    2- العادات لاتحارب بالقانون .. وقد ثبت ذلك بالتجربة الطويلة، وفي عديد البلدان، وقد كان واضحاً للجمهوريين منذ البداية .. وهو لم يكن خافياً، علي الانجليز، ولكنهم كانوا يريدون شيئاً غير محاربة الخفاض .
    3- لقد كان توقيت صدور القانون مؤشراً اساسياً للغرض الاستعماري الذي دفع اليه .. فلقد شهدت فترة صدور القانون، والعمل علي تنفيذه " 1945-1946 " نشاطاً سياسياً مكثفاً، وأشتد فيها الحماس والوطني، وعلا صوت السودانيين في المطالبة بالاستقلال، وكانت دولتا الحكم الثنائي تتهيئان لعقد مفاوضات صدقي- استانسجيت .. وفي هذا الوقت بالذات، سن الانجليز القانون، وتشددوا في تطبيقه، وكانوا يعلمون أن السودانيين سيقاومونه طالما انه تدخل في امر يتعرض للعرض والشرف .. وكان غرض الانجليز هو اظهار السودانيين بمظهر الهمجية، والتخلف، حتي يستطيع الانجليز ان يدعوا انهم لايستحقون الاستقلال، ولم يتهيئوا له بعد .. وكان هذا الغرض واضحاً للجمهوريين وكشفوه في اول منشور لهم
    4- وقد كان من اغراض الانجليز من اصدار القانون اهدار كرامة المواطنين ، وترويض النفوس علي المهانة والذل .
    5- أن عقوبة السجن بالنسبة للنساء تعتبر عند السودانيين أمراً شاذاً ومهيناً، ويفقد المرأة سمعتها .. وقد نص قانون الخفاض علي عقوبة السجن في حالة المخالفة، ولم يستثن في ذلك النساء، وطالما ان العادة مستأصلة في المجتمع فقد كان من المنتظر أن تتعرض حرائر النساء المحصنات للسجن بهذه الصورة المهينة والمشينة للسمعة .. وهذا ماتم بالفعل في حادث رفاعة واستوجب الوقوف ضده بحزم، ولم يتوان المواطنون في ذلك، وخاضوها ثورة عارمة ذهبت بهيبة الانجليز من الصدور، وزعزعت جبروتهم .. " صفحة (38) .. هذا أمر واضح جداً ومصادره متوفرة، وادني حد من الموضوعية كان يقتضي من د. خالد المبارك مناقشته، ولكنه لم يفعل، وهو لم يفعل لانه مغرض بادئ الغرض .

    الاستاذ محمود ضد كل صور الخفاض :-
    يقول د. خالد المبارك : ".. وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال " .. ليس للاستاذ محمود موقف يحتاج لمراجعته، فموقفه كان واضحاً في حينه، ولايحتاج لمبررات بعد الاستقلال، وقد ذكرنا طرفاً منه اعلاه، وإنما انت، وبسبب الغرض من عشيت عيناك عنه .. وانت لم ترجع الي أي مرجع، في هذا الصدد قبل الاستقلال أو بعده ، والا فقد كنت تجد في كتاب : "معالم علي طريق تطور الفكرة الجمهورية" مثل هذا النص مثلاً "وبعد فأن عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ورغم سوء هذه العادة البالغ وذلك لسببين أولاً : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. مثل هذه العادات الحساسة المتأصلة في مجتمع مثل مجتمعنا، لايقتلعها القانون وحده، وماينبغي له ان يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائياً هو التربية والتوعية الشعبية" صفحة (52) – صدر الكتاب في مايو 1976م .. ان من يقول مثل هذا القول لايمكن ، في شرعة العقل السليم، أن يتهم بأنه يساند الخفاض .
    أن الاستاذ محمود هو ضد الخفاض من حيث هو، لا الخفاض الفرعوني فقط .. وموقفه هذا معلن وواضح، وهو ماينسجم مع طبيعة دعوته بداهة .. فقد جاء في هذا الصدد من كتاب "الخفاض الفرعوني" الصادر في اكتوبر 1981م عنوان جانبي يقول : "الخفاض ليس سنة " !! ومما جاء تحت هذا العنوان "أصبح من الشائع بين الناس أن هناك نوع من الخفاض يسمي { خفاض السنة } وهذا خطأ شائع : فالاسلام عندما جاء في القرن السابع لم يسن الخفاض، وانما كانت ممارسة الخفاض سابقة لمجئ الاسلام بأمد بعيد، كما راينا عند حديث عن تاريخ الخفاض .. وفي حديث أحمد، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" ، وهذا حديث واضح في التدليل علي ان الخفاض ليس سنة، فالنبي الكريم لم يسمه سنة، وانما سماه مكرمة، في حين سمي الختان بالنسبة للرجال سنة .
    والمكرمة في الختان أنما تجئ من حكم الوقت، الذي جعل الوصاية علي المرأة وما يتفرع عليها من تشاريع هي الوسيلة للصون والعفة .. فالختان حتي في المستوي المهذب منه هو تشريع مرحلي، وليس اصلاً في الاسلام، وإنما الاصل هو العفة التي تقوم في الصدور، صدور الرجال والنساء، وهذه ليس سبيلها الكبت وإنما سبيلها هو التربية" صفحة ( 46) .. وهذا قول لا يملك امثالك ان يقولوا به، رغم ماتدعي من تقدميه، لانك لا تملك السند الديني الذي يقوم عليه، ولا يمكن من غير سند ديني معالجة قضية الخفاض التي ارتبطت في ذهن الشعب بالدين .

    ثورة لم يحركها قانون:
    بقي امران، ليظهر مدي تجني د. خالد المبارك، ومجافاته التامة للحقيقة .. أولهما : ثورة رفاعة اساساً لم تتحرك لمقاومة قانون الخفاض الفرعوني، أو اي قانون أخر .. هي لم تحركها مقاومة قانون وأنما حركتها احداث .. اقتيدت امرأة الي السجن، هكذا بدأت الاحداث وتحرك الثوار وأطلقوا سراحها .. ثم أقتيدت مرة اخري في جنح الليل، بصورة لا تمت بصلة لعمل الحكومات، فاستفز ذلك الثوار فتحركوا لاطلاق سراحها، الي اخر سلسلة الاحداث المعروفة .. فالمحرك للثورة هو مقاومة الحدث، وليس مقاومة قانون فلم يكن الثوار مشغولين بالقانون بقدر أنشغالهم بسجن المرأة، كفعل خاطئ ومهين.. وقد يكون القانون صحيحاً – وهو هنا غير صحيح – ولكن تنفيذ القانون يجئ خاطئاً .. فحركة الجماهير كانت ضد الظلم، وضد الاذلال، وقد جاء في خطبة الاستاذ محمود بمسجد رفاعة، تلك الخطبة التي حركت الجماهير، قوله : "ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، ايها الناس وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصر عن الجهاد ، وهو قادر عليه البسه الله ثوب الذل وغضب عليه ولعنه .. ايها الناس : من راي منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأي منكم الذليل ولم ينصره، فلن ينصره الله علي عدو . الا ان منظر الظلم شنيع، الا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأي مظلوماً لاينصف من ظالمه، ومن رأي ذليلاً لاينتصر علي مذله، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الي النصرة، والمدافعة، فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر" .. هذا ما حرك الجمهور، الاهانة والذل والظلم، اين هذا من قولك الذي انتحلته!!
    ثم ثانياً : ثورة رفاعة اشتركت فيها جميع قطاعات الشعب علي مختلف اعمارهم ، وانتماءاتهم الحزبيه والدينية، ومستوياتهم التعليميه والاجتماعية .. فهي ليست قاصرة علي الجمهوريين وحدهم .. فاذا كانت لك عداوة خاصة مع الجمهوريين، ماكان ينبغي ان تنداح فتشمل سكان رفاعة جميعهم، بل وتاريخ البلاد.
    من الذين اشتركوا في الثورة مثلاً الشيخ الصديق الازهري والشيخ محمد لطفي عبد الله وقد اصيب بالرصاص البدري عبد الرحمن
    أما قائمة الشرف من من حكم عليهم بالسجن فتضم : عباس المكي – عوض القريض – احمد الامين – محمد الياس – الزبير جاد الرب – عبد العال حسن – أحمد عثمان –حمد النيل هاشم – علي مالك – محمد الحاج علي – بابكر وقيع الله – عبد الله حامد الشيخ – حسن أحمودي – منصور رجب – عابدون عجيب – والصبي اسماعيل العشرابي الذي حكم عليه بالجلد، وهولآء جميعهم ليس من بينهم من الجمهورين سوي الاستاذ محمود محمد طه، اما بقية الجمهوريين الذين حكم عليهم بالسجن فقد كانوا بالخرطوم، وهم : عثمان عمر العتباني – سعد صالح عبد القادر – ذو النون جبارة .. فالثورة ضمت الختمي الي جانب الانصاري الي جانب التجاني والقادري، ومن لا طريقة له .. ومن ينتمي الي حزب الاشقاء الي جانب من ينتمي الي حزب الامة ..
    وهؤلاء النفر الكريم، وغيرهم ممن اشتركوا في الثورة، ليسوا من العوام والرجعيين، كما تفضلت انت ووصفتهم، في معرض تحقيرهم، والزراية بهم !! فهم ابناء المدينة التي انتهت اليها ريادة التعليم في السودان منهم من هو رائد للتعليم ليس في مدينة رفاعة فحسب، وانما في السودان عموماً، فاذا جئت انت لتحقرهم، وتصفهم بالعوام، فان ذلك لا ينقص من قدرهم، وانما يعود عليك انت .
    معذرة ايها الاباء الكرام الاحرار، فان لمثل صنيعكم تلد الامهات الرجال، فقد فديتم الوطن واعززتم الدين ، ونصرتم المستضعين، فلا يقدح في صنيعكم ارجاف المرجفين، وليس بالغريب ان يكون في الأسرة ابن عاق، فهو لم يصنع اكثر من انه عرض صورته علي مرآتكم الصافية، فظهر حجمه وبانت قامته .

    الموضوعية :-
    ينعي د. خالد المبارك علي غيره من من تصدوا بالرد عليه، عدم الموضوعية، وهو اذ يفعل ذلك ، ينسي نفسه، فما هي الموضوعيه فيما كتبه هو ؟! فهو ينسب لثورة رفاعة انها قامت ضد قانون الخفاض الفرعوني، بصورة تجعلها وكأنها انما قامت لتدافع عن عادة الخفاض ولايورد اي دليل علي ذلك، بل اكثر من ذلك يتجاهل تماماً الادلة التي تدحض رأيه هذا، سوي كانت من منشور الجمهوريين 1946م ، أو الكتب الاخري التي ذكرناها .. وهو حتي عندما ذكر بذلك في الردود التي وردت عليه ، تجاهله تماماً، واصر علي موقفه، وكرره مرة أخري في مقالة له في جريدة الراي العام بتاريخ 9/12/2002م .. فقد جاء في ذلك المقال قوله :"وفي موقف مؤازر قاد الاستاذ محمود محمد طه انتفاضة احتجاج علي تحريم الخفاض الفرعوني .." هكذا !! هذا رجل مصر علي باطله .. وقد رأينا اوصافه التي وصف بها الاستاذ محمود وثوار رفاعة ، فقد وصفهم بانهم عوام وان موقف الاستاذ محمود كان رجعياً ومتخلفاً .. وعن ثورة رفاعة قال : "انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا" الي اخر ماقال !! وما معني كلمة "مزعومة" من عبارة "انتفاضة رفاعة المزعومة" ؟! هل يريد خالد المبارك أن يقول انها لم تحدث ؟ أن عبارته تعني ذلك ، فهذا أمر ليس غريباً عليه ، طلما انه ينسب للآخرين عكس مايقولون به ، في حقائق موثقة لاتجدي فيها المغالطة
    أن د خالد المبارك لم يكن موضوعياً لا في الشكل ولا في المضمون وهو قد اعظم علي الله الفرية ، بصورة موبقة وفي اصرار وعناد .
    د. خالد المبارك يتهم الاخرين اشنع الاتهامات بغير دليل ، ثم ينعي علي الاخرين عدم الموضوعية، حين ينسبون له الدفاع عن الاستعمار بالدليل الواضح، والموثق من اقواله هو !! فانت حين تهاجم خصوم الاستعمار وتقلل من شأنهم ، وتصفهم بانهم من العوام والرجعين وتسفه عملهم ضد الاستعمار، وتنتحل من عندك الاسباب الباطلة لتخطأته، والتقليل من شأنه، اليس هذا دفاعاً عن الاستعمار .. وليتك وقفت عند ذلك فان دفاعك عن الاستعمار قد جاء صريحاً، فانت تتبرع بالشهادة له ان بعض اعماله حسنة النية وخالية من اي غرض استعماري ، ينبع من طبيعته ، بل واكثر من ذلك تصف اعماله بالانسانية ، وتقول عن قراره في قانون الخفاض : "قرار تحديثي جرئ وسليم" فماذا يكون الدفاع إذا لم يكن هذا دفاعاً عن الاستعمار؟! قطعاً لاينتظر ان تحمل سيفك لتدافع عنه ، وقد مضي علي ذهابه قرابة نصف القرن .. ان الانجليز انفسهم لايستطيعون اليوم ، وبعد مرور هذه الفترة ان يقولوا ان اعمالهم في السودان حين كانوا يستعمرونه ، اعمالاً انسانية وتحديثية خالية من الغرض الاستعماري.

    الاعتراف باسرائيل :-
    أن منهج د. خالد المبارك في النقد وفي تقويم التاريخ ، وفي التفكير عموماً ، منهج غريب اشد الغرابة ، فهو لايتحدث كمفكر ، وانما يتحدث كسلطة ، يصدر القرارات في فورمانات سلطانية وينتظر من الاخرين السمع والطاعة .. فهو لايهمه ان يكون مايقرره مخالفاً للواقع أو حتي مناقضاً له .. وهو لايحتاج الي اقامة اي دليل على مايقول !! أسمعه مرة اخري يقول في هذا النص العجيب : "ولعل دعوة الاستاذ محمود محمد طه للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر للرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا" !! ما هذا ؟ ماهي المناسبة ؟! إن عبارة "الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا"
    هي خبر فأما ان يكون صادقاً أو كاذباً .. وهو محض افتراء ، كبقية إفتراءاته وهو كالعادة ، لا يحاول ان يقيم عليه اي دليل، لانه لن يجده .. أن مجرد هذا التعميم يدل علي ضعف شديد في التفكير ، فخالد المبارك قطعاً لايعرف كل الجمهوريين في الغرب ، ومن باب اولي انه لايعرف احوالهم فما اعرفه انا في هذا الباب بحكم صلتي ، اكثر مما يعرفه خالد المبارك بكثير .. فانا اعلم أن معظم الجمهوريين في الخارج يعملون خارج تخصصاتهم ، والكثيرين منهم يعملون اعمالاً هامشيه ، والقلة التي تعمل في مجال تخصصها ، لاتعامل في مستوي تأهيلها الاكاديمي والفني .. وهذا أمر ليس خاصاً بالجمهوريين وأنما هو امر ينطبق علي كل الاجانب الوافدين علي الغرب .. فالحياة في الغرب تقوم علي نظام رأسمالي لايعترف بسوي الكفاءة والاداء .. وكل شركة أو مؤسسة أو جامعة في الغرب لها نظامها وقوانينها ، وضوابطها في العمل التي تلتزم بها بصرامة ولاتحيد عنها لاعتبارات عاطفية .. ولاتوجد سلطة فوقية في الغرب تفرض علي المؤسسات اساليب تعاملها مع موظفيها وعمالها ، وليست الدولة هي المسؤولة عن التوظيف ، كما هو الحال في الانظمة الشمولية التي يبدو انها معشعشة في ذهن خالد المبارك .. ان عبارة خالد المبارك هذه افتراء ، وكذب صريح ، ثم هو كذب ساذج لا يجوز علي احد .. ولكن اعرف من الجمهوريين ، من يمكن ان يكون له وضع مميز ، فمثلاً د. عبد الله أحمد النعيم أكاديمي متميز تحفظ له جامعته مكانته ، وحقه الذي يؤهله له مستواه الاكاديمي وخبرته ، وهو ليس بدعاً في ذلك ، فان كل الاكاديمين النابهين ، اصحاب الكفاءة الواضحة ، الوافدين علي الغرب يجدون في جامعاته القبول ، والوضع المادي والعلمي المريح ، فانا اعرف مثلاً، من أمثال هؤلاء النابهين د. صلاح أحمد الفحل ، لانه من ابناء وطني ، فهو اكاديمي متميز وجد كل تقدير من جامعته ومن الاوساط التي يعمل بها .. فاذا اردت ان تكون من امثال هؤلاء ، وتملك الموهبة التي تؤهلك ، فانت لست في حاجة للتنقيص من قدرهم، فالباب أمامك مفتوح، ولن يسألك أحد: هل تؤيد قيام دولة أسرائيل أم لا .. أن النفس السليمة، تشعر بالفخار، عندما تجد نجاح أحد ابناء وطنها ، في مجال من المجالات، والعكس صحيح.. يبدو أن هذه المنطقة ، هي منطقة مكمن الداء !!

    التاريخ مرة أخري :-
    أن مواقف الاستاذ محمود محمد طه ، وافكاره حول مشكلة الشرق الاوسط دخلت التاريخ بحكم الزمن الذي مضي عليها ، وهو تاريخ معاصر ، حي وموثق ، فلو كان د. خالد المبارك رجلاً موضوعياً ، يطلب الحق ، كان يمكن له ان يعرض ارآء الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط ، من مصادرها ، ثم هو يناقشها كما يشاء بدل الاشارة المقتضبة ، والمغرضة ، بأن دعوة الاستاذ محمود للاعتراف بأسرائيل هي مما يرضي الغرب ويكافئ عليه !! فهل فعلاً رأي الاستاذ محمود مما يرضي عته الغرب ويكافئ عليه ؟! أم هو مجرد افتراء كبقية افتراءات خالد المبارك ؟! علي كل ، فالاستاذ محمود ، في ارائه ، لا يعنيه من يرضي أو يغضب ، وأنما يعنيه فقط الحق ولا شئ غير الحق .
    أن قضية الاعتراف بأسرائيل أو عدمه، قضية علاقات دولية العبرة فيها بالنسبة للغرب مواقف الدول ، لا الافراد أو التنظيمات .. والجمهوريون لا يتوهمون ، أن لهم وزناً ، في هذا المجال ، يمكن ان يأبه به الغرب .. والغرب في هذا الصدد لا يبني مواقفه علي الحق والرأي السليم ، وأنما علي المصلحة ، والمصلحة فقط .. وهو يتعامل مع الدول حسب وزنها عنده ، وهو لا يقم للعرب مجتمعين وزناً .
    ثم هل أسرائيل الان في حاجة لمن يعترف بها ؟! أن المشكلة اليوم ليست هي الاعتراف بأسرائيل ، وأنما المشكلة هي الاعتراف بدولة فلسطين ، وهذا أمر من البديهيات .. ومن من العرب اليوم، بعد كل الدماء التي أريقت ، والثروات التي اهدرت، لا يعترف بدولة اسرائيل ؟! أن الدول العربية جميعها ، لاتعترف بأسرائيل وحسب ، وأنما علي استعداد لتطبيع علاقتها معها وقد قدمت بالفعل مشروعاً بهذا الصدد رفضته اسرائيل .. ولقد كان الاستاذ محمود يريد للعرب ان لا يصلوا لهذه المذلة والمهانة ، وان لا يفقدوا مافقدوه من ارواح ابنائهم ، بأن يساوموا بالاعتراف بأسرائيل ، في وقت كان فيه للاعتراف قيمة في المساومة ، وأنذرهم عاقبة الابطاء ، مما يفوت الفرصة ، ويفقد الاعتراف قيمته في المساومة ، فيضطروا للاعتراف بأسرائيل دون ان يقبضوا الثمن ، وهذا بكل أسف ، هو ماحدث بالفعل .
    أن رأي الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط رأي واضح ، ومصادره عديدة ومتوفرة ، سواءً في كتابي "مشكلة الشرق الاوسط" و "التحدي الذي يواجه العرب" ، اللذين صدرا في عام 1967م ، أو بقية المصادر الاخري .. وهو رأي قد تم تسليم كل الزعماء العرب صورة منه ، في مؤتمرهم الذي انعقد بالخرطوم في 29/8/1967م ..والرأي يقوم علي ان حل المشكلة يتم في مرحلتين "مرحلة عاجلة ومرحلة أجلة : فاما حل المرحلة العاجلة فهو حل سياسي ، ومرحلي ، في نفس الامر ، وهو حل يقتضيه حل المرحلة الاجلة.. وهذا هو وحده الحل المستديم السليم .. وبالحل المرحلي ، العاجل ، يستطيع العرب ان يرجعوا الي نقطة الاعتدال بين الكتلتين : الكتلة الشرقية ، والكتلة الغربية . وهي النقطة التي فيها يقومون مقام الكتلة الثالثة .. " صفحة 179 من كتاب (مشكلة الشرق الاوسط)..
    "ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور أنهم، ايثارا منهم لعافية الدول، وتضحبة منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة، ورعاية منهم لصالحهم هم انفسهم، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل، تحت اشراف الأمم المتحدة (ومجلس الأمن بشكل خاص) وعلى أن يكون التفاوض علي اسس قراري الامم المتحدة المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م (قرار التقسيم) وفي الحادي عشر من ديسمبر 1948م
    (قرار اعادة اللاجئين) وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدي دخولها هيئة الامم.." صفحة 181 المرجع السابق .. فاين العرب الان من قرار التقسيم ، أن الوضع قد تجاوزه بكثير جداً لمصلحة اسرائيل والعرب موافقون علي هذا التجاوز !! وقد جاء عن الحل المقترح للمرحلة العاجلة من كتاب (التحدي الذي يواجه العرب) قوله "1- يجب عدم اللجوء الي السلاح ، ذلك لان العرب لا يحاربون دولة اسرائيل وحدها ، وانما يحاربون من وراءها دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا الغربية – وهم قد التزموا بالمحافظة علي حدود دولة اسرائيل حسب مايعطيه التقسيم الذي اقرته الجمعية العامة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م – التزم بذلك منذ 1950م كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا .
    2- كل لجوء الي السلاح في حل قضية فلسطين ، علي المدي الذي يريده الزعماء العرب الان ، ويمنون به شعوبهم عمل قليل الجدوي ، ثم هو عمل يجعل العرب مضطرين الي السير في ركاب الاتحاد السوفيتي ، ويفتح ابواب بلادهم علي مصرعيها للشيوعية ، ويباعد بينهم وبين دينهم ، إن لم يقطع صلتهم به ، وذاك أمر ، في حد ذاته ، يهدد العرب بأخطر مما تهددهم به دولة أسرائيل .
    3- من أجل احراز حل المرحلة العاجلة يجب التفاوض مع اسرائيل ، وسيكون هدف التفاوض : -
    أ . انسحاب اليهود من الارض العربية التي احتلوها في حرب 15 مايو 1948م وحرب 29 أكتوبر1956وحرب 5 يونيو 1967م .
    ب. إرجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم عام 1948م وعام 1967 وتعويضهم عن جميع ممتلكاتهم التي فقدوها .. وتوطينهم في الاراضي التي حددها لهم تقسيم 1947م – تنفيذ مبدأ التقسيم .
    ج . ضمان الدول الكبري ، بما فيها الاتحاد السوفيتي –وهذا يعني ضمان مجلس الامن والجمعية العامة – لحدود الدولة العربية الجديدة ولتأكيد هذا الضمان توقف، علي الفور، الهجرة اليهودية الي اسرائيل.
    د. تأخذ هيئة الامم علي اسرائيل تعهداً بان لاتحاول أي توسع في ارض أي من الدول العربية المجاورة لها ، فاذا جرت منها محاولة ، فان مسئولية ايقافها تقع علي كاهل هيئة الامم .
    هـ . انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل .
    و . أعطاء اسرائيل حق المرور البرئ في الممرات المائية ، خليج العقبة وقناة السويس" صفحة 34- 35
    هذا بعض ماجاء عن راي الاستاذ محمود في مشكلة الشرق الاوسط- فهل هذا ما يرضي عنه الغرب ، كما زعم د. خالد المبارك ؟!
    أن ماحققته اسرائيل ، نتيجة لتهاون العرب وغفلتهم ، وعدم مبادرتهم بالاخذ بهذا الرأي ، قد تجاوز المقترحات المطلوبة بكثير، ودون مقابل، ومايطمع فيه العرب اليوم، هو دون ماأراده لهم الاستاذ محمود بكثير جداً، وقد ادركتهم نذارة الاستاذ لهم في عاقبة الابطاء، فهم اليوم وبعد أن فوتوا الفرصة التاريخية، يتفاوضون، ويعترفون ثم لا يكادون يبلغون وراء ذلك طائلاً .. ونحن نقول مرة أخري ، لدكتور خالد المبارك ماجاء في خاتمة كتاب (مشكلة الشرق الاوسط ..) "أن وقت التدليس، وتمويه الحقائق ، وتمليق الشعور، ودغدغة العواطف النواضب، قد ولى الي غير رجعة، وأن علي الناس أن يرتفعوا الي منازل الرجولة المسئولة ، التي تقوي علي مواجهة المسئولية في عزيمة الأحرار" .. وهذا قول، د. خالد المبارك ، في اشد الحاجة اليه .
    هلي يجهل د. خالد المبارك كل هذا الذي ذكرناه به ؟! لا اعتقد !! إذن ما القضية ؟! إن القضية ، هي قضية نفوس ، وقضية حس وليست قضية فكر .
    إن حديث د. خالد المبارك ، لاقيمة له ، ولاوزن ، لانه متهافت وغير موضوعي ، ومغرض .. ونحن انما سقناه في أطار حديثنا عن المثقفين ، في تعاملهم مع تاريخ البلاد وتراثها .. وقد يقول قائل .. إن نموذج خالد المبارك نموذج خاص، لا يمثل عامة المثقفين .. ونحن نقر بذلك ، ونوافق عليه ، ولكنه نموذج وجد من الجرأة مابه نشر باطله ولم يكن ليفعل لولا أنه يشعر بأن المثقفين منصرفين عن الذود عن تاريخ بلادهم وتراثها
    ثم ، مرة أخري "لاتحسبن أن الكيد لهذه الامة مأمون العواقب – كلا - فلتشهدن يوماً تجف لبهتة سؤاله أسلات الالسن – يوماً يرجف كل قلب ويرعد كل فريصة"
    هذا ، وعلي الله قصد السبيل ، ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .



    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة

                  

04-20-2008, 11:29 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نزعات: المثقف
    قصي مجدي سليم

    من بين تعاريف المعاجم اللغوية، وشروح الموسوعات الفلسفية و(الابستمولوجية)، واقوال الادباء والمفكرين والفلاسفة، تبرز مقولة كالشمس فى سماء (السويد) لا يسعك الا الوقوف امامها وتأملها، وهى تعريف للانسان الحر ساقه انسان حر فقال: (الحر هو: الذى يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ثم يتحمل نتيجة قوله وفعله وفق القانون الدستورى) (من محاضرته تعلموا كيف تصلون). قائل العبارة الآنفة- وهو الاستاذ محمود محمد طه- قد طبق تلك العبارة- اول ما طبقها - على نفسه، فكان مثالا مشرفا عبر التاريخ..

    التاريخ الذى جنى عليه كتابه - الا القليل- فحذفوا اسم الاستاذ من صفحات النضال الوطنى. تلك الصفحات التى اكدها شاعرنا الفذ محمد المهدى المجذوب فى أكثر من عشر قصائد زان بها دواوينه المتعددة التى تحفل جميعها باشارات وعبارات تثبت دور (الاستاذ) فى النضال والاجتهاد والصدق والشرف والبسالة.

    ولكل شىء مالوف، عندنا، تعريف بديع عند (الاستاذ) فالقول بان الانسان حيوان ناطق (لا يروقه) بل الذى يروقه انه (حيوان مفكر) وآفة الفكر عنده فى شيئين: (قلته، والتوائه.. وانما يلتوى الفكر اذا صاحبه الغرض). (من كتابه مشكلة الشرق الاوسط).

    والمثقف ليس الشخص الذى قرأ ودرس بل قد يكون (أميا) لكنه (يحس بالحق ويعمل به) . ولأن الحق حمال اوجه فان للاستاذ تعريفاً آخر للحر المثقف الحق وهو (الذى يفكر كما يشاء، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ثم لا تكون عاقبة فكره وقوله وعمله الا برا و خيرا بالاحياء والاشياء). (من محاضرته تعلموا كيف تصلون).

    وبمثل هذا المنطق الأريب نافح الاستاذ عن افكاره وعن هذا (المنطق) وذاك (الرجل) يقول المجذوب:

    يصاول كهان الدياجى بمنطق يدك عليهم كل زور مشيد

    (من قصيدته (الجمهورى) ديوان (المنابر) ط 1981) .

    كما يحدثنا المجذوب أيضا عن قدر الاستاذ الذي تجاهله الظُلّام:

    أبايع محمودا على الحق بيعة هي الصبر والرضوان في عقدها بدر

    لك النصر يا محمود والنور باقيا وأعطيت ما أعطى بصائرنا الفجر

    عرفنا رجالا قدرهم ليس قادرا وغيرك في السودان ليس له قدر

    (من قصيدته (فتاة رفاعة)، ديوان (الشرافة والهجرة) ط2 (1982)

    والذي يُأسى له انه، ومع هذا الاهمال، لدور مفكر ومجاهد حق، فإن ادعياء الثقافة - وبالمقابل- فى (وطننا الحزين) كثر ورزيئتنا بهم اكبر. والتواء الفكر بين قادتنا لو فتحنا له مجالا هنا لما وسعتنا كل الصحف التى صدرت اليوم فى احصائها (ناهيك عن هذه المساحة الصغيرة) فيكاد تاريخنا الحديث بمجمله أن يكون سجلا حافلا بالالتواء والحذلقة والكذب (الصراح). وتسخير القلم لاهل السلطان، وتحريف الكلم للاهواء، وتزييف الحق، وتزيين الباطل. وهذا هو ديدن الشعوب فى عصر انحطاطها الخلقى والفكرى والثقافى..

    وأولى بوادر ذلك الانحطاط (اللامبالاة الاجتماعية). فقادة الشعب قد خرجوا من صلب الشعب، والشعوب عن افعال قادتها مسؤولة، فإذا أهمل الأفراد واجبهم وفرطوا فى حقوقهم كان جزاؤهم ما يلاقونه من تغفيل، جزاءً وفاقاً.

    وبلادنا - شفاها الله - مصابة بهذا الداء وأولى سبل علاجه الاعتراف به، ثم العمل على تصحيحه بإعمال (الفكر) الجاد فى كل القضايا الفكرية والثقافية، وتفويت الفرصة على المستغلين والمتسلقين عن طريق التسلح بالجدية والصدق والشجاعة، والمواجهة الدائمة لكل أشكال التغفيل والتنطع الأجوف. ودون هذا الفناء.

    لأن البيئة التي نعيش فيها الآن تتطلب منا لكي نوائم بيننا وبينها أن نعمل فكرنا، فهذا عصر الفكر، والعلم، والعقل، والمعلومات الوفيرة.

    والتاريخ اخبرنا بفناء الحضارات والأمم، بل والكائنات، التى لم توائم بينها وبين بيئتها فعاشت على هامش التاريخ ثم خرجت منه....

    ... مأسوفا عليها.




    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512584&bk=1
                  

04-20-2008, 11:30 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كن منصفاً يا دكتور كامل
    عبدالله عبدالرحمن

    ورد في مقال د.كامل إبراهيم حسن بجريدة السوداني الغراء وفي صفحة الرأي بعدد الأحد 29 أكتوبر الجاري ما يأتي: (دعنا من التاريخ البعيد نسبياً) هل كرمت (حكوماتنا الديمقراطية) شهداء الديمقراطية المقاتلين من أجل حرية شعبنا من أمثال عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ومحمود محمد طه وقاسم أمين وبابكر النور وهاشم العطا والشريف حسين الهندي وذلك الرتل من المناضلين؟.. الخ المقال.بقدر ما اثار اعجابي ذلك المقال الذي سرد جانباً من نضال المقهورين السود في سويتو بجنوب افريقيا ضد التمييز العنصري إلا انني تعجبت ان يختتم مقاله بتناقض عجيب وعدم وفاء وتمييز - لا اقول عنصري- ولكن اقول تمييز سياسي، أما الأخيرة فقد نسى شهيدين من أجل الحرية لئن تجاهلهما الدكتور فلن يتجاهلهما الناس وأرجو ان يكتبا عند الله من الشهداء والصالحين، هما الشهيد الامام الهادي المهدي والشهيد الدكتور محمد صالح عمر اللذان قتلا أثناء وعقب مجزرة الجزيرة أبا في مارس 1970، الأول قتل بدم بارد في الحدود السودانية الأثيوبية على أيدي زبانية النظام الاستبدادي نظام مايو والثاني قتل أثناء مواجهته لقوة البطش والبغي داخل الجزيرة أبا وهي تدور بدباباتها وتضرب بغاراتها أنصار الدين والوطن وما نقموا منهم إلا انهم وقفوا ضد الانقلاب المايوي الأسود الذي جثم على صدور أهل السودان ورفع الرايات الحمراء.. رايات لينين وماركس ومن كان يقف وراء ذلك الانقلاب! انهم ما ذكر الدكتور زوراً وبهتانا أمثال عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وعضو مجلس الثورة بابكر النور وهاشم العطا اللذان لم يكتفيا بوأد الديمقراطية التي تباكى عليها د.كامل بل دبرا ونفذا انقلاب 19 يوليو الدموي وكانوا يهتفون: (سايرين.. سايرين في طريق لينين)... هل نسى الدكتور تلك الشعارات الثورية التي كانت تطالب بتصفية الرجعية والثورة المضادة وشعارات (لن تظل جامعة الخرطوم جزيرة رجعية في ظل بحر ثوري هائج)؟.هل كان انقلاب 19 يوليو (1971) وبقيادة عبدالخالق محجوب (واستثني هنا المرحوم الشفيع أحمد الشيخ الذي رفض ذلك التصرف الأهوج) هل كان من أجل الديمقراطية والحريات العامة أم من أجل نظام ديكتاتوري شمولي أحمر اللون؟ وهل نسى مجازر بيت الضيافة التي راح ضحيتها خيرة ضباط القوات المسلحة؟ولعلي اتفق مع د.كامل ان من اسوأ ما قامت به حكومة وطنية هو تكريم لبعض من أكتوى بنارهم الشعب السوداني من ظلم وفساد أمثال الديكتاتور النميري وجماعته بل وبعضهم عينوا وزراء وللمفارقة بعضهم سلك سلوكاً ضد توجهها (الحضاري) يتم تكريمه وترفيعه وهو الذي أحدث فضيحة عالمية بجلاجل في إحدى طائرات الامارات قادماً من مؤتمر اقتصادي في أقصى الشرق قبل بضعة شهور وهو بالمناسبة من أكبر سدنة مايو ذلك النظام الفاسد المفسد.



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512210&bk=1
                  

04-20-2008, 11:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    سويتـــــو SOWETO..مدينــة الثــورة والجريمـة (1-2)
    د. كامل إبراهيم حسن


    جاء الاسم من تجميع الحرفين الأولين من كل كلمة ل( مدن الجنوب الغربي - South West Townships ) ... وسويتو عبارة عن تجمع أكثر من دستة من المدن الصغيرة - أو قد يكون تسميتها بالأحياء أكثر دقة - المتشابكة ولكن غير المتشابهة بل المتباينة من حيث مستوى العمارة ودخول قاطنيها لذلك لا يمكن أن نشبهها بأحياء مدينة الثورة مثلاً ... عندما تقف في حي الطبقة الوسطى الخاص بالمحامين وأساتذة الجامعات وموظفي الدولة وتطل من علٍ على حي عمال المناجم على الطرف الآخر من الخور الكبير العميق - أو لعل كلمة الوادي هي الأفضل - الذي يفصل بينهما فالفارق واضح للعيان لا يحتاج لبراهين تثبت التفاوت البين بين ساكني الطرفين ... في الطرف الجنوبي حيث تقطن الطبقة الوسطي تجد الفلل الأنيقة متراصة بصورة أقل ما يمكن أن تصف بها أنها أنيقة وكم أعجبنا - صديقنا د. بيونق دينج مجوك والسيدة زوجتي وشخصي - بذلك الذوق الهندسي الرفيع وكيف أن هؤلاء القوم يفعلون بالطوب المحروق العجائب ... أشكال في مداخل المنازل وشكل أكثر إبداعاً في الأسوار وتفنن رائع المستوي عندما يستعمل في الزخرفة الخارجية للحيطان ... وحدائق صغيرة صغيرة ولكنها جميلة جميلة في كل منزل وشوارع مسفلتة تربط بين كل بيوت الحي ... الحي العمالي على طرف الوادي الآخر عبارة عن صناديق إسمنتية خالية تماماً من أي مظهر من مظاهر الجمال ... وقد لاحظنا - د. بيونق وأنا - وقد كانت هذه هي زيارتنا الثانية معاً لنفس المكان أنه ورغم ذلك فهنالك تغير الى الأحسن في الطرفين ولكن بوتائر مختلفة هي الأسرع في الطرف الجنوبي ولكن لاحظنا وجود القليل من السيارات وبعض النساء في الطرف الشمالي الشىء الذي كان منعدماً في زيارتنا الأولى في العام 2002 ... الشىء المشترك الوحيد هو أنك لن تجد إنساناً أبيض يسكن في أي حي من أحياء سويتو وإن قابلت أحدهم فهو إما من السياح أو عابر سبيل ضارب في مناكب الأرض ... وتفخر سويتو بأنها إحتضنت الثوار أيام النضال المتأجج والفصل العنصري العنيف إذ أن أغلبية المناضلين ضد الأبرتهيت من السود إما أنهم كانوا من سكانها الأصليين أو أنهم عاشوا فيها فترات تطول أو تقصر مختفين من قهر السلطة ... بعد إنتصار الثورة في العام 1994 فضل الكثيرون منهم العيش فيها بصورة دائمة لذلك تجد لأغلبية رموز الثورة منازل بسويتو ... ولقد زرنا المنزل الذي جاء إليه مانديلا مع ويني مانديلا عندما أُطلق سراح الزعيم من سجن جزيرة روبن وهو منزل بسيط جداً وصار يطلق عليه في ما بعد ( متحف ويني) ... ولا أدري هل ما زال يحمل هذا الإسم بعد أن حدث ما حدث بين ويني من ناحية وبين مانديلا ومن بعد مع أمبيكي بوجه خاص من الناحية الأخرى ... فالمعروف أن ويني تستمتع بجماهيرية عالية وسط الشباب وكانت تتعمد أن تأتي متأخرة الى الإحتفالات وأمعنت في هذه العادة وبشكل لافت للنظر بعد تنحي نلسون مانديلا فتُستقبل بهتافات الشباب الهادرة الشىء الذي كان يغيظ أمبيكي كثيراً ... وقد حدث أن ضرب أمبيكي ويني فأطار قبعتها الأنيقة ... البعض يقول إنها أرادت تقبيله إمعاناً في إغاظته فأراد إبعادها بظهر يده فجاءت يده على خدها دون أن يقصد ذلك والبعض الآخر يقول أن الرجل قصد ذلك ( لكن عمل روحو ما قاصد ) ... على كل حال فالعلاقة بين الزعيم والزعيمة كالعلاقة بين (الشحمة والنار) كما يقول المثل ... وقد أخبرني أحدهم أن السلطات صادرت مطاعمها المنتشرة في مدينة سويتو بحجة عدم دفعها للضرائب المقررة عليها بينما يقول مؤيدوها أن هذا كذب صراح بل تم ما تم لمعاداة أمبيكي لها والله أعلم أين تكمن الحقيقة ...

    العواجيز من جيلنا لابد يتذكرون مجزرة سويتو والتي إرتكبتها سلطات الفصل العنصري عندما خرج المواطنون في مظاهرة سلمية فتصدى لها البوليس بصورة فظة أدت الى مقتل المئات ... ومن سويتو إندلعت الشرارة الأولي للثورة ومنها كان أول شهيد من شهداء الحركة الطلابية هيكتور روبتسون التلميذ في المدرسة الثانوية في يوم 16 يونيو للعام 1967 ... عندما زرنا سويتو مع الأخ د. بيونج دينق مجوك وطالب الدكتوراة آنذاك والأستاذ بجامعة ( جنوب أفريقيا - University of South Africa ) الآن د. جون قاي وشخصي وقفنا عند النصب التذكاري للطالب المذكور وقد أخبرنا احد المواطنين أن متحفاً سيقوم في هذا المكان وسيفتتح في يوم 16 / 6 / 2002 لم أصدق أن يكتمل بناء متحفٍ في هذه المدة الوجيزة فنحن في شهر فبراير ... عدت هذه السنة 2006 لأجد تحفة أثرية رائعة فالمتحف مبني على شكل جناحي طائر وكأنه يقول للعالم سنطير ونحلق عالياً فشكراً لهؤلاء الذين ضحوا بحياتهم ليحققوا لنا الإستقلال ويعلنوا ضربة البداية في مسيرة الحرية والتنمية لشعبنا .... كل الأحداث الخاصة بمشاركات الطلاب في المعركة ضد الفصل العنصري مصورة مع تعليق كامل يصف الحدث أو كأفلام مع التعليق الواصف لما جرى ... قضينا أكثر من أربع ساعات في المتحف ولم نستطع أن نقتلع السيدة زوجتي منه إلا بعد أن نبهها بيونج ألا تنسي أنه دعا الكثيرين من السودانيين للعشاء في منزله إحتفاءً بنا ... عندها خرجت زوجتي مضطرة وقالت : أنا أحب زيارة المتاحف وقد زرت الكثير في دول أوربية عديدة ولكن أعترف بأنني لم أزر متحفاً حسن التنظيم بمستوي هذا المتحف .س

    وقتها تذكرت رثاء شاعرنا محمد المكي لرفيق آخر من رفاق هيكتور ... لم يكن من سويتو بل من قرية القراصة بالنيل الأبيض ولكنه كزميله مات ضحية الجبروت وفي معركة ضد الظلم ... إسمه القرشي ... يقول الشاعر :



    وكانت في قريته الذرة

    مثقلة الأعواد بالثمار

    والقطن في حقولها منّور

    ولوزه نضار

    وكان في العشرين لم ير

    ألفاً من الشموس مقبلة

    ولم يعش هناءة الزفاف

    ولم يكن في فمه أكثر من هتاف



    ولم يكن في يده أكثر من حجر

    وكان في المقدمة

    على خطوط النار والخطر

    فجندلوه بالرصاص دامياً منتفضا

    وفي كف صحبه قضي



    تعطر الثري بدمه واختلج التراب

    أجفل صبح قادم وشاب

    وقف شَعر النجم والأجنّة

    هبت عليه بالرضا رياح الجنة

    تصاهلت خيول المركبة

    وإصطفقت أجنحتها المرحبة

    وهكذا

    على وسادة من الريش الوثير

    تصاعدت الى السماء روحه الزكية

    الى النعيم بطلاً وثائرا

    وقائداً رعيل الشهدا

    ورمز إيمان جديد بالفدا

    وبالوطن .



    ولا يهتم القوم هنا بالصفحات البيضاء من تاريخهم فقط ولكن حتى تلك الحالكة السواد لا تُهمل بل يحافظون عليها لتبقي درساً وموعظة لشباب المستقبل ... عندما إقترح بعض المناضلين ضد فترة الفصل العنصري إزالة تماثيل رموز فترة الإستعمار إعترض مانديلا قائلاً : هذا هو تاريخنا بكل نجاحاته وإخفاقاته ... أتركوا التماثيل لتلعن مع شروق كل شمس وغروبها الظلم والمستعبدين ولتعلم الأجيال القادمة قباحة الإستعمار وجمال الحرية ... عندها تذكرت تمثالي غردون وكتشنر ... وبالمناسبة كتشنر معروف في جنوب أفريقيا بأفعال لا تقل سواداً عن أفعاله في السودان فهو المهندس ومنفذ خطة الأرض المحروقة في حربه ضد البوير ... وقد زرنا ( مل روز هاوس - Mil Rose House ) ببريتوريا حيث وقع كتشنر مندوباً من حكومة بريطانيا إتفاقية وقف الحرب مع البوير في حجرة في هذا القصر المنيف حيث كان يقيم ...

    في طريق العودة قلت للصديق بيونج : إنظر كيف تكرم جنوب أفريقيا أبناءها البررة ... أما نحن في السودان فشيمتنا الجحود ... كم من شباب اليوم قد سمع بثورة النوير ضد المستعمر ؟ كم منهم يعرف ولو القليل عن تمرد الحلاويين أو عبد القادر ود حبوبة ؟ كم من شباب العاصمة القومية يعرف أين تقع أم دبيكرات دع عنك أن يكون قد زار ضريح ( أبو عثمان خليفة المهدي عبدالله ود تور شين ) ... دعنا من التاريخ البعيد نسيباً هل كرمت حكوماتنا ( الديموقراطية ) شهداء الديموقراطية المقاتلين من أجل حرية شعبنا من أمثال عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ومحمود محمد طه وقاسم أمين وبابكر النور وهاشم العطا والشريف حسين الهندي وذلك الرتل من المناضلين؟ لم يكرم أي من هؤلاء المناضلين الذين ذكرناهم والذين لم يتسع المجال لذكرهم ... ولكن حكوماتنا (الوطنية ) تكرم القتلة والمجرمين وتصرف على (مدوعلتهم) من أموال الشعب الذي إكتوى بنيران ظلمهم من أمثال الديكتاتور النميري وجماعته بل وبعضهم عينوا كوزراء ... فيا للمفارقة ويا لسخرية القدر ولك أن تتعجب ما شاء الله لك ذلك ...

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512154&bk=1
                  

04-20-2008, 11:33 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الحزب السياسي السوداني (3) تضاريس الحزبيـــة علــى جـــدار الواقـــع الســـوداني: اضعاف القبلية صاحبها نشأة وتطور طائفتي الختمية والأنصار
    تعارف الناس في السودان على تقسيم الحزب السياسي إلى نوعين... نوع يطلق عليه حزب تقليدي وآخر عقائدي. ولم يعرف السودان الأحزاب السياسية إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وقبل ذلك، وفي إطار الحكم الثنائي الاستعماري نشطت وبرزت تنظيمات عسكرية واجتماعية معظمها ذات نشاط سري وكان الهدف منها هو مقاومة الاحتلال مثل المقاومة المسلحة في جنوب البلاد والتي تواصلت حتى نهاية عقد العشرينات ومقاومة دارفور حتى موقعة (برنجيه) في عام 1917 ثم الثورة التي قادتها جمعية اللواء الابيض بالخرطوم عام 1924 وقبل ذلك ثورة الحلاوين بالجزيرة بقيادة عبد القادر ود حبوبة. كما احتاج الشرق إلى وقت طويل لإخضاعه لحكم الاستعمار بعد أسر الأمير عثمان دقنة.

    وبدأت الحركة الوطنية في التطور على أساس انهاء الاحتلال متأثرة بالظروف الإقليمية والعالمية.

    وفي عام 1938 تم إنشاء مؤتمر الخريجين العام برئاسة المرحوم ابراهيم أحمد وسكرتارية الزعيم اسماعيل الأزهري.

    إعداد: الفاتح عباس

    الزعامات تأتي عبر الوراثة والمصاهرة.... والمهمشون بها (خميرة عكننة)

    × الأحزاب السياسية السودانية:

    تأسيس مؤتمر الخريجين، كان ايذانا ببداية التنظيمات السلمية بهدف مقاومة المستعمرين وقد أفرزت الحرب العالمية الثانية ظروفاً جديدة ساهمت في تطوير الحركات الوطنية بالسودان وفي مختلف الأقطار ثم الاعتراف بحق تقرير المصير للشعوب المستعمرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ولكن تم تنفيذه عملياً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أدى قيام الأمم المتحدة إلى دعم حق تقرير المصير واستفاد السودان من هذه الظروف خاصة وان قواته المسلحة (قوة دفاع السودان) ساهمت في صد الفاشية والنازية ووجد تنافس بين دولتي الحكم الثنائي لاستقطاب المتعلمين وقادة الرأي وزعماء الطوائف والعشائر.

    د.عمر محمد علي في ورقته بعنوان (تحديات الإصلاح الحزبي في التحول الديمقراطي بالسودان) يقول: الظروف والمناخ الاجتماعي والسياسي الذي اعقب الحرب العالمية الثانية بدأت القبلية تضعف لصالح الطائفية فالحكم الاستعماري المستند على مبدأ فرق تسد باحياء النعرة القبلية وتوظيفها صاحبها نشأة وتطور طائفتي الختمية والأنصار منذ الحكم التركي المصري (1821-1885) ثم ظهور الطوائف الدينية الأخرى. ولكن الحكم الاستعماري ابرز أيضاً مشكلة الجنوب في محاولاته المستمرة لفصل الجنوب، حتى أصبح الجنوب أحد المسببات الأساسية لعدم الاستقرار السياسي في السودان بعد الاستقلال وحتى الآن ومنذ اندلاع العنف بتوريت في عام .1955 ومع ضعف الوعي القومي وأحياء النعرة القبلية وتطوير الطائفية وظهور قضية الجنوب واستقطاب دولتي الحكم الثنائي تم تهميش دور المتعلمين، لذلك عندما نشأت الأحزاب بعد عام 1945 لم يجد المتعلمون بداً من حل مؤتمر الخريجين ثم الانضمام إلى كافة أنواع الأحزاب.

    × حزب تقليدي .. وآخر عقائدي

    × الأحزاب التقليدية:

    × حزب الأمة:

    نشأ حزب الأمة في عام 1945 بدعم طائفة الأنصار بقيادة أسرة الامام محمد أحمد المهدي وعلى وجه الخصوص الأمام عبد الرحمن المهدي هدفه تحقيق الاستقلال ومناطق نفوذه في وسط وغرب السودان.

    × حزب الاشقاء وحزب وحدة وادي النيل:

    نشأت هذه الأحزاب في عام 1945 بدعم طائفة الختمية وبقيادة الأسرة الميرغنية وعلى وجه الخصوص السيد علي الميرغني وكان من أهدافها تحقيق وحدة وادي النيل مع مصر. ومناطق نفوذها في شمال وشرق السودان. أما حزب وحدة وادي النيل فأنشاه بعض المتعلمين ومنطقة نفوذه الاساسية الخرطوم.

    × الأحزاب العقائدية الرئيسية:

    × الأخوان المسلمون:

    انشأوا تنظيمهم في نهاية الأربعينات وقد تأثر تنظيمهم بتنظيم الأخوان المسلمين في مصر بقيادة (حسن البنا) انشأه صفوة من المتعلمين هدفهم تحكيم الشريعة الإسلامية ومنطقة نفوذهم الأساسية هي الخرطوم.

    × الحزب الشيوعي السوداني:

    أنشأه نخبة من المتعلمين والنقابيين السودانيين الذين تلقى معظمهم تعليماً أو تدريباً بالاتحاد السوفيتي وشرق اوربا ومصر. هدفهم تحقيق الاشتراكية ومناطق نفوذهم الأساسية الخرطوم وعطبرة حيث توجد رئاسة سكك حديد السودان، ومدني حيث توجد رئاسة مشروع الجزيرة وبورتسودان الميناء البحري الوحيد بالسودان آنذاك.

    × الحزب الجمهوري:

    انشأه المرحوم الشهيد محمود محمد طه على أساس فكري وبتوجه إسلامي تضم عضويته مجموعة من المتعلمين خاصة من الخرطوم والجزيرة... الهدف هو نشر الفكر الجمهوري.

    × حزب البعث العربي:

    انشأه بعض المتعلمين مؤخراً تأثراً بأفكار الوحدة العربية التي بثتها بقوة أحزاب البعث في سوريا والعراق. منطقة النفوذ الرئيسية هي الخرطوم.

    × الأحزاب الإقليمية الرئيسية:

    1- جبهة الجنوب:

    أنشأها بعض المتعلمين من جنوب السودان بغرض تنمية الجنوب وتحقيق حكم اتحادي فيه... يتركز نشاطه السياسي بجنوب السودان وفي أوساط أبناء الجنوب بالشمال، قيامه يعكس فشل الأحزاب التقليدية في استقطاب عدد كبير من أبناء الجنوب فيها وعدم الثقة في منح الجنوب حكماً اتحادياً مراعاة لخصوصياته إضافة إلى استمرار التدخل الخارجي ومعظم قادتها من من تلقوا تعليمهم في مدارس الكنائس داخل وخارج السودان.

    2- جبهة البجا:

    أنشأها بعض المتعلمين من أبناء البحر الأحمر لشعورهم بأن حزب الأشقاء، فيما بعد الاتحادي الديمقراطي، لا يلبي طموحهم في تحقيق تنمية مناسبة في مناطق الشرق.

    3- اتحاد جبال النوبة

    أنشأه بعض المتعلمين من أبناء جبال النوبة بغرض العمل على تنمية منطقتهم لشعورهم بأنها مهمشة من قبل الحكومات والأحزاب الأخرى وقد برز هذا التنظيم في منتصف الستينيات.

    4- حزب سانو

    أنشأه بعض المتعلمين من أبناء جنوب السودان في كنشاسا بالكنغو بعد ازدياد حالة العنف في مطلع الستينيات بالجنوب.. الهدف هو حل قضية الجنوب بالوسائل السياسية، وبعد هذا العرض التاريخي لنشأة الأحزاب السياسية (العقائدية والتقليدية) بالسودان يقول د.عمر محمد علي في ورقته (تحديات الإصلاح الحزبي في التحول الديمقراطي بالسودان).

    × يتضح من ذلك:

    (أ) ان الهدف الرئيسي للأحزاب السياسية قبل الاستقلال كان تحقيق الاستقلال أو وحدة وادي النيل لذلك نشأت الجبهة الاستقلالية بقيادة حزب الأمة داعية لاستقلال السودان عن مصر وبريطانيا، وقد شاركت في هذه الجبهة أحزاب عقائدية كالحزب الشيوعي السوداني (الجبهة المعادية للاستعمار) والأخوان المسلمين والحزب الجمهوري، كما نشأت كتلة اتحادية بقيادة حزب الأشقاء شاركت فيها أحزاب أخرى داعية إلى وحدة وادي النيل مع مصر.

    (ب) ولكن بعد الاستقلال لم تكن هناك برامج واضحة لحكم البلاد فبدأ الصراع حول السلطة واهملت التنمية كما بدأ العنف يتصاعد في الجنوب.. وبذلك فقد برزت قضايا جديدة.

    1- الحاجة إلى دستور.

    2- الحاجة إلى حل مشكلة الجنوب.

    3- الحاجة إلى تنمية.

    وبما ان الأحزاب بسبب الصراعات السياسية والشخصية لم تتمكن من تحقيق انجازات تذكر بالفترة الزمنية منذ الاستقلال حتى أول يناير 1956 وحتى 30 يونيو 1989 فقد بدأت دورة عدم الاستقرار بتعدد الأنظمة والحكومات غير المستقرة على النحو التالي:

    1- حكم ذاتي (53-1955) بزعامة الحزب الوطني الاتحادي (الأشقاء سابقاً).

    2- الديمقراطية الأولى (56-1958) بزعامة حزب الأمة - حكومة ائتلافية.

    3- الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق ابراهيم عبود (58-1964).

    4- الديمقراطية الثانية (64-1969) حكومة انتقالية (سر الختم الخليفة) وحكومات ائتلافية غير مستقرة بزعامة حزب الأمة تارة المرحوم محمد أحمد محجوب وأخرى الصادق المهدي.

    5- الحكم العسكري الثاني بقيادة المشير (العقيد آنذاك) جعفر محمد نميري (1969-1985).

    6- الديمقراطية الثالثة (85-1989) حكومات غير مستقرة (المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيسا ود.الجزولي دفع الله رئيسا لمجلس الوزراء) ثم ائتلافية بزعامة حزب الأمة وبقيادة السيد الصادق المهدي.

    7- الحكم العسكري الثالث 1989-وحتى الآن بقيادة المشير عمر حسن البشير (العميد آنذاك) وبنفوذ الجبهة الإسلامية القومية.

    هذه الحالة الحادة من عدم الاستقرار السياسي، وعلماً بأن كل نظام حكم مدنياً أو عسكرياً لم يكن مستقراً من خلال فتراته الزمنية، يعكس امراضاً خطيرة اصيبت بها الأحزاب السودانية وأثرت على كيان الدولة وقوتها ويمكن تلخيص هذه الأمراض فيما يأتي:

    × أولاً الصراع حول السلطة

    أصبح هدفاً للأحزاب والقيادات مما أدى إلى كوارث إنسانية وتبديد الوقت واهمال التنمية.

    × ثانياً الانقسامات

    جميع الأحزاب التقليدية والعقائدية والإقليمية تعرضت إلى الانقسام ومازالت. الأشقاء تطور إلى وطني واتحادي ثم انقسم بعد الاستقلال إلى وطني اتحادي وشعب ديمقراطي، اتحد مرة أخرى في اتحادي ديمقراطي ووطني اتحادي في منتصف الثمانينات وبعد 1989 انقسم إلى عدة أحزاب: جناح الميرغني وجناح الهندي وغيره.

    الأمة أيضاً تعرض إلى الانقسامات: جناح الأمام الهادي وجناح الصادق المهدي في منتصف الستينات وبعد 1989 انقسم إلى امة قومي وأمة إصلاح وتجديد بقيادة مبارك الفاضل المهدي ثم أجنحة أخرى.

    الحزب الشيوعي انقسم أيضاً: سوفيتي بقيادة الشهيد عبد الخالق محجوب وصيني بقيادة الشامي ثم جناح عبد الخالق محجوب ومعاوية ثم مذبحة قادة الحزب في يوليو 1971 وانهيار الاتحاد السوفيتي مما أدى إلى اضعاف نفوذه:

    الأخوان المسلمين طوروا أنفسهم إلى جبهة ميثاق إسلامي في الستينات ثم جبهة إسلامية قومية في الثمانينات ولكنها سرعان ما بدأت تتصدع، تفرقت الجبهة إلى اخوان مسلمين وأنصار سنة وجبهة إسلامية، وانقسمت الجبهة الإسلامية إلى مؤتمر وطني ومؤتمر شعبي.

    كذلك انقسمت احزاب الجنوب وكثرت الخلافات في جبهة الجنوب وانقسم (سانو) من البداية إلى جناح (اقري جادين) العسكري وجناح (وليم دينق) السياسي ثم تطورت الانقسامات.

    وحتى حزب البعث انقسم إلى سوري وعراقي وظل نشاطه محدودا بالخرطوم.

    × احتكار قيادة الأحزاب السياسية

    يرى د.عمر محمد علي ان آفة الأحزاب السياسية السودانية تتمركز في (الانفراد) بزعامة الحزب السياسي إلى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً ويقول ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها محدودة ولعل أولى المعوقات ان القيادة تتم بالوراثة أو تستمر لعدة عقود دون انتخاب حقيقي في كل الأنواع، اما الأحزاب التقليدية تهيمن عليها بالوراثة اسرتا المهدي واليمرغني الأمة والاتحادي وتشمل زعامة الطائفة ورئاسة الحزب ورئاسة السلطة التنفيذية وقد أدى ذلك إلى تهميش المتعلمين خاصة الذين لا يرتبطون بصلة القربى أو المصاهرة باحدى الأسرتين. يتجه بعضهم للابتعاد عن المشاركة في العمل العام بينما يتجه البعض الآخر للمشاركة في الأحزاب العقائدية. ويظل الحزبان واحزاب الجنوب تعتمد على قواعد شعبية عريضة لكنها تتمتع بتدنٍ شديد في الوعي وعدم تقديم خدمات تعليمية أو علاجية او تنموية لمناطقهم، ويمثل ضعف الخدمات والتنمية في مناطق نفوذ الأحزاب التقليدية ثغرات مناسبة لاختراق الأحزاب العقائدية والأنظمة الشمولية، وفي الأحزاب العقائدية أيضاً تستمر القيادات لفترة طويلة مثال ذلك قيادة الشهيد عبد الخالق محجوب للحزب الشيوعي منذ تأسيسه ثم محمد ابراهيم نقد منذ عام 1971 وحتى الآن. وتولى قيادة الجبهة الإسلامية د.حسن الترابي لعدة عقود من الزمان، وتولى الشهيد محمود محمد طه تأسيس وقيادة الحزب الجمهوري حتى وفاته!!

    × الأحزاب السياسية وضعف الممارسة الانتخابية

    تناول د.عمر محمد علي الحصيلة النهائية للانتخابات التي جرت بالسودان منذ عام 1953 مع ملاحظة بعض السمات والمؤشرات المهمة التي أشار إليها ومنها ان بعض ممارسات الأحزاب التقليدية ضد الأحزاب العقائدية قد شجع الأخيرة على اللجوء إلى العنف وتشجيع الانقلابات العسكرية. في عام 1966 تم حل الحزب الشيوعي وحظر نشاطه والاعتداء على مقره بالخرطوم بقرارات عشوائية من السلطة التنفيذية وبتحريض لبعض القواعد الشعبية. وعندما نجح الحزب الشيوعي في اصدار قرار من المحكمة العليا بعدم قانونية ما اتخذ ضده لم تطبق السلطة التنفيذية القرار وكان ذلك بمثابة تمهيد لانقلاب مايو 1969 الذي شارك فيه الشيوعيون. وفي انتخابات 1986 تحالف حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي على اسقاط د.حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية (بدائرة الصحافة) في الخرطوم وكان ذلك أحد الأسباب التي مهدت للتغيير العسكري في 30 يونيو 1989 والذي شاركت فيه الجبهة الإسلامية القومية ثم تطورت المشاركة إلى احتكار السلطة باسم حزب المؤتمر الوطني.

    × الأحزاب الجهوية

    يشير د.عمر إلى ان أحزاب الجنوب تفرغت للنشاط السياسي الإقليمي ولم تتمكن من اثبات قوميتها، انتهت الحرب الأهلية الأولى بتوقيع اتفاقية أديس ابابا عام 1972 بين (النميري) والانانيا بقيادة اللواء جوزيف لاقو ولكن في عام 1982 تكونت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د.جون قرنق واستمرت الحرب حتى عام 2005 حيث تم التوقيع على اتفاق سلام نيفاشا ولكنه سلام مهدد بخيار الانفصال وباستمرار التدخل الخارجي وبالحاجة إلى إعادة البناء والتعمير خاصة بعد وفاة د.جون قرنق المفاجئة.

    كذلك نشطت جبهات عسكرية جديدة بدارفور وجبال النوبة والانقسنا وشرق السودان باعتبارها مناطق مهمشة واصبحت لها كيانات سياسية تمثلها وقد ساعد على اذكاء نار الحرب طمع الأجانب في الموارد الاستراتيجية المكتشفة في هذه المناطق، إضافة إلى عدم الإدارة السليمة لحل الخلافات والنزاعات بالوسائل السلمية داخل البلاد، وهي جميعاً تسعى للمشاركة في السلطة والثروة في غياب الانتخابات العامة وامام خطر التدخل الخارجي الماثل بدواعي الكوارث الإنسانية وخروقات حقوق الإنسان.

    × السلطة القضائية... والسلطة الرابعة

    لم تستبعد (الورقة) تأثير السلطة القضائية سلباً في ظروف الديمقراطية والشمولية ففقدت كفاءات مدربة ونزيهة وبالتالي فإن النظام الديمقراطي، الذي يعترف بالعدل كأحد أركانه الرئيسية قد اهتز كثيراً. وبذلك فقد فتح المجال امام كافة الممارسات غير القانونية لاسترداد الحقوق بما في ذلك اللجوء إلى استخدام العنف سواء من جانب الحكام أو المحكومين.

    × الصحافة ووسائل الإعلام

    في ايجاز يقول د.عمر (تعتبر الصحافة واجهزة الإعلام الأخرى بمثابة السلطة الرابعة في أية دولة، فاذا ضعفت .. ضعفت الديمقراطية.. وتضعف السلطة الرابعة التي تعكس هموم الشعب وتنتقد موضوعياً الأداء الضعيف للسلطات الأخرى بسبب عدة عوامل منها: غياب الحرية وضعف الكفاءات الإعلامية وعدم التأثير على قطاعات كبيرة من السكان لسبب الأمية أو عدم المصداقية او الصعوبات الفنية... وقوة السلطة الرابعة تعتبر قوة للدولة رغم ذلك لم تجد الاهتمام المطلوب وقد عجزت العديد من الأحزاب في اصدار صحفها في اوقات الديمقراطية كما احتكرت أحزاب أخرى الصحف وأجهزة الإعلام الأخرى في اوقات الشمولية.

    بانوراما الأحزاب السياسية السودانية وتقاطع مفاصلها مع كل مفصل اكثر سواداً وتشاؤماً لم تمنع الورقة في ان تستعير مقولة محمد أحمد محجوب الواردة في كتاب الديمقراطية في الميزان والقائلة (ان الديمقراطية وحدها قادرة على تأمين الظروف التي يبلغ فيها السياسيون مستوى رجال الدولة بعد الخبرة الطويلة التي يكتسبونها خلال سنوات طويلة في المناصب. أما في النظام الذي هو أقل من ديمقراطي فالمصلحة الشخصية والطموح يصبحان الوسيلة الوحيدة للمحافظة على المناصب، بدلاً من الاعتماد على اقرار الناخبين وموافقتهم على السياسة التي تكون في مصلحة البلد).

    وتواصل (السوداني) استعراض الحزب السياسي السوداني عشية التحول الديمقراطي المرتقب.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147511141&bk=1
                  

04-20-2008, 11:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اتخاذ القرار داخل الأحزاب السياسية السودانية
    علي محمد عطية مدني

    لمعالجة جوهر هذا الموضوع لا بد من هذه التوطئة التي أحاول فيها بيان المنهج الذي اتبعته لكتابة هذا المقال السردي التحليلي ثم أحاول رسم إطار عام لتفاصيل صورة المقال السردي التحليلي عل ذلك يعتبر فاتحة شهية لمعرفة تفاصيل الصورة المراد تبيانها.

    فالمنهج الذي اتبعته في كتابة هذا البحث هو المنهج السردي التحليلي الجانح للاسلوب العلمي وهناك صعاب جمة تحول دون التقيد التام بهذا المنهج رغم توافر المراجع الكثيرة والمتعددة باللغتين العربية والانجليزية والمقالات العلمية رفيعة المستوى بالدوريات العلمية والثقافية والوطنية والإقليمية فكتابة مقال سردي تحليلي رصين يسبر غور هذه القضية وكما سبق وأشرت تعتريه صعوبات جمة نسبة لأن ما كتبه فيه الكتاب السودانيون الوطنيون اثر عليه الصراع الحزبي الضيق وتباينت فيه وجهات النظر، عدا كتابات أكاديمية رفيعة المستوى ومحايدة لأكاديميين سودانيين مثل كتابات المرحوم البروفيسور محمد عمر بشير وترجمات لكتاب إداريين ومهنيين بريطانيين رغم تحفظ البعض عما ورد في بعضها.

    علي محمد عطية مدني

    اهم القرارات التاريخية للاحزاب اعلان الاستقلال داخل البرلمان

    هذا هو الطريق للاصلاح السياسي

    جانب من مفاوضات الشرق

    وهناك أيضاً كتابات بعض الاخوة المصريين عن سياسات السودان وأحزابه والتي ايضاً لا يخلو معظمها من نظرات استعلائية أو اختزال للحقائق، أو لجنوح بعضها لتحقيق أهداف ومرامٍ سياسية معينة.

    لكن رغم كل ذلك سنجنح للعملية وفقاً للرؤى الأكاديمية عن القرار السياسي وصنعه واتخاذه وتأثيراته وعواقبه.

    اما الإطار العام للصورة المراد تبيانها فحصرناه في ثلاثة محاور وملحق واحد يتناول المحور الأول ـ لمحة خاطفة عن الأحزاب السياسية السودانية تكوينها وأهدافها وبرامجها وصنع القرار السياسي فيها.

    والمحور الثاني يتطرق لأهم القرارات السياسية المفصلية لبعض هذه الأحزاب والتي كان لها الأثر في تطورات الأوضاع السياسية بالبلاد.

    أما المحور الثالث فيتناول ملخص المقال أو ختام المقال كما درج على تسميته معظم كتاب البحوث والمقالات العلمية.

    اما الملحق فخصصناه لمرجعيات هذا البحث من كتب ومقالات ودوريات فذيلنا به بحثنا دعماً للنهج العلمي الأكاديمي المتبع في هذا الشأن.

    المحور الأول:

    لمحة خاطفة عن الأحزاب السياسية السودانية

    تكوينها واهدافها وبرامجها وصنع القرار السياسي فيها.

    ظهرت الأحزاب السياسية السودانية ـ خاصة التقليدية ـ مرتبطة بأبرز طائفتين دينيتين هما طائفتا الأنصار والختمية. فطائفة الأنصار مؤيدو الإمام المهدي شكلوا (حزب الأمة) وطائفة الختمية بزعامة مولانا السيد/ علي الميرغني شكلوا الأحزاب الاتحادية وكانت عدة أحزاب تطورت واندملت مشكلة الحزب الاتحادي الديمقراطي الحالي والأحزاب الاتحادية الأخرى المنشقة منهم)، وهناك أحزاب جهوية مثل (مؤتمر البجا 1957م) وجبهة ( نهضة دارفور) و(سوني بغرب السودان) وأحزاب الجنوب مثل (جبهة الجنوب) و(حزب سانو) وأحزاب جنوبية أخرى و(إتحاد جبال النوبة) و( الحزب الجمهوري الإشتراكي) الذي أسسه الإنجليز من كبار زعماء العشائر ورجالات الإدارة الأهلية نكاية للحزبين التقليديين ( الامة والإتحادي) وخاصة حزب الأمة بعد بروز خلافات بينه وبين الإنجليز إلا ان هذا الجزب قد إختفى عقب إنتخابات الحكم الذاتي عام 1953م ورجع كثير من قاداته للحزب الأصلي الذي أنشقوا منه وهو حزب الأمة.

    وهناك الحزب الجمهوري الذي يدعو للتجديد الإسلامي والذي أعدم مؤسسه وقائده الأستاذ/ محمود محمد طه عشية نهاية فترة حكم نميري.

    وتلى ذلك ظهور أحزاب عقائدية ( الجبهة المعادية للاستعمار) التي تحولت للحزب الشيوعي السوداني فيما بعد و( الحركة الإسلامية بمسمياتها المختلفة ـ جبهة الميثاق الإسلامي ـ الجبهة القومية الإسلامية ـ المؤتمر الوطني ـ المؤتمر الشعبي) وهناك احزاب ذات اثر ضعيف مثل أحزاب ( حزب البعث) سواء كان منتمياً لسوريا أوللعراق.

    والحزبان الكبيران المسنودان بسند طائفي كان لهما سند شعبي وجماهيري كبير اتى هذا السند ليس لقوتهما التنظيمية أو اداؤهما لكن الظرف الدولي والإقليمي عند مولدهما ساعدهما على تكوين هذه الشعبية حيث بوادر إنتهاء الحرب العالمية الثانية وإتساع نطاق حركات التحرر العالمية وبروز القطبين الدوليين ووعود الدول الإستعمارية خاصة بريطانيا وفرنسا بإعطاء حق تقرير المصير لشعوب البلدان المستعمرة أضف إلى ذلك الشخصيات القيادية لكل الحزبين آنذاك كانت شخصيات فذة ذكية وشخصيات ملهمة( كارازمية) إستطاعت حشد الجماهير حولها أضف إلى ذلك أن السياسة الإستعمارية( البريطانية بالتحديد) ساعدت على خلق الطائفتين كقوى مالية وذلك بإقطاعها الإقطاعات الضخمة من الأراضي بالمدن المهمة والأراضي الزراعية الخصبة وسهلت لهما العمل التجاري والمالي والإستثماري ( دائرة الميرغني ـ دائرة المهدي) ونظرة الإستعمار في ذلك هي المساعدة لبقائه بالبلاد أكبر فترة ممكنة وذلك بشق وحدة الصف الوطني السودان فخلق بذور الخلاف والضغائن والإحن بين الطائفتين وإنعكس ذلك على الحزبين اللذين يمثلان هاتين الطائفتين.

    وبما أن الحزبين الرئيسيين قد تكونا وإستويا على سوقيهما عشية نضج الحركة الوطنية معززة بحركات التحرر الوطني لتقرير المصير وتحقيق الإستقلال فإن الهياكل التنظيمية لهذه الأحزاب وشؤونها الإدارية(خاصة الأحزاب التقليدية) لم تكن بالمستوى الذي يتلاءم وجماهيرية وشعبية تلكم الأحزاب وإنعكس ذلك على آلية صنع القرار السياسي بتلكم الأحزاب ولايفوتنا ان نشير إلى ان الهياكل الإدارية والتنظيمية للأحزاب العقائدية ( الشيوعي والحركة الإسلامية) تميزت بالقوة والتسلسل الهرمي ووجود اللوائح رغم ان القرار السياسي بداخلها يتبلور في النهاية بيد الرجل الأول والملتفين حوله كماهو موجود وممارس بصورة أكثر وضوحاً بالأحزاب التقليدية.

    ومن المؤثرات الجديرة بالملاحظة ان القرار السياسي بتلكم الأحزاب ( التقليدية) تأثر بالشللية واحياناً بالعاطفة، وإتسم بالسرعة وبعدم إجراء الدراسات المتأنية، ويمكن القول وانه وفقاً لطبيعة تكوين المجتمع السوداني وإرثه الحضاري والإجتماعي خاصة وانه مجتمع تقليدي رعوي زراعي، تسود فيه شخصية القائد التقليدي الواحد( ناظر ـ عمدة ـ شرتاي ـ مك) فإن ذلك إنعكس على إستحواذ رئيس الحزب أو زعيمه على حسم الموضوعات الكبرى والقرارات المفصلية بنفسه.

    وحيث أن الأحزاب ـ خاصة الكبرى كان همها الحصول على أكبر عدد من المقاعد بالبرلمان جرياً وراء كراسي الحكم لذا فإن نشاطها كان يدور عشية معركة الإنتخابات وإتسمت قراراتها السياسية في تلكم الفترة بالعجلة وفقدان البعد الديمقراطي وعدم قبول السماع للرأي الآخر ووضح جلياً ذلك في قرارات الفصل لكوادر قيادية وتزكية أفراد بعيدين عن السند والتأييد الشعبي للتشريح فقط لأن زعيم الحزب أو رئيسه أو بعضاً من المقربين إليه يفضلون ذلك الشخص.

    لم تسلم الأحزاب العقائدية من الضيق بالرأي الآخر داخل أحزابها وحسم الخلافات بالفصل وهناك تاريخ حافل لذلك بالحزب الشيوعي السوداني وبالجبهة الإسلامية بكافة مسمياتها مما سنتعرض له لاحقاً.

    والملاحظة الإجمالية العامة للممارسات السياسية للاحزاب السياسية السودانية فقدان الديمقراطية الحقيقية داخلها وإحتكار القيادة وعدم عقد مؤتمراتها الدورية بكشل منتظم بل إن بعضها لم يعقد مؤتمره العام لحوالي عقدين أو ثلاثة عقود إذا إستثنينا من ذلك بشكل غير مخل حزب الأمة القومي بشكله الجديد ( فترة الديمقراطية الثالثة بالسودان) والتي كان له فيها أغلب المقاعد بالبرلمان قبل إستيلاء الإنقاذيين على السلطة في 30يونيو 1989م.

    المحور الثاني:

    أهم القرارات السياسية المفصلية للأحزاب السياسية السودانية اتخذته قيادات الحزبين التقليديين الكبيرين (الأمة والاتحادي الديمقراطي) ، وهناك قرارات سياسية مفصلية للأحزاب العقائدية سنتطرق لها في حينها.

    القرار السياسي التاريخي الذي وثقه التاريخ السياسي الحديث بالسودان هو قرار إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في يوم الأثنين19 ديسمبر 1955م والذي تم التشاور والإتفاق فيه بين الحزبين الكبيرين الإتحادي والامة وبقية القوى السياسية الأخرى والذي تم إعلانه في الجلسة التاريخية التي أشرنا إليها والتي توجت بإستقلال السودان في الأول من يناير1956م.

    وهناك قرارات سياسية إتخذتها الأحزاب وحكومتها الحزبية بتبني دعم حركات التحرر الوطني الافريقي والعالم العربي.

    والقرارات السياسية التي أقرت ان يكون السودان أحد مؤسسي حركة عدم الإنحياز واشتراكه الفعلي في مؤتمر باندونق المشهور بإندونيسيا كأحد المؤسسين الفاعلين فيه.

    ثم كانت قرارات الأحزاب السياسية بمقاطعة ومعارضة الحكم العسكري الأول بقيادة المرحوم الفريق إبراهيم عبود(17 نوفمبر 1958م ـ 20 أكتوبر1964م) وما لاقاه قادة الأحزاب من سجون ومطاردات ثم أتت فترة الديمقراطية الثانية من أكتوبر 1964م في 25 مايو 1956م التي إنشغلت فيها الأحزاب بالصراعات السياسية وإتسعت فيها الأعمال الحزبية الضيقة. ونلاحظ أن أهم القرارات طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان التي إتفقت عليه الأحزاب التقليدية والحركة الإسلامية ثم إتسعت دائرة نطاق الصراعات الحزبية ، فلجأ الحزب الإتحادي الديمقراطي بخطة محكمة بحل الجمعية التأسيسية بدعوى إستقالة ثلثين من أعضائها، ولهث حزب الأمة لإعادتها دون جدوى.

    تلى ذلك قيام الحكم العسكري الثاني من 25مايو 1969م حتى 6أبريل 1985م وكانت القرارات السياسية للأحزاب التقليدية الكبرى مقاطعة الحكم العسكري بل وصل طور حزب الامة بقيادة الإمام الهادي مرحلة الصدام العسكري مع النظام بالجزئرة أبا وإستشهاد الإمام الهادي المهدي، تلاه تكوين الجبهة الوطنية للأحزاب بليبيا واثيوبيا فتصاعدت وتيرة صدور القرارات السياسية للأحزاب لمقاومة النظام المايوي وتوج بالغزو المشهور 1976م الذي تم دحره.

    اتخذ حزب الامة بعد ذلك نهج المصالحة فكانت قراراته السياسية بالمصالحة الوطنية1977م.أما الشريف الهندي أحد أعمدة الجبهة الوطنية فلم يتصالح حتى نهاية الحقبة المايوية،رغم أنه توفى قبل إنتهاء الحقبة المايوية،وعلى الرغم من ان حزبه في الداخل قد تصالح مع النظام المايوي بقرارات سياسية اتخذها بالداخل وبموجب هذه المصالحة دخل السيد / أحمد الميرغني نائب رئيس الحزب ونائب زعيم طائفة الختمية المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الحزب الحاكم في عهد نميري.

    وفي الفترة الإنتقالية (أبريل 1985 ـ مايو 1986م) إنشغلت الأحزاب السياسية بالإنتخابات، والتي تم بموجبها قيام الحكم الديمقراطي الثالث الذي لم يدم غير ثلاثة أعوام وأشهر معدودة ولم نلحظ أي قرارات سياسية إستراتيجية للأحزاب السياسية السودانية في تلكم الفترة عدا القرارات السياسية بمؤتمر كاوكادام بأثيوبيا والتي وافقت فيها الأحزاب لأول مرة بمنح الجنوبيين حق تقرير المصير.

    وقبيل إنقلاب يونيو 1998م العسكري إتخذت الأحزاب السياسية قرارات سياسية هامة لإعادة تشكيل حكومتها وإبعاد الجبهة الإسلامية مما دعا الإسلاميين للإستعجال لقيام إنقلابهم في يونيو 1989م.

    وفي بداية الإنقاذ إتخذت الأحزاب السياسية التقليدية بالإضافة للحزب الشيوعي السوداني نهج المعارضة والمقاومة للإنقاذ وهاجرت للخارج مشكلة ( التجمع الوطني الديمقارطي المعارض) بل انها قد شكلت قوات عسكرية ووجدت بعض الدعم من دول الجوار وقد تزعم التجمع المعارض مولانا/ محمد عثمان الميرغني مرشد الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد ضم التجمع في فصائله عدا الأحزاب التقليدية الشيوعيين والحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق وبعض تجمعات عسكريين مبعدين من القوات المسلحة.

    وبعد مدة من الزمن خرج حزب الامة من التجمع بل عقد إتفاقاً مع الانقاذ بجيبوتي وتم هذا بناءً على قرارات سياسية اتخذها حزب الأمة القومي.

    ثم دارت عجلة الزمن لتتخذ الحركة الشعبية قرارات سياسية بالمفاوضة المباشرة مع النظام في ابوجا ونيروبي ونيفاشا ليتوج ذلك بإتفاقية نيفاشا للسلام.

    إنتقل التجمع بثقله لأسمرا عاصمة أرتريا وظل على علائق طيبة بالرياض وأديس ابابا والقاهرة، ونجحت حكومة الإنقاذ في تقوية وضعها الداخلي وكسب جولة المفاوضات مع الحركة الشعبية مما جعل التجمع يدخل في مفاوضات معه لعب دوراً متميزاً فيها وإتخذت الأحزاب السياسية السودانية وقرارات سياسية هامة للدخول في المفاوضات مع حكومة الانقاذ بل في المشاركة الجزئية المحدودة في السلطة.

    فأشتركوا في حكومة الوحدة الوطنية بشقيها التنفيذي والتشريعي وعقدوا إتفاقية القاهرة مع نظام الإنقاذ وتمت لقاءات جدة والرياض إشترك الحزب الإتحادي الديمقراطي بالسلطة التشريعية والتنفيذية على المستويين الاتحادي والولائي وإكتفى الحزب الشيوعي السوداني بالإشتراك في السلطة التنفيذية.

    والملاحظ في كل قرارات الأحزاب السياسية السودانية في الفترة الأخيرة منذ بداية عام 2004م إتسمت بالموضوعية والمرونة.

    لكن هنالك أمر لابد من ملاحظته وهو انه وبعد احداث المفاصلة بين الإسلاميين وانقسامهم لمؤتمر وطني حاكم ومؤتمر شعبي معارض كانت القرارات السياسية الصادرة من الطرفين تتسم بالكيدية والتآمر وأحياناً هذه القرارات السياسية للحزبين تنعكس على الأوضاع الأمنية خاصة في العاصمة المثلثة وفي أطراف البلاد بالغرب والشرق وبعض هذه القرارات السياسية فاقمت الصراعات في أوساط النقابات المهنية والحركة الطلابية وتنظيمات الشباب والمرأة.

    اما الحقبة الأخيرة لعهد الإنقاذ ونتيجة حتمية للصراعات الحزبية بين الإنقاذ بقيادة حزبها الحاكم المؤتمر الوطني والأحزاب السياسية الأخرى المعارضة ولظروف الأحزاب السياسية الداخلية فإن صدور القرارات السياسية من كافة الأطراف تسارعت وتعدد معها شبح الإنقسامات الحزبية فإنقسم حزب الأمة لأكثر من حزبين وكذلك الإتحادي الديمقراطي لأكثر من حزبين.

    شهدت كذلك الفترة الأخيرة قرارات سياسية محورية لحركة التحرير بغرب السودان بقيادة مني أركو بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الانقاذ أثمرت عن توقيع إتفاق ابوجا للسلام واتخذت الحركة اسلوب العمل السياسي السلمي مع النظام كما إمتنع فصيل منشق من حركة التحرير وفصيل آخر من التوقيع على الاتفاق.

    كذلك شهدت الستة أشهر الماضية قراراً سياسياً من مؤتمر البجا المسلح بأرتريا في الدخول في مفاوضات مباشرة مع الإنقاذ بواسطة دولة أرتريا لإيجاد حل سلمي لقضية شرق السودان وتم التوصل لإتفاق إطاري بوقف العدائيات وبدء مفاوضات نهائية في يوم 17 يوليو الجاري بأسمرا للوصول لحل نهائي سلمي لقضية الشرق.

    خاتمة:

    * ومنذ قيام أول حكومة وطنية للحكم الذاتي بالسودان في عام 1953م وعند قيام أول حكومة كاملة السيادة في يناير 1956م كان السودان في وضع سياسي قوي دولة مستقلة كاملة السيادة وتتمتع بعضوية هيئة الامم المتحدة. واسهمت حتى قبل نيلها الاستقلال في دعم حركات التحرير الوطني وقيام منبر دول عدم الإنحياز بباندوق وكانت الدولة مثالاً للمؤسسية وإستقلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتتمتع بالحريات النقابية والصحفية والحريات العامة ولها إسهامها في المجتمع الاقليمي والدولي وداعمة لقضايا الامن والسلم الدوليين ويعتبر السودان من الأعضاء الأوائل لجامعة الدول العربية ومن المؤسسين لمنظمة الوحدة الافريقية ـ الاتحاد الافريقي ـ الآن.

    كل هذا جاء بحكمة ورجاحة عقل السودانيين الأوائل قادة الاحزاب السياسية السودانية وفعاليات المجتمع ونخبة وقادة مجتمعه المدني.

    وكل هذا يرجعنا للقرارات السياسية الشجاعة والإستراتيجية لقادة الأحزاب السودانية في تلك الفترة والتي إنعكست بدورها على أوضاع البلاد العامة ونهج حكوماتها في تلكم الفترة.

    * إتسمت القرارات السياسية للاحزاب السياسية السودانية خاصة التقليدية منها بمناهضة الحكم العسكري في البلاد. بل انه بحساب بسيط نجد فترات الحكم العسكري منذ الإستقلال وحتى الآن بلغت اربعين عاماً بينما بلغت فترة الحكم الديمقراطي إحدى عشر عاماً متقطعة حيث لم يدم أي حكم ديمقراطي لأكثرمن خمسة أعوام فقط.

    * ولكي تنصلح آلية صنع القرار السياسي بالأحزاب السياسية السودانية جميعها دون إستثناء فينبغي إتباع الآتي:ـ

    * إصلاح الهياكل التنظيمية لهذه الأحزاب أو مايسمى ( بإعادة الهيكلة) وإنتهاج الأسلوب الديمقراطي في ذلك.

    * قيام المؤتمرات العامة الدورية بشكل ديمقراطي وإنتخاب القيادات بإقتراع حر مباشر وتحديد فترة زمنية محددة لدورة القيادات عام أو عامين أو على الأكثر ثلاثة أعوام تفصل بين كل مؤتمر عام وآخر.

    * إنتهاج أسلوب القيادة الجماعية ومبدأ الشورى والحوار الديمقراطي المباشر.

    * البعد عن الكيد والصراع الحزبي الضيق.

    * الفصل بين المصلحة الحزبية الضيقة ومصالح البلاد الوطنية العليا.

    * التقيد بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات الحرة العامة.

    * التقيد التام بفصل السلطات بالدولة خاصة القضاء الحر المستقل الحصن المنيع للعدل.

    * بسط الحريات العامة في البلاد خاصة الحريات الصحافية وحريات الاجتماعات والمنتديات السياسية والعلمية والاجتماعية يطور النقد والنقد الذاتي ويتحسن بذلك مناخ إتخاذ القرار السياسي داخل الأحزاب السياسية بل وفي الدولة ومنظمات المجتمع المدني.

    * البعد كلية عن إتخاذ أي قرارات سياسية تدعو للصراع القبلي والجهوي وتدعو لسياسات العنف والتصفية والإقصاء.

    * تحديد فترات زمنية محددة لبقاء رئيس الحزب أو زعيمه لدورات محددة بالرئاسة يحرر القرار السياسي داخل الأحزاب السياسية من الاحتكار والتسلط والديكتاتورية ويشيع الديموقراطية داخل الاحزاب السياسية لكن ينبغي تقنين ذلك بدساتير ولوائح الأحزاب السياسية.

    * البعد عن إحتكار السلطة والعمل العام لجهة واحدة أو حزب واحد فقط يتم تداول السلطة سلمياً عبر إنتخابات حرة مباشرة وينص على ذلك في دستور البلاد.

    * الإستفادة الكاملة من الثورة المعلوماتية والرقمية وسلاسة تدفق المعلومات لأجهزة الأحزاب السياسية وستترتب على ذلك مردودات إيجابية في إتخاذ القرارات السياسية لتلك الأحزاب.

    * المصداقية والشفافية في تعامل الأحزاب مع بعضها البعض وتعامل الحكومة مع الأحزاب.

    * القرارات السياسية الصادرة من الأحزاب السياسية والمتعلقة بعلاقة البلاد بالمجتمع الدولي والاقليمي ينبغي دراسة موضوعاتها بعناية وتأنٍ والبعد كلية عن إتخاذ القرارات العاجلة والفطيرة والنأي عن إتخاذ قرارات بردود أفعال ويرجي النظر بسعة أفق لما سيترتب على هذه القرارات من نتائج على البلاد فتقييم الظرف الدولي والإقليمي تقييماً علمياً دقيقاً واجب مهم وملح في هذا الصدد ويستحسن إصدار هذه القرارات بعد مشاورات جماعية مع كل قادة الأحزاب السياسية والنخب النافذة بالمجتمع وأجهزة الدولة المختصة المعنية بالأمر.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147510712&bk=1
                  

04-20-2008, 11:38 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لايمكن التبرؤ من التاريخ
    محمود دفع الله الشيخ المحامي

    الأستاذ/ محجوب عروة

    تحية طيبة،

    بالإشارة لعمودكم (قولوا حسناً) الوارد في صحيفة (السوداني) عدد الثلاثاء 18 يوليو 2006 والذي جاء بعنوان (تصحيح لوزير الدفاع) ورد فيه ان الرئيس جعفر نميري قد اسر لك بأنه يعد لانقلاب في الداخل، وذلك ابان وجودك في القاهرة لتسجيل حوار صحفي معه، وكانت اجابتك له كما سطرتها انت على النحو التالي:

    (فتظاهرت بالإعجاب بالفكرة ومثلت له ولأعوانه، وقلت له لماذا لا تنسقون مع الإسلاميين؟). فيما يتعلق بإجابتك تلك فهنالك خطآن الأول: انك قلت (مثلت له) والمعروف ان الذي يمثل (لـ) شخص يكون الأخير على علم بتمثيله كالمتفرج الذي ينظر لعمل درامي او سينمائي وهو على يقين ان المؤدين له ممثلون، وكان من الأحرى بك ان تقول (مثلت عليهم) إلا إذا كان نميري على علم بتمثيلك (له)؟.

    وثاني الخطأين اللذين وردا في ردك في قولك: (لماذا لا تنسقون مع الإسلاميين؟) والمعلوم انك في ذاك التاريخ كنت ملتزما بصفوف الإسلاميين، فلماذا لم تقل له: (لماذا لا تنسقون معنا؟) أم انك قلت له بالفعل وأجريت للعبارة اعادة صياغة لتتماشى مع تبرؤك من الإسلاميين؟.

    المهم في الموضوع والذي حداني لتسطير هذا الرأي هو ردك (الخداعي) لنميري وقد اصطحبت فيه المبدأ الميكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) وبالتالي خالفت شعارك الذي (طالما) زينت به عنوان عمود (قولوا حسنا) وأثبت ان السياسة فعلا لعبة تجوز استخدام كافة الوسائل ے(DIRTY GAME).. فيا سيدي الفاضل ان محاولات الانقلاب لا تحبط بالخداع، بل بالثورات والصدام وكان اجدى بك وبعد اعجاب النميري (بشجاعتك) ان ترد عليه رداً ثورياً وبنفس الشجاعة برفضك لمحاولة الانقلاب وعملك على تقويضها... فالباطل لا يجابه بالباطل، بل بامتشاق كلمة الحق.. وبالتالي فإن هذا يشكك في نكرانك عدم علمك بانقلاب زملائك القدامى.

    كما انني لاحظت في عمودك الأول والثاني انك تناولت تاريخك الشخصي وتاريخ الإسلاميين بشئ من (اجتناب وحيادية كاملة) وفي ذلك خطأ، إذ لا يعقل ان يفصل المرء نفسه عن تاريخه حتى وإن كان يعتقد في خطأ انتمائه أو تجربته، فمن العدل ان يظهر ذلك وأن يفخر بتاريخه ان كان مشرقا، وإن كان عكس ذلك فعليه واجب سرده ايضا دون تزيين.. فالذي لا تاريخ له بالضرورة ينعدم مستقبله ويكون باهتاً، وحاشاك سيدي منه...

    ان تتحدث عن الإسلاميين تاريخيا وكأنك لم تكن منهم امر لا يتوافق مع التوثيق حتى وإن كنت تعارضهم حاليا. اقول قولي هذا رغم انني من اشد الناس خصومة للفكر المتأسلم سياسيا لدرجة انه قد تعتريني قشعريرة عند أي جدال مع إسلامي، وذلك لأن لي مبدأ لا احيد عنه وهو ابعاد استخدام النصوص المقدسة عن ممارسة العمل السياسي، ترفيعا من شأنها ومنع الناس من اتخاذها اداة لتحقيق مكاسب وتخذيل معارض وفقا للقواعد (وأمرهم شورى بينهم) و(أنتم اعلم بشؤون دنياكم). ولكن معارضتي هذه لا تمنعني من احترام الكيانات السياسية الإسلامية والاعتراف بحقها في التعبير عن آرائها والتشجيع لاكتساب عضويتها، ولا يمنعني أيضاً من احترام (القلة) النزيهة من الإسلاميين، (والقلة) هذه مقصودة فالنزاهة لا تعني بالضرورة الكسب الحلال، فقط فالساكت عن الحق شيطان اخرس. وكم من فئة من الإسلاميين طوال الأعوام السبعة عشر عاما كانوا وظلوا انقياء السريرة نظيفو الأيدي إلا انهم شاركوا من اعتراهم (طغيان) في آثامهم عبر صمتهم وعدم جرأتهم على قول الحق... وبالتالي لا يمكن ادخالهم برأيي في الفئة القليلة، وهذا ما اثبته الممارسة العملية وتجربة الحكم... وبالتالي اتاحوا فرصة تاريخية لتأكيد نبوءة الشهيد محمود محمد طه، التي تنبأ بها قبل ثلاثين عاماً ولا زلنا في انتظار خاتمة النبوة بعد (الحكم وإذاقة الأمرين فالتطاحن) وهي (ينتهون إلى زوال).

    سيدي الفاضل، أما آن لكم ان تدونوا أخطاء الجبهة الإسلامية التي ادخلت السودان لجهنم قبل اوانها منذ العام 1977 (وحتى الآن)؟ أما آن لكم انتم شخصياً و(كجبهجي سابق) التكفير عن دعم نظام النميري ومنع الشعب من (شنقه هو وزمرته)؟.. وهي دعوة أخرى للمنشقين عن الحزب الشيوعي الذين دعموا نظام مايو.

    من حقك يا سيدي ان تنشد التقوى وأن تتبرأ من أحاديث (عنقرة) ولكن ايعقل ان تركب للهدى عمدا قطارات الجنون؟

    الأستاذ المحترم محجوب، استميحك عذرا ان كان في أسطري السابقات بعض من غلظة وعبارات فظة، فحسبها كلمة حق اريد بها حق.. نرجو نشرها لتأكيد ايمانكم بحرية الرأي الآخر وأحسب انكم كذلك.

    وتقبل مودتي وعميق احترامي

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147508000&bk=1

                  

04-20-2008, 11:40 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    البقاء للأجمل.. كانت لنا أيام ..السودان القديم.. أو العصر الماسي
    نجيب نور الدين

    عن أي شئ كان يبحث د. نور الدين شلقامي عبر هذه الدعوات واللقاءات التي ينظمها من وقت لآخر بداره العامرة حيث يجتمع ابناء المدينة الرائعة كوستي التي كانت باذخة في زمان ما وهي التي أنجبت مجتمعاً وأفراداً من أولئك الناس الذين يجعلون العالم مكاناً أفضل ويحفزون الإنسانية في بحثها الدؤوب عن التوحد والاستقرار والرفاهية؟ وما زال السؤال قائماً حين يجتمع في دار شلقامي أجيال من امثال العملاق عمنا يونس الدسوقي وود الشاذلي.. وعناق اصدقاء وزملاء يقول أحدهما للآخر هذه ثلاثين عاماً ولم نلتق.. ما هذا؟!

    كيف يجمع شلقامي هؤلاء الناس حيث تتلاشى ألقابهم وفيهم العلماء المبدعون والأغنياء والفقراء كل ذلك يختفي وراء فكرة هائلة لصيقة جداً بالانتماء والروح وحالة كوستي ومجتمعها.. أعتقد أن شلقامي يلبي نداءات عديدة كلها تتوق إلى الأيام الخوالي وما حملته من بهاء وعظمة.. وهي أيضاً الحالة السودانية والعالمية في ذلك الزمان الذي اسموه العصر الذهبي وأسميه العصر الماسي.. في الفترات التي امتدت ـ حسب تقديري وقراءة التاريخ ـ بين نهاية الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي ووقفت سنوات الستينيات وحدها عصراً كاملاً بل ملحمة رائعة حتى الذروة عاشها العالم والسودان وكأن السماء تعطينا انموذجاً حياً لطاقات الإنسانية إذا أرادت ان تخلق الجنة على الأرض.. وبحثاً عن هذا التناسق والتناغم الداخلي في الإنسان والكون سعى علماء الفيزياء منذ اسحق نيوتن.. وحتى سبعينيات القرن الماضي ليكتشفوا أخيراً (جمال التوحد) الذي يشمل ظواهر الكون الأربع الكهربائية والمغناطيسية والنووية والجاذبية ومثلوا على ذلك باستقرار الإقمار الصناعية في مداراتها النائية حول الأرض انما هو محصلة (تناسق بديع) بين قانون الجاذبية الأرضية وقانون القوة الطاردة المركزية.. هذا تفسير علمي آخاذ اوردته هنا ليس بحثاً عن الإجابة عن الحالة الإنسانية التي مرت بهذا الكوكب في منتصف القرن الماضي لان مجرد محاولة تفسير التاريخ تبدو محاولة ساذجة، بل ان كثيراً من اللحظات الهائلة والعظيمة تبدو عصية على منطق التفسير..

    لكنني أبحث كما يبحث شلقامي والمغنون والشعراء عن حالة الاستدعاء الدائم للأجمل في حياتنا ونحن جيل محظوظ اننا وجدنا في هذه الحياة في تلك الفترات فعاصرنا افذاذ ذلك العصر.. تمتعنا بطفولة حقيقية في فترات سلام عامة اجتاحت العالم عقب حربين عالميتين.. كل شئ كان بديعاً اساتذتنا في المدارس.. نظامنا الإداري.. الخدمة المدنية.. بيوتنا الرملية الطينية قبل ان يدهمنا (السراميك) وكثير من الزيف وكثير من الحزن.

    والغناء اجمله سجلته تلك السنوات البهية وصديق منزول وبرعي وجكسا وكمال عبدالوهاب من تلك السنوات. السينما.. قدمت افضل ماعندها خلال المائة ونيف من السنوات منذ بداياتها في تلك الفترة.. المبدعون الكبار خرجوا من تلك المدن والقرى والبوادي في السودان وفي الغناء والموسيقى والشعر والقصة والرواية والسياسة.. كان هنالك تاريخ سوداني مميز نابع من قيم انسانية جديرة بالتقدير والاحترام بل والتأمل والنبوءة .. كما يزعم الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بان السودان سوف يكون قبلة أنظار العالم ونقطة لالتقاء اسباب السماء باسباب الأرض.

    قد يقول قائل اننا نعيش الآن في عصر النقلات التكنولوجية الهائلة وثورة الاتصالات الرقمية المهدشة والابحاث العلمية الضخمة وانعكاس ذلك على الحالة الحضارية للعالم.. إلا اننا في خضم كل ذلك نفقد ذلك الابهار المعنوي والروحي الذي قدمته تلك السنوات وربما هي تلك الحالة التي تشير إليها الأبحاث العلمية في استقرار ظواهر الكون وجمال التوحد والتي عاشها العالم بالفعل وانعكست على أهم موارده ومركزه وهو الإنسان الذي بدأ الآن تائهاً واقرب كثيراً إلى عصور الظلام الأولى رغم الإنجازات الضخمة الموازية من الفخامة في السيارات والتطاول في البنيان واتساع عدد الحاجيات التي يحملها الإنسان معه من الموبايل والمفاتيح والحقائب والأوراق والخيبات المتواصلة.

    صديقي د. نورالدين شلقامي كان الحديث وسيظل هو الاحتفاء ـ احتفاء جيلنا ـ بهذا الموكب التاريخي البهي الذي مر من أمام عيوننا يوماً ما ومضى ويا صديقي البقاء للأجمل.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505898&bk=1
                  

04-20-2008, 11:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في ذكــــــرى 25 مايــــــــو..أسئلــة حزينــة ومشروعــة لمايــو!!
    ليس غريباً ان ينبت مخلوق كجعفر نميري في السودان ويسوم أهله الخسف والهوان، وكنت ترى الناس يحاولون ان يسابقوا القطار الذي يستقله والسيارة التي تحمله، وتخرج النساء فتيات وعجائز والرجال شباناً وصبية وكهولا.. كلهم كانوا يسبحون بحمده اجلالاً وإكباراً، ويرددون في السر والعلانية ألا بديل له، كأن العالم قد وقف عنده وليس هذا بغريب.. فقد ظن جعفر نميري، كما ظن هتلر والدوتشي بنيتو موسليني، ان هذه الجماهير تحبه وتعبده فبالغ في غيه وضلاله حتى أورد السودان موارد الهلاك. والطغاة دائماً تكون بصائرهم في خفاء، لأنهم لا يرون غير الدنيا وزينتها، ولا يفكرون في العاقبة.

    حقاً لقد وجد جعفر نميري التربة الصالحة فقهر وفجر، وبطر وغدر واستبد وانفجر يحطم كل شئ.. وما دمنا وما نزال نحن نعيش في هذا الخدر، نصيح ونهتف ونعجز عن العمل، ولا نلتفت لإصلاح وتنمية بلادنا سيأتي نميري آخر.. ونميري آخر.. ويكون تاريخنا محكوماً بالطغاة. فنحن الذين نصنع الطغاة، وكل واحد استيقظت لديه النعرة العنصرية، وكل انسان يريد ان يحكم السودان، وكل قبيلة تهاجم الأخرى، ونظام نميري والنظم الأخرى أتاحت لهم ذلك (فرق لتسد).. السودان أصبح ولايات، والولايات أصبحت دويلات؛ كل دويلة تطمع أن تحكم السودان.

    ان نميري ما كان يمكن ان يزول إلا بأسلوب وقوى انتفاضة ابريل والتي ما كان يمكن ان تتمكن من نميري إلا أنه اختار الخيارات القاتلة وأنها اختارت الخيار الصحيح في النضال وأسلوبه وقواه.. علّ ذلك كله يكون عبرة للشعب وقادته.. فكم من ملوك وقادة نسيهم التاريخ تماماً، وكم من قادة استغلوا الفرصة التي اتيحت لهم بتبوء موقع القرار فخلدوا انفسهم في التاريخ بانتقائهم للخيار الصحيح والممكن تاريخياً.

    الشعب السوداني لم يتمكن من محاكمة نميري، وهل يستطيع صراحة ان يواجه كل الاتهامات التي وجهها الشعب السوداني اليه. فمنذ ان تولى مقاليد البلاد في اعقاب ثورة مايو 1969م وانقلابه على المهديين والأنصار وضرب الجزيرة أبا بالطائرات والصواريخ وقتل الهادي المهدي بعد التشهير به بأنه سكير وعربيد، ثم تهجمه على حزب الأمة الذي ارتبطت أسبابه بتاريخ أسرته والذي اعاده من جديد الى العسكرية بعد نظام عبود، وتنكره للشيوعيين رغم أن الثورة كثيراً ما كان يقال عنها وفي البداية انها شيوعية.. فقد ظهر نميري لأول مرة على سطح الحياة محاطاً بالشيوعيين عن يمينه ويساره، بل ان خطابه السياسي الأول كان بأقلام الشيوعيين.. لماذا؟ ورغم أن الحزب الشيوعي سبق ان رفض انضمام نميري اليه في أوائل الستينيات في مدينة مدني، ثم ما هي أسرار انقلاب هاشم العطا؟ وما هي أسباب تدخل قوى أجنبية لإفساد وإفشال هذا الانقلاب، وإسقاط الطائرة العراقية قبل وصولها الخرطوم والتي كانت تقل القيادات الشيوعية في بغداد، وتغيير مسار طائرة بابكر النور وفاروق عثمان حمد الله من لندن الى طرابلس حيث تم القبض عليهما؟! ولماذا اعدم نميري فاروق حمد الله وبابكر النور سوار الدهب رغم انه قال لزوجة نميري السيدة بثينة خليل، وأكد لها في لندن انه سيذهب الى الخرطوم ليطفئ نار هذا الانقلاب؟!

    ألم يندم على اعدام فاروق عثمان وعبد الخالق محجوب والشفيع؟.. خاصة وأن الأخيرين حملا الى المشنقة وهما في الرمق الأخير من شدة ضربهما كانا ينازعان.. حتى قيل ان الضابط الذي أشرف على أعدامهما كان يبكي!!. وهل حقيقة طلب السادات من النميري ان يخفف الحكم على الشفيع، لكن سبق السيف العذل.. فجاءت المكالمة بعد ساعة من اعدامه؟!.

    ثم ماذا كان يرى نميري في رجاله الذين اقتربوا منه في الحكم.. ماذا يرى في د.بهاء الدين ادريس الذي كانوا يطلقون عليه مستر (10%)، اشارة الى نسبة العمولة التي كان يتقاضاها من الصفقات التي كان يجريها؟، ومنصور خالد الذي هاجمه بكتاب كامل وأسباب عدم ترشيح نميري له كسكرتير عام الأمم المتحدة؟! ومحمد محجوب سليمان الذي أيد انقلاب هاشم العطا وبعد ذلك اصبح مستشاراً صحفياً للنميري.. كيف؟! وأبو القاسم محمد ابراهيم ومأمون عوض ابوزيد و.. وآخرين اقتربوا من نار السلطة وابتعدوا في سرعة البرق؟!

    ولماذا انهار الاقتصاد السوداني ووصل الى حالة متردية؟! وهل سبب انهيار الاقتصاد السوداني ان نميري ترك الحبل على الغارب، كما يقولون، لعدنان خاشوقجي الذي كان يسيطر على تمويل المشاريع في السودان ومعه عبد اللطيف أبو رجيلة؟! وفي حواراته بعد الحكم حين يشير بأصابع الاتهام الى ان السبب الرئيسي في انهيار الاقتصاد السوداني يعود الى الثلاثي محمد الفيصل ود. محمد سعيد النجار والدلة الذين دمروا ے- على حد تعبيره - الاقتصاد السوداني من خلال البنوك الإسلامية!.

    وإذا كان نميري كثيراً ما يفخر بأنه (ابن الساعي) فلماذا جعل أبناء الشعب السوداني في النهاية سعاة له؟!

    ثم كان لا بد ان تمتد المواجهة الى موضوع في غاية الأهمية.. وهو تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان؟!

    وكيف تحول نميري من الانغماس في الحياة الدنيا الى تطبيق الشريعة الإسلامية؟! ولماذا الشريعة الاسلامية؟! هل بسبب الضغوط الاقتصادية؟ أم لإرضاء دول الخليج والسعودية لخطب ودها ومعونتها المادية؟ أم لكسب ود الجماعات الدينية؟ أم لإبعاد العناصر الفاسدة من حوله؟! أو ليس من الأسلم لمن يطبق عليهم الشريعة ان تشبع أولا بطونهم حتى لا تقطع أياديهم؟!.

    ولماذا اعدم نميري محمود محمد طه واتهمه بالمروق في يناير 1985 خاصة وأن المحكمة برأت محمود طه وأوردت ان الركن الدامغ للردة غير متوافر.. وهو ان يعلن المرء مجاهرة وفي كل مكان انه خرج من ملة محمد (ص)، وكان محمود محمد طه يرفض الإلحاد؟! وهل حقيقة أمر النميري بإلقاء جثة محود محمد طه في البحر؟!.

    كيف يصف جعفر نميري الإخوان المسلمين في أول عهده في الحكم بالمرتزقة والتوابع والأعداء، ثم يصبحون بعد ذلك - وفي نهاية حكمه - هم أهل السمع والطاعة؟!

    وماذا عن مشكلة المشاكل في السودان.. الصداع الأزلي؛ مشكلة الجنوب؟.. وإذا كان جعفر نميري قد بدأ سياساته موفقاً نحو (مشكلة الجنوب) فقد أصدر في 9 يوليو 1969 قرارا باعتبار الجنوب منطقة اقليمية واحدة مع قبول الحكم الذاتي فيه. وقد اعقب ذلك انشاء وزارة خاصة بشؤون الجنوب تولى ادارتها جوزيف قرنق، فلماذا أعدمه نميري في حركة هاشم العطا عام 1971م مما ترك سلبياته على الجنوب؟!

    ثم كان لا بد من فتح اخطر الملفات (ملف قضية اليهود الفلاشا في السودان). فلقد اعترف نميري اعترافاً خطيراً في احد حواراته بعد الحكم - ولأول مرة في مصر - بأنه هو الذي اتخذ قرار ترحيل اليهود الفلاشا من السودان، بل واشترط على بوش ان ينقلهم بطائرات أمريكية!.

    ولكن لماذا لم تقف أمريكا بجواره في الانقلاب الأخير عليه ثمناً لما فعل؟! ولماذا نجح هذا الانقلاب عليه بينما فشلت الانقلابات السابقة وما أكثرها: انقلاب هاشم العطا وحسن حسين والعميد محمد نور سعد..؟!.

    ستظل هذه الأسئلة مطروحة على مر الأجيال المعاصرة والقادمة.. ولكن الزمن وحده هو الكفيل بالإجابة عنها...

    الآن اصبح نميري جزء من التاريخ السياسي.. قتل فأسرف في القتل.. واعتقل فأسرف في الاعتقال.. عذب وبالغ في التعذيب.. قتل كل الضباط اليساريين الذين كانوا في الأصل من اصحاب التنظيم الذي دعاه للاشتراك في حركة مايو.. ومن المقتولين أولئك الذين لم يكونوا بالسودان وقت حدوث الانقلاب، ولم يشتركوا في تخطيطه وتنفيذه، بل لقد كان النميري على قناعة شخصية ان من بينهم من لم يكن عضواً في الحزب الشيوعي.. فنميري لم يكن يصر على معاقبة الانقلابيين فحسب، بل كان الأهم عنده هو التنفيس عن رغبته في الانتقام من كل الأشخاص؛ عسكريين أو مدنيين، والذين كانوا يشكلون تحدياً له، ولم يكن بقادر على ان يتطاول الى قامتهم خاصة من حيث الفكر أو الثقافة أو السلوك الشخصي بمعيار الحد الأدنى من التصرف السليم..

    تسلق نميري قمة السلطة منفرداً على سلم القهر والتصفية والإحباط والعمالة والخيانة والانتهازية والعجز!! وكفى الله السودان شر أمثال هؤلاء الطغاة.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505215&bk=1
                  

04-20-2008, 11:43 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    البصلـــــــة وقشرتهـــا:تعريف وإعادة تعريف المصطلحات (2)
    د. كامل ابراهيم

    حرية الاعتقاد وحق الاجتهاد .. بين الدين والسياسة
    تقول مواثيق حقوق الإنسان إن حرية التفكير والاعتقاد تعتبر من الحقوق الأساسية التي لا يصح لجهة أن تنتزعها.. ويقول د. الترابي (وما دام كذلك هو الأصل خلقاً وشرعاً فالحرية مؤصلة في العقيدة وأحكام الشريعة الفرعية إنما تعبر عن ذلك الأصل العقدي الذي أسس عليه الدين... ومن ثم نجد في الشريعة السياسية إباحة للفرد المسلم أن يكسب كسبه بإجتهاد في الرأى... فمهما وضعت عليه ضوابط التعليم والتوجيه فليس لأحد - ما دام التفكر عبادة والاجتهاد فرعاً من التدين وإبداء الرأي نصيحة واجبة - ليس لأحد أن يسكت صوت المسلم الحر.. له بالطبع أن يجادله وله بالطبع أن يوصيه، ولكن ليس له أن يحول بين المسلم وحقه فى أن يسخر عقله بطلاقة والتزام لعبادة الله فيكسب بذلك كسباً يهديه بوجوه التعبير الحر للمجتمع مع سائر إخوانه المسلمين). د. حسن الترابى - محاضرة - اتحاد طلاب جامعة الخرطوم... لا يقف الدكتور عند هذا الحد بل حتى مسألة الإيمان والكفر هي مسألة إختيار... (ذلك لأن الحرية في أصل العقيدة الدينية هي قدر الإنسان الذي تميز به عن كل مخلوق سواه.. فمهما كانت الأشياء تسجد لله كرهاً... ومهما سجد كذلك العنصر المادى من جسم الإنسان... فإنه بإرادته حر مختار إن شاء عبد الله سبحانه وتعالى طوعاً وإن شاء كفر).. نفس المصدر.

    وليس لمخلوق مهما عظمت مكانته أن يجبرنا حتى على قبول الدين الصحيح..(ذلك هو قدر الإنسان الطبيعي وهو كذلك حكمه الشرعى.. فلم يجعل الله لرسول أو حاكم عليه سبيلاً ليكرهه على قبول الدين الصحيح.. فكما لم يركب الله في فطرة الإنسان ما يلجئه إلجاءً الى الإيمان... ولم يركب فى عقله ما يضطره الى أن يستسلم لحقائق الإيمان.. لم يجعل كذلك للسلطة الإجتماعية ولاية إجبار تتحكم فى الإنسان كيف يتخذ موقفه من ربه).

    وهنا لنا أن نتساءل: هل يصدق إنسان أن هذا الطرح المتقدم والإيمان (العميق والمؤسس) بحرية الاعتقاد جاء على لسان نفس الشخص الذى وافق على اغتيال مفكر فى قامة الأستاذ محمود محمد طه بتهمة الردة؟ أليس هو القائل (ليس للسلطة الإجتماعية ولاية إجبار تتحكم فى الإنسان كيف يتخذ موقفه من ربه)؟ إن اغتيال الأستاذ محمود كان بحق اغتيال للفكر السياسي واستغلال للدين.. ونحن نوافق ما جاء في بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.. يقول البيان: (إن حكم الإعدام على الفكر السياسي هو الثمرة المرة للتجارة بالدين واستخدام الإسلام واجهة لتسلط حكم الفرد.. وبعث لأكثر تاريخ صفحات الإسلام سواداً حيث يكفر الحاكم معارضيه السياسيين ويستبيح دماءهم.. ويتسابق علماء السوء وقضاة الضلالة في تدبيج الفتاوى والأحكام لتبرير استبداد الحاكم.. هذا ما يمارسه في سودان اليوم جعفر نميري والأخوان المسلمون وبطانة الشعوذة والدجل من أمثال أبو قرون والمهلاوي.. وفي كتاب: (الأخوان الجمهوريون- ماذا قال العالم عن الأستاذ محمود) نجد أن الترابي- وفي إجابته على جريدة (الهدى) بتاريخ 9 جمادي الآخرة 1405 هجرية يقول: (محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً.. لأن دعوته دينية.. لأنه رجل له قضية.. وقضيته (ضد الدين ) الذى تعرفونه .( .. أي لجلجة وكذب صراح .. واسمعه وهو ينافق النميري قائلاً عنه في تطبيق (الشرعية الإسلامية) إنه (أكثر من جاد وأكثر توكلاً من كثير من الحكام) .. وبعد خلافهم في امور الدنيا صار يصفه ( بالطاغية ) . . والآن الترابي ينفي أي علاقة له مع قضية إغتيال الأستاذ محمود ( انظر حوار عووضة معه بصحيفة ( السوداني)... إنها المكيافيلية في أقبح صورها ومنطق الغاية تبرر الوسيلة .

    دعونا نكمل مع الترابي حديثه عن الحرية ذلك لأنه لم يكتف حتى بذلك الحديث (المتقدم الجريء ) عن الحرية بل ويحثنا لنتمرد على الدولة الظالمة التى تريد سلبنا حريتنا كبشر ويتهم من يستكين لمثل هذه الدولة بالشرك.. يقول : (لابد لمن يريد إسلام نفسه لله أن يتحرر ازاء الدولة فى أطوار تفاعله معها... ولابد للدولة أو من يمثلها من سلطان مسلم أن يتيح له الحرية الدينية ليكون خالصاً لربه.. بل واجب الدولة ممثلة فى أولياء الأمر المكلفين المسؤولين أن يعينوا أخوانهم من الرعية على هذه الحرية بأن يكفوا يدهم عنهم ( لاحظ ما فعلته الإنقاذ بكل من خالفها الرأي دع عنك بمن أراد أن يعبر عن آرائه ذلك خاصة عندما كان الترابي على قمة المسؤولية في النظام !!) ... إلا أن يدفعوهم الى مزيد من الترقى فى مدارج التحرر من المجتمع والدولة.. وواجب الفرد كذلك أن يجاهد كل محاولة للسيطرة عليه من قبل الدولة........ والدولة التى تنتقص من حرية الإنسان وتحاول فرض سيطرتها على نفسه وروحه شاركت الله فى السيطرة عليه...وإذا رضي الفرد واستسلم لشرك المجتمع أو الدولة فقد أصبح مشركاً بالله سبحانه وتعالى ..الخ الخ) نفس المصدر.

    وبعد كل هذا يأتى نفس الرجل ليخطط لانقلاب تصادر فيه حرية المسلم وغير المسلم ... ولا يعجز عن الإتيان بمبررات يصبغها بالصبغة الدينية يسوقها ليحلل ما سبق ويحرم عندما كان خارج السلطة.. فأين يكمن سبب هذا التناقض فى المواقف إن لم تكن المكيافيلية (وفقه الضرورة ) .. والآن يدعي الترابي وزمرته عدم علمهم بالتعذيب الذي مورس ضد كثيرين ويطلبون من الله المغفرة لمشاركتهم في الإنقلاب ودموع التماسيح تبلل اللحى؟.

    ورغم اختلافنا مع الترابي نجد من هو أكثر تخلفاً عندما يقول: ( إنه لابد من إهانة غير المسلمين... غير أنها (الشريعة ) لا تهينه لمجرد الإهانة... فإن حكمة الآية فى ذلك حاضرة... فهى بإذلالها وإهانتها وتحقيرها لغير المسلم إنما تعجل بنقله من دافع للجزية الى مؤد للزكاة... لتنقله من معسكر غير المسلمين حيث الجزية إهانة الى معسكر المسلمين حيث الزكاة عبادة ( الدكتور الترابي وفساد نظرية تطوير الدين ) تأليف د. عبد الفتاح محجوب ص 40 بالله عليكم - وغض النظر عن التفسير الصحيح للآية - أهذا منطق يقنع أحداً.. كأنه يريدنا أن نقبل هذه الحجة الواهية : لكى يدخل الكفار دين الله أفواجاً علينا أن نذيقهم ألوان من الذل والإهانة وكلما أسرفنا فى تحقيرهم كلما كانت النتيجة أفضل وانتشر الإسلام بوتائر أسرع وعم كل نواحى المعمورة... أين كرامة الإنسان ؟ إن شخصاً هذه هي مكوناته ونوعيته أعتقد أن وجوده خارج حظيرة الإسلام أفضل بكثير من وجوده داخلها فمثله لن يكون إلا عبئاً علينا ولن يفيد لا الإسلام ولا المسلمين فى شىء...

    وليت د. عبدالفتاح قال قوله هذا - على علاته - كنوع من الاجتهاد القابل للخطأ أو الصواب ولم يقله بوصفه الحق الذى يخرج من يخالفه من أمة محمد ... عندها كنا نقول فيه قول مسكويه فى رده على سؤال لأبى حيان التوحيدى عن قضية الإجتهاد وسبب إختلاف العلماء فى كتابه ( الهوامل والشوامل )... يقول مسكويه: (وليس ينبغى أن يتعجب الإنسان من الشىء الواحد أن يكون حلالاً بحسب نظر الشافعى وحراماً بحسب نظر مالك وأبى حنيفة... فإن الحلال والحرام فى الأحكام ليس يجري مجرى الضدين أو المتناقضين فينبغى للعاقل إذا نظر فى شىء من أحكام الشرع أن يجتهد فى النظر ثم يعمل حسب اجتهاده ذلك.... ولغيره أن يجتهد ويعمل بما يؤديه إليه إجتهاده وإن كان مخالفاً للأول واثقاً أن إجتهاده هو المطلوب منه ولا ضرر فى الخلاف) .. ويسبب مسكويه رأيه هذا بقوله: (.... أما ما سوغ للفقهاء أن يقولوا فى شىء واحد إنه حلال وحرام... فلأن ذلك الشىء ترك وإجتهاد الناس فيه .. فبعض الأحكام يتغير بحسب الزمان وبحسب العادة وعلى قدر مصالح الناس لأن الأحكام موضوعة على العدل الوضعى...وربما كانت اليوم فى شىء وغداً فى شىء آخر وكانت لزيد مصلحة ولعمرو مفسدة ).

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505168&bk=1

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-20-2008, 11:44 PM)

                  

04-20-2008, 11:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    رويترز تتحدث عن اعتقال كاهن والشرطة تنفي
    أعلنت مصادر مسؤولة في الشرطة عدم علمها بما نقلته وكالة رويتر للأنباء عن إعتقال كاهن مسيحي سوداني يوم الأحد بتهمة اختطاف امرأة جاءت الكنيسة لاعتناق المسيحية وقال المكتب الصحفي لـ (السوداني) لم تصلنا أية معلومات بهذا الصدد وكانت الوكالة نقلت أمس عن رجل ديني وقالت إنه كاهن انجليكاني سوداني القى عليه القبض بتهمة اختطاف امرأة مسلمة جاءت للكنيسة تريد اعتناق المسيحية. وأضافت أن الشرطة احتجزت الكاهن ايليا كوموندان يوم الاحد مع اربعة اشخاص آخرين على الاقل احدهم من كنيسة أخرى بعد أن اختفت امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها لا يمكن تحديد هويتها لأسباب امنية في مارس الماضي. وقال سيلفستر توماس كامبايا رئيس الكاتدرائية الاسقفية لجميع القديسين في الخرطوم (التهمة هي الخطف).


    وقال (يبدو ان الكنيسة مستهدفة لان شخصا قال لي انهم يعتقدون اننا ساعدناها على الاختفاء او رعينا خروجها من البلاد).

    وقال كامبايا انها ليست المرة الاولى التي تتحرش فيها السلطات بموظفي كنيسة لقبول أشخاص يرغبون في اعتناق المسيحية.

    وقام السودان بموجب قانون الشريعة الاسلامية المطبق منذ عام 1983 باعدام محمود محمد طه في عام 1985 بتهمة الارتداد عن الاسلام.

    وقال الكاهن جوزيف تبان لاسوبا ان كومندان اعتقل لمحاولته تحويل امرأة إلى المسيحية.

    وقال لاسوبا (انهم ماهرون جدا انهم لن يدخلوا على خط الدين لكنه موجود دائما في الخلفية. انهم يعلمون انهم اذا جعلوا القضية دينية فان العالم سيراقبهم). مضيفا انه مر بتجارب مماثلة.

    وقال رجال الدين إن اجهزة الدولة الأمنية تحرشت او حتى قامت بتعذيب أشخاص تحولوا عن دينهم في الماضي. وبعضهم تلقى تهديدا بالموت من عائلاتهم ومعظمهم ارغموا على الاختفاء او الهروب من البلاد لان الكنيسة لا تستطيع حمايتهم. ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من الشرطة.

    وتم وضع دستور سوداني جديد في العام الماضي بعد ان انهى اتفاق السلام في يناير 2005 حربا استمرت عشرين عاما بين الجنوب المسيحي والوثني من جهة والحكومة الاسلامية الشمالية من جهة أخرى. وينص الدستور على حرية العقيدة.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504995&bk=1
                  

04-20-2008, 11:47 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    البصلة وقشرتها ..تعريف وإعادة تعريف المصطلحات (1)
    د. كامل ابراهيم

    (1)

    هل الدولة الدينية .. من الإسلام في شىء ؟

    توضيح :

    إستفزني - في المعني الإيجابي - تعليق الأستاذ الهاشمي علي تعقيبي على مقال له .. لذلك شعرت ربما يكون من الأفضل أن نعطي موضوع تعريف وإعادة تعريف المصطلحات وقتاً أكثر وبعض التفكير الجاد لذلك إخترت بعض المصطلحات - التي أعتقد أنها مثار خلاف - وسوف أحاول مناقشتها تباعاً ....





    إن أوضح ما يوسم فكر سيد قطب - المرجع الثاني بعد حسن البنا من وجهة نظر حركة الأخوان المسلمين وتوابعها من جماعات الإسلام السياسي لمعرفة صحيح الإسلام - وهو تشدده ومناداته بالدولة الدينية .. وقد كان لهذا التيار أثره في إندلاع المعارك - ولوقت طويل - التي إحتدمت بين السلفيين وبعض دعاة العصرنة والتحديث .. وما كان لتلك المعارك أن تقوم أصلاً لو ساد الحوار العقلاني بدل تعصب الطرفين ونفي كل منهم للآخر ... السلفيون يرون الحاضر والمستقبل بعيون الماضي .. والمتعنتون من دعاة التحديث لا يرون في التراث إلا مجموعة من خرافات وأساطير القرون الوسطي أكسبها كر الأيام نوعاً من القدسية عند الجهلاء والعامة .. ونحن نعتقد إن كليهما قد إشتط.



    فما هو نوع الدولة التي يريد سيد قطب والسلفيون بناءها ؟ وهل هي من الإسلام في شيء ؟ سيد قطب والسلفيون يريدون بناء دولة دينية قلباً وقالباً .. دولة يريد أن يسيطر فيها بعض الأفراد أو الجماعات على السلطتين الزمنية والدينية رغم إنكار أغلبية المسلمين للسلطة الدينية .. ويعرف الدكتور محمد عمارة - في أحدى إشراقاته القليلة - هذه السلطة في كتابه : (الإسلام والسلطة الدينية) - الناشر دار الثقافة الجديدة - بقوله : (إن السلطة الدينية تعني - في كلمات بسيطة ودقيقة - أن يدعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث بإسم الله وحق الإنفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره وذلك فيما يتعلق بشئون الدين أو بأمور الدنيا .. وسواء في ذلك أن يكون هذا الإدعاء من قبل فرد يتولي منصباً دينياً أو منصباً سياسياً .. وسيان كذلك أصدرت هذه الفتوي من فرد أو من مؤسسة فكرية أو سياسية .. وفيما يتعلق بالفكر الإسلامي فإن كل مذاهبه وتياراته الفكرية - بإستثناء الشيعة - تنكر وجود السلطة الدينية وتنفي أن يكون من حق أي فرد أو هيئة إضفاء القدسية الإلهية على ما تصدر من أحكام وآراء ...الخ ) .. وينفي د. عمارة (العصمة حتى على الرسول في الجانب الدنيوي).. يقول ذلك أن مقتضي التسليم بوجود (السلطة الدينية ) لفرد أو هيئة يقتضي إضفاء القداسة و (العصمة) على ما تقدم من آراء .. وهذه العصمة ينفيها الإسلام عن البشر جميعاً .. ولا يعترف بها إلا للرسول - عليه الصلاة والسلام - وبالذات وفقط فيما يتعلق بالجانب (الديني) من دعوته .. لأنه في هذا الجانب الديني كان مبلغاً عن السماء ومؤدياً لما توحي به إليه .. ولم يكن مجتهداً ولا مبدعاً أو مبتدعاً فيه .. فهو في هذا الجانب ما كان ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى.. وما على الرسول في هذا الجانب الديني إلا البلاغ - كما يقول القرآن الكريم .. أما الجانب الدنيوي الذي تعرض له الرسول - عليه الصلاة والسلام - في سبيل تبليغ رسالته الأساسية ومهمته الدينية فقد كان فيه بشراً مجتهداً عند غياب النص القرآني الصريح .. ومن ثم كانت إجتهاداته وآراؤه في هذا الجانب موضوعاً للشوري .. أي البحث والأخذ والعطاء والقبول والرفض والإضافة والتعديل.. لأن العصمة غير قائمة له في هذا الجانب من جوانب الممارسة والتفكير .. الخ الخ ) ص10 و11 .



    ويصنف د. هاشم صالح في مقدمته لكتاب محمد أركون : ( الفكر الإسلامي - قراءة علمية ) من يقفون مع السلطة الدينية من السلفيين ضمن معتنقي (الارثودكسية الدينية) التي يصفها بالنتاج النهائي لما أسماه ميلتون روكيش ب(الصرامة العقلية) .. ويعرف روكيش الصرامة العقلية بأنها : (عدم قدرة الشخص علي تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك .. وعدم القدرة علي إعادة ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة وذلك بهدف حل هذه المشكلة بفاعلية أكبر ) .. وقد أجري العالم الفرنسي جان بيير ديكونشي أبحاثاً نظرية وتجريبية ليبرهن أن (الصرامة العقلية) لا بد وأن تقود الى أيدولوجية ما وصفها ب (العقلية الدوغمائية) .. ويعتبر ديكونشي أن العقلية الدوغمائية ترتكز أساساً على ثنائية ضدية حادة هى : نظام من الإيمان أو العقائد / ونظام من اللا إيمان واللا عقائد .. بكلمة أخرى أكثر وضوحاً فإن العقلية الدوغمائية ترتبط بشدة وبصرامة بمجموعة من المبادىء العقائدية وترفض بنفس الشدة والصرامة مجموعة أخرى وتعتبرها لاغية لا معنى لها .. ولذلك فهي تدخل في دائرة الممنوع التفكير فيه أو المستحيل التفكير به وتتراكم بمرور الزمن والأجيال على هيئة لا مفكر فيه .. وإذا إستخدمنا لغة روكيش قلنا أن نظام الإيمان/ واللا إيمان هذا يتحدد بواسطة ثلاث نقاط :



    1- إنه عبارة عن تشكيلة معرفية مغلقة قليلاً أو كثيراً ومشكلة من العقائد واللاعقائد (أو القناعات واللاقناعات) الخاصة بالواقع .



    2- إنه متمحور حول لعبة مركزية من القناعات (أو الإيمانات اليقينية) ذات الخصوصية الخاصة والأهمية المطلقة .



    3- إنه يولد سلسلة من أشكال التسامح / واللا تسامح تجاه الآخر .)



    ونحن نتفق مع محمد أركون في إستنتاجاته العديدة التي توصل اليها مستخدماً هذه الاطر النظرية في تحليله لمفهوم الأرثوذكسية في الإسلام) وكيفية نشوئها وتشكلها وآثارها عبر القرون .. ثم بين كيف أنها لا تزال تحول حتى الآن دون فتح الأضابير التاريخية وتجديد الفكر بشكل جذري في المجال العربي - الإسلامي .. إذ إننا نرى فيها أساساً جيداً لتفسير الممارسات العملية المنكفئة في تراثنا الإسلامي كنتيجة منطقية لتلك الصياغة القطعية وما تفرزه من حجاب حاجز يحول دون رؤية الأمور رؤية موضوعية حقيقية .. ونستطيع الإتيان بأمثلة عدة من واقع تاريخنا تبرهن على صحتها.. نقصد صحة الآثار السالبة للدغومائية (أو كما يسميها روكيش الأرثوذكسية الدينية أو طبعتها الإسلامية أي الأرثوذكسية في الإسلام كما يقول أركون) .. والدولة الدينية هي التطبيق العملي لنظرية (الأرثوذكسية في الإسلام) وعلي سبيل المثال يمكننا أن نستفيد مما أورده د. عمارة في كتابه سالف الذكر لنعطي إشارة لما تسببت فيه الدولة الدينية من ظلم وإساءة لصحيح الإسلام .. فتحت عنوان : (صفحة مظلمة في تاريخ المسلمين ) يورد ما يلي :



    = فمعاوية بن أبي سفيان ( 20 ق الهجرة - 60 هجرية -680 م ) عندما يري في (مال الدولة) ومال الناس (مال الله) ويدعي لنفسه الحق والحرية في التصرف فيه بالمنع والمنح كيف يشاء بإعتباره (خليفة الله) فيقول الأرض لله .. وأنا خليفة الله .. فما أخذت فلي وماتركته للناس فبالفضل مني .) .. ومعاوية هنا يضفي علي سلطاته (سلطة دينية) يجعل بها تصرفات الحاكم قانون السماء وكلمة الخالق وإرادة الله .. ومن هنا كانت معارضة أبي ذر الغفاري له في هذه التسمية عندما قال له كلا إن هذا المال هو مال الناس فهو لهم وإرادتهم هي المرجع عند التصرف فيه ).



    = وإنتقال السلطة السياسية من الأمويين الى العباسيين غيّر الأسرة الحاكمة ولكنه لم يغيّر من فلسفة الحكم ولا من تعلق الخلفاء الجدد بحبال (السلطة الدينية) .. فأبو جعفر المنصور يخطب الناس فيقول : (أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة .. وعنكم زادة .. نحكمكم بحق الله الذي أولانا .. وسلطانه الذي أعطانا .. وأنا سلطان الله في أرضه وحارسه في ماله .. جعلني عليه (قفلاً) .. إن شاء أن يفتحني لإعطائكم وإن شاء ان يقفلني ) .. فيجعل من تصرفاته المالية إرادة الله وقانون السماء حتي يبرر إطلاق يده وتفرده بالقرار ويبتعد بنفسه عن دائرة المساءلة والمحاسبة أمام الناس .. إنه يتعلق بالسلطة الدينية (الحكم بحق الله .. أي الحق الإلهي) .. ويريد أن يجعل من نفسه وكيلاً لله حتى يترك الناس حسابه لمن أوكله - أي الله - يوم القيامة .. وذلك هرباً من أن يحاسبه الناس لأن الإقرار (بمدنية السلطة) يعني أن الحاكم وكيل عن الأمة فحسابه حق أصيل من حقوقها الأصيلة !



    = وكما قرأنا وسمعنا في تاريخ العصور المظلمة بأوربا عن تلك المؤسسات الكهنوتية التي إستندت الى السلطة الدينية في الحكم على عقائد نفر من المواطنين خاصة العلماء والفلاسفة والمفكرين المستنيرين .. وكيف ذهبت تلك المؤسسات الي إحراق بعض الكتب وتحريم بعض النظريات ومحاربة عدد من الإختراعات والإكتشافات العلمية والفكرية كما حدث في أوربا في العصور المظلمة عندما سادت فيها كلمة الذين زعموا لأنفسهم (سلطة دينية) .. فإن المجتمعات الإسلامية - ولها هي الأخرى عصورها المظلمة - قد شهدت هي الأخري شيئاً من ذلك.) ص16 و17و18



    وفي هذا الإطار يمكن سرد الكثير من الوقائع التي يأباها الإنسان المتحضر دع عنك المسلم الذي يؤمن بعظمة الإنسان وأخوته .. وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد :



    = مرسوم الخليفة العباسي القادر الذي أسماه (الإعتقاد القادري) الذي حرم فيه فكر المعتزلة العقلاني وعده فسقاً وكفراً وزندقة وإلحاداً .. وفعل هذا المرسوم فعله في الإنتكاس بحركة الخلق والإبداع الفكري في حضارتنا الشىء الذي مهد لسيادة عصر الجمود والركاكة والتخلف تحت حكم المماليك والأتراك العثمانين - كما يقول د. محمد عمارة .



    = أو جريمة الوالي الأموي خالد بن عبدالله القسري عندما ذبح مفكراً إسلامياً كبيراً هو الجعد بن درهم تنفيذاً لأوامر هشام بن عبد الملك (أمير المؤمنين) .. وقال قولته القبيحة أيها الناس إنصرفوا تقبل الله منكم .. فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم ). ... وذبحه بجوار المنبر يوم عيد الأضحي بعد أن فرغ من خطبة العيد .. وقد إعتبر عامل أمير المؤمنين أن ذلك لا بد وأن يضعه الله في ميزان حسناته .



    = ومالنا نذهب بعيداً .. ألم يغتال النميري رجالاً في قامة عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ثم أعدم محمود محمد طه بإسم الإسلام وأمر الناس بمبايعته إماماً وبذلك جسّم كل مساوىء الدولة الدينية عندما جمع بين السلطتين الزمنية والدينية وطغيان ما يسميها أركون بالأرثوذكسية في الإسلام .

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504854&bk=1

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-20-2008, 11:48 PM)

                  

04-20-2008, 11:49 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    رويترز تتحدث عن اعتقال كاهن والشرطة تنفي
    أعلنت مصادر مسؤولة في الشرطة عدم علمها بما نقلته وكالة رويتر للأنباء عن إعتقال كاهن مسيحي سوداني يوم الأحد بتهمة اختطاف امرأة جاءت الكنيسة لاعتناق المسيحية وقال المكتب الصحفي لـ (السوداني) لم تصلنا أية معلومات بهذا الصدد وكانت الوكالة نقلت أمس عن رجل ديني وقالت إنه كاهن انجليكاني سوداني القى عليه القبض بتهمة اختطاف امرأة مسلمة جاءت للكنيسة تريد اعتناق المسيحية. وأضافت أن الشرطة احتجزت الكاهن ايليا كوموندان يوم الاحد مع اربعة اشخاص آخرين على الاقل احدهم من كنيسة أخرى بعد أن اختفت امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها لا يمكن تحديد هويتها لأسباب امنية في مارس الماضي. وقال سيلفستر توماس كامبايا رئيس الكاتدرائية الاسقفية لجميع القديسين في الخرطوم (التهمة هي الخطف).


    وقال (يبدو ان الكنيسة مستهدفة لان شخصا قال لي انهم يعتقدون اننا ساعدناها على الاختفاء او رعينا خروجها من البلاد).

    وقال كامبايا انها ليست المرة الاولى التي تتحرش فيها السلطات بموظفي كنيسة لقبول أشخاص يرغبون في اعتناق المسيحية.

    وقام السودان بموجب قانون الشريعة الاسلامية المطبق منذ عام 1983 باعدام محمود محمد طه في عام 1985 بتهمة الارتداد عن الاسلام.

    وقال الكاهن جوزيف تبان لاسوبا ان كومندان اعتقل لمحاولته تحويل امرأة إلى المسيحية.

    وقال لاسوبا (انهم ماهرون جدا انهم لن يدخلوا على خط الدين لكنه موجود دائما في الخلفية. انهم يعلمون انهم اذا جعلوا القضية دينية فان العالم سيراقبهم). مضيفا انه مر بتجارب مماثلة.

    وقال رجال الدين إن اجهزة الدولة الأمنية تحرشت او حتى قامت بتعذيب أشخاص تحولوا عن دينهم في الماضي. وبعضهم تلقى تهديدا بالموت من عائلاتهم ومعظمهم ارغموا على الاختفاء او الهروب من البلاد لان الكنيسة لا تستطيع حمايتهم. ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من الشرطة.

    وتم وضع دستور سوداني جديد في العام الماضي بعد ان انهى اتفاق السلام في يناير 2005 حربا استمرت عشرين عاما بين الجنوب المسيحي والوثني من جهة والحكومة الاسلامية الشمالية من جهة أخرى. وينص الدستور على حرية العقيدة.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504835&bk=1
                  

04-20-2008, 11:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    أملكيون أكثر من الملك؟؟!!
    فى الرد على الأستاذ الدكتور عبد الله على ابراهيم
    "الحجارة ليست لها عيون"!!
    عبد الله عثمان – واشنطون

    لعل أول ما استوقفنى فى مقالة الأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم، هى اختياره لكلمة "حولية" لوصفه للإحتفالات بالذكرى السنوية لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، فعل ذلك فى العام الماضى فى جريدة الصحافى الدولى 31/1/2002 ثم عاد وكررها هذا العام فى الصحافة يناير 2003، فالتسمية، مهما أحسنا الظن فى دوافع اختيارها، فان لها دلالات ومعان سلبية كثيرة ليس هذا مجال الخوض فيها، بيد انه لمما يحمد للأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم واضح اهتمامه بجملة الأمر، وهو أمر حرى به أن يشغل كل من يهمه أمر دينه وأمر الوطن، بل وأمر نفسه، والا فان يوم أن "أكل الثور الأبيض" ليس ببعيد!! ومع ذلك فان ما يؤخذ على الأستاذ الدكتور كثير وسأعود لذلك فى صلب هذه العجالة انشاء الله.
    إن حياة الأستاذ محمود محمد طه، كما دوّنها فى كتبه، وعاشها مجسدة، فى اللحم والدم، لحياة مدهشة، بكل تفاصليها، مهما صغرت هذه التفاصيل، أو كبرت، فمما يحكى عن الأستاذ محمود فى طفولته الباكرة أنه كان مع شقيق له، فأخذ شقيقه يقذف بالحجارة كما يلهو الصبيان، فقال له الأستاذ محمود ما معناه: لا تقذف بالحجارة، فالحجارة ليست لها عيون!! وقال لإحدى بناته لما رأى عندها مبيد "البف الباف" قال لها مستنكرا "هسع دة فرقو شنو من المدفع الرشاش"؟؟ هذا ديدنه اتساقا مع قوله "البر بالأحياء والأشياء" وقد حكى المرحوم الدكتور خليل عثمان محمود، الذى قضى فترة معتقلا مع الأستاذ، أن الأستاذ سأله يوما عن اختفاء كوب ماء قديم فقال خليل أنه قذفه، فقال له "مش حرام، خدمنا الفترة دى كلها نجدعوا!!" فنزلا يبحثان عنه حتى وجداه فجاء به الأستاذ وغسله وعلقه فى اعتداد تكريما له!! وحادثة أخرى لها دلالتها الكبيرة، أنه لما رأى أحد تلاميذه يقتل نملة لم يرتض منه ذلك، وحدثه في ذلك فأجاب تلميذه: ولكنها عضتنى!! فقال له عضها!! بل إنه ليدعو لأكبر من ذلك، لمقام "فمن عفا وأصلح، فأجره على الله"!! وغنى عن القول، أن الاستاذ محمود محمد طه، قد كان من أوائل المهندسين السودانيين، فى زمن كانت الوظيفة فيه بقرة حلوب، ولكنه مع ذلك ظل ملزما نفسه بالشعار الذى رفعه أن "ساووا السودانيين فى الفقر، إلى أن يتساووا فى الغنى" فلذا عندما كان يلومه أقرانه لِمَ يسافر بالدرجة الرابعة فى القطار؟ يرد عليهم لأنه لا توجد درجة خامسة!! ويظل قوته خشن ما يعرف أهل السودان مع قلة فيه، ولا يدخل السكر لشاى الكبار حين يعز السكر فلا يجده سواد السودانيين فى سودان السبيعنات وبداية الثمانينات!!
    واتساق أمر الاستاذ محمود محمد طه مع شعاره "الحرية لنا ولسوانا" وصنوه الأخر "ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين" لأمر يدعو الى الاعجاب، فقد كان أصلب من وقف ضد حل الحزب الشيوعى السودانى فى الستينيات فى وقت تخاذل فيه حتى الشيوعيون أنفسهم عن نصرة أمرهم، وقد جر ذلك على الأستاذ الكثير من كيد خصومه الاسلاميين ورجال الدين الى أن تداعى الأمر الى محكمة الردة سيئة الصيت!! وهو، هو الأستاذ محمود، الذى سعى ليعزى الأسلاميين فى فقدهم لسيد قطب ورفاقه الذين أعدمهم عبدالناصر وقال لعبدالناصر "ستلقى الله وفى يديك من دمائهم أغلال!!"
    ذلك قليل من كثير يمكن أن يقال عن الأستاذ محمود فى هذا الباب، ولكن دعنا نعرج على خصومه الذين علقوه على أعواد المشانق ثم فرحوا بهذا "الذبح العظيم"!! فتاريخهم القريب يطفح بكل ما يشين أمر الرجال العاديين، بله من يدعو الى الدين!! فهؤلاء القوم لا يتورعون عن أتخاذ أى وسيلة، حتى ولو خالفت أمر الدين، لتحقيق غاياتهم بصورة تجعل ميكافيلى تلميذا صغيرا عندهم، فبينما يقول الأستاذ محمود "ان الغايات الصحاح لا يتوسل اليها بالوسائل المراض"، تجدهم، هم، قد بايعوا نميرى أماما وهو يقول "ح نتلب البيوت ونتجسس"!! ويعدونه مجددا للدين ويسوقون الناس لبيعته فى المنشط والمكره!! ألم يقل الترابى للبشير "اذهب أنت للقصر حاكما، وأذهب أنا الى كوبر سجينا"!! مالى أذهب بعيدا، فانهم فى انفسهم لا يتورعون عن وصم كل من يخالفهم، حتى من بنى جلدتهم بكل ما يشين، فتارة قد يكون من يخالفهم مارقا أو ماسونيا، أو شيعيا زراية به!!وتارة عميلا للمخابرات الأمريكية (وقد طلعت الشمس وعلم الناس من هم عملاء المخابرات)!! او مجنونا أو مخرفا ألخ الخ.. ولا تحصر قائمة من استهدفوهم ولكن لا بأس من ايراد بعض الأسماء مثل: الرشيد الطاهر بكر، د.منصور خالد عبدالماجد، د. عون الشريف قاسم، د. محمود عبدالله برات، د. حسن عبدالله الترابى، د. حسن مكى محمد أحمد، د.عبدالوهاب الأفندى، عمار محمد آدم، داؤود يحيى بولاد، محمد طه محمد أحمد، أمين بنانى نيو، مكى على بلايل، عبد الرحيم عمر "الخمينى" وحتى حليفهم السيد الصادق الصديق المهدى، الذى ظل يقدم لهم جلائل الأعمال، منذ مأساة "معهد المعلمين العالى" وحتى وقتنا الحاضر "لم الشمل بجنيف"، فلم يشفع له ذلك، وكأنى بالحبر لم يجف بعد من مقالة المحبوب عبد السلام عن "بارود السلطان المبتل" فى حادثة السيدة البريطانية المعروفة!!
    اما تاريخهم فى العنف بالخصوم، فانه لمما لا يقع تحت حصر!! وكيف يقع تحت حصر، وهم قوم تربيتهم لأبنائهم "فليعد للدين مجده أو ترق فيه الدماء"!! والمجد عندهم أن تجاهد مثلا "رقصة العجكو" فى قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم وترق دماء الأبرياء أو أن تحرق معرض الفكر الجمهورى بنادى الخريجين بود مدنى، وغير ذلك كثير مثل حادثة اغتيال الفنان خوجلى عثمان، وضرب الأستاذ محمود محمد طه فى محاضرة عامة بالأبيض، وضرب وزيرهم الحالى ومفوضهم لمحادثات "السلام" دكتور مطرف صديق "النميرى" للدكتور أحمد المصطفى دالى فى مقهى النشاط بجامعة الخرطوم، وضرب الدكتور أحمد قاسم ورفاقه للدكتور صلاح موسى محمد عثمان بداخليات حسيب بجامعة الخرطوم، وضرب تلاميذ الأستاذ محمود فى مساجد كوستى الخ الخ، وهذه كلها، وغيرها، حوادث مسجلة فى أقسام البوليس وفى ذاكرة الشعوب!! فكلها شواهد تدل على ضيق الاسلاميين بالآخر، وسعيهم لتصفيته أو اقصائه بأى وسيلة مهما تدنت!! بل من هو الآخر؟؟ فليس هناك آخر فى أدبياتهم منذ "مانفستو" الإمام حسن البنا، وحتى أيام ياسر عثمان جادالله وأبونارو!! ولعل أطرف ما يمكن أن يقال فى هذا الأمر يتمثل فى ارسالهم لبعض فتياتهم "الشماليات" للمشاركة فى مهرجان للفنون الشعبية فى باريس برقصة الدينكا وبضعة مليون جنوبية يسكنّ الخرطوم!! حتى سخر منهم الفنان التشيكلى حسن موسى فى اصدارته "جهنم" وأسماهم "دينكا عالياب"!!
    الآخر، عندهم، ليس أكثر من مغانم وأسلاب، ألم تقترح الأستاذة لبابة الفضل – عضو المجلس الوطنى- حلا لمشكلة الجنوب، ان يتزوج كل من الشماليين ثلاثا من "الجنوبيات"؟؟!! وهى على استعداد أن يأتى لها زوجها بثلاث "منهن"!! هل هذه أكثر من أسلاب!! ولعل طرفة أخرى جديرة بالتسجيل هنا، فلعل طلاب جامعة يتذكرون مسيرة "التطبيع" التى فرقتها شرطة الأحتياطى المركزى عند صينية "الاتحاد الاشتراكى"، فلما عادوا، أخذ طلاب الاتجاه الاسلامى يعددون مكاسبهم من تلك "الغزوة" فكان مما عددوه أنهم غنموا "ميكرفونا أحمرا" تركه الشيوعيون!! أى جيش هذا الذى "يغنم" من حلفائه؟!! فالإجابة هى أن "الحليف" ليس هناك!!
    ألا إأن منظر الظلم شنيع!! ألا إن منظر الظلم فظيع!!
    فى خطبة للأستاذ محمود محمد طه فى جامع رفاعة فى سبتمبر 1946، فى حادثة الخفاض الفرعونى الشهيرة التى قادت الأستاذ محمود لكوبر كأول سجين سياسى، جاء قوله:
    ((أيها الناس من رأى منكم المظلوم ولم ينصفه فلن ينصفه الله من عدو . ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره فلن ينصره الله من عدو. ألا ان منظر الظلم شنيع ، الا ان منظر الظلم فظيع فمن رأى مظلوماً لا ينتصف من ظالمه ومن رأى ذليلاً لا ينتصر على مذله فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام وشهامة الاسلام الى النصرة والمدافعة فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر))
    وفى النذارة النبوية أن غضب الله ينزل على قوم رأوا الضعيف لا يقتصون له من القوى!! هذه القيم الانسانية نحن أولى بها من غيرنا، ألا تقرأوا معى ما قاله السيد سيريل ثاومند نائب البرلمان الممثل لحزب المحافظين ورئيس جمعية عزيز للتفاهم العربي ـ البريطاني فى جلسة مجلس العموم البريطاني فى الاجتماع الذي نظمته الأحزاب البريطانية في الثلاثين من شهر يناير 1985، وذلك للتنديد بالجريمة البشعة التي ارتكبها النظام السوداني بتنفيذ حكم الإعدام بالشهيد محمود محمد طه، حيث قال: "والجريمة التي تمثلت في شنق هذا الرجل المسن بهذه الطريقة البشعة ودون أن يحظى بمحاكمة عادلة هي جريمة تقلص من قيمتنا، نحن المجتمعين في هذه القاعة ومن قيمة كل إنسان يوجد على وجه البسيطة"!! (الخطوط من عندى) فإذا عجز الأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم عن أن يقف مثل هذا الموقف، فلماذا اذن يريد ليطفف الأمر، ويدعونا ألا نستغل هذه "الحولية" لتحميل الإسلاميين وزر ذلك، أليس هو القائل فى الصحافة 26/10/1999 ((وتكأكأ خصوم الحركة الجمهورية عليها من باب هذا الشطح وحصروها سادين المنافذ عليها إلى العامة من الناس، حتى قتلوا الأستاذ وسموه "الذبح العظيم"))
    أعجب لأمر الأستاذ الدكتور عبد الله على ابراهيم يدعونا لذلك، ودكتور الترابى نفسه يعبر عن تأيدهم لاغتيال الأستاذ محمود في إجاباته على جريدة (الهدى) بتاريخ 9 جمادي الآخر 1405 فقال عن الأستاذ محمود "محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً" !! ، "لأن دعوته دينية ، لأنه رجل له قضية ، وقضيته ضد الدين الذي تعرفونه من الإسلام في الضرورة)) أبعد هذا، مزيد لمستزيد!! أملكيون أكثر من الملك؟؟؟ حضرة الأستاذ الفاضل!! ثم أى شطح هذا الذى يتحدث عنه الأستاذ الدكتور؟! فالأستاذ محمود لم يزد على أن دعا الى الانتقال من نص فرعى فى القرآن فى القرن السابع، خدم غرضه حتى استنفده ، لنص أصلى مدخر فى القرآن حين تستشرف البشرية عهد رشدها!! أهذا شطح أم أن الناس يريدون أن "يستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير" لم يزد الأستاذ على ما قلت ولكن مثل الأستاذ الدكتور وغيره من الناس استنكروا عليه ذلك، وعدوه شطحا فحقت فيهم الآية: ((((واذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، قالوا: انما أنت مفتر!! بل أكثرهم لا يعلمون!!* قل نزله روح القدس من ربك بالحق، ليثبت الذين آمنوا، وهدى، وبشرى، للمسلمين..)) ليس فى الأمر شطح يا حضرة الدكتور، فكل ما فى الأمر أن الاسلاميين بعدما حلوا الحزب الشيوعى السودانى وحقروا القضاء بجعل حكمه تقريريا، تلفتوا لمن هو ليس فى البرلمان كيف يسكتونه؟؟ وهو يسمى وريقتهم "الدستور الاسلامي المزيف"!! فأقاموا له محكمة الردة!! ليس أكثر من ذلك، فهو رجل يدعو لتحرير الانسان من حيث هو انسان، وهم يسعون لتكبيله بل ولاستعباده خدمة لمصالحهم "الاقطاعية" الضيقة!! ألم يحدثك صديقك الدكتور حسن أحمد ابراهيم عن مذكرة السيد عبدالرحمن المهدى والسيد على الميرغنى والسيد الشريف يوسف الهندى عن مذكرة احتجاجهم للإدارة البريطانية ضد قانون "تحرير العبيد"!! أم أن الناس لا تزال تدرس التاريخ انتقائيا؟؟!!
    ثم نعود لأمر سعى الأستاذ الدكتور عبدالله وهو يدعونا غريب دعوته تلك، والبرفيسور حسن مكي يقول فى الوفاق 5/12/1998
    (( قتل محمود محمد طه جريمة شاركنا فيها جميعاً سواء بالتواطؤ أو السكوت.)) ويقول عن الترابى بالذات: ((أنا اعتقد انو كان خائف على أنو نميري ينكص عن اعدام محمود محمد طه.. ويدعو الله ألا يحدث ذلك...))
    ويسأله المحرر
    س: ولكن الترابي يعلن دائماً ان المرتد فكرياً لا يقتل؟
    فيجيب
    ج: انت تريد ان تخرج لموقف الترابي!! وأنا اوثق للتاريخ..
    س: هنالك رأي يقول ان د. الترابي كان حريصاً على اعدام محمود. وأن محمود كان يمثل منافساً شخصياً له على مستوى الطرح الاسلامي.؟

    كيف يدعونا لذلك، وكاتبهم محمد طه محمد أحمد يقول فى جريدة الوفاق 26/1/2002
    ((ولابد ان يقف كل الناس طويلاً امام موقف الدكتور النعيم الذي تدمغ بعض الجماعات الاسلامية حزبه بالكفر وتدعم الحكم بالاعدام على من يعتنقون هذا الكفر ان فكر الدكتور النعيم يريد الحياة الكريمة للسلفيين من تنظيم قاعدة الجهاد وحركة طالبان ورفض ان يصمت والكلام يكلفه غالياً وواشنطن تتربص اجهزتها الاستخبارية بكل صوت يبدو متعاطفاً مع طالبان وقاعدة الجهاد. رفض الدكتور عبدالله النعيم ان يعمل باضعف الايمان وكان في امكانه ان يلجأ لفقه تغيير المنكر بالقلب فقط فيحافظ على مصالحه في امريكا ولكنه اختار ان يصدع بكلمة الحق. ان سلوك الدكتور النعيم هو اعظم هدية للجماعات الاسلامية في السودان التي تقول (لابد من ابادة التنظيم الجمهوري بعد اعدام زعيمه المهندس محمود عام 1985)
    كيف يبرؤهم وهتاف عمار محمد آدم الذى وثق له الصحافى محمد لطيف "سقط هبل"!! بل وهتاف محمد آدم عيسى والمحبوب عبد السلام وحسين خوجلى يدمغهم بما أراد الأستاذ الدكتور أن يبرئهم منه!! من هم الاسلاميين ان لم يكن هؤلاء وأحمد محجوب نور؟؟!!
    أليس الأستاذ الدكتورعبد الله علي ابراهيم هو القائل فى الرأي العام 29/4/2003 ((وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السريّة في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عباراتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة والوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو إساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية . فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من امثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بانهم من اعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير انه خاضع للنظر والمراجعة الآن . ويكفي ان تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبد الرحمن المهدي لكي تشكك في صواب هذه الزائعة عن اؤلئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه عليه الرحمة في 1968 اسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة واطوارها وبمنطويات النفوس). فانى لأتساءل مع الدكتور عمر القراى (سودانايل 2003) كيف يطلب الأستاذ الدكتور من الجمهوريين ان يلطفوا عباراتهم في نقد القضاة ، ولم يكن له اي موقف، حين اساءوا للجمهوريين وآذوهم وكفروهم؟ ألأنه يحترم الفقهاء والوعاظ ولا يعبأ بما جرى للجمهوريين حين اهدرت دماؤهم؟!
    ثم لعل ثالثة الأثافى قول الأستاذ الدكتور فى جريدة الصحافة: ((وربما سعد شيعة محمود بمحنة أبي قرون لاتهامهم له بأنه المدبر الخفي وراء مصائر محمود وأحبابه)) من قال لك أننا نشمت بخصومنا؟! إننا لا نشمت بهم!! بل نأسى عليهم ونعلم أنهم ضحايا مناهج قاصرة آن لها أن تصحح، ولا تصحيح لها الا بما جاء به الأستاذ محمود، فمن الأجدر للناس أن يأخذوا به "قبل ضحى الغد"!! ومما يجدر ذكره هنا، انه كانت قد صدرت لنا عدة كتب عن أحد الرموز السياسية البارزة، وأثارت جدلا واسعا، فجاء أحد الناس ليحدث الأستاذ عن ذلك "الرمز" بحديث ساقط، فما كان من الأستاذ الا أن قال له بالحرف الواحد "نحن مجالسنا دى ما بنسمح فيها بكلام زى ده"!! فكيف بمن كانت هذه أخلاقهم أن يشمتوا على أحد؟!! هل سمع الناس بقراءة الأستاذ والجمهوريين للإخلاص "باخلاص" – كما دعا الأستاذ تلاميذه- على روح الدكتور الأمين داوؤد محمد وما ذكرت عاليه من أمر سيد قطب!! نحن لا نشمت ولكننا نأسى مشفقين عليهم وعلى كثيرين غيرهم، والأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم واحدا منهم!! ولعل أقل ما يدعونا لأن نأسى عليه مثل هذا القول الذى يخلو من تثبت العلماء!! "وكثيرا"!!!
                  

04-20-2008, 11:57 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في الـــرد علــى الأفنــدي «2»

    الأصل في المرأة هو الحياء. ولما كان الدين دين فطرة، فإن الفطرة السوية تتجه الى الحياء في مقابل اتجاه فطري آخر هو الغيرة عند الرجال. وما بين الحياء والغيرة يحدث التوازن المطلوب ما بين الحجب والتعري. ومصطلح (الحجاب) المتداول يعني الحشمة والتي هي جزء من جمال المرأة حتى في الجنة (حور مقصورات في الخيام)، ذلك لأن الدرة النفيسة يحتويها الصدف وتوجد في داخل القوقعة (المحارة) (كأنهن بيض مكنون). ذلك لأن الجمال لا يصلح ان يكون (تحت الأضواء الكاشفة)، وقيمة الرمز ان يظل رمزا، وهذا هو الفهم المتقدم الذي لم يصل اليه الترابي حين يعرضه تلميذه النجيب الأفندي كأنه مفكر حداثي.. والأغنية الحقيقية في السودان قد تقدمت على فكر الترابي حين غنت (حجبوه عن عيني). وقد تفتقت عبقرية الشعراء عن معانٍ رمزية تحدثت عن المرأة المعنى والروح.. واسألوا في ذلك اللواء المبدع عوض احمد خليفة.


    الترابي لا يعي المعنى الجمالي الشفيف في قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها). انه نداء ابوي لطيف لا يتعامل بالعقلية القانونية الجافة التي يستخدمها الترابي.. من منطلق علاقة حب، من رب لطيف، كان يقول الرجل الكبير للبنت في القرية (يا بت غتي راسك).. هكذا يأتي المعنى يا افندي.. يا ترابي.. والمستنسخون من الترابي الذين يستترون الآن بالمواقع الرسمية وبرنامج (المنتدي الفقهي) الذي كان يقدمه أمين حسن عمر الأسير في ذات الاتجاه لكن بطريقة مختلفة... اذن أفما يحق لنا ان نقول (ذهب الترابي وبقي الترابيون)؟.

    لقد استهدف الترابي خروج المرأة منذ وقت طويل وظل يأتي ببعض الشواهد والحالات الاستثنائية والشاذة ليصنع منها حكما. وكانت النتيجة ان خرجت النساء (مشلهتات) في الطرق والمركبات من بعد ان حالت الظروف القاهرة التي وضعها الواقع السياسي والاقتصادي دون ان تكون للرجل القدرة على القيام بمسؤوليات الأسرة..

    ليت الترابي قد اتخذ من الخطوات الاقتصادية والسياسية التي تكرم المرأة حينما توفر لها السكن المريح والتعليم السهل والحياة الكريمة. وإذا كان الترابي يعتمد الأسلوب العلمي حين يرى ان الذباب ناقل للأمراض فما باله لا يغطي رأس المرأة خوفا عليها من التأثيرات الجوية وأشعة الشمس والغبار.. ويدعوها لكي تسقط الخمار عن رأسها وعنقها ليتدلى على صدرها؟.

    وهل يصل بنا الترابي الى ما وصل اليه الأستاذ محمود محمد طه في معنى (قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سواءتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير)؟!!.

    ما معنى ان يفجر الترابي قضايا انصرافية تستفز المفاهيم العامة ولا تضع بديلا؟ وهل ادرك شيخك يا افندي ان المرأة معراج روحي من نوع خاص؟ وماقصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز حين طغت الحالة الروحية على الجسد فتقطع اللحم وسال الدم ولم يكن هنالك احساس بسبب الفيض الروحي الذي افاء به يوسف على تلك النسوة فقلن (ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم).. وقد وصفنه بالملائكية ونفين عنه البشرية. وليت الترابي قد وجد بديلا لنون النسوة في اللغة بدلا من بحثه المضني عن بديل (الحجاب المصطلح).

    مجرد الحديث عن قضايا المرأة من قبل الرجال، وتنصيب الرجل من نفسه مدافعا عن قضية المرأة، مجرد ذلك هو ممارسة استعلائية وعقلية متخلفة تفترض عدم قدرة النساء على التعبير عن قضاياهن.. الم تسمع قولهن (نحن ستات بنعرف بعض)؟؟!!..


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504358&bk=1

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-20-2008, 11:58 PM)

                  

04-21-2008, 00:00 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الترابي/في إفادات ساخنة لـ «الســــــــــــوداني» «2»حكاية قطارات مابعد منتصف الليل ذات الحراسة المشددة!!

    الاستاذ عوض بابكر مدير مكتب الدكتور الترابي اخطرني وأنا اتأهب لدخول مكتبه بمقر حزب المؤتمر الشعبي انه قد تم منحي نصف ساعة إضافية على الزمن المقرر اصلاً للحوار الذي انا بصدده..

    نصف الساعة هذه مضى اكثر من نصفها في حديث جانبي مع الترابي .. والحديث ذو شجون.. وذلك بعد أن اصر على ترك مكتبه الفخيم ليجلس إلى جانبي في تواضع ليس فيه تكلف اوتصنع .. ثم دخل علينا خلال الحوار الاستاذ موسى المك كور احد قيادات المؤتمر الشعبي وجلس صامتاً يؤثر الإستماع إلى ان اثيرت القضايا الفقهية التي الهبت الساحة مؤخراً فبدا حريصاً على استجلاء بعض الحقائق من شيخه وزعيم حزبه كمن يسعى إلى ان (يطمئن قلبه) سيما مايتعلق بقضية الدابة وعذاب القبر ويأجوج ومأجوج.

    كان الترابي ـ وطوال فترة الحوار ـ يبدو نشطاً .. ومستقر الذهن .. ومرتب الحديث إلى درجة جعلتني ابحث من بين ثنايا ذلك كله عن (بوصلته المفقودة) حسبما وصفه بعض أهل المؤتمر الوطني خلال المرحلة الفائتة.

    بل واستطيع ان اقول دون أية مبالغة انه كان اكثر حضوراً ذهنياً مما كان عليه حين اجريت معه آخر حوار صحفي قبل فترة من الزمن ليست بالقليلة..

    صراع القصر .. حقائق النفط ..ذهب العراق.. اسلحة الصين.. مفاوضات ابوجا.. ثورة الاطراف . الإجتهادات الفقهية.. هذه بعض قضايا فرضت نفسها على اجواء الحوار منها ما أدلى حوله الترابي بإفادات تقال لأول مرة..

    فما الذي قاله ياترى؟!!

    كنت ضد إعدام محمود محمد طه وضد إعدام مجدي وجرجس والطالب الجنوبي!
    اعترضت على فكرة إنزال الشريعة بتلك الطريقة الهوجاء في عهد نميري!

    هناك أسلحة دخلت بلادنا لتعبر شمالاً وشرقاً وأخرى استقرت.

    ما حدث في محكمة انقلاب رمضان هو «ابادة» وما زلت حزيناً الى اليوم

    أتتنا مكاييل من الذهب من العراق ولا تسألني لمن هي

    التصنيع الحربي ليس في الميزانية وهو ممول بالكامل من الخارج

    ـ طيب ننتقل نقلة أخرى .. يقال أنك شخصياً كنت تسعى إبان سنوات الانقاذ الاولى إلى ان تمتلك الانقاذ بعض أسلحة غير تقليدية.. هل هذا صحيح.؟

    ماكان يعنيني في ذلك الوقت هو بسط التعليم.. بسط الإتصال.. بسط الحريات.. كل هذه كانت خططاً وليست ضمن تمنيات أن تبدأ الصحافة .. ثم تبدأ الأحزاب.. وكانت لنا خطط كذلك حول النهضة العلمية .. ان ينتشر التعليم العام.. وان ينتشر التعليم العالي.. وان يبدأ التصنيع الحربي ..وكسبنا كسوباً في كل ذلك ..ولكنا كنا نعلم أن مثل هذه المسائل لاتأتي بالقفز ..لابد ان تصعد إليها درجاً..

    ـ ما قصة قطارات مابعد منتصف الليل التي يقال أنها كانت تدخل بحراسة شديدة وتستقبل بحراسة شديدة؟

    لعلك تعني التصنيع الحربي .. التصنيع الحربي أولاً لم يكن ممولاً من السودان.. لم يكن ممولاً من الميزانية .. لو راجعت الميزانية ستجد أنها لم تقدم ولا ديناراً واحداً.. ثانياً كنا نعلم ان العالم الخارجي دائماً يريد ان يحفظ لهذه القوى سقفاً عالياً.. فاذا نحن كنا دولة مسكينة فلابد ان يكون السقف (واطئاً) جداً .. ونعلم ان دولاً قربنا لم ترق إلى معالي العلوم والبحوث.. التي إرتفعت مثل العراق مثلاً انا كنت مطمئناً إلى انها ستهاجم لأنها أوشكت أن تهدد إسرائيل وتهدد كذلك موازين القوى الإستراتيجية .. ولذلك..

    ـ (مقاطعة).. طيب العراق هذه تحديداً الم يتم استجلاب اسلحة منها إلى بلادنا؟

    نعم .. نعم.. صدام كانت له روح عزة عربية وقال إن السودان مادام يقاتل من أجل نشر اللغة العربية .. ومن أجل عروبته ودينه . عموماً هو لم يكن متديناً جداً.. بسط لنا سلاحاً كثيراً وقال لنا عدوَه بيعاً بأجل وانسوا هذا حتى لا تقولوا إننا تلقينا عطاءً امام السائلين.. هو كان يجود جداً .. الاسلحة كانت تأتي من تلقائه واحياناً كانت تأتي من بلد في شرق آسيا لبلد آخر .. شمالنا أو في الشرق.. لاتجرؤ ان تصل إلى ذلك البلد مباشرة ولكن تدخل علينا لتعبر إليها..

    ـ كما خفيت عليك محاولة إغتيال حسنى مبارك حسب قولك .. هل هنالك احتمال ان يكون قد خفى عليك ايضاً هذا الجانب ايضاً .. اعني الاسلحة غير التقليدية؟

    طبعاً لا أستبعد .. لأنه قد خفيت على اشياء كثيرة جداً .. حتى هذه الأسلحة العراقية .. والأسلحة الصينية .. واكون صريحاً معك .. انا ماعلمت بها مباشرة أو في دائرة الشورى قبل ان تقع .. ولكن بعد حين تتسرب الأخبار في الدوائر الداخلية فتبلغك .. ويبلغوننا ايضاً انه من العراق أتوا إلينا بمكاييل هائلة من الذهب .. من أين أتى به العراقيون ..يستحسن الا أقول لك الآن .. ولكن لك ان تفكر وتقدر.. فالعراق ليس البلد الذي ينتج الذهب مثل السودان..

    ا ـ ولكن كيف لنا ان نفهم ذلك؟! ..فربما من الصعب تصديق ان الدكتور الترابي الذي كان ما كان في الإنقاذ تحدث أشياء كثيرة من وراء ظهره .. اذا صدق هذا فكيف نفهم حكاية انك كنت مهيمناً على نظام الانقاذ وكنت الرجل الاول فيها من حيث الابوة الروحية؟

    هذا وهم عام أصلاً.. فالغربيون عندهم الدين هكذا .. البابا ..مثلاً يعلم كل شئ وهو معصوم من الخطأ ومن الجهالة ..ويعلم الغيب .. واذا كان الناس متدينين تبعوا له كما يحدث في الجيش مثلاً ولكن هنا انا كانت تهمني الخطط .. كيف يتطور نظام الحكم.. كيف يتطور الاقتصاد.. كيف ينتشر التعليم.. هكذا كنت اصلاً يعني .. احياناً يؤتي بي ويقال لي نحن نستحي من فلان فاذهب له انت وقل له انه قد تم إعفاؤك .. فاذهب انا واحتمل منهم.. احتمل منهم..

    ـ يعني تشيل وش القباحة؟

    نعم .. نعم.

    ـ طيب يادكتور من عباراتك التي استوقفتني قولك انك كنت ترفض قتل النفس وذلك في معرض حديثك عن محاولة إغتيال حسني مبارك وماقلته من ان هناك تخطيطاً كان يقضي بتصفية بعض من وقفوا على المحاولة تلك او لديهم علم بها.. طيب .. ماذا عن الانفس التي قتلت في بدايات عهد الانقاذ مثل مجدي وجرجس والطالب الجنوبي الذي لا اذكر اسمه الآن بسبب حيازتهم على عملات تخصهم؟

    يا أخي الناس دائماً يحسبونها كذا يعني .. انا كنت مع نميري .. كنت نائباً عاماً ولدي سلطة الاعتقال ولم اعتقل احداً.. وكنت أصلاً ضد فكرة انزال الشريعة بتلك الطريقة الهوجاء .. كان لنا برنامج آخر .. بإنزالها بالتدرج وبطريقة لطيفة ولكن نميري اراد ان ينزلها هكذا ومحمود محمد طه كنت اعرفه منذ ان كنت طالباً..

    ـ (مقاطعاً).. انا كنت جاييك لموضوع محمود محمد طه .. ولكن مادمت ذكرته فإن الناس ينسبون ماحدث للاستاذ محمود لك انت شخصياً؟

    كما قلت لك منذ ان كنت طالباً صغيراً .. كنت قريباً من الديم .. اخوه ساق استاذنا.. من الخير ألا اذكر الاسماء . . وزوجه .. بنته الصغيرة وغير له لبسه وكتبه .. وهو اخذنا من الصلاة إلى السجن فأخرجنا الداية التي اقامت الختان الفرعوني..ثم اخذنا الصباح لما اخذت الداية إلى المديرية بمدني حتى حطمنا كل السجن وهددنا المفتش.. ولذلك فانا ماجادلت محمود .. اصلاً في حياتي .. ولكن كل قوانين الطوارئ والقوانين الجنائية معروف انني كنت ضدها..

    ـ ماذا كنت تفعل في القصر اذاً؟

    نميري قال لهم لا تعطوه ولا ورقة (يضحك).. كنت اتمتع بلقاء الاجانب .. ولقاء الاصدقاء.. كل ذلك بعيداً من مركز القصر .. فانا آرائي في القتل معروفة منذ زمان بعيد.. انا ضده.. وبعشرات الآيات .. فلايمكن ان يغلبها قطعة من حديث .. وهكذا كانوا أحياناً يغلبون الحديث على الآيات..

    ـ انت قلت ان اعدام محمود محمد طه كان اعداماً سياسياً؟

    طبعاً كان إعداماً سياسياً .. هو أيد ضرب الجزيرة أبا .. وأيد .. ولكن حين بدأ نميري يطبق الشريعة هو إعترض.. هو كان يريد شريعة اخرى .. هذه قضية أخرى لا اريد ان اتكلم فيها..

    ـ اذن انت كنت ضد اعدام هؤلاء الذين ذكرتهم لك قبل قليل؟

    والله اشد الحرج كان لي مع الاخ القبطي .. الاخ .. فيلوساوث .. كان ياتيني وانا الحرج يكاد يقتلني لان في تلك المرحلة ماكان من الممكن اخراج الخلافات إلى العلن .. وماكنت ادري ماذا اقول له .. ماكنت مقتنعاً أصلاً بهذه القضية .. اما بالنسبة للإغتيال السياسي ،فانا تحدثت في ذلك كثيراً.. كنت أقول لهم لا تصبوا غضبكم على واحد لأنه يرمز لعدوكم.. كنت أقول لهم لن يجديكم ذلكم شيئاً .. ان قتل عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب أفسد كل تاريخ الإسلام .. ان قتل الرؤساء ماقدم قضية القاتلين شبراً واحداً ..

    - في ذات الإطار.. ـ (مقاطعاً)..

    في ذات الإطار انا تحدثت في قضية حسني مبارك ان بعض الاشخاص من بلد آخر جاءوا يستهدفون رئيسهم..

    ـ ايضاً هنالك تساؤل حول السرعة التي تم بها إعدام منفذي محاولة رمضان الإنقلابية رغم استجابتهم ـ حسبما يقول البعض ـ للنداء وعدم اراقتهم لاي دماء؟

    يا أخي الكريم .. والله ماسمعت بهذا الإنقلاب إلى ان جاءوني في الصباح الباكر وقالوا لي اخرج من البيت ..لماذا ؟! قالوا هنالك انقلاب ..هذا المساء ام الصباح الذي مضى؟!.. قالوا الصباح الذي مضى .. اذاً لماذا اخرج؟! .. وانتظرت لأتبين

    ماهو هذا الإنقلاب .. القضايا العسكرية دائماً العسكريون يؤثرون ان يستأثروا بها .. سمعت بعد ذلك مباشرة انهم قد ابيدوا .. ابيدوا والله لانه اطلقت تعليقات على هذا العمل. على هذا العمل .. بهذا النهج يعني .. حتى الذين قاموا على تلك المحكمة إلى يومنا هذا بيني وبينهم شئ من التوتر .. الذين قاموا بالقضاء العسكري فضلاً عن الآخرين..

    الجزء الثالث والأخير من حوار (السوداني ) مع الدكتور الترابي هو حول قضية الاجتهادات الفقهية وردود العلماء عليه ورأيه في هؤلاء العلماء ورأيه في جعفر شيخ إدريس.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504224&bk=1
                  

04-21-2008, 00:08 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حسب الظروف)حقوق الإنسان والتنمية والسلام
    د. كامل ابراهيم
    لعله من المفارقات القليلة السارة أن يسيطر النقاش في ندوة حول ثقافة حقوق الإنسان وكيفية نشرها وتعليمها في بلد لا يزال حكمه شمولياً لا حقوق لإنسانه ... يشرب مواطنه ماء الخز مع الهوان ويأكل في الغالب الأعم وجبة واحدة في اليوم كله مع الخزى وفمه ملجم .. تقتله الملاريا والغبن مع الإهمال المتعمد ... فمرحباً بالسلام وتوابعه من ديموقراطية وحرية ... فقبل أن يبلل طله أرواحنا المتعطشة إليه ها هو ذا دعاشه فقط يرطب أجواء القهر والتسلط ويجبر الأخشيديين - كما يصفهم محمد المكي إبراهيم - علي الإعتراف بحقيقة هبوب رياح التغيير فلا بد لشجرة الإعتساف إذاً أن تنحني أمامها وإلا أقتلعتها من جذورها . هذه المقدمة سقتها بمناسبة تنظيم مركز (دراسات حقوق الإنسان المقارنة) بمكتبة البشير الريح يوم الخميس الموافق 22 ديسمبر تحت العنوان أعلاه ندوة كان المتحدث فيها البروفسير عبد الله النعيم ... والأستاذ عبد الله باحث مدقق حاسم في آرائه لا يحيد عن مبدأه مهما كانت المعارضة لما يقول قوية وسلاحه الوحيد هو المنطق ... لذلك تجد نفسك تحترم الرجل سيان إتفقت معه أو إختلفت كما يجبرك الأستاذ ويستفزك على التفكير والتعمق في ما يقول فالبروفسير عدو للسطحية ولذلك يقسرك قسراً على التفكير ولا يترك عقلك يركن للكسل ... هنا لا أريد أن ألخص المحاضرة القيمة ... كل ما أوده هو أن أسلط الضوء على بعض النقاط التي أعتبرها تحتاج النقاش لما فيها من جدة .

    إستهل البروفسير محاضرته بتأكيد أمرين : أولاً أنه من تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه وهو يفتخر بهذا الإنتماء ... وثانياً إنه لا يحمّل الأستاذ ولا أية مجموعة أخرى عواقب ما يطرح من آراء فهو لا يمثل غير نفسه ... وفي بداية المحاضرة يقول الأستاذ عبد الله أن العنوان كان موفقاً إذ أن حقوق الإنسان والتنمية وكذلك السلام كلها المقصود بها الإنسان من حيث هو إنسان ولا ينفذها إلا الإنسان لذلك فالإنسان من حيث هو إنسان هو الهدف والوسيلة في آنٍ معاً .

    وعن حقوق الإنسان يقول : إن ربط أي حديث عن حقوق الإنسان في معناها الحديث الى ما قبل منتصف العقد الخامس من القرن العشرين هو حديث لا يمت للواقع بصلة إذ أنه ورغم المرجعيات المختلفة (الأسلاميون ومرجعيتهم الإسلامية والمسيحيون ومرجعيتهم المسيحية والماركسيون ومرجعيتهم الماركسية الخ) فإن ما يهمنا هنا هو الإعتراف بحقوق الإنسان من حيث هو إنسان وأن إرجاع حقوق الإنسان في فهمها الصحيح لأية مرجعية واحدة بعينها هو تناقض وإنقاص لحقوق الإنسان .... وحتي الرجوع الى الشريعة الإسلامية كمرجع وحيد لحقوق الإنسان فيه إعتداء على حقوق الإنسان وذلك لتميز المسلم في الشريعة الإسلامية على غير المسلم في بعض النواحي وفي هذا إنتقاص من حقوق الآخرين ... نفس الشىء نقوله عند إرجاع حقوق الإنسان ألى أي دين أو أيديولجيا إذ أن حقوق الإنسان ليست بالشىء المكتسب لإعتناقه لدين ما أو فكر ما أو هدية من أحد ولذلك لا يمكن أن تُسلب ... وهنا يجب أن نفرق بين النصوص الدستورية التي تنص بهذا الحق أو ذاك لمواطني البلد المعين وبين حق الإنسان من حيث هو إنسان فالحق الدستوري يعطيه الدستور للمواطن لذلك يمكن أن يُجمد ويصبح حبراً علي ورق فقط أو حتي يمكن أن يُغير الدستور إذا تم تغير أساسي في طبيعة الدولة (مثال ذلك النظم الشمولية) . .. وحتي عندما إستشهد الدكتور محمود الشعراني بقصة النبي الذي لا يأكل وحده وهكذا إستمر ثلاثة أيام دون طعام لأنه لم يجد من يشاركه فيه عندها خرج الي البرية وهنالك قابل شيخاً تعدى السبعين من عمره وعندما عرف النبي أن الشيخ مجوسي قال له : لو كنتَ مسلماً لأطعمناك .س فلامه الله في ذلك وقال له ما معناه : أنا أطعمته سبعين سنة وأعلم أنه مجوسي وأنت لا تطعمه وجبة واحدة لأنه على غير دينك ؟.س ليؤكد على حقوق الإنسان من منطلق ديني ... ويضيف الدكتور محمود إن الله ربط عبادته لأنه وفر لعبده الأمن الغذائي (أطعمه من جوع) ووفر له الحياة الآمنة .... رفض البروفسير النعيم هذا الإستشهاد لأنه يعتقد أن حق الحياة حق أساسي لا يحق ربطه بدين أو تصرف وكرم إنسان ما كان من كان كما لا يشترط أن يعبد الإنسان أو حتي يعترف بوجود الله ليستحق هذا الحق .

    وعن التنمية يقول النعيم : إن التنمية تعني الخير للإنسان والإنسان فيها - كما أسلفنا - هو الوسيلة والغاية وبالتالي لا يمكن تحققها دون مشاركته ... وكيف يمكن للإنسان أن يشارك في نشاط ما لم تتوفر له الفرصة في الإشتراك في إتخاذ القرار مما يعني بالضرورة حرية الرأي والتنظيم والمحاسبة ... لذلك يجب ألا نستغرب عندما تشترط بعض النظريات في مجال التنمية توفر الديموقراطية وحقوق الإنسان كشرط أساسي إن أردنا تنمية مستدامة . والتنمية لا تعني توفر الطعام وحده بل توفر كل إحتياجات الإنسان الإجتماعية والثقافية والإقتصادية في مستوى يوفر له حياة إنسانية لائقة .

    وعن السلام قال بروفسير النعيم : إن السلام معناه أن تنعم بالأمان لنفسك وممتلكاتك كما يعني حرية الإعتقاد والتعبير والحق في التنظيم دون أن يهددك مهدد وأنت تمارس كل هذه الحقوق ... وقبل كل هذا فالسلام يعني حقك في الحياة بتوفير العيش الإنساني الكريم مع توفير العلاج والرعاية الصحية ويجب ألا يفهم بمعني ألا يتعدي على حياتك أحد في المعنى الضيق ... وحسب هذا التعريف فمن حق المواطن أن يقاضي حكومته إن هي لم توفر له العمل المناسب الذي يستطيع عن طريقه أن يوفر اللقمة الشريفة أو أن تعطيه الحكومة ما يوفر ذلك إن هي فشلت في إيجاد العمل له .

    وفي الختام وضح النعيم ترابط العناصر الثلاثة وكيف لا يمكن تحقيق أي منها دون تحقيق الآخرين فلا سلام بدون توفير حقوق الإنسان وهل يمكن أن يوجد سلام أو تراعي حقوقه بدون غذائه وبالتالي إمكانية حياته مما يعني ضرورة التنمية ... وهنا لابد من شكر البروفسير عبد النعيم علي الماحضرة المفيدة .


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504162&bk=1

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-21-2008, 00:17 AM)

                  

04-21-2008, 00:19 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الترابي ينفض يده من إعدام محمود محمد طه
    جدد الدكتور حسن الترابي اتهامه للمؤتمر الوطني بعدم انتهاج الشفافية في ما يتعلق بإنتاجية النفط، وقال إن المؤتمن على هذا القطاع عُرف من قبل قيام الانقاذ بالحرص على ما كُلف به، وعزا زعيم حزب المؤتمر الشعبي كف الشريك الثاني عن المطالبة بإظهار الحقائق حول انتاجية النفط الى ما سماه بأمور تحدث في عهد الانقاذ تجعل البعض يكف عما كان يطالب به، لافتاً الى ان صمت الحركة الشعبية إزاء هذه القضية لا يعني اقتناعها بما يقوله المؤتمر الوطني.

    وكشف الدكتور الترابي النقاب عن اسلحة عراقية وصينية دخلت البلاد رسمياً، وقال انها دخلت البلاد خلسة دون علمه، رغم انه كان جزءاً من سلطة الانقاذ في ذلك الوقت، مشيراً الى ان كثيراً من الاحداث والقرارات والاجراءات كانت تتم دون علمه، منها اعدام مجدي وجرجس والطالب الجنوبي بسبب حيازتهم

    لعملات اجنبية. وجدد رفضه لما سماه بإزهاق الارواح دونما مسوغ شرعي وقانوني، كما نفى الترابي ¬n-في سياق حوار شامل اجرته معه (السوداني)- موافقته على اعدام زعيم الجمهوريين محمود محمد طه من قبل، وقال ان نميري قصد تهميشه إبان مشاركة الإسلاميين في السلطة حتى في ما يتعلق بالقوانين الاسلامية.

    وتوقع الامين العام للمؤتمر الشعبي تفكك سلطة المركز عبر ثورات تقع في الاطراف هذه المرة، بخلاف ما كان عليه الامر في اكتوبر وابريل، وقال إن هذا التفكيك يأتي كرهاً بعد ان ابت الانقاذ له ان يأتي طوعاً استجابة لرغبات الداخل.

    من جهة اخرى، اشار الترابي الى وجود صراع خفي داخل مؤسسة الرئاسة معدداً ا-في الحوار المذكور- الاسباب التي قال إنها أفضت الى هذه الخلافات.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504087&bk=1
                  

04-21-2008, 00:23 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في الــــرد علــــى الأفنـــــدي
    عمار محمد آدم
    لعل صاحب كتاب (الثورة الترابية) يواجه اليوم قبل اي وقت مضى محنة شخصية تتمثل في ازمة النموذج والفكرة معاً ومافتئ الاستاذ الافندي ينتقد نموذج المشروع الحضاري المتمثل في حكومة الانقاذ ويجد الكثير من التبريرات الموضوعية لفشل المشروع، مع احتمالات بقاء الفكرة على طريقة الشيوعيين الذين اعتبروا انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي على يد غرباتشوف بانه مجرد سقوط للنموذج الاشتراكي وتظل الماركسية من بعد فكرة قد تتجلى في مستويات اخرى. وددت لو ان الاخ الافندي جثا على ركبتيه ولعن حظه العاثر الذي ألقى به في هذه المتاهة الفكرية والعملية ولكننا كثيراً ما نحاول ان نجد التبريرات لأنفسنا بحثاً عن التوازن النفسي. ولربما من منطلقات عاطفية وما يقوم به الترابي اليوم هو مجرد غوغائية فكرية تفتقد الى المنهج العلمي ولا تستند الى اي مرجعية فكرية ودينية وهي لا تعدو ان تكون محاولات تشكيل وهدم لمسلمات ومعتقدات راسخة، اذ ان حقيقة الدين هي الاتباع وأصل العلم التجريب العقلي او العملي في شكل التجارب العلمية او النظريات الفلسفية، وليت الاخ الافندي استطاع ان يبين لنا اي منهج يتبعه الترابي، خاصة وانه قد استعبد البعد الغيبي والباطني.

    لعل جدار صالون الترابي قطعة من كسوة الكعبة المشرفة ولا أعتقد ان قيمتها الفنية تؤهلها لاتخاذ هذا الموقع ولكن قيمتها الدينية ومعنى (البركة) هو وحده العامل الوحيد في بقائها، خاصة وان الترابي قد ادى مناسك الحج قبل عامين ورمى الجمرات السبع وليس قطعتين من القماش وما الى ذلك من الشعائر، ولا أعتقد ان ما جاء في الاثر النبوي في حديث الذبابة يخرج من دائرة الالتزام والاتباع على طريقة المنهج الديني الذي ادى به الترابي مناسك الحج ويطلق به لحيته ويضع عمامته، ولو كان الترابي مجرد استاذ جامعي او مثقف حداثي لما اثارت احاديثه مثل تلك الضجة، ولكن كونه يستند الى قاعدة اسلامية تقليدية ويقودها ويتحدث باسمها هو الذي اعطى حديثه كل هذا الزخم، ولعل ذلك ما ذكره الافندي ولكنه لم يتعرض الى البعد الاخلاقي في ذلك والنزاهة الفكرية والصدق الايدولوجي، خاصة وان الترابي قد سكت عن هذه الافكار وانكرها وجعل موضوع زواج الكتابي من مسلمة مجرد فتوى تتعلق بحادثة محددة، وصار الحديث عن حديث الذبابة يصدر عن اعدائه الذين حصلوا على تسجيل واحد لم يكن واضحا وصار رأي الترابي حول حديث الذبابة والعصمة عند الاسلاميين مجرد تهمة وفرية من اعدائه، وقد حاول الترابي من بعد ان يصر على افكاره من خلال الحلقة الضيقة التي اشار اليها الاستاذ الافندي وبعد وصوله الى السلطة عبر عن هذه الافكار عمليا من خلال سياسات وتوجهات عامة شملت الاعلام والنظام التعليمي والاقتصاد وما الى ذلك، وبعد خروجه من السلطة واستفتائه عن القاعدة الاسلامية التي كانت تحافظ على رمزيته التاريخية بعد ذلك أعلن عن أفكاره التي كان يضمرها لمدى اكثر من اربعين عاما وقد ضحى بالفكر من اجل السياسة، لذلك فان الحديث عن أن الحركة الإسلامية كانت لديها محاولات في الاجتهاد حتى لا تتعارض مع الرؤى العلمية الحديثة حديث ليس صحيحا فان اصل الحركة الاسلامية التي كان يتزعمها الترابي انها حركة اسلامية هي امتداد لحركة الاخوان المسلمين في مصر ودعوة الامام حسن البنا وافكار سيد قطب وابو الحسن الندوي وابو الاعلى المودودي ثم انها قد قد تأثرت من بعد بافكار الثورة الايرانية على مستوى الجامعات وبعد الانقاذ ظهرت مجموعات صوفية جهادية على طريقة الطرق الصوفية في انشادها وملابسها وشيوخها، اما مجموعة التجديد المحدودة فقد وصلت الى مواقع الاعلام وكان هدفها هو التشكيك المستمر في القناعات الاساسية لعامة المسلمين ليس على طريقة تضعيف الاحاديث ورفض مقاييس الضبط في علم الحديث ولكن بالاتجاه الى الحديث بالرأي في قضايا لا تصلح بطبيعتها لاعمال الرأي فيها لكونها اوامر مقدسة صادرة من رسول معصوم لا ينطق عن الهوى.

    اعتبار آراء وفتاوي الترابي الاخيرة هو نوع من الافكار الحداثية هو نوع من الابتزال الحداثي لكون الترابي ينطلق من هدم لما مارسه المسلمون لمدى اكثر من الف واربعمائة عام من غير ان يقدم بديلا يمكن اعتماده كمرجعية في اي حوار معه، ولكن اعتماد اسلوب السخرية والتهكم من المعتقدات العامة لا يعتبر نوعا من الحداثة، لكن الحداثة تعني القدرة على تقديم التعاليم الدينية في قوالب حديثة وبطريقة يسهل هضمها من غير تغيير جوهري في اصل الفكرة والمعتقد، ولربما كان اتخاذ مداخل جيدة وجديدة باستيعاب تحولات العصر والحفاظ على الاصل، وقد وجد موسي عليه السلام امة يعنون بالسحر فجاءهم بعصا تنقلب حية وبيد بيضاء، ووجد عيسى عليه السلام الناس منشغلين بالطب فجاءت معجزته مدخله اليهم من ذات النوع، اما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد اعجز القرآن فصحاء العرب وليت الترابي قد قدم مشروعا جماليا يجعل من الجمال مدخلا الى قلوب الناس في هذا العصر حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله جميل يحب الجمال)، فما بال الترابي كثير الحديث عن الذباب!!

    ان هذه الترهات الفكرية التي يطلقها الترابي الان لا تدخل في دائرة الفعل الحداثي لكونها ما زالت اسيرة النص بظاهره دون باطنه وبمظهره دون مخبره، وليت ذبابة الترابي لم تقع على الطعام ولكن الغرض وحده هو الذي يجعل الترابي يتوقف عند هذه النقطة ولا يغادرنا الى ماسواها، فوالله لو ان محمدا قد قال كلوا تلك الذبابة لاكلتها نبتغي فيها ومنها البركة، فما بال الترابي يتطاول على الجناب الطاهر ويدع الناس في فتنة وفي ريبة من امرهم تحت دعاوي الفكر والتجديد والتحديث؟ ولعمري فان ما يدعو الترابي اليه لا يعدو كونه هزيمة نفسية تجاه الغرب ودعوات الاصلاح الديني التي قد تجوز في حق الكنيسة ولا تجوز في حق الاسلام لطبيعته القابلة للتجديد الذاتي والتلقائي من واقع المراحل التاريخية التي مر بها الاسلام والمتأثرة بالزمان والمكان، والهوى وحده هو الذي يجعل من قضية المرأة والفن نقطتين محوريتين في اختراق الترابي للفكر الديني الذي تتبناه قطاعات الاسلاميين التي يتزعمها الترابي لمدى طويل ولا يؤمن بفكرها الذي دفع الشباب في الجزيرة ابا وفي يوليو1976 وفي حرب الجنوب والشرق والغرب لأن يقدموا ارواحهم فداء لفكرة يهزأ الترابي الآن من منابعها واصولها. ولعمري فان ما فعله الترابي بمشروع الاسلاميين الحضاري هو عن ما فعله غورباتشوف بالشيوعية وفي هذا الوقت التاريخي الحساس والاستعمار يطرق بعنف الابواب.

    يحاول الافندي مضاهاة الترابي بمحمود محمد طه وكلاهما من النخب السودانية التي ادمنت الفشل، وعلقت آمالها على محاولات تطويع الواقع الديني ولي عنق النصوص من اجل تقديم طرح ترضى عنه اليهود والنصار (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم). واني لأجد نفسي مجبرا على احترام الاستاذ محمد ابراهيم نقد الذي رفض محاولات الربط ما بين الاشتراكية والتجربة الاسلامية التي يقوم بها المفكر السوري الطبيب تزييني او تلك الاخرى التي يقوم بها الياس مرقص ويظل يبحث عن علاقة حقيقية علها تكون او لا تكون او على الاقل اعتماد الديالتيك في تفسير الظواهر الاسلامية، ولكن مضاهاة الافندي بين الجمهوريين والاسلاميين تجعل من الممكن اضفاء صفة التقديس لفكر الترابي مما يدخله في دائرة الغيب بمنهج اهل الباطن ونفسية الاسلاميين مهيأة اصلا لذلك. وخطبة الترابي بعد نجاته من حادثة كندا الشهيرة في قريته ود الترابي فيها الكثير من الدلالات وودت لو انني اعثر على الكلمة التي القاها الاستاذ علي عثمان محمد طه في ذلك اليوم.

    يحاول الافندي صاحب كتاب (الثورة الترابية) ان يقنعنا ان الصفوة المحيطة بالترابي هي التي شوهت التجربة الاسلامية في عهد الانقاذ نتيجة استعلائها الفكري من غير ان يورد اي ربط موضوعي بين ربط هذه الصفوة للديمقراطية وقيامها بالتجاوزات في مجال حقوق الانسان وهو يدعي تبنيها لفكر الترابي ودعواه ويحاول الافندي ان يخلص الترابي من الادانة الاخلاقية والسياسية امعانا في عرضه لمفكر حداثي ورائد للاصلاح الديني الجديد ولقب (الشيخ) الذي يطلق على الترابي قد قصد به تقديمه كقيادة دينية وروحية ومرجعية اسلامية، واذكر انني عند عودتي من ارض العمليات في عام1991م لتفقد احوال اطفالي من بعد ان تأخرت اشارة التحرك نتيجة اندلاع حرب الخليج الثانية، اذكر انني قد تقاعست عن العودة مرة اخرى بينما كنت اشاهد مسلسلا دينيا في التلفزيون عن الامام مالك ابن انس رضي الله عنه جاء مشهد يحث فيه الامام مالك احد الشباب على الجهاد في سبيل الله وقد تأثر ذلك الفتى بحديث الامام مالك وعاد الى الامام مالك بعد قليل وهو بكامل ملابس الحرب متوجها الى الجهاد وقد دعا له الامام مالك وودعه عند هذه اللحظة انتفضت كالملدوغ من سريري واتجهت الى منزل الترابي وجلست اليه كجلوس ذلك الشاب الى الامام مالك!! وقد رمقني الترابي بنظرة استهزاء وقال لي متهكماً: (انت مش عمار محمد احمد؟) فقلت له: نعم، فقال لي: (مش عمار بتاع الجهاد والاستشهاد؟)، فقلت :بلي ياشيخ، فقال لي: (الناس كلهم ما مشوا الجهاد انت قاعد تسوي شنو؟)، فاجبته بانني عائد لتوي من ارض العمليات، فقال لي: (جيت ليه؟)، فاخبرته بسبب عودتي لتفقد اوضاع اولادي وهنا قال لي: (ما تعتبر نفسك استشهدت؟) ومن نظرته الاخيرة التي قال بها هذا الحديث فهمت كل شئ واصبحت من رواد بيوت الاشباح تلهب ظهري السياط وبخرطوم المياه الاسود الذي يتجاوز اللحم الى العظم والماء البارد الذي يغمر زنزانتي في ذلك الشتاء القارس والسهر والتجويع والتعذيب النفسي والجسدي والملاحقة المستمرة في الحياة....هكذا تحدثنا يا افندي ان الترابي مفكر حداثي وتربطه بابن رشد والغزالي.

    اما وانك يا صاحب الثورة الترابية تعيش في ارض الضباب وتقتات من ذكريات الماضي فاننا نجد لك بعض العذر في ما تقول، اما وأنك ليس بيننا نحن فحقك علينا ان نبصرك بما لم تبصر به ونأتيك بالنبأ اليقين.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504021&bk=1
                  

04-21-2008, 00:25 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بسم الله المبتدأ
    الأخ الدكتور زهير
    ناصر عثمان

    لشدّ ما أدهشني وزادني ثقة في سودانيتي بل وفخراً بها ما قرأته وأقرأه عن أشخاص مثل الأستاذ محمود محمد طه، الأستاذ مصطفى سيد أحمد ، د. جون قرنق ولعلي أذكر الأسماء لقربها من الذاكرة وما أعايشه يومياً . ذلك هو مفارقة الواقع المعاش للافتراضي في حياتنا كسودانيين يقال عنّا التميّز والتفرّد.


    هل نحن فعلاً متميزون ؟ أيكون هذا التميّز هو آفتنا التي دعت كل الديكتاتوريين ( أفراداً وجماعات ) للطمع في حكمنا وقيادتنا لأسباب موضوعية أو ذاتية ؟ هل يحلم الأصوليون الإسلاميون بأننا سننشئ لهم دولة الإسلام الكبرى في إفريقيا ؟ ونكوّن الولايات المتحدة الإفريقية كما يقال ؟ لعلها أسئلة دارت بأذهان الكثيرين وأنهكتهم الإجابات وآلة الديكتاتورية تعمل على رؤوسهم لاستلابهم ودفنهم في هم اليومي المعاش . لكننا فعلاً متميّزون ، وكما يروي التاريخ لنا أنبياؤنا السودانيون الذين يلهموننا دائماً ويدهشوننا والعالم من حولنا.

    الدهشة تأتي من أن كل واحد من هؤلاء مثّل إضافة حقيقية في مجاله تجاوزت الوطن الى ما هو كوني عبر الفرد ؛ فمحمود دفع حياته ثمناً لفهمه أن الفرد هو الهدف والتربية هي الأساس لبنائه بناءاً سليماً معافى ليكون عنصراً فاعلاً يساهم في تأسيس مجتمع معافى تقوم مؤسساته سليمة وأهمها بالضرورة الدولة .

    ومصطفى غنى غناءاً جنينياً ، كما يقال ، وعداً بكائنات بشرية لم تأتي بعد لكن ظهر منها أنبياؤها ليطمئنونا ويلهمونا ، ودخل بين المحبين ليدوزن لهم عواطفهم بل دخل إلى دواخل كل فرد منا ليعيد صياغتنا بشراً جديد ( أو كما يسمي محمود يعطينا المنفستو حتى نرتقي ببشريتنا إلى مصاف الإنسانية) .

    أما د. جون فقد قدّم لنا الوصفة لنزيل العقبة ( وكنّا نظنها كأداء ) التي تقف حائلاً دون كل أحلامنا السودانوية الأصيلة. لم أحس يوماً بتقصيري تجاه برنامج التجمّع الديمقراطي بقدر ما أحسست ذلك وأنا أقرأ مناشدة د. جون وفي جزئيتها ... لامن تقولو ناس بتاع التجمّع ديل ما شغالين ، فديل انتو ذاتكم ، انتو ما شغالين ...

    أتمنى وأسعى أن تجد أفكار الدكتور طريقها إلى عقل وقلب كل سوداني ...

    وأفكار الأستاذ محمود طريقها إلى عقل وقلب كل مسلم .. وكل إنسان ...

    وعندها ينتشر الغُنا المعلوم ، كما يسميه الشاعر السوداني الأصيل ( حمّيد ) ، الذي أنهك حنجرة الأستاذ مصطفى سيد أحمد ...

    وليسلم الأنبياء السودانيين ...

    من منكم يشارك .

    ناصر عثمان

    عطبرة

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504024&bk=1
                  

04-21-2008, 00:26 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    تكفيريون ومعارضون لهم يختلفون حول آراء الترابي
    تتسارع الخطى لكسب الرأي العام وجر مؤسسة الرئاسة الي صفها بين دعاة تكفير الدكتور حسن عبدالله الترابي والرافضين لمحاكمة اي شخص بسبب آرائه.


    وتجمع عدد مقدر من رموز المجتمع المدني ظهر امس بمركز الخرطوم لاعداد مذكرة ترفع لرئيس الجمهورية تطالب برفض الآراء التي تطالب بمحاكمة الترابي وتدعو لإلغاء المادة (126) من القانون الجنائي. بينما التأم مؤتمر صحفي بقاعة الشارقة نظمته الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان كفرت خلاله الترابي وطالبت رئيس الجمهورية بتشكيل محكمة لمحاكمته أسوة بمحمود محمد طه.

    وقالت الرابطة في بيان لها أمس ان (الترابي كافر مرتد يجب ان يتوب عن جميع تلك الأقوال ويعلن توبته على الملأ مفصلة، ويتبرأ عن كل ما صدر منه أمام طائفة من أهل العلم بحكم قوله تعالى: إلا الذين تابوا واصلحوا وبينوا). وطالبت الرابطة في مؤتمر صحفي أمس بقاعة الشارقة الرئيس البشير بتشكيل محكمة شرعية خاصة من علماء وقضاة لمحاكمة الترابي مثلما فعل نميري عند محاكمة محمود محمد طه. وقالت: ان الاسباب التي اوجبت صدور هذه الفتوى انكاره للعديد من ما هو معلوم من الدين ضرورة بنفي ما اثبته الله ورسوله واجمعت عليه الأمة. وحددت الرابطة أسباب ارتداده في (اباحته للردة، رفعه الكفر عن اليهود والنصارى، انكاره لعصمة النبي، انتقاصه للرسل والانبياء والنيل منهم، ان اصل الانسان قرد، إنكار نزول عيسى ، رده لكثير من الأحاديث، إنكاره فضل الذكر علي الانثى، إباحته للمرأة أن تلي الإمامة الكبرى، إباحته للمرأة أن تؤم الرجال، وصفه للحجاب بأنه عادة عربية، إجازته للكافر ان يتزوج المسلمة، انتقاصه للعلماء). وقال بيان الرابطة: ينبغي لولاة الامر ان يستتيبوه فان تاب، والا نفذوا فيه حد الشرع حماية لجناب الدين وان يحجروا عليه وعلى كتبه وان يمنع من المقابلات،

    فهذا اوجب واجبات الحاكم المسلم ولايحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ان يواليه والا فقد باء بغضب من الله ورسوله.

    وأعدت مجموعة من الأكاديميين والسياسيين في لقاء ظهيرة أمس مذكرة لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير اعتبرت الغاء المادة (126) من القانون الجنائي معبرا لايقاف دعاوي التكفير والغاء القوانين المقيدة للحريات وطالبت المذكرة بشطب المادة فيما تضمنت قرارات اللقاء تقديم طعن دستوري ضدها غير ان مجموعة من القانونيين استطلعتهم (السوداني) اكدوا عدم وجود علاقة تربط بين ما اثاره الترابي ونصوص المادة (126) التي تخص المروجين للردة.

    وكان عدد لافت من السياسيين والاكاديميين من بينهم مجموعة من عناصر المؤتمر الشعبي احتشدوا لشجب الفتاوي التي تصدر عن مجمع الفقه الاسلامي وتكفر أشخاصاً بعينهم بالاشارة الى فتوتها الأخيرة التي كفرت د.حسن الترابي في اعقاب اذاعة آرائه التي جوزت زواج المسلمة من الكتابي وساوت بين شهادة الرجل والمرأة وانكار نزول المسيح عليه السلام وتوج اللقاء بتكوين جسم دائم للدفاع عن حرية التفكير وحرية الضمير وانتخبت لجنة من21 شخصاً لمتابعة تأسيس الجسم ابرزهم علي محمود حسنين ، كمال الجزولي. وقرر اللقاء رفع مذكرة أمس لرئاسة الجمهورية ونائبه ورئيسي البرلمان والقضاة ترفض محاكمة الفكر وتناسي ظاهرة التكفير.

    وأكد ان الترابي لم يتبن أفكاراً جديدة ولكنه سعى لتجديد عرضها مرة اخرى وقال ان الرجل استند على القرآن بحسبانه مصدراً من مصادر التشريع.

    ودعا لتقديم طعن دستوري في المادة (126) من القانون الجنائي وقال انها تتعارض مع حرية التفكير ومع اصول القرآن ومع ميثاق حقوق الانسان ومع دستور البلاد لعام 2005م وهددت المجموعة حسب قراراتها باتخاذ موقف اجماعي رافض حال تقديم د.الترابي للمحاكمة بالتنسيق مع القوى السياسية والمجتمع المدني.

    وعلى ذات السياق شجبت المذكرة التي تحصلت (السوداني) على نسخة منها دعاوي التكفير التي لاتمثل في حقيقتها مرجعية دينية ملزمة للدولة او المجتمع والتي لا تورث سوى الفتن وتهدد وحدة الشعب واكدت المذكرة ان آلية التكفير تسوق نشاطاً مدمراً وحذرت من مآلات التكفير الظلامية التي من شأنها ان تهوي ببلادنا الى قاع من الانحطاط وطالبت بالغاء المادة (126) من القانون الجنائي التي تتناقض مع حرية الفكر والتعبير ومع اصول القرآن (لا إكراه في الدين) (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

    وتشير السوداني الى ان نص المادة (126) من القانون الجنائي تقول: (1) يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الاسلام او يجاهر بالخروج عنها بقول صريح او بفعل قاطع الدلالة (2) من يرتكب جريمة الردة مرة ويصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالاسلام يعاقب بالاعدام (3) تسقط عقوبة الردة متي ماعدل قبل التنفيذ).

    غير ان مجموعة من القانونيين اكدت عدم وجود علاقة بين ما أثاره د. حسن الترابي والمادة (126) من القانون الجنائي.

    واكد القانوني علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي ان ماذهب اليه الترابي ليس حدا يندرج ضمنياً في المادة (126) من القانون الجنائي الذي اعده الترابي نفسه عام 1998م وقال ان الترويج للخروج عن الاسلام ليس جزءاً من حرية التعبير ولكنه عاد لينتقد دعاوى التفكير مؤكدا انها تبرز مواقف متشددة تهدم الشريعة الاسلامية.

    ونبه القانوني علي السيد الناشط في التجمع الوطني الديمقراطي إلى أهمية الفصل بين ما اثاره د. الترابي وما تضمتنه المادة (126) من القانون الجنائي مؤكدا ان تجويز زواج الكتابي من المسلمة او غير المسلمة او غيرها من آراء لا تعد ترويجا للخروج عن الاسلام وقال ان المادة لاتتحدث عن مرتكب جريمة الردة انما الترويج بالردة.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503785&bk=1
                  

04-21-2008, 01:59 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قبل المطالبة بإعدامه : فتاوي الترابي تثير الذعر
    *قبل أن تهدأ عاصفة تصريحات الشيخ الترابي النارية حول الاتهامات المباشرة للقائمين على السلطة بمحاولة إغتيال الرئيس مبارك، إذا بقناة العربية مرة أخري تضع الرجل في دائرة الضوء التي يبدو أنه لايريد الابتعاد عنها، واذا كانت تصريحاته السابقة سياسية بحتة وقد لاتؤجج عليه كل السياسيين إلا انه في هذه المرة يدخل لدائرة الفقه والدين والتفسير، حيث تصدي له كثير من العلماء من داخل البلاد وخارجها مطالبين بمحاكمته جهراً وليس مجادلته بالحسني، واذا كان الترابي قد عرف عنه تميزه وعلمه وعبقريته التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، فهو يضرب على هذا الوتر ليحرك(ربما) الخمول والجمود في الافكار والآراء ومن المستغرب حقاً ان تأتي تأويلاته مخالفة لرأي اغلب العلماء الذين وصفوا بالحكمة والعلم والتفقه، بل حتي الشيخ القرضاوي الذي يعتبر من أكثر العلماء اعتدالاً في آرائه واجتهاداته لم يوافق الشيخ على ماوصل اليه من السماح للمرأة بان تؤم المصلين وربما استفاد الترابي من المعركة التي حدثت مؤخراً بامريكا إبان إمامة إحدي النساء لمجموعة مصلين في إحدي الكنائس بعدما منعت المسجد مما اثار حفيظة العلماء الذين إستنكروا هذا الأمر ولم يكتف الترابي بجواز إمامة المرأة بل تعداها لزواجها من كتابي مسيحي كان أم يهودي خلاف ما جاء في القرآن من جواز زواج المسلم من كتابية املا في قدرته على اقناعها بالاسلام، وزاد الترابي في حديثه حول الحجاب والخمار وحد الخمر والمهدي المنتظر ونزول عيسي عليه السلام آخر علامات الساعة فهل يشكك الترابي في الاحاديث النبوية أم انه يفسر تفسيراً آخر خلاف ما اجمع عليه علماء الأمة، ومن المعروف ان فتاوي الشيخ الترابي قوبلت بما يشبه الاستهجان والاستنكار خاصة من علماء لهم مكانتهم الدينية داخل السودان مثل الشيخ محمد عبدالكريم وغيره الذي طالب باعدام الترابي كما اعدم من قبل محمود محمد طه جراء افكاره المخالفة للشرع بعد ان تمت استتابته فرفض ولعل المطالبة باعدام الشيخ السبعيني تقودنا للتساؤل حول مدى الحرية المسموح بها لتناول مثل هذه الامور الدينية وماهي حدود الخطوط الحمراء التي لايمكن تجاوزها فمن قبل طالبت مجموعة عبدالحي يوسف بإعدام محمد طه محمد احمد إثر المقال المأخوذ من الأنترنت حول الرسول(ص) والذي اثار حفيظة الكثيرين واصبحت محاكمة محمد طه تجمعاً وتجمهراً للكثيرين من حاملي الافكار المتشددة واذا كان الترابي قد صرح بآرائه تلك وهو واثق من صحتها فهو إذاً يضرب عرض الحائط بكل مطالب من سبقوه وتصريحات الترابي رغم غرابتها الا انها قد تفتح ولو كوة صغيرة بصور آراء مشابهة او مخالفة تحرك الساحة الفقهية الساكنة وتخفف الهجوم على الشيخ بتناثر الاتهامات لمجموعات اخرى، وتفتح باب الاجتهاد والمراجعات على مصراعيه للجلوس مرة اخري لاعادة الكتب الفقهية القديمة ومحاولة دراستها بعيون اكثر بريقاً ووعي اكثر نضجاً ووضوحاً وحتي لانظلم الشيخ فهو قد اجتهد وجاء بتفسيرات قد تلائم العصر كما فعل من قبله سيد قطب الذي فسر القراءات تفسيراً مغايراً للجلالين وابن كثير وغيرها من التفاسير وجاء بظلال القراءات الذي اعتبره البعض خروجاً على قانون الدين والتفقه، لكن سرعان ما اصبح ظلال القراءات يمثل مكانة بين الكتب الدينية الرائجة ولتكن اجتهادات شيخ الترابي قابلة للدراسة فمن جاء بالدليل من الكتاب والسنة نقيض تفسيره وما ذهب اليه فليقارعه الحجة بالحجة ولنترك الضجيج والصراخ وتأليب العامة على الرجل الذي اجتهد وخرج بنتائج إجتهاده والباب مفتوح على مصراعيه لكل من يريد ان يكذبه او يقارعه الحجة بالحجة وليكن المنطق والعقل اساس كل شئ ولو راجع كل شخص ما قاله الترابي سيسلم حتما بما آلت اليه اجتهاداته، وهذا لايعني تأييدي القاطع لآراء الشيخ المثيرة للجدل لكنها دعوة للقراءة المتأنية.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503623&bk=1
                  

04-21-2008, 02:00 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كيف يقرر مسؤول مستشارية السلام بأن الفصيل المدني للبجا غير مؤثر؟!


    كيف يقرر مسؤول مستشارية السلام بأن الفصيل المدني للبجا غير مؤثر؟!

    دبايــــــوا سلام

    أبو علي أكلاب

    المخرج من المأزق السياسي الحالي توحد الإسلاميين وعقد المؤتمر الجامع


    قبل بضعة أعوام خلون كتب الأستاذ مكي بلايل مقالاً في صحيفة (الصحافة) انتقد فيه تناقضات الحكومة وتضارب قراراتها وتخبطات القادة وهم يتعاملون مع قضايا الوطن والأحداث التي تعج بها الساحة السياسية في تلك الأيام.. واتهم بلايل مستشارية السلام بأنها لا تريد تحقيق السلام وأن العاملين بها يعرقلون مسيرة السلام، واستشهد على عدم جدية أجهزة السلام بأن أفرادها لا يريدون تحقيق السلام (بواقعة) المحافظ الذي عينته الحكومة ليدير دفة الأمور بجبال النوبة وكان عميداً للقوات المسلحة ومن أبناء جبال النوبة. هذا المحافظ ما أن وصل إلى أرض جبال النوبة حتى طفق يتحرك كالنحلة، ودأب يعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات مع حاملي السلاح فوق سفوح الجبال وبين الأحراش وهو يدير الاجتماعات الساخنة حتى استطاع إقناع المسلحين للجلوس مع أجهزة الدولة.

    وبعدها (لملم) أوراقه وطار فرحاً إلى الخرطوم لإبلاغ الحكومة الاتحادية ببشريات السلام وقبول إخوته بالجلوس مع إخوتهم في الخرطوم لإنهاء الحرب. ولكن المدهش أن الحكومة بعد أن اطلعت على أطروحات المحافظ وسعيه لما يعتقد أنه المخرج لأزمة المنطقة حتى كان الجزاء إعفاءه من المنصب. والأستاذ بلائل - صاحب الرواية - من قيادات الإسلاميين المتنفذه والتي أسهمت بقدر وفير في انخراط الكوادر الشابة من أبناء غرب السودان وانضمامها لصفوف الحركة الإسلامية، ثم كان وزيراً بمستشارية السلام.

    ذكرتني أحاديث الأستاذ بلايل هذه (بمهام) كلفني بها الأستاذ حسن موسى شيخ الصافي قبل أعوام، حيث كان مشرفاً سياسياً على كسلا ووزيراً للنقل. فلقد ابتعثني بالاتفاق مع مستشارية السلام للسفر للخارج للالتقاء بالإخوة المعارضين من أبناء البجا (الفصيل المدني) وهم مجموعة من الكوادر السياسية والأطباء والمهندسين المبعثرين في أوروبا وأمريكا.. وبعد اتصالات هاتفية مكثفة شددت الرحال إلى القاهرة حيث يقيم أمين عام مؤتمر البجة الأخ محمد طاهر أبوبكر والسعادة تغمر شغاف قلبي لهذه السانحة التاريخية لأسهم في رتق النسيج الاجتماعي لهذه الأمة التي هددها الإاصطراع. وفي صالة مطار القاهرة الدولي تلقاني الأخ محمد طاهر أبوبكر، وهو من قيادات شرق السودان المخضرمة والتي وضعت اللبنات الأولى لجمعية الشحن والتفريغ ببورتسودان، وهو شخصية محبوبة دفعت به جماهير بورتسودان ليكون قائدهم وممثلهم في المجلس القومي في عهد ثورة مايو، وعقدنا الجلسات والحوارات بعد أن شرحت له المهام التي من أجلها حضرت، وكان معنا الدكتور محمد شريف، والذي جاء من لندن خصيصاً ليشارك معنا في هذه المناقشات والتفاكر حول الجلوس مع الحكومة بغية العودة إلى الوطن والإسهام في إجراء الحوارات مع حملة السلاح.

    اتفقنا على مبدأ التفاوض مع الحكومة وفي قطر (محايد). لقد سعدت لهذا النجاح الباهر الذي أحرزته وكتبت تقريراً يحمل بين طياته هذه المعاني الداعية للتشاور والتوحد، وعرضت التقرير على قادة مؤتمر البجا فوافقوا على ما ورد في ثناياه، وعدت مسرعاً إلى الخرطوم والحبور ينتاب قلبي لهذا الإنجاز والخبطة السياسية التي حققتها من أجل الوطن. وما أن هبطت الطائرة بمطار الخرطوم حتى خرجت من (جوفها) منطلقاً إلى مستشارية السلام لأبلغهم ببشائر النجاح، ولكن يؤسفني أن أقول إنني أصبت بالإحباط حينما قابلت المسؤول عن مستشارية السلام. قابلني بكل برود وقال لي وهو يتصفح التقرير: إن الفصيل المدني والذي عقدت معه الاجتماع (غير مؤثر)، ولا يشكل إزعاجاً للحكومة.. ثم استدرك قائلاً: لماذا لم تحضر معك (محمد طاهر أبوبكر) الأمين العام لمؤتمر البجا؟ وتتقافز من داخلي التساؤلات: كيف يقرر هذا المسؤول بمفرده أن الفصيل المدني غير مؤثر، وهم جماعة من الأطباء والمهندسين والكوادر السياسية والذين طوعوا لغات أوروبا فأسلمت لهم القياد؟ أو هكذا تدار البلاد؟ أو هكذا يقرر الأفراد في مصائر وطن التنوع العرقي والثقافي؟.. قلت لوزير المستشارية إنني لم أذهب إلى القاهرة لإحضار فرد بعينه بقدر ما كان مسعاي هو وضع (حل) لقضية قد تنسف وحدة التراب السوداني. كان مقصدي هو إحضار (الفصيل المدني بعد إقناعهم لحسم الأمر من جذوره، لأن إحضار الأفراد ليس حلاً لهذه القضية، وقلت للسيد المستشار: أو لم يكن خيراً لهذا الوطن أن يعود إلى ربوعه بعض من أبنائه الذين ناصبوا الحكومة العداء؟ ولماذا عدم الاهتمام والاعتبار لأبناء الوطن والتقليل من شأنهم؟..

    وخرجت من المستشارية والحزن يدمي القلب: الحزن على وطن تتمزق أطرافه بأيدي أبنائه، وحينها استوعبت ما ظل يردده ويكتبه الأستاذ (بلايل) على صفحات الصحف بأن مستشارية السلام فشلت في تحقيق السلام في ربوع الوطن. وتعتبر الجبهة الإسلامية من أكثر أحزاب السودان تنظيماً واحتشاداً بكوادر ذات كفاءة عالية قادرة على رسم الخطط وإدارة مؤسساتها، فضلاً عن أن (المطروح) من شعاراتها يجد القبول والرضا من أغلب جماهير الشعب السوداني المسلم، مما مكنها أن تفوز في دوائر جغرافية كانت تعتبر مقفولة للأحزاب التقليدية والطائفية. لقد كانت فترة تصالح الجبهة الإسلامية مع ثورة مايو من أكثر الفترات السياسية ثراءً بالإنجازات، حيث وطدت أركان بنائها ومكنت كوادرها لتنتشر وسط المجتمع السوداني تبث فكرها وبرنامجها واستقطبت الآلاف من الشباب بعد أن هيأت لهم الظروف الملائمة وتم توظيفهم في مؤسسات الدولة المختلفة عسكرية كانت أم مدنية.. وقد ساعدها خلو الشارع السياسي من الكوادر المناهضة لها ما عدا (الجمهوريين) والذين زج بهم في غياهب السجون بعد إعدام زعيمهم (الشيخ محمود محمد طه).. أما تنظيم الاتحاد الاشتراكي فإن حاله كان أشبه بحال المؤتمر الوطني الآن؛ قيادات بلا قواعد تتفاعل معها، وإن كان الاتحاد الاشتراكي أحسن حالاً من المؤتمر الوطني أو الحزب الحاكم، كما يسمونه.

    وإذا كانت ثورة أكتوبر هي يوم ميلاد الآلاف من الكوادر الإسلامية تحت رعاية الشيخ الترابي - عميد كلية الحقوق حينئذٍ- فإن ثورة مايو هي التي نما وترعرع في ظلالها الإسلاميون، وقوي عودهم تحت عناية وإشراف الشيخ الترابي مستشار نميري آنذاك. وحينما أعلنت الجبهة الإسلامية (البيان) الأول تسلمها للسلطة اعتقد بعض المحللين السياسيين أن البلاد سوف تشهد استقراراً وتطوراً وذلك لما للجبهة الإسلامية من كوادر عددية وخطط مدروسة تمكنها من بناء مؤسسات تدير بها دفة السودان المتنوع الأعراف والثقافات والجسر الرابط بين العرب والأفارقة. ولكن لأن السلطة فتنة فلقد تفرق الأشقاء والأحباب.. لقد دانت البلاد لقادة الجبهة الإسلامية وتدفقت ينابيع الموارد الطبيعية من كل عين ذهباً وبترولاً. فانتفخت الجيوب بالدولار، والدولار شيطان (خناس) يوسوس في صدور الناس ليوقع بينهم الفرقة والشتات.

    كان المحللون يعتقدون أن للجبهة غرف عمليات تعصمها من التخبط، ولكن يبدو أن السلطة ببريقها قد أعمت البصيرة ومزقت أواصل تماسكها وأحالتها إلى شيع وأحزاب وفرق متناحرة تحيك المؤامرات لتصفية بعضها حتى ضعفت قدرة (الحاكمين) على اتخاذ القرار، وأصبح القرار في أيدي أفراد ونشط سماسرة الاصطياد في الماء العكر لتتوسع شقة الخلافات، ولتعبث تلك الفئات بمقدرات الأمة. لقد كانت خلافات الإسلاميين - الحكام- مدخلاً وباباً واسعا تدخل عبره الدوائر الأجنبية لتفتيت وحدة الوطن والذي يحاصر هذه الأيام بغية نهب موارده الطبيعية.

    إن المخرج من المأزق يكمن في أمرين:

    1- أن تتوحد صفوف الإسلاميين وتجمع على برنامج علمي وواقعي يضع أمامه (صورة) السودان المتنوع الثقافات والأديان والأعراق تحت شعار (السودان أولاً أرضاً وشعباً، والسودان ثانياً وثالثاً).

    2- أن تتم دعوة لعقد المؤتمر الجامع، والذي طالما نادت به كل الأحزاب، وأن تدعى له كل الفعاليات السودانية وروابطها ليقرر الشعب ويكتب الصيغة المثلى والتي تتناسب وتركيبته الإثنية والجغرافية.

    ولعل خير حديث نختم به مقالنا هذا العبارات المهمة التي خاطب بها الأستاذ علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، المؤتمر الحاشد بدارفور حيث قال: إن قوة المؤتمر الوطني تكمن في نجاحه لحل قضية دارفور. ثم أردف قائلاً: يجب أن نرد على طلقات المعارضين (النارية) بالمزيد من الخدمات والمزيد من الحوارات..

    هنا أدركت السر الكامن وراء مطالبة الناس في دارفور ليكون علي عثمان على رأس المفاوضين. إن الزعيم أو الحاكم يجب أن لا يحقد ويترفع عن الانتقام، والعفو عند المقدرة من صفات المؤمنين، ولنتأسى بمواقف هذا الرجل الصامت وأن نرد على هجمات الخارجين على القانون ببناء المزيد من المستشفيات والمدارس، لأن العنف لايولد إلا العنف.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503504&bk=1
                  

04-21-2008, 02:03 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معذرة د. كامل: وأنا كالهاشمي لم أفهم ما قاله د. جمال البنا
    بقلم: البروفيسور -عبد الله عووضة حمور
    بدءاً أقول للصلة الوثيقة لما أقول بما سأقول بالمقال فيما بعد: كان خريج الأزهر الشريف في عهد محمد علي باشا وقبله يحفظ الألفية في النحو، فإذا طلب منه أن يكتب اسطراً يعبر فيها عن المطلوب عجز، لأن المنهج كان يعتمد على الدراسة النظرية لا العملية التطبيقية.
    كان محمد علي باشا ذا بصر وبصيرة، فأرسل نوابغ الأزهر في بعثات إلى فرنسا ليتلافي هذا العجز فلما عادوا كان الدكتور طه حسين وأمثاله مشاعل طريق، بعده رأى ابنه الخديوي إسماعيل باشا أن يؤقلم التعليم فأنشأ عدة مدارس منها مدرسة دار العلوم عام 1873 (كلية دار العلوم جامعة فؤاد فيما بعد القاهرة الآن) يأخذ لها النوابغ من المعاهد الأزهرية تاركاً الأزهر على ما كان عليه، نجحت الفكرة، فكان منها على الجارم العالم الأديب والشاعر واضرابه في اللغة والأدب، وكان منها الأستاذ حسن البنا مرشد الاخوان المسلمين، والشهيد الأستاذ سيد قطب مؤلف تفسير (في ظلال القرآن) وابن حسن البنا كان معاصراً لنا في منتصف الخمسينيات، لا أذكر اسمه لعله يكون د. جمال البنا الآن حذف اسم ابيه اختصاراً، إذ لا يعقل أن يكون أخاً لحسن البنا إلا أن يكون اخاً لأب انجبه أبوه من أخرى على كبر.
    على كل الغاية من هذا المدخل توضيح أن الذهن العربي المسلم على ذكائه كان محدوداً فلما تلاقح وفتق بالمنهج الحديث انتج رجالاً جمعوا بين القديم والحديث والأصل والعصر، أذكر جيداً في عام 1973 في العيد المئوي لدار العلوم قرأت بزجاج باب حجرة الأساتذة (مدرسة دار العلوم)، الشاهد لا في الاسم لكن في استقرار الحياة الذي يبقي الزجاج لمائة عام؟! أين نحن من انهيار العمارات قبل الاستلام وحرق الطلبة لجامعاتهم ووزاراتهم لا جامعات ولا مؤسسات الحكومات، أين؟! الأقرب أن المندسين هم الذين يفعلون هذا وبعد:
    قرأت بجريدة (السوداني) بتاريخ الأربعاء 5/4/2006 ص9 كلمة للدكتور كامل إبراهيم حسن بعنوان (تعقيب على تعليق الأستاذ أحمد هلال الهاشمي) تحت عنوانه الدائم (البصلة وقشرتها) بخط صغير جاء بالتعقيب في عدد (السوداني) بتاريخ 21/3/2006 كتب الأستاذ أحمد هلال الهاشمي مقالاً تحت عنوان (الدكتور جمال البنا علماني أم إسلامي؟!) رؤية منهجية لمصطلحي الدين والدولة، وفيه قال الهاشمي: (كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول المحاضرة التي قدمها الدكتور جمال البنا)، وقال أيضاً: (الجدل القائم الآن حول الإسلام وعلاقته بالدولة يرجع إلى عدم تحديد مصطلح الدين والدولة وعليه علينا أن نعرف مصطلحي الدين والدولة لنصل إلى النتيجة التي نرجوها) أ.هـ ما نقل عنه.
    فصل بين الدين والدولة
    من هذا يتضح (الحديث لي) أن الدكتور البنا يفصل بين الدين والدولة كما هي الحال بالمسيحية بأوروبا والأستاذ الهاشمي يرى أن الدين والدولة وجهان لعملة واحدة، كما كانت الحال في التاريخ الإسلامي حتى عهد المماليك بمصر، بغض النظر عن مستوى الفهم والتطبيق في كل عصر.
    ورأى الدكتور كامل إبراهيم حسن بتعقيبه نقلاً عن الامام القرافي: (ما وصل لنا من الرسول بصفته رسولاً فهو شرع ملزم لنا إلى يوم القيامة، وما صدر عنه بصفته رجل دولة غير ملزم لنا)، وكل ما قاله بعد هذا حتى نهاية المقال ما خرج عن هذا المنحى، وهذا يعني موافقة د. البنا على فصل الدين عن الدولة، إذا لم يخني الفهم في ما قال ولم يخنه التعبير في ما أراد.
    ورأيي أن علاقة الإنسان بالله من ناحية والحياة من ناحية أخرى دقيقة ومتداخلة، فالمسيحيون مثلاً ابتدعوا الرهبانية فكان تحريم الزواج على الرهبان والراهبات، وكان ما كان من تجاوزات زكمت الأنوف، وكان تحبيب الفقر للعامة، والثراء وصكوك الغفران للخاصة، وأخيراً كان فصل الدين عن الدولة لتحرير الناس من تسلط الكنيسة. وكان قول لينين (الدين أفيون الشعوب) هذا جانب، الجانب الآخر في الموضوع أن الفقة الإسلامي ينقسم إلى عبادات ومعاملات، العبادات من صوم وصلاة لا خلاف فيها إلا عند الاستاذ محمود محمد طه الذي تجاوز فصل الدين عن الدولة إلى مراجعة العبادات من صوم وصلاة وهذا يخالف رأي دكتور كامل المنقول عن الامام قرافي آنف الذكر لا خلاف.
    الخلاف في المعاملات التي تمثل الدولة، البعض يخالف عن جهل والبعض عن جهل مركب، لا يدري ولا يعترف بأنه لا يدري، وهذا أسوأ منه الذي يعلم إلا أنه يخالف لحاجة في نفس يعقوب (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة).
    وهو بهذا أعني قسم المعاملات أكثر دقة وتداخلاً من قسم العبادات، ولكي نحسم أمره علينا أن نوضح أن مصادر تشريعه لا تقف عند حد القرآن والسنة بل تتعدى ذلك إلى العرف، وأن فهم نصوص تشريعه شيء وتطبيقه شيء آخر، وأن العلم والعلماء شيء والفقه والراسخون في العلم شيء آخر، قال تعالى في هذا المعنى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (7) آل عمران.
    الفارق بين الفقه والعلم
    وليزداد الفارق أكثر بين الفقه والعلم نذكر سابقتين من التراث إحداهما دستورية والأخرى قانونية، الدستورية عندما فتح المسلمون العراق رأى الصحابة تقسيم سواد العراق على الفاتحين بعد اخرج الخمس لله، لم يأخذ سيدنا عمر بهذا الرأي مخالفاً بذلك القرآن (وأعلموا انما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) (المادة41 الانفال)، والسنة وإجماع الصحابة لأن حدسه الإسلامي قال له: إن جوهر الإسلام لا يمكن أن يتعارض والمصلحة العامة للمسلمين، لم يفرض رأيه ولكن أخذ يستعرض القرآن ليجد فيه ما يدعم حدسه، وبعد ثلاثة أيام وجد الآية (كي لا يكون دولة بين الإغنياء منكم) (المادة7 الحشر)، فخرج يهتف: لقد وجدتها لقد وجدتها!!.
    فسأله الصحابة: ماذا وجدت؟! فتلى عليهم الآية، فقدر الصحابة فرحته وفرحوا معه وبذا أصبح السواد قطاعاً عاماً للدولة الناشئة، سمى سواداً لخضرته الداكنة كالبطيخ كان كأرض الجزيرة عندنا التي مثلت أيام الإنجليز بالمصدر الأساسي لميزانية الدولة، ولو لا هذا الفقه لأصبح اقطاعاً خاصاً لا قطاعاً يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل، كما كانت الحال بأوروبا إلا إن الإسلام سبق وأمم قبل الاقطاع، وأوروبا بعد مأسي الاقطاع الاقتصادية والاجتماعية، من الاجتماعية كان من حق السيد أن تزف إليه أي عروس بمزرعته قبل أن يفضي حليلها لها وتفضي له، وبذا كان سبق الإسلام لأوروبا بقرون.
    أما السابقة القانونية فإنا قصة أخرى هي: وجد رجل امرأة بالصحراء كادت أن تموت عطشاً فطلبت السقيا، فأبى إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فلما بلغت المدينة أخبرت سيدنا عمر بذلك فقال: أرجموها فقد أقرت بالزنا، فقال سيدنا علي: لا تفعل يا أمير المؤمنين فقد كانت مضطرة فأخذ برأيه وبذا تعدل الحكم من الإعدام إلى البراءة.
    وأبلغ من هذا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الحباب بن المنذر في يوم بدر وخيبر فعدل موقع جيش المسلمين، وصراحة قال سيدنا عمر لأبي موسى الأشعري برسالته القضائية له: (لا يمنعك قضاء قضيته اليوم وراجعت فيه نفسك أن ترجع إلى الحق، فالحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل)، وما لنا نذهب بعيداً، اليوم حق الاستئناف مكفول حتى المحكمة الدستورية لتدارك احتمال الخطأ في فهم القانون وتطبيقه.
    ليس هنالك فرق
    من هذا يتضح أن لا فارق بين الدين والدولة في الإسلام إلا أن العبادات ثابتة فالصلاة هي الصلاة والصوم هو الصوم، وإلا أن المعاملات الدستورية والقانونية قابلة للحذف والإضافة والتعديل عن طريق الفقهاء لا العلماء والاجماع لا الافراد.
    وعلى هذا لسنا ملزمين اليوم بما كان من أحكام الأمس لأن لكل حكماً ظرفه الخاص داخل العصر الواحد فما بالك بالعصور، ولكن ملزمين بروح الإسلام التي تحكم الجميع، وبذا يكون صالحاً لكل زمان ومكان، وللتوضيح مع الفارق انجلترا اليوم تحكم بدستور غير مدون حتى اليوم، وأي سابقة في القضاء ملزمة لأي قاض، لذا الحياة عندهم يحكمها الحس العام الذي يمثل الدستور والعادات والتقاليد التي تمثل القانون كما هي الحال بالمجتمعات القبلية وما حزب المحافظين عندهم إلا تعبير بوعي عن هذا الفهم، والحزب المسيحي بألمانيا تعبير آخر لشخصية أخرى.
    من أوضح الأمثلة لما اعنيه في هذا المقام اليابان وتركيا، في عام 1868 واجهت اليابان المشكلة نفسها فسألت نفسها (هل يمكن الجمع بين الأصل والعصر؟!) كانت الاجابة وقت ذاك (أجل) ورفعوا شعار (التقنية الغربية والروح اليابانية)، وفي تركيا قال أتاتورك (كلا) فكتب اللغة التركية بالحروف اللاتينية، وكانت تكتب بالحروف العربية كالأردية في باكستان والفارسية في إيران، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث، وأجلس المسلمين على الكراسي بالمساجد كالكنائس، والنتيجة تفوق اليابان على الغرب، وتخلف تركيا عن الغرب، فخسر الدنيا والآخرة، وقس على اليابان ماليزيا في آسيا، وزمبابوي برئاسة موغابي (انظر ما قال د. زهير السراج عن هراري عاصمة زمبابوي) قول مشاهد بجريدة السوداني الجمعة 17/2/2006 (حقاً موغابي ليس غبياً) وعلى تركيا قس معظم حكومات ودول العالم الثالث، أكرر حكومات لا شعوب.
    اليابان والصين نموذج
    إن مثال اليابان والصين بعدها المحرمة للزنا، والراجمة للزاني كالإسلام يوضح بوضوح للدكتور جمال البنا ومن يرى رأيه ألا تعارض بين الأصالة والحداثة إن صح الفهم وخلصت النيات ولو جمع أتاتورك بين الحسنيين كاليابان (1868) والصين (1947) لملكت تركيا السلاح الذري قبل الصين، أتاتورك اسقط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1914 أذكر بهذه المناسبة للتوضيح لا للتعريض مقولة لعم د. حسن الترابي قالها في جمع من الناس بـ(ود الترابي) نصها (لو كان ولدنا حسن الكلام الـ/في لسانه في قلبه لملك الـ/اديرة). وفي الرأي العام السبت 11/3/2006 الصفحة الأولى بالخط الأحمر (الترابي يبيح الخمر ويحرم السُكر)، وفي الرأي العام الأحد 9/4/2006 ص3 (الترابي يجيز زواج الكافر للمسلمة وامامة المرأة المصلين) مخالفاً بذلك ما جاء في القرآن الكريم وهو الداعي للإسلام، هذا التباين هو الذي جعل الصين تمتلك الذرة ونحن نعاني التمزق، والحال أن عددهم مليار ونحن 30 مليوناً والفارق بين استقلالهم واستقلالنا 9 سنوات لا غير، الصين في 1947 ونحن في أول .1956
    كما أن العلم من غير نية لا يجدي (وشر المخلوقات العلماء إذا فسدوا) مقولة معلومة (وأعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) حديث صحيح، كذلك النية بغير علم انتحار وتبديد لطاقات الشعوب أو (رومانتيكية) تريد أن تطبق أحكام المعاملات السابقة على الحاضر على الرغم من اختلاف المعطيات كالذي يقول: (وإذا مرضت فهو يشفين) وينسى الآية (وهزي إليك بجزع النخلة..) وقول الرسول: (لكل داء دواء) وقوله: (اعقلها وتوكل)، فهذا مسلم ينقصه فقه التشريع كمهران بطل رواية (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ الذي قال عنه رؤوف علوان: (ثائر ينقصه التنظيم)، من أوضح الأمثلة لهذا النمط بن لادن الذي اضر بالإسلام والمسلمين على غير قصد، فأفغانستان بعد الملكية أفضل مما آلت إليه الآن، حقاً (الجاهل عدو نفسه)، وعلى هذا لا بد من اجتماع خلوص النية والعلم كما فعلت اليابان بل كما فعل مهاتير المسلم بالإسلام بعدها بكثير بماليزيا المسلمة.
    وبالمثل لم تفهم وفاء ما قاله د. شعراني
    لعل من المفيد أن اشير إلى تعقيب آخر بعنوان (اس العلة عدم اقتدائنا بالسلف الصالح) لمعالجته ذات الموضوع بقلم وفاء محجوب عروة وقد نشر بجريدة (السوداني) بتاريخ الأحد 26/2/2006م عقبت فيه على مقال (حول مستقبل الدولة الإسلامية) للدكتور محمود شعراني (السوداني) عدد الاثنين 20/2/2006 وهو من أفضل ما قرأت في هذا الموضوع إن لم يكن من أفضل الجميع، على الرغم من حداثة سن الكاتبة حقاً (فما الحداثة عن حلم بمانعة) (قد يوجد الحلم في الشبان والشيب) كما قال المتنبي خلاصته:
    (اخالف الدكتور الرأي في بعض ما ذكر في مقاله أو لأقواله إن حركة طالبان لم تستطع المضي قدماً وسقطت في أول الطريق لا بسبب الغزو الأجنبي إنما بسبب الضعف الفكري المتمثل في اجترار القديم وتطبيقه بكل حذافيره على الحاضر.. أدرك تماماً أن الدكتور لا يقصد أن الماضي متخلف لكن حركة طالبان متخلفة لذا سقطت لكن ليس بسبب تطبيق الماضي بكل حذافيره، ولكن بسبب سوء فهمنا له، فهل كان السلف يحرمون عمل المرأة؟! أو يحرمون الغناء الهادف؟! ألم يقابل الرسول بالمدينة بالأهازيج؟! لست أدري لم تختلط هذه المفاهيم لدينا؟! ألجهلنا بتراثنا؟! أم لسوء فهمنا له؟! وتطبيقه بصورة تتفق ومتطلبات عصرنا الحاضر؟! أم أن هنالك أسباباً أخرى؟!
    الجهل مشكلة
    إذن المشكلة ليست في العودة إلى الأصالة ولكن في الجهل وعدم الاقتداء بابن الخطاب وحفيده عمر بن عبدالعزيز، والسلاجقة، وصلاح الدين الأيوبي في التراث.
    ثانياً: (كذلك اعترض على استدلال الدكتور بالآية (واتبعوا أحسن ما أنزلنا إليكم من ربكم) بأن في هذه الآية اشارة إلى أن للأفكار القرآنية دورة حياتية وهي خاضعة لمظاهر الموت والاندثار.
    أولاً لا يصح أن نقول (أفكار قرآنية) فالله لا يغيب عن علمه شيء حتى يفكر فيه، المعنى المقصود في الآية القرآن كله هو أحسن ما انزل إلينا من ربنا لذا قال تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه) (ذلك الكتاب هدى للناس) وقال (يحرفون الكلم عن مواضعه) وقال (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) أ.هـ. ما قالت بتصرف يسير في الصياغة لا المعنى.
    هذا المستوى من الفهم إلى درجة التماثل بين التطابق لما قلت آنفا هو الذي جعلني اسعد به وأكتب فور فراغي من قراءة التعقيب بهامش الجريدة تحت التعقيب (شكراً وفاء أحسنت فهماً وعرضاً وعقلاً وقلباً)، وعندما حضر الأخ محمد سعيد حمور وابنه هيثم وامها انتصار وخالتها اقبال لمنزلنا في زيارة اسرية اشدت بمقالها وكل هذا سابق لكتابة مقالي هذا بكثير، أقول هذا لئلا يظن البعض سامحهم الله أنني أذكرها (لعلة) أو (لصفقة) كما يقول الامريكان دائماً لتحكم المادة فيهم فيظلمونها قبل أن يظلموا انصافي لها، والآن اضيف لو سارت وفاء على هذا المستوى قلباً وقالباً سيكون للسودان احسان عبدالقدوس آخر لتماثل الظرفين، فإحسان امه فاطمة اليوسف اسست روز اليوسف فوفرت لابنها الأمن فنما بحرية وكتب بحرية لا لعلة، فكان احسان عبدالقدوس ووفاء أبوها محجوب عروة مؤسس (السوداني) سيوفر لها الأمن فتنمو قدراتها في التفكير والتعبير بحرية فيكون للسودان منها احسان عبدالقدوس آخر، بل والدها أجدر وأحق بحكم الابوة وأصالة كسلا، أعني أحق بتوفير الأمن لها.
    ختاماً أشكر الأخ الدكتور كامل إبراهيم حسن لاتاحته لي هذه الفرصة لتبادل الرأي، ومن يدري لعل هذا التبادل يكون المفتاح لتصحيح الفهم لهذه القضية المزمنة، ومن ثم تحقن الدماء المهدرة والطاقات المبددة، وليس هذا على السودان بكثير ولا على الله بعزيز إن صح الفهم وخلصت النيات. وقديماً قيل: (الرأي في بعض المواضع يغني عن جيش كثيف) وقيل: (المعونة من الله على قدر النية).
    والله من وراء القصد.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503453&bk=1
                  

04-21-2008, 02:04 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الفريق يوسف حسين لـ ( السوداني ) (2 -2):
    فشل (التجمع) في وضع تصور لكيفية إشراك القوى الحديثة بالانتخابات
    الحركة الإسلامية وظفت المناخ الديني لصالح السياسي بعد تطبيق الشريعة!
    استعرض الجزء الأول من حوار (السوداني) مع الفريق يوسف حسين عضو المجلس العسكري الانتقالي بعد انتفاضة أبريل عام 1985 والناطق الرسمي للمجلس الأوضاع السياسية بالسودان منذ مطلع الثمانينيات وحتى اندلاع الانتفاضة.
    ويتصل حوارنا مع الفريق يوسف ليتحدث عن دور الحركة الإسلامية داخل المؤسسات العسكرية.. وهل لإنسان الشرق قضية أم ماذا؟!.
    وأخيراً.. هل حكومة الانتفاضة الانتقالية انجزت ما عاهدت الشعب عليه؟!، إجابات الفريق تجيب على كل تلك التساؤلات..
    حوار: الفاتح عباس
    × في نشرة (الرأي العام العسكري) التي تصدر عن فرع الاستخبات العسكرية.. هل تم رصد اختراق للقوات المسلحة من الحركة الإسلامية؟!
    أبداً.. لم تشر نشرة الرأي العام العسكري لمثل هذا الاختراق.. الغريب قد يربط البعض بين هذا الاختراق وما حققته الجبهة الإسلامية القومية من نتائج في الانتخابات خاصة في دوائر الخريجين، الجبهة الإسلامية القومية في اجتماعاتها مع اللجنة السياسية للمجلس العسكري والتي كان يرأسها الفريق محمد ميرغني بمعاونة عبدالعزيز محمد الأمين، الجبهة الإسلامية القومية وللتاريخ رفضت تخصيص دوائر للخريجين وأصرت على مبدأ (one man one vote) مقابل إصرار أحزاب التجمع على تمثيل القوى الحديثة، وعندما طلبنا من أحزاب التجمع وضع تصور لكيفية اشراك القوى الحديثة في الانتخابات فشلوا!!، وأخيراً اقترحنا نحن دوائر الخريجين مع ملاحظة أن الجبهة الإسلامية اكتسحت كل دوائر الخريجين التي كانت تعارضها بشدة.
    الإسلاميون كانوا (منظمين) جداً.. استفادوا لأقصى حد من مصالحة نظام مايو.. و(اشتغلوا!! شغل صاح) تنظيم (ما تخرش ميه منو!!).
    × في مقابلة مع الرئيس البشير قال إن الضباط الوطنيين الذراع الإسلامي بدأوا يعملون وسط الجيش منذ انقلاب يوليو ..1971 هل هذا صحيح؟!.
    للأمانة والتاريخ أنا شخصياً لا علم لي بذلك خاصة وأنني كنت خارج العاصمة، والتحقت بالقيادة العامة مؤخراً في منصب رئيس هيئة الإدارة، فلم تشر أي تقارير الى نشاط للأخوان المسلمين وسط الجيش، والتقارير التي اقصدها هي التقارير التي ترد في (نشرة الرأي العام العسكري)، أبداً لم تكن هناك أي اشارة لعمل من قبل التيار الإسلامي.
    × ألهذا وصلت قوة تنظيم التيار الإسلامي داخل الجيش لدرجة تمكنهم من اخفاء المعلومات عن قيادة القوات المسلحة؟!
    جائز..!! لكن الواضح بعد عام 1983 هناك نزعة دينية إسلامية سادت القوات المسلحة وبدأت كورسات لتحفيظ القرآن الكريم لضباط الجيش بالمركز الإسلامي الإفريقي، ولم يشعر أحد بأن هذا النشاط الديني كان مسيساً، بدأنا نشعر بهذا بعد الانقاذ واكشتفنا بأن كل من نال كورساً تدريبياً بالمركز الإسلامي أو انتظم في حلقة لحفظ القرآن الكريم كان أحد اذرع الاخوان المسلمين!!.
    (ما عارف هل هذه مهارة!!) و(بعدين) المناخ العام غطى على الهدف السياسي إن وجد، واقصد بالمناخ العام المد الإسلامي بعد تطبيق الشريعة الإسلامية وتصدى كل كادر في الحركة الإسلامية لتطبيقها.
    × أكبر الأحداث إثارة للجدل في عهد مايو ترحيل الفلاشا وإعدام الشهيد محمود محمد طه.. ما هو موقف قادة الجيش من تلك الأحداث؟!.
    القوات المسلحة لم تكن تعلم أي شيء عن ترحيل يهود الفلاشا اطلاقاً لم يكن لنا علم بها، وطبعاً العملية كانت منظمة جداً، ولم نعلم بها إلا بعد أن تناقلتها وسائل الإعلام الأجنبية ولاحقاً في سير المحاكمات للواء عمر محمد الطيب، لكن الجيش لم يكن له أدنى دور في تلك العملية.
    إعدام محمود محمد طه أثار موجة سخط عارمة وسط كل أفراد القوات المسلحة بمختلف الرتب العسكرية والرئيس نميري بعد موافقته على حكم الاعدام، انتابه نوع من الحساسية المفرطة تجاه الحديث حول ذاك الحكم.
    وكل من حاول الاتصال به - اي نميري- من قيادات الجيش عده شخصياً ضده، لقد بذلنا محاولات عديدة لاقناع (نميري) بالغاء حكم الاعدام خاصة محاولة المشير عبدالرحمن سوار الذهب، وجميع أعضاء هيئة القيادة، رفض (نميري) مقابلة أي شخص ودخل في عزلة وكأنه يريد أن يقول لن أخرج منها إلا بعد تنفيذ حكم الاعدام بحق الشهيد محمود محمد طه.
    × سعادة الفريق لنعرج على سلاح البحرية.. بصفتك القائد السابق للبحرية ما رؤيتك لهذا السلاح الحيوي المهم؟!
    القوات المسلحة تمتلك القوات الجوية أو البحرية حسب الحوجة إليها، وحسب المهام التي سوف توكل إليها، السودان له ساحل بحري طويل جداً غير مأهول، ليس لدينا (عداوات) مع أي دولة ساحلية أخرى، إذن القوات البحرية تعني للسودان حراسة وحماية سواحلنا مع ضمان وصول وخروج السفن البحرية من الموانئ السودانية بسلام، على هذا الأساس تم تأسيس القوات البحرية السودانية مطلع الستينيات وكانت الوحدات الأساسية لسلاحنا هي (سفن الدوريات) (patrol ships) مع بعض القطع البحرية الصغيرة التي تقوم بأعمال (لوجستية)، مثل نقل مياه الشرب.. الخ، عندما رسم الإنجليز خرط سواحلنا لم يهتموا بهذا الشأن فكان همهم كيفية دخول وخروج السفن من وإلى ميناء بورتسودان، الساحل السوداني كان مليئاً بالشعب المرجانية فكانت الخرط الملاحية مليئة بعبارة (منطقة غير ممسوحة) لهذا استغل أصحاب السفن هذا الوضع فكانوا يدفعون بسفنهم نحو هذه الشعب المرجانية لتتكسر حتى يقبضوا مال التأمين، المهم قواتنا البحرية يومها كانت كافية للقيام بالمهام الموكلة إليها، ولكن اليوم وبعد أن أصبح السودان مصدراً للبترول..
    × قبل إنتاج وتصدير السودان للبترول ساد لفترة زمنية أيام الحرب الباردة مشروع أمن البحر الأحمر.. أين السودان من هذا المشروع؟!
    السودان بوضعه الاستراتيجي يفترض أن يكون لنا دور كبير في مشروع أمن البحر الأحمر، ولكن تنقصنا الامكانات وأكثر أفرع القوات المسلحة تكلفة تجهيز القوات البحرية.
    × لكن مشروع أمن البحر الأحمر لم يكن مشروعاً سودانياً.. بل كان مشروعاً أمريكياً في مواجهة الاتحاد السوفيتي باليمن الجنوبي وإثيوبيا يومها؟!
    التخوف الأمريكي كان منصباً من الوجود السوفيتي بمصر واليمن الجنوبي وإثيوبيا، فالولايات المتحدة كانت تهدف من مشروع أمن البحر الأحمر إلى قطع توغل الاسطول السوفيتي بالبحر الأحمر ومن ثم البحر الأبيض المتوسط، المشروع انتهى بعد سقوط نظام الشاه بإيران.
    × لكن يمكن للسودان الاستفادة من الأوضاع العالمية بما يسمى بالحرب على الارهاب.. فالسودان مدخل للقرن الإفريقي؟!.
    السودان لم يستفد من موقعه الجغرافي على الاطلاق والأهم أصبح الهم شأناً داخلياً بعد انتاج وتصدير البترول السوداني، وعليه لا بد من تعزيز وتقوية القوات البحرية.
    × بقراءتك للوضع في أواخر أيام مايو.. كيف تقرأ الوضع السياسي الراهن؟!
    قد لا أكون متشائماً كثيراً.. فالوضع السياسي الراهن يحتاج إلى مرونة (عملية تنازلات من الحكومة ومن الأطراف المتصارعة)، فالسودان لا يحتمل أكثر من هذا.. فالأوضاع بدارفور لا تحتمل فوق ما تحتمله الآن.. والرأي العام العالمي لا يحتمل أكثر مما تحمله في السابق، الأوضاع في السودان اليوم وصلت حد ومرحلة الغليان، أشعر ببعض التنازلات، لذا فأنا متفائل، خاصة بعد تولي علي عثمان ملف دارفور ومقابلته الأخيرة للنائب الأول سلفاكير بجوبا، فلا يمكن للمؤتمر الوطني التشبث بالأغلبية التي منحتها له اتفاقية السلام بنيفاشا، فنسبة 100% لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح 110% وربنا يصلح الحال!.. فالحال حقيقة أصبح صعباً.
    × سعادة الفريق انعقدت مؤخراً ندوة بعنوان (إنسان الشرق صاحب قضية أم متمرد؟!) فأين تضعه أنت؟!
    إنسان الشرق صاحب قضية.. فقير.. جاهل.. مريض.. مهمش كلمة بسيطة جداً بالنسبة لحال إنسان الشرق.
    إنسان الشرق لم تكن لديه طموحات، لكن بعد تمدد الوعي السياسي شعر إنسان الشرق بحاله ومأساته وأعتقد جازماً أنه علينا تدارك قضية شرق السودان.
    × بحكم وجودك بشرق السودان.. هل أهل الشرق مقاتلون؟!.
    نعم مقاتلون اشداء.. ولكنهم عازفون عن العمل العسكري أو الالتحاق بالقوات المسلحة ولا اذيع سراً إن قلت حتى تركي قيادة القوات البحرية لم ينضو تحت لوائها من أبناء الشرق سوى اثنين أو ثلاثة!!، فتركيبتهم تمنعهم من العمل العسكري المنظم.. ولكنهم مقاتلون شرسون فكل واحد يمتلك سيفاً، إضافة إلى الطبيعة البيئية القاحلة الجرداء التي اكسبتهم صرامة، وما أهون مطالب أهل الشرق إنهم يريدون جرعة ماء وحبة دواء ومدرسة!! فمطالبهم أقل بكثير من مطالب الجنوبيين.
    حتى الجنوبيون كانت مطالبهم معقولة عند توقيع اتفاقية السلام بين الميرغني وقرنق عام 1988، وما كنا لنصل الحال الى الذي نحن فيه لو تم تنفيذ تلك الاتفاقية.
    × سؤال أخير.. كمراقب عسكري هل حدث تسييس للقوات المسلحة؟!.
    فعلاً حدث تسييس للقوات المسلحة، ولكن على الرغم من ذلك انا مطمئن على مستقبل القوات المسلحة، لأن من ينتمي للقوات مهما كان مسيساً فإن انتماءه للقوات المسلحة دائماً هو الأقوى والأعلى، فالهدف سامٍ والمهمة صعبة، فإذا اختلفت الرؤى السياسية بين أفراد القوات المسلحة فسيكون الحال مخيفاً ومريعاً، فالجندي عندما يقاتل يجب أن يكون ظهره مؤمناً فما بالك عندما يحس بأن الجندي الذي يقاتل بجانبه على خلاف سياسي وفكري معه!!.
    رئيس هيئة الاركان الصيني يتوسط المشير سوار الذهب والفريق يوسف
    (في عهد مايو)
    اتصل الفريق يوسف حسين بعد نشر الحلقة الاولي من الحوار موضحا : (لقد فاتني ذكر حقيقة مهمة ، وهي بأن المجلس العسكري الانتقالي اتصل عبر لجنته السياسية والتي كان يرأسها الفريق محمد ميرغني بكل الأحزاب السياسية لتشكيل حكومة قومية تشمل كل الأحزاب وفعلاً بدأ الاتصال بزعماء الأحزاب الصادق المهدي ، محمد عثمان الميرغني ، ولكن لم تر الحكومة الوطنية النور كما كان يريد المجلس العسكري الانتقالي بعد ان اكد الحزبان بانهما سينالان اغلبية مطلقة في الانتخابات .)
    وأبدى الفريق يوسف تصحيحاً لما ورد بالحوار وهو بأن د. أمين مكي مدني كان نشطاً في لقاءات مع القوى النقابية والسياسية خارج القوات المسلحة .

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503200&bk=1
                  

04-21-2008, 02:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    البصلــــة وقشرتهــــا
    د. كامل ابراهيم حسن
    الحركــــة الشعبيــــة في حالــــة انكفـــاء
    يقول عمر العمر في تقرير له تحت عنوان (الشريكان الحاكمان يراوغان عمداً المفاصل الساخنة في اتفاقات السلام - تواطؤ سوداني ضد المرحلة الانتقالية تمهيداً للتمديد): (صحيح أن نائب الرئيس علي عثمان طه كان شريكاً للدكتور قرنق في نيفاشا، وكان الشريك الوحيد الذي قاسم قرنق تلك المفاوضات الماراثونية. لكنه صحيح كذلك الاتفاقات في مجملها ليست سوى تعبير عن طموحات ورؤى قرنق، ودأب طه على قطع المحادثات والعودة إلى الخرطوم للتشاور، وربما الإقناع، لكن قرنق كان هو المحاور ومصدر المبادرة والمرجعية والحسم على الجانب الآخر.
    وبرحيل رئيس الحركة الشعبية على ذلك النحو المباغت، فقد المشروع برمته عقله وصاحبه وحاديه. من ثم يصبح الارتباك على طريق التنفيذ افرازاً تلقائياً).. وسؤالنا: هل مات مشروع الحركة الشعبية بموت الدكتور قرنق؟
    قبل الإجابة على السؤال نحب أن نلفت النظر لحقيقة تعاني منها سياسة بعض الدول الأوروبية الشرقية (سابقاً) وأغلبية الدول النامية ألا وهي: أن الشخص الأول في أي حركة سياسية غالباً ما تكون شخصيته هي الطاغية، ويكون البون شاسعاً بينه وبين الشخص الذي يليه... أو كما وصفها صديق بمثابة تلميذين في فصل واحد، (قفّل) الأول الاختبار بينما حصل الذي يليه على 50% فقط، ولكن ورغم ذلك سيكون ترتيبه الثاني... وهذا الوضع لا ينعكس على الحركة الشعبية ولا الزعيم الغائب وحدهما، لأنها تعني في ما تعني سيطرة الزعيم على مفاتيح التنظيم.. نرى ذلك بالنسبة لحركة الناصريين، فقد تفككت أوصالها بعد غياب عبد الناصر، كما تفرق القوم أيدى سبأ في يوغسلافيا السابقة بعد رحيل تيتو.. وفي السودان تضعضع حال الإخوان الجمهوريين بعد استشهاد الأستاذ محمود محمد طه... وشىء مشابه قد طرأ على كل التنظيمات السياسية السودانية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ولكن بدرجات متفاوتة.. فهل السبب يكمن في مقدرات المؤسسين؟ أم في غياب المؤسسية في تلك التنظيمات؟.
    أعتقد أن السبب الثاني هو الأساس مع عدم تجاهلنا (للبطل) - أى دور ومقدرات بعض الأفراد... وربما هنالك نوع من الحنين الى الماضي (النوستولوجي)، وعدم مقدرة تجاوز ما ارتبط في أذهان الناس عن الزعيم الغائب.. ما قلنا به لا ينطبق بصورة ميكانيكية على كل التنظيمات السياسية، إذ أعتقد أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد استطاع أن ينفذ من هذا القبو ويقدم نفسه بصورة مقنعة، دون أن ينقص ذلك من كاريزما سلفه؛ القائد الفذ الشهيد عبد الخالق محجوب...
    ويختم عمر تحليله بقوله: (تشكيلة الفريق التنفيذي للحركة في الشمال والجنوب لم تعكس فقط وجود انشقاق داخل الحركة، بل كذلك انقضاض تيار من خارج التنظيم على مفاصل صنع القرار فيه. ولا بد أن يترك الانشقاق والانقضاض تداعياتهما على أداء الحركة.
    يضاف إلى ذلك تزامن التطور غير الإيجابي مع تحول الحركة من تنظيم عسكري يخوض حرب عصابات إلى حزب سياسي، وهي مهمة شاقة تتخذ جوهر ومظهر المخاض. وفي كل الأحوال فإن الحركة في غياب زعيمها التاريخي لا تملك رصيداً من الخبرة في الأداء السياسي، إذ كان هو منفرداً يشكل الصف الأول لقيادة الحركة السياسية).
    من التداعيات السلبية لذلك المخاض أن الحركة أمست بجناحيها تجنح للانكفاء الإقليمي على الجنوب، فالتيار الذي يحمل شعارات زعيمها الراحل (أولاد جون) وجدوا أنفسهم بعد إعلان الفريق الحكومي مجبرين على الهروب إلى الجنوب، للاحتماء بأطرهم التقليدية هناك، سواء كانت تنظيمية طرية أو قبلية عتيقة.
    هذا الهروب القسري لم يخرج ذلك الفريق من حلبة الصراع في الشمال فقط، بل أكثر من ذلك أبعدهم عن بؤرة الضوء فأصبح المسرح في الخرطوم مفتوحاً أمام التيار الثاني، وهو انكفائي بطبيعته غير مكترث لمسار سنوات المرحلة الانتقالية غير المرتبط بتحقيق أهدافه الإقليمية، هذا التماوج داخل الحركة الشعبية لا يعيبها، إذ أنها إطار تتفاعل داخله تيارات متباينة.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147502277&bk=1
                  

04-21-2008, 02:07 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الحركيون الإسلاميون بين مجتر للقديم أو متهافت على الحداثة
    أشرت في مقالي السابق حول مستقبل الدولة الإسلامية إلى أن دعاة الإسلام اليوم لا يملكون مشروعاً نهضوياً ولا منهجية ينطلقون منها ليقدموا حلولاً تفصيلية لمشكلات السياسة والاقتصاد والاجتماع في عالمنا الحاضر فهم بين مجتر للقديم أو متهافت على الحداثة ويلجأ أكثرهم إلى تقديم تفسير انتقائي للنصوص معتقداً أن المنهجية إنما تعني تقديم تفسير لآيات القرآن الكريم متجاهلين حقيقة أن القرآن نفسه يفسر نفسه (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) . فالقضية إذاً هي ليست قضية تفسير النصوص بقدر ما هي إيجاد المنهج الذي يتعامل مع النصوص باعتبارها قوانين تنظم كل مناحي الحياة الفردية والاجتماعية وليس باعتبارها آيات تتلى لمجرد التبرك بها لأنها سنن كونية أو إن شئت قوانين طبيعية تنظم الوجود البشري في كل أحواله كما تحكم علاقة الفرد بربه وبالعالم من حوله .. ولكن اكتشاف هذه القوانين إنما يتطلب إعمال الفكر في النصوص مع الوضع في الاعتبار للصلة بين الأصالة والمعاصرة ومحاولة الجمع بينهما بصورة لا تجعل من القرآن الكريم مجرد وثيقة تاريخية مرحلية تتعلق بزمن معين ولا تحوي تشريعاً للمستقبل كما ذهب إلى ذلك الدكتور الترابي الذي رأى أن تطوير الشريعة إنما يتم عن طريق تجديد أصول الفقه ويكون ذلك على حد رأي الترابي عن طريق إيجاد أصول واسعة لفقه اجتهادي يتجاوز النصوص المحدودة والقليلة التي لا تفي بالحاجة .. فالترابي يصف النصوص القرآنية بأنها محدودة وقليلة ويرى أن نزول القرآن قد جاء منجماً على الحادثات في أسلوب متحرك يحيط بالحدث ويبين عبرته ومغزى المواقف من حوله ولم يجئ كتاب ينظم المستقبل بدستور من الأفكار المجردة هذا قول الدكتور الترابي وفيه مصادمة صريحة لآيات القرآن الكريم التي تنفي بصورة واضحة صفة المحدودية عند النصوص القرآنية التي يقول عنها الله تعالى (ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) والله تعالى يقول أيضاً (وما فرطنا في الكتاب من شيء) وهذه الآيات جاءت على سبيل الاستقصاء وهو استقصاء من : (لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) وعندما يتحدث الترابي فيقول إن القرآن لم يجئ لينظم المستقبل فهذا إنما يعني بالضرورة التعامل مع القرآن كوثيقة تاريخية تتعلق بزمن معين ولا تحوي تشريعاً للمستقبل وهذا يعني أيضاً بالضرورة تطوير التشريع عن طريق إخضاعه للتقدير العقلي الفج وهذا للأسف هو أسلوب بعض المستشرقين الذين يشجعون المسلمين على التوسع في مبادئ أصول الفقه المتضمنة لمصادر كالمصالح المرسلة بحجة أن الشريعة ينبغي أن تكون منفتحة على العصر وهذه كلمة حق أريد بها الباطل . وأنا أزعم أن الأستاذ محمود محمد طه هو الوحيد الذي استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة بمعنى أنه حينما إلى رمى الى التطوير لم يفقد هويته التاريخية ولذلك وصف جهده الفذ بأنه فهم جديد للنصوص القديمة والتطوير عند الأستاذ محمود إنما يلتمس من داخل القرآن الذي وصفه هو بأنه جسم نامٍ وحي ومتطور ، ومتوائم دوماً مع البيئة الحياتية في رقيها وانحطاطها اتساقاً مع حركة المداولة التاريخية التي لا ثبات فيها ولا قرار إذ الحضارات تتداول والمجتمعات البشرية تتبدل وتتغير في نطاق دورة حياتية تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت لتبدأ بالميلاد من جديد (وتلك الأيام نداولها بين الناس) . ولقد رأى الأستاذ محمود محمد طه أن المجتمع البشري في تطوره كالفرد البشري يمر بمرحلتي القصور والرشاد والتشريع لكل من المرحلتين موجود بين دفتي المصحف وهذا يعني بالضرورة أن تدخل الإرادة الإلهية في مسيرة التطور البشري لم ولن تنقطع لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل بعكس ظن الدكتور الترابي الذي ينفي (حينما زعم أن القرآن لم يجئ لينظم المستقبل) اتساق النصوص القرآنية مع حركة المداولة التاريخية ولذلك زعم أن الآيات المكية والتي نسختها (تاريخياً) الآيات المدنية لا سبيل لأحكامها الآن لأن القانون اللاحق - أي تشريع المدينة الذي بنيت عليه دولة المدينة هو الذي ينسخ ويلغي القانون السابق وإذا كان الأمر هكذا ، بالنسبة للقرآن عند الشيخ الترابي .. فلماذا إذن يزعم المسلمون جميعهم ومن بينهم الترابي نفسه أن القرآن كله صالح لكل زمان ومكان .. لماذا كل هذا التناقض الذي يوحي بأن الإنسان المسلم يستطيع أن يحيا تحت ظل منظومتين قيميتين في وقت واحد !! ولعل الشيء بالشيء يذكر فلقد انبرى المسلمون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يدافعون دفاعاً باهتاً عن الإسلام بإطلاق العموميات الساذجة فيرددون على مسامع الأميركان وأهل الغرب بأن الإسلام هو دين التسامح والمحبة والسلام فكان رجال الدين المسيحي وغيرهم في الغرب يرفعون في وجوههم آيات الجهاد وقتال المشركين وآيات الجزية وكأنهم يقولون لهم مع أي منظومة قيمية أنتم ؟ وهل أنتم مع آيات الجهاد أم أنتم مع آيات الدعوة بالحكمة والسلام والموعظة الحسنة ؟ هذه هي أم المشاكل بالنسبة للفكر الإسلامي المطالب بفك هذا التعارض البادي بين النصوص ؟ وهذا ما فعله الأستاذ محمود بجهده التجديدي المتسق مع روح وطبيعة القرآن والمدرك للحكمة من وراء النصوص وهذا هو صنيع من يعبد الله لا من يعبد النصوص لأن النصوص إنما هي وسيلة وليست غاية لقوله تعالي : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) و(التي هي أقوم) هنا هي الغاية وما القرآن إلا الوسيلة للوصول لتلك الغاية لأن نصوص القرآن تتقلب مع تقلبات الزمان فتصنع لكل زمن وحال تشريعه ولذلك وصف الإمام علي القرآن بأنه (حمال أوجه) .. وكلمة أوجه الواردة في هذه العبارة تعني بالضرورة أوجهاً من التفسير والتأويل وبمعنى أدق (أفكار) .. ولكن الأفكار كما أشرت في المقال السابق شأنها شأن بقية الظواهر الكونية والمخلوقات وهي تخضع لسنة الله الكونية (الموت والحياة) .. والموت ظاهرة أو سنة كونية تطرأ على المجتمعات والأفراد والأشياء كما تطرأ على الأفكار وقد أبان ذلك القرآن في قوله تعالى (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) . بمعنى خذوا من القرآن أحسنه مما يتضمن أفكاراً وتشريعات هي الأحكم والأنسب لمقتضى حكم وقتكم .. ودعوا الباقي من القرآن وهو (الحسن) حتى يحين عليكم حينه فيصبح هو الأنسب والأحكم بمقتضى حكم الوقت أيضاً . لقد رأى الأستاذ محمود إن في الوجود أصلين هما القاصر والرشيد سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أم المجتمعات وهذا قانون طبيعي وضعه خالق البشر ولم يخترعه الأستاذ محمود وتطبيقه أمر محتوم لا فكاك منه حتى تقوم الساعة ولقد حوى القرآن تشريعاً للقاصر وتشريعاً للرشيد والأمر في الآية الكريمة السابقة الذكر باتباع الأحسن من قبل أن يأتي العذاب ، فيه إشارة لطيفة إلى النتائج والآثار الخطيرة التي تأتي كثمرة لاختلال موازين القيم واختلاط المعايير وذلك عندما يطبق تشريع الرشيد ليساس به القاصر .. بينما الحكمة تقتضي أن توضع الأشياء في مواضعها . يقول (لوي غارديه) : (إن الحضارات الإسلامية إن عرفت كيف تظل وفية مخلصة لأفضل ما عندها من إيحاء فستبقى مؤهلة جداً لأن تقدم الكثير للثقافة الكونية في أيامنا) .
    وفي الآية السابقة فإن الأمر باتباع أحسن ما أنزل في القرآن هو أمر لجميع المسلمين وأحسن ما أنزل في القرآن إنما هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه وهو أمر يقع على جهة الإلزام بالنسبة للنبي ولأمته كافة ثم إن قرآن مكة الذي يزعم الدكتور الترابي أن قرآن المدينة قد نسخه في معنى الإلغاء إنما هو في الحقيقة سنة النبي أي عمله في خاصة نفسه وتلك سنة عاشها النبي وطبقها إلى أن التحق بالرفيق الأعلى .
    إن دعوة الأستاذ محمود التجديدية ترمي إلى جعل المنهاج النبوي منهاجاً عاماً للأمة بعد أن كان في حقها على سبيل الندب باتفاق السلف والخلف الذين رأوا أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه لا يلزم إلا من التزم به تطوعاً .. وإذا كان الحال هكذا فإنه يصبح من الطبيعي أن يقال أن تحويل الندب إلى واجب يصبح في هذه الحالة أمراً هو أدخل في الدين وأكثر ولوجاً فيه وذلك اتباعاً للأمر القرآني : (وأتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) . والقاعدة التي تقول : (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) .
    ولم يكتفِ الأستاذ محمود بتوضيح خصائص هذا المنهج بل أوضح السبيل لجعله سلوكاً حياً وتطبيقاً عملياً يعطي فكرة التجديد مزية التوحيد لكل تصورات واتجاهات المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة بجعلها تنهل من منهل واحد هو سنة النبي عليه السلام في خاصة نفسه أي طريقته الخاصة به في العادة والعبادة ، وهذا يعني أن التعريف المتعارف عليه للسنة النبوية في أوساط الفقهاء ليس جامعاً في معنى أنه سنة أو طريقة خاصة بالنبي وحده إذ أن تعريف الفقهاء للسنة يشمل إقرار النبي وإقراره ليس من سنته الخاصة به ولكنه تنزل من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى عمل أمته ليعلمها فيما تطبق وليكلفها فيما تستطيع ..
    ولكنه مع هذا ادخر لها أحسن ما أنزل إليه من ربه وهو شريعته الخاصة به والتي تتسع لطاقة وإنسانية عصرنا هذا التي فشلت في استيعابها كل تنظيرات الفكر السلفي التي عجت البلاد الإسلامية بمختلف مدارسها ومذاهبها التي لا تملك منهجية فكرية موحدة ولا تملك إلا اللجوء إلى التعميمات فتشظت وتشرذمت وصار المسلمون شيعاً وأحزاباً .. و(كل حزب ما لديهم فرحون) .. فوقع المسلم البسيط في حيرة من أمره ولم يعد يدري أين هي الفرقة الناجية وسط هذا الخضم من الفرق والمذاهب ، وكيف لا تتملكه الحيرة وهو يسمع القرآن الكريم يقول : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) .. ثم هو لا يرى غير الفرقة والشتات !!
    ما الذي يمنع الناس من أن يجتمعوا على تقليد رجل واحد هو محمد بن عبد اله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. لا سيما وجميعهم يعلمون تفاصيل شريعته الخاصة به .. وبتقليده يستنقذ المسلمون جميعاً أنفسهم فيصبحوا كلهم الفرقة الناجية !! وهكذا وبتقليد محمد صلى الله عليه وسلم تتوحد الأمة ويتجدد دينها .
    × رئيس المركز السوداني لدراسات حقوق الإنسان المقارنة

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147501757&bk=1
                  

04-21-2008, 02:09 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حول مستقبل الدولة الاسلامية
    لم يسعدني الحظ بالمشاركة في النقاش حول ما طرحه المفكر المصري الحر جمال البنا، بقاعة الشارقة يوم 13 فبراير الجاري حول مستقبل الدولة الإسلامية، ولقد كان ذلك طرحاً قيماً وشجاعاً تصدى فيه المحاضر لمسلمات الموروث في محاولة للانعتاق من قيود الانشداد إلى الماضي، وهي حالة نفسية استرجاعية تشبه - إن لم تطابق - الحالة المعروفة في دوائر الطب النفسي بحالة النكوص إلى الطفولة (Regression to Infancy)، وهي حالة استدعاء القديم لدى استعداء الجديد الذي يحمل في طياته كل مهددات الموروث. ومن هنا جاء رفض الأستاذ جمال البنا الصريح لما يسمى بالدولة الدينية، وهي المقولة التي يعبر عنها المفكرون الإسلاميون المعاصرون بقولهم إن الإسلام (دين ودولة)، وتلك مقولة حق أريد بها باطل. فهي مقولة حق؛ لأن كل المجتمعات البشرية، ولا أقول الجماعات، تحتاج إلى ما يسمى بجهاز الدولة لإدارة شؤونها والقيام بمصالحها. وهكذا يصبح القول إن الإسلام دين ودولة هو مجرد تحصيل حاصل. وعندي أن مثل هؤلاء إنما يخلطون خلطاً بيّناً بين مفهوم الدولة الدينية - أي النظام الثيوقراطي- الذي يرى أن السلطة الدنيوية يجب أن تتبع السلطة الدينية، وبين قيم الدين الأخلاقية السمحة التي يجب أن تدخل روحها في العمل السياسي. ومن هنا فليس الإسلام دينا ودولة، ولكنه دين وسياسة.. بمعنى أن الإسلام لا يفصل بين الدين والسياسة، ولكنه يفصل بين الدين والدولة. ذلك أن الدولة هي مجرد جهاز لا دين له، فليست هنالك وزارة طيران إسلامية، أو وزارة أشغال إسلامية، كما ليست هناك مخابز إسلامية وأخرى مسيحية أو يهودية.. وهذه الأجهزة الرسمية عبر التاريخ الإسلامي عمل فيها المسيحي واليهودي والمسلم. وقد اقتبس الصحابة النظم الإدارية ونظم الدواوين والبريد والمالية من الفرس والروم وغيرهما. أما كون الإسلام لا يفصل بين الدين والسياسة، فهذا حق، لأن الإسلام يطالبنا - وكذا الأديان - بإدخال روح الدين في العمل السياسي بمعنى الالتزام في الممارسة السياسية والعمل التنفيذي بكل القيم النبيلة في الدين إسلامياً كان أم مسيحياً أم يهودياً. ذلك أن المواطن الصالح قد يكون مسلماً، وقد يكون نصرانياً، وقد يكون يهودياً، أو من الصابئة، والله تعالى يقول: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة: .62 ذلك أن الإسلام إنما هو دين الفطرة، وما الفطرة إلا العقل الواعي والقلب السليم، وهذا متوافر يجمع كل البشر من لدن آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. وعليه فإن المتصدر للدعوة لإدخال روح الإسلام في السياسة عليه أن يدعو في هذا المستوى؛ أي مستوى دين الفطرة الذي يجمع كل البشر، وليس له أن يدعو للدولة الدينية لأنها دينياً خطأ، وعملياً لا يمكن تنفيذها. ولقد رأينا فشل المسلمين في الدولة الدينية بالتجارب العملية في الزمان السابق والحاضر، تماماً كما فشل المسيحيون في إقامة دولة دينية، أو حتى تقديم برنامج سياسي يقوم على المبادئ الدينية، مروراً بجون كالفن ومارتن لوثر. أما أهل الإسلام فقد أقاموا إمبراطوريات وظف فيها الدين توظيفاً خاطئاً لأغراض السياسة، فكانت إرثاً وملكاً عضوضاً. واليوم يريد لنا البعض إعادة إنتاج الأزمة عن طريق توظيف آلية الدولة الدينية وصولاً للمصالح الدنيوية. والذين يحتجون بأنموذج دولة المدينة إنما يريدون ودون وعي سحب الماضي على المستقبل، وقد فعلتها دولة (طالبان) ولم تستطع المضيّ قدماً وسقطت في أول الطريق، لا بسبب الغزو الأجنبي، إنما بسبب الضعف الفكري المتمثل في اجترار القديم وتطبيقه بكل حذافيره على الحاضر، دون إجراء غربلة للتراث.. والمثال الطالباني يعتبر تجسيداً لمعاني الهوس الديني والذي - كما أشرت سابقاً - تظهر صورته السريرية (Clinical picture) في حالة النكوص تعويضاً عن فقد القيمة العزيزة والأنموذج التاريخي المثالي المجسد لقيم الدين السمحاء. وتاريخياً فقد اختفى هذا الأنموذج باختفاء الخلافة الراشدة، ولكن الإصرار على إنتاجه في صورة طبق الأصل من الماضي هو ما يعد حالة ارتدادية شبه مرضية لا تراعي حكم الواقع، بل تسعى لنقل القديم بكل تفاصيله، وهذا ما فعلته تماماً حركة طالبان التي كانت تنادى رأس الدولة بأمير المؤمنين، وتحرم عمل المرأة وتحجر عليها، وتعاقب من الرجال من لا يرسل لحيته، وتحرم الغناء وتعطل التلفزة، ثم تخرج بمعاولها الصدئة لتحطم التماثيل وكأنها الجيوش التي خرجت من المدينة لفتح مكة وهدم أوثانها.. ثم هي تمتشق سيوفها في وجه كل الفنون من رسم وموسيقى وغناء ونحت، وكأنها جيش الفتح الأول ليدك مواخير مكة وكل ما فيها من لهو وخمر وقيان. ولا يظنن أحد أن الهوس الديني هو ظاهرة أفغانية، ولكنه ظاهرة موجودة في كل قطر إسلامي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر لو أن دوائر الهوس الديني في مصر تمكنت من السلطة لخرج قادتها لنسف وتدمير كل تماثيل ونصب الفراعنة، ولا يعوزهم في ذلك الاستدلال بالقرآن والحديث وعمل السلف، هذا على الرغم من أن المولى عز وجل قد أبقى على آثار فرعون وحفظها لآلاف السنين لنأخذ منها العبرة ولنتعظ. ومن هنا فإنني على اتفاق تام مع الأستاذ جمال البنا في طرحه الخاص بتعذر قيام دولة إسلامية على غرار أنموذج المدينة، وذلك لأن الإسلام في الأصل لم يأت لقيام دولة، وإنما جاء لإصلاح العالمين. ولو أخذنا الخطاب الديني لدولة المدينة لرأيناه يخاطب فئة معينة هي (الذين آمنوا)، بينما الخطاب في مكة بـ (يا أيها الناس) و(يا بني آدم). والذي يريد أن يغلّب خطاب المدينة على خطاب مكة إنما ينزع صفة الخطاب العالمي للدين الذي يتسق مع التكريم الإلهي لبني آدم جميعاً. ثم إن دولة المدينة كانت تقوم على الشورى وهي حكم وصاية الرشيد على القاصر، حيث يملك المشاور أن يخالف من شاوره (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله). وهكذا فإن الشورى هي خطوة نحو الديموقراطية، وقد كانت ممكنة في القرن السابع لقلة عددية المسلمين، ولكنها لا يمكن أن تكون آلية فاعلة في دولة يبلغ تعداد سكانها عشرات الملايين، كما هو الحال في عصرنا هذا. أضف إلى ذلك أن الديموقراطية هي في حقيقتها آلية لممارسة الحرية، وهي ليست أيديولوجيا تماماً كالاشتراكية التي هي آلية للوصول إلى العدالة الاجتماعية، وليس في هاتين الوسيلتين ما يخالف الدين. كذلك فإن اختيار رأس الدولة في أنموذج المدينة كان يقوم على البيعة، والبيعة لا يمكن أن تناسب هذا العصر، بل إن المسلمين الأوائل قد اختلفوا حتى في بيعة أبي بكر الصديق، حتى قال عنها عمر بن الخطاب (كانت بيعة أبي بكر فلتة). وليس في هذا قدح في شريعة الإسلام، فقد كانت الأحكام في عصر دولة المدينة متسقة مع ذلك العصر، ولم يكن لها من بديل، لأنها المناسبة لذلك العصر. وكانت الأحكام مفصلة ومحددة حسب حاجات وظروف عصرهم ومستوى إنسان ذلك الزمان، ولذلك كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).. هذا كان على المستوى التشريعي الواجب الالتزام به في القرن السابع، بينما ظل الالتزام الأخلاقي متطوراً ومنفتحاً نحو المستوى الثاني القانوني الذي كان يعيشه الرسول الكريم وحده، ولكنه ندب إليه أصحابه. وهذا يعني بالضرورة وجود مستويين من التشريع في القرآن وفقاً للقاعدة القرآنية (ومن كل خلقنا زوجين)، ولقوله (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)، بمعنى أن القرآن قد حوى التشريع الحسن والتشريع الأحسن؛ بمقتضى حكم الوقت، ثم إن القرآن الكريم يقول: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني)، وكلمة (مثاني) تعني أيضاً ثنائية المعنى، وبالضرورة ثنائية التشريع. ولعل هذا قد جاء لعدة أسباب منها أن القرآن الكريم هو الوحي النهائي، وهو بهذه الصفة يحوي كمال الرسالة السماوية للإنسان الذي لا يقف تطوره الإنساني عند حد. وقد جاء القرآن لترقيته على مراحل حتى يصبح مؤهلاً للمستويات الأرقى، حيث كلما ارتفع مستواه الأخلاقي في السلوك ارتفع التزامه القانوني. ولعل في المسيرة السياسية الإسلامية ما يعطينا نماذج لطلائع ارتقعت أخلاقاً وارتفع التزامها قانونياً.. ويتجلى ذلك في خطبة أبي بكر الصديق، الخليفة الأول، الذي رفض أن يناديه البعض بلقب (خليفة الله)، وقال لهم (إنما أنا خليفة رسول الله) نازعاً بذلك الصفة الكهنوتية عن الدين درءً للشبهة الربوبية على الناس. بل إنه يعطي الأمر بعداً آخر حينما يعلن في خطبته وكأني به يقول للناس، بلغة عصرنا: إنما الأمر للناس أي للشعب. فكانت مقولته الشهيرة (أيها الناس، لقد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن رأيتم في خيراً فأعينوني، وإن رأيتم في اعوجاجاً فقوموني). لقد رفع الخليفة الأول بهذا الصنيع التزامه الأخلاقي إلى التزام قانوني، فهو حينما رفض أن يسمى (خليفة الله) إنما كان يقرر ضمناً بأن النص إلهي ولكن التفسير يبقى بشرياً يحدده الناس وفقاً لطاقات عصرهم ومقتضياته وحاجتهم ومستويات عقولهم، وتلك هي الخطوط العريضة الواردة في خطبة الخليفة الأول التي أشار إليها المفكر جمال البنا في محاضرته آنفة الذكر.. ولقد عجزنا نحن في القرن الحادي والعشرين عن تطبيقها، وأصبح دعاة الإسلام اليوم بين مجتر للقديم أو متهافت على الحداثة، وكل هذا بسبب الخمول الفكري وانعدام المنهجية العلمية القائمة على قواعد وأطر تجعل من المفكر صاحب منهجية ذات أصول ينطلق منها ليحلل بها أحوال السياسة والاجتماع والاقتصاد، ليقدم في النهاية حلولاً تفصيلية للقضايا المعاصرة. ولقد أشار الأستاذ جمال البنا إلى الصورة التي أجملها القرآن للدولة، ولكن تفصيل هذا الإجمال يبقى هو المشكلة. وأنا اتفق مع الأستاذ جمال البنا في تشخيصه لأسباب تخلف المسلمين التي تكمن في انعدام المشروع النهضوي (المجمل في القرآن) الذي يحتاج إلى إعمال فكر، بحيث تتولد عن ذلك منهجية تطويرية كتلك التي اختطها الأستاذ المفكر محمود محمد طه. ولا أدري إن كان الأستاذ جمال البنا على اطلاع على فكر الأستاذ محمود ومنهجيته التي ترمي لتطوير التشريع عن طريق منهجية الانتقال من نص في القرآن خدم غرضه حتى استنفده إلى نص في القرآن نفسه ظل مدخراً لوقت تحتاجه البشرية، وهذه منهجية من داخل القرآن نفسه فهي لا تمثل قولاً بالرأي الفج، أو قفزاً عبر الفضاء كما يعبر الأستاذ محمود.. وهي بهذا أيضاً تقع خارج نطاق المعنى الاصطلاحي للاجتهاد الذي يقرر أن الاجتهاد إنما يكون حيث لا نص، وتلك خطيئة فكرية لأن النص موجود دائماً (ما فرطنا في الكتاب من شئ)، ولقوله تعالى أن فيه (تفصيلاً لكل شئ)، وهذه المنهجية إنما تقتضي إجراء غربلة للتراث في سبيل إيجاد المشروع النهضوي، وكما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: (إن غربلة الأفكار الميتة عمل أساسي في كل نهضة صحيحة). وما يرمي إليه مالك بن نبي هو أن الأفكار شأنها شأن بقية الظواهر الكونية والمخلوقات فهي خاضعة لسنة الله الكونية (الموت والحياة)، وقد أبان ذلك القرآن بقوله تعالى: (واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم)، وفي هذا إشارة إلى أن للأفكار القرآنية دورة حياتية، وهي خاضعة لظاهرة الموت والاندثار تماماً كخضوعها لظاهرة الحياة والانتشار. وقد عبر النبي الكريم أبلغ تعبير عن ظاهرة موت الأفكار وذلك حينما تنبأ باندثار سنته التي قامت على أصول القرآن فقال عليه السلام: (الذين يحيون سنتي بعد اندثارها). وماذا يعني اندثار السنة غير موتها وخمود جذوتها في النفوس؟! ثم ماذا يعني إحياؤها غير أنها ماتت بالفعل بعد حياة. إن الحديث عن مستقبل الدولة الإسلامية حديث لا ينتهي إلى هذا الحد، ولكنني آمل أن أواصل مع القراء، بإذن الله.
    رئيس المركز السوداني لدراسات حقوق الإنسان المقارنة

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147501574&bk=1

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-21-2008, 02:09 AM)

                  

04-21-2008, 02:10 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بالمنطق
    الضحك في زمان المآسي!!
    صلاح الدين عووضه
    كُتب في: 2006-04-13
    [email protected]



    خبران يُضحكان الواحد حتى يكاد ينسى أنه مواطن في بلد لم يترك له النظام الحاكم فيه جنبة يرقد عليها.. فجنبته الجنوبية مهددة بالانفصال عن جتته بعد نزف استمر لأكثر من عشرين عاماً.. وفي اقوال أخرى خمسين.. أي منذ الاستقلال .. ولكن الجديد الآن هو حكاية الانفصال هذه بسبب سوء تقديرات النظام الحالي، سواء أكان على صعيد الحرب أم على صعيد السلم.. وجنبته الغربية تكاد تنفتح من شدة المعافرة والمدافرة لتلج عبرها قوات دولية تشير كل الدلائل على أن من مهامها المساعدة في القبض على المطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية.. وجنبته الشرقية هاهي تشتعل من جديد اعتباراً من الأمس.. وجنبته الشمالية تحول فيها سد مروي إلى نقمة بدلاً من أن يكون نعمة بسبب تزويد الحكومة لعيار طمعها حبتين لما في أيدي المواطنين ليشمل الأراضي الزراعية هذه المرة.
    في واقع مأساوي مثل هذا - إضافة إلى البلاوي المعيشية الأخرى- تجئ أخبار لا يملك المرء ازاءها إلا أن يضحك مما يعد من نعم الله على عباده في السودان حتى لا يطق للواحد فيهم عرق أو يبحث عن أقرب (صينية!!) له من بيته فيستعوض فيه أهله الله.
    الخبر الأول عن الترابي.. فالترابي هذا سبق لكثير من رموز الانقاذ أن (شككوا) في قواه العقلية عقب حادثة كندا واعتبروه (خارج الشبكة).. وكان آخر من ضرب على هذا الوتر من هؤلاء الرموز الدكتور نافع علي نافع حين وصفه قبل أيام بأنه (فاقد للبوصلة السياسية).. ومما هو معلوم من الدين بالضرورة أن الشخص الذي هو على هذه الشاكلة (مرفوع عنه القلم).. والشيء نفسه تقوله القوانين الوضعية.. أي أن مثل هذا الشخص لا يؤاخذ ولا يحاسب على ما يقول .. أو على ما يفعل..
    لحد هنا كويسين؟!..
    طيب.. متى إذاً عاد للترابي (عقله) حتى يطالب علماء الدين المحسوبون على الحكومة نفسها التي اتهمته بـ(زوغان!!) البوصلة.. حتى يطالب العلماء هؤلاء بمعاقبة الترابي بتهم الزندقة والردة والخروج عن الملة؟!.. من وين هو (خارج الشبكة)، ومن وين عاوزين نستدرجه لـ(شباك) التلبس بالجرم مثل تلك التي القيت على محمود محمد طه من قبل؟!!.
    لابد للحكومة وعلمائها أن يرسّونا على بر.. إذا كان الترابي فاقداً للبوصلة كما يقولون فليدعونه وشأنه.. أما إذا كان (واعياً) لما يقول فنحن في هذه الحالة نؤيد علماء الدين هؤلاء في ضرورة محاسبته ومعاقبته واستتابته بل و(شنقه) اسوة بمحمود محمد طه.. ولكن قبل هذا لابد من فتح ملف محاولة اغتيال حسني مبارك قضائياً ما دام الترابي قد أدلى بشهادته تلك لقناة العربية الفضائية، وهو بكامل (عقله) و(وعيه)..
    والآن ما رأيكم يا حكومة ويا علماء دام فضلكم، اللهم إلا إذا كنتم ترون أن الترابي فاقد للبوصلة السياسية.. نعم ولكن بوصلته الدينية (تمام التمام!!)..
    نجي للخبر الثاني المضحك..
    فالبرنامج القومي لمكافحة الايدز (دشن) بالأمس حملته لتوسيع خدمات الوقاية من الايدز.. ويوم الافتتاح الرئيسي للبرنامج شهد حضوراً نسوياً مميزاً على رأسه حرم رئيس الجمهورية ووزيرة الصحة الاتحادية.. والأوراق التي قدمت في اليوم هذا اشارت إلى أن عدد النساء المصابات بمرض نقص المناعة يفوق عدد المصابين من الرجال.. كيف؟!.. ولماذا؟!.. لست أدري .. وحين اجتهد الحضور النسوي في أن يدري لم يجد سوى شعارات المساواة القديمة المستهلكة، والمتهالكة.. ولكن كيف تُوظف هذه الشعارات في مثل حالتنا هذى والـ(تفوق!!) العددي هذه المرة للنساء وليس للرجال؟!!.
    هنا تكمن أسباب الضحك.. فالحضور النسوي (كوجن!!) الشعارات هذه ثم (عاسها!!) لتصبح صالحة لوجبة دعائية اسمها المساواة في (وظائف!!) الإصابة بالايدز.. أي بعبارة أخرى أراد الحضور النسوي لبرنامج مكافحة الايدز هذا أن يقول إن الرجال هم -كالعادة- السبب في عدم المساواة هذه لتكون الحظوظ العاثرة للنساء في الإصابة بهذا المرض أكبر من حظوظهن.. أي بصراحة كدا.. الحضور النسوي لم يجد ما يقوله!!.
    اللهم لك الحمد والشكر على ما تتيح لنا من فرص للضحك في غمرة مآسينا هذه حتى ولو كانت من شاكلة (شر البلية ما يضحك).

    http://www.alsudani.info/index.php?type=6&col_id=72&issue_id=922&bk=1
                  

04-21-2008, 03:41 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شهيد الفكر محمود محمد طه
    بقلم: الدكتور عبدالعظيم الحسن
    جريدة الصحافة: الأحد 29/9/ 1985

    كان يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م يوماً أسود حالك السواد جثمت ظلمته على الصدور حتى كتمت الأنفاس. وكان الأحرارعلى إمتداد الوطن يتلفتون مذعورين، في حلوقهم غصة وفي مآقيهم الدموع. يديرون مؤشر المذياع بأياد مرتجفة إلى لندن ومونت كارلو والقاهرة وصوت أمريكا وهم كالغريق الذي يتشبث بقشة. وكانت ليلة الجمعة تلك، أطول ليلة في حياة الكثيرين قضوها على أسرة فرشت بالجمر والأحباط وقلة الحيلة. ومنهم من كان كلما أغمض جفنيه رأى الشهيد يتدلى من حبل المشنقة فيفتحهما في ذعر وهلع.

    قالت لي ابنتي هل ستجلسون هكذا وتتركونه يمشي وحيداً إلى حبل المشنقة؟ أنتم الذين قرأتم كتاباته بحب وإعجاب؟! أنتم الذين استمعتم الى محاضراته بحب وإعجاب؟! أنتم الذين وصفتموه مفكراً حراً أصيلاً من أبناء هذا الوطن؟! كيف تتخلون عنه في اللحظات التي هو أكثر مايكون فيها احتياجاً إليكم وأنتم احتياجاً إليه؟!

    ولكنّا جلسنا جميعاً كالأرانب المذعورة وتركناهم يقتلونه، وقد كان أجمل مافينا وأنبل وأسمى وأنقي وأطهر مافينا، وكان قطعاً أشجعنا جميعاً. لقد مشى إلى المشنقة مبتسماً، مشى إليها كبيراً سامقاً يكاد رأسه يلامس عنان السماء. ملء برديه التقوى والورع والعطاء بلاحدود. مشى إليها وكان في إمكانه أن لا يمشي إليها لو أراد.
    وقد كان فوت الموت سهل فرده إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر

    هل تصدقون أيها الناس إن مجلس الشعب كان في إحدي دورات انعقاده حينذاك؟! جدرانه يلفها الصمت الجبان والجريمة تقع تحت سمعهم وأبصارهم. هل كان يخلو من فتي واحد حر جرئ يرفع سبابته ليقول لا؟ أو يسأل أو يستفسر؟ هؤلاء هم أهلنا؟! أهلنا الذين يجيرون الخائف ويفزعون المظلوم؟!.

    لقد قتلته عناصر الشر والبغي والتعصب. كانوا للأحرار بالمرصاد عبر التاريخ حبساً وقتلاً وحرقأً وجلدا.ً هم الذين قتلوا سقراط هم الذين حزوا راس الحسين بن علي وسبوا علياً وبنيه في المنابر، هم الذين قتلوا سعيداً بن جبير، هم الذين قتلوا جان دارك هم الذين أقاموا محاكم التفتيش وهم الذين قتلوا أطفال مدرسة بحر البقر. القائمة طويلة، والقتلة هم أنفسهم، نفس الوجوه، نفس التقاطيع والسحنات نفس اللحي ونفس الألفاظ ومازلوا يَلغون في الدماء ويغتالون الفكر قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل مخلفين وراءهم جثث الشهداء والأبرار على مدار التاريخ.

    إن ذكرى محمود محمد طه في حدقات العيون، في خفقات الأفئده وفي همسات الضمائر. في طهر الصبايا في نقاء الشيوخ وفي عفة الفتيان. في نسمات السحر في قيام الليل، في شذى الأزهار وفي أهازيج الحرية في كل مكان. إنها ذخرنا وزادنا في رحلتنا الطويلة الشاقة، وفي نضالنا من أجل حرية الفكر وحقوق الإنسان. سيتحدث أحفادنا عن أيات الأصول وأيات الفروع، عن حبه الشديد للمعصوم، وعن دعوته للمحبة والسلام.

    وسيبقى الثامن عشر من يناير 1985م يوماً حياً في ذاكرة الزمان وفي وجدان شعوب هذا الكوكب ومنارة تبرق في ظلمات التاريخ عبر القرون تستلهم منها الأجيال القادمة عزماً ومضاء في نضالها ضد كلّ ماهو بشع وقبيح.

    ماأقل الذين أنجبتهم بلادنا السمحة المعطاءة وهم في قامة الأستاذ محمود طه، علماً، وفكراً، وجسارةً. لقد كان ضمير أمة وروح شعب. إن مثله لايحتاج إلى شارع يسمى باسمه أو تمثال ينصب له في مكان عام. ولكن نحتاج نحن أن نجعله آخر شهداء الفكر في بلادنا.
                  

04-21-2008, 03:43 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    إستراحة
    يكتبها اليوم عبدالله الحسن المحامى
    18 يناير مأتم الفكر الحر
    فى تاريخ البشرية أيام خالدات ذات شأن عظيم يتوّجب على الإنسان أن يقف عندها وقفة الإطراق والتأمل ليستمّد منها البهجة والمسرة أو ليأخذ منها العظة والعبرة وليتزوّد مسيرته نحو حياة أفضل. بعض هذه الأيام يكون أبيض مشرقا لإقترانه بإنتصار عظيم وبعضها يكون أسود كالح لإرتباطه بهزيمة نكراء فاليوم الأول من يناير هو منارة مشرقة فى تاريخ شعبنا يهل علينا كل عام فيبعث فى نفوسنا العزة والأمل، ويوم كررى كان يوما أسودا فى تاريخ حياتنا كلنا نذكره مقرونا بالحزن والأسى ونستلهم من سواد لونه ضوء الفجر الذى إنبثق فى الأول من يناير عام 56 ومن المرارة التى تجّرعها أباؤنا وأجدادنا فى ذلك اليوم الأغبر والتى ظللنا نجترها لنصف قرن من الزمان أو يزيد استطعنا أن نتذّوق طعم الشهد الذى إرتوينا منه فى ضحى الأول من يناير السعيد.
    ومن الأيام السوداء فى تاريخ شعبنا المعاصر يوم الثامن عشر من يناير الماضى فهو يوم تم فيه إغتيال حرية الفكر والتأمل عندما قام النظام المباد بصلب المفكر الحر محمود محمد طه وطمر جثمانه فى الصحراء أو إلقاه فى البحر طعاما للحيتان.
    إن شخص محمود محمد طه ليس هو الأهم فى سلسلة المأسأة، فمحمود كبشر إنما هو هالك وأبن هالك فهو فى الفناء سواء أكان ذلك على فراش متواضع فى بيت من الجالوص بالحارة العاشرة فى مدينة الثورة أم درمان أو متدليا من حبل مشنقة علنية منصوبة فى سجن كوبر العتيد.
    ولكن الشىء الأهم والذى يستوّجب الوقوف والتفكير بل ويستوجب اقامة المأتم كل عام هو إغتيال حرية الفكر على يد الرجعيين والمتحجرين من السلفيين أعداء الإنسان الذين يستخدمون الدين لقهر البشر ويلبسونه مسوحا معطرة فيمتطون به ظهر السلطة والنفوذ ويجمعون بأسمه المال الوفير والثراء العريض.
    والذى أغتال (الفكر الحر) فى 18 يناير لم يكن هو وحده جعفر نميرى الذى إتخذه الجميع (شماعة) يعلقون عليها آثامهم وجرائمهم المنكرة، الذى إغتال حرية الفكر فى شخص الأستاذ محمود هم الجناة الذين شرّعوا فأفسدوا التشريع وهم القضاة الذين طبقوا فأسأءوا التطبيق وهم القادة الذين نفذوا ووقفوا يتلذذون (بالفرجة) على الجثمان المصلوب وقد إرتسمت على وجهه إبتسامة السخرية من ضلال الإنسان وظلم الإنسان لأخيه الإنسان. لم يكن شخص محمود هو الهدف ولكن الهدف كان (حرية الفكر) التى ظل محمود محمد طه يقدح فى زنادها أربعين عاما من الزمان لذلك لم يكتفوا بقتله وصلبه وتغريب جثمانه ولكنهم إنقضوا على كتبه، وأفكاره وقاموا بحرقها وتمزيقها تماما كما فعل (التتار) فى بغداد قبل مئات السنين ورغم ذلك ظلوا خائفين يرتجفون أمام غصن الزيتون الذى سقط من يد محمود فى يوم 18 يناير 1985.
    لقد شهدت فى حياتى العملية مئات المحاكم وكنت أرى القاضى هو قمة الإحترام والمهابة لأنه يستمد قوته من إمساكه بميزان العدالة ولكن فى محاكمة محمود ورفاقه كنت أرى الخوف والهلع يرتسم فى وجه (السلطان) لأنه يعلم بأنه كان يدخل معركة خاسرة، فلقد كان السفاح جبانا خاف من (ذات الشوكة) فأطلق سراح غبوش وأفتعل معه تمثيلية الإستتابة على حمائم السلام فشنق محمودا الذى لم يكن يحمل سلاحا ولم يكن يدعو الى إنقلاب بقوة السلاح.
    ليست هذه الكلمات برثاء لمحمود محمد طه فيكفيه أنه رثاه عميد الأدب واللغة العربية ذرب اللسان وفصيح البيان الدكتور عبدالله الطيب وليس هذا بنعى لمحمود فحسبه أنه نعاه المفكر العظيم أحمد بهاء الدين وليس هذا بكاء فالبكاء لا يكون على الخالدين.
    ولكن هذه الإستراحة وقفة عند يوم مشئوم إعتدى فيه الجهل على العلم وتغّلّب فيه الجبن على الشجاعة.
    هذه الإستراحة شمعة تضاء فى السرداب المظلم الذى إعتدى فيه السفاح ومشايعوه من دراويش على حرمة الفكر وحرية الرأى والعقيدة ولكن جآءت أبريل إنتصارا للإنسان فيجب علينا أن ندرك بأن المتربصين [ما زالوا] يشتمون ويهددون على إحتواء إبريل ليحولوا الإنتصار الى هزيمة، ها هى أموالهم تتدفق وها هى أصواتهم تعلوا وترتفع يشتمون ويهددون ويتوعدون .. فكل معارض لهم ملحد وكل مخالف لهم كافر أو شيوعى هّدام.
    لا يكفى أن نتخذ من يوم إغتيال حرية الفكر مأتما نعدد فيه مآثر الفقيد ولكن علينا أن نتخذ منه منطلقا لمنازلة الرجعية وليكن شعارنا (لا صوت لرجعى) ولا إنتصار لأعداء الإنسان ولا بقاء لقوانين سبتمبر الغبراء والتحية لذكرى رائد الفكر الحر محمود محمد طه


    _________________
                  

04-21-2008, 03:46 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قوامة الرجل على المرأة .. هل مازالت قائمة؟ (1 - 2)
    خلف الله عبود الشريف
    طالعت مقال الأخت الفاضلة، أمينة محمد الفضل عن إنتفاء قوامة المرأة على الرجل، والمقال فى جملته ثورة على قوامة الرجل، سررت لها كثيرا، فهذه الثورة لها مايبررها بسبب أنها ثورة ضد وضع إجتماعى تجاوزه الزمن، فيه كثير من الظلم الواقع على المرأة، بسبب قوامة حسبها الرجال دائمة أبد الدهر، ومادروا أن هذه القوامة قد فرضتها ضرورة دينية وإجتماعية معينة، فى فجر الإسلام حيث كانت الفضيلة للقوة الجسدية والكسب الذى كان من حظ الرجل وحده، لإرتباط العمل بالقوة الجسدية فى ذلك الوقت وفى مجتمع خارج لتوه من جاهلية غليظة كانت المرأة فيها تسبى ويتزوج الرجل العشرات من مثيلاتها ... وهى شريعة مقبولة بحكم ذلك الوقت إلا أنه ليس لعاقل أن يقول أنها كلمة الدين الأخيرة فى أمر المرأة، فإن للدين كلمة تحفظ للمرأة من الكرامة والمساواة ما تعجز عنها الفلسفات المادية المعاصرة، ومع ذلك نجد اليوم وفى زمن إكتسحت فيه المرأة أرقى مجالات العمل ونجحت فيه نجاحا مذهلا، من ينادى بقوامة الرجل، بل والتسلط عليها، مما برر عندى ثورة الكاتبة على هذه القوامة ومناداتها بإنتفائها. وسوف أتناول بعض النقاط التى ذكرتها الكاتبة لتبرير إنتفاء قوامة الرجل على المرأة والتى تفتقر إلى وضوح الرؤية، برغم حسن النية وصحة الإتجاه الذى ذهبت إليه.

    تقول الكاتبة الفاضلة : (رغم ان الإسلام لم يترك الأمر على عواهنه إذ انه اعطى المرأة حقها كاملاً لكنها لم تستطع هي أخذه ربما بسبب السلطة الذكورية على مجتمعنا الشرقي الذي يرى سلطة الرجل وسيطرته على المرأة امراً طبيعياً لاغبار عليه أو بسبب حيائها من المطالبة بحقها) ...
    أتفق مع الكاتبة فى دور السلطة الذكورية ونكوص المرأة عن المطالبة بحقها لأسباب كثيرة من ضمنها ماتقول به، ولكن الأهم من ذلك هو جهل معظم النساء بحقوقهن التى إدخرها لهن الدين، وهو جهل يظهر فى الخلط بين الشريعة والدين وهى مصطلحات يستعملها عامة الناس بنفس المعنى . والحق أن الشريعة غير الدين بمعنى أنها طرف الدين القريب من أرض الناس وهى تعنى التشريع حسب طاقة البشر فى فترة محددة من عمر المجتمع ودليل ذلك ماقالة النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم) وهذا الحديث يفسر ماشرعه الإسلام فى العهد الأول فكان تشريع المعاملات يتلخص فى الوصاية، وصاية الحاكم على الأمة، ووصاية الرجل على المرأة وهو تشريع حكيم توخى طبيعة المجتمع الخارج من الجاهلية الأولى فلم يكن من الحكمة أن يشرع للديمقراطية مثلا، وإنما لوصاية الحاكم، ويخطىء كثير من الناس فى فهم الشورى ويعتبرونها ديمقراطية، فى حين أن الشورى هى أن يشاور الحاكم أهل الحل والعقد فقط، ثم له أن يعمل بغير مايرونه (وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل ...) وكذلك الحال بالنسبة للتشريع الخاص بالمرأة، فقد نزل الإسلام، أول مانزل، على مجتمع لم تكن للمرأة فيه كبير كرامة وإنما كانت تعامل معاملة الرقيق، تباع وتشترى، فكان تشريع الإسلام آنذاك أن أمر بحسن معاملتها و حدد الزواج بأربع، بدلا عن العشرين والثلاثين، كخطوة فى مستوى الشريعة الأولى وعلى قدر طاقة المجتمع . والكلمة الأخيرة فى أمر التشريع الخاص بالمرأة نجده فى ماقدمه الأستاذ محمود محمد طه، فى طرحه لمرحلتى الشريعة، الرسالة الأولى والرسالة الثانية من الإسلام وقد بين أن الرسالة الأولى من الإسلام ماهى إلا تنزل من الدين، يطيقه مجتمع المسلمين الأول، أما الرسالة الثانية فهى شريعة الحرية والمساواة وهى التى تطالب بمظهرها فى وقت تطور فيه فهم إنسان القرن العشرين للدرجة التى يطيق فيها تطبيق المساواة السياسية (الديمقراطية) والمساواة الإقتصادية ( الإشتراكية ) والمساواة الإجتماعية ( وأكبر مظاهرها، المساواة بين الرجل والمرأة ) ... يقول الاستاذ محمود فى كتابه، تطوير شريعة الأحوال الشخصية: (ثم ان الإسلام ورث هذه الأوضاع البشعة التي كانت تجري في مجتمع الجاهلية.. فحسم المشتط منها حسما.. ولكنه لم يكن ليتخلص من سائرها، فينهض بالمرأة إلى المستوى الذي يريده لها في أصوله، وما ينبغي له أن يتخلص، وما يستطيع.. ذلك بأن حكمة التشريع تقتضي التـدريج.. فإن الناس لا يعيشون في الفراغ.. والمجتمعات لا تقفز عبر الفضاء، وإنما هي تتطور تطورا وئيدا، وعلى مكث.. فوجب على التشريع إذن أن يأخذ في اعتباره طاقة المجتمع على التطور، وحاجته الراهنة فيجدد قديمه، ويـرسـم خط تطـوره، ويحفـزه على السير في المراقي.. وهذا ما فعله التشريع الإسلامي.. فإنه قد احتفظ بتعدد الزوجات، ولكنه حصره في أربـع، مراعيا، في ذلك، أمرين حكيمين. هما إعزاز المرأة، وحكم الوقت.. فأما حكم الوقت فإنه قد كانت المرأة تعيش في المستوى الذي أسلفنا ذكره، وما كانت إذن لتستطيع أن تمارس حقها في المساواة، بين عشية وضحاها.. وإنما كانت لا بد لها من فترة إنتقال، تتهيأ خلالها لتنزل منزلة عزتها، وكرامتها، كاملة، غير منقوصة).
    إن المساواة بين المرأة والرجل صارت أمرا بديهيا فى عالمنا المعاصر، ولكنها مازالت أمرا منكرا فى عقول كثير من الرجال، وحتى النساء ... وقد أشارت لهؤلاء، الكاتبة الفاضلة ... فهم قد ظنوا بسبب جهلهم بحكمة التشريع فى الإسلام، أن القوامة، هى قوامة دائمة أبد الدهر، فى حين أن دواعيها قد إنتفت تماما .إقرأ قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم ) ... وقد ذكرت الكاتبة هذه الآية للتدليل على إنتفاء القوامة وهو أمر حق ... فإن المرأة بإقتحامها ميدان العمل وثبوت كفاءتها فى مجالاته المعقدة والصعبة، وبكسبها الأموال قد اثبتت أن القوامة المستمدة من إحتكار الرجل للعمل، لامعنى لها الآن ... ولكن لابد من وقفة هنا للحديث عن معنى : (بما فضل الله بعضهم على بعض) وقد أشارت لذلك الكاتبة حيث قالت: (وهنا يكون السؤال ما المقصود بمعنى (بما فضل الله بعضهم على بعض)؟.
    نواصل
                  

04-21-2008, 03:48 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قوامة الرجل على المرأة .. هل مازالت قائمة؟ (2 - 2)
    خلف الله عبود الشريف
    يقول الأستاذ محمود محمد طه فى نفس الكتاب: (بينا أن الشريعة الإسلامية، حيث قامت على آيات الفروع، فقد قامت على عهد الوصاية وهو عهد لا بد أن يكون مرحلياً فإنه، إلا يكن كذلك، تكن آيات الأصول، وهي قمة ديننا منسوخة، وإلى الأبد بآيات الفروع، وهي دونها بما لا يقاس.. ومعنى هذا أن يقدم المفضول على الفاضل، وهذا ما لا يكون لأنه يتنافى مع الحكمة.. فلم يبق إلا أن نسخ الفاضل بالمفضول هو نسخ مؤقت.. والحكمة وراءه إنما هي نقل المجتمع المتخلف، في المراقي، ليستعد ليستأهل آيات الأصول.. وحيث كانت الأمة قاصرة، وكان النبي وصياً حتى على الرجال، فإن الرجال، بدورهم، وعلى قصورهم قد جعلوا أوصياء على النساء.. وذلك لمكان قصورهن الكبير، الذي ورثنه من العهد الجاهلي.. والآية التي تقوم عليها وصاية النبي على الرجال، هي آية الشورى وقد أوردناها من قبل ونصها (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا، غليظ القلب، لانفضوا من حولك.. فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر.. فإذا عزمت فتوكل على الله.. إن الله يحب المتوكلين) إلى أن يقول : ( والآية التي تقوم عليها وصاية الرجال على النساء، هي آية: "الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. إن الله كان عليا كبيرا) .. قوله(الرجال قوامون على النساء).. يعني أوصياء عليهن، لهم عليهن حق الطاعة.. السبب؟؟ (بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..).. والفضيلة، ههنا، هي، في المكان الأول، فضيلة جسدية.. هي قوة الساعد، وقوة الاحتمال، والمقدرة على الانتصار في مآزق الحروب، أو مضانك كسب العيش.. فإن الفضائل تختلف اختلافا كبيرا من مجتمع لآخر) وهذا ماعنيته من أن قوامة الرجل على المرأة ليست أبدية وليست هى كلمة الدين الأخيرة فى هذا الأمر، طالما أن التشريع الإسلامى يتطور مستوعبا كل حاجات المجتمع مهما بلغ تطوره، وهو تطور لايخرجه عن الدين، كما يظن بعض رجال الدين من السلفيين وكثير من الناس ، وإنما هذا التشريع ينتقل من نص خدم غرضه فى مجتمع، إلى نص آخر أوسع وعاءً، وهذا ما عناه الأستاذ محمود بشريعة فروع القرآن وشريعة أصول القرآن، بإعتبار أن شريعة الفروع هى ماطبق فى القرن السابع وشريعة الأصول هى سنة النبى وهى المدخرة لمجتمع تطور بفض الله ثم بفضل العلم، فاستحق بذلك أن تطبق عليه شريعة الحر وليس القاصر ... وقد جاء تفصيل ذلك فى مؤلفات الأستاذ محمود وأخص بالذكر المصدر المشار إليه ( تطوير شريعة الأحوال الشخصية ) و(الرسالة الثانية من الإسلام) ومن الخير للقارىء أن يراجع هذه المصادر.

    أما ماجاء فى الآية الكريمة : ( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) فيقول عنها الأستاذ محمود أنها ( آية عتيدة، هى أس الرجاء لمستقبل المرأة) وقد وضح ذلك بقوله: (أن قانون الإنسان كلما أديل من قانون الغابة، تصبح المرأة مستغنية عن حماية الرجل.. فلا تكون مضطرة، من أجل الحماية، أن تنزل عن قسط كبير جداً من حريتها كثمن لها.. ذلك بأن الحماية - حماية الرجل، وحماية المرأة - ستحال على القانون، كما رأينا في المثل الذي ضربناه.. ويومئذ تنتقل الفضيلة، من قوة العضل، إلى قوة العقل، وقوة الخلق، ولن يكون حظ المرأة، في هذا الميدان، حظا منقوصا، وإنما هي فيه مؤهلـة لتبز كثيراً من الرجال.. وما يقال عن الحماية يقال عن النفقة التي هي سبب القوامة الثاني: (وبما أنفقوا من أموالهم) فإنه، في المجتمع الذي تكون فيه الفضيلة لقوة العقل، وقـوة الخلق، تتيسر المكاسب للضعاف، كما تتيسر للأقوياءـ، أو تكاد..)
    أما المعنى المقصود بـ (وللرجال عليهن درجة) فيشرحه الأستاذ محمود فى المصدر السابق بـ (وأما قوله (وللرجال عليهن درجة) فهو لا يعني في هذا المستوى، درجة التفضيل في المساواة أمام القانون، وإن وقع التفضيل بالدرجة في منطقة الأخلاق.. ومهما يكن من الأمر، فليس مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة.. هذا ما لا ينبغي، ولا يكون، والواقع المعاش يرفضه) ويؤيد هذا المعنى تلك النجاحات الفريدة للمرأة فى مجتمعنا من تقلدها لأعلى الوظائف التى تعتمد على الفكر وإصدار القرار ... وظائف لا يحصيها العد ومن أبرزها وظيفة القضاء ... ويشرفنى أن قسيمة زواجى قد صدرت ممهورة بتوقيع قاضية سودانية فى محكمة سودانية، وأنا بذلك فخور كل الفخر . ويحضرنى أيضا فيلما سينمائيا رأيته فى الستينيات يحكى عن إمرأة أمريكية رشحت نفسها لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية .. وكان الأمر غريبا فى ذلك الوقت ويحكي الفيلم كثيراً من المفارقات والإستنكار الذى لقيه هذا الترشيح ... ولكن .. ماذا حدث بعد مرور هذه السنوات القليلة ؟ كم من النساء قد تبوأن رئاسة الدول بكفاءة يعجز عنها كثير من الرجال ... هل يحق لنا، بعد ذلك، أن نقول إن المرأة مازالت قاصرة و تستحق القوامة عليها ؟.
    وأخيراً أهدى للكاتبة الفاضلة وللنساء من القارئات هذه الكلمات مما قاله الاستاذ محمود محمد طه من نفس المصدر السابق: (لعمري!! إن الخلل ليس في الدين، ولكنه إنما هو في العقول التي لا يحركها مثل هذا التناقض لتدرك أن في الأمر سرا.. هذا السر هو ببساطة شديدة، أن شريعتنا السلفية مرحلية.. وأنها لا تستقيم مع قامة الحياة المعاصرة.. وأنها، لتستطيع استيعاب هذه الحياة، وتوجيه طاقتها الكبيرة، لا بد لها من أن تتفتق، وتتطور، وترتفع من فروع القرآن إلى أصوله.. هذا ما تعطيه بدائه العقول، بله حكمة الدين.. فإنه، إلا يكن هذا الأمر الذي نزعمه صحيحا، يكن الدين قد استنفد أغراضه، وأصبح عاجزا عن التصدي لتحديات الحياة المعاصرة.. وهذا ما لا يقول به رجل أوتي أبسط الإلمام بأصول الدين.. )
    مع تحياتى لكاتبة المقال. .
                  

04-21-2008, 03:51 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    السجن والليل والسرى


    أهداء:
    ترنيمة حب للمجدليه على صليب الطهر والنقاء
    بمناسبة الاعتقالات الأخيره للجمهوريين...


    محمود يازين الرجال وزينة الوطن المفدى
    نورت ليل السجن زنت شبابه وجعلت للأيام نبضا
    بالأمس كان دخولكم فيه تحنث عابد جادت به الآيات فردا
    قد اعطى للاسلام كل شبابه ماخان للسودان عهدا
    فيوم تقاعست همم الرجال ونكسوا سيفا وزندا
    واستاسد الباغى الدخيل جسارة بطشا وحقدا
    وتوهموا بالظن ان الشعب سوف يعيش عبدا
    أنت اشعلت الحناجر بالهتاف قصفت رعدا
    وفجرت المواسم فى الموات نفثت فيها الروح اصراروعندا
    ونفخت فى صور الحياة به فجاء اليك يركض مستعدا
    لملمت شعث الشعب سقت جموعه للنصر ابطالا وجندا
    سفهت احلام الدخيل صرعته وحفرت للاوهام لحدا
    اذللتم الباغى الذى ظن غير الظن وهما واستبدا
    ورفعتموا هام الرجال بسالة نبلا واخلاص ورفدا
    فاليوم ياتاريخ اكتب: مانرى مرا واكدى
    فالسجن يفتح للذى اعطى واسدى
    محمود ما يوما تخاذل او تراجع اوتعدى
    اذا ماجئته يوما" وجدت البحر اعطاءا واندى
    واذا ما ادلهم اليل وانكسر الحجى وحار الناس احصاءا وعدا
    وصار اليل من فرط التحير و الاسى ليلا "بليدا " مستبدا
    وظن الشعب ان الليل مضروب على اماله جزرا ومدا
    وحارت حكمة الحكماء وصار سكوتهم ابقى واجدى
    يخف اليه محمود سديد القول موفور الحجى صلدا
    ان الشعوب وان تغيب وعيها يوما وطال الليل وامتدا
    وصال البغى تيها وفى صلف لايرتجى من غيه رشدا
    فلابد من فجر تطل به بشائره ويسفر صحبه مددا
    ولابد للشمس التى من كفه انبثقت من ان تنير وهاد الارض والنجدا
    ولابد للوعى المغيب من ان يؤوب وتشرق شمسه رادا
    ولابد للذى لابد منه وان استطال الشر او صعدا
    حتى يثمر الطلق المعافى فرحة الرحم النقى ورعشة الميلاد والولدا
    فيا نار ابراهيم صوغى النضار به نضارا زان السلم البردا
    ويامرحى به قمر الزمان يضئ الكون والانسان والبلدا
    قد شلت يا محمود هذا الشعب فى عينيك انسانا وارضا
    ووفيته بالحب لم تبخل عليه بخله يبقى بها اعتى وامضى
    بالدين للدين الصراح دعوت حقا ورفعت للاسلام بندا
    بالحق كان نهوضكم للحق ايمانا وايقانا وقصدا
    كل المحاريب التى شيدتها شهدت لكم صدقا ووعدا
    وهي الشهادة بالذي قد جاءكم حقا ورشدا
    والناهضات من الصبايا القائمات الليل تسبيحا وحمدا
    والعالمون العابدون نميتهم وعيا وأخلاقا وذهدا
    أقمت للدين الحنيف منابرا كانت على الأيام مجدا
    بالحجة البيضاء والفكر الذي أغنى وأهدى
    الفكر يعلو فوق وهم السيف يمحو ضلاله والحق أبدى
    لا قهر لا استعلاء بل حق من الحق استمد
    السنة السمحاء مجد محمد من غيره اعطى وأندى
    وهي البشارة يا شوق النبي وان الحبل قد مدا
    فيا مرحى لمن للسرى شدت ركائبه ومن للسعي قد جدا
    فطوبى لسجن قد حوى شرف الرجال ومن لنوازل الدهر استعدا
    فاهنأ بها ياسجن صحبة ماجد عاش الزمان وما تردى
    وليهنأ الليل الذي سيحيله بالذكر أنوارا وأنهارا ووردا
    واهنأ بها ياسيدي من خلوة نهنأ بها فرد وفردا

    عمر علي أحمد
    أم درمان 1983
                  

04-21-2008, 03:53 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (1)

    عيسى إبراهيم*

    * نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    دوافع الكتابة
    قدَّم أخي وصديقي وابن (دفعتي) في "الميري" البروفسير محمد المهدي بشرى ورقة بعنوان "المثقف والسلطة: مصائر فاجعة" في المؤتمر العام الثاني لاتحاد الكتاب السودانيين تناول فيها ضمن من تناول علاقة الاستاذ محمود محمد طه "اقرأ الجمهوريين" بسلطة مايو وهي علاقة كثيراًً ما يعتورها سوء التفسير ومجانبة الفهم للواقع المعاش والقراءة الظاهرية المتعجلة وعدم الانصاف عند الكثيرين مِنْ مَنْ نعدهم علماء ومفكرين وكتاباً وحتى باحثين، لا نريد أن نسوق الأعذار أو نلتمس المبررات خاصة وأن الفترة المعنية والتي حملت شهادتها ومضت لم يمض عليها كثير زمن ولم تدخل في ذمة التاريخ بصورة لا يمكن استدعاؤها والكثيرون مِنْ مَنْ عنيناهم بالذكر هم شهود عيان ومعاصرون لفترة العقدين من "65 إلى 85 " ومن ضمنهم أخي دكتور البشرى!!.
    نعت محمد المهدي الأستاذ محمود بـ "تعجل النظر في الحكم على سلطة مايو الاستبدادية" وقال إن محموداً: "وقف إلى جانب سلطة النميري وناصره بقوة" وواصل ليقول: "وحتى عندما بالغ النظام في العداء للشعب السوداني كان محمود وجماعته يدافعون عن سياسات النظام ويسوغون (هكذا في الأصل واعتقد أن الدكتور بشرى يقصد يسوقون) له المبررات" إلى أن يقول: "فالفكر الجمهوري لم ير في الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي جرت البلاد إليها سياسات نميري، لم ير فيها سوى "أزمة أخلاق" فنجدهم يكتبون في مطبوعاتهم "إن أزمة أمتنا الراهنة هي أزمة أخلاق فنحن لا ينقصنا التخطيط العلمي ولا الخبرة الفنية ولا الكوادر المؤهلة بقدر ما تنقصنا الأخلاق" ما يستغرب له أن الدكتور يتبع أسلوباً غير محكم في الاشارة إلى المراجع التي استقى منها المعلومات فنجده يكتب (الأخوان الجمهوريون: 1982) وهي اشارة لا تفي بالغرض فالجمهوريون كتبوا عشرات الكتب في العام المشار إليه .
    ولكن هل حقاً كان الجمهوريون يرون في نظام مايو المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي ؟! أنظره يقول: "وقد ظل هذا الفكر يركز على مفهوم أزمة الأخلاق ويوظفها كمنظور في رؤية الواقع السياسي في البلاد ولعل هذا مما قاد الفكر الجمهوري وقادته ليروا في نظام مايو بكل دكتاتوريته واستبداده المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي".
    تساءل محمد البشرى في ورقته عن أسباب الكيل بمكيالين من الجمهوريين تجاه نميري والسادات من جانب وتجاه عبد الناصر من جانب آخر، إذ – في وجهة نظر بشرى – أن الجمهوريين يعتبرون عبد الناصر هو المسؤول عن الهزيمة التي لحقت بالعرب في يونيو حزيران"!.
    يقول الدكتور: "حاولنا تلمس التأييد المطلق الذي حظي به نميري ونظامه من قبل الفكر الجمهوري" فهل حقاً كان تأييد الجمهوريين لنميري ونظامه تأييداً مطلقاً من غير قيد أم كان مقيداً؟!.
    أبدى دكتور محمد حيرته "من اهمال أو تجاهل أغلب الكتاب الذين عالجوا أمر الفكر الجمهوري لموقف الفكر من نظام جعفر نميري الاستبدادي" وقال أيضاً: "نادرة جداً المرات التي يقف فيها باحث أو كاتب أمام علاقة الفكر الجمهوري بنظام جعفر نميري القمعي، فهذه العلاقة تطرح الكثير من التساؤلات وأهمها مبررات وقوف مفكر في استنارة محمود مع حاكم مستبد"، والغريب أن كل هذه الحوافز و" المشهيات" المطروحة من قبل أخي وصديقي الدكتور الباحث والبروفسير بشرى لم تنهضه للتصدي لهذه المعضلة ليفك شفرتها ويذلل صعابها للمتسائلين والمحتارين، وهو على رأسهم!!.
    بالرغم من قول البشرى "وإذا كان من الممكن النظر لسلوك المهدي وخليفته في سياق عصرهم وفي ظل الظروف الدولية التي فُرضت على المهدية دولة وثورة، والبحث عن مبررات للسلوك الاستبدادي للحاكم" لكنه يتجاوز معايير الحكم هذه ولا يستدعيها لمحاكمة الجمهوريين وفق منظورها!!.
    هذه باختصار - أرجو ألا يكون مخلاً - الدوافع التي قادتنا للكتابة، وإثارة الموضوع، ومحاولة رفد القارىء العزيز بالمعلومات التي تجلي غامض الموقف، وتقرب إلى الأفهام ما بعُد من تفسيرات ومبررات.

    البحث عن "فولتير" سوداني
    الحاجة إلى "فولتير" سوداني حاجة ملحة وعاجلة، يقول فولتير: "قد لا أتفق مع رأيك ولكنني على استعداد لأن أدفع حياتي رخيصة في سبيل أن تقول رأيك" ولقد عانى الجمهوريون ولا يزالون في سبيل توصيل فهمهم إلى الناس، ولقد تضافرت جهود كثيرة لحجب وتشويه رأيهم، ليست بغائبة على المراقبين والدارسين، ولقد سعى الجمهوريون طوال حركتهم لبناء رأي ثالث يسعى للحوار وتكون مصلحته الحقيقية في تقويم أركانه وتثبيت أقدامه فلم لا تكون - عزيزي القارىء - فولتيراً سودانياً؟!.

    مرافعة أولى
    المناخ السياسي قبيل مجىء مايو (65 – مايو 69)
    أولاً الأوزان السياسية للأحزاب السودانية
    في أول انتخابات بعد ثورة اكتوبر (انتخابات مايو 65) نال حزب الأمة 75 مقعداً والوطني الاتحادي 52 مقعداً والمستقلون 15 مقعداً (من ضمنهم أحد عشر مقعداً يمثلون الحزب الشيوعي السوداني) ومؤتمر البجا 10 مقاعد وجبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد وحزب الشعب الديمقراطي (رغم مقاطعته المعلنة للانتخابات) 3 مقاعد و3 مقاعد فاز بها من ليس لهم انتماء معلن للأحزاب السياسية، وكان العدد الكلي للمقاعد 158 مقعداً من غير دوائر الجنوب(1).
    في الانتخابات التالية (مايو 68) كان الوزن الحزبي كالآتي: الاتحادي الديمقراطي 101 مقعد، جبهة الجنوب 10 مقاعد، الأمة جناح الصادق 36 مقعداً، الأمة جناح الإمام 30 مقعداً، مستقلون 9 مقاعد، إشتراكيون مقعدان، جبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد، حزب أمة 5 مقاعد، مؤتمر البجا 3 مقاعد، حزب سانو 15 مقعداً (2).

    ثانياً عظم نزاع الفترة
    اتسمت الفترة المشار إليها، بالنزاع الساخن بين دعاة تطبيق ما يسمى بالدستور الإسلامي وقوى المجتمع المستنيرة المقاومة لهذه النزعة المتسارعة، والمستغلة للقوى ذات الغلبة العددية في برلمانات تلك الفترة، وتمثلت قوى المقاومة في حركة الأخوان الجمهوريين تحت قيادة الأستاذ محمود محمد طه وقوى اليسار عموماً.

    البداية
    تم تشكيل لجنة فنية للدراسات الدستورية في يوم 26 يناير 1966 برئاسة محمد ابراهيم خليل وزير العدل حينذاك وعضوية السادة جلال علي لطفي، د. حسن الترابي، د. مدثر عبد الرحيم، مامون سنادة، أحمد متولي العتباني، إبراهيم المفتي، اسحق محمد الخليفة شريف، حسن عمر، نتالي الواك، د. سيد أمين، وقد اعتذر ابراهيم المفتي عن قبول عضوية اللجنة نسبة لأعبائه الوزارية، وفي 11 ديسمبر 1966 أعاد مامون سنادة وزير العدل آنذاك تشكيل اللجنة بإضافة السادة: عبد الماجد أبو حسبو، كمال الدين عباس، اميل قرنفلي، أحمد زين العابدين، د. عقيل أحمد عقيل، في 19 فبراير 1967 تم انتخاب د. المبارك الفاضل شداد رئيساً لها.
    أخذت اللجنة الفنية توالي تقديم مذكراتها الفنية فجاءت بالمذكرة رقم (2) عن "الدولة الاسلامية والعلمانية" وبعد مداولات ومباحثات في أربع جلسات متتالية اتخذت القرار الآتي: "أن يكون دستور السودان مستمداً من مبادىء الإسلام وروحه".
    في 27 يونيو 1967 بعث عبد الماجد أبو حسبو وزير العدل في تلك الفترة بخطاب لأعضاء اللجنة الفنية شاكراً ومقدراً لما بذلوه من جهد وضمن خطابه قرار مجلس الوزراء الذي يوكل مهمة صياغة قرارات اللجنة القومية لعدد محدود من الأعضاء وذلك نسبة لاقتراب الموعد المحدد لتقديم مشروع الدستور للجمعية التأسيسية وكانوا هم: مامون سنادة، أحمد متولي العتباني، د. عقيل أحمد عقيل، نتالي الواك، محمد ابراهيم خليل، د. حسن الترابي، حسن عمر أحمد، وهاشم محمد السيد.
    فرغت اللجنة من اجازة أبواب الدستور في جلستها الختامية رقم (75) بتاريخ 10 يناير 1968 حيث أكملت مشروع الدستور وقدم للجمعية التأسيسية في 15 يناير 1968 .
    قدمت اللجنة الفنية احدى عشرة مذكرة حوت هيكل مشروع الدستور، والدستور الاسلامي والدستور غير الديني الذي حوى الجزء الاول اعتبارات ترجح الدستور غير الديني والجزء الثاني اعتبارات ترجح الدستور الاسلامي والجزء الثالث نبذة حول الدستور الاسلامي، والجمهورية البرلمانية والجمهورية الرئاسية، والحكم الاقليمي، والمبادىء الموجهة، والحريات والحقوق الأساسية، والهيئة القضائية، والهيئة التشريعية، ولجنة الانتخابات، وتعديل الدستور، وأخيراً الخدمة المدنية والرقابة الإدارية (3).
    نواصل
    [email protected]*
    =-=-=-
    المصادر
    (1)، (2) المصدر تاريخ الانتخابات البرلمانية في السودان سبتمبر 86 بنك المعلومات السوداني رقم الايداع (5730/ 86).
    (3) مشروع دستور جمهورية السودان "مذكرات اللجنة الفنية للدراسات الدستورية" 1968 – مطبعة جامعة الخرطوم .
    =\=\=\
                  

04-21-2008, 03:54 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (2)

    عيسى إبراهيم*

    * نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    مرافعة ثانية
    الغلبة لحزبي الأمة والاتحادي
    حاز الحزبان الكبيران "الاتحادي والأمة" على الأغلبية البرلمانية المطلقة، إذ حصلا مجتمعين على 127 مقعداً في انتخابات (مايو 65) فاذا أضفنا إليهما مقاعد جبهة الميثاق الإسلامي الرصيد السلفي الجاهز، تصبح المقاعد 130 مقعداً من أصل 158 مقعداً، باستثناء مقاعد الجنوب، مما شكل نسبة 82% من قوى البرلمان.
    في انتخابات (مايو 68) حازت مجموعة الأحزاب التقليدية الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة بجناحيه (الصادق والإمام) وجبهة الميثاق ما مجموعه 175 مقعدا من أصل 211 مقعداً، وهي أغلبية مطلقة شكلت أيضاً آنذاك نسبة 82% من قوى الجمعية التأسيسية.
    هذه الأغلبية الميكانيكية المرعبة هي التي دارت تحت مظلتها معارك غير متكافئة بين دعاة ما يسمى بالدستور الإسلامي والقوى المعارضة له، وتم بتدبير منها وتحت رايتها حل الحزب الشيوعي السوداني إثر تداعيات ما عرف بقضية معهد المعلمين العالي، وعقدت محاكمة صورية من محكمة شرعية غير مختصة للأستاذ محمود محمد طه والجمهوريين قضت بردة الأستاذ وهو أمر سنتعرض له لاحقاً.

    أولاً حل الحزب الشيوعي السوداني
    استغلت جماعة الأخوان المسلمين حادثة ندوة معهد المعلمين العالي (كلية التربية جامعة الخرطوم حالياً) المختلف حول حدوثها بالكيفية المثارة بها (1) فحركت مجاميع الطلاب وجماهير المساجد في مظاهرات وحشود وكان لها دور مفصلي - بجانب جماهير الأحزاب الطائفيية المحشودة حول مايسمى بالدستور الإسلامي – في حل الحزب الشيوعي السوداني وتعديل الدستور.
    تمت مناقشة أمر تعديل الدستور داخل الجمعية التأسيسية واجيز قرار التعديل في 24 نوفمبر 1965 (2) وأدخلت عليه مادة تحرم الترويج والعمل لنشر الأفكار الشيوعية وكذلك تقرر طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني وكان عددهم، احد عشر نائباً.
    وصرح المرحوم عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب لوكالة انباء الخرطوم بأن الأحداث التى اعقبت الندوه تمثل قمة التحضير لضرب الديمقراطيه عن طريق تصوير المشكله كصراع بين الإسلام والإلحاد وان قرار حل الحزب الشيوعى يمثل خوف الاحزاب الرجعيه من نمو حركة المعارضة.
    وعند مرحلة الاستئناف اصدر القاضي صلاح حسن عضو المحكمة العليا حكماً ببطلان قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.
    علق السيد الصادق المهدي رئيس مجلس الوزراء آنذاك بقوله: إن حكم المحكمة حكم تقريري غير ملزم للحكومة، مما شكل وقتها أكبر اهانة للجهاز القضائي، وهذا ما يفسر قدوم بابكر عوض الله رئيس القضاء في ذلك الحين في ركب مايو، وهو صاحب الدور المشهود في انجاح ثورة أكتوبر 64 .
    أصدر دكتور حسن الترابي الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي كتاباً بعنوان "أضواء على المشكلة الدستورية" يوافق ويبرر لتعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه، وقد تصدى له الأستاذ محمود محمد طه في كتاب ذائع الصيت هو "زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في ميزان 1-الثقافة الغربية 2- الاسلام من كتابه أضواء على المشكلة الدستورية" مفنداً ومدافعاً عن الديمقراطية، باعتبار أن المادة التي تم تعديلها هي روح الدستور ولا يمكن تعديلها، إذ في تعديلها تزييف للديمقراطية.
    ونحن الآن لسنا بصدد استعراض الكتابين أو التعرض للأزمة الدستورية الناتجة عن التعديل الدستوري المشار إليه، وإنما نحن حقيقة بصدد استعراض ارهاصات ظهور مايو باستعراض السياق الذي أنتجها، ولمن شاء الاستزادة الاطلاع بتوسع في الكتابين ويمكن قراءة كتاب الأستاذ محمود في موقع الفكرة الجمهورية www.alfikra.org .
    ولقد وقف الجمهوريون ضد تعديل الدستور وضد طرد النواب دفاعاً عن حق الحرية للجميع الذي بدونه لا يكون دستور، مبينين أن الطائفية، تحت ستار محاربة الشيوعية، تريد أن تُحكم قبضتها على الشعب وتكبت كل صوت حر، مستغلة في ذلك دعوة "الدستور الاسلامي" المزيف.

    ثانياً محكمة الردة المكيدة السياسية
    قاوم الجمهوريون بكل سبيل متاح دعوة ما يسمى بالدستور الاسلامي وأطلقوا عليه مسمى "الدستور الاسلامي المزيف" فعقدوا المحاضرات والندوات وأركان النقاش وأقاموا المعارض وأصدروا ووزعوا الكتب بطريقتهم المعهودة في كل مكان، ونظموا الأسابيع لتوعية المواطنين بالحقوق الأساسية، الأمر الذي أزعج الطائفية وربائبها من الأخوان المسلمين.
    نعى الجمهوريون على الأحزاب السودانية افتقارها لفلسفة حكم، منذ فجرها الباكر، تعصمها من الخطأ، وبرامج تخول لها حكم البلاد، وهي أحزاب طائفية، تكاتفت بُعيد ثورة اكتوبر وسعت بكل سبيل، وعن طريق الترهيب بواسطة جماهير الأنصار حتى أسقطت حكومة أكتوبر الأولى بقيادة المرحوم سر الختم الخليفة الذي استجاب لضغوطات الطائفية وتقدم باستقالته.

    تآمر جنائي!!
    ضاق السياسيون والسلفيون ذرعاً بالنقد الموضوعي الذي تولاه الجمهوريون وكشفهم زيف الأحزاب السلفية، وهاهو المدعي الأول في محكمة الردة الأمين داؤود ينقل لنا خطاباً من أحد أعضاء مجلس السيادة الفاضل بشرى المهدي بتاريخ 3/11/1968 أي قبل أسبوعين من المحكمة يقول فيه في دعوة صريحة لإيقاف محاضرات الأستاذ محمود: "وأرجو أن يتخذ الاجراء الرادع ضده"، وتحدثنا أيضاً جريدة الرأي العام الصادرة بتاريخ 14/11/1968 أي قبل أربعة أيام من انعقاد محكمة الردة بالآتي: "وبنفس الوقت جاءنا من وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أية تعليمات لمنع المحاضرة المذكورة، وكل الذي حدث هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السيد رئيس وأعضاء مجلس السيادة، بصورة لوزارة التربية وسلطات الأمن، ينصح فيها بعدم تقديم المحاضرة خشية أن يكون فيها ما يثير المسلمين، وتقول الوزارة إنها اتصلت من جانبها دون ايعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لابلاغ الطلاب مقدمي الندوة، باحتمال إثارة الأمن – وتمضي الرأي العام لتقول بعد هذا: "ونود أن نؤكد أن العميد بالانابة قد اجتمع بالطلاب وأبلغهم اعتراض الرئيس الأزهري على المحاضرة، وطلب منهم الغاءها، وانهم أصروا على تقديمها، وقدموها بالفعل"، في مثل هذا المناخ كانت الدعوة للدستور الاسلامي على أشدها، وكان الامام الهادي يتحدث في الصحف اليومية عن فرض الدستور الاسلامي بالقوة وكان الأزهري يتحدث عن جعل القضاء الشرعي فوق القضاء المدني.
    في مثل هذا المناخ من الهوس والتهريج السياسي اتصل الامين داؤود مدعي محكمة الردة الأول بقاضي القضاة وبقاضي المحكمة العليا توفيق احمد صديق الذي سينظر الدعوى ووجد منهم قبولاً وموافقة على رفع الدعوى حسبة ..ولقد تحدث الامين داؤود عن هذه الاتصالات في كتابه "نقض مفتريات..." صفحة 45 الطبعة الثانية.

    المحكمة المهزلة
    في يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968 انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا لتنظر في دعوى الردة المرفوعة ضد الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، من الشيخين: الامين داؤد محمد، وحسين محمد زكي..حيث حكمت بالردة على الاستاذ محمود.
    إن الاخطاء القانونية التي ارتكبتها هذه المحكمة يكاد يخطئها العد ونورد فيما يلي طائفة منها:
    1- لا توجد محكمة على الاطلاق تملك صلاحية سلب المواطن حقه في الرأي، لا ولا المحكمة العليا نفسها، بل إن المحكمة العليا من اوجب واجباتها حماية هذا الحق، وذلك وفاء للواجب الدستوري الذي ينصص على أن المحكمة العليا هي حامية الدستور.
    2- قاضي محكمة الردة استشاره المدعي في رفع الدعوى ووثق المدعي من وقوف القاضي معه ثم رفع الدعوى بعد ذلك.
    3- قاضي القضاة يؤيد في الصحف اليومية حكماً قد يرفع له في استئناف غداً.
    4- رفعت الجلسة لمدة ثلث ساعة صدر بعدها اخطر حكم اصدرته محكمة سودانية وثلث الساعة لا يكفي لمجرد قراءة اقوال المدعيين وأقوال شهودهما فضلاً عن فحصها وتقييمها ووزن البينات مع مراجعة نصوص القانون مما يقف حجة قاطعة على أن هذا الحكم قد كان معداً وجاهزاً قبل انعقاد المحكمة.
    5- قبلت المحكمة بينات سماعية من الشهود وقد كانت كلها ادعاءات باطلة من خصوم سياسيين.
    6- أورد بعض الشهود نصوصاً من كتب لم ترجع المحكمة للأصل حتى تستوثق من صحة ما عرض لها وجميع النصوص التي عرضت للمحكمة كانت مبتورة.
    7- صرفت محكمة الردة النظر عن البنود من (ألف إلى زاي)، وهي بنود الآثار المترتبة على حكم الردة، وأن صرف المحكمة النظر عن هذه البنود ينهض دليلاً عملياً على أن المحكمة قد واجهها العجز الحقيقي عن تنفيذ آثار الحكم فكأنها ادركت بلسان حالها أنها غير صاحبة اختصاص (3).

    وزير عدل سابق: المحكمة غير مختصة
    الاستاذ محمد إبراهيم خليل من القانونيين السودانيين الذين تقلدوا أرفع المناصب القانونية في البلاد قال في خطاب للسيد رئيس تحرير صحيفة الأيام بتاريخ 21/11/1968 قال بعد أن ناقش قانون تأسيس المحاكم الشرعية لعام 1902 "لذلك ترى يا سيدي أنه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو زندقة أحد أو ردته".
    نواصل
    [email protected]*
    المصادر
    (1) أنظر صديق البادي قصة حل الحزب الشيوعى أسرار وخفايا - سودانيز اون لاين مكتبة عمر ادريس محمد.
    (2) أنظر مجموعة وثائق الحزب الشيوعي السوداني (1961-) 1969 – 1999 - المعهد الدولي للتاريخ
    الاجتماعي أمستردام – هولندا.
    (3) الأخوان الجمهوريون – مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية الطبعة الثانية – مايو 75 .
                  

04-21-2008, 03:55 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (3)

    عيسى إبراهيم*

    نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    مرافعة الأساس
    مايو التوقيت والدلالة
    جاءت مايو كما قلنا ونقول دائماً في ساعة الصفر، وكان الدستور الإسلامي المزيف في طور القراءة الثانية، تمهيداً لاجازته بالأغلبية الميكانيكية (82% من حجم الجمعية التأسيسية) التي تتمتع بها قوى الطائفية وقوى الهوس الديني.
    للجمهوريين رأي سلبي عتيد في الحركة السياسية السودانية منذ بواكير فجر الاستقلال وإلى يوم الناس هذا، لانعدام المذهبية لديها وفلسفة الحكم والبرنامج المصاحب ، والاعتماد على الحشد الطائفي، وتجميد وعي الأتباع، ثم سعيها الحثيث ممثلة في الحزبين الكبيرين وحركة الأخوان المسلمين إلى محاولة الجمع بين السلطتين الزمنية والروحية باجازة دستور اسلامي يلتحف قداسة الدين ويهزم حركة الوعي بالكبت والارهاب معتمدة على سلطة روحية زائفة يوفرها لها ما يسمى بالدستور الإسلامي، وكان الجمهوريون لهم بالمرصاد كما رأينا في الحلقة الماضية من هذه السلسلة.
    ولعل مجىء مايو في تلك اللحظة التاريخية الفارقة، هو في حد ذاته، أكبر دليل على صدقية ما ذهبنا إليه، وشاهد حقيقي على صحة تحليلنا لتلك الفترة العصيبة (65 – 69) التي كانت تمر بها البلاد، جاءت مايو بمثابة إنقاذ للبلاد وخروجاً على الواقع وسلبياته، مدعومة بالشيوعيين، أو على أقل تقدير ملبية لأشواقهم فالتحقوا بها، شاهد آخر هو ظهور بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق في ركب مايو، انتصاراً لما لحق بالهيئة القضائية من ازدراء وتهوين في الفترة المشار إليها إبان تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وعدم الانصياع لقرار المحكمة الدستورية الملزم للحكومة.

    لماذا أيد الجمهوريون مايو
    جاء في خاتمة كتاب "زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في ميزان..." الذي صدر في أعقاب الأزمة الدستورية قبيل ظهور مايو قول الأستاذ محمود: "ولكن الله لن يخلي بين هذا البلد وبين مضلليه ، فقد عوده الخير وسيصل عادته إن شاء الله" وكانت الاستجابة سريعة وحيل بين الطائفية وكراسي الحكم .
    كتبت مجلة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تحت عنوان "محمود: كنا أمام خيارين مايو أو الطائفية والهوس الديني .. فارتضينا أخف الضررين" وجاء سؤال الطلاب للأستاذ: تأييدكم لهذا النظام علي أي أساس كان؟ فأجاب الأستاذ محمود: نحن ما عندنا فرصة لنجد المستوى اللي نحن عايزنو للدعوة للفكرة وكان علينا إختيار أخف الضررين: الطائفيــة أو مــايو.
    أيد الجمهوريون مايو لسبب بديهي، وهي إيقافها للمد الطائفي الذي كاد أن يعزز سلطته الدينية المستولية بالسلطة الزمنية الشاملة، ولذا كان تأييدهم لمايو مبدئياً ثابتاً، لا تمليه رغبة في كسب سياسي، ولا تحركه نزعة للاحتواء والوصاية.

    الجمهوريون سذاجة أم حصافة؟!
    الجمهوريون على عكس جميع الذين أيدوا مايو عفُّوا ولم يشتركوا في أجهزة النظام تشريعية كانت أو سياسية أو تنفيذية، مما قاد مراقبيهم لوصفهم بأنهم "مايويون من منازلهم أو مايويون بالمجاني" ، كما هو عند الشاعر المرحوم صلاح أحمد إبراهيم لأن في عرف هؤلاء المراقبين لابد من جني ثمار التأييد مالاً أو وظيفة أو جاهاً وسلطة.
    وطالما أن السياسة هي فن الممكن فلا يمكن وصف الأستاذ أو الجمهوريين بالسذاجة السياسية لأنهم كما يقول صلاح فيما أورده عنه محمد المهدي بشرى؛ لمساندتهم نظاماً "بانت سوأته وانكشفت عورته واتضح للغاشي والماشي فساده" إذ في مساندتهم لهذا النظام استقراء حصيف للواقع الذي لا يملكون تغييره، والذي لا يمكن أن ينتج بديلاً أفضل، والبديل الجاهز هو الطائفية التي تراهن على تجميد وعي المواطنين، والهوس الديني الذي نعيش نحن اليوم في براثن احباطاته، وهو المروض بفعل الزمن.

    هل هناك شبهة عجلة في الحكم على مايو
    مجىء مايو كما قلنا كان استجابة لدعاء الجمهوريين الذي أوردناه قبل قليل، ونزيد القارىء علماً بما حدث في جلسة الجمهوريين لتقييم مايو بُعيد حلولها بيومين فقط قال الأستاذ محمود: "أنا كنت متأكد أن الله لن يخلي بين الشعب السوداني ومؤامرة الطائفية لتمرير الدستور الاسلامي المزيف، في سعيها للاستيلاء على السلطة الزمنية والسلطة الدينية، لكن ما كنت عارف الوسيلة اللي راح يستعملها الله في حماية الشعب من المؤامرة دي، حتى جا نميري ورفاقه من خور عمر فشعرت أن الله استخدمهم في ساعة الصفر" ويواصل فيقول: "لكن ثورة مايو ماها البديل الصحيح عن الطائفية، نحنا البديل الصحيح لو كنا جاهزين..ولذلك لن نؤيد مايو تأييد ايجابي، بل نؤيد تأييد سلبي بمعنى أننا لن نعارضها، لأن معارضتنا ليها ستذهب في ترجيح كفة الطائفية..وعليه سيكون موقفنا من مايو التأييد السلبي إلا إذا تعرضت لمؤامرة الطائفية في الوقت داك نأيدها تأييد ايجابي..مايو جات لتكسر شوكة الطائفية وتقلم أظافر الشيوعية وبعد أن تؤدي دورها راح تفسد وتكون أخطاها واضحة بصورة كبيرة في أخريات أيامها وراح نتصدى ليها بقوة فتذهب على أيدينا.."(1).
    هل يمكن – عزيزي القارىء – بعد هذا التوافق الواضح بين الفكرة والحدث أن تكون هناك شبهة عجلة في الحكم على مايو لرجل نذر نفسه لايقاظ الفكر في نفسه وفيمن حوله؟!.

    الاستبداد بين (الملساء) و(الكوكابا)
    الطرفة تقول: إن درويش المهدية حينما أدرك طريدته المستيقنة من الموت التفتت إليه مستحلفة له: عليك الله بالملساء..وللذين لا يعلمون (الملساء) و(الكوكابا) هي حربة ذات رأسين أحدهما "أملس" والآخر "مشرشر".
    "دَحين" نقول لصديقي دكتور محمد الذي وصف مايو بالاستبداد: الفرق بين استبداد مايو واستبداد الطائفية هو الفرق بين "الملساء والكوكابا" فاستبداد مايو علماني ومقدور عليه من حيث امكانية كشفه بسهولة أما استبداد الطائفية فيلتحف الدين وكشفه "عويص" في حين أن كلاهما استبداد فانظر هداك الله..
    نواصل
    المصادر
    (1) عمر هواري نقلاً عن د. القراي سودانيزأونلاين بوست بعنوان "الجمهوريون"..
    =\=\=\=
                  

04-21-2008, 03:56 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
    الجمهوريون ومايو: جرد حساب (الأخيرة)

    عيسى إبراهيم*

    نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

    بين مايو ومعارضيها
    أورد د. محمد المهدي بشرى نقلاً عن دكتور حيدر ابراهيم علي قوله: "كان الأستاذ محمود ديمقراطياً حقيقياً ينبذ العنف ويسلك سلوكاً إنسانياً راقياً ولذلك استحق عن جدارة لقب (غاندي السودان) وكان ضد العنف سواء بالفعل أو بالقول"..ونتوكأ على هذه الشهادة في الولوج لمعالجة هذه الفقرة من الكتابة.
    مايو كما هو واضح نظام عسكري استولى على السلطة عن طريق القوة، وجابهته قوى معارضة عن طريق القوة المادية العسكرية، والبداهة تقول أن الغلبة ستكون للأكثر استعداداً للمجابهة.
    ومايو تصدت لمعارضيها الذين رفعوا في وجهها السلاح، وكل مبررات الجمهوريين التي كانوا يسوقونها لبقاء النظام هو أن البديل الجاهز لمايو هي الطائفية وقوى الهوس الديني، والبديل الغائب هو الوعي الشعبي، الذي اشترى الجمهوريون الزمن لاحداثه.

    الاقتصاد وأزمة الأخلاق
    قدم الجمهوريون الحل الجذري للمشكلة الاقتصادية على المستوى النظري حين دعوا لتطوير التشريع من مستوى آية الزكاة الصغرى "خذ من أموالهم صدقة..." إلى مستوى آية الزكاة الكبرى "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" التي تحت مظلتها يمكن أن يقوم التطبيق الاشتراكي، لتدار موارد الدولة لصالح الكافة، وعلى المستوى العملي قدموا كتابهم ساووا السودانيين في الفقر إلى أن يتساووا في الغنى.
    أما الحديث عن الاخلاق فهو الوجه الذي كان يطالعنا آنذاك فنحن حقاً "لا ينقصنا التخطيط العلمي ولا الخبرة الفنية ولا الكوادر المؤهلة بقدر ما تنقصنا الأخلاق"، والجمهوريون لم يغب عن بالهم " الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي جرَّت البلاد إليها سياسات نميري" فقد نقدوا نظام نميري في حركته الاقتصادية وقدموا له النصح حين قالوا:" وبالطبع هناك الأخطاء التي يتحمل النظام وحده المسؤولية عنها، سواء في التخطيط، أو في التنفيذ، أو في المتابعة.. ومن تلك الأخطاء عدم الترشيد الكافي للصرف على التنمية، وللصرف الجاري، ومنها الصرف على مشروعات عمرانية، ليست تنموية بحتة، أو الصرف على أوجه غير إنتاجية وغير خدمية إطلاقاً"(1).

    الجمهوريون: بين عبد الناصر والسادات
    قدم الاستاذ محمود في كتابه "مشكلة الشرق الأوسط" حلين لمشكلة العرب مع اسرائيل أحدهما عاجل والآخر آجل، ودعا العرب في الحل العاجل للاعتراف باسرائيل ومباشرة تفاوضهم معها واستبعاد الوسطاء، وخلاصة الحل الآجل تكمن في نهوض العرب لحمل رسالتهم الاساسية "الاسلام" والعودة إلى "لا إله إلا الله"، ومفارقة الدعوة للقومية العربية، هذا باختصار يكاد يكون مخلاًً لضيق الحيز المتاح، ولمن أراد الشرح والتطويل الرجوع إلى الكتاب المشار إليه في موقع الفكرة الجمهورية: www.alfikra.org.
    تساءل محمد المهدي في ورقته عن الموقف المغاير للجمهورين تجاه عبد الناصر من جهة والسادات من جهة أخرى واعتبره كيلاً بمكيالين، وهو في حقيقته يتسق مع موقف الجمهوريين المبدئي من مشكلة الشرق الأوسط، فالسادات كان شجاعاً ومتسقاً مع ما طرحه الجمهوريون في الحل العاجل لذا أيدوه وناصروه، أما عبد الناصر (يرحمه الله) فقد تنحى عن السلطة متحملاً آثام الهزيمة فما هو الغريب في ذلك؟!.

    تأييد الجمهوريين بين الاطلاق والقيد
    لم يكن تأييد الجمهوريين مطلقاً - كما ادعى صديقي بشرى - وانما كان مقيداً بحيلولتها بين الطائفية وكراسي السلطة وهو ما نجحت فيه، ثم بسيرها في اتاحة نشر الوعي بين المواطنين وهو أمر أخفقت فيه ولم تفلح.

    مايو مرحلية
    ولكن هل حقاً كان الجمهوريون يرون في نظام مايو المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي ؟! أنظره يقول: "وقد ظل هذا الفكر يركز على مفهوم أزمة الأخلاق ويوظفها كمنظور في رؤية الواقع السياسي في البلاد ولعل هذا مما قاد الفكر الجمهوري وقادته ليروا في نظام مايو بكل دكتاتوريته واستبداده المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي"، لقد أيد الجمهوريون نظام مايو كنظام مرحلي، للإعتبارات التي ذكرناها .. ومايو بالطبع لا تمثل رأيهم فرأيهم معروف، قال الجمهوريون لنظام مايو، كتابة، في كتاب وزع على الشعب أنه نظام مرحلي، ومما جاء في ذلك "اننا نرى أن "ثورة مايو" مهما قيل عن حسناتها، ومهما عددنا من انجازاتها، فهي حركة مرحلية، نرجو أن يخرج الشعب، بفضل الله، ثم بفضل انجازاتها في محاربة الطائفية، وفساد الإدارة الأهلية، وما تبعها من انجازات الوحدة الوطنية بالجنوب، وتعمير البلاد بحركة التنمية، نرجو أن يخرج الشعب بعد كل اولئك الى رحاب الديمقراطية الواسعة فينخرط "رجال مايو" مع الشعب في وحدة وطنية شاملة، بعد ان أدوا دورهم في المرحلة" ..

    تساؤل
    قد يتبادر إلى الذهن سؤال، بل لا بد أن يتبادر؛ ما هو حصاد الجمهوريين في مجال التغيير، بعد الفداء العظيم، هل ذهب الفداء سُدًى؟!، خاصة والجمهوريون يقولون إن الله استجاب لدعائهم؛ "ولكن الله لن يخلي بين هذا البلد وبين مضلليه ، فقد عوده الخير وسيصل عادته إن شاء الله"، ونحن نرى الحركة الاسلامية وهي تقبض على مفاصل السلطة الآن؟!.
    والاجابة تقرب أن تكون بديهية، فقد راهن الجمهوريون على الزمن الذي يغير كل شىء، وهاهي الحركة الاسلامية تفرض دستورها لعام 98 وقد خالفت فيه صريح الشريعة الاسلامية، حيث رفعت الحرج عن الدستور باسقاط شرطي الاسلام والذكورة عن المرشحين لرئاسة الجمهورية، واعتماد المواطنة معياراً للحقوق والواجبات رغم اعتراض اللجنة القومية للدستور بقيادة خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق على النص المجاز من قبل المجلس الوطني والذي استخدم كلمة "فقط" في النص ويعتقدون أن المجلس يعني كلمة "قط"، وكلا النصين يوافق رأي الجمهوريين في تطوير التشريع الاسلامي!..
    وأخيراً
    نضع القلم وفي النفس شىءٌ من حتى، لاتساع الموضوع وتشعبه من جهة، ثم لغزارة المعلومات المتوافرة من جهة أخرى، ولضيق الحيز المتاح، ولاعتقادنا أن ما قيل فيه غنى للقانع، وفيه للمستزيد وقود للتفكير، والله المستعان وعليه التكلان..
    [email protected]*
    المصادر
    (1) الأخوان الجمهوريون - ما هو البديل عن مايو - الطبعة الأولى أكتوبر 1980 صفحة 35..
    =\=\=\
                  

04-21-2008, 03:59 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    سيدي الفاضل الأستاذ الدكتور محمد سعيد القدال

    تحية المودة والتقدير

    أنا، مثل آلاف السودانيين، معجب أشد الإعجاب بكتاباتك الشجاعة والتوثيقية، وأملك جميع كتبتك تقريبا، وأتخذ كثيرا مما يجيء فيها مراجع لما أقوم بكتابته..

    قرأت لك مقالة هي الثالثة من أربع مقالات في جريدة الصحافة السودانية هنا:
    http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147500235
    وقد وجدت أن فيها معلومة غير دقيقة بخصوص تاريخ اعتقال الأستاذ محمود حيث ذكرت أنها تمت بعد إصدار قوانين سبتمبر.. حيث جرى النص هكذا:
    [color=red]واعترض الأستاذ محمود محمد طه على تلك القوانين، واعتقل وأطلق سراحه نهاية العام 1984م،
    وكنت أيضا قد قرأت هذه المعلومة في كتابك القيم "الإسلام والسياسة في السودان" في صفحة 226 من الطبعة الأولى ـ دار الجيل بيروت ـ عام 1992.. وقد جرى فيها النص هكذا:

    أما محاكمة محمود محمد طه فكانت أكثر مأساوية. اعتقل الأستاذ محمود محمد طه بعد إعلان قوانين سبتمبر لمعارضته لها. ثم أطلق سراحه في نهاية عام 1984. فأصدر حزبه ـ الإخوان الجمهوريون ـ منشوراً عاما وزعوه على الناس، قالوا فيه: إن قوانين سبتمبر أذلت الشعب السوداني إلخ...

    المعلومة الصحيحة هي أن الأستاذ محمود اعتقل قبل إصدار نميري لقوانين سبتمبر طبعا.. ولكن سبب اعتقال الأستاذ والجمهوريين كان هو كتاب "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة" وقد خرج في 11 مايو 1983، وجرى اعتقال أول جمهوري في يوم 13 مايو، ثم حدثت مداهمة لبيوت الجمهورية وتمت مصادرة الماكينة الرونيو التي تستخدم في إخراج الكتب.. فتحول الجمهوريون إلى وسيلة تسجيل الأشرطة التي يقدمها مختلف الأشخاص، رجالا ونساء، ويتم توزيعها على الجمهور من غير أن يكون معروفا من الذي يتحدث في الشريط.. فتوالت اعتقالات الجمهوريين والجمهوريات الذين كانوا يقدمون الأركان في جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات والمعاهد العليا.. ويهمني هنا أن أذكر أسماء الأربعة جمهوريات اللائي اعتقلن في سجن أمدرمان وهن بتول مختار محمد طه، أسماء محمود محمد طه، هدى عثمان سليمان وسمية محمود محمد طه.. ثم بعد هذه الاعتقالات جرى اعتقال الأستاذ محمود في يوم الخميس 9 يونيو 1983..
    أما قوانين سبتمبر فقد صدرت في الثامن من شهر سبتمبر عام 1983، كما قلت أنت في صفحة 209 من نفس الكتاب، يعني بعد ثلاثة أشهر من اعتقال الأستاذ محمود وبعد حوالي أربعة أشهر من اعتقال أول جمهوري..

    أرجو أن أذكر حقيقة تاريخية هامة وهي أن الجمهوريين كانوا قد أخرجوا كتابا بعنوان "بنك فيصل الإسلامي" وذلك في مارس عام 1983.. في تقديري أن هذا الكتاب كان هو السبب الحقيقي في انزعاج قوى الهوس الديني والإسلام السياسي الذي كان يحاول أن يحتوي نظام مايو ويجد في ذلك دعما خارجيا خاصة من جماعات الهوس الديني في مصر ومن السعودية.. فقد كشف كتاب "بنك فيصل الإسلامي" مخطط الهوس الديني الرامي إلى السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوداني..

    أرجو المتابعة وسأواصل في الحلقة القادمة بإيراد مقاطع من كتاب "بنك فيصل الإسلامي" توضح ما أرمي إليه..
    ودمت يا سيدي..
    المخلص/ ياسر الشريف
    ألمانيا في يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2005
                  

04-21-2008, 04:03 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في ذكرى استشهاد محمود محمد طه: حرية الضمير أم الحريات؟
    رشا عوض
    امس الثامن عشر من يناير الجاري حلت الذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد المفكر العظيم الأستاذ محمود محمد طه، الذي كان إعدامه آخر دركة من دركات الحضيض انحدر إليها النظام المايوي بقيادة إمام ذلك الزمان! جعفر نميري الذي بايعه ضعاف العقول والنفوس إماما للمسلمين وحاكما بأمر الله، فيا بئس ما فعلوا!
    إن اغتيال محمود محمد طه لم يكن الجريمة الأولى أو الوحيدة للنظام المايوي، ولكنها الجريمة الأجدر بوقفات التأمل والتفكر واستلهام الدروس والعبر في سياق بحثنا النبيل وكدحنا المضني في دروب الحرية والسلام والتقدم. فالأستاذ محمود محمد طه لم يرفع سلاحا ولم يسفك دما في معارك الصراع على السلطة والثروة، فهو العابد الزاهد القانع من كل زينة الدنيا وزخرفها ببيت (الجالوص) و(عنقريب الحبل) و(الكسرة بالويكة) و(موية الزير)، والذي قاده إلى حبل المشنقة هو مجاهرته بأفكاره التي توصل إليها بأدائه لفريضة التفكير الحر المستقل عن المسلمات الموروثة، أي أداؤه لتلك الفريضة الغائبة التي يسعى أهل الكهوف إلى تغييبها إلى الأبد عن مجتمعاتنا مع سبق الإصرار والترصد، مستغلين في سعيهم الهدام هذا الطغاة والمستبدين.. وهذا التغييب لفريضة التفكير الحر هو جذر أزمتنا الحضارية وهو سبب تخلفنا وهواننا على العالمين! وبدون بعث هذه الفريضة وبدون إقامة النظم السياسية والاجتماعية التي تكفل ممارستها في حرية وطمأنينة دونما خوف من محاكم التفتيش وسيوف الهوس والجهل لا أمل في نهضتنا وتقدمنا.
    ولكن السنن المتواترة في التاريخ والاجتماع البشري تشهد بأن درب الحرية هو درب التضحية؛ درب الإقدام القتال، وأيما شعب أراد الحرية لا يكفيه أن يكون من بين أبنائه علماء ومفكرون فحسب بل لا بد أن يكون لهؤلاء من الصلابة وقوة العزيمة والجسارة ما يجعلهم يدفعون حياتهم ثمنا لحياة أفكارهم! ما يجعلهم لا يساومون ولا يداهنون ولا يتحايلون على حساب أفكارهم من أجل أن يدرأوا الموت عنهم، فبمثل هؤلاء تخلد الأمم، وبمثلهم يتجلى سمو الإنسان وتفرده بين الكائنات. فحب الحياة وحب البقاء والخوف من الموت هو غريزة إنسانية ولكن العظماء هم من يترفعون على هذه الغريزة وغيرها من أجل القيم والمثل العليا، من أجل الكرامة والحرية من أجل الانتصار للفكرة والموقف الأخلاقي وبهذا فقط يكون الترقي في مراقي الكمالات الإنسانية والانعتاق من أسر قبضة الطين!.
    أهمية التفكير المتأني في فاجعة إعدام الأستاذ، تنبع من أن الذين تآمروا عليه لم يحصروا فعلتهم في إطار سياسي، بل استغلوا الدين في تبرير جريمتهم، فاكتسبت الجريمة مشروعية دينية وتحولت إلى فتح إسلامي مبين، حيث قتل المرتد الأثيم الذي أراد أن يفتن المسلمين عن دينهم! ومكمن الخطورة هو أن منهج التفكير السائد في المجتمع في الغالب الأعم يقر بأن قتل المرتد واجب ديني! ولن يتم تجاوز ذلك إلا بتجديد فكري عميق وفق منهج منضبط ومتسق من الناحية النظرية يؤسس بشكل حاسم لحرية الضمير في الفكر الإسلامي، فهي أم الحريات عندها تبدأ كل حرية وبمصادرتها تنتفي كل حرية!
    فمخطئ من ظن أن المسؤول الوحيد عن اغتيال محمود هو النظام المايوي، مع كامل إدانتنا لذلك النظام، ولكن لا بد أن نتذكر جيدا أن هناك محكمة ردة انعقدت للجمهوريين في عام 1968م أي في عز العهد الـ(ديمقراطي) الأكتوبري!! وفي ذات العهد في عام 1965م تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبون من البرلمان على أساس ديني!! وذلك يستوجب الاعتراف بأن الديمقراطية في بلادنا يقوضها في المقام الأول غياب فلسفة وثقافة الاختلاف، قبل أن تقوضها الانقلابات العسكرية!.
    ولكي نبني ديمقراطية حقيقية لا بد من إعمال النقد الصارم في كل تجاربنا وممارساتنا، ويجب أن تشمل المراجعة النقدية الجميع ولا تستثني أيا من التيارات الفكرية والسياسية بمن في ذلك الجمهوريين أنفسهم، فقد وقعوا في خطأ تاريخي عندما أيدوا (ثورة مايو) في بداية عهدها، وهو خطأ لا يحتمل التبرير! فثورة مايو التي اعتقد الجمهوريون -وعلى رأسهم الأستاذ- أنها خطوة إلى الأمام، فأثبتت التجربة العملية أن أخصب أرضية لازدهار الهوس هي أرضية الاستبداد، وهذا النقد لا ينتقص من قدر الأستاذ وجماعته، فلا وجود في هذه الدنيا لتجربة إنسانية كاملة ومبرأة من كل عيب.
    ولذلك فإن خطأ الجمهوريين لا يقلل من عظمة ما فعله الأستاذ في مواجهة المحاكمة المهزلة فقد رفض الاستتابة، ورفض أي شكل من أشكال التعاون مع تلك المحكمة المهزلة، واكتفى بأن سجل كلماته الخالدة: "أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر1983م، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام، وأكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه، يضاف إلى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد..هذا من حيث التنظير أما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين، ومن أجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين".
    بهذا الموقف الشجاع وبابتسامته المهيبة على منصة الخلود (وليس الإعدام) اختتم محمود حياته.. وهنا أود أن أكرر ما سطره الأستاذ خالد عويس في عدد الخميس العاشر من يناير الجاري في صحيفة (صوت الأمة): "محمود وهو معلق على المشنقة كان حذاؤه يعلوهم جميعا بمن فيهم إمامهم (المزعوم)، وكأني به يتمثل أبيات الشاعر المصري أمل دنقل:
    معلّق أنا على مشانق الصباح
    وجبهتي بالموت محنية
    لأنني لم أحنها حية!
    يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
    منحدرين في المساء
    في شارع الإسكندر الأكبر
    لا تخجلوا ولترفعوا عيونكم إليّ
    لأنكم معلّقون جانبي
    على مشانق القيصر
    فلترفعوا عيونكم إليّ
    لربما إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
    يبتسم الفناء داخلي.. لأنكم رفعتم رأسكم مرة!!".
                  

04-21-2008, 04:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    --------------------------------------------------------------------------------

    في ذكري الأسـتاذ الشـهيد .......... رسـالة طويــلة الي إبني عَـلِي

    في ذكري الأسـتاذ الشـهيد .......... رسـالة طويــلة الي إبني عَـلِي

    رسالة طويلة إلي إبـني عـَـلِـي
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    فيا برق ليس الكرخ داري وإنـّما ::: رمـاني الـيه الدهــر منذ ليـال ِ
    فهل فيك من ماء المعـّرةِ قطـرة ٌ ::: تغيـثُ بها ولهــانَ ليس بسـال ِ

    تـَمثلتُ قول الحكـيم الفيلسوف قبل اسابيع وأنا وإبني علي، أو إبني علي وأنا، نعــافـر الـ Snow لتخليص عربتي من الثلج الذي إرتفع لعدة سنتيمترات عن الأرض، قـال Snow shovel قـال، مالي أنا وما للإسنو، مالي انا وما للشفل، مالي وما لهذا الصقيع أصلاً، مالي وما لهذه الشقاوة، كنت هناك مرتاحاً، هناك في بدين، جزيرة في شمال السودان، هناك ولدت ونشأت، طفولتي وصباي وبداية شبابي، هناك في ذلك القطس الدافئ الحميم، جزيرة في منتصف النيل، يحيط بها الماء من كل جانب، Swimming pool طبيعي يا إبني، تنزل وتسبح مع الأسمـاك والتماسيح والسلحفاء، تشرب من نفس الماء ولا يصيبك ضرر، لا برد هناك ولا ثلج ولا جليد، جزيرة ( مهمشة) إذا قسناها بالمعطيات العصرية، ولكنها جزيرة منعشة جداً في (العصرية)، تخرج من البيت فيتلقاك الهواء رقيقاً نظيفاً منعشاً، هواء نقي، مشبع برائحة الجروف، لم يتلوث بسموم العربات ولا الموترات، ولا المصـانع ولا الـ Green House ، فلا قرين هاوس هناك ولا وايت هاوس، هناك طين هاوس، بيت من الطين، مسقوف بمروق السيسبان وجريد النخل، دافئ حميم شتاءٍ، بارد لطيف صيفاً، هناك يا إبني تسير الحياة بهدوء، علي فطرتها، دون عجلة، تخرج من البيت فتجد الناس هاشين باشبن، ضاحكين مبتسمين ، :ـ
    وعم عبدالرحيم ما بيخبر زعـل
    كل الناس هناك ما تخبر زعـل
    يزعلوا لشنو، يزعلوا من منو
    كل الناس هناك، كل الناس صحاب
    كل النـــــــاس أهـــل ،

    نعم، كل الناس صحاب، كل الناس أهل، ولكنك لن تعرف عم عبدالرحيم، ولن تعرف الحاج ود عجبنا، ولا حميد ولا الفرجوني ولا مصطفي سيداحمد: ـ

    الحاج ود عجبنا في الفريق يا هو الركيزة
    هو البشيل حمل الرضاعة، وعندو كلمة علي الجماعة
    في الطريق باقيلنا .. تاية، وكل طيب ليه غاية
    للضعيف تلقاه ساند، ويقهر الكعب المعاند
    وللضيوف ديوانو فاتح، ديل يهلو، وديل يقومو
    عمنا الحاج ودعجبنا، من سنين ايام جهلتو
    يسأل المولي السلامة، وسترة الحال والكرامة

    نعم يا بـُـنيّ، عندنا عم عبدالرحيم، وعندنا الحاج ود عجبنا، في كل بيت، في كل حي وكل حلة، كبار المقام، محترمون مبجلون، اصحاب كلمة علي الصغير والكبير، بسطاء انقياء، عفيفو القلب واليد واللسان، ما كانوا ليهانوا، ولكن جاءهم زمان تعيس اهينوا فيه، و لن يرحم اللهُ ولا التاريخُ من اهانوهم، وتلك قضية اخري، وما أكثر القضايا الأخري، هناك يا إبني يعيش الناس في امان، يقضون أغراضهم بتأني وهدوء، والوقت هناك غير محسوب، واليوم طويل طويل، وليست كأيام هذا البلد المستعجـلة. Shovel يا ابني Shovel، فأنت مستمتع بهذا البرد وهذا الإسنو، أما أنا فقد تجمدت أطرافي، واصتكت اضراسي، وتوقف الدم في عروقي، أما أنا فليست لي في هذه متعة، أنا لا أنتمي الي هنا، لا أنتمي إلي هذا الطقس، إنما أنتمي الي هناك ، الي بدين، حيث لم تكن فيها عربات، فلم نكن نحتاج إليها، ماذا نفعل بها؟، المشاوير تـُقضي علي الأرجل، مشياً علي الأقدام، او علي ظهور الدواب، هناك الحمار يعتبر The man's best friend وليست الكلاب كما هنا، لم يكن في الجزيرة بوليس، فالناس لا يخالفون القانون أصلاً ، لم يكن في الجزيرة مستشفي ولا Family Doctor ، ولا اسعاف ولا مطافئ ولا 911 ، لم نكن نعرف الحكومة، ولا الحكومة تعـرفنا، تركتنا الحكومة في حالنا، وتركناها في حالها، رغم كل هذا التهميش، كانت الحياة سهلة ويسيرة، لا عناء فيها ولا شقاء. فيا برق ليس الكرخ داري وإنما .... ، أقرأ أبيات المعري علي إبني، ذو الثلاث عشرة عـاماً ، وهو يقول لي Dad, what you talking about? ، فاقـــول له never mind, never mind ، فأنت لن تفهم، وأنا ماذا فعلت ؟، ماذا صنعت بك ؟، أتيت بك الي هنا ولما تكمل عــامك الأول، ويبدو انني سوف أتركك هنا وارحل عن الدنيا، ولا ادري انفعتك ام أصبتك بضرر، هل أذنبت في حقك؟، هل كان يجدر بي ان اربيك هناك؟، ام ان هـذا افضل، لست ادري، ولكني ادري انني سعيت للأفضل، للحياة الكريمة، من هناك، من بدين سافرت الي الخرطوم، بحثا عن حياة أخري، تخيلناها افضل، ولمـّا ( غـرّبْ حامد وشـرّقْ بلّـة)، تركنا الوطن بأكمله وإغتربنا، وطاب لنا المقام في الخليج سنوات طوال، صعدت بنا الحياة ونزلت، واستوت وتعرجت، أفرحت وأحزنت، ثم رمتنا الأقدار في ضواحي الإسكيمو، وها انا الآن، اقف معك هنا، ألبس الكوت والبوت والهات والقلفز والإسكارف، وأعافر معك الإسنو، هناك يا ابني، هناك في بلدي يا حبوب، نلبس الجلابية والتوب، ولكن أين هناك من هنا ، وأنت، ماذا تعرف عني، ماذا تعرف عن ماضييّ، ماذا تعرف عن ابي وامي، ماذا تعرف عن أهلي وعشيرتي، ماذا تعرف عن وطني، أنت لن تعرف شيئاً عن حلفا، ولا عن نمولي، ولا عن الجنينة، ولا عن الكرمك، وتلك أركان الوطن الأربعة، أنت لن تعرف وردي، ولا مسونكيل، ولا فقن ونجي، ولا صواردن شو، وكما أنك لن تعرف وردي فإنك لن تعرف أبوآمنة، أبوآمنة حامد، ولن تعرف أنهم غنوا، وما أحلي ما غنوا، حينما إلتقوا في حلفا بأم الضفائر، النافرة الأليفة، وفي كريمي شايقية بشلوخا، وفي شندي بنات جعل، نايرات خدودن زي فجرا اطل، وفي سنكات سمرا أبية، حلوة هدندوية، وفي قلب الجزيرة الحلوة النضيرة، وفي الغرب اغيد، تراقص المشاعر مع دقة النقارة، وفي الجنوب ساحرات سارحات في السهل والغابة، أنت لن تعرف عبدالقادر سالم، ولن تغني معه لكردفان، انت لن تعرف محجوب شريف، ولن تجلس معه في حضرة الوطن حيث يطيب الجلوس، وأنت لن تعرف المكي، محمد ابراهيم المكي، ولن تشعل معه الحقول قمحاً ووعداً وتمني، أنت لن تعرف ودالأمين، ولن تشدو معه لأكتوبر، ولن تتعلم معه من الأيام، أنت لن تعرف عثمان حسين، ولن تعشق معه الجمال، أنت لن تستمتع بذلك اللحن الشجي الذي ينبعث من زمان الناس، وضنين الوعد، وتفشي الخبر، لن يطربك صوت الطنبور في (بت البلد عرفت تحب) او(حتي الطيف رحل خلاّني)، لن يثملك ذلك الصوت الأسطـورة، صوت أبو داؤود، في زهـرة الـروض الظـليل او انـّة المجروح او هات لينا صباح، لن تعرف ابراهيم عوض، ولن (تججن) الناس معه طرباً، أنت لن تعرف الصوفي المعـذب، ولن تستمع له وهو يحدثك عن النيل، سليل الفراديس، لن تعرف جماع، إدريس جماع، لن تمشي معه في مواكب الليل، حاسر الرأس، تستشف معه من كل شئٍ جمالا،أنت لن تعرف عنـّا شيئاً، لن تعرف الفـركة والقـرمصيص، لن تعرف قطع الرحط ، لن تعرف الخُمرة والدلكة، والطلح والدخان، انت لن تعرف المجذوب، محمد المهدي المجذوب، ولن تقرأ غـمائم الطلح، ولاكـنِيّ اروي لك منه:ـــ

    وحفرة بدخان ِ الطلح ِ فاغـمة ٍ::: تندي الرَوادِفِ تلويناً وتعطيرا
    لمحت فيه وما امعنت.....::: ...........................مذعورا
    مدت بناناً به الحِناءُ يانعة ً::: ترد ثوباً الي النهدين مَحْسورا
    قد لفها العطرُ لف الغيمِ منتشراً:: بدر الدجي وروي عن نورها نورا
    يزيد صُفرتها لمعاً وجدتها::: صقلاً وناهدها المشدودَ تدويرا
    أرخي الدخان لها سِتراً فبعّدها ::: كدرةٍ في ضمير البحر مَسْجورا
    حتي اذا ضاق كِـنّ عنه أنفذه ::: هين الصعودِ خصاصُ الباب مكسورا

    أنت لن ترافق عمنا صالح جبريل الي كسلا، ولن تزور معه حديقة العـشاق، بين صب في حبه متلاشٍ وحبيب مستغرق في عناق، أنت لن تعرف الهادي آدم، ولن تكتب معه الشعر علي ضوء ثقاب .
    انت لن تعرف نوباتيا ولا المقرة ولا علوة، لن تعرف تهراقا وبعانخي، لن تعرف السلطنة الزرقاء ولا سلطنة دارفور، لن تعرف تقلي ولا المسبعات، لن تعرف معركة القلابات ولا كرري ولا ام دبيكرات، لن تعرف عَـلِي عبداللطيف، لن تعرف حريق المك في قلب الدخيل، لن تعرف الجسارة، حينما أستشهد في مدفعه عبدالفضيل، لن تعرف مهيرة، ملهمة الفـرسان جيلاً بعد جيل، لن تعرف الإمام المهدي، لن تعرف القرشي ولا التاية . انت لن تعرف عبدالخالق محجوب، نجم نجوم الوطن، ولن تسمعه وهو ينادي بلسان الفيتوري :ـــ

    لا تحفروا لي قبـراً
    سأرقد في كل شبر من الأرض
    أرقد كـالماء في جسد النيـل
    أرقد كالشمس فوق حقول بلادي
    مثــلي أنا لا يسكن قبـرا
    لا تحفروا لي قبرا
    سأصعد مشنقتي
    وأغسل بالدم رأسـي
    وأقطع كفي
    وأطبعها نجمة فوق واجهة العصر
    فوق حوائط تاريخه المائلة
    وأبذر قمحي للطير والسابلة

    نعم، مثله لا يسكن قبرا، فالقبر يسع المقبورين، وهو ليس مقبورا، هو راية فوق هامات الوطن، فوق رؤوس الجبال وجريد النخل، هو في صوت العاصفة وصرير الريح، هو في رمل الصحراء وثمـار الغابة هو( في كل عين وفؤاد، وسيبقي رغم سجن الموت، غير محدود الإقـامة).
    أنت لن تعرف العباسي، محمد سعيد العباسي، ذاك شاعر يا بني مجيد، وما أكثر الشعـراء المجيدين في بلادي، لا احصيهم، ولكني اقتطف لك من عهد جــــيرون :ــ

    ارقتُ من طول هم باتَ يعروني ::: يثير من لاعج الذكري ويشجوني
    منيت نفــسي آمالاً يماطــلني ::: بها زماني من حين الي حين
    ألقي بصبري جسام الحادثات ولي ::: عزم أصد به ما قد يلاقيني
    ولست أرضي من الدنيا وإن عظمت::: الا الذي بجميل الذكر يرضيني
    وقد سلا القلب عن سلمي وجارتها::: وربما كنت ادعوه فيعصيني
    يا بنت عشرين والأيام مقبلة ::: ماذا تريدين من موعود خمسين
    قد كان لي قبل هذا اليوم فيك هوي::: اطيعه وحديث ذو افــانين
    ازمان امرح في برد الشباب علي ::: مسارح اللهو بين الخرد العـين
    والعود أخضر والأيام مشرقة ::: وحالة الأنس تغري بي وتغريني
    في ذمة الله محبوب كفلت به ::: كالريم جيداً وكالخيروز في اللين

    وأنت لن تعرف الأزهـري ولا المحجوب، لن تعرف قادة الإستقلال في وطني ولا في القارة السمراء، لن تعرف جمال عبدالناصر، ولانكروما ولا نايريري ولا سنقور ولا لوممبا، انت لن تعرف ماندلا، نلسون مانديلا، ذلك الرجل القارة، جدير بك ان تعرفه، وسوف احدثك عنه، كما انني سوف احدثك عن الأستاذ، ذلك الجسور، الفيلسوف الشهيد، تمر علينا ذكراه هذه الأيام، ذكري اشتشهاده الباسل،
    عملاق شنقه أقـزام، إغتالوا فيه علماً غزيراً ومعـرفة حقة، راح ضحية الهوس الجبان، ضحية التخبط والإستهتار، عندما إتخذوا الدين سلعة رخيصة، تباع وتشتري في أسواق النخاسة السياسية الكاسدة، سلعة رخيصة فرشوها في شوارع الخرطوم المنكوبة، أخذوا بالشبهة، وتعاملوا مع الظنة، أقاموا المحاكم تحت الأشجار وفي ظل البرندات، أبتدعوا ما ليس في الدين، تخبطوا يميناً وشمالاً شأن المسعورين الخائفين، فوزعـوا التهم وأحضروا شهود الزور، وأتوا بقضاة وصفهم الأستاذ فما ظلم ( أنا أعلنت رأي مرارا ، في قوانين سبتمبر 1983م ، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام .. أكثر من ذلك ، فإنها شوهت الشريعة ، وشوهت الإسلام ، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها وضعت ، واستغلت ، لإرهاب الشعب ، وسوقه إلي الاستكانة ، عن طريق إذلاله .. ثم إنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير ..
    و أما من حيث التطبيق ، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها ، غير مؤهلين فنيا ، وضعفوا أخلاقيا ، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية ، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب ، وتشويه الإسلام ، وإهانة الفكر والمفكرين ، وإذلال المعارضين السياسيين .. ومن أجل ذلك ، فإني غير مستعد للتعاون ، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر ، والتنكيل بالمعارضين السياسيين ) هكذا تكلم الأستاذ في شجاعة لم تكن لتنقصه، ألم يكن اول سجين سياسي في البلاد؟، هكذا حكم عليهم قبل ان يحاكموه، مهلاويٌ أفل نجمه ولم يهل، ومكاشفيٌ لو كشف الله له جزءاً يسيراً مما كشفه للأستاذ، لما فعل ما فعل، وابو قرنين مسدلين، ولم نر القرون الاّ واقـفة منتصبة، اراد ان يأخذ التاريخ من قرنيه، (كناطح صخرة يوماً ليوهنها :: فلم يضرها وأوهي قرنه الـوعلُُ ) أنهم إتخذوا الدين سلعة رخيصة اشتروا بها بعض الوقت في كراسي السلطة، فما نفعتهم، أخذهم الطوفان الذي ثحدث عنه الأستاذ، ذهبوا غثاءً كـغثاءِ السيل، وبقي في الأرض ما ينفع الناس‘ بقي الشهيد بإنتاجه الفكري الثر‘ أقوال مأثورة وكتب منشورة، بقي العالـِمُ الجليل، ينتفع الناس بعلمه الصادق النبيل، بقي، وما غاب ابداً، فمثله لا يغيب، ، ساقوه الي المشنقة بامر مشيرهم الجاهل ، فجاء شامخاً يبتسم، ملؤه الشفقة علي جلاديه، جاء وئيداً ولسان حــاله يقـول، اللهم أغفر لهم فإنهم لا يعـلمون:ـ

    ويخلع النعلين عند سفح المشنقة
    كأنها المصلى ، وهو يصعد الخطى الواثقة الموثقة
    كأنه المحب فى لقاء محبوب مهاجر يرنو لأن يعانقه
    ويكشف الغطاء عن بوارق ابتسامة
    عن أنضر ابتسامــة
    عن أجسر ابتسامــة
    كالشمس لم تخامرها غمامة
    برهانه على اليقين والصمامة
    رسالة الى الأحرار بالخلاص المرتجى
    حرب على الفجار فهى فى حلوقهم شجى
    وفى عيونهم قذى وفى صدورهم لظى
    فقد أبى أن يعطى الدنية فى دينه من نفسه الأبية
    لله وحده أعطى زمامه
    أقام دينه أوفى تمامه
    تبت يداهم يقتلون فى الضحى السلام
    والغصن والحمامة
    وحوله هتافهم كجوفهم مباءة المساءة
    قاماتهم قماءة ، وجوههم دمامة
    أليسوا الساقطين فى شر الفتن ؟
    البائعين الدين ، والمبايعين التالف المتلاف
    بيعة الإمـامــة

    هكذا قال عوض الكريم موسي، وهذا نذر يسير مما قيل في الشهيد، في ذلك اليوم الكئيب جاؤوا به الي المشنقة في مـأسـاة كمأسـاة الحلاج، توضأ شيخنا فاسبغ الوضوء، وجاء يصلي صلاة العشق، تماماً كما فعل الحلاج، ألم يقطعوا كف الحلاج فرفع يده المقطوعة، ومسح بها وجهه وهو يقول( ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما الاّ بالدم ) ، لا بد ان الأستاذ في ذلك الموقف المهيب تمثل بقول الحلاج في مثل ذلك الموقف ( اللهم إنك المتجلي عن كل جهة، المتخلي عن كل جهة، بحق قدمِكَ علي حدثي، وحدثي تحت الملابس قدمك، أن ترزقني شكر هذه النعـمة التي أنعمت بها عليّ، حيث غيبت أغياري كما كشفت لي من مطالع وجهك، وحرمت بها غيري ما ابحت لي من النظر من مكنونات سرك، هؤلاء عبادك قد إجتمعـوا لقتلي، تعصباً لدينك، وتقرباً إليك، فأغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لما إبتليت، فلك الحمد فيما تفعل، ولك الحمد فيما تريد . ) نعم يا بُنيّ، هكذا ناجي الحلاج ربه وهو يـُقطـّع قطعاً علي حبل المشنقة، وهكذا قال الأستاذ الشهيد، محمود المحمود، وبعد شنقه لم يعرف الأقزام ما يفعلون، فرفعوه الي أعلي، الي السماء، طاروا به في الفضاء، إعتلي بهم حين ارادوا ان يخفضوه، ذلك ما يفعله أصحاب العـُلي والسمو، إنها مواقف منحوتة في ذاكرة التاريخ، وذاكرة التاريخ لا تَـنسي، وأنت كما انك لن تعرف صاحب الطواسين ولا صاحب الرســالة الثانية، فإنك لن تعرف صاحب الفتوحات المكية، أنت لن تعرفه، ولكنه قال:ــ

    نَعْـتُ المهيمن بالأطلاق تقييد ::: وكل ما قيل فيه فهو تحديدُ
    وإن سكتُ علي عجز أفوز به ::: فذلك العجز أيضاً فيه تقييدُ
    فليس يخرج في ظني ومعرفتي ::: شئٌ عن القيد لاشرك وتوحيدُ
    تنزيهك الحق حدٌ انت تعــلمُهُ ::: إن النزيهَ بنفي الحد محدودُ
    إن قلت ليس كذا،اثبتـّهُ بكذا ::: وذا لباسُ نزيه فيه تجريدُ
    سَـلْبُ التحير عنه لا يشرفهُ ::: وكيف يَشرُفُ بالتنزيه معبودُ
    لو لم يكن في كذا لزال عنه كذا ::: وزال عنه به حمدٌ وتمجيدُ
    أسماؤه تطلب الأكوان أجمعها ::: فنعتها بالغني المعلوم مفقودُ
    لولا القبول الذي منا لما ظهرت ::: آتارها فلنا من ذلك الجودُ
    إن الوجود الذي أثبته نسبٌ ::: فلا وجودَ فما في العين موجودُ
    بذا المحال الذي ترمي به فطرٌ ::: وكيف يقبـلـُه والكونُ مشهودُ
    أثبتّ عينك عند النفي نافية ::: فمن نفيتَ وباب النفي مسدودُ
    وكيف تنفي وجوداً أنت تثبته ::: عقلاً وعيناً، وحوض العقل مورودُ

    ذلك ابن عربي، وذلك قول كبير، ولذلك سمي قائله بالشيخ الأكبر، ذلك قول كبير كالكون واكبر، قول عميق كالبحر وأعمق، لا بد ان تتكبد المشاق، وتعاني الصعاب حتي تفهم، لا بد ان تسبح في فضاء الكون، وتغوص في قاع البحر حتي تفهم، لابد ان توقد ذهنك حتي تفهم، وإن فعلت، فلك مني ضمان المتعة، ضمان المتعة الفكرية، وتلك متعة لن تشبع منها، فأفعـل .
    فيا برق ليس الكرخ....Dad, what you?? Never mind ، فانت لا تفهم ما أقول، فأنت لن تعرف أبوالعلاء، حكيم المعرة، رهين المحبسين، فيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة، أنت لن تعـرفه، ولكـنه قــال: ــ

    إذا لم تكن دنياكَ دارَ إقامة ::: فما لك تبنيها بناءَ مُـقـيم ِ
    أري النسلَ ذنباً للفتي لا يُقاله ::: فلا تنكحنّ َ الدهـرَ غير عقيم ِ
    وأعجبُ من جهل الذين تكاثروا ::: بمجد لهم من حادثٍ وقديم ِ
    وأحلفُ ما الدنيا بدار كرامة ::: ولا عَمَـرتْ من أهلها بكريم ِ
    سـأرحل عنها لا أُؤّمل أُوْبـَـة ::: ذميماً توَلي عن جوارِ ذمـيم ِ
    وما صحّ وُدّ ُ الخِلِ فيها وإنما ::: تغـُرّ ُ بودّ ٍ في الحياة سقيم ِ
    فلا تتعلل بـالـمُدام وإن تجـُزْ ::: إليها الدنايا فاخش كل نديـم ِ
    وجدت بني الدنيا لدي كل موطنٍ ::: يعـدون فيها شـقـوة كنــعيم ِ
    يزيدك فقـراً كلما ازددتَ ثروة ً ::: فتلقي غنياً في ثياب عـديم ِ
    فسـادٌ وكـونٌ حادثان كلاهما ::: شهيدٌ بأن الخلقَ صنعُ حكيم ِ

    هـكذا قـال حكيم المعرة في اللزوميات، ولكن ما لي أحكي لك؟، أنت لن تعرف كعب ابن زهير ولا إمرؤالقيس، انت لن تعرف البحتري ولا ابوتمام، لن تعرف التوحيدي ولا ابن المقـفع، لن تعرف جعد بن درهم ولا معبد الجهني، لن تعرف النظام، ابراهيم النظام، ولا الجاحظ ، ولا ابن سيناء ولا ابن رشد، لن تعرف ابونواس ولا بشار بن برد ولا ابن الرومي، لن تعرف السيوطي ولن تقرأ تاريخ الخلفاء لتعرف الحقائق، لا جرير ولا الفـرزدق، لن تعرف امل دنقل ولا محمود درويش، لا طه حسين ولا العقاد ، لانجيب محفوظ ولا يوسف إدريس، أنت من ستعرف؟، الي اي الحضارت تنتمي؟، الي اي مستقبل؟، أنت لن تعرف حتي المتنبي، أستاذ الشعراء، ولكنه قال : ــ

    مالَنا كُلُّنا جَواٍ يا رَسولُ ::: أَنا أَهوى وَقَلبُكَ المَتبولُ
    كُلَّما عادَ مَن بَعَثتُ إِلَيها ::: غارَ مِنّي وَخانَ فيما يَقولُ
    أَفسَدَت بَينَنا الأَماناتِ عَيناها ::: وَخانَت قُلوبَهُنَّ العُقولُ
    تَشتَكي ما اشتَكَيتُ مِن أَلَمِ الشَوق ::: إِلَيها وَالشَوقُ حَيثُ النُحولُ
    وَإِذا خامَرَ الهَوى قَلبَ صَبٍّ ::: فَعَلَيهِ لِكُلِّ عَينٍ دَليلُ
    زَوِّدينا مِن حُسنِ وَجهَكِ مادام ::: فَحُسنُ الوُجوهِ حالٌ تَحولُ
    وَصِلينا نَصِلكِ في هَذِهِ الدُنـيا ::: فَإِنَّ المُقامَ فيها قَليلُ
    مَن رَآها بِعَينِها شاقَهُ القُطـطانُ ::: فيها كَما تَشوقُ الحُمولُ
    إِن تَريني أَدِمتُ بَعدَ بَياضٍ ::: فَحَميدٌ مِنَ القَناةِ الذُبولُ
    صَحِبَتني عَلى الفَلاةِ فَتاةٌ ::: عادَةُ اللَونِ عِندَها التَبديلُ
    سَتَرَتكِ الحِجالُ عَنها وَلَكِن ::: بِكِ مِنها مِنَ اللَمى تَقبيلُ
    مِثلُها أَنتِ لَوَّحَتني وَأَسقَمـ ::: ـتِ وَزادَت أَبهاكُما العُطبولُ
    نَحنُ أَدرى وَقَد سَأَلنا بِنَجدٍ ::: أَقَصيرٌ طَريقُنا أَم يَطولُ
    وَكَثيرٌ مِنَ السُؤالِ اِشتِياقٌ ::: وَكَثيرٌ مِن رَدِّهِ تَعليلُ
    لا أَقَمنا عَلى مَكانٍ وَإِن طاب ::: وَلا يُمكِنُ المَكانَ الرَحيلُ
    كُلَّما رَحَّبَت بِنا الرَوضُ قُلنا ::: حَلَبٌ قَصدُنا وَأَنتِ السَبيلُ
    فيكِ مَرعى جِيادِنا وَالمَطايا ::: وَإِلَيها وَجيفُنا وَالذَميلُ
    وَالمُسَمَّونَ بِالأَميرِ كَثيرٌ ::: وَالأَميرُ الَّذي بِها المَأمولُ
    الَّذي زُلتَ عَنهُ شَرقًا وَغَربًا ::: وَنَداهُ مُقابِلي ما يَزولُ
    وَمَعي أَينَما سَلَكتُ كَأَنّي ::: كُلُّ وَجهٍ لَهُ بِوَجهي كَفيلُ
    وَإِذا العَذلُ في النَدا زارَ سَمعًا ::: فَفِداهُ العَذولُ وَالمَعذولُ
    وَمَوالٍ تُحيِيهِمِ مِن يَدَيهِ ::: نِعَمٌ غَيرُهُم بِها مَقتولُ
    فَرَسٌ سابِقٌ وَرُمحٌ طَويلٌ ::: وَدِلاصٌ زَغْفٌ وَسَيفٌ صَقيلُ
    كُلَّما صَبَّحَت دِيارَ عَدُوٍّ ::: قالَ تِلكَ الغُيوثُ هَذي السُيولُ
    دَهِمَتهُ تَطايِرُ الزَرَدَ المُحـ ::: ـكَمَ عَنهُ كَما يَطيرُ النَسيلُ
    تَقنِصُ الخَيلَ خَيلَهُ قَنَصَ الوَحـ ::: ـشِ وَيَستَأسِرُ الخَميسَ الرَعيلُ
    وَإِذا الحَربُ أَعرَضَت زَعَمَ الهَو ::: لُ لِعَينَيهِ أَنَّهُ تَهويلُ
    وَإِذا صَحَّ فَالزَمانُ صَحيحٌ ::: وَإِذا اِعتَلَّ فَالزَمانُ عَليلُ
    وَإِذا غابَ وَجهُهُ عَن مَكانٍ ::: فَبِهِ مِن ثَناهُ وَجهٌ جَميلُ
    لَيسَ إِلاكَ يا عَلِيُّ هُمامٌ ::: سَيفُهُ دونَ عِرضِهِ مَسلولُ
    لَستُ أَرضى بِأَن تَكونَ جَوادًا ::: وَزَماني بِأَن أَراكَ بَخيلُ
    نَغَّصَ البُعدُ عَنكَ قُربَ العَطايا ::: مَرتَعي مُخصِبٌ وَجِسمي هَزيلُ
    إِن تَبَوَّأتُ غَيرَ دُنيايَ دارًا ::: وَأَتاني نَيلٌ فَأَنتَ المُنيلُ
    ما أُبالي إِذا اتَّقَتكَ الرَزايا ::: مَن دَهَتهُ حُبولُها وَالخُبولُ

    ذلك هو المتنبي، مالئُ الدنيا وشاغل الناس، ما كان الدهر بالنسبة له الا من رواة قصائده، اذا قال شعـرا أصبح الدهـر منشدا، ذلك الذي نظر الأعمي الي أدبه، وأسمع كلماته من به صممُ، ذلك الذي عرفه الخيل والليل والبيداء، والسيف والرمح والقرطاس والقلم، ذلك هو المتنبي، قال ما قال ونام قرير العين هانيها،
    وسهر الخلق جراها واختصموا. أنت لن تعرف عبدالرحمن منيف ولا ابراهيم الكوني، لن تعرف حسين مروة ولا نصر حامد أبوزيد، لن تعرف فرانسيس دينق ولن تقـرأ طائر الشؤم، لن تعرف محمد ابوالقاسم حاج سعيد ولن تفهم جدلية التركيب، والمـأزق التاريخي في السودان، لن تعرف الشهيد جون قرنق، نجم سياسي آخر، رفع لواء المسـاواة في الوطن الواحد، حارب التمييز والإستعلاء العرقي السخيف، حارب الإستعلاء الديني الخاطئ، ولكنه مات، ليلاً فوق الجبال، من يدري كيف مات، لن تعرف أبيل ألير، حكيم عملاق، لو تركوا له ولأمثـاله الحكم في السودان لكنا الآن في وضع آخر، أنت لن تعرف شنوا اشيبي ولا وول سوينكا ولا سنغور ليوبولد، لن تعرف منابع النيل ولا مصبه، لن تعرف الهلال ولا المريخ، لن تعرف الزين ولا ضو البيت ولا الطاهر ودالرواس ولا سعيد عشا البايتات، لن تعرف حسنة بت محمود ولا ودالريس ولا بت مجذوب، واذا لم تقل لك بت مجذوب كل شئ فلن يقل لك احد شيئا، ربما اخذك القطار يوماً الي محطة فكتوريا، وعــالم جين موريس وايزابلا سيمور وآن همند، ربما زرت قاعة البرت، ومسرح البرنس اوف ويلز،ولكنك لن تذهب الي هناك برفقة مصطفي سعيد، لأنك لن تقرأ موسم الهجرة الي الشمال، رواية ولا كل الروايات، تحفة نادرة، ولوحة بديعة، معين لا ينضب، عمل عبقري، عمل كتبه ذلك الساحر، وحقن به عروق الثقافة والأدب، واجراه في شرايين الإبداع، إستودعه رفوف المكتبات فلم تقعد، فطبع ثم طبع، وترجم وترجم، إنه عمل خالد، والخوالد قليل. انت لن تعرف الحردلو، ابوسـن، ولكـنه قــــال: ــــ
    الشم خوخت بردن ليالي الحرة
    والبراق برق من منا جاب القرة
    شوف عيني الصقير بي جناحو كفت الفرة
    تلقاها أم خدود الليلة مرقت برة
    ******
    البارح أنا وقصبة مدالق السيل
    في ونسة وضحك لمن قسمنا الليل
    وكتين النعام إتشقلببوا الخيل
    لا بخلت ولا جادت على بلحيل.

    وانت لن تعرف المديح، ولن تعرف البرعي، ولا حاج الماحي، ذلك المتبتل في محراب الحب النبوي، ذاب وجداً حين إهتدي، انت لن تعرفه ولكنه قال:ــــ

    عــيب شــبابي الْ سـرَحْ ::: والله لأبْ شوقاً جرحْ
    قام العبيدْ من نومه صحْ ::: لقي جنبه لبناً في قدحْ
    سمي وشربْ زين إتنتَحْ ::: حمد الإله حالُه انصلحْ
    جدْ في السؤال لربّه لحْ ::: قال يا كريم بابه إنفتحْ
    اعطوه تـُفاحات بلحْ ::: حين ذاقها قال دماعُه تحْ
    راد الجليل قلبُه إنشرحْ ::: طابْ عقلُه مسرور بالفرحْ
    جابْ لي شفيع الناسْ مَدحْ::: شَتمُه الهبيس دقّ ونـَبحْ
    السمعُه في جوفُه إنجرحْ ::: من شوف حبيبُه يسوي أحْ.


    وأنت من قبل ومن بعد، لن تعرف الخليل، خليل فرح، قيثارة الوطن، ذلك الشرف الباذخ، والصباح الفـالق، والنجم الآلق، خليل، قامة الوطن السامقة، انت لن تذهب معه الي الضواحي، وطرف المدائن، لن تنظر معه شفق الصباح:ـــ

    شوف صباح الوادي وجماله
    شوف خدارو وصيده ورماله
    شوف يمينو وعاين شماله
    شوف نسيم الليل صاحي ماله
    شوف فريع الشاو مين أماله
    القمر خجلان من كـمـاله
    والصباح لاح بهل الوشاح

    جاء الي الخرطوم صبياً، لايعرف العربية، ولكنه جاء بعبقرية لا تضاهي، وتحدث بالعربية وكتب بها وكأنه من ارض البطانة او بادية الشكرية:ـــــ

    وقت الليل برد طلع البدر بكواكبو
    ولحقت الإبل وادي الأراك برواكبو
    جادت وأسبلت عين المحب بسواكبو
    وإحتل الفؤاد ملك الغرام بمواكبو

    من أين له سليقة البادية، وقريحة الدوبيت والمسدار، وهو الأعجمي، نوبي هو، سقط رأسه في حلفا، عاش طفولته في بلدته جزيرة صاي، حيث اللغة (رطانة)، وان كانت احدي اقدم اللغات، وإن حملت إحدي اقدم الحضارات، إلا أنها رطانة، بعيدة عن اللسان للعربي، إذاً كيف أجاد الخليل تلك اللغة التي كتب بها تلك الدرر، إنه النبوغ:ــــ

    نجومك يا ليل ولاّ جيش معبي وغاير
    ومشتاق مثلي يا ليل ولاّ ساكت غاير
    طويل مسيخ ومعتم لاك مريح لا غاير
    أضاير في همومك ويمشي جرحك غاير

    او ان شئت فأســمع هـذه :ـــــ
    ياليل صباحك مالو
    اصحابك جفوني ومالو
    شوف صحبك فقد راس مالو
    لا يعرف يمين لا شمالو
    يا ليل بدري شاغلك مالو
    نايم وصاحي مالك ومالو
    لاتقول لي هواه امالو
    ايه ضيعني غير إهمالو

    هكذا يتلاعب بالكلمة الواحدة، ويستخرج معانيها المتعددة، اجاد الخليل فنون الشعر، وفي شعره واقعية ورمزية كأجود ما تكون، قال يرثي صديقاً له من حلفا دغيم اسمه سـري:ــــ
    آه وا حسرتاه يا سـري
    يا اخوي ورفيقي وسـري
    أحداثك جسام يادنيا ما بتسـري
    ونادر نلقي فيك اللي همومنا يسـري

    وأنظر إليه كيف يفخر بقومه بأحسن مما فعل الحردلو او ودشوراني او ودضحوية:ــ
    أنحنا المحس يحسن وليدنا حتوفو
    متحمل جبال الواقعة ساندة كتوفو
    ناره بتوقد الغيرة وتناجي ضيوفو
    فرة سنو في داره تحاكي سيوفو

    هذا غير درره المغناة، في الحقيبة والوطنيات، انت يا بني لا تعرف ذلك، ولكنني اهديك هذا اللحن الخالد::ــــــ

    عـازة في هواك عازة نحن الجـبال
    وللبخوض صفاك عازة نحن النبال
    :::::::::::::
    عازة ما سليت وطن الجمال
    ولا ابتغيت بديل غير الكمال
    وقلبي لسواك ما شفتو مال
    خذيني باليمين وانا راقد شمال
    ::::::::::::
    عازة ما نسيت جنات بلال
    وملعب الشباب تحت الظلال
    ونحن كالزهور فوق التلال
    نتشابي للنجوم وانا ضافر الهلال
    ::::::::::::
    عازة في الفؤاد دوا يشفي الوبال
    عازة في الفؤاد سحرك حلال
    ونار هواك شفي وتيهك دلال
    ودمعي في هواك حلو كالزلال
    تزيدي كل يوم عظمة وازداد جلال

    http://www.sudanny.com/index.php?option=com_content&tas...=view&id=22&Itemid=6

    واخيراً تعال نشرب هذه (الكاسات) علي نخب الجمال الطروب والطرب الجميل:ـــ
    الحبايب لفتوا الخلايق
    بيني بينهم قطعوا العلايق
    إن دلال غن تيه كلو لايق
    نحن ما مجينا الخصام
    ::::::::::::::::::
    ياجميل يا نور الشقايق
    املأ كاسك وأصبر دقايق
    مجلسك مفهوم شوفو رايق
    عقده ناقص زول ولاّ تام
    ::::::::::::::::::
    من فتيح الخور للمغــالق
    من علايل ابروف للمزالق
    قدلة يا مولاي حافي حالق
    بالطريق الشــاقه الترام
    :::::::::::::::::
    ما يئسنا الخير عوده سايق
    الحي يعود إن أتي دونه عايق
    الي يوم اللقا وإنت رايق
    السلام يا وطني السلام
                  

04-21-2008, 04:08 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محمود محمد طه ـ"شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى"

    مسعد حجازي




    " الحرب على الإرهاب " التى شنها الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمير عام 2001 هى حرب لن يكسبها بوش، ولن تكسبها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس كلامى بل هو كلام الرئيس بوش الإبن نفسه، ففى أحد أيام شهر أكتوبر 2004 وأثناء حملات إنتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، أدلى الرئيس بوش بحديث لــ " ماثيو لاو" مقدم برنامج " توداى شو " ـ شبكة إن . بى . سى. التليفزيونية الإخبارية قال فيه بالحرف : " إننى لا أعتقد أننا يمكن أن نكسب الحرب على الإرهاب "!!

    لم تكد تمضى ساعات قليلة على هذا التصريح الخطير لبوش حتى سارع البيت الأبيض ومستشارو الرئيس الأمريكى ومدراء حملته الإنتخابية الى نفى ما قاله بوش، وأنه لم يكن يقصد ذلك، فقد خشى هؤلاء المستشارون أن يصبح تصريح بوش هو " المانشيت " الرئيسى لكبريات الصحف الأمريكية فى صباح اليوم التالى، خاصة وأن منافس بوش مرشح الحزب الديمقراطى المعارض جون كيرى كان قد نجح فى فرض قضية الحرب فى العراق والحرب على الإرهاب على حملات الدعاية الإنتخابية.

    التصريح الذى أدلى به بوش لم يكن زلة لسان، بل كان ردا طبيعيا وبطريقة تلقائية على سؤال، إذ تصادف أن شاهدت هذا الحديث التليفزيونى الذى كان قد أذيع على الهواء مباشرة وكان بوش يتحدث مع " مات لاو " فى الباص الذى كان يستخدمه الرئيس الأمريكى ويجوب به جميع أرجاء الولايات الأمريكية فى حملته الإنتخابية.

    فى الواقع أن التصريح الخطير الذى أدلى به بوش كان محصلة آراء وتوصيات العديد من الخبراء والمستشارين ومراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة ، ومؤداها أن التصدى لخطر ما يسمى بـ " الإسلام المتشدد " أو المتطرف Radical Islam يكون بتشجيع الإسلام المعتدل، وطرحت فى هذا السياق اسماء عديدة لمفكرين إسلاميين معتدلين من عدة بلدان عربية واسلامية، كان من بينهم اسم محمود محمد طه، وهذا الإسم يحظى باحترام وإعجاب كبيرين فى أوساط الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة فى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا طوال العقدين الأخيرين، وللأسف فإن الجيل الحالى من الشباب فى العالم العربى لا يعرف شيئا عن هذا المفكر السودانى الكبير، وأعتقد أن الوقت قد حان لتعريف القارىء العربى والمسلم بقصة هذا الرجل الذى كان بحق شهيدا للفكر، يستحق لقب " جاليليو العالم الإسلامى "، كما أعتقد أن القائمين على هذه الصحيفة الإلكترونية الغراء يشاركوننى الرأى فى أن المفهوم العصرى للحرية، وحرية الصحافة هو حرية المواطن فى الحصول على المعلومات، وهذا المفهوم الجديد أو المتطور أصبحت تكفله قوانين خاصة صدرت فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا خلال الربع قرن الأخير.

    إن قصة المفكر الإسلامى محمود محمد طه وهى فى الواقع مأساة ، وعلى الرغم من أنها وقعت منذ أكثر من عقدين من الزمان إلا أنها تكتسب مغزى وأبعادا جديدة فى ظل الأوضاع المأساوية الراهنة التى يمر بها العالمين العربى والإسلامى.

    فى الثامن عشر من يناير الجارى سوف تحل الذكرى الـ 21 لإعدام المفكر الإسلامى الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري السودانى ، وأحد كبار المهتمين بشئون الدين الإسلامي، ومن أقطابه المجتهدين في تطوره، وتمشيه مع روح العصر الحديث.. وله فيه الكثير من النظريات، والتفاسير والأراء التى طالما إحتدم الجدل والنقاش حولها سواء طوال حياته التى امتدت إلى نحو ستة وسبعين عاما وحتى بعد إعدامه فى صباح الثامن عشر من يناير عام 1985 .

    جاء إعدام المفكر الإسلامى محمود محمد طه إثر محاكمة هزلية وباطلة من الناحيتين القانونية والشرعية بعد اتهامه بتهمة الردة كما جاء في حيثيات الحكم الهزيل، والتي وصف الاستاذ محمود قضاتها بانهم غير مؤهلين فنياً، وضعفوا اخلاقياً عن أن يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين.

    لقد عارض الأستاذ محمود قوانين سبتمبر 1983 الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان والتى أصدرها نظام مايو بقيادة الرئيس جعفر النميرى ، أو بمعنى أدق عارض الفهم الخاطئ والتطبيق الخاطئ للشريعة الإسلامية فى وقت كان السودان الشقيق يعانى من وطأة الفقر وانتشار المجاعة ، وسادت البلاد حالة من التذمر والإستياء نتيجة لتدهور الأوضاع وانتشار المظالم والممارسات القمعية لنظام الرئيس نميرى الذى ارتأى فى قوانين سبتمبر طوق النجاة له ولنظامه الإستبدادى الفاسد ـ أو بعبارة أخرى محاولة استغلال الدين لتحقيق أغراض ومآرب سياسية وللحفاظ على السلطة والسلطان والثروة والرشوة ـ نعم الرشوة ... ثمن تواطئ النميرى ومساعداته الثمينة للمخابرات المركزية الأمريكية السى آى إيه فى عملية تهريب يهود " الفلاشا " من اثيوبيا إلى إسرائيل عبر الأراضى السودانية .

    فى عام 1983 كان قد مضى على الرئيس نميرى فى الحكم قرابة أربعة عشر عاما فلماذا لم يحاول خلالها أن يطبق قوانين الشريعة الإسلامية بحذافيرها ؟!!

    لقد أعلن محمود محمد طه رأيه جهارا نهارا فى قوانين سبتمبر عقب صدورها ، وكرره أيضا فى محكمة الردة فى السابع من يناير عام 1985 حيث قال :

    (أنا اعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام، ونفرّت عنه.. يضاف الى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير، وأما من ناحية التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون اداة من ادوات اذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسين )... "انتهى"
    كان ما قاله محمود محمد طه هو كلمة حق فى محكمة سلطان جائر وحاكم مستبد ، وترجمة وتطبيقا عمليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر " .
    " ان الثامن عشر من يناير 1985 قد أعاد الى الأذهان احلك صفحات التاريخ الإسلامى والانساني سواداً . واخزى ايامها عاراً حينما كان القتل هو ترياق الافكار وجزاء المفكرين . في 18 يناير من عام 1985 روع العالم ، و إهتز الضمير الإنساني ، في جميع أقطار هذا الكوكب ، من جراء المؤامرة السوداء ، و الجريمة البشعة التي أرتكبت في الخرطوم حيث أغتيل الأستاذ محمود محمد طه ، على يد رئيس جمهورية السودان آنذاك جعفر نميري و بطانته المتدثرة بدثار الشريعة و التصوف .. ولقد كان لوقفة الأستاذ الفريدة وابتسامته في وجه الموت انتصارا للحق وهزيمة لخفافيش الظلام ودعاة الهوس الديني في ذلك اليوم المشهود فاستنكر العالم الجريمة النكراء وأدان مرتكبيها ومجد الشعراء والكتاب موقف الأستاذ وبطولته الأسطورية" . ( موقع الفكرة الجمهورية على الشبكة العنكبوتية )

    ويقول الدكتور نور حمد ـ الأستاذ فى جامعة واشنطن الغربية:

    (( " إعدام المفكرين التجديديين، في التاريخ الإسلامي، ليس أمرا جديدا. فلقد ظلت تهمة الزندقة، والخروج على إجماع المسلمين، هي التهمة المفضلة لدى القابضين على أزمة السلطة، والثروة، للقضاء على كل مفكر، وكل فكرة تعمل على تحريك الراكد، وعلى تنوير الناس بإنسانيتهم، وبحقوقهم المسلوبة. جرى ذلك، للحسين بن المنصور، المعروف بالحلاج، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). ولقد كان الحلاج، من المتصوفة الذين لم يكتفوا بالصلاة، وبالتسبيح، وبتشقيق المعاني، وحسب، وإنما اتجه للحديث عن تفشي المظالم، وعن غرق الحكام في الترف، وإهمالهم شؤون العامة. حاول الحلاج نصرة المظلومين، من غمار الناس، فأزعج ذلك أهل السلطة، والثروة، في تلك الحقبة، فدبروا له تلك المحاكمة التي قضت بصلبه. ومع ذلك، نجحت السلطات، في تاليب العامة، وفي حشدهم، واستخدامهم ضده، رغم أنه لم يصدع بآرائه، إلا لنصرة أولئك العامة، هادفا إلى استرداد حقوقهم، وكرامتهم الإنسانية المضيعة )).(إنتهى)

    لقد شهد التاريخ البشرى على مر العصور تحالفا أو تفاهما ضمنيا بين سلطة الحكم أو الدولة والسلطة الدينية على إضطهاد الفكر الحر والتنكيل به ويكمن الخلاف فقط فى الأساليب المتبعة فتجد سلطة الدولة خاصة فيما يعرف باسم الدول البوليسية الفاشية تضطهد الفكر المتجدد بوسائلها المختلفة من سجن وتعذيب وسحل وهتك عرض وخطف وقتل دون محاكمة أو بإجراء محاكمات صورية هزلية لا تتوافر فيها أبسط الحقوق والضمانات للمتهم ...الخ ، كما أن السلطة الدينية أيضا مارست الإضطهاد للفكر وتمارسه بوسائلها المتنوعة من طرد من الهيكل أو الكنيسة أو من هيئة العلماء أو الحرمان من البركة والتخويف من النار أو الحرق حتى الموت أو بالتفتيش عما فى الصدور والقلوب أوالتكفير والذندقة أو بإطلاق تهم العمالة والخيانة والتجسس... الخ
    هذا التحالف المشبوه بين السلطتين فى إضطهاد الفكر هو فى الواقع إرهاب فكرى وهو أخطر صنوف وأنواع الإرهاب وأخطر من الإرهاب الجسدى لأنه فى حقيقة الأمر إرهاب لضمير الإنسان ولوجوده الحقيقى ، كما أنه إرهاب يرتكب باسم الأديان والأديان منه براء ، وإن كان من يرتكبه ماهم إلا ذئاب بشرية جائعة ومتعطشة للسلطة والمكاسب الدنيوية.

    من المعروف للخاصة والعامة أنه لا كهنوت ولا رهبانية فى الإسلام .، وبالرغم من ذلك قام بعض كبار رجال الدين وليس كلهم على مر عصور التاريخ الإسلامى وخاصة منذ العصر الأموى بتبرير الكثير من المظالم والتجاوزات والسياسات الخاطئة إما خوفا وهلعا أو نفاقا وتقربا للحكام وطمعا فى تحقيق مغانم ومكاسب دنيوية _ هى إذن سلطة غير أنها تابعة لسلطة الحكم أو الدولة على عكس حال سلطة الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا العصر الوسطى حيث كانت للكنيسة السلطة والسيادة المطلقة ، وللبابا سلطة وسطوة على الأمراء والملوك والأباطرة يمنحهم بموجبها البركة أو اللعنة.

    يوم الإعدام:

    فى الذكرى التاسعة عشر لإعدام المفكر المجتهد الإسلامى محمود محمد طه كتب الدكتور نور حمد مقالا قيما قال فيه:
    (( جاء في مسرحية الحلاج، للشاعر الراحل، صلاح عبد الصبور :
    صفونا صفا صفاً
    الأجهر صوتا، والأطول،
    وضعوه في الصف الأول
    ذو الصوت الخافت والمتواني،
    وضعوه في الصف الثاني،
    أعطوا كلا منا دينارا من ذهبٍ قاني
    براقاً لم تمسسه كفْ
    قالوا صيحوا: زنديقٌ كافرْ
    صحنا: زنديقٌ كافرْ
    قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
    صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
    نفس هذا المشهد، وأعني مشهد هتاف العامة، في وجه مفكر محكوم عليه بالإعدام، تكرر بعد قرابة الألف، ومائة عام، تقريبا، في سجن كوبر بالخرطوم، في يوم 18 يناير 1985! وقد وثقت بالقلم، لمشهد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود محمد طه، الصحفية الأمريكية، جوديث ميللر، وأشارت إلى صدمتها عند سماع من هتفوا (تحيا العدالة)، أو (أخذت العدالة مجراها)، في ذلك اليوم الأسود، من تاريخ السودان المعاصر. كانت ميللر، وقتها، مسؤولة عن مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة. وقد جاءت إلى الخرطوم بقصد تغطية الحدث. وبالفعل، فقد أرسلت ميللر، تقريرها الذي أعدته عن حادثة التفيذ، إلى صحيفتها في نيويورك، وتم نشره في صبيحة يوم 19 يناير، 1985.
    وفي عام 1996 أخرجت جوديث ميللر كتابا، أسمته (لله تسعة وتسعون إسما) God has Ninety Nine Names ناقشت فيه الحركات الإسلامية، في العالم العربي، والإسلامي. وقد كرست الجزء الأول من الكتاب، لحادثة التنفيذ التي جرت في حق الأستاذ محمود محمد طه، في سجن كوبر، في العاشرة من صبيحة يوم الجمعة، 1985، والتي كانت أحد شهود العيان لها.
    جاء في وصف ميللر، للحادثة، في كتابها (لله تسعة وتسعون إسماً)، ما نصه:
    (كان صباحا مثاليا. بعد سويعات، تصبح الخرطوم خانقة. ولكن عند السادسة من صباح 18 يناير من عام 1985 كان الهواء صافيا. وكانت السماء قد لبست بالفعل زرقة حمام السباحة.
    في غرفتي بفندق الهيلتون، كان الصوت الوحيد، هو صوت مكيف الهواء، ذي العشرين سنة، وهو يضخ هواء محتمل السخونة. شربت قهوتي، وقرأت جريدة الصباح، محاولة ألا أفكر فيما سيحدث. لقد رأيت وقمت بأشياء كثيرة، بوصفي رئيسة مكتب صحيفة نيويورك "تايمز" بالقاهرة. كما شهدت أحداثا مروعة عديدة منذ رحلتي الأولى إلى الإقليم في عام 1971، وأنا لم أزل طالبة حديثة السن. غير أني، لم أغطي حادثة تنفيذ حكم بالإعدام.
    بعد ساعة خرجت في طريقي إلى سجن كوبر. ساحة سجن كوبر مستطيلة الشكل، وبحجم ميدان لكرة القدم. عندما وصلت برفقة جمال محي الدين، مدير مكتب مجلة "تايمز" بمصر، كانت ثلاثة أرباع تلك الساحة ممتلئة بالناس. كنت ألبس جلبابا أبيضا فضفاضا، وغطاء للرأس، لئلا يكتشف حراس السجن أنني شخص أجنبي. لوح لنا الشرطي بيده إيذانا لنا بدخول موقف السيارات. فعل ذلك، من غير أن يلقي حتى بنظرة ثانية نحوي في المقعد الخلفي. علما بأن المقعد الخلفي هو المكان الطبيعي، لوجود امرأة في سيارة، في الشرق الأوسط. خفضت رأسي بينما سرنا أنا وجمال ببطء، وسط الحشد، نحو قلب ساحة السجن، لنجد مكانا للجلوس على الأرض الرملية.
    كانت المشنقة في الجانب البعيد من الساحة. مرتفعة نوعا ما، غير أنها أقل في الارتفاع من حوائط السجن المبنية من الحجر الرملي. كان المشهد في كوبر مرحا. لا شئ هناك يشبه الصور المتجهمة التي رأيتها للسجون الأمريكية حيث يحتشد أصدقاء وأقارب المحكوم عليهم بالإعدام، خارج الأسوار، وسط المتظاهرين المعترضين الذين يحملون الشموع في الليل.
    يبدو أنني كنت المرأة الوحيدة في الساحة. وبدا أن كثيرا من الحاضرين، الذين يقدرون ببضع مئات، يعرفون بعضهم البعض. ظلوا يحيون بعضهم البعض، بتحية الإسلام التقليدية " السلام عليكم" ويجيء الرد مرات ومرات "وعليكم السلام". الرجال ذوو البشرات الداكنة، في عمائمهم التي يبلغ ارتفاعها القدم، وجلابيبهم البيضاء الفضفاضة، يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، حول حالة الطقس، بشائر محصول تلك السنة، والحرب التي لا تنتهي في جنوب السودان. ورويدا رويدا، جلس كل واحد على الرمل، تحت وهج الشمس، التي بدأت حرارتها تزداد قسوة مع كل دقيقة تمر. كان الموعد المعلن لتنفيذ الحكم هو الساعة العاشرة.
    قبل الزمن المحدد بقليل، قيد محمود محمد طه إلى الساحة. الرجل المحكوم عليه والذي كانت يداه مربوطتان خلف ظهره، بدأ لي أقل حجما مما كنت أتوقع. ومن المكان الذي كنت أجلس فيه، وبينما كان الحراس يسرعون به إلى الساحة، بدا لي أصغر من عمره البالغ ستة وسبعين عاما. سار مرفوع الرأس، وألقى نظرة سريعة على الحشد. عندما رآه الحاضرون، انتصب كثيرون منهم واقفين على أقدامهم، وطفقوا يومئون ويلوحون بقبضات أيديهم نحوه. ولوح قليلون منهم بالمصاحف في الهواء.
    تمكنت فقط من التقاط لمحة خاطفة من وجه طه، قبل أن يضع الحارس الذي قام بالتنفيذ، كيسا ملونا على رأسه وجسده. ولن أنسي ما حييت، التعبير المرتسم على وجهه. كانت عيونه متحدية، وفمه صارما، ولم تبد عليه مطلقا، أية علامة من علامات الخوف. بدأ الحشد في الهتاف، بينما كان مجندان سودانيان يلبسان زيا رملي اللون، يضعان عقدة الحبل على المكان المفترض أن تكون فيه رقبة محمود طه. ورغم أن ضجيج الحشد قد ابتلع أصوات الجنديين، إلا أنه بدا وكأنهما كانا يصيحان ضده. فجأة تراجع الحراس للوراء، ثم سُحبت أرضية المنصة. فاشتد الحبل، واهتز الغطاء الموضوع على جسد طه في الهواء. اشتعل الهدير في الساحة "الله أكبر". وتكثف الهتاف عندما بدأ الحشد في تكرار الهتاف بشكل جماعي، "الإسلام هو الحل". الرجال الذين امتلأوا حماسة، عانقوا وقبَّلوا بعضهم البعض. أحد الرجال الذين كانوا بجانبي صرخ، "أخذت العدالة مجراها"، ثم جثا على ركبتيه، ووضع جبهته على الرمل وتمتم بصلاة إسلامية. الحالة الاحتفالية التي جرت من حولي، صعقتني، وأصابتني بالغثيان. جذبت جمال من كم قميصه، محاولة أن أشعره بأنه يتعين علينا مغادرة المكان، فقد كنت بالفعل، عاجزة عن النطق. في حالة التوتر العصبي التي اعترتني لابد أنني قد قمت لا شعوريا بسحب الغطاء الذي كان يغطي رأسي، فانحرف عن موضعه. استشعر جمال الخطر، وجذب الغطاء على ناصيتيْ شعري اللتين انكشفتا، ودفعني بحزم صوب المخرج. وبينما كنا نشق طريقنا صوب البوابة الحديدية الثقيلة، بدأت الرمال في الثوران والارتفاع في شكل سحابة برتقالية نتيجة لجرجرة الحشد لأقدامهم على الأرض الترابية. عند وصولي للمدخل، لويت عنقي لألقي نظرة أخيرة على المشنقة. كان الكيس، وجسد طه لا يزالان متدليان على الحبل. فتساءلت في نفسي، متى سينزلونه؟.
    لدى كثير من السودانيين الذين هللوا لإعدامه في ذلك اليوم، فإن طه قد اقترف أسوأ جريمة يمكن أن ترتكب. لقد أدين بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، "قانون المسلمين المقدس" والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري. من وحي الموقف، أحسست، أنا أيضا، أن طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية، وإنما بسبب من نقصهم هم)) .. إنتهى نص ميللر. (ص. ص.11 –12).
    التهليل لإعدام أي إنسان، بغض النظر عن جريرته، سلوك قوي الدلالة، على سيطرة الروح الهمجية والبربرية، على وعي من يتحمس له، ويقوم به. وقد مر الغرب بتجارب مماثلة لهذه التجارب، في مسار تطوره الوئيد، نحو الديمقراطية، وترسيخ حكم القانون، ودولة الحقوق، والمواطنة. فمشهد العامة الذين تحشدهم السلطات، وتعبئهم ضد المفكرين، والعلماء، فيتوافدون على ساحات التنفيذ، مستمتعين بإعدام الأبرياء، مهللين له، مشهد قد كان شائعا، في أوروبا القرون الوسطى. ولقد عرفت المناطق الوسطى من أوروبا، حتى بداية القرن السابع عشر، محاكم الساحرات، وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر، بل وحرقهن في أتون المحارق، وهن حيات. كما ظلت أنجلترا، تمارس محاكمة المخالفين للعقيدة الدينية السائدة، حتى القرن السابع عشر. وقد تعرض وليام بن، الذي هاجر في عام 1682 ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الأب المؤسس لولاية بنسلفانيا، إلى المحاكمات، والسجن، بسبب إنتمائه إلى طائفة الكويكرز. وطائفة الكويكرز، طائفة دينية، مسالمة، لا يؤمن أتباعها بالعنف، وبالحرب. وهي طائفة تدعو إلى الإخاء، والمساواة، وكفالة الحريات. غير أن الكويكرز تعرضوا لمحاكمات مستمرة من جانب السلطات الكنسية الإنجليزية، حتى إضطروا إلى الهجرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المضايقات. ولعل أكثر ما اثار حفيظة رجال الدين الإنجليز على الكويكرز، قولهم بضرورة خروج رجال الدين من بين الله، وبين الناس. ومعروف أن الكويكرز ليس لهم قساوسة مثل بقية الطوائف المسيحية.
    لاحقت الكويكرز المحاكمات، في أمريكا التي هربوا إليها. فقد حوكموا في أمريكا، وعذبوا، وسجنوا. وتم منعهم من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وقد وصل الأمر بسلطات نيو إنجلند، حد محاكمة قبطان أي سفينة تأتي إلى السواحل الأمريكية، بواحد من طائفة الكويكرز. والطريف أن أمريكا التي منعتهم من دخول أراضيها، بادئ الأمر، بل وقامت بشنق بعضهم، أسست فيما بعد، أهم سمات دستورها، وقوانينها على فكر الكويكرز. ويعتبر ويليام بن، الذي ورد ذكره قبل قليل، أحد الآباء المؤسسين للحريات الدينية في التاريخ الأمريكي. وقد أعتبرت الوثيقة التي كتبها ويليام بن، وحملت عبارة: ((ليس هناك رجال يملكون التخويل، أو السلطة، حتى يتحكموا في ضمائر الناس، في الأمور الدينية))، أول تأكيد واضح، في التاريخ الأمريكي، على هيمنة (القانون الأساس)، على كل قانون آخر، يمكن أن تتم إجازته.
    كان الشعار الملازم للأستاذ محمود محمد طه، طوال حركته الفكرية، هو شعار: ((الحرية لنا، ولسوانا)). وقد قال الأستاذ محمود أيضا، في هذا المنحى، :
    (( ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، فضمان الحرية، هو دوام سهر كل فرد عليها)).
    وقد انصبت كثير من كتابات الأستاذ محمود على نقد ظاهرة رجال الدين، وأنها ظاهرة دخيلة على الفضاء الإسلامي. فهي، كما يرى الأستاذ محمود، ظاهرة ذات جذور يهودية مسيحية. وقد انتقلت إلى الفضاء الإسلامي، حين تحولت الدولة الإسلامية إلى مملكة، وأصبحت لرجال الدين وظائف في بلاط الملوك، الغرض منها الحفاظ على الأوضاع السائدة، وإعطاء تلك الأوضاع سندا دينيا. وما من شك، أن تهديد افكار الأستاذ محمود لهذا الكهنوت الدخيل الذي ظل مستمرا منذ العصر الأموي، هو الذي قاد رجال الدين عندنا، إلى السعي الدؤوب لإعدامه.
    أردت أن أشير، بكل ما تقدم، في قصة الكويكرز، ومحاكماتهم، إلى أن التاريخ الإنساني، متشابه. ونحن لا نزال نعيش، بهذا المعنى، في المرحلة الأدني في مسار حركة نمو الوعي. خاصة، فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في قضايا الخلاف الديني، وقضايا الحرية، والدستور، والحقوق. نحن لا نزال في المنطقة التي خرجت منها أوروبا، وخرجت منها أمريكا، قبل ثلاثة قرون تقريبا. ولابد أن ترسى بنا السفينة، في مجال كيفية التعامل مع قضايا الخلاف الديني، وكيفية إدارة الخلاف الفكري، في نفس المرسى الذي رسوا فيه هم قبلنا، بنحو قرنين، أو ثلاثة. ولا يعني هذا أنه لا فكاك لنا من أن يكون الغرب، مرجعيتنا في كل شيء. وإنما يعني فقط، أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي.
    مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها.
    هناك إتجاه، وسط بعض الناشطين الإسلامويين لكي يجعلوا من قضية الحقوق، قضية نسبية، تأخذ مرجعيتها، من المحيط الثقافي الخاص بالجماعة البشرية المعينة. وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا: ليس هناك مقياس عالمي موحد لحقوق الإنسان. ولذلك، لا يحق لبقية العالم أن يحشر أنفه في شؤوننا، فيما يتعلق بقضايا الحقوق. وكل هذه الإلتواءات التي يمارسها الناشطون الإسلامويون، القصد، الأول، والأخير منها، هو تكريس حالة مصادرة الحقوق القائمة في الفضاء العربسلامي. وهذه النسبية، التي تبدو مثل،(نسبية بلا ضفاف)، يمكن أن تجعل ـ على سبيل المثال ـ من استخدام القانون لمنع النساء، من قيادة السيارات، في بلد مثل السعودية، عملا مبررا، دستوريا، وقانونيا. كما يمكن، أيضا، أن تجعل من قتل الناس، بسبب أرائهم عملاً مبرراً أيضا!.
    نعم، هناك اختلافات فيما يتعلق ببعض الحقوق، بين ثقافة وأخرى. فقضايا مثل الإجهاض، والمثلية الجنسية، والزواج من نفس الجنس، (الجندر) على سبيل المثال، ستظل قضايا خلافية. وهي محل خلاف شديد، حتى في داخل الفضاء الغربي نفسه. غير أن الحقوق الأساسية، التي لا يكون الدستور دستوراً، إلا إذا تضمنها، تبقى أمرا عالميا، لا خلاف عليه. وحقيقة الأمر، فإن الإعتراضات على (عالمية) حقوق الإنسان، لا تاتي عادة، إلا من جانب البلدان العربية، والإسلامية، التي هي صاحبة أسوأ سجل في حقوق الإنسان!
    من الحقوق الأساسية التي لا خلاف عليها، (عالميا) حرية الإعتقاد، وحق التعبير عن الرأي، والدعوة للمعتقد، وحق التنظيم، وحق اختيار الحاكم، وحق عزله. قال أبو العلاء المعري، قبل قرون، وقرون:
    مُلَّ المقام، فكم أعاشر أمةًً، أمرت بغير صلاحها، أمراؤها
    ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوا مصالحَها، وهم أجراؤها
    فضرورة أن يكون للناس الحق، في انتخاب من يلي أمورهم، وحقهم في عزله، متى ما حاد عن خدمة مصالحهم، ليست مسألة غربية بحتة. كما أن حرية الضمير، والمعتقد، أمور كفلها القرآن أصلا، ولم يتركها لأهواء القابضين، على أزمَّة السلطة، والثروة. فقد جاء في القرآن الكريم: ((فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)). وجاء أيضا: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي)). وقبل هذا وذاك فالبداهة تقول، ليس من حق كائن من كان، أن يدعي أن الله قد منحه، تخويلاً بأن يقرر في صحة وبطلان عقائد الناس، إلى الحد الذي يمكنه به إهدار دمهم، وتجويز قتلهم. نعم، لم يجر تطبيق عملي للآيات التي سبق ذكرها، في الحيز العملي، عبر التاريخ الإسلامي. فالتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال، قد أقر الرق، الذي وجده ممارسا، كما أمر بقتل المرتد، بل وقتل تارك الصلاة. غير أن التاريخ الإسلامي، مشابه لتاريخ بقية الأديان الأخرى، على ظهر الكوكب. فالغرب المسيحي، لم يعرف كفالة الحقوق، إلا قبل قرنين، أو ثلاثة، فقط، كما تقدم. غير أن الغرب، تجاوز تلك المرحلة. وبقينا نحن فيها. وأسوأ من ذلك، أننا بدل أن نفهم الإطار التاريخي للحقوق، ونفهم من ثم ضرورة التطوير، أصبحنا ندافع عن قيم القرون الوسطى، وما قبلها.
    من أميز ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، هو التفريق بين أصول القرآن، التي تكفل الحقوق الأساسية، ولكن لم يتم تطبيقها في الماضي، وبين فروع القرآن التي لم تكفل كل الحقوق، وتم تطبيقها في الماضي كمرحلة إعداد نحو الأصول. ودعوة الأستاذ محمود، التي سوف لن يجد المسلمون منصرفا عنها، فيما أرى، إنما تؤكد على ضرورة نسخ الفروع، التي كانت محكمة منذ القرن السابع، وإحكام الأصول التي كانت منسوخة منذ القرن السابع.
    وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.
    الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، خاصة في نظر السواد الأعظم من الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف. ))

    انتهى كلام دكتور حمد وقد آثرت أن أعرض الجزء الأكبر من مقاله بنصه ودون تعليق منى لأننى أكاد أتفق معه فى معظم ما قاله .

    لقد نجحت المجتمعات الأوروبية والغربية فى التخلص من محاكم التفتيش وبقيت المشكلة فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية ،

    والسؤال هو كيف نتخلص نحن من أصحاب محاكم التفتيش عندنا ؟!! من أولئك الذين ينصبون أنفسهم أوصياء وقضاة يفتشون عما فى القلوب والصدور مع أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد وضع نهاية للوصاية على العقل البشرى والضمير الإنسانى حينما قال" أنتم أعلم بشئون دنياكم " ، وأيضا عندما قال لأحد الصحابه : " هلا شققت عن قلبه؟ " وكأن هذه العبارة الوجيزة البسيطة الواضحة لم تكن كافية فيجادل الرجل رسول الله قائلا:
    ـ يارسول الله ، إنه يخفى فى نفسه غير ما يعلن. ويجيبه رسول الله وخاتم النبيين:
    " إن الله لم يأمرنى أن أشق صدور الناس لأرى ما فيها".

    وكلمات الرسول صلى الله عليه وسلم هذه رغم يسرها وبساطتها إلا أنها تنطوى على مضمون ومعان تشكل فى جوهرها دستورا هائلا يحمى الضمير الإنسانى ويصون حريته فى الفكر وإعمال العقل ، وهذا التقدير لحرمة الفكر ورعايته من جانب رسولنا الكريم هو بحق نقطة إنطلاق الضمير فى شريعة محمد بن عبد الله ودينه الحنيف ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

    ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز:

    إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( الزمر ـ آية 7 )

    ثم اقرأ قوله تعالى لنبيه الكريم: ((اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)) ( الأنعام ـ آية 106 ، 107 )

    لقد أصدرت المحكمة الهزلية حكمها بالإعدام على المهندس الأستاذ محمود محمد طه ... على مناضل كافح الإحتلال الإنجليزى للسودان وزج به فى سجون الإحتلال قرابة ثلاثة سنوات ، على رجل مسالم لقبه معارفه وإخوانه بغاندى السودان، على شيخ كبير طاعن فى السن لم يملك من حطام الدنيا شيئا ـ ولا حتى عصا يتكأ عليها فى شيخوخته ـ إلا إيمانا عميقا وعقلا راجحا وبصيرة نافذة . ، ورفض المتصوف الزاهد الأستاذ محمود محمد طه أن يتراجع عن أراءه ويقدم إلتماسا بالعفو عنه إلى الرئيس نميرى الذى أخذته العزة بالإثم فتكبر واستكبر ورفض جميع النداءات والتوسلات من جميع دول العالم بأن يرفض التصديق على حكم الإعدام الذى نفذ فى صباح الثامن عشر من يناير عام 1985 . قتل الأستاذ محمود حتى يكون عبرة لغيره من المعارضين كما جاء فى حيثيات الحكم الهزلى لمحكمة المهداوى الهزلية . الشيخ المتصوف المسلم المسالم قتلته السياسة .

    وأحدث خبر إعدام الأستاذ محمود محمد طه البالغ من العمر ستة وسبعين عاما صدمة وردود فعل مدوية فى جميع أرجاء العالم ، ولأن ربك بالمرصاد لكل طاغية جبار فهو يمهل ولا يهمل تشاء الحكمة والإرادة الإلهية أن يهب الشعب السودانى بعد مرور ستة وسبعين يوما بالتمام على إغتيال الشهيد محمود فى انتفاضة عارمة أطاحت بالرئيس السودانى جعفر النميرى ونظامه الذى استمر فى حكم السودان نحو ستة عشر عاما ويفر النميرى خارج البلاد ... إلى أين؟ إلى مصر ليعيش فيها كلاجئ سياسى ينعم بالأمن والأمان!!! ... مصر التى رفض النميرى طلب رئيسها حسنى مبارك ونداءات ومناشدات أحزابها السياسية بالإبقاء على حياة الشهيد الأستاذ محمود محمد طه .

    وفى عام 1986 ترفع إبنة الأستاذ محمود محمد طه دعوة قضائية لإبطال وإلغاء حكم الردة الصادر ضد أبيها ، وتصدر المحكمة العليا فى السودان حكمها ببطلان محكمة المهداوى من أساسها ، ولكن جاء الحكم متأخرا وبعد فوات الأوان!!

    ويرحم الله الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور حين قال في "مأساة الحلاج":

    ليس الفقر هو الجوع إلي اللقمة
    والعُري إلي الكسوة
    الفقر هو القهر.
    نعم الفقر هو القهر . . وظلم الإنسان لأخيه الإنسان

    فلينكسر السيف الأموى الباطش المسلط على رقاب العرب والمسلمين . نحن ياسادة فى القرن الحادى والعشرين. *

    _________________
                  

04-21-2008, 04:18 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    http://rufaaforall.com/board/showthread.php?t=4710&page=2


    سكران سكر هوى وسكر مدامة *** فمتى إفاقة من به سكران ؟!

    حاولت أن امتنع من الكتابة خصوصا هذه الأيام ... أيام نزيف مطر الحزن ! غير أن عواصف عنيفة تنطلق بسرعة التضاعف الأسى , ثم تدور دورتها الكاملة ذات الشكل الحلزوني حول القلب محدثة الصفير الشبيه بنعيق البوم ,البوم المتنازع عليه بين طائر الشؤم وشعار الحكمة .. كيف لا والذكري الـ 21 لشهيد الفكر تمر هذه الأيام والوجود يحن حنينا لتلك الإلمامة التي أنتصب فيها (محمود ) واحدا فردا صحيحا مستقيما غير قابل للانقسام مفارقا الثنائية خارجا من الزمن خروج العصفور من بيضته بغير رجعة .. وإن كان من صورة لهذا المشهد فتلك الابتسامة التي مزقت عرش الطاغوت وأزالت غشاء الانقسام بين لسان الحال والمقال , وأخبرت الناس عن " طلعة الحر " كما قال قائلهم :
    (( تمنيت علي الزمان محالا *** أن تري مقلتاي طلعة حر ))
    أخي عاطف الحاج والغريب في الأمر ونحن نتأمل في قصيدة " الحزن النبيل " ـ في الوقت الذي كادت أيامنا أن تكون خالصة لهذا الحزن النبيل ــ يطلب مني صديقي الأديب جبير بولاد قصيدة له بعنوان " ثورة الطين " قد افتقدها في إحدى الخرائب التي مر بها عبر مسيرة ( التيه ) والتشريد التي تعيشها المفردة السودانية ... واستعنت بـ " لا إله إلا الله " وهو معي منذ زمن طويل لإيجاد ثورة الطين بعد أن نفخت في مواعيني فبدأت الأحزان وبدأ جبير بولاد في الغليان ..

    حاول أن تنسي
    كل الخرائب التي مررت بها
    ووضعت فيك شيئا من سرها
    .....
    ....
    ...
    ..
    فقدم قرباناً بقامة الشمس
    على منصة الوطن الباقي بداخلك
    دهوراً من النحاس
    وحرر صوتك المبحوح والمشنوق
    برماد الرصاص
    لتخرج المفردات من هودجها
    ولتعلن سفورها الرموز
    وتضج المحاريب والمقاهي البهية
    وتعود روحك من دهاليزها اللولبية
    .
    وكما قلت سابقاً الشعر يهبط مثل الوحي ولعله مبني على حضور الشاعر وحالته الوجدانية ... لذلك تجدني أقول في ثورة الطين مثل قولي في الحزن النبيل . فحروفهما في تصوري دائما ما تعبر عن الحالة العدمية أو العبثية أو ان شئت قلت الحالة التي يكاد يتوقف عندها الزمن ...! بمعنى رؤية الطريق واضحا بغير ضبابية من بدايته إلى نهايته , وهنا تكمن المشكلة حيث تنعدم الاحتمالات التي يمكن لها أن تفضي لغير العبثية ولغير تلك العدمية !
    وهذا هو الذي يجعل ...
    ( عقلك واقف كحذاء قديم
    يئن من عطش التساؤلات ؟! )
    وكما أورد الأخ أمير الملاحظة الذكية للشاعر أزهري من حيث أن القصيدة ابتدأت من نهايتها حيث لا فرق فالنهاية هي البداية , فالأمر يتكرر نفسه في ثورة الطين من البداية إلى النهاية هكذا :
    ( حاول أن تنسي ..........
    لتخرج المفردات من هودجها
    ولتعلن سفورها الرموز
    وتضج المحاريب والمقاهي البهية
    وتعود روحك من دهاليزها اللولبية )
    وتجدني في حاجة لكي أكرر قولي عن مصداقية كل من صلاح حاج سعيد في " الحزن النبيل" , وجبير بولاد في " ثورة الطين " فالشاعرين في الحالتين ساقتهما تلك المصداقية إلى ( الحزن المقيم ) على مداخل وادي الصمت الأكبر المطل على بوابة العدمية المزركشة بالعبثية القحة للوجود .
    وهنا تتداخل عندي المعاني ...
    ( وتسقط كورقة جافة
    تتسلل عبر مسام الغرفة
    تخترق صمت الدواخل
    تتهادى في الهواء
    تتمدد منتحرة
    ووجه الأرض مأخوذ باللا معني )
    ثم تمتزج مع ..
    ( أهوه نحن في الآخر سوى ..
    باعنا الهوى...
    ماشين على سكة عدم !! )
    لن أسمح لنفسي بالمزيد فحديثنا مع صديقنا الأديب جبير بولاد صاحب " ثورة الطين " لم يجف بعد !
    وإن كان من ختام فلا بد من التطهر من السكر الذي كان ؟!
    على الرغم من أن السكر هنا درجة رفيعة غير أن أعظم من تلك الدرجة هو قول شيخ الطريق أبو القاسم الجنيد :
    تطهر بماء الغيب إن كنت ذا سر وإلا تيمم بالصعيد , وبالصخر

    مع جزيل شكري لصاحب البوست والأخت غزلان وبقية أهل الإبداع ,,,

    المحترق
                  

04-21-2008, 04:29 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أكد أنه لم يفت باهدار دم محمود طه وأنه ضد الاغتيالات وقتل المرتدين
    حسن الترابي: لم نجن سوى المرارة من انتصار مجاهدي افغانستان

    جولة وتصوير: بدر الغانمي (10)
    نفى الدكتور حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي علاقته بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 95م او ان يكون قد اهدر دم محمود طه الذي أعدمه الرئيس جعفر نميري بسجن كوبر عام 1985م.واوضح في الجزء الثاني من الحوار أن شباب الدفاع الشعبي علموا الجنوبيين ان الجهاد ليس قتل الاخر منكرا ان يكون قد افتى بعدم شهادة قتلى الدفاع الشعبي متسائلا كيف افتي بذلك وأخي معهم شهيد؟وابدى تخوفه من الانتخابات المقبلة وقال ان الاجتهاد مفتوح لجميع ابناء الامة رادا على الذين قالوا ان عودته للسياسة اشبه بدخول الجمل سم الخياط بأنه «زول موحد».سألت الدكتور حسن الترابي عن فتاواه التي لامست الخطوط الحمراء فقال «أنا لا أصدر فتوى وانما اعبر عن رأيي فقط، واشار الى انه لم يخالف النصوص القرآنية، وان نص القرآن الذي حرم زواج المسلم من المرأة المشركة، كما حرم القرآن زواج المرأة المسلمة من مشرك اما الاية التي تتحدث عن زواج المسلم من كتابية فقد اباح القرآن للمسلم الزواج من كتابية وقال «ان الاية القرآنية لم تذكر شيئا عن زواج المسلمة من اهل الكتاب. وما عدا ذلك فهو تأويل»

    حول شهادة المرأة قال الترابي ان الآية التي وردت في هذا الشأن تتحدث عن تحميل وتحرير وتوثيق الشهادة عندما يكتب العقد «رجل وامرأتان» مشيرا الى ان وزن الشهادة عند القاضي لاتعتمد على ان الشاهد رجل ام امرأة لانه اذا كان الشاهد رجلا اشتهر بالكذب اسقط القاضي شهادته واذا كانت المرأة عالمة وخبيرة بموضع الشهادة واعطى القاضي وزنا اكبر لشهاداتها من شهادة الرجل الكاذب وقال الترابي ان القاضي يزن الشهادة حسب عين الشاهد بغض النظر عن جنسه امرأة كانت او رجلا وفيما يلي استكمال نص الحوار:
    اخي شهيد
    يؤخذ عليك يادكتور منذ المفاصلة الشهيرة عام 99م اتجاهك نحو التضاد مع الحكومة لدرجة توقفك امام اخفاء وصف الشهداء على قتلى الجيش والدفاع الشعبي؟
    - هذا ليس صحيحا وما قلته ان بعض الحكام منذ قدم الاسلام يبعثون الناس بشعار الجهاد وهم لايقصدون الجهاد بل يصرفونهم لانهم يحاذرون منهم على سلطانهم فمثل هؤلاء المجاهدين يشعل حماسهم في قواتنا المسلحة بأنهم يحبون الموت وانهم شهداء ولهم الحور العين ولكن المرء يموت بنيته ولايموت بنية من ارسله وهؤلاء الشباب الذين قتلوا واستشهدوا في الجنوب متعلمون وكانوا لايقاتلون قتالا شرسا فقط بل كانوا يعلمون الجنوبيين وكان الجنوبيون يقولون لنا ان هؤلاء الشباب اذا انتصروا علينا لا يزنون بنسائنا ولا يأخذون سلعنا ويرعون اطفالنا واعراضنا واذا وجدوا عندنا قليلا من متاع لايأخذونه اصلا بل على العكس فقد كانوا يقتسمون معنا طعامهم بعد ذلك ونحن اسرى عندهم ومهزومون فهؤلاء علموا الناس ان الجهاد ليس قتل الاخر كما فعلت الجيوش في العراق وفي اوروبا حيث كانت تحرق النساء وتباد المدن الكاملة.. فالمجاهدون كانوا من افضل الشباب وكيف اقول هذا واخي شهيد معهم ولكنني كنت اقول ان ايات الشورى توجد في قلب ايات الجهاد ونحن نجاهد لنقيم الشورى لا الطغيان ونجاهد لمنع الربا والغرب لايريد لنا ذلك وفي ظل الاندفاع بهذه القوة ما هو المنهج الذي نقاتل لنقيمه مكان المنهج الفاسد.. لماذا نريد ان نقاتل.. ماذا سنبني.. ما هو البديل؟ هذا ليس للمجاهدين في السودان فقط بل لكل مجاهد في العراق وافغانستان ولدينا الان مجاهدون في كل اصقاع الارض وانا لا اتهم نياتهم وصدقها، ولكن تبين لنا في افغانستان بعدما انتصروا أن النتائج المريرة.
    الفقه غائب
    لقد قالوا انهم ركزوا على اقامة الخلافة الاسلامية ففشلوا؟
    - لا.. لانهم لايملكون الفقه في كيفية ان نسوس حكمنا.. وكيف ندير حياتنا العامة فهم لايعلمون ما هي البطالة والعملة والتضخم والتجارة العالمية والعلاقات مع العالم.. القضية ليست ان هذا كافر فأقتله او يقتلني فأستشهد.. الان هناك كرة قدم العالم مفتون فيها.. هناك موسيقى وسياحة وأمم متحدة ومنظمات عالمية ودول تتقارب وسوق مشتركة.. مشكلة شيوخنا وكتبنا كلها السبت المقبل:
    المرشح الشيوعي يتمنى زيارة مكة والحزب يتخفى وراء الاسماء الحركية انها لاتعلمنا الا الحفظ وسماع الكلام.. عندما كنت اذهب للحج اسأل الكثير من الحجاج.. ماذا تعني كلمة صفا ومروة فيقولون: لاندري، كيف نفعل اشياء لانعرفها ونريد ان نرجع كيوم ولدتنا أمهاتنا؟
    يا أخي الكريم ثقافتنا الدينية متخلفة ولذلك انتجت أمة متخلفة ولما نهض العرب بدينهم اثمر ذلك ثقافة دينية شهدتها اوروبا واستفادت منها ولكن اين نحن منها الان.
    الاجتهاد للجميع
    هل هذا هو دور العلماء الغائب أم دور المؤسسات التعليمية؟
    - لا هو دورنا جميعا يجب ان نجتهد بعقولنا ونتبين وانت قد تعطي قليلا والاخر ضعفا ولكن النتاج النهائي يكون مثل اسهم الشركة الكل يتقوى بالاخر وعلينا ان نعترف بعللنا وعقدنا ونواجهها كأمة لا ان نتركها لبضعة افراد ونحن بحاجة لنموذج اسلامي متعاف ووقتها سنقبل عليه راغبين وسيأتيه الغرب كارهيا وخائفا ولكن لما فشلنا في تطبيق الحكم والاقتصاد والعلاقة مع الاخرين فشل النموذج ولا اقول انني لست مسؤولا عن ذلك فكل واحد مسؤول ولكن بعض الناس يحملون أثقالهم واثقال الذين يضلونهم.
    السؤال الاهم.. هل استفدنا من التجارب الفاشلة لبناء نموذج ناجح؟
    - بدون شك وكل تجربة ستأتي ستتلافى اخطاء الذين سبقوهم ونحن ان اخطأنا فسيبدل الله سيئاتنا حسنات لاننا بذلك سنصبح هادين لمن يأتي بعدنا فلا يرتكب اخطاءنا ويتقيها
    الانتخابات الرئاسية قادمة.. فهل ستدخلون فيها؟
    - اهل السودان يرتابون من هذه الانتخابات فالجنوب الان مضطرب جدا ومازال عدد كبير من النازحين عن قراهم ومدنهم لم يعودوا اليها والانتخابات تشترط ان تنتخب في موقعك الذي تسكنه وليس هناك ادارة مدنية لهذه الانتخابات من قضاة وشرطة لادارة هذه الانتخابات اضف الى ذلك ان دارفور لم تستقر بعد وفيها مشاكل أمنية كثيرة والناس مازالت في معسكرات وهذه مشاكل علمية.
    والامر الآخر الناس يقولون ان هذه ليست سلطة عادلة ونحن نعلم ان انتخابات العالم العربي تديرها السلطات واجهزة الامن ويمكن ان تعتقل من يخالف وقد يمنعونك من حضور ندوة لاحد الاحزاب وقد يضلونك عن طريق لمدة ساعتين كما فعلوا بنا في كردفان فالمساواة في الفرص غير موجودة والعدالة في الادارة غير مطمئنة ولا اقول لك من الان اننا لن نشترك فالنية موجودة ولكن الحكومة عندها اغلبية تلقائية حتى في طرح قانون الانتخابات بنسبة 52% واظنك فهمت قصدي.
    تدوير الانتخابات
    ولماذا طرحت فكرة تقليص الاحزاب؟
    - لان السودان كله يصوت للاحزاب في كثير من دوائره فأنا عرضت فكرة ان تكون بعض الدوائر للمرشحين وبعضها للاحزاب واردنا ان نخلط بين الاثنين لنعيد السودان لما كان عليه من تجمع.
    هناك من قال أن حلمك في العودة الى السياسة مرة اخرى اشبه بدخول الجمل من سم الخياط؟
    - يا اخي اولا انا «زول» موحد لله وتوحيدي ليس الاب والابن والروح القدسي وانما التوحيد ان الحياة كلها منهج واحد وسور القرآن كلها موصولة والمؤمن يصلي ويصوم ويذهب ليقاتل ويشارك في الانتخابات، وانا لن اميز ما فعله المسلمون عندما ادخلوا علينا الاتراك فهذا لله وهذا ليس لله وهذا معهد ديني وهذا مدرسة وانا لا اتكلم عن رغبة في مناصب بالدولة.. والناس احيانا يقولون عني بأنني رجعت للافتاء عندما اطرح اراء اجتهادية بشأن المرأة ومنذ ان كتبت في شؤون الصلاة والحج والسياسة وغيرها فانني اتكلم بلغة دينية
    النميري قتل طه
    دكتور حسن الترابي الذي اهدر دم محمود طه واتهم بأنه كان وراء محاولة اغتيال الرئيس مبارك يواجه الان موجة من التكفير والتسفيه لارائه من قبل الثائرين عليه وقد يحاكم.. كيف ترى نفسك في هذا الواقع؟
    - الكلمة الاولى التي بلغتك كاذبة ولا اساس لها من الصحة.. فأنا اعرف الرجل منذ نشأته واسرته ولم ارد عليه طيلة حياته ولم افت بقتله بل ان الذي قتله هو الرئيس جعفر نميري عندما خرج من السجن وادعى انه المسيح عيسي عليه السلام وعندما انكر عليه المنكرون قال ان الاسلام هو الرسالة الثانية وفي اخر ايامه انكر وحدة الوجود فأقيمت له محكمة استثنائية وانا ضد المحاكم الاستثنائية وضد مبدأ قتل المرتد منذ اكثر من اربعين عاما فالقرآن يكلمنا في عشرات الايات «الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا» وهذا حديث خطير أشرحه للناس دائما فكل يعمل على شاكلته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر واذا ضغطت بالخوف لانه ارتد فأنك تحدث نفاقا والنفاق في الدرك الاسفل من النار وهذا لايجوز دينا.
    ولكنك وصفت المشروع الاسلامي في السودان بأنه مرتد؟
    - اتكلم هنا عن لغة عربية ارتد يا أخي اي ذهبت الى الباب فارتددت حتى كلمة كفر يعني غطى والكفر درجات بل حتى استخدام كلمة «زنديق» وهي كلمة فارسية ليست بالعربية لا يتناسب مع الكفر ودرجاته.
    انا ضد الاغتيالات
    لم تجبني بما ينفي تهمة محاولة اغتيال الرئيس مبارك؟
    - لو وضعت امام محكمة فلابد ان اتحدث في الحقائق واقول الشهادة ولكن كظواهر لايجوز قتل الاشخاص بهذا النهج حتى للاسلامي المخلص فأقول له لن تخدم قضية الاسلام بأن تقتل واحدا ليأتي خلف له ويثأره وبدمه يقتل منك الالاف ويعيث في الارض فسادا.. وانا ضد الاغتيالات عملا وشرعا وواقعا.
    لاتمييز ولا تعطيل للعقل
    الكثيرون يرون أنك تخلط الشيء وضده في احاديثك وفتاواك؟
    - أنا الى يوم القيامة لن أميز بين سياسة وفن ورياضة وصلاة وبين اي شيء في الكون لانها كلها عبادة لله سبحانه وتعالى.
    وعندما قال ربنا لمزامير داود «يا جبال اوبي معه؛ يعني اصداء اناشيده تأتي من الجبال فتؤوب اليه والاحباش عندما لعبوا فلكلورهم في المسجد لم يأت من يقول هذا صوت الشيطان والرسول صلى الله عليه وسلم يحمل السيدة عائشة لتشاهد ذلك فما يقال هذه الايام كلام فارغ.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان امينا وصادقا ولكن عندما جاءهم بفكر غريب عليهم قالوا ساحر فنفعته هذه الرعاية امام العالم «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواهم والله متم نوره ولو كره الكافرون».. واذا اراد الله نشر فضيلة طويت اتاح لها لسان حسود.
    هل ترفض مناقشتك في فتاواك وارائك في بعض الاحيان؟
    - لابدون شك وعندما يتكلم الانسان الان في الاعلام يمكن لأي شخص ان يضرب لي بالتليفون فيسألني هل صحيح انك انكرت الحجاب مثلا فأساله هل تقصد بها الستارة الموجودة بغرفة النوم ام الحجاب الذي تلبسه المرأة ام هو الخمار الذي تضعه على رأسها لكنهم لايتصلون انما اسهل شيء يفعلونه ان يقولوا هذا زنديق ولكن لو قلت هذا الكلام وكنت سلطانا عليهم وفعلت بهم الافاعيل فلا يجرؤ احد على مجادلتك او الحديث معك والحقيقة ان هؤلاء لايشغلونني ولايؤثرون على فتواي والحقيقة ان الذي يصنع تاريخ الشعوب فسادا او اصلاحا والذين يهمونني كمخاطبين هم هذا العدد الضخم من الناشئين والشباب والكهول الممتدين في عالمنا الاسلامي المستجدين في دينهم وعرضة للغزو الثقافي واللغوي والتلفزيوني فأنا اتحدث مع القوى الفاعلة وقبل 30 سنة قالوا عني زنديقا ولكن بعد 25 سنة من ذلك اكتشفوا في كتاب ما لابن القيم ان فيه نفس القول الذي قلته فقالوا هذا يجوز لاننا وجدنا لابن القيم كتابا وبعض الناس هنا يقولون نتخاطب مع بعض هؤلاء فنقول لهم قال ابو امامة وأمامة ابنتي. الحسن بن عبدالله رضي الله عنه كذا فيمضي الكلام لانهم يحسبون انه قديم ولكن لو قيل لهم انه الحسن بن عبدالله الترابي لقالوا كلام زنديق ومنكر وللاسف ان الكثير في عالمنا الاسلامي ضيقوا مساحة العقل ولو خير الانسان بين يديه ورجليه او عقله فانه يختار عقله لانه يستطيع ان يعبد الله به فكيف يأتي من يقول ان العقل معطل امام النصوص
    البضع ليس الكل
    اتهمت جل من في السلطة انهم فاسدون الا قليلا.. من هم هؤلاء القليلون؟
    - انا اقصد السلطة السياسية طبعا وانا عادة لا احب ان اتحدث عن اشخاص بل عن ظواهر فأقول ان هناك بضعا في المائة فساد في الخدمة السياسية فغضب الكثيرون غضبا شديدا فأوضحت لهم ان البضع بين الثلاثة والتسعة ولكن بعض الناس قال ان الترابي يقصد العكس وانها 90% فماذا افعل لهؤلاء.

    http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070606/Con20070606116099.htm
                  

04-21-2008, 04:34 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بمناسبة انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
    من تاريخ الاتحاد: الصراع بين دستوري التمثيل النسبي والحر والمباشر
    خطاب الأستاذ محمود محمد طه إلي السكرتير الثقافي للاتحاد دورة (1979م)
    د. محمد محمد الامين عبد الرازق
    تمهيد:
    الدستور كلمة فارسية تعني القاعدة التي يجب أن يسير عليها الناس.. والاساس الذي ينبني عليه الدستور هو كفالة الحقوق الأساسية لجميع المواطنين دون تفريق بينهم بسبب العقيدة أو اللون أو الجنس.. والحقوق الأساسية هي حق الحياة وحق الحرية.. وهي حقوق يهبها الله للانسان منذ أن يولد ولذلك لا يحق لاحد أن يسلب اخر هذه الحقوق في شرعة العدل، فهي كالهواء منحة معطاة كحق أساسي مقدس.. واي دستور لا ينص علي هذه الحقوق في مواده بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ليس بدستور علي الاطلاق وانما هو تزييف للدستور وتسويغ لنزوات الأفراد في الحكم المطلق والتسلط علي الاخرين.. والقانون المنسجم مع الدستور هو القانون الذي يحمي الحقوق الأساسية للافراد ويحفظ الأمن للمجتمع في أن واحد.. فالقانون الدستوري يصادر حرية من يتعدى علي حريات الاخرين.
    السند لهذا المفهوم للدستور انما يلتمس في اصل اصول القران في اقرار مبدا المسئولية الفردية امام الله.. قال تعالى (ونرثه ما يقول وياتينا فردا) وقال (ولا تزر وازرة وزر أخرى).. ولما كان الإنسان مسئول ومحاسب بصورة فردية بهذه الدقة فقد اعطى القران في اصوله الحرية كاملة للانسان لكي يتصرف ويتحمل مسئولية تصرفه امام القانون، ثم دعم الفرد بالمنهاج التربوي ليستخدمه بعقله ويستعين به من اجل زيادة حسن التصرف.. والآيات التي اسست مبدأ الحرية نزلت في مكة (وقل الحق من ربكم ممن شاء فليؤمن ومن شاء فيلكفر) (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر)..الخ. ذلك هو المفهوم الحديث للدستور وهذا هو السند من الاسلام، اصول القران.. وهذه الاصول لم يتحملها المجتمع الجاهلي فتأمر المشركون علي حياة النبي الكريم وقرروا أن يقتلوه وبالتالي انتهكوا الدستور وتعدوا علي حقوقه الأساسية.. ومن ثم نسخ الدستور ونسخت الايات المؤسسة له واستبدلت بايات الوصاية المدنية (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقامت الشريعة الإسلامية علي الجهاد لاخضاع الخارجين علي الدستور والقانون من المشركين بالسيف.
    اذن الاسلام أسس مفاهيم الحقوق الأساسية من قبل أن يعرف الناس شيئا عن هذه الحقوق.. ولكي نكون واضحين فان الشريعة الإسلامية التي طبقت في القرن السابع في المجتمع الجاهلي تتعارض مع الدستور الإسلامي الذي ارست مبادئه ايات الاصول الملكية، وذلك لان الشريعة قامت كما اسلفنا علي ايات الفروع المدنية لان البيئة الاجتماعية المتخلفة حينها رفضت مبادئ الدستور الذي يريده الاسلام في اصوله..
    تاريخ الاتحاد:
    الصراع بين الطلاب حول مقاعد اتحاد الجامعة كان محصورا أو يكاد بين الاتجاه الإسلامي (الاخوان المسلمون) والجبهة الديمقراطية (الشيوعيون) وكانت الانتخابات في الستينات تحكم بدستور 1957م وهو دستور تمثيل نسبي لا يسمح للتنظيم الواحد باكثر من نصف مقاعد المجلس الاربعيني الاتحاد.. وكانت التنظيمات تحرس حقوقها من بعضها بوجودها الممثل حسب النسبة التي تحرزها.. واستمر الحال هكذا إلي أن قامت مايو 1969م بدعم من اليسار السوداني.. فحلوا الاتحاد واقاموا سكرتارية الجبهات التقدمية بدلاً عنه، وكانوا يرددون عبارة (لن تكون الجامعة جزيرة رجعية في محيط ثوري هادر).. وبذلك انتهك الدستور وصودرت حقوق الطلاب بغير حق من جانب الشيوعيين.. بعيد ذلك ضربت مايو الشيوعيين وابعدتهم عن الساحة السياسية، واشتعلت الحركة الطلابية تبحث عن اتحادها الضائع، فاستغل الاخوان المسلمون هذا الوضع فاستبدلوا دستور 1957م (التمثيل النسبي) بدستور 1973م (الحر المباشر) ودستور الحر المباشر يختلف عن دستور النسبي في انه يعطي جميع مقاعد الاتحاد للقائمة الفائزة وليس هناك أي فرصة للتنظيم الذي ياتي في المرتبة الثانية.. وبالرغم من أن هذا الوضع يبدو اكثر ديمقراطية من التمثيل النسبي إلا أن الاخوان المسلمين اسستغلوا فوزهم بجميع المقاعد وحرموا بقية التنظيمات من حقوقها الدستورية التي يكفلها دستور 1973م نفسه، فهم لم يعترفوا بالتنظيمات السياسية واستغلوا اموال الطلاب لمصلحة تنظيمهم فقط ووظفوا الندوات والمواسم الثقافية لقياداتهم داخل وخارج السودان لطرح برامجهم وافكارهم هم فقط في انتهاك صارخ لحقوق الطلاب الذين لا ينتمون اليهم.. واوضح مثال لذلك مجلة الجامعة التي تصدر بتمويل من الاتحاد، فانت لا يمكن أن تجد فيها قط أي رأي لكاتب يخالف افكار واراء جماعة الاخوان المسلمين واذيالهم من السلفيين.. الم ينقلوا هذا الوضع السيئ إلي الساحة العامة بعد استلامهم السلطة في التسعينات؟
    التمثيل النسبي:
    من عمق هذه الاوضاع المأسوية التي تبادل في افرازها علي الساحة الطلابية تنظيمي الاخوان المسلمين والشيوعين، برزت فكرة تعديل دستور الحر المباشر إلي التمثيل النسبي.. وذلك لضمان الحقوق بحصر القائمة الفائزة في نصف مقاعد مجلس الاتحاد كما كان الحال في الستينيات.. تصدرت رابطة الفكرة الجمهوري الدعوة، واستطاعت اقناع التنظيمات واقناع القاعدة الطلابية بالفكرة، تم ذلك بعمل مكثف في اركان النقاش اليومية صباحاً ومساءا، بالمركز والاطراف بقيادة الأخ احمد المصطفى دالي ومن خلفه قيادات الجمهوريين بالجامعة اسماء محمود وعمر القراي وغيرهم.. تجمعت التنظيمات الآتية في قائمة واحدة حول الفكرة: (الجبهة الوطنية، جمعية كفاح الطلبة، الجبهة الوطنية الافريقية، الجبهة الديمقراطية، الطلاب الاتحاديون الديمقراطيون، التنظيم الناصري، مؤتمر الطلاب المستقلين ورابطة الفكر الجمهوري).. النسبة المطلوب احرازها للتعديل هي ثلثي مقاعد المجلس الاربعين.. ثم كثفت الدعاية الانتخابية، واخرج الجمهوريون لوحات علقت في جميع أنحاء الجامعة تقول: (اسقطوا الاخوان المسلمين لانهم: 1/ خرقوا الدستور وزوروه 2/ استغلوا اموال الطلاب لمصلحة التنظيم 3/ لم يعترفوا بالتنظيمات السياسية).. ونتيجة لهذا المنطق القوي والعمل المكثف تحققت نسبة تصويت هي الاعلى في تاريخ الاتحاد.. وفازت قائمة قوى تمثيل النسبي بالنسبة المطلوبة لتعديل الدستور وهي 28 مقعداً.. وكان المفترض أن يعدل الدستور ويعرض للقاعدة للاستفتاء، ومن ثم يصبح نافذاً.. هذا حسب البرنامج الانتخابي وعندما تمت المدة المتفق عليها للتعديل وهي شهران، خرج الطلاب الجمهوريون من الاتحاد بتقديم الاستقالة حسب البرنامج الانتخابي المتفق عليه، إلا أن بقية التنظيمات رفضت الخروج وتنصلت عن برنامجها الذي فازت علي اساسه، واتت بحجة جديدة وهي أن دستور 1973م اصلاً غير شرعي ويجب العمل مباشرة بدستور 1957م دون استفتاء.. فاحتل الاخوان المسلمون مكاتب الاتحاد بعد ذلك متمسكين بشرعية دستورهم المفضل 1973م.. هذا ودعم كل فريق موقفه بفتوى قانونية من مجموعة من المحامين الموالين له.. حدثت بعد ذلك فوضى اغلقت علي اثرها الجامعة ومن ثم اجهضت الفكرة واستمر دستور الحر المباشر قائماً إلي يومنا هذا..
    يجدر بنا أن نقف هنا عند حادثة مؤسفة، وهي الاعتداء الجسدي الذي تعرض له احمد المصطفى دالي من مجموعة من الاخوان المسلمين غداة سقوطهم الشنيع في الانتخابات.. فقد اعتدى عليه من تدربوا علي الكارتيه بالأيدي والاحذية العسكرية الثقيلة وسببوا له الاذى الجسيم بطريقة همجية غادرة لا تمت للخلق الديني بصلة.. وكانوا لا يتعرضون لمن يصدهم من الجمهوريين ويمضون في تكثيف الضرب على الأخ دالي، فكأنهم تعمدوا التصفية الجدسية مع سبق الاصرار.. هذا وقد علق الأستاذ محمود علي هذه الحادثة بقوله: (الحصل لدالي في الجامعة دا هو اقصى ما وصلنا ليهو في دعوتنا).. والحقيقة أن الأخ دالي هو اقوى من صوب سهام الفكر المسدد تجاه قائمة الاتجاه الإسلامي فألحق بها الهزيمة الساحقة، وهو أيضا أول من تلقى الغدر والعنف الجسدي من جراء ذلك.. وعلى هذا يمكن القول أن الأخ دالي حقق المشروع علي الواقع ثم فدى جموع قائمة التمثيل النسبي من اثاره غير المحتملة، ولم يستكين وإنما عاد في اليوم التالي والجبيرة علي وجهه، ليدير الحوار الموضوعي الهادف..
    خطاب الأستاذ:
    عندما شعر الاخوان المسلمون بقوة منطق الجمهوريين في ادانتهم بعدم إحترام التنظيمات الفكرية، والاعتراف بها، دبروا خطة لاضعاف ذلك المنطق، فوجهوا الدعوة للأستاذ محمود محمد طه للاشتراك في الموسم الثقافي الذي اقاموه قبيل الانتخابات كدعاية انتخابية، واحضروا له قادتهم من خارج السودان مثل راشد القنوشي من تونس.. وهم لم يفعلوا ذلك طيلة الست سنوات التي سيطروا فيها علي الاتحاد منذ عام 1973م.. وصلت الدعوة للأستاذ محمود بخطاب من السكرتير الثقافي فرد عليه الأستاذ بالخطاب التالي الذي اطاح جملة وتفصيلاً بأمانيهم وكان (قاصمة الظهر) لاحلامهم، وفعل الخطاب فعل السحر في نفوس الطلاب فصوتوا بهدوء واطمئنان لقائمة التمثيل النسبي فكان الفوز.. فالي الخطاب:-
    ام درمان في 17/9/1979م
    حضرة السكرتير الثقافي لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم
    المحترم.. تحية طيبة
    أما بعد،،
    فقد وصلتني دعوتكم للمشاركة في موسمكم الثقافي، وعليها اشكركم.. فالفكرة الجمهورية فكرة سودانية المواطن، وهي فكرة اصيلة، لا ضريب لها في الفكر الإسلامي عبر تاريخ الاسلام الطويل، ولها إلي ذلك تاريخها وانجازها في تربية شبان وشابات، ويجري الآن علي ايديهم دور عظيم وفريد في تاريخنا المعاصر.. دور نشر الوعي الإسلامي بين جماهير شعبنا عن طريق الحوار المفتوح، والموضوعي والامين والشجاع في المنابر الحرة التي تقام في الميادين العامة، في المدن المختلفة، وفي الجامعة.. هذه الفكرة، أو هذه الظاهرة -ظاهرة المنابر الحرة- جديدة كل الجدة، وبخاصة عندما نعتبر أن الحوار في الدين تجريه الفتاة السودانية في هذه المنابر الحرة.
    وقد لفتت الفكرة، وظاهرة الفتاة السودانية التي تظهر بهذه الشخصية، وهذا العلم العظيم نظر كثير من الرواد الاجانب، واكتسبت احترامهم، وتقديرهم.. ومع ذلك فان الفكرة لا تجد في الجامعة تحت قيادة تنظيمهم إلا كل تشويش وتشويه وتشهير، ومهاترة، وعداوة تتنافى مع روح العلم، والبحث الحر المخلص.. ثم انكم تمضون في البعد عن روح العلم، والبحث المخلص فتدعون اعداء هذه الفكرة ليزيدوكم لها عداوة، وعنها تضليلاً.. وتودون في دخيلة انفسكم أن تكون هذه الدعوة باطلة، وهذه الدعوى زائفة، ومخطئة..
    وقبل اسبوع كان أحد مرشديكم يحاضركم ويصر في غير موضوعية ولا علمية علي دمغى بالكفر، وكنتم انتم تهللون وتصفقون وتتضاحكون..
    لقد مارست الحديث في الجامعة مرات عديدات، فلم استطع أن اشعر بالاحترام لها.. بل شعرت إنها تحت قيادتكم تنخفض عن المستوى المرجو لها من حيث الجدية، والعلمية، وحرية الفكر والبحث وتتورط في غوغائية مؤسفة..
    انني استغرب: ما الموجب لدعوتكم هذه اياي لاتحدث إليكم ولضيوفكم؟.؟ أما كان الاجدر بكم أن تدعوني، ومنذ زمن بعيد، كنتم خلاله تدعون معارضي، والمشوهين لدعوتي، لاحدثكم عن الفكرة الجمهورية، فتسمعونها من داعيها بدلا من أن تسمعوها من معارضيها ومشوهيها؟؟
    أن امركم هذا لامر عجب!!

    المخلص:
    محمود محمد طه..
                  

04-21-2008, 04:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ذكرى المولد النبوي الشريف في مجالس الأستاذ محمود محمد طه
    النبي الكريم في حقيقته أول الخلق وهو الإنسان الكامل قمة المخلوقات

    الاحتفال بالمناسبات الدينية في مجالس الأستاذ محمود محمد طه يختلف كثيراً عن ما يحدث في ساحات المولد في خيم الطرق الصوفية وغيرها والذي يشاهده الناس سنوياً ، مكرراً بصورة تقليدية لا جديد فيها ..فالاحتفال عند الجمهوريين إحياء للسنة النبوية بالقول والعمل ، والتعرف على قدر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، والدعوة إلى توضيح منهاجه في العبادات والمعاملات .. باختصار ليالي الاحتفال كلها أوراق بحث علمي حول كيفية عودة الإسلام من جديد إلى حياة الناس واقعاً عملياً في السياسة والاقتصاد والاجتماع بوسيلة تربية الفرد في المقام الأول.
    جاء في حديث جابر الأنصاري: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) .. نور النبي هذا هو المعبر عنه بالحقيقة المحمدية .. والحقيقة المحمدية هي أول قابل لتجلي الذات الإلهية المطلقة ، ومقامها هو مقام (الوسيلة) الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لأحد من عباده ، فاسألوا الله أن أكون هو) وقال: (من سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي) .. ومقام الوسيلة هو المقام المحمود: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً عموداً) ولذلك فإننا عندما نسمع الأذان نقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً (الوسيلة) والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد). وعندما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ). فإن المقصود بالوسيلة النبي الكريم. فهو قمة الخلائق الذي يقف بيننا وبين الذات الإلهية المطلقة ، ويقيد لنا من العلم بالذات ما تطبقه عقولنا ..
    الإنسان الكامل الذي ورد كثيراً في كتب الجمهوريين هو النبي الكريم في حقيقته المحمدية ، ولا أحد غيره .. وعندما يقول القرآن : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ). وكانت يد النبي هي التي فوق أيديهم ، إنما أراد أن يشير إلى أن النبي الكريم هو أكبر من يمثل الله في كمالاته على الأرض .. ولذلك فمن آمن به فقد آمن بالله (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله). ومن أحبه فقد أحب الله ، جاء في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) .. والسبب في ذلك لأن مراد الإيمان أن ينقل السالك إلى المعرفة بهذه الحقيقة .. إذن حركة التطور في المجتمع البشري ، موجهة في مسيرتها الطويلة بالحقيقة المحمدية نحو إنزال هذه الحقيقة على الأرض ، ولن يحققها أحد غير النبي الكريم ، وهو أكبر من عمل ولا يزال يعمل على إنزالها من عالم الأرواح ، إلى عالم الأجساد ، لذلك قال عنه الأصحاب: (كان محمد كأنما نصب له علم فشمر بطلبه) .. يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه (رسائل ومقالات – الثاني) .. يقول (فصلاة الله رحمة ، برفع الحب .. وصلاة الملائكة استغفار بالتفدية .. وصلاة المؤمنين عبارة بالتوقير .. والمؤمن منتفع بالصلاة .. والنبي منتفع بها لأن أجر النبي يزيد بزيادة المهتدين من أمته كماً وكيفاً .. والمؤمن يزيد هدى كلما وقر في صدره حب النبي ، وتوقير النبي ، وذلك ما تفعله الصلاة عليه كلما ذكر اسمه .. فإذا قال قائل في مجلسك: محمد أو قال: النبي فقد وجب أن تقول: (صلى الله عليه وسلم).. أو أن تقول (اللهم صلى وسلم على حبيبك) إلى آخر هذه العبارات ، الطيبات التي تقرب النبي إلى قلبك وترقق قلبك ، وتحفظه من آفة الغلظة ، وآفة الجفاء ، وصلاة المؤمن على النبي هذه عي أدنى مراتب الصلاة عليه ، وهي توقير وتقديس عن جهل .. والتقديس بديل عن المعرفة ، ما دونه بديل .. ويجب أن يكون مقدمة للمعرفة ، ومرحلة انتقال إليها ، وإلا يظل لازمة ثابتة لا تتطور .. وإنما تطوره بأن يصير توقيراً عن علم .. هذه صلاة المؤمن على النبي ، فإذا ارتفع المؤمن ، فأصبح مسلماً ، ارتفعت صلاته على النبي ، فأصبحت معرفة بالمقام .. وأصبح لها حظ يتفاوت من صلاة الله على النبي .. وهي أعلى الصلاة عليه وهي ليست لفظية) انتهى. .. وصلاة الله رحمة كما ورد في صدر هذه الكلمة.
    الشاهد في الأمر أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (من سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي) يعني من اهتدى بالهدى النبوي وليس المقصود مجرد رفع الأيدي إلى السماء من غير تطبيق للسنة النبوية .. وذلك لأنه وكما ورد في كلمة الأستاذ محمود التي اقتطفناها من كتابه رسائل ومقالات (أجر النبي يزيد بزيادة المهتدين من أمته) إذن المطلوب أن تتطور الدعوة من لسان المقال لأن تكون دعوة بلسان الحال..
    إذا وقع في ذهن القارئ حجم المعرفة بالنبي الكريم وسنته التي هي عمله في خاصة نفسه لدى الدقة ، يتضح التصور الجاهل الخاطئ الذي ظنه البعض من أن هناك أحد غير النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم سيحقق مقام الإنسان الكامل مقام (الوسيلة) أو(المقام المحمود) .. هذا التصور الخاطئ أشاعه البعض عن الفكر الجمهوري عن سوء نية وقصد مبيت ، والبعض الآخر عن سوء فهم .. ونحن إنما كتبنا هذا المقال من أجل تصحيح الفهم لمن عندهم (سوء الفهم) أما الذين هم سيئي النية فالله وحده المسئول عن تصحيح نواياهم.
    الطرق الصوفية:
    يعتمد الفكر الجمهوري السنة النبوية وحدها السبيل لإخراج الأفراد والمجتمعات مما هم فيه من تيه وضلال ، والسنة هي عمل النبي خاصة في نفسه ، أما أقواله فقسمان: القسم الذي يبين عمله هو في خاصة نفسه فهو سنة ، أما القسم الذي يوضح للأمة تفاصيل شريعتها ، ولم يمارسه هو فهو شريعة وليس سنة ، هذا على خلاف الفهم الشائع عند الفقهاء وهو أن السنة هي عمل النبي وقوله وإقراره .. الصحيح أن عمله سنة وإقراره شريعة أما قوله فقسمان وقد أسلفنا الشرح في ذلك.
    لقد دعا الأستاذ محمود جميع الطرق الصوفية إلى ترك ما هي عليه واتباع طريق محمد ، وقد جاءت تلك الدعوة كأبصر وأقوى ما تكون في منشور صدر يوم 27/4/1965م حيث قال: (إلى الراغبين في الله ، السالكين إليه من جميع الطرق ، ومن جميع الملل!!! – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد ، فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم بعث الله محمداً ، داعياً إليه ، ومرشداً ، ومسلكاً في طريقه .. وقد انغلقت اليوم بتلك الاستدارة الزمانية جميع الطرق التي كانت فيما مضى واسلة إلى الله ، وموصلة إليه ، إلا طريق محمد .. فلم تعد الطرق ، الطرق ، ولا الملل الملل ، منذ اليوم) ثم يواصل (إن على مشايخ الطرق أن يخرجوا أنفسهم من بين الناس ، ومحمد ، وأن يكون عملهم إرشاد الناس إلى حياة محمد بالعمل ، وبالقول .. فإن حياة محمد هي مفتاح الدين ، وهي مفتاح القرآن ، وهي مفتاح (لا إله إلا الله) التي هي غاية القرآن ، وهذا هو السر في القرن في الشهادة بين الله ومحمد (لا إله إلا الله محمد رسول الله))..
    وجاء في هذا المعنى في كتاب (طريق محمد – محمود محمد طه) ما نصه: (وقد أنى للمسلمين أن يكرموا أنفسهم ، ويحترموا عقولهم ، ويتحرروا من رق الطائفية ، ومن الوسائل القواصر ، بالرجوع إلى الوسيلة الواسلة .. الرؤوف الرحيم .. فيلزموا سيرته ، وعبادته ، التي هي الصلاة بالقرآن ، في المكتوبة وفي الثلث الأخير من الليل .. وهي أمثل طريقة تغني عما يسمى بالبدع السنية ، وعن المبالغات في مقادير العبادة ، وعن استعمال السبح ، وعن كل ما لم يفعله النبي).
    هذا ، ولقد ظل الأستاذ محمود يدعو بهذه الدعوة وقتاً ليس بالقصير ، في مؤلفاته ومحاضراته وندواته ، ويستمع إلى المؤيدين والمعترضين ويحاورهم بالشرح المستفيض المسنود بالقرآن والحديث النبوي ، كما أعطى اعتباراً خاصاً في عرضها على مشايخ الطرق ، وزارهم في مواقعهم ، وظل وحيداً في ميدانها إلا من تلاميذه الذين التفتوا إليها من خلال سطوتها وقوة منطقها وصدق داعيها وسيرته التي ما هي إلا تجسيداً للسيرة النبوية في عصرنا الحالي .. والأستاذ محمود يعرف للطرق الصوفية قدرها ويثمن دورها الذي قامت به في الماضي فيقول في كتابه (طريق محمد) ، (إن غدنا هذا المأمول – غد البشرية جميعها – لا يعدنا له ، ولا يرقينا فيه مرشد أقل من محمد المعصوم ، ولقد خدمت الطرق الصوفية غرضاً نبيلاً ، وقامت بدور عظيم في حفظ الدين ، وأرشاد الناس ، ولكنها أقل من أن تنهض بأعباء هذا الغد ، ولا بد إذن من الأخذ بالطريقة الجامعة للطرق كلها (طريق محمد)) فإنه قد قال: (قولي شريعة وعملي طريقة وحالي حقيقة) ... ثم يقول في نفس المصدر: ( وعن أزلية نبوته قال المعصوم: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) ومعنى هذه العبارة أنه كان نبياً عالماً بنبوته في الأزل: وقد ظهر مصداق ذلك عندما برز إلى عالم الأجساد ، فإنه وهو جنين في رحم أمه كان يختلف عن الأجنة في الأرحام ، فقد برئ وحام أمه به مما تتعرض
    له وحامى النساء من الغثيان وخبث النفس واستيفاز الشعور.. وكان حمله على أمه خفيفاً ، تجد بركته ، في يقظتها بالصحة وبهجة النفس ، والمسرة المتصلة .. وتجد بركته في نومها بالرؤى المفرحة.. وبمثل ذلك اختلفت طفولته واختلفت يفاعته ، واختلف شبابه حتى لقد أيقن أنه خلق لغير ما خلق له أترابه من الشباب ، ثم لم يلبث أن ألح عليه هذا الإيقان حتى اعتزل المجتمع ، وآوى إلى الغار) .. وتحت عنوان (دقائق التمييز) نشرت الصحف عام 1954م ما يلي (أمران مقترحان ، ليس وراءهما مبتغي لمبتغ وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن وحياة محمد ، أما القرآن فهو مفتاح الخلود .. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن .. فمن قلد محمداً تقليداً واعياً فهم مغاليق القرآن .. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله ، وقلبه من أسر الأوهام) ثم يواصل: (وما قام من تشريع حول حديث محمد ، الذي أراد به إلى تنظيم حياة الجماعة ، فهو الشريعة الإسلامية ، وهو خاضع لسنة التطور – سنة الدثور والتجديد – لأن المجموعة البشرية قد ترقت أكثر مما ترقت النفس البشرية ، وقد استجدت لها أمور تحتاج إلى تشريع جديد يستوعبها ، ويحيط بها جميعاً .. هذا التشريع موجود في القرآن ، ولكنه مكنون ، مصون ، مضنون به على غير أهله ، فمن سره أن يكون من أهله ، فليقلد محمداً في منهاج حياته تقليداً واعياً ، مع الثقة التامة بأنه قد اسلم نفسه إلى إرادة هادية ، تجعل حياته مطابقة لروح القرآن ، وشخصيته متأثرة بشخصية أعظم رجل ، وتعيد وحدة الفكر ، والعمل في وجوده ووعيه كليهما ، وتخلق من ذاته المادية ، وذاته الروحية ، كلاً واحداً ، متسقاً ، قادراً على التوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة ..
    أمران مقترنان : القرآن وحياة محمد ، هما السر في أمرين مقترنين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .. لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين).
    هذا وعلى الله قصد السبيل .. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.

    د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
                  

04-21-2008, 04:40 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة ؟!

    تعليق على كتاب عالم الوراثة ثيودوثيس دوبجانسكي[1]



    (1)
    الفصل الاول
    الانسية والإنسانية


    لا بدَّ في البداية، من الاشادة بالجهد الكبير، الذى بذله د. فاروق محمد ابراهيم، في ترجمة هذا الكتاب، الى اللغة العربية. ذلك انه رغم صغر حجمه، كتاب مهم، لانه يناقش أصول الأشياء، وأمهات القضايا، التى اذا اتضحت يمكن لمختلف المشاكل السياسية، والاجتماعية، ان تأتي في إطار معرفي متسق، يفضي بنا الى رؤية متكاملة للحياة، ودورنا فيها، أفراداً وجماعةً، تقطن بيتاً واحداً، هو هذا الكوكب الصغير المسمى الأرض. كما يشكر لمجلة أركماني، نشرها لهذه الترجمة، ودعوة المهتمين لمناقشة مثل هذه المواضيع العلمية العميقة.

    لقد ترجم د. فاروق اسم الكتاب الى (علم الأحياء ومعنى الحياة)، ولعل هذا اسم طموح، قد يوهم القارئ بانه سيعرف معنى الحياة، بعد قراءة هذا الكتيب الصغير.. والحق ان الكتاب وان قرر بعض الحقائق العلمية، وتبنى بعض الرؤى الفلسفية، الا انه لم يدع لنفسه، انه يعرف معنى الحياة.. فاسم الكتاب هو: The Biology of Ultimate Concern وهو اسم يمكن ان يترجم الى (علم أحياء الهم النهائي) أو (علم أحياء الاهتمام المطلق).. والاسم بهذا المعنى يشير الى انه مفهوم لعلم الأحياء، يجعله يسهم في الهم الأساسي، أو القضية الجوهرية، التى يفترض الكتيب انها حياة الإنسان.. ولعلَّ هذا ما حدا بالدكتور الفاضل، ان يورد في ترجمته عبارته الطموحة، التى أشرنا لها. كما ان د. فاروق، قد ترجم عنوان الفصل الأول الى (الحركة الإنسانية والجنس البشري)، وهي ترجمة قريبة للعنوان وهو: Humanism and Humanity وفيه يشير الكاتب الى طبيعة الإنسان، في البحث عن المجهول، وكيف انه استخدم كل طاقته، في سبيل تحقيق هذه الغاية العظمى. فأول ما يبدأ به الكتاب، هو التركيز على الشعور الإنساني الدفين، للتطلع للمجهول، ومحاولة البحث عن اجابات للأسئلة الكونية الكبرى. وهو يرجع هذا الشعور، الذى هو الدافع، وراء كافة الاكتشافات العلمية، التى تنعم البشرية، اليوم، بخيراتها الى حقيقة ان الإنسان، هو الكائن الوحيد، الذى يشعر بالحرية، ويتطلع دوماً لسبر أغوارها..

    يقول الكاتب "الحكمة الإنسانية ثمرة الوعي بالذات : الإنسان يستطيع ان يتجاوز نفسه وان يراها موضوعاً من الموضوعات الأخرى، لقد وصل الى مرتبة الإنسان الوجودي، وصارت لدية تجربة واحساس غامر بالحرية، بالقدرة على تدبير الأفعال وتخطيطها، وعلى تنفيذ خططه أو تعليقها، ان اراد، واكتسب الإنسان بالحرية معرفة الخير والشر. هذه المعرفة عبء ثقيل، أمانة برأت منها الكائنات الأخرى. وتقود الحرية الإنسان لأن يسأل ما أشار إليه برنتون (1953) بالأسئلة الكبرى التى لا يقدر أي حيوان آخر ان يسألها : هل لحياتي، وحياة الناس الآخرين معنى؟ هل للكون الذى رميت فيه بغير اختياري أي معنى؟ ليست هناك اجابات نهائية على هذه الاسئلة الكبرى، وربما لن تكون لها إجابات ابداً، لو كنا نبحث عن قناعات موضوعية دقيقة ومؤكدة. مع ذلك فنحن ملزمون بالبحث عن اجابة ما، لان قدرة الإنسان على البحث عن معنى وجوده عن معنى الكون هى أعظم أمجاد إنسانية الجنس البشري)*.

    أول ما تجدر الاشارة اليه، هو ان الاجابة على التساؤلات الكبرى، ممكنة، بل هى حتمية، ما دامت الحرية هى قدر الإنسان.. ذلك ان الجاهل مضيق عليه بجهله، والحر موسع عليه بعلمه، ومجرد ان تخطر الأسئلة على العقل البشري، فان هذه اشارة لامكانية الاجابة عليها، ذلك ان الوعي بهذه الأسئلة، هو نفسه، طرف من الوعي بالذات، الذى بتحققه تتحقق الحرية.. ولكن ما هي الحرية؟! وكيف تتحقق؟! وهل العقل وحده هو وسيلتنا لتحقيق الحرية؟ وكيف يكون ذلك والعقل نفسه محدود؟! انني ارجو ان اخلص من متابعة هذا الكتاب، الى تقديم اجابات شافية، على هذه التساؤلات، التى هى موضوعه.

    ان غاياتي من التعليق على هذا الكتاب، هى القاء الضوء من خلال الفكرة الجمهورية، التى فصلها الاستاذ محمود محمد طه (1909-1985)، على هذه القضايا الجوهرية، علني بذلك، استطيع ان اسهم باجابات، يمكن ان تعيننا على فهم القضية الأساسية، أو الهم الأساسي كما عبر عنه دوبجانسكي.

    يعتقد دوبجانسكي ان العلم المادي، وحده، لا يستطيع الاجابة على التساؤلات الكبرى، ولا يمكن ان يقدم رؤية كونية شاملة.. فيقول "انه من السذاجة بمكان الاعتقاد بامكانية اشتقاق رؤية كونية متماسكة من العلم وحده، أو بان ما يمكن ان نتعلمه عن التطور يمنحنا القدرة على تقديم اجابات قاطعة لتلك الأسئلة الكبرى"** على ان الكاتب، في نفس السياق، استطاع ان يقرر خطأ الأفكار الدينية، أو التقليدية عموماً، التى كانت سائدة قبل الكشوف العلمية، ولهذا قال "لم يمض وقت طويل على ذلك الزمن الذى كان كل فرد فيه تقريباً يعتقد بان الأرض مسطحة، وان الأمراض تسببها الأرواح الشريرة، الآن فان الأفكار التى تجد قبولاً عاماً تختلف تماماً. الأرض كرة تدور في محورها حول نفسها وحول الشمس، والأمراض تسببها الطفيليات المتنوعة والأسباب البيولوجية الأخرى".. الى ان يقول "ثم صار العالم الفسيح الذى اكتشفه كوبرنيق، وكلبر، وجاليليو، ونيوتن نفسه مختلفاً تماماً عن عالم القدماء والمفكرين القروسطيين المريح. لقد أنزل الإنسان والأرض من مركز الكون الى ذرة تافهه من الغبار الضائع في الفضاء الكوني"***.

    لا شك في ان تطور المفاهيم، والكشوف العلمية، قد صحح كثيراً، من رؤية الإنسان البدائي للحياة، وزاد من معرفته بها. على ان ذلك لا يعني ان الأفكار القديمة، قد كانت بلا أساس من الصحة، كما يظن الكاتب. فانه لحق ان الجراثيم، والطفيليات، التى لم يكن الإنسان القديم يراها، هى السبب في كثير من الأمراض، التى عانى منها.. ولكنه أيضاًُ حق، ان بعض أسباب الأمراض، لا علاقة له بهذه الأجسام الدقيقة.. وانما يتعلق بالحالة النفسية، أو قل بالروح. ومع تطور العلم المادي، أصبحنا نعطي بعض العلاج المادي، لهذه الأمراض النفسية، التى تؤثر حسياً ومعنوياً على الإنسان. ولكن يبقى بعض العلاج، أيضاً، غير مادي، كأن يكون الهدوء، أو الموسيقى، أو الترانيم الدينية، أو الصلاة، أو الشعور الغامر بالطمانينة، الذى يمكن ان ينقله إليك شخص آخر، حقق هذه الطمأنينة في نفسه.. وما دام العلم المادي، لا يستطيع ان ينكر المسائل النفسية، ولا أساليب علاجها، غير المادية، فانه يتفق مع الإنسان البدائي، في ان بعض الأمراض غير مادية، وهذا ما يعني الإنسان البدائي حين يتحدث عن الأرواح.. ورغم ان العلم قد اثبت اليوم، ان الأرض كروية، الا ان رؤية البصر، لا تزال تعطي انها مسطحة.. ولقد كانت الأديان حكيمة كل الحكمة، حين جارت وهم الحواس، التى تعطي هذه الرؤية، ولم تضف الى صعوبة التعاليم الجديدة، حقيقة كروية الأرض.. وعندنا، في الإسلام، فان هذه الصورة واضحة.. قال تعالى (والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون) (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) وقال أيضاً (والى الأرض كيف سطحت)..

    ولما شعر الإنسان الأول، انه متطور على بقية الحيوانات، التى يعيش معها، أعتقد ان الأرض التى يقطنها، هى مركز الكون.. وجاءت الأديان، تؤيد ذلك، باعتبار ان الأرض محط الأديان، وموضع نظر الله.. وحين أثبت العلم ان الشمس هى مركز الكون، فان هذا لا يعني ان الإنسان البدائي، قد كان مخطئاً تماماً.. ذلك ان الأرض، هى مركز الكون، من الناحية الروحية، وإن لم تكن مركزه من الناحية المادية.. يقول الأستاذ محمود : "ومن الناحية المادية فان مركز الكون الداخلي الشمس، ولكن من الناحية الروحية فان مركزه الأرض، لأن الأرض هي موطن الإنسان.. والإنسان سيد الأكوان. وكان القدامى، السذج، البسطاء، الطيبون يظنون هذا الظن.. فلما تقدم العلم المادي، وجاء الفلكيون، المحدثون اكتشفوا ان مركز الكون الداخلي انما هو الشمس، وما الأرض إلا كوكب سيار، لا نور له من ذاته، وإنما هو يستمد نوره من الشمس.. وهذا صحيح في المرحلة. وعندما يجئ الوقت المعلوم – عندما تتحد المادة والروح – فستظهر الأرض الكبرى، من الشمس وبناتها، ومنها، وأهمها الأرض.. ويومها تنطفئ الشمس، وتبرد، وتنشأ فيها الحياة الأخرى.. وتصبح هذه الأرض الكبرى هى الكون الداخلي، وحولها يدور الكون الخارجي، والجميع يدور حول المطلق حيث لا حول. يومها يتحقق حلم القدامى، السذج، البسطاء، الطيبين، الذين ضحك، من سذاجتهم، الفلكيون، الماديون، المتحذلقون اليوم"+.

    يقرر الكاتب، دون مواربة، بان الشئ المؤكد، هو ان الكون قد مر، ويمر الآن، بمراحل من التطور: "فالكون ليس ثابتاً وليس مكتملاً، وهو قابل للتغيير. ان كل ما في الكون منغمس في سريان التطور وجريان التغيير. ولقد نشأ المجتمع الإنساني والثقافة كما نشأ العالم الحي والكرة الأرضية والمجموعة الشمسية حتى الذرات التى لا تتجزأ من حالات سالفة مختلفة تمام الاختلاف عن حالتها الراهنة، علاوة على ذلك فهذه التغييرات ليست كلها تاريخاً وأحداثاً ماضوية فالعالم لم يتطور في الماضي فحسب وإنما هو في حالة تطور الآن"++..

    وحين يرى دوبجانسكي، ان العلم وحده، غير مؤهل للإجابة، على التساؤلات الكبرى، يظن ان التعاون بين الفلسفة والعلم، يمكن ان يحقق ذلك الدور، أو يقرب منه.. فهو يقول بأن "بناء رؤية كونية وفحصها فحصاً نقدياً يقع تقليدياً في مجال الفلسفة" وهو يتفق مع برتراند رسل في تعريفه للفلسفة فيقول أن من بين التعريفات الكثيرة يثير تعريف برتراند رسل (1945) الانتباه "هنالك أرض غير مملوكة تقع بين الدين والعلم تتعرض للهجوم من الجانبين وهذه الأرض غير المملوكة هى الفلسفة"..

    الفلسفة في أبسط صورها، هى إثارة التساؤلات حول المسلمات.. وهى بهذه الصورة، ليست نسقاً معرفياً متصلاً، ومنسجماً، مثل بقية العلوم.. ولهذا، فإن الذين يدرسون الفلسفة، إنما يدرسون تاريخ النظريات، والاشكاليات الفلسفية.. وبهذا المعنى، بمعنى إثارة التساؤل والبحث عن تفسير للظواهر، فإن الفلسفة قديمة قدم الإنسان. ولقد كانت التساؤلات، التى تزخر بها الروح البشرية الوثابة، هى المحرك الأساسي، الذى يقف وراء معظم الاكتشافات، والاختراعات، التى طورت حياة الكائن الحي، على هذا الكوكب.. فالفلسفة، إذن، ليست أرض تقع بين الدين والعلم، كما قرر رسل، وإنما هى موجودة داخل العلم، وداخل الدين.. على أن بروز الفلسفة، في اطار العلم، قد كان أوضح من بروزها، في اطار الأفكار الدينية، وذلك لأن الأديان درجت على تركيز العقيدة، وحدت من ثم، من تفكير أتباعها، بخلاف العلم، الذى شجع النعرة الفلسفية، وغذاها بالمعلومات الضرورية. ومع ذلك، وجدت الاتجاهات الدينية، التى اعتمدت الفلسفة، وأثارت التساؤلات، داخل الكيانات الدينية، وعانت، لذلك، من عنت المتعصبين..

    لقد نشأ الدين في الأرض، وتطور مع تطور الإنسان، حتى بلغ آخرمراحله، في الأديان التوحيدية الكبرى.. وفي عبارة الأستاذ محمود "الدين نشأ من الأرض وألمت به أسباب السماء فهذبته".. فالإنسان البدائي الأول، وجد نفسه في هذه الأرض، محاطاً بالعداوة، من كل جانب، وشعر بأنه مختلف من بقية الحيوانات، وانها تسعى لافتراسه. وكان عليه أن يصارع، ويقاتل، حتى يحفظ حياته.. فاحتال شتى الحيل، وصنع ما يمكن من سلاح، ليمدد به قدرته على العراك. وبنى بيته في قمم الجبال، وفي قعر الكهوف، حتى لا تلتهمه الحيوانات المفترسه، وهو نائم. على ان أكبر الأخطار التى كانت تواجهه، ليست الحيوانات المفترسة، وليس بني البشر الآخرين، الذين يتنافسون معه على ما تجود به البيئة من الصيد والثمر، وإنما كانت قوى الطبيعة الصماء، التى كانت وكأنها لا تحفل بموته أو حياته. فالحرائق التى تشب في الليل البهيم، فتحرق الشجر، وتقضي على الناس دون رحمة. والفيضانات العاتية، التى تجرف المأوى، وتغرق سكانه.. والرياح، والزلازل، والبراكين، التى تقضي على الآلاف من بني البشر، دون اكتراث.. كل هذه القوى، عجز الإنسان البدائي، عن مواجهتها، ولم تطالها حيلته، أو قوته.. فشعر بانها آلهة جبارة، لا يمكنه مقاومتها.. فاخذ يتملقها، ويحاول ان يكسب رضاها، ويتقرب اليها بالقرابين.. ومن هنا نشأ الدين في صورته البدائية، في أديان التعدد.

    أما الحيوانات، التى كان يستطيع منازلتها، فقد بدأ يتطور سلاحه كل حين، ليكون أقدر على مواجهتها.. ومن هنا نشأ العلم المادي التجريبي، الذى كان غرضه، في كل لحظة، ان يسهل، ويؤمن حياة الإنسان، ويزيد من استمتاعه، ويباعد بينه وبين الموت.. في نفس الوقت، الذى نشأ فيه العلم، نشأ الدين.. وعن تطور الدين من التعدديات الى التوحيد، يحدثنا الأستاذ محمود فيقول "والآن فانا نقرر : ان دين التوحيد قد كان ظاهراً في دين التعدد، منذ نشأة الدين، عند الفرد البشري قبل نشأة المجتمع.. فقد كان لكل فرد في الأسرة إلهه – للأب وللأم وللأبناء البالغين، ولغير البالغين – ولكن آلهتهم جميعاً تخضع لإله الأب، كما يخضعون هم جميعاً له.. ثم ان الأسرة الواحدة قد نشأت منها أسر جماعة، ترجع الى رجل واحد، هو جدها.. ولهذه الأسر العديدة رجل حكيم، يأتمرون بأمره ويذعنون لحكمته، ولإلهه تزعن آلهتهم، كما يذعنون هم له.. وهكذا سار التوحيد.. رجل حكيم، ذكي، يذعن له رجال قبيلته، ونساؤها، ولإلهه تذعن آلهة رجال قبيلته، ونسائها.. ثم ان القبائل تحترب، فيما بينها، فتغلب قبيلة قبيلة، فتذعن القبيلة المغلوبة للقبيلة الغالبة.. وهكذا سار التوحيد.. ثم جاء عهد الملوك فتوجت القبائل شيوخها ملوكاً عليها، ليحموها وليقودوها الى النصر على أعدائها، الذين ينازعونها المرعى، وينازعونها الماء، ويشنون عليها الغارات.. فاذا انتصرت قبيلة بقيادة ملكها، على قبيلة أخرى، بقيادة ملكها، فإن الملك المغلوب يذعن للملك الغالب، وتذعن قبيلته معه، وتذعن آلهته للآلهه الجديدة، ويتوحد الملك بين القبيلتين ويتوحد الدين.. وهكذا يسير التوحيد.. ثم تطور عهد الملوك : من ملوك القبائل، الرحل، الى ملوك المدن المسورة، المحصنة بالقلاع، وتطورت مع تطور الملوك الآلهه.. وتطورت الممالك، من ممالك المدن، الى ممالك الدول الكبيرة.. وتطورت الآلهه أيضاً حتى جاء عهد الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم آلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم أبناء الآلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالاً للآلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالاً لإله واحد.. وهكذا يسير التوحيد.. ولقد جاء دين التوحيد من السماء، باتصال الملك جبريل، بالبشر المرسلين، لتعليم الناس التوحيد، منذ آدم أبو البشر الحاضرين"+++.

    على الرغم من أن عنوان الفصل (الانسية والإنسانية)، فإن الكاتب لم يفصل في الفرق بينهما، وإن تعرض قليلاً الى تطور الإنسان، بصورة عامة. الانسية من الاستئناس، وهى ضد الوحشية.. ولأن الإنسان قد جاء من الحيوان، فانه استأنس عبر طور وئيد، خرج به من الغابة الى المدينة. ولا يتم الاستئناس، تماماً، إلا إذا تخلص الفرد من الشر، ومن العنف، كنتيجة حتمية لخلاصه من الخوف، الذى رسخته البيئة، في اهابنا، كما شرحنا آنفاً. والإنسان هو الفرد البشري، المستأنس، وهذا لم يجئ حتى الآن.. وانما أخذنا نحن اسم الإنسانية، مما سيؤول إليه حالنا، وإلا فان البشر الحاضرين، يحتاجون الى قفزة كبيرة، ليدخلوا مداخل الإنسانية، أكبر من تلك التى قفزها الحيوان، ليدخل الى مرحلة البشر الحاضرين.

    يختم دوبجانسكي حديثه، في هذا الفصل، بما يشبه الاعتذار، عن خوضه في قضايا هي بالأساس فلسفية، رغم انه متخصص في علم الأحياء.. فيقول "وحيث انني متخصص في علم الأحياء لا في الفلسفة أو علم الإنسان فإن المهمة التى نصبت نفسي للاضطلاع بها تبدو طموحة جداً. انني أود فحص بعض المدلولات الفلسفية لبعض النتائج والنظريات البيولوجية والأنثروبولوجية. ان هذا الكتاب الصغير لا يقصد منه ان يكون بحثاً في الفلسفة البيولوجية أو البيولوجيا الفلسفية. انه يتكون من مقالات عن بعض جوانب العلم التى كانت مؤثرة في صياغة رؤيتي الكونية الخاصة. ليس هذا القول استباقاً واسترضاءً للنقاد المحللين لهذه االمقالات، وإنما هو فقط تفسير لما قد يبدو تناولاً عشوائياً للموضوعات التى تشملها الصفحات التالية".

    ان عبارات التواضع، التى ختم بها الكاتب هذا الفصل، تقف شاهداً على عمق تفكيره، وتصوره لمبلغ صعوبة المهة، التى هو مقبل عليها.. وهى أيضاً تدل على انه عالم حقيقي، ينأى بنفسه عن الغرور، والزيف، ويتطلع الى ما هو أفضل مما حقق في مجال البحث.

    ( نواصل)
    د. عمر القراي

    [1] http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/dobzhanski/f...mentalism_debate.htm
    * ترجمة الكتاب : أركاماني مجلة الآثار والانثروبولوجيا السودانية على الشبكة العالمية ص3-4.
    ** المصدر السابق ص 3.
    *** المصدر السابق ص 5-6.
    + محمود محمد طه (1984) الديباجة. الأخوان الجمهوريون. الخرطوم ص 52-53
    ++ المصدر السابق
    +++ محمود محمد طه (1984) الديباجة. الأخوان الجمهوريون الخرطوم ص 35-36
                  

04-21-2008, 04:42 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة ؟!

    تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبجانسكي
    (2)

    الفصل الثاني
    د. عمر القراي

    http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/contributions/omargarai-1.htm


    آلهة الفجوات

    يعتقد دوبجانسكي، ان الكثيرين من المتدينيين، لا يفرحون لاكتشافات العلم، في مختلف المجالات، خاصة حين يشرح ما كان يعتبر من أسرار الطبيعة، التي لا يعلمها إلا الله ... وهم يرون في انحسار هذه الأسرار، تهديداً لأمان معتقداتهم الدينية. ولهذا لا بدَّ ان يجدوا فجوات في المعرفة العلمية، حتى يدخلوا منها الفعل الإلهي، ويبررون بذلك كافة معتقداتهم، التى لا تقوم إلا على أساس القدرة المطلقة للإله، والعجز الإنساني... من هنا، سمى هذا الفصل : آلهة الفجوات !!

    ولقد ميّز الكاتب، بين مجموعتين : المتدينون الذين يبحثون عن آلهة الفجوات، والعلماء الذين يظنون ان العلم المادي احصى كل شئ، وقام بتفسير كل شئ، ومن ثم، لم يعد هناك مجال للتدخل الإلهي، أو حتى الوجود الإلهي، الذى لايرون فيه إلا (مرتعاَ للغموض والمعجزات) ... وبين هؤلاء، وأولئك، قلة من العلماء، يرون رغم علمهم المادي الغزير، ضرورة اعتبار الجانب الإلهي، الذى بغيره لا تكتمل الصورة... وكمثال للعلماء المؤمنين، يتحدث دوبجانسكي، عن نيوتن، فيقول : "لقد تمكن نيوتن من تفسير حركة الكواكب حول الشمس بقوانين فيزيائية لكنه كان مع ذلك يعتقد بأن الدوران اليومي للكواكب لا يمكن اشتقاقه من الجاذبية وانما يحتاج لقوة إلهية لإحداثه" ... أما العلماء غير المؤمنين، فيضرب لهم المثل بـ لاباس، فيقول "سأل الإمبراطور نابليون الكوزمولوجي والرياضي لاباس عن سبب غياب اسم الله من مؤلفه الشهير عن ميكانيكا الأجرام السماوية. وربما قصد الإمبراطور المزاح بذلك السؤال ولكن لاباس أجاب بكل جدية بأنه لم يكن محتاجاً لفرضية الله في عمله". وبناء على ذلك، كما يؤكد الكاتب، إعتقد الكثيرون، انه اذا لم تكن هنالك حاجة لله في شئون السماء، فالحاجة إليه، في شئون الأرض، تكون أقل. وكتبت مؤلفات عديدة، عن أفول فرضية الله، وعن موت الإله، وعن عدم الحاجة الى الله، في كافة المجالات العلمية، والواقعية الحياتية.

    لقد فسر العلماء، الذين رفضوا الدين - فيما يحدثنا الكاتب - نشأته بالبدائية، وطفولة البشرية، حيث كان الإنسان يعتقد ان لكل شئ روح، فنشأت عبادة الأرواح والطوطم ... ولقد ضرب المثل بعالم الأنثروبولوجيا تايلور، كما لخص هذا الاتجاه، بعبارات لـ مالينونسكي (1931) "بمجرد ان أحكّم الإنسان قبضته على البيئة باستخدام الأدوات وبمجرد ان ظهرت اللغة فقد صارت هنالك معرفة ذات طبيعة علمية ولا يمكن لأي ثقافة ان تبقى لو كانت فنونها وحرفها وأسلحتها واقتصادها مؤسسة على مفاهيم ومذاهب خفية وغير تجريبية"

    إن أهم ما تحدث عنه الكاتب، في هذا الفصل، هو الاشكالية التى صاحبت التفسير العلمي، لظاهرة نمو الكائن الحي، وتخلقه، وهل هو تعاقبي أم خلقي ... ومع ان الموضوع، يتعلق بالكائن الحي عموماً، إلا ان التعقيد البالغ، قد ظهر في تناول هؤلاء العلماء والفلاسفة للإنسان بصفة خاصة ... في هذا الصدد، يتعرض الكاتب، الى ثلاثة تيارات أساسية :

    1- التيار الذى يعتبر الإنسان مثل الآلة، ويعزي التغيرات فيه الى علاقات رياضية ميكانيكية، ويمثله - فيما نقل لنا الكاتب - الفيلسوف ديكارت.
    2- التيار الحيوي، وهو يعزي التغيرات الى طاقة حيوية، سماها بعض العلماء "التيلوس"، تدفع بالجسد في مراحل النمو والتغيير.
    3- التيار التطوري، ويمثله دارون، ومن وافقه من العلماء. ثم ما حدث فيما بعد، من تعمق في هذا الاتجاه، نتيجة ابحاث علوم الوراثة.

    يرى الكاتب، ان ديكارت رغم اختزاله لتكون الإنسان، وتطوره، في عمليات هندسية، ورياضية، لا يرى ان الإنسان آلة فقط، بل يصر على انه آلة لديها روح !! وينقل عن ديكارت قوله "لا أقبل ولا أرغب مبدأ آخر في الطبيعة سوى الهندسة والرياضيات المجردة لأن كل ظواهر الحياة يمكن ان تُفسر عن طريقها ويتم إثباتها بها. الأجسام الحية آلات وكذلك جسم الإنسان لكن الإنسان ليس آلة وحسب ان له روح ليست آلية" ... انما ما دفع ديكارت للتنازل عن هذه المادية، وقبول الثنائية، هو حسب رأي الكاتب، تعبير الإنسان عن رأيه بالكلام، والذى يقتضي صورة من التفكير المعقد الذى لا تستطيعه الآلة. فقد ذكر الكاتب، ان ديكارت (1637) قد تخيل آلة تنطق بالكلمات، ثم ذكر ان هذه الآلة لا يمكن ان "تنظم كلماتها بطرق مختلفة بحيث ترد رداً مناسباً على كل ما يقال في وجودها بالطريقة التى يستطيعها أدنى البشر". بعد قرن من ديكارت، جاء علماء مثل لا متري (1748)، ودوهولباخ (1770)، هلفيتيس (1772)، لا يرون أي ضرورة لاقحام موضوع الروح، ويؤكدون ان الإنسان آلة معقدة، وليس شيئاً سوى ذلك.

    على ان اتجاه الآلية بشقيه، أخذ يواجه بتحد، منذ ان اكتشف أحد تلاميذ العالم لـ يوونهوك، ويدعى هام، الحيوانات المنوية في 1677، وصحب ذلك الرأي بالتخليق المسبق ... اذ ساد الاعتقاد وسط العلماء، بان الإنسان موجود بصورة مصغرة، في الحيوان المنوي !! إلا ان وولف أوضح عامي 1759 و1786 الغياب التام، لما يشبه أجزاء الجسد البالغ، في الأجنة المبكرة للحيوانات، أو بذور النباتات. وحين سئل عن سبب النمو، أجاب بأنه توجد قوة حيوية، هى التى توجه التنامي المتعاقب للجنين، وتصون البدن البالغ فيما بعد. وهكذا حلت النظرية الحيوية، محل النظرية الآلية، وأيدها معظم علماء القرن الثامن عشر، أمثال هنتر، وستاهل، وبيشات. ولقد تطورت النظرية الحيوية، نتيجة بحوث كثيرة، فقد قام فونبيير 1837 بتطوير نظرية الطبقات الجرثومية، في الحيوانات. وبفضل أصحاب مبدأ الخلية، شيلدن 1838، وشوان 1839، فقد أصبح وصف عملية النمو دقيقاً ... وصاغ هيكال 1866، قانون النشؤ الاحيائي، الذى يقول بأن تنامي الفرد، هو استعادة قصيرة للتنامي التطوري، أي للتاريخ النوعي للمجموعة، التى ينتمي إليها ذلك الفرد. وقام هارتويق 1879، وفول 1879، بوصف ولوج الحيوان المنوي للبويضة، والتحام نواتيهما. ثم قامت مجموعة من العلماء، في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، بتحليل سلوك الكروموسومات، ودورها في انقسام الخلية، وفي نضج الخلايا الجنسية، وفي عمليتي التخصيب، وانقسام البويضة المخصبة.

    وبينما كانت البحوث جارية في الخلية، كانت أيضاً نظريات تفسير سلوك الحيوان، وتطوره، وأثر البيئة عليه، مستمرة ... وظهرت نظرية دارون، كأوضح تفسير لتنامي الحيوان وتطوره، ولكن الكاتب لا يناقش النظرية في هذا الفصل، ولهذا نؤخر تعليقنا عليه. المهم هو ان تطور علم الوراثة، باكتشاف قوانين مندل 1865، وبداية اهتمام العلماء بها عام 1900، مثل قفزة كبيرة، دفعت لتطور مذهل في علم الأجنة، اختفى معه التركيز على النظرية الحيوية أو النظرية الآلية وحلت محلهما نظرية الوراثة.

    لقد كشف علم الوراثة، ان هناك طواقم من الجينات، تضم معلومات أو أوامر، تحدد مسار النمو ... وهى موضوعة في الجينات على صورة شفرة. ولقد وضع واطسون - كريك، فرضية، اثبتتها الحقائق التى اكتشفت، بعد بحثهما، فالجينات المختلفة، تماثل الكلمات أو الفقرات DNA وهى ان الوراثة شفرة منقوشة في سلسلة جزئي الحمض النووي منقوص الأكسجين في كتاب يحوي السيرة الكاملة، للكائن الحي، والتى يمكن قراءاتها بمجرد اكتشاف الشفرة التي كتبت بها سطورها DNA "انها تعاقبات مختلفة لأربع نويات، هي الحروف الوراثية الأربعة، ويتم نسخ الرسائل الوراثية، في الكروموسوم حيث تتم ترجمتها الى تعاقب الأحماض الأمينية التى تتشكل منها جزئيات البروتينات. والبروتينات منها لبنات بناء الجسم ومنها الأنزيمات وهى المحفزات التى تقوم بعمليتي الهدم والبناء"

    إن اختصار الكشوفات الحديثة لعلم الوراثة، للموضوع، في شفرات كيمائية، يرجعنا - حسب رأي الكاتب- الى فرضية الآلية، التى دعا لها ديكارت، مرة أخرى ... وذلك لأن هذه التفاعلات الكيمائية، إنما هى عمليات ميكانيكية تتم في مادة غير عضوية، لا علاقة لها بفرضية الحيوية، التى يرى الكاتب انها لم تثبت مطلقاً، في كل الكشوف العلمية. على ان هنالك علماء حيويون، لا يذكرون كلمة الحيوية، وان تبنوا نظرتها العامة، ويرى الكاتب انه لا بدً من الاستماع لبعض حججهم، ومن هؤلاء سينوت 1955 فقد قال أن "النسق المنظم الذى تضبطه رقابة أنشطته يوحي بوجود شئ بداخله تنحو هذه الأنشطة للتوافق معه، معيار، مستوى، هدف أو غاية ما يمكن ان يسميه الفيلسوف تيلوس كامن في مجمل الكتلة الحية".

    يخلص الكاتب، الى ان هناك طريقتين، لدراسة العالم الحي، بما فيه الإنسان "الطريقة الأولى هى المنهج الاختزالي أي الديكارتي. يتم في هذه الطريقة فحص مكونات الجسم الحي وتحليلها، وهى في النهاية المواد الكيماوية التى تبنى منها الأجسام بشكل عام، فاننا نحصل من هذا المنهج على تفسيرات من نوع الكائن – الآلة ... المنهج الثاني هو الدارويني انه ينطبق الى حد كبير على علم الأحياء، ولكنه ليس مقصوراً عليه. اننا نسأل كيف بنيت الكائنات الحية وصارت بالطريقة التى هى عليها، وبهذا المنهج فان الحياة والكائنات الحية يمكن ان تصبح مفهومة على ضوء أصولها، وتناميها التطوري أي في ضوء التطور" ... على ان الكاتب لا يرى تناقضاً بين هذين المنهجين، بل هو يراهما مكملان لبعضهما، كل ما هناك ان الباحث يحتاج للتفسير الديكارتي، كلما اقترب من المستوى الكيمائي، ويحتاج الى التفسير الدارويني، كلما اقترب من المستوى الكلي، للكائن الحي، وتفاعله مع البيئة.

    غير ان ايماننا بالتطور الكلي للكائن الحي، أو بالعمليات الكيمائية التى تحدث داخل الخلية، لا يكفي ليفسر لنا من أين تجئ مادة النمو، ولماذا يتم بهذه الصورة بالذات، في مختلف الكائنات الحيّة، وأنواعها. يقول الكاتب "لننظر الى هذه المعجزة اليومية التى لا تدهش أحداً مجئ حياة إنسانية جديدة. تزن البويضة الإنسانية جزءاً واحداً من عشرين مليون جزء من الأوقية. الشخص البالغ يزن خمسين مليون ضعف وزن البويضة. من أين تجئ مادة هذا النمو؟ من الواضح انها تستمد من البيئة من الطعام الذى يستهلك ويستوعب. الإنسان حرفياً خليط من البقالات المحولة. لكن هذا الخليط حي، يحس البهجة والمعاناة، ويمتلك الوعي بالذات ويقدر على أفعال تتراوح من الحنان الى الفروسية ومن البطولة الى الأنانية. إن الفكرة بأن خليط البقالات - مهما تحول - يمكن أن يأتي بهذه الأفعال صدمت البعض بحسباها محض هراء"*.

    يقترح الكاتب، كمخرج يوفق بين كون الإنسان مجموعة بقول، وان له في نفس الوقت مشاعر "ان وصف الإنسان بكونه خليطاً من البقالات المحولة صحيح وواقعي، لحدود معينة. ان حدود هذا الوصف تضعها طبيعته الاختزالية. ما نحتاج إليه هو النظير التركيبي. الإنسان يتكون بالتاكيد من جزيئيات وذرات لكنه لا ينشأ بالالتقاء لتلك الجزيئات والذرات. الحقيقة التى ينبغي ألا تغيب عن أعيننا أبداً هي ان كل كائن حي من أي نوع من الأنواع الموجودة الآن قد تحدر سلالياً مباشرة من أحد أشكال الحياة الابتدائية التى يقدر انها نشات قبل أكثر من بليوني عام".. واضح للكاتب ان التقاء الجزئيات، والذرات بصورة عشوائية، لا يمكن ان ينتج عنه تلقائياً إنسان، مما يجعل الجمع بين نظرية التطور، والنظرية الآلية، لا يكفي وحده، لتفسير لغز الحياة.

    يقول الكاتب "يبدو ان هناك مخرجاً واحداً من أزمتنا. لو أننا نستطيع إدخال الله في نهاية العلم، فلا بدَّ وان يكون موجوداً هناك من البداية وعلى طول الطريق". وكما لا يرى الكاتب كيف سندخل الله في هذه المعادلة، فانه يصر في الوقت نفسه، على رفض الفكرة الحيوية، ويعتبر التيلوس حلاً زائفاً، خاصة مع اصرار العلماء الحيويين، بأنه ليس مادة خاصة، ولا هو نوع من الطاقة !! ولكنه يفترض ان التيلوس، مهما كان، فانه لن يؤثر على الكائن الحي، الا اذا تدنى للمستويات المادية والطبيعية. حتى يؤكد الكاتب هذا المعنى، ضرب مثل بظاهرة التخاطب من البعد، أو التوسط بين الأرواح، وهى ظواهر يعدها الناس غير مادية، ولكنه يرى انه مهما كانت القوة غير المعروفه، المسؤولة عن التخاطر، فلا بدَّ من ان تكون قادرة على التاثير في خلايا الملتقي العصبية، حتى يظهر تاثيرها عليه. لا بدَّ لهذا الشكل الجديد، من الطاقة، أو القوى، من إحداث تاثير فسيولوجي، أو كيموحيوي، في هذه الخلايا، تتم ترجمته فسيولوجياً، آخر الأمر، الى تلفظات، ورسائل منطوقة، أو مكتوبة، أو مرئية، أو متخيلة.

    إن التساؤل عن أثر ما هو ليس مادي، على المادة، لا ينطلق من مسائل غامضة، مثل تحضير الأرواح، فحسب، وإنما يطرحه العلم أيضاً ... أذ يحدثنا الكاتب، بأن العالم الفسيولوجي الكبير، اكلز 1953 قد أكد على الصغر المتناهي لبعض البنيات البيولوجية، التى يتم فيها الاتصال بين العقل والمادة. وهى تمثل المشابك، التى تلتقي فيها أفرع الخلايا العصبية المختلفة، والتى يقدر وزنها من 12 الى 13 جرام. ورغم صغر حجمها، يمكن ان تؤدي الاثارة عبرها، الى اطلاق مئات الآلاف من العصبونات، في أقل من جزء من الألف من الثانية. وبعد ايراد هذه المعلومات يتساءل الكاتب "هل تخول لنا كفاءة هذه الآلية التضخمية الافتراض بأن قوة لا مادية يمكن ان تحدث تاثيراً قوياً في عمليات الجسم العيانية وحركاته؟

    وفي النظر الى القضية من زاوية أخرى، يطرح الكاتب، اقتراح النظر في الافتراض القائل، بأن المادة تكمن فيها بدايات الحياة، والاحساس، والإرادة. ويحدثنا عن ان هذه الأفكار، التى يقول انها سميت أحياناً، وحدة الوجود، أو الحلولية، في الفلسفة القديمة والأديان، والتى تبناها فلاسفة محدثون، أمثال هوايتهيد، وهارتشون، وعلماء أحياء أمثال رنش، وتيلار، ديشاردن، وبيرش، ورايت، وغيرهم. يلخص لنا الكاتب رأي رنش 1960، على النحو التالي : "ليست هناك فجوات في الصعود التطوري للإنسان والحيوانات العليا من الدنيا لذلك ليس هناك أساس لانكار ان لكل الحيوانات بما في ذلك وحيدة الخلية أحاسيس ومشاعر نابعة منها ولا أساس لانكار الاحساس لدى النباتات. أما رايت 1964 فانه يقول "لا يستطيع عالم الأحياء الفيلسوف ان يتفادى مسألة علاقة العقل بالمادة" وذلك لأنه "لو كان العالم غير الحي خالياً من العقل تماماً، ولو انه مضى وقت لم يكن وجود الحياة فيه ممكناً كما هو واضح، فكيف ظهر العقل اذن ؟... ان انبثاق العقل من لا عقل بتاتاً ليس الا محض سحر ... يبدو ان المخرج المقنع الوحيد، ان يكون العقل عالمياً موجوداً لا في كل الكائنات الحية وخلاياها وحسب، وإنما في الجزيئات والذرات حتى في الجسيمات الأولية.

    يتفق دوبجانسكي مع هؤلاء العلماء، في ان إمكانية الحياة، كانت موجودة في العالم اللاعضوي. والدليل على ذلك انها ظهرت فيما بعد. وبالقدر نفسه، لا بدَّ ان إمكانية العقل، قد كانت موجودة، في مادة الخلايا الأولية الحية، لأننا نعرف ان كائنات عاقلة، نشأت فيما بعد ... وهو يوافق رايت في قوله "لو اننا لا نريد للعقل الإنساني ان يظهر بطريقة سحرية فلا بدَّ من ان يكون قد تنامى من عقل البويضة. وظاهرياً قبل ذلك، من جزيئات الحمض النووي دنا في نواتي البويضة والسائل المنوي اللذان يشكلان طاقمها الوراثي. لكنه أيضاً، يختلف مع هؤلاء العلماء، فكون إمكانية العقل، موجودة في البويضة، والسائل المنوي، لا يتبع منه بالضرورة، ان البويضة والسائل المنوي لها عقول. يقول دوبجانسكي "ان للحجر إمكانية ان يصبح تمثالاً لكن لا يتبع من ذلك ان هناك تمثالاً خبيئاً داخل كل حجر. لا بدَّ من التسليم بأن إمكانية الطفل موجودة، أو كانت موجودة، في والديه. لكن لنلاحظ انه حتى الطقم الوراثي لهذا الطفل المعين لم يتحقق إلا بعد ان توحدت هاتان الخليتان الجنسيتان. وحيث انه كانت للأبوين مئات البويضات وبلايين السبيرمات المنويات فقد كانت لهما أيضاً إمكانية انجاب أعداد لا حصر لها من الأطفال الآخرين. ولم تتقرر إمكانية الطواقم الوراثية التى تفوق الحصر إلا عند التخصيب... حتى بعد التخصيب فقد صار الجنين وليداً، وأصبح الوليد شخصاً، بالتدرج المنتظم، وبلا انقطاع في التنامي المتواصل الذى لا يتيح لنا مجالاً لتخيل ولوج عقل أو روح فيه. ولا أرى هنالك جدوى من افتراض وجود عقول في البويضات والسبيرمات "المنويات"، مهما تناهت درجة تخفيف تلك العقول. كما وليس هنالك معنى للقول بان لفافات الطعام الموجودة في أرفف البقالات حية وانها تحتوي على جرثومة شخصي، على الرغم من ان بعض محتوياتها قد تصبح كذلك بعد ان يتم استيعابها في جسدي".

    يذكر الكاتب، ان فكرة خلود الروح والعقل، مغرية لبعض المتصوفة، والمؤمنين بتناسخ الأرواح، ولكن لا مجال لها في العلم !! وفي تأكيد لذلك، يقول "ان المظاهر الخارجية على الأقل توحي بان العقول تنشأ وتتنامى ثم تختفي. فقد نشأ العقل الذى هو أنا على درجات، بدأ قبل حوالي ستة وستين عاماً، بوضوح من لا عقل بتاتاً، وإنما فقط من كروموسومات وسيتوبلازم ومواد غذائية لا عقل لها. قبل ذلك بسبعين سنة مثلاً لم يكن لهذا العقل أي وجود. ولو ان هذا محض سحر فهو سحر يملأ الدنيا. ومما لا شك فيه ان عقلي هذا سيختفي من الوجود بعد بضعة سنوات. البديل هو اقتفاء أثر أولئك الناس الذين يعتقدون بأن العقول لا تختفي وإنما يتم تخزينها في أماكن للنعيم المقيم أو اللعنة الأبدية المحتومة. غير أن هذا يصعب تصديقه وأصعب منه ان أصدق ان عقلي كان متربصاً في مكان ما خارج المسرح قبل سبعين سنة منتظراً دوره للولوج في الكروموسومة أو الخلية التى تناسبه.

    يخلص المؤلف في هذا الفصل، الى ان أصل الإنسان، ونموه، نتج عن لحظات تغيير ابداعية جذرية، وليس مجرد تراكم، أو نمو لما كان أصلاً موجوداً، فيقول "لقد كان أصل الحياة وأصل الإنسان نتاجاً لأزمات تطورية لحظات تغيير بلا عودة لحظات تحقق أشكال إبداعية للوجود. يمكن ان توصف هذه الابداعات الجذرية بأنها انبثاقات أو تجاوزات في السيرورة التطورية. ولا تخلو أي من هذه التعابير من دلالات ليست مرغوبة لكن التجاوز يبدو تعبيراً أفضل، لذلك نواصل استخدامه في الفصول القادمة. لم ينشا العقل الإنساني من شكل ما لبداءات عقول الجزئيات والذرات. وليس التطور ببساطة عملية إفراغ لما كان في حالة مختبئة منذ البداية. انه مصدر إبداع لأشكال من الوجود لم تطرأ أبداً من قبل على الحالات السالفة".

    أرجو ان أكون قد لخصت الأفكار التى طرحها الكاتب، في هذا الفصل، بصورة منصفة، تمكن من التعليق عليها دون اجحاف. أن التساؤل الأساسي، الذى يطرحه هذا الفصل، وربما الكتاب كله هو : ما هى المادة؟ وما هى الروح؟ العالم الذى نعيش فيه، هل هو عالم في الأساس مادي أم روحي؟ ذلك ان معرفتنا لمعنى حياتنا، ووجودنا، إنما تتحدد على ضوء الاجابة، عن هذه التساؤلات، وكذلك تصورنا لنشأة الحياة، وتطورها، وغايتها.

    ولا يختلف العلماء والفلاسفة، الذين طرح علينا دوبجانسكي آراءهم، بشأن تطور الجنين، داخل رحم الأم، من نطفة، هى خليط بين بويضة الأنثى، والحيوان المنوي للرجل، حتى يصبح بشراً سوياً ... ولكنهم يختلفون حول تفسير عملية التطور، قبل ذلك وبعده، وكيفية الانتقال من مرحلة الى أخرى، وعلاقتها بما سوى الإنسان، من الأحياء المعايشة له، أو الأشياء السابقة لوجوده، في البيئة التى يعيش فيها.

    رفض الكاتب، آراء الذين حين لا يجدون تفسيراً علمياً، لظاهرة من الظواهر، ينسبون الأمر الى الله ... وسمى هذه الظاهرة آلهة الفجوات، وأدان هذا الاتجاه بشدة، مع انه اتجاه طبيعي، ناتج من الاعتقاد بأن الله، يقدر على كل ما يعجز عنه الإنسان ... ولعل الايمان نفسه، ما هو الا معرفتنا بمبلغ حاجتنا لله، وعجزنا بازاء قدرته ... والبديل الذى يقدمه العلماء، ومنهم دوبجانسكي، لهؤلاء المؤمنين، ليس أفضل حالاً، لأنهم حين يرون فجوة، لم يستطع العلم سدها، يحتارون مثلما يحتار المؤمنين، ويقولون اننا لا نعرف الآن، ولكن العلم متطور، وسيفسر هذه الظاهرة في المستقبل !! فهل هذا الجهل الحاضر، وان شفع بالأمل في المستقبل، يعطي العلماء العذر للزراية بآراء البسطاء، الذين يعلقون كل همومهم، وعجزهم، على من يعتقدون انه أعظم منهم؟ إنني ألوم المؤمنين، اذا رفضوا الأشياء التى أثبتها العلم، وتعلقوا بمعتقداتهم، التى أوضح العلم بالعقل والمنطق خطأها، ولكنني لا ألومهم اذا أسندوا كل ما هو فوق طاقتهم الى الله، ما دام العلم المادي التجريبي، استوى معهم في جهلهم، ولم يعطهم بديلاً مقنعاً يفسر لهم ما اشكل عليهم.. وسيستمر تعلق الإنسان دوماً، بماهو أعظم منه، حين تعجز حياته، ولا يستطيع تفسير ظاهرة ما، وسيستمر قصور العلم المادي التجريبي، عن تفسير بعض الظواهر، مما يستدعي باستمرارآلهة الفجوات... حتى العلم الروحي، لن يفسر كل شئ، مما يجعل السير السرمدي، نحو الكمال المطلق، هو حظ الإنسان النهائي، ولا نهاية !! على ان الكسل الذهني، وعدم وجود روح التساؤل، والشك، والبحث، امراً غير مرغوب، وهو عامة، ما يوجد وسط المتشددين، من المتدينين، الذين يهرعون لنسبة أية ظاهر، للفعل الآلهي المباشر، دون النظر للأسباب الموضوعية، أو الآراء العلمية، التى توصل إليها العلماء، نتيجة عمل دوؤب مثابر ... هؤلاء هم من يستحقون ادانة العالم دوبجانسكي.

    ان المنطق، الذى رفض به دوبجانسكي النظرية الحيوية، التى ترجع التطور الى قوى حيوية، في الكائن الحي، لم يعثر عليها العلماء في المعمل، منطق مادي، لا ينهض وحده، لتحليل ظاهرة معقدة مثل الحياة، سيما حياة الإنسان ... ولعلّ هذا، ما حدا بـ ديكارت، ان يقرر ان الإنسان، يختلف من الآلة بالروح، وان الروح، ليست شيئاً مادياً ... وعلماء النظرية الحيوية، أنفسهم، لم يستطيعوا ان يحددوا، ما اذا كانت الحيوية طاقة، أم شئ آخر، ولكنهم يقررون انه العمليات الحيوية، تتم بتنظيم دقيق، يستهدف المحافظة على حياة الحي، واستمرار النوع. وفي عبارة سينوت "النسق المنظم الذى تضبطه رقابة أنشطته يوحي بوجود شئ بداخله تنحو هذه الأنشطة للتوافق معه، معيار، مستوى، هدف أو غاية ما يمكن ان يسميه الفيلسوف تيلوس كامن في مجمل الكتلة الحية".

    في تعريف الاستاذ محمود محمد طه "الروح مادة في حالة من الاهتزاز لا تتاثر بها حواسنا والمادة روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا" ** ويقول أيضاً "لقد أظهر العلم المادي العلم التجريبي، بانفلاق الذرّة، أن المادة، بصورها المتعددة، كلها وحدة.. بل ظهر ان المادة التى نعرفها فيما مضى، ونلمسها، ونحسها بحواسنا، أو ندركها بعقولنا، ليست هناك، وإنما هى طاقة، تدفع، وتجذب، في الفضاء... ويعرف العلم المادي التجريبي خواص هذه الطاقة، ولكنه يجهل كنهها ... بل ان كننهها لا يدخل في نطاق تجاربه ... ولا هو يدعي انه سيدخل، يوماً ما، في نطاق تجاربه ... وحين تطور العلم التجريبي المادي، حتى رد المادة في جميع صورها، الى أصلها الأصيل، في الوحدة – في الطاقة - تطور توأمه الدين، حتى لقد وصل بتصعيد التوحيد، الى رد كل المناشط البشرية، والطبيعية، في العوالم المنظورة، وغير المنظورة، الى أصل واحد ... إن العالم جميعه، ماديه وروحيه، إنما هو مظهر الله الذى خلقه، وقدره، وسيره ... على ذلك اتفق انجاز العلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التوحيدي.. بايجاز فإن البيئة التى نعيش فيها اليوم، وظللنا نعيش فيها عهودنا السحيقة، ونحاول التعرف عليها، بكل وسائل البحث، والتقصي، قد انكشفت اليوم، بفضل الله علينا وعلى الناس ... انها ليست بيئة مادية كما توهمنا – بمعنى المادة التى نالفها – وإنما هى في الأصل بيئة روحية ذات مظهر مادي ... هى ذات الله متنزلة الى حياته، ثم متنزلة الى علمه، ثم متنزلة الى إرادته، ثم متنزلة الى قدرته ... فبعلمه الإحاطة، وبإرادته التخصيص، وبقدرته التجسيد ... وبالتجسيد جاء المظهر المادي، بمعنى ما اصطلحنا عليه من معنى المادة ... فلما فتت العلم المادي، التجريبي، المادة، فردها الى طاقة معروفة الخصائص، مجهولة الكنه، وصلنا الى الإرادة الإلهية التى قهرت الوجود وسيرته الى الله ... إن العلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التجريبي – التوحيدي - اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود ... لقد انفلقت نواة المادة فاحدثت دوياً عظيماً وتوشك ان تنفلق نواة الدين، وسيسمع لها دوياً أعتى، وأعظم، من ذلك الذى أحدثته الذرّة حين انفلقت ... إن البيئة التى نعيش فيها إذن إنما هى بيئة روحية، ذات مظهر مادي ... وهذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التى ظهر قصورها، وإليها يرجع فساد الحكم، وقصور الحكام والمحكومين***

    أرجح النظريات العلمية عن نشأة الكون، هي نظرية الانفجار الكبير، وهى تقرر، ان الكون قد نشأ من انفجار ذري ضخم، وان البداية كانت الطاقة النووية، الناتجة عن ذلك الانفجار، والتى حين تحركت بتركيز معين، برزت منها المادة. ففي كتاب مارتن رييس:



    In 1965, about 13 billion years after the event, evidence of the hot, dense beginning of the Universe was detected - the Big Bang. The afterglow of creation still exists as background microwave radiation which gives rise to about 1% of the interference on a television set.

    Rees makes the surprising claim that we are 99% sure of what occurred one millisecond after the Big Bang, but events before that remain unexplained. There followed the formation of stars and so-called dark matter, the dominant stuff of our Universe. The properties of this common material are still largely unknown to Science.****



    فالوجود بدأ إذن بالطاقة، ولم يبدأ بالمادة، بل ان القدر الذى تجسد بصورة تدركها حواسنا، من الطاقة، محدود بمحدودية الحواس، ثم في مستوى أفضل، بمحدودية الأجهزة المتقدمة، التى تمدد من إمكانيات هذه الحواس، ثم هي لا تزال عاجزة، عن الاحاطة ببعض صور الطاقة من حولنا ... هذا رأي العلم المادي أما الدين - ونعني به هنا الإسلام - فإنه أيضاً يقرر ان البداية، كانت من الغازات، التى نتجت من الانفجار ... قال تعالى ]ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض آتيا طوعاً أو كرهاً قالتا اتينا طائعين[ والاشارة الى ان البداية، كانت انفجار، ترد في الصور التى تحكي ما يتم من دمار، في قيام الساعة، وذلك لقوله تعالى ]كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا انا كنا فاعلين[ !!

    وحين لا يعرف العلم المادي، أي شئ وراء الانفجار، أو قل وراء الطاقة، فإن الدين يقرر، ان الطاقة التى نرى مظهرها، ونجهل كنهها، هي الإرادة الإلهية !! وهى التى تنفعل لها الأشياء، على وجه لا نرى إلا آثاره، قال تعالى ]إنما أمره إذا أراد شيئاً ان يقول له كن فيكون[ ... والإرادة صفة وسيطة، بين صفتين، فمن أعلاها العلم، ومن أدناها القدرة ... فالله تبارك وتعالى، أحاط بمخلوقاته علماً، قبل ان يبرزها الى حيز الوجود، ثم تنزل من العلم الى الإرادة، فخصص الصورة التى سيبرزها بها، ثم أبرزها بقدرته، وفق احاطة العلم وتخصيص الإرادة ... وبحسبانها وسط بين طرفين، فإن الإرادة تحوي العلم وتحوي القدرة ... فالإرادة تنزل عن العلم، وهى أيضاً تنزل عن الأمر، في قوله ]إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون[ ... ولهذا فهى هى الروح، لأن الروح تنزل من الأمر، وهذا هو المشار إليه، في قوله تعالى ]ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلاً[!! وعن ان صدور الروح، من الأمر، يعتبر تنزل قال تعالى ]ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون[ ... فاذا كانت الإرادة في عمومها روح، بمعنى الطاقة العامة، التى تكونت منها المادة، فإن للروح معاني أدق من هذه، تُعد مستويات منها، لا تختلف في الأصل، وان اختلفت في الدرجة، لقربها أو بعدها عن الروح المطلق، الذى صدر عنه الوجود.

    فلقد سمى الله القرآن، وهو كلامه، الروح، فقال تعالى ]وكذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان[ ... وسمى العلم الرفيع، الذى يكتمل به الدين، الروح أيضاُ، فقال ]رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق[. وسمى جبريل الملك، الموكل بالوحي، الروح، فقال ]نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين[ ... وسماه روح القدس فقال ]قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين[ ... وقال ]وآتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس[ ... وعن الروح الإنساني، الذى في الجسد، وكونه تنزل عن الروح الإلهي، قال تعالى ]فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين[ !! وقال ]ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والافئدة قليلاً ما تشكرون[ ... وفي الاشارة الى ان كل الناس، إنما جاءوا من هذه الروح الإلهيه، جاء قوله تعالى ]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة[ !! ولقد ذكر المفسرون الأوائل، ان النفس الواحدة، هى نفس آدم عليه السلام، وهذا بطبيعة الحال، يصح في المعنى القريب، ولكن آدم نفسه، من الناس، وهو مخاطب بهذا الخطاب القرآني مثلهم، وهو قد خلق من النفس الواحدة مثلهم، ثم ان نفس آدم ليست واحدة، لأنه منقسم، وموزع بالمخاوف، وإنما النفس الواحدة هى نفس الله الواحد تبارك وتعالى.

    وكما ان العلم المادي قد قرر ان المادة العضوية (الحيّة) قد جاءت من المادة غير العضوية، فإن الدين قد قرر ذلك منذ أمد بعيد ... قال عز من قائل ]ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون[ وقال ]هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقةً ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدكم ثم لتكونوا شيوخاً، ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون[ ... وقال ]أولم ير الذين كفروا ان السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون[.

    فإذا وضح ان هذه الطاقة – الروح – الإرادة الإلهية – موجودة في نواة الذرة، فإن التفاعلات الكيمائية، التى عدّها دعاة النظرية الميكانيكية، عمل آلي، وحسبها دعاة النظرية الحيوية، ناتجة عن قوى حيوية، تسمى التيلوس، وعدّها علماء الوراثة، مجرد شفرات في الـ (دنا)، إنما هى جميعاً، إشارات للحقيقة الكامنة وراءها، وهى ان النمو، إنما يرتفق بجميع هذه الأشياء، ولكنه لا يحدث بها، وحدها، وإنما يتم بالأمر الإلهي، الذى قيدته الحكمة، بسنة التطور.

    يتفق دوبجانسكي، مع العلماء في ان المادة العضوية، جاءت من المادة غير العضوية ... وان العقل جاء من المادة، ولكنه لا يوافقهم، بأن صور المادة المختلفة، بها عقل، فيقول "ان المظاهر الخارجية على الأقل توحي بأن العقول تنشأ وتتنامى ثم تختفي. فقد نشأ العقل الذى هو أنا على درجات، بدأ قبل حوالي ستة وستين عاماً، بوضوح من لا عقل بتاتاً، وإنما فقط من كروموسومات وسيتوبلازم ومواد غذائية لا عقل لها. قبل ذلك بسبعين سنة مثلاً لم يكن لهذا العقل أي وجود. ولو ان هذا محض سحر فهو سحر يملأ الدنيا. ومما لا شك فيه ان عقلي هذا سيختفي من الوجود بعد بضعة سنوات. البديل هو اقتفاء أثر أولئك الناس الذين يعتقدون بأن العقول لا تختفي، وإنما يتم تخزينها في أماكن للنعيم المقيم أو اللعنة الأبدية المحتومة. غير ان هذا يصعب تصديقه، وأصعب منه ان أصدق ان عقلي كان متربصاً في مكان ما، خارج المسرح قبل سبعين سنة، منتظراً دوره للولوج في الكروموسومة، أو الخلية التى تناسبه".

    إن الموافقة على ان المادة العضوية، جاءت من غير العضوية، يعني بالضرورة، انها كانت كامنة فيها، على نحو ما ... وهذا ينطبق على العقل، فإنه قد أٌستل من الجسد، في تطور وئيد، بدأ ببروز الحواس، الواحدة تلو الأخرى، حسب الحاجة إليها، في صراع الحي في البيئة، فإنه لم يجئ من خارج المادة، لأنه ليس هناك شئ خارج المادة !! وإذا سلمنا بأن العقل ليس مادة، فلا بدَّ ان يكون المادة، التى جاء منها، على الأقل، تحمل بعض الخصائص اللامادية التى نراها فيه الآن، لأنها لا يمكن ان تجئ من العدم ... من هنا، فإن العلماء الذين نقدهم دوبجانسكي، قد كانوا أقرب منه الى الصواب، خاصة رايت الذى قال "لا يستطيع عالم الأحياء الفيلسوف ان يتفادى مسألة علاقة العقل بالمادة" وذلك لأنه "لو كان العالم غير الحي خالياً من العقل تماماً ولو انه مضى وقت لم يكن وجود الحياة فيه ممكناً كما هو واضح فكيف ظهر العقل اذن؟ ... إن انبثاق العقل من لا عقل بتاتاً ليس إلا محض سحر ... يبدو ان المخرج المقنع الوحيد ان يكون العقل عالمياً موجوداً لا في كل الكائنات الحية وخلاياها وحسب وإنما في الجزيئات والذرات حتى في الجسيمات الأولية".

    إن العقل في الإنسان، هو ملكة الادراك، التى تمثلها الإرادة البشرية، وهو الروح الإنساني، المنفوخ في الجسد. فاذا وضح لنا، ان في الذرّة تكمن الطاقة، وان الطاقة هى الإرادة الإلهية، التى منها صدرت الإرادة البشرية، وضح ان العقل، قد كان موجوداً منذ البداية، وإن كان وجوده قد دق عن ادراك الحواس... ولهذا سمى الله الإنسان إنساناً، قبل بروز العقل، فقال ]هل اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * انا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً[ فهو لم يكن مذكوراً، لأنه لم يكن له عقل، ولم يكن مكلف ... وعبارة نبتليه، إنما تشير للصراع في البيئة، الذى نتجت عنه الحواس ]فجعلناه سميعاً بصيراً[ ... والاشارة الى الحواس، هى اشارة أيضاً الى بروز العقل، لأن العقل إنما هو تمديد للحواس، بدخول الخيال في المسرح ... فإذا صح ما قررنا، فإن عبارة دوبجانسكي "فقد نشأ العقل الذى هو أنا على درجات، بدأ قبل حوالي ستة وستين عاماً، بوضوح من لا عقل بتاتاً" تحتاج الى مراجعة ... أما عبارة "ومما لا شك فيه ان عقلي هذا سيختفي من الوجود بعد بضعة سنوات" فهى أبلغ خطأ، من سابقتها، لأن العقل لو كان مادة أو طاقة، فإنه لا يختفي من الوجود، وإن تغير الى صورة أخرى !! فمعلوم ان المادة لا تفنى، ولا تستحدث، ولا تخلق من العدم ... وليس هناك عبرة، بعبارة دوبجانسكي، "البديل هو اقتفاء أثر أولئك الناس الذين يعتقدون بأن العقول لا تختفي وإنما يتم تخزينها في أماكن للنعيم المقيم أو اللعنة الأبدية المحتومة. غير ان هذا يصعب تصديقه وأصعب منه ان أصدق ان عقلي كان متربصاً في مكان ما خارج المسرح قبل سبعين سنة منتظراً دوره للولوج في الكروموسومة أو الخلية التي تناسبه" ... لأنه لا يرفض اعتقاد المتدينين بعلم، وإنما بعقيدة أخرى، مفادها عدم التصديق، بما يعتقد فيه المؤمنين !!

    لقد وقف الكاتب، عند موضوع الوراثة، واعتبرها النظرة المتقدمة لدعم التطور ... وحدثنا ان الوراثة، رغم ما فيها من توكيد، ولو جزئي، للنظرية الآلية، فقد كشف علم الوراثة، ان هناك طواقم من الجينات، تضم معلومات أو أوامر، تحدد مسار النمو ... وهى موضوعة في الجينات على صورة شفرة. ولقد وضع واطسون - كريك، فرضية، أثبتتها الحقائق التى أٌكتشفت، بعد بحثهما، فالجينات المختلفة تماثل الكلمات أو الفقرات DNA وهى ان الوراثة شفرة منقوشة في سلسلة جزئي الحمض النووي.

    على ان بحوث الوراثة تطورت بصورة مذهلة، منذ ان كتب دوبجانسكي كتابه، وأصبح علم الجينوم+ من أحظى العلوم الحديثة، بالأبحاث والمعاهد ... وحين تخصص العلماء في دراسة هذه الشفرات، ظهر علم الترانسكربتوم، الذى يعنى بقراءة هذه الكتب، المنشورة في الخلايا، والتى حوت المعلومات، عن كل الجنس. ففي التعريف بهذا العلم يرد :



    A transcriptome is a collection of all the gene transcripts present in a given cell. Genes are made up of helical molecules of deoxyribonucleic acid (DNA) that contain the blueprints for making proteins. In order to actually produce proteins, these DNA blueprints must be transcribed into corresponding molecules ribonucleic acid (RNA) referred to as messenger RNA (mRNA) or gene transcripts.

    The mRNA molecules then deliver the instructions for making proteins to ribosomes , which are tiny molecular “machines” found in the cytoplasm of the cell. In a process called translation, ribosomes “read” the mRNA’s sequence and produce a protein order specified by the genetic code.++




    وعن كون هذه الكشوف الحديثة يتوقع ان تصل الى اجابات شافية لبعض المسائل المعقدة يرد :



    The Human Genome Project (HGP) successful sequencing of the human genome has provided scientists with a virtual blueprint of the human being. However, this accomplishment should be viewed not as an end in itself, but rather as a starting point for even more exciting research. Armed with the human genome sequence, researchers are now trying to unravel some biology’s most complicated processes: how a baby develops from a single cell, how genes coordinate the functions of tissues and organs, how disease predisposition occurs and how the human brain works.(Ibid.



    لقد كنا نعتقد، إنما يمكن معرفته من تاريخ الإنسان، هو ما دُون بعد بداية عهد الكتابة، ولكننا الآن، بفضل الله، ثم بفضل علم الوراثة، وكشوفه العظيمة، عرفنا ان تاريخ الجنس، مسطر في خلايا الجلد !! والى هذا المعنى، أشار الله تعالى بقوله ]والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور[ ... فمادة الجلد، والأحماض التى تحمل الشفرات، وتلك التى تترجمها، والإرادة التى توجهها، لتفاعل معين، ينتج عنه مواد معينة، كلها من أصل واحد، ولا تختلف إلا اختلاف مقدار، وهذه هى وحدة الوجود.

    لقد ذهب دوبجانسكي، في هذا الفصل، الى تخطئة النظرية الآلية، والنظرية الحيوية، وخطأ قول القائلين، بأن الصور المتقدمة من الحياة، موجودة في الذرات، فما هى خلاصة رأيه، في الكيفية التى تم بها التطور؟ اسمعه يقول "لقد كان أصل الحياة وأصل الإنسان نتاجاً لأزمات تطورية لحظات تغيير بلا عودة لحظات تحقق أشكال إبداعية للوجود. يمكن ان توصف هذه الابداعات الجذرية بأنها انبثاقات أو تجاوزات في السيرورة التطورية. ولا تخلو أي من هذه التعابير من دلالات ليست مرغوبة لكن التجاوز يبدو تعبيراً أفضل، لذلك نواصل استخدامه في الفصول القادمة. لم ينشأ العقل الإنساني من شكل ما لبداءات عقول الجزئيات والذرات. وليس التطور ببساطة عملية إفراغ لما كان في حالة مختبئة منذ البداية. انه مصدر إبداع لأشكال من الوجود لم تطرأ أبداً من قبل على الحالات السالفة".

    لا شك ان دوبجانسكي، نفسه، يلاحظ ان حديثه هذا، عن الابداعات والانبثاقات، إنما هو حديث انشائي، أدبي، لا علاقة له بالعلم. وهو إن دل على شئ، إنما يدل على ان الكاتب، لا يستطيع ان يفسر، لماذا يطرأ على السير المحدد طارئ، فيغير مسار التطور، ويأتي بشكل جديد تماماً. ولقد واجهت دارون هذه القفزات، التى اعتمد عليها، كثير من نقاده، مما سوف نتعرض له عند مراجعة الفصول القادمة. على ان الدخول من مرحلة لأخرى، يقتضي تجميع خصائص المراحل السابقة، بصورة تتسامى، فتدفع الى هذه القفزة، التى تمثل مستوى جديداً، من بروز الحياة ... وكما ان التطور الوئيد، لا يتم إلا بتوجيه الإرادة الإلهية، فكذلك القفزة. على ان في القفزة، توجيه مباشر، لا يلقي بالاً، إلا القوانين السابقة، ليؤكد ان الأسباب، انما هى مجرد أعداد للمكان، لتلقي الإذن الإلهي ... والى هذه القفزة أشار تبارك وتعالى، في قوله ]ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثم انشأناه خلقاً آخراً، فتبارك الله أحسن الخالقين[ ... وإنما أشار بالخلق الآخر، الى بروز الإنسان، واختلافه عن أسلافه، من الحيوانات العليا، بالعقل ... وذلك لأنه بهذه اللطيفة الروحانية، يعرف الله، دون سائر الحيوانات الأخرى ... وهذا ما سوف نركز عليه، حين نتحدث في الحلقات القادمة، عن المعنى الحقيقي لحياتنا.

    يطيب لي، ان اختم مناقشتي لهذا الفصل، بعبارة دوبجانسكي "يبدو ان هناك مخرجاً واحداً من أزمتنا. لو اننا نستطيع إدخال الله في نهاية العلم، فلا بدًّ وان يكون موجوداً هناك من البداية وعلى طول الطريق".

    -نواصل-


    * Dobzhansky (1967) The Biology of Ultimate Concern. Chicago : First Meridian Printing. P.23. ( my translation)

    ** محمود محمد طه (1970) أسئلة وأجوبة . أمدرمان : السودان ص 53

    *** محمود محمد طه (1984) الديباجة. الخرطوم : السودان. مذكرة غير منشورة ص 15-16


    ****Martin Rees (2001) Our Cosmic Habitat. New Jersey, Princeton University Press. Reviewed by R. Andrew.

    +Genome is the total genetic information of a particular organism. The normal genome consist of 3 billion base pair of DNA in each of the 23 chromosomes from one parent. See: www.hhmi.org/genetictrail/glossary.html.

    ++ http:// genome.gov/10001177
                  

04-21-2008, 04:44 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة ؟!

    تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبزانسكي

    الفصل الثالث
    التطور والتجاوز

    http://www.arkamani.org/sceince-fundamentalism/contribu...ions/omargharai3.htm


    بدأ الكاتب، هذا الفصل ، بالحديث عن كلمة التطور، ومدلولاتها.. وكيف انها اصبحت شائعة ، واستشهد بعبارة سوروكين 1937 الذي أكد ان التطور قد اصبح " المقولة السائدة للادراك العقلي " اذ ان " النظرة الى الاشياء من منطلق اصولها وتناميها وتطورها هي رؤيتنا لكل شئ من الدين الى البورصة . لقد تجذر هذا المنظور في عقولنا وأضحى على درجة من العمق بحيث لا يستطيع الكثيرون منا ان يتصوروا أي مدخل لا تاريخي أو لا تطوري او لا تناموي لدراسة أية ظاهرة " [1] .. وبالرغم من شيوع الكلمة ، وكثرة استعمالها ، الا ان الكاتب يرى انه ( ليس هناك تعريف عام مقبول لكلمة التطور) !! [2] .. ولكنه يعدل قليلاً ، في التعريف الشائع ، الذي يقول ان التطور هو " التغير المتواصل أي المستدام) ، ليصبح في حالة التطور البيولوجي ( التغير المتواصل عبر اجيال متعاقبة ) [3] .. ينقل لنا الكاتب تعريف هكسلي 1955 الذي يقول "التطور عملية ذاتية الدفع وذاتية التحول وذاتية التجاوز ، محددة الاتجاه زمنياً ولذلك فهو غير قابل للالغاء ، ويولد في مساره ابداعاً متجدداً وتنوعاً متزايداً وتنظيماً معقداً ومستوى أعلى للوعي وفاعلية عقلية واعية متصاعدة" .. ولكنه لا يوافق على هذا التعريف ، وذلك لأن حالات ( الركود التطوري تبين ان التطور ليس ذاتي الدفع ، التطور اساساً صيرورة تلمس ، وهو صيرورة توجيهية في المرتبة الثانية فقط ، واحياناً يكون التطور تقهقرياً بدلاً من ان يكون تقدمياً ، الانشطار التطوري "زيادة التنوع" يتكرر بدرجة التركيز التطوري نفسها " التغيير داخل المجموعة نفسها" وقد نشا الوعي والوعي بالذات ، حسبما نعلم ، في خط تطوري واحد هو الذي يقود الى الانسان) [4]..

    حدثنا الكاتب بعد ذلك ، عن ان قصة الخلق ، التي جاءت في سفر التكوين ، في الكتاب المقدس . وذكر انها لو اخذت وحدها ، يمكن ان تفسر، وقد فسرت بالفعل، على اساس غير تطوري للطبيعة وللكون وللانسان .. وقد سادت هذه الرؤية ، غير التطورية ، حتى تحطمت تحت تأثير الاكتشافات العلمية ، في عصر ما بعد النهضة . ومع ان الكتاب المقدس- في رأي دوبزانسكي- لم ينكر كل تغيير، الا انه يرى ان تقرير الاسقف أوشر، بان الكون قد بدأ سنة 4004 ق.م، أوحى بانه لم يكن من الممكن للكون أن يتغير منذ بدأ الخليقة . على انه يبدو ان الكاتب ، يعتبر رفض التطور من تفسيرات الكتاب المقدس ، وليس من اصله ، ولذلك يقول ( تعد المسيحية من اكثر الاديان العظمى وعياً بالتاريخ ، وهي بهذا المعنى تطورية . إنها تؤكد أن تاريخ البشرية والعالم ليس مجرد وهم وليس شراً لا خلاص منه . فالتاريخ هو مركبة الخلق . لقد كانت للعالم بداية وستكون له نهاية. وقد وقع حدث محوري في لحظة معينة من التاريخ إذ اتخذ الله هيئة انسانية وعاش بين الناس . لذا فان الانسان يتموضع في مركز المعنى في التاريخ . وبكلمات تيليش 1963 فان التاريخ يتأكد في نداء الوعي الباطني المسيحي بطريقة تجعل الاجابة عن الاسئلة التي توحيها التباسات الحياة في بعدها التاريخي تكمن في رمز "مملكة الله" ولا يعني هذا بالضرورة عقيدة التطور التقدمي صوب حالة من الكمال ، وفي الواقع فإن المسيحية ورثت عن اليهودية مبدأ السقوط المأساوي للإنسان من حالة كمال بدئي) [5] ..

    يذكر دوبزانسكي ، ان نظريات التطور الكوني اللاعضوي ، ظهرت قبل نظريات التطور العضوي الحيوي . ويقف عند بدايات كتابة كانط 1755 في نظرية السديم الاولى ، وما كتبه لابلاس 1796و1808 عن ان الشمس الاولية ، كانت كرة من الغاز الملتهب ، وقد انفصلت اجزاء من هذه الكرة بفعل قوى الطرد المركزي ، فشكلت الكواكب والأقمار.. وخلص الى ان النظريات الحديثة ، يمكن ان تلخص في نظريتين : نظرية الثبات ، وروادها بوندي وقولد وهويل ونظرية الانفجار الكبير التي ارتبطت لحد كبير بقاماو . أما فحوى نظرية الثبات ، فهو ان الكون في حالة اتساع ، وتمدد ، وخلق مادة جديدة ، يهدف لجعل كثافة المادة في الكون في حالة ثبات تقريباً كل الوقت . ولهذا فان مجرات عديدة ، تتكون كل يوم ، كلما نفدت طاقة نجوم قديمة ، حتى يستمر هذا الثبات للكثافة الكونية . أما نظرية الانفجار الكبير، فانها تفترض ان الكون نشأ قبل حوالي عشرة الى خمسةعشر بليون سنة ، وكانت البداية انفجار كبير بلغت حرارته بليون درجة مئوية . ومع ان مركز الانفجار ظل ملتهباً ، وتكونت منه الشمس ، الا ان الاطراف بردت وتكونت من ذلك الكواكب والاقمار .

    بعد هذا الايجاز، ينتقل الكاتب الى التطور البيولوجي ، ويعتبره التطور الوسيط ، في ثلاثي التطور، وهو: الكوني البيولوجي ، الانساني . ويعتبر دارون- رغم انه مسبوق بآخرين - المكتشف الحقيقي للتطور، لثبات نظريته في وجه الزمن. على انه يخبرنا بان النظرية الحديثة للتطور، لا تتطابق مع نظرية دارون ، وان اتفقت معها فكرياً .. وذلك لانها استفادت من اكتشافات العلم الحديث ، خاصة علوم الوراثة ، والاجنة ، وغيرها.. فاصبحت اكفأ من نظرية دارون ، في الدلالة على التطور، والمقدرة على وصفه ، وربطه بشتى العلوم التي تؤثر على حياة الكائن الحي .

    يلخص لنا الكاتب نظرية التطور، بصورة هو يسميها مقتضبة، على وعد ان يعود اليها ، في اطار مختلف ، في الفصل السادس . يرى الكاتب ان الفرضية الاساسية في النظرية ، هي ان التطور يحدث بشكل رئيسي ، من استجابة النوع البيولوجي لتحديات بيئته . وفي هذا الإطار، تمثل البيئات المتغيرة ، أقصى التحديات ، لان الطاقم الوراثي الذي تشكل استجابة لتحديات البيئة القديمة ، ليس متوقع ان ينسجم تلقائياً، مع البيئة الجديدة . لقد تصور دارون ان الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي ، هو الطريقة التي تستجيب بها الكائنات الحيّة ، لتحديات البيئة . لكن الفهم الجديد الناتج عن علم البيولوجي الجديد، يقرر ان المادة الخام للتطور، هي الجينات المغايرة ، التي تنتج عن الطفرات الوراثية . ان الخاصية المذهلة للطفر الوراثي ، هي غموض عملية تواؤمه. الطفرات تظهر، بغض النظر عن كونها او انها يمكن ان تكون مفيدة ، في مقابل ظهور الطفرة المناسبة ، في وقت ومكان الحاجة لها. في الحقيقة معظم الطفرات ضارة . ان الطفور وحده ، دون ان يضبط بالاصطفاء الطبيعي ، لا يقود الا الى التدهور، والاضمحلال والانقراض . وحتى يشرح لنا الكاتب العلاقة بين الاصطفاء ( الاختيار) الطبيعي ، والطفرات الوراثية ، يشبه الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي بالمنخل ، لانه يحجز الطفرات القليلة المفيدة ، ويدع الضارة الكثيرة تمر. لكنه يعتقد ان هذا التشبيه مضلل، لانه يغفل الجنس وتفاعل الجينات . وذلك لأن الممارسة الجنسية ، ينتج عنها توالد توليفات ، من الاطقم الوراثية ، المتغايرة ، المتجددة ، التي تنشأ اصلاً كطفرات . هذا التوليف ، اهم بكثير من مجرد دمج الوحدات المستقلة ، واعادة دمجها .. اذ ان التواءم ، غالباً ما يعتمد، لا على الطفرة في حد ذاتها ، وانما على النسق الوراثي ، الذي توجد فيه . فالطفرة التي تكون مفيدة ، في توليفة جينية معينة ، قد تكون ضارة في سواها . بناء على هذا ، يعتبر الكاتب ، ان مثال المنخل ، ليكون صحيحاً ، يجب ان يكون منخلنا غير عادي ، يبقي الحبيبات او يلفظها، لا على اساس حجمها فقط ، بل ياخذ في الاعتبار، خصائص كل الحبيبات الاخرى الموجودة . نحن ، اذن ، لا نحتاج الى منخل ، وانما جهاز اتصال الكتروني دقيق (سبراني) [6] ، ينقل للكائن الحي ، معلومات عن حالة البيئة. هذا الجهاز، ايضاً، يجعل التغيرات التطورية الآتية ، متسقة مع السابقة ( لذلك يحتوي الطاقم الوراثي للنوع الحي على سجل لبيئاته السابقة وعلى بصمة بيئته الراهنة . اذن فالهبة الوراثية التي تنتج ليست "موزايكو" من الجينات التي تحتفظ كل منها بتاثيرها المستقل ، بل هي نسق متكامل ، لا يتأهل للبقاء ان لم تتوافق اجزاؤه مع بعضها البعض) [7]

    يطرح الكاتب، السؤال التالي : هل التطورات الكونية والبيولوجية والانسانية صيرورات منفصلة أم انها اجزاء وفصول أو مراحل لتطور كوني واحد ؟ وفي الاجابة على السؤال ، يقول (ببساطة شديدة فان الظواهر في المستويات غير العضوية ، والعضوية ، والانسانية ، تخضع لقوانين مختلفة خاصة بتلك المستويات. ليس ضرورياً ان نفترض عدم قابلية هذه القوانين للتعميم الاختزالي ، لكنه ليس مجدياً ان نصف ظواهر المستوى الاعلى ، بقوانين المستويات الادنى ) [8] ولكن مع ذلك يرى الكاتب انه ( من المؤكد ان هذه الابعاد أو المستويات ليست منفصلة تماماً عن بعضها البعض، بل هناك على النقيض من ذلك علاقات تغذية استرجاعية بين الحي وغير الحي وبين الانساني والحيواني. ومع ذلك فالابعاد المختلفة تتميز بقوانينها ووتائرها المختلفة التي يستحسن فهمها وفحصها في الاطارالذي ينتمي اليه كل منها ) [9] .. يستأنس الكاتب برأي أحد الماركسيين هو بريزنت 1963 الذي يقول "حيثما نشأ ، فلا بد ان المجتمع الانساني جاء من العالم الحيواني ، وقد كان العمل ، صيرورة الانتاج ، هي التي جعلت من الحيوان البشري إنساناً "[10]

    بعد ذلك ، يحدثنا الكاتب ، عن كيف ان ظهور نوع جديد تماماً ، يعتبر تجاوز في التطور، يختلف عن الصورة المألوفة .. ويفسر كلمة (التجاوز) ، بانها تعني الذهاب الى ابعد من حدود الامكانية التي كانت مستخدمة ، ولا تعني التجاوز بالمعنى الفلسفي ، والذي يعني التعالي أو السمو . ولشرح التجاوز يقول ( لقد تجاوز التطور الكوني ذاته حينما انتج الحياة . ومع ان العمليات الفيزيائية والكيمائية التي تجري في الاجسام الحية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تجري في الطبيعة العضوية ، فان انماط هذه العمليات تختلف في الطبيعة العضوية عن غير العضوية . لقد تجاوز التطور غير العضوي حدود الانماط الفيزيائية والكيمائية السابقة حين انبثقت عنه الحياة . بالمعنى نفسه فقد تجاوز التطور البيولوجي نفسه حين انبثق عنه الانسان ) [11] ..

    وعن نشاة الحياة ، يقول دوبزانسكي ( يقدر عمر الارض بحوالي بليوني سنة أو اكثر . لقد نشات الحياة أول مرة في ظروف بيئية مختلفة تماماً عن تلك القائمة الآن ، ولا يمكن استعادة تركيب هذه الظروف صناعياً الآن الا بصعوبة بالغة . لقد تكون الغلاف الجوي حينما بردت الأرض بروداً يكفي لتكثف بخار الماء وتكوين المحيطات ، من غازات مثل الهايدروجين والميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون مع كميات اقل من النتروجين والقليل من الاوكسجين السائب . وقد تمت دراسة التفاعلات التي يمكن حدوثها في مثل هذه الخلائط دراسة واسعة في المختبرات ، دلت على احتمال تكوين الفورمالدهايد وحامض الخليك وحامض السكسنك وحوالي عشرة حوامض امينية . هذه ومواد اخرى اشد تعقيداً ولا يتم تكوينها اساساً أو قطعياً الآن الا في الكائنات الحيّة ، نشات وتراكمت في محلول مياه المحيطات الخالية تماماً من الحياة ، جاعلة منها نوعاً من "حساء" المركبات العضوية . وكان ممكناً لهذه المركبات وفقاً لبونامبيروما 1965 ان تشمل البيورينات أدنين وقوانين والسكر الريبوزي والسكر الريبوزي الناقص الاوكسجين والنيوكلوسيدادينوسين . وهذه المركبات بالذات هامة على وجه خاص لانها من بين مكونات الحمضين النوويين دنا .) [12] DNA RNAورنا

    يرى العلماء ، الذين نقل لنا الكاتب آراءهم ، ان هذه المكونات الصغيرة ، تجمعت في جزئيات كبيرة ، تستطيع استنساخ ذاتها ، مثل "الدنا" . على ان الاستنساخ الذاتي ، وحده ، لا يعتبر دليلاً، على ان النسق الذي قام به، حياً . ولكنه مع ذلك ، يعتبر من الشروط الضرورية للحياة . والسبب في ذلك ، كما يحدثنا دوبزانسكي ، (لا يعني الاستنساخ الذاتي فقط ان النسق يبتلع مادة معينة من بيئته "طعام" ويحولها الى شبيهه " توالد" وانما يعني ايضاً ان أي تغيرات يمكن ان تحدث عملية الاستنساخ الذاتي طفرات ، يمكن ان تنعكس بمرور الوقت في الوتائر النسبية لتردد الانساق التي تغيرت والتي لم تتغير " اصطفاء طبيعي " . بكلمات أخرى فان بداية الاستنساخ الذاتي تفسح المجال للتطور البيولوجي . يمكن لهذا التطور ان يكون متصاعداً رغم انه ليس بالضرورة ان يكون كذلك . فتطور هذا النسق يمكن ان يتوقف بسبب انهاك البيئة أو لحدوث تغيرات تقلل من كفاءته "الانقراض" . ويمكن لو ظهرت انساق الاستنساخ الذاتي مراراً ، يكون معظمها قد ضاع دون ان يترك خلفاً . الذي يهم هو ان نسقاً واحداً على الاقل بقى و "ورث الارض" بان اصبح نقطة بدء التطور البيولوجي ) [13] ..

    وبينما ارخ ظهور الحياة حدثاً ضارباً في القدم ، نجد ان ظهور الانسان يعتبر امراً حديثاً ، وعن ذلك يحدثنا الكاتب فيقول ( عاش في شرق وسط افريقيا والاجزاء الجنوبية منهاخلال عصر البلايستوسين قبل مليون الى مليوني عام على الاقل نوعان من الاسترالبيتكوس " الانسان القردي الجنوبي" وهو جنس بشري "هومنيد" من عائلة الانسان ... وقد عاش في وقت لاحق في البليستوسين الاوسط عدة سلالات من الجنس هومو إراكتوس " الانسان منتصب القامة" المتفق على انه سلف الانسان الحديث ، الانسان العاقل " هومو سابينز" . وقد وجدت بقايا الانسان منتصب القامة في جاوة والصين وافريقيا وربما اوربا ايضاً. وقد عاشت في عصر الثلج الاخير قبل حوالي مائة الف سنة تقريباً فصائل انسان نياندرثال الذي ينتمي الى نوع الهومو سباينز واحتل المساحة الممتدة من غرب أوربا الى تركستان والعراق وفلسطين) [] وعن مدى تطور هذا الانسان البدائي يحدثنا الكاتب قائلاً (وجدت أدوات حجرية خشنة مرتبطة ببقايا الاسترالبيتكوس في كل من شرق ووسط وجنوب افريقيا . ويعد الكائن منتصب القامة الذي وجد في الصين أول من استخدم النار، كما دفن النياندرثاليون موتاهم ) [15] .

    ولما كان بروز الانسان من الحيوان ، أمراً عظيماً ، فقد راى بعض العلماء فيه ، تدخلاً إلهياً.. فقد ذكر الكاتب ان والاس ، الذي شارك داروين في اكتشاف دور الاصطفاء الطبيعي في التطور، اعتقد ان عقل الانسان بثته فيه قوى غيبية . واعتقد لاك1975 الشئ نفسه ، فقال " على المسيحي الذي يقبل مبدأ اصل الانسان التطوري عن طريق الاصطفاء الطبيعي ان يتحفظ بشان خصائص الانسان الروحية ونوازع الخيروالشر فيه التي لم تنتج عن هذا التطور وانما هي ذات اصل غيبي"[16] .. ومن النماذج البارزة في هذا الاتجاه ، برونر1952، والذي ينقل لنا الكاتب رأيه ، في العبارة التالية " يتميز الهيومانوم –الانسان- بشئ ما تفقده الحيوانات الأخرى تماماً ، يعبر عن نفسه ذاتياً بالروح وموضوعياً بخلق الثقافة . انه بعد لا وجود له في البيولوجيا ، قانون المعايير ، القدرة على إدراك المعنى والحرية والمسؤولية "[17]

    واذا تجاوزنا التطور البيولوجي ، فان التطور الفكري ، يثير تساؤلات اكثر تعقيداً. يخبرنا الكاتب ، ان العلماء قد لاحظوا ان الانسان حيوان منتصب القامة ، يسير على قدمين ، ودماغه كبير، اذا ما قيس بنسبة جسده . ولاحظوا انه قادر على اللعب ، وعلى التفكير المجرد ، وعلى الضحك ، وتاليف الرموز، واستخدامها ، وتعلم اللغة ، والتمييز بين الخير والشر، والشعور بالتقديس والتقوى . ولكن كيف ، ومتى نشات هذه القدرات ، اثناء انحداره من اسلافه الحيوانيين ؟ يعتقد الكاتب انه يستحيل علينا ان نقرر في ذلك. ثم يشير الى جدل العلماء ، حول ما اذا كان اكتساب القامة المنتصبة ، والمهارة اليدوية ، سابقاً او لا حقاً لاستخدام الآلات وصنعها. وكذلك يمكن ان تثار نفس الاسئلة ، حول القدرة على التفكير الرمزي ، وتاليف الرموز، والتوارث الثقافي . ورغم اعترافه بصعوبة هذه الاسئلة ، الا ان الكاتب يقرر ان الناتج ينمو مع الاداة ، والاداة تنمو مع الناتج . فالايدي ، التي تحررها القامة المنتصبة من المشي ، تكون أقدر على تنمية براعة معالجة الادوات . لكنه يرى في نفس الوقت ، ان القامة المنتصبة ، ليست ضماناً لان تستخدم الاطراف الامامية في معالجة الادوات . وضرب مثلاً بالكنجارو، الذي رغم انتصاب قامته ، لا يستخدم اطرافه الامامية التي لا يستخدمها للمشي ، في لمعالجة الادوات . وفي المقابل ، هناك بعض القرود تستخدم ايديها في معالجة الادوات ، رغم عدم انتصاب قامتها. على ان الخلاصة ، في كل الاحوال حسب راي الكاتب ، هي ان اضطراد استخدام الادوات ، يمنح ميزة اصطفائية ، لتطور المشي على قدمين، والعكس صحيح .

    وفي مضمار التطور الفكري ، يتعرض الكاتب للغة . ويقرر ان لغة الحيوان ، تختلف من لغة الانسان ، رغم ان كليهما يخدمان وظيفة الاتصال . وفي توضيح الفرق، يعتمد على دراسات هوكيت 1959 وآشر 1964 ، وما قدماه من شرح ، بان نداءات الحيوان ، أو اشاراته تقصي بعضها البعض تبادلياً. بمعنى ان الحيوان قد يستجيب لاحد المواقف ، بواحدة او اخرى من زخيرة نداءاته ، او قد يبقى صامتاً ، بينما اللغة الانسانية منتجة ، بمعنى ان الانسان يصدر الفاظاً ، لم يحدث ان صدرت عنه او عن غيره ، وهي مع ذلك مفهومة لمن يعرف تلك اللغة . والانسان يستطيع ان يتحدث عن اشياء ليست في نطاق رؤيته ، وعن الماضي ، والمستقبل، وعن الاشياء المتخيلة. يرى الكاتب ان للغة الانسانية ، ايضاً ، خاصية ثنائية التنميط . فهي تتكون من وحدات " فونيمات" ليست ذات معنى اذا اخذت بمفردها ، ولكنها تستخدم لتكوين ألفاظ ذات معنى . ان تعلم الانسان اللغة خاصية متوارثة بيولوجياً ، ولا يستطيع الشمبانزي ان يفعل ذلك، رغم مقدرة حنجرته، على اصدار كل الاصوات الضرورية . هذا العجز سببه -حسب رأي دوبزانسكي- غياب بعض الآليات الذهنية اللازمة . وأيضاً اللغات الانسانية تتالف من ألفاظ ، يبنى معناها اجتماعياً بالاتفاق .

    يرى الكاتب ، ان ان التطور البيولوجي ، قد تجاوز نفسه في الثورة الانسانية ، التي برز بها الهيومانوم "الانسان العاقل" . ولكن كان هذا محل جدل ، وريبة . فالذين يرون وجود فجوة لا تسد، بين الهيومانوم ، وحالة ما قبل الانسانية ، يرتابون حتى في وجود البداءات ، التي يمكن ان ينشأ منها الهيومانيوم ، في الحيوان . والذي يفوت على هؤلاء الذين يعتقدون في الفجوات التي لا يمكن عبورها، هو ان الجدة النوعية ، للحالة الانسانية ، هي جدة النمط وليست جدة مكوناته . ولهذا ، فان التجاوز لا يعني ان قوة او طاقة جديدة ، هبطت من لا مكان ، وانما يعني ان شكلاً جديداً من الوحدة ، والانسجام قد برز للوجود. ومع ان انكار وجود مكونات الهيومانوم في الحيوانات لم يعد ممكناً ، الا ان انكار وجود التركيبة الكاملة ، لتلك المكونات ما زال ممكناً . ومع ذلك ، يرى الكاتب الا يسقط هذا الاعتبار، ويحدثنا عن دراسات ، اثبتت قدرة بعض الطيور والثدييات، على تشكيل مفاهيم غير لفظية مجردة مثل العدد . فقد استطاع غراب ، ان يختار الصحن الذي وضع عليه الطعام ، من بين خمسة صحون ، ميزت بينها نقاط ملونة من نقطتين الى ستة نقاط بالترتيب. فبعد تدريب ، استطاع الغراب ان يلتقط الصحن الصحيح ، بعد ان عرضت عليه اللافتة التي تحوي ذلك العدد، من بين لافتات اخرى . يلاحظ الكاتب، أيضاً، ان للنحل رقصات رمزية ، يشير بها الى مكان الطعام .. ولكنه يقول بانها بالطبع لا تملك أية خاصة ، من خواص اللغات الانسانية . كما يعرض الكاتب الى ان الحيوان يقوم باللعب مع صغاره ، في عملية تاهيل لهم ، للاضطلاع بدور في المستقبل . وهذا يشبه لحد كبير، ما يقوم به الانسان . أكثر من ذلك، ان بعض القردة والنسانيس ، يمكن تدريبها على الزخرفة بالالوان ، وانتاج جماليات تضاهي لوحات كبار الفنانين. يذكر الكاتب في هذا الصدد، كيف ان كثير من علماء السلوك الحيواني ، تحدثوا كثيراً عن وجود بوادر سلوكية ، اخلاقية ، لدى الحيوانات ، مثل التعاون ، والايثار، والتضحية ، وغيرها.. ولكن الكاتب يرى ان هذه يصعب اثباتها بصورة لا تقبل للجدل .

    الاشكالية التي يتعرض اليها الكاتب في خاتمة هذا الفصل ، هي قضية الصدفة . يتساءل الكاتب : هل يمكن الاعتقاد بان الهيومانوم، نشأ عن طريق تراكم سلسلة من المصادفات؟ يورد الكاتب ، اعتراض كايكوس 1958، الذي يقول فيه " الاصطفاء اللوتري لا يفي بالغرض . الطفورية فشل مزدوج . ان أصل الانواع لا يمكن ان يعزى للصدفة وحدها ، حتى بعد ان يصححها الاصطفاء الطبيعي "[18] ويذكر ان غيره من العلماء ،اعترضوا اعتراضات بليغة مماثلة .. ولكنه يرى ان كثير منها، يعزى الى سوء فهم كلمة "الصدفة" او "العشوائية ". فمع ان الطفرات الوراثية ، لا تنشأ حيثما وحينما تكون هناك حاجة لها ، ولا تحدث الطفرات المفيدة فقط ، الا ان الطفرات ليست عشوائية . وهو يرى انها ليست عشوائية ، لان ماهية الطفرة التي تحدث في جينة معينة ، تحددها بنية تلك الجينة . ثم ان الطفرات ليست التطور، وانما هي المادة الخام ، التي يوجهها الاصطفاء الطبيعي ، لتحقق التطور. أن دوبزانسكي يرى ان الاصطفاء الطبيعي ليس صدفة ، الا بمعنى ان معظم الطواقم الوراثية في عشيرة ما ، لا تملك تمييزاً مطلقاً بالنسبة للطواقم الوراثية الاخرى، وانما تتميز عليها تمييزاً نسبياً فقط ، بالرغم من عبارة " الاصلح" في العبارة "البقاء للاصلح". فالاصطفاء الطبيعي ، يعتبر محققاً لو ان انجب طاقم وراثي مائة فرد ، مقابل تسعة وتسعون ينجبها حاملو طقم آخر، يختلف في وجود جينة طافرة بعينها. فيما عدا ذلك ، فالاصطفاء الطبيعي، عامل مضاد للصدفة . ويرى دوبزانسكي ان الاصطفاء الطبيعي (يمنح معنى تكيفياً للفوضى النسبية لتوليفات الجينات الطافرة التي لا حصر لها . وهو يفعل ذلك دون ان تكون له ارادة أو قصد او بصيرة[19] "ادراك للمستقبل").

    القضية الاخيرة ، التي تعرض لها الكاتب باقتضاب شديد ، ووعد أيضاً ان يبحثها في الفصل السادس، هي اشكالية الحتمية . ففي سؤال طرحه أتكن 1964 وهو : ماهو الشئ الذي امتلكه اسلاف الانسان دون سائر الحيوانات الاخرى فمنحه القدرة على حل ضائقته التطورية ؟ يجيب دوبزانسكي بان نمط التكييف الانساني ، كان احتمالاًً من عدة احتمالات توفرت لاسلافنا البعيدين .. والنمط الذي يتبعه أي من الخطوط التطورية المختلفة للثديات العليا، ليس مقرراً سلفاً . لقد كان اختراعاً تطورياً ، ولم يكن حتمي الحدوث . يقرر الكاتب ان هناك تفسيران للتطور: يرى احدهما ان كل التغيرات التطورية التي حدثت ، كان حدوثها مقدراً حتماً بالصورة التي حدثت بها . ويرى الرأي الآخر انه ربما كان هناك عدة طرق مختلفة ، لحل مشكلة التواؤم في نفس البيئة . وان أي طريقة من هذه الطرق ، استعملت في التطور، استطاعت ان تهرب من الحتمية . وانما بسبب عدم الحتمية هذا، يجد الكاتب نفسه متشككاً في الاعتقاد، بانه على افتراض وجود حياة في اجزاء اخرى من الكون ، انها ستكون مثل صورة الانسان ، او السوبرمان الذي يشبه الانسان العاقل . وهو لهذا يشارك العالمان سمبسون 1964 وبلوم 1965 الراي بان هذا الامر ليس فقط موضع شك ، وانما هو غير محتمل ، للدرجة التي تعني الرفض بالنسبة لاي نظرية علمية . هذا موجز للفصل الثالث ارجو ان يكون وافياً .

    أول ما تجدر الاشارة اليه ، هو ان التطور هو الحركة الحسية ، والمعنوية ، أوقل الجسدية ، والفكرية ، لتحقيق الكمال المطلق .. ومن هنا كان عملاً سرمدياً لا ينتهي !! وهوهوسنة الله ، التي قال عنها جل من قائل ( سنة الله التي خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) ..هو سنة الله ، بمعنى انه هوالموجه للقانون الطبيعي ، الذي سير الوجود ، ثم سير الحياة . والى هذا المعنى ، ترد الاشارة بقوله تعالى ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) !! وفان يعني متقلب في الصور، متغير، والا فان الفناء بمعنى النهاية ليس هناك !! ونحن حين نفنى ، لا ننتهي ، وانما تبدأ حياتنا ، في حيز جديد ، نكون فيه أكثر تطوراً ، لزيادة وعينا ، بواقع حالنا .. قال تعالى عن ذلك ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) .. وانما بالبصر الحديد ، ترى المشاكل بوضوح ، وتواجه على وجه أفضل .. والى كون التطور انما يسيرنا الى الله في إطلاقه ، أشار تبارك وتعالى بقوله ( وان الى ربك الرجعى) وقال أيضاً (وان الى ربك المنتهى)!!

    ومع ان التطور في جملة الحال تقدم ، الا انه ليس تقدماً في خط مستقيم .. وانما هوحركة موجة بين سفح وقمة . ففي السفح هبوط من القمة ، ولكن ريثما تحتشد الموجة لقمة جديدة . فالامم قد تتقدم ، وتشيد الحضارات ، ثم تنحدر، ويجئ من هم اقل تقدماً ، ولو كانوا لاحقين في الزمن .. والى هذا المعنى، اشار تبارك وتعالى بقوله (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ؟! كانوا اشد منهم قوة واثاروا الأرض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون ) !! وكما ان الامم قد تتقهقر في التطور، فكذلك الافراد قد يرتدوا في سلم التطور، معنوياً وحسياً .. والى الردة المعنوية ، اشار تبارك وتعالى بقوله ( أؤلئك كالانعام بل هم أضل سبيلاً) !! والى الردة الحسية اشار تعالى بقوله (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدقاً لما معكم من قبل ان نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً) وهذا النكوص هو ما يتفق مع عبارة دوبزانسكي (واحياناً يكون التطور تقهقرياً بدلاً من ان يكون تقدمياً...) [20]

    حين تحدث دوبزانسكي عن بداية الحياة كما جاءت في الكتاب المقدس ، قال انها فسرت تفسيرات تتعارض مع التطور، ولكن ذلك لم يمنعه من ان يعتبر المسيحية تطورية ، فيقول (تعد المسيحية من اكثر الاديان العظمى وعياً بالتاريخ ، وهي بهذا المعنى تطورية ....) !! [21] والحق ان المسيحية تحدثت عن الخلق المكتمل ، ولم تتحدث عن التطور ، وهذا ما جعل رجال الدين المسيحي ، والمسحيين المحافظين ، يعتقدون بان الايمان بنظرية الخلق الإلهي ، يتعارض مع نظرية التطور، حتى بلغ هذا الصراع ، في دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية ، ان يمنع تدريس نظرية التطور، في مختلف مراحل التعليم في بعض الولايات !!

    لقد تحدثت المسيحية ، عن ان الخلق تم في ستة أيام ، وفي هذا اشارة الى التطور.. ولكنها اشارة بعيدة ، لا تضاهي ما قررته من الخلق المباشر .. جاء في سفر التكوين (في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور . وراى الله النور انه حسن . وفصل الله بين النور والظلمة . ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً . وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً . وقال الله ليكن جلد في وسط المياه . وليكن فاصلاً بين مياه ومياه . فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وكان كذلك ودعا الله الجلد سماء . وكان مساء وكان صباح يوماً ثانياً. وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة . وكان كذلك . ودعا الله اليابسة أرضاً . ومجمع المياه دعاه بحاراً. وراى الله ذلك انه حسن. وقال الله لتنبت الارض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض. وكان كذلك . فأخرجت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً كجنسه وشجراً يعمل ثمراً بزره فيه كجنسه. ورأى الله ذلك انه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثاً . وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل . وتكون لآيات واوقات وايام وسنين . وتكون انوار في جلد السماء لتنير الارض . وكان كذلك . فعمل الله النورين العظيمين . النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل . والنجوم . وجعلها الله في جلد السماء لتنير الارض ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة . ورأى الله ذلك أنه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً رابعاً . وقال الله لتفض المياه زحّافات ذات نفس حيّة وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء . فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحيّة الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه . ورأى الله ذلك انه حسن . وباركها الله قائلاً اثمري واكثري واملأي المياه في البحار . وليكثر الطير على الأرض وكان مساء وكان صباح يوماً خامساً . وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حيّة كجنسها بهائم ودبّابات ووحوش أرض كاجناسها . وكان كذلك . فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبّابات الارض كاجناسها . ورأى الله ذلك انه حسن . وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا . فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبّابات التي تدب على الأرض . فخلق الله الانسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكر وأنثى خلقهم . وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وكل حيوان يدب على الأرض . وقال الله اني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر يبزر بزراً . لكم يكون طعاماً . ولكل حيوان الارض وكل طير السماءوكل دبّابة على الارض فيها نفس حيّة أعطيت كل عشب أخضر طعاماً . وكان كذلك . ورأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جداً . وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً . فأكملت السموات والارض وكل جندها . وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل . فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل . وبارك الله اليوم السابع وقدسه . لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً ...) [22]

    ولم يكتف الكتاب المقدس ، بعدم ذكر التطور، بل ذكر تواريخ تؤكد ، واعمار للانبياء يفهم منها ، ان بداية خلق الانسان كانت قريبة .. ومع انه ليس هناك تحديد ، في الكتاب المقدس ، للوقت الذي بدأ فيه خلق الانسان ، أو خلق آدم ابو البشر، الا انه قياساً للاحداث المفصلة في العهد القديم ، وبعض التواريخ ، واعمار الانبياء ، يمكن تجميع هذه المعلومات لتقدير وقت بدء الانسان . على ان هذه التقديرات ، ادت الى اختلافات في التفسير ، ففي (التفسير الحرفي والذي كان آشر رئيس الاساقفة أفضل دعاته " توفى عام 1656 م " وعلى اساس حساباته وضعت التواريخ التي حددها في حاشية بعض ترجمات الكتاب المقدس . وهذه النظرية تاخذ التواريخ المذكورة لمولد وممات الآباء كما هي بالاضافة للفارق الزمني بين مولد كل واحد من الآباء ومولد الذي يليه ، مجموعاً الى عمر آدم عند مولد شيث يكون المجموع الكلي 1656 عاماً من الخليقة الى الطوفان ، 290 عاماً من الطوفان الى مولد ابراهيم وذلك بناء على ما جاء في التوراة العبرية "الماسورية".... نظرية الاسرات : وتزعم ان الارقام الكبيرة لأعمار الآباء الاولين أنما تشير الى المدد التي سادت فيها أسرة كل منهم ، فمثلاً رقم 930 عاماً لآدم ، أعقبه 912 عاماً لشيث وهكذا تتجمع هذه الارقام لتغطي آلاف السنين .... يزعم البعض ان وحدات الزمن في العصور القديمة للانسان كانت تختلف عنها الآن ، وان وحدة الزمن كانت اصلاً دورة القمر ، وبذلك تكون حياة متوشالح 969 دورة قمرية ، اي 969 شهراً ، او ما يزيد قليلاً عن ثمانين عاماً بحسابنا الآن) [23] وبناء على هذه التقديرات التي جاءت في الجدول الزمني لدائرة معارف الكتاب المقدس فان آدم قد خلق عام 3901 ق.م وان نوح قد ولد عام 2845 ق.م وابراهيم ولد عام 1955 ق.م ويعقوب 1795 ق.م ويوسف ولد عام 1704 ق.م وموسى 1528 ق.م وداوود 1041 ق.م[24]

    فاذا كان آدم ، الذي ورد في الكتاب المقدس ، هو أول انسان ، كما يظن سائر المسيحيين وسائر المسلمين ، فان علماء الكتاب المقدس انفسهم ، يشعرون بالمفارقة في هذه التواريخ ، لانه ( بناء على أكثر التقديرات والاعتبارات الجيولوجية و الانثروبولجية تحفظاً ان هذا الحساب لا يتسع للحقائق المعروفة عن عمر الارض ولا عن عمر الانسان على الارض ولا عن التواريخ الثابتة . بل ان المنهج المتحفظ في تحديد الأزمنة للبروفسير بريستيد يجعل اول تاريخ ثابت في تاريخ مصر هو بالتحديد بداية التقويم الشعراني " على اساس ظهور نجم الشعرى اليمانية " هو 4241 ق.م أي انه يسبق التاريخ الذي حدده آشر لخلق العالم بمائتي عام . بالاضافة الى انه في ذلك العهد كان هناك اساس فلكي لحساب الزمن ، مما يعني ان عصراً من الثقافة كان قد مضى بالفعل ... ومن الملاحظات المثيرة على الطريقة الحرفية في حساب الأزمنة ، انها تجعل نوحاً يعيش الى ان بلغ ابراهيم سن السبعين ، كما تمد عمر سام حتى تجعله معاصراً ليعقوب ) !! [25]

    المسيحية اذن -على اتفاق يكاد يكون تاماً بين جميع فرقها- تتعارض مع المفهوم السائد لنظرية التطور، فما هو موقف الاسلام ؟! الاسلام يقع على مستويين : المستوى العقيدي ، وعمدته التفسير، وهويمثل عموم الفهم السائد حتى الآن، وهذا لا يختلف كثيراً من المسيحية ، في هذه القضية .. والمستوى العلمي من الاسلام ، وعمدته التأويل ، وهذا يتفق مع التطور، ويمثله الفهم الذي طرحه الاستاذ محمود محمد طه . أما الفهم التقليدي ، فقد جاء فيه (روي عن ابن عباس وغيره ان أول ما خلق الله عز وجل الماء وكان عرشه عليه . فلما أراد ان يخلق أخرج من الماء دخاناً فوق الماء سماه سماء. ثم أيبس الماء فجعله ارضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومي الاحد والاثنين. وخلق الأرض على حوت والحوت هو الذي ذكره الله سبحانه في القرآن في قوله " ن . والقلم وما يسطرون" والحوت في الماء والماء على الصف والصف على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة على الريح ... فاضطرب الحوت فتزلزلت الارض فأرسى الله عليها الجبال فقرت الأرض ... وخلق الجبال فيها وخلق أقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومي الثلاثاء والاربعاء ...فكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبعاً في يومي الخميس والجمعة ... ثم بعث الله جبريل ليأتيه بطين منها فقالت : أعوذ بالله منك ان تنقصني. فرجع فلم يأخذ شيئاً، وقال : يا رب انها عاذت بك . ثم بعث الله ميكائيل فقالت له مثل ذلك فرجع ولم ياخذ شيئاً . فبعث الله ملك الموت فعاذت بالله منه . فقال : وانا أعوذ بالله ان ارجع ولم انفذ أمره . فاخذ منها تربة سوداء وحمراء وبيضاء. فلذلك خرج بنو آدم مختلفين في الالوان وسمي آدم لأنه اخذ من أديم الارض... وتركه حتى صار طيناً لازباً يلزق بعضه ببعض أربعين سنة ثم تركه حتى انتن وتغير أربعين سنه.. ثم صوره وتركه بلا روح من صلصال كالفخار حتى أتى عليه مائة وعشرون سنة ... قال المسعودي : وما ذكرناه من الاخبار في مبدأ الخليقة هو ما جاءت به الشريعة ونقله الخلف عن السلف والباقي من الماضي . فعبرنا عنهم على حسب ما نقل الينا من الفاظهم ووجدناه في كتبهم ...) [26]

    وهكذا نرى ان الشبه ، بين بدأ الخليقة في المسيحية وفي الاسلام ، بفهمه التقليدي السلفي ، كبير. وتبقى بعض الفروق سببها اختلاف الزمن ، وتطور العقل البشري ، مما جعل رسالة الاسلام أكثر منطقية ودقة في التعبير، ومن تلك الفروق ان المسيحية ، اعتبرت قصتها جزء من الكتاب المقدس ، بينما اعتبرها الاسلام شروح للكتاب ، وآراء تقبل الجدل .. ولقد اتفقت المسيحية والاسلام ، علىان الخلق تم في ستة ايام ، وذكرت التوراة ان الله استراح من عمله في اليوم السابع !! أما في القرآن فقد قال تعالى ( ولقد خلقنا السموات والارض ومابينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) أي لم يصيبنا تعب . وهذا تصور لله ، أرقى من تصور التوراة ، الذي جعله تعالى يتعب من العمل ، كما يتعب أحدنا ، ويحتاج للراحة !! ومن تميز الاسلام على المسيحية ، انه ذكر التطور بالنص فقال تعالى ( مالكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم اطواراً ) .. وفيما عدا ذلك ، فان الصورة في المسيحية وفي الاسلام التقليدي ، قريب من قريب .. ولقد ورد في المسيحية وفي الاسلام ، ان آدم خلق في مقام رفيع في الجنة ، ثم رد عنه بسبب الخطيئة .. والى ذلك اشار دوبزانسكي بقوله (وفي الواقع فإن المسيحية ورثت عن اليهودية مبدأ السقوط المأساوي للإنسان من حالة كمال بدئي) [27] ..

    أما في الفهم العلمي للاسلام ، فان قصة الخلق هي القصة التي يدور حولها القرآن ، في مجمله ، وفي تفاصيله ، واليها الاشارة بقوله تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن...) . وانما كانت أحسن القصص، لأنها قصة الانسان ، وليس في الوجود الحادث غير الانسان ، في طور من اطوار تطوره .. ولأنها سيرة الانسان نالت هذه المكانة ، وبها اصبحت أكمل القصص ، فكل قصة سواها، هي دون مداها ، لأنها جزء منها..

    لقد صدر الوجود ، عن الله سبحانه ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) . وكونه الاول ، فان الشئ الثاني ، لا بد ان يكون قد جاء منه، فان الله لم يخلقنا من العدم ، لأنه ليس هناك شئ اسمه العدم ، قبل الله ولم يكن هناك شئ اسمه العدم ، بجانب الله ، ليخلق منه !! فلم يبق الا ان الله تبارك وتعالى، خلقنا من نفسه ، ما دامت البداية هي وجوده سبحانه وتعالى .. ولقد نعى الله على المشركين ، ظنهم بانهم خلقوا من العدم – من لاشئ - فقال تعالى ( أم خلقوا من غير شئ ؟! أم هم الخالقون؟! ) والى كوننا خلقنا منه تبارك وتعالى ، الاشارة في قوله ( ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) !! ولقد ذكرت في الحلقة الماضية ، لماذا لم نعد نقبل تفسير المفسرين ، بان النفس الواحدة هي نفس آدم !!

    وانما جرى الخلق بالتنزل ، فتنزلت الذات العليّة من الاطلاق الى القيد ، في مرتبة العلم ، ثم تنزل العلم للإرادة ، ثم تنزلت الإرادة للقدرة ، وبالقدرة برزت المخلوقات في عالم الملك (عالم التجسيد ) ، بعد ان كانت في مستوى العلم ، في عالم الملكوت (عالم الارواح) .. في قمة الملكوت برز الانسان في اكمل صورة ، والى ذلك ، الاشارة بقوله تعالى ( ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ) أي في اقرب صورة للكمال .. ولكن الانسان الكامل ، رد من أعلى عالم الملكوت ، الى اسفل عالم الملك ، وعن ذلك قال تعالى ( ثم رددناه اسفل سافلين) .. ولقد ذكر بعض المفسرين ، ان أسفل سافلين هي قاع الارض السابعة ، ولكنها تعني أحقر صور المادة ، وهي ذرة غاز الهايدروجين ، فانها هي التي احدثت الانفجار الذري الذي ظهرت به الاكوان . ولقد كان مركز الانفجار ملتهباً ، ثم بدأت اطرافه البعيدة تبرد، وتتشكل في مادة ، والى هذه المرحلة ، الاشارة في حديث دوبزانسكي حين قال ( لقد تكون الغلاف الجوي حينما بردت الأرض بروداً يكفي لتكثف بخار الماء وتكوين المحيطات ، من غازات مثل الهايدروجين والميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون مع كميات اقل من النتروجين والقليل من الاوكسجين السائب ). والى بخار الماء هذا الاشارة بقوله تعالى (ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض اتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين) وفي الماء الذي تكثف برزت الحياة ( وجعلنا من الماء كل شئ حي) ، وهي انما برزت في الماء المخلوط ، بكل هذه الغازات وبالتراب ، حتى تحول الى طين مختمر، ظهرت فيه جرثومة الحياه .. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) فالنطفة الامشاج هنا ، هي قطرة الماء المخلوطة بالتراب ، وبالغازات المختلفة ، والتي فيها تكونت الخلية النباتية ، ثم الخلية الحيوانية ، والى كوننا نحن البشر، كنا في تلك المرحلة الاشارة ، بقوله تعالى (والله أنبتكم من الأرض نباتاً) !! أو يقول( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) !! ثم في مرحلة متقدمة، من التطور ، نجد النطفة الامشاج تعني ماء الرجل المخلوط ببويضة الانثى، فان الانسان يحكي في رحم الام ، رحلته كلها في التطور، مختصرة في تسعة اشهر!! وهو لم يصل الى هذه المرحلة ، الا بعد ان تقلب عبر سلالات كثيرة ، من الأحياء ، التي عج بها الماء والطين .. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) !! ومن مستوى النبات ، تطور الانسان الى أدنى الحيوانات المائية ، ثم الزاحفة ، ثم الثديات ذوات الاربعة ارجل ، ومن هذه جاء الانسان يمشي على رجلين ، بعد تطور وئيد وطويل . ولقد حكى الله تعالى كل هذه المراحل ، في آية واحدة، وذلك قوله (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير) !! والاشارة الى التطور في الآية ، انما تلتمس في انهم جميعاً ، من أصل واحد هو الماء .. ولقد تقلبت الحياة ، زمناً طويلاً في الصور، قبل ان يجئ الانسان ، العاقل، المكلف.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( هل أتى على الانسان حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً؟! ) ..(وهذه الحياة البدائية ، التي سبقت حياة الانسان علىالأرض ، او قل هذه الحياة ، التي لم تبلغ طور التكليف ، فتكون حياة انسانية ، هي حياة الحيوان ، في مختلف صورها ، سواء كانت في الماء ، أو في اليابس ، او في الجو ، وهي حياة تسير على قانون واحد ، هو قانون الغابة " القوي ياكل الضعيف" ، وهو ما اسماه دارون قانون تنازع البقاء، وهو قانون يعيش الحي فيه احمر الناب والمخلب او يموت ، والى ذلك الاشارة ، بقول الملائكة في الآية " واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماءونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟! قال اني أعلم ما لا تعلمون " فقول الملائكة " اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " مبني على ما الفوا من صنيع سكان الأرض ،على ذلك العهد، وقول الله " اني أعلم ما لا تعلمون" مبني على علمه تعالى ان الكتاب قد بلغ أجله ، وان التنازع بين أحياء الارض قد آتى اكله ، وان الحيوان، السوي، الذي يكون النقطة الفاصلة بين الحيوانية والانسانية ، قد اكتمل، وان موعود الله بنفخ روحه في هذا الحيوان السوي قد وجب . ولذلك قال تعالى في المعنى المتقدم من الآية السابقة " واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " !! والنفخ من روح الله هنا ، معناه الذكاء اللماح ، الذي انماز به الانسان عن الحيوان، وعليه انبنى التكليف ، وبه وجب التشريف ، وهذا نتيجة مباشرة للصراع بين الحي وبيئته ، وهو ما اسماه دارون بتنازع البقاء ، وهو بعينه ما اسماه الله تعالى " بالابتلاء" في الآية الكريمة " انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً " ... ونطفة أمشاج لها معنيان يستقيمان مع ما اسلفت القول فيه ، من ان هناك خلقتين للانسان : خلقة بدأت من الطين بحيوان الخلية الواحدة ، ثم تطورت في المراقي المختلفة ، حتى بلغت طور الانسان .. وخلقة تحدث كل يوم ، حيث ينسل الناس اناساً كاملين .. فنطفة أمشاج معناها في الخلقة الاولى ماء مختلط بطين .. فان النطفة في الاصل الماء النظيف ، والمشج والمشيج ، الشئ المختلط بعضه في بعض ، ولذلك قلت ان نطفة امشاج ، معناها ماء مختلط بالطين ، وهو ما نشأت منه حياة الحيوان ، ذي الخلية الواحدة ، وفي الخلقة الثانية فان معنى نطفة امشاج ماء الرجل وماء المرأة ) [28]

    فالانسان قد ظهر قبل حوالي مليوني عام ، كما نقل لنا دوبزانسكي ، وفي تقديرات احدث من ذلك ، ورد انه ظهر قبل ستة ملايين سنة ، فقد جاء :


    A team of scientists led by an anthropologist at University of California – Berkeley has discovered the fossilized remains of what they believe is humanity’s earliest known ancestor, a creature that walked the wooded highlands of East Africa nearly 6 million years ago. [29]


    هذا الانسان البدائي ،الذي اكتشف النار، وعاش في الكهوف ، سبق آدم ابو البشر بزمن طويل .. وقد جاء آدم أبو البشر، عالماً، ونبياً، وصاحب رسالة لذريته من بعده . واذا تجاوز تقدير وقته ، ما ورد في الكتاب المقدس ، وهو حوالي ستة ألف سنة ، فانه لن يتجاوز ذلك بكثير .. ولعل ما أدى لهذا اللبس ، حتى في تفسير الاديان، هو ان هناك الانسان الاول ، الذي خلق كاملاً او يكاد في الملكوت ، و هو أبو الخليقة كلها، لانه حين رد الى أسفل سافلين ، برزت عنه جميع الخلائق بالتطور.. وهذا لم يكن آدم ابو البشر الحاضرين ، وانما آدم مرحلة متقدمة منه ، في طريق الرجعى .. والرجعى إنما تكون الى الله ( وان الى ربك الرجعى ) حيث سقط الانسان من مستوى الكمال . وهذا ما يجعل التطور يطرد ،ولا يقف حتى عند مستوى البشر الحاضرين. [30]

    وعن بداية الكون ، يشرح لنا دوبزانسكي النظريتين الشهيرتين : نظرية الانفجارالعظيم ، ونظرية التمدد، من غير ان يرجح واحدة على الاخرى .. ولقد كان الانفجار الذري هو البداية ، وتبعه التمدد ، الذي نتج عن ما اشار اليه دوبزانسكي من قوة الطرد المركزي . والعلماء لا يعرفون شيئاً قبل الانفجار الكبير فهو عندهم البداية .


    In the beginning, there was nothing at all. This is a very difficult concept, and one which causes a great deal of misunderstanding among many people who have heard of the idea of the ‘Big Bang’ the creation of the Universe as we know it in some vast explosion of matter and energy. From our everyday experience, we know what a big bang is like- a concentration of matter, triggered by some energetic process, blasting outward into space. Even many astronomers, I suspect, have as their own personal image of the Big Bang the explosion of a star “a supernova” magnified by as great a degree as their imaginations will allow.
    But before the Big Bang of creation, there wasn’t even any empty space. Space and time, as well as matter and energy, were created in that ‘explosion’ and there was no ‘outside’ for the exploding Universe to explode into, since even when it was only just born and beginning its great expansion, the Universe contained everything including all empty space…And not just space but its counterpart, time, the other facet of the space-time fabric. The flow of time as we know it also began with the Big Bang so that it may be literally meaningless to ask what happened ‘before’ the Big Bang-perhaps there was no ‘before’! [31]


    وعن نشأة الكون وتمدده يحدثنا الاستاذ محمود محمد طه ، في وقت سابق للدراسات الفلكية الحديثة ، بعد ان ذكر الانفجار الكبير قائلاً ( ثم أخذ هذا الغاز يتكاثف ، ويتراكم ، مكوناً بذلك بلايين المجرات ، التي تحوي كل مجرة منها بلايين الشموس ، ومن كل اؤلئك يتكون عالمنا الحاضر.. ونحن لا نكاد نرى بعيننا المجردة ، الا مجرة واحدة ، هي ما نسميه " بمجر الكبس" ، وهي وشاح يلف نظامنا الشمسي لفاً، نرى بعضه ، ويغيب عنا في الجانب الآخر من الارض بعضه . ويقع اقرب شموس هذه المجرة الينا ، على بعد 20 الف سنة ضوئية . والسنة الضوئية مسافة مقدارها 6 مليون مليون ميل . ونحن بواسطة المنظار الفلكي ، نرى مجرات على بعد بليوني سنة ضوئية ، وبعبارة أخرى ، انا نرى هذه المجرات بالضوء الذي غادرها الينا قبل بليوني سنة !! ومعلوم ان الضوء يسير بسرعة 186 ألف ميل في الثانية الواحدة ، ومع ان هذا المنظار الفلكي ، الذي يرينا الشموس على بعد بليوني سنة ، هو أقوى منظار يعين العين البشرية على الرؤية البعيدة ، الا ان الفلكيين المعاصريين لا يرونه كافياً لسبر اغوار الفضاء ، وينتظرون من المنظار اللاسلكي " منظار الراديو" ، الذي يسجل الموجات الصوتيه المنبعثة من المجرات ، التي قد تبعد منا نحو خمسة او ستة بلايين سنة ، ان يحل محل المنظار الحاضر، ليعطي فكرة ادق عن العوالم ، التي تحيط بنا.. وحتى هذا لا يحسب شيئاً ذا بال ، في هذه الاكوان الرهيبة ، التي تكون عالمنا العجيب !! وهذا العالم العجيب ، ما نشهده منه وما يغيب عن شهودنا ، ولا يشهده الا الله " ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم" ، يؤثر في حياتنا اليومية تاثيراً مباشراً..

    وهذه الذرّة البدائية الاولية ، التي بتفتتها، ثم تجمعها وتكاثفها ، كونت العوالم المرئية وغير المرئية ، لا تزال تتفتت ، وتتناثر، وتنشأ منها النجوم ، وترسل في الكون الضياء .. فان دراري السماء ، تتناسل كما تتناسل ذراري الأرض، ويتسع الفضاء لنسلها ، كما تتسع الأرض لنسل احيائها ..واستمرار تفتت هذه الذرّة البدائية ، يعلل الملاحظة التي توصل اليها الفلكيون المعاصرون ، وهي ان الكون لا يزال يتسع الى اليوم وتتباعد نجومه ... وداخل هذا النطاق المشرق المضروب حولنا ، يوجد عالمنا الصغير الذي نسميه النظام الشمسي . وهو يتكون من اسرة صغيرة ، قليلة ، ضئيلة ، هي أسرة الشمس من الكواكب السيارة ، وهي عطارد ، والزهرة ، والارض ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل ، واورانس ، ونبتون ، وبلوتو.. ويبعد اقصاها ، وهو بلوتو، عن الشمس مسافة 3670 مليون ميل . بينما أقرب نجوم النطاق المشرق ، المضروب حولنا ، الى الشمس يبعد بمسافة 26 مليون مليون ميل !! وتطور حياتنا في هذا النطاق ، تحكيها الآية التي ذكرتها آنفاً ، بنفس القدر الذي تحكي به هذه الآية ، خلق الاكوان جميعها، وتلك الآية هي قوله تعالى " أولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلايؤمنون * وجعلنا في الأرض رواسي ان تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتنا معرضون * وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)...

    ولقد أجمع الفلكيون ، في الوقت الحاضر، ان الاسرة الشمسية من الكواكب السيارة ، كانت جميعها كتلة واحدة مع الشمس ، ثم حصل ان نسلت عنها ، واخذت مداراتها حولها ، وبردت على اقدار متفاوته ، وفقدت نورها ، أو القدر الذي كانت تملكه ، عندما كانت جزءاً من أمها الشمس ، واصبحت لا نور لها ، الا ما تعكسه على صفحتها ، من نور الشمس .. ويكاد يجمع الفلكيون ، على ان انفصال الارض عن الشمس ، حصل قبل حوالي خمسة بلايين سنة . ومن وقتها، أخذت تبرد، وتتهيا للحياة ، ببروز تربتها ، ومياهها ، ومناخها ، الذي كان يغلب عليه ، مركبات غاز الهيدروجين ، كبخار الماء مثلاً ، وقد ظهرت الحياة بين الماء والطين ...) [32]

    لخص لنا الكاتب نظرية دارون باختصار شديد في انها تعتمد على ان تقرير دارون ان التطور يحدث بسبب استجابة الكائن الحي لتحديات البيئة . ولقد كان دارون يعتقد ان الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي هو الطريقة التي تستجيب بها الكائنات الحيّة لتحديات البيئة . على ان الفهم الجديد القائم على علم الوراثة الحديث يرى كما يحدثنا دوبزانسكي ان المادة الخام للتطور هي الجينات المغايرة التي تنتج عن الطفرات الوراثية . إن مهمة الاختيار الطبيعي حسب رأي الكاتب هي ان يضبط الطفور بحجز الطفرات القليلة المفيدة وترك الطفرات العديدة الضارة تمر. لاشك في ان محاولة الكائن الحي في سعيه للتواءم مع البيئة ذات اثر على تطوره العضوي . كما ان قانون الاختيار الطبيعي القائم على قاعدة البقاء للأصلح امر محسوس لا يمكن انكاره والى الصراع في البيئة وكونه السبب في ابراز الحواس جاء قوله تعالى ( أنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) .. فكلمة "نبتليه " تشير الى الصراع ، في البيئة ، و"سميعاً بصيراً" تشير الى الحواس ، التي برزت الواحدة تلو الاخرى ، بحسب الحاجة اليها .. على ان الصراع في البيئة ، والطفرات الوراثية في الجينات ، ليست أمراً تلقائياً عشوائياً . وانما هو موضوع مخطط ، ومدبر، بدقة شديدة ، على نحو تدبير المجرات، وسرعتها ، ومقدار الجاذبية التي تشدها لبعضها البعض ، والغازات التي تتفاعل في سطحها ، وما يمكن ان تنتجه من نجوم جديدة . ولعل اكبر سلبيات نظرية دارون ، انها لم تر وراء الاختيار الطبيعي ، القوة المدبرة له . وهو ما سنعرض له بتفصيل،عندما يناقش الكاتب تفاصيل النظرية ، في الفصول اللاحقة .

    لقد أثار دوبزانسكي سؤالاً جوهرياً هو: هل هناك قانون واحد للتطور، في المرحلة غير العضوية ، والمرحلة العضوية ، أم ان لكل مرحلة قانونها ، يقول (ببساطة شديدة فان الظواهر في المستويات غير العضوية ، والعضوية ، والانسانية ، تخضع لقوانين مختلفة خاصة بتلك المستويات. ليس ضرورياً ان نفترض عدم قابلية هذه القوانين للتعميم الاختزالي ، لكنه ليس مجدياً ان نصف ظواهر المستوى الاعلى ، بقوانين المستويات الادنى ) [33] .. والحق ان القانون واحد ، لأن العقل الكلي الذي يقوم فيه ذلك القانون واحد . ولكن في كل مرحلة من مراحل التطور، يعبرالقانون عن نفسه بطريقة مختلفة . يقول الاستاذ محمود (لقد حدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الانسان .. تحدثنا عن المرحلة الاولى ، فقلنا : ان بدايتها في الأزل ، حيث برز الانسان في الجسد ، في المادة غير العضوية – تلك التي نسميها اصطلاحاً ميتة – ونهايتها عند دخول المادة العضوية في المسرح .. وتحدثنا عن المرحلة الثانية ، وقلنا : ان بدايتها عند ظهور المادة العضوية – تلك التي نسميها ، اصطلاحاً حيّة -ونهايتها عند ظهور العقل .. ويتضح لنا ، من هذا ، ان الشبه كبير بين المرحلتين : الاولى والثانية ، فهما معاً مرحلة الجسد الصرف ، على اختلاف مستوياته ، من ذرة بخار الماء ، والى اعلى الحيوانات الثدية ، ما خلا الانسان .. وأما المرحلة الثالثة فهي تتميز عن المرحلة الثانية ببروز العقل من الجسد ، وهو عنصر جديد وخطير .. وأما المرحلة الرابعة فهي تتميز من المرحلة الثالثة بدخول الحاسة السادسة ، والحاسة السابعة في المسرح ، وتلك درجة جديدة ، من درجات الترقي ، تصبح بها الحياة البشرية شيئاً جديداً ، مختلفاً عما الفنا من قبل .. ولذلك فاننا نستطيع ان نقول : ان لدينا ثلاث مراحل لنشأة الانسان : مرحلة الجسد الصرف ، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين ، واخيراً مرحلة الجسد والعقل المتسقين .. ولقد تطورت ، الى الآن ، الحياة على هذا الكوكب في مضمار المرحلتين الاولى والثانية فهي قد كان تطورها الاول تطوراً عضوياً صرفاً، ثم لما بدأ بروز العقل، بفضل الله ، ثم بفضل التطور العضوي الصرف ، أخذت في تطورها الثاني وهو تطور عضوي-عقلي .. وهذا الطور هو الذي نعيشه نحن الآن ، واني لارجو ان نكون انما نعيش في اخريات أيامه .. وسيجئ يوم قريباً ، يصبح التطور فيه عقلياً صرفاً ، في مقابل البداية بالتطور العضوي الصرف، الذي كانت به بداية الحياة ..) [34] . فالارادة الإلهية هي القانون الاساسي ، المسير للوجود ، والذي بالقرب منه ، ودقة محكاته ، تجئ القوانين الرفيعة التي تحكم حياة الناس . على ان دويزانسكي نفسه يقول (ومع ان العمليات الفيزيائية والكيمائية التي تجري في الاجسام الحية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تجري في الطبيعة العضوية ..... ) [35] ولكنه لا يقف عند مقولته هذه . فلو تدبر ما قال ، لعلم انما كان ذلك كذلك ، لأن القانون في طبيعته واحد كما قررنا.

    وعن كيفية تطور الانسان من الحيوان ، يستأنس الكاتب برأي بريزنت الماركسي الذي يقول (حيثما نشأ ، فلا بد ان المجتمع الانساني جاء من العالم الحيواني ، وقد كان العمل ، صيرورة الانتاج ، هي التي جعلت من الحيوان البشري إنساناً " [36] وهذا الرأي فصله أنجلز، وتبناه الماركسيون من بعده ، وخلاصته ان الانتاج وتقسيم العمل ، والصراع الطبقي ، هو الذي طور المجتمع البشري ، وخلق الفكر الانساني ، وميز الانسان عن الحيوان . يقول إنجلز :


    According to the materialistic conception, the determining factor in history is, in the final instance, the production and reproduction of the immediate essentials of life. This, again, is of twofold character. On the one side, the production of the means of existence, of articles of food and clothing, dwellings, and of the tools necessary for that production; on the other side, the production of human beings themselves, the propagation of the species. The social organization under which the people of a particular historical epoch and particular country live I determined by both kinds of production: by the stage of development of labor on one hand and of the family on the other ….In the collision of the newly-developed social classes, the old society founded on kinship groups is broken up ; in its place appears a new society, with its control centered in the state, the subordinate units of which are no longer kinship associations, but local associations; a society in which the system of the family is completely dominated by the system of property, and in which there now freely developed those class antagonisms and class struggle that have hitherto formed the content of all written history. [37]


    ومع صحة القول بالتداخل ، بين تطور الاسرة وتطور الانتاج ، واثر ذلك على تطور عقل الانسان ، وصنع الحضارة إلا ان التاثيرالاعمق والآصل ، هو ما حدث في النفس البشرية ، ثم انعكس على المجتمع .. فلقد اثرت البيئة على نفس الانسان ، ودفعته دفعاً ليخلق المجتمع ويطوره. لقد وجد الانسان البدائي نفسه في بيئة تكتنفه بالعداوة . فقوى الطبيعة تتصرف وكأنها لا تحفل بموته أو بحياته . فالنيران تندلع في الغابات فتقضي عليه دون رحمة . والزلازل ، والاعاصير، والفيضانات ، تحطم كهفه ومسكنه . والحيوانات المفترسه تطارده لتاكله ، وهو في فراره بحياته ، لا يملك الا ان يطارد حيوانات أخرى ، يعتمد على لحمها كغذاء وجلدها ككساء. وهذا الصراع المرير، دفع الانسان ان يسعى لحماية نفسه ، بكل سبيل ، ويحتال لذلك شتى الحيل . فاتخذ الكهوف يختبئ بها ، واعالي الجبال يحتمي فيها ، واتخذ السلاح من الحجر، وصنع الحبال من لحاء الاشجار، والعصي من فروعها . ورغم ان هذا ساقه الى الادوات والعمل ، وطور من عقله ، الا ان اكبر اختراع للانسان البدائي ، انما هو المجتمع .. وهو من اجل ان ينشئ المجتمع ، ويتعايش افراده ، ويتحدوا على عدوهم ، أنشأ القوانين البدائية ، التي قيدت شهوة الجنس ورغبة التملك . فأوقعت تلك القوانين، أقصى العقوبة على من يعتدي على نساء رجل آخر، أو من يسرق فأس أو سكين جاره . ومن هنا بدأ الكبت يقع على نفس الانسان ، وتوسع بذلك خياله ، وزاد ذكاؤه حتى يتجنب تلك العقوبات الرهيبة . وبالاضافة للخوف من المجتمع ، نشأ الدين في الاساس كخوف من قوى الطبيعة ، التي عجز الانسان من مقاومتها ، ورسخت في نفسه رهبة دفعته للتذلل اليها ، والتقرب لها ، فقرب لها القرابين ، وعبدها ، ومن هنا نشأ الدين البدائي التعددي في الأرض، وفي مرحلة متأخرة من حيث الزمن ، ألمت به اسباب السماء ، فهذبته باديان التوحيد . لقد ربط الانسان البدائي ، بين رضا الآلهه ورضا الجماعة ، فتعمق الكبت على الغريزة ، لانه علم ان الآلهه لا تغفل عنه ، اذا غفل رقيب الجماعة. فالتزم بقانون الجماعة خوف الآلهه ، ومن هنا نشأ الضمير، كرقيب على الفرد من داخله ، أقوى من الرقيب الجمعي ، الذي تمثله قوانين المجتمعات البدائية القاسية .هذا الكبت ، الذي ضبط الغريزة ، ووجه الشهوة ، وبه بدأ الفرد يمارس حسن التصرف في الحرية ، ويحتاط من الخطأ ، هو الذي انجب الذكاء البشري ، وهو الذي ابرز الانسان من الحيوان ، في تطور وئيد. فالانسان ارتفع من الحيوان وتميز عليه بهذه القيمة الخلقية ، وليس بمجرد العمل ، كما ظن الماركسيون.

    لقد تحدث دوبزانسكي ، عن اشكالية قبول ظهور الانسان من الحيوان ، لدى البعض ، بسبب ما يرونه من اختلاف بين الانسان والحيوان . فملكة التصور المجرد ، والتفكير، والمقدرة على استيعاب الرمزية ، جعلت هؤلاء يشككون حتى في وجود صفات الانسان في الحيوان ، ولو جزئياً . وكنموذج للاختلاف الفكري طرح الكاتب موضوع اللغة واعتمد على دراسات هوكيت 1959 وآشر 1964 ، وما قدماه من شرح ، بان نداءات الحيوان ، أو اشاراته تقصي بعضها البعض تبادلياً. بمعنى ان الحيوان قد يستجيب لاحد المواقف ، بواحدة او اخرى من زخيرة نداءاته ، او قد يبقى صامتاً ، بينما اللغة الانسانية منتجة ، بمعنى ان الانسان يصدر الفاظاً ، لم يحدث ان صدرت عنه او عن غيره ، وهي مع ذلك مفهومة لمن يعرف تلك اللغة . والانسان يستطيع ان يتحدث عن اشياء ، ليست في نطاق رؤيته ، وعن الماضي ، والمستقبل، وعن الاشياء المتخيلة.

    ومع ان القول بان الانسان أرقى ، واكثر تعقيداً ، من حيث فكره ، ومن ثم لغته ، حق ، الا انه لا يعني ان الحيوان ليس لديه لغة . ولقد بدا الانسان بمحاكاة اصوات الحيوان ، او قوى الطبيعة ، ثم من اجل الاتصال ، الذي يعمق روابط الجماعة ، قيد بعض الاصوات ، في مفاهيم تعارف عليها المجتمع ، استطاع في مرحلة متأخرة ، ان يقيدها بالرسم فجاءت الكتابة . فاذا كانت الحيوانات تطلق اصوات ، ذات دلالات تعين على الاتصال ، بين افراد القطيع ، كما قرر هؤلاء العلماء ، فان هذه لغة ، وان قصرت عن لغة الانسان ، وقصر الانسان عن فهم دلالاتها. أما سليمان الحكيم عليه السلام ، فقد كان يفهم لغة الحيوانات . ولقد قص علينا القرآن من نبأه ، في قوله تعالى ( وورث سليمان داؤود وقال يا ايها الناس علمنا منطق الطير واتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى اذا اتوا على واد النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي انعمت عليّ وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) .. ولا يعني هذا ان النملة تكلمت باللغة العبرانية ، وانما اتت من الحركة والصوت ، ما ألهم سليمان فهمه. ومهما يكن من أمر اللغة ، وانتاجها ، والحاجة الى الى التصور المجرد ، والرمزية ، لتفعيل مدلولاتها ، فانها نتاج تطور اجتماعي . وكلما ترقى المجتمع ، وتعقدت اساليب حياته ، تعمقت مدلولات اللغة ، التي تعبر عن ذلك الواقع . ولما كانت حياة الحيوان ، أبسط من حياة الانسان ، كانت لغته اكثر محدودية ومباشرة .

    يطرح الكاتب ، الجدل القديم ، عن هل خلق الكون بالصدفة أم بتخطيط مسبق ؟ ولكنه لا يقف طويلاً عند هذا الموضوع ، ويعد بانه سيتطرق اليه بتفصيل في الفصول القادمة. وهو على العموم ، لا يوافق على الصدفة المحضة ، او العشوائية التامة . وانما يقبل العشوائية بتفسيره هو لها ، ويعتقد ان كثير ممن رفضها ، انما رفضها بسبب فهم غير دقيق لمعناها . فالكاتب يرى انه مع ان الطفرات الوراثية ، لا تنشأ حيثما وحينما تكون هناك حاجة لها ، ولا تحدث الطفرات المفيدة فقط ، الا ان الطفرات مع ذلك ليست عشوائية . وهو يرى انها ليست عشوائية ، لان ماهية الطفرة التي تحدث في جينة معينة ، تحددها بنية تلك الجينة . ثم ان الطفرات ليست التطور، وانما هي المادة الخام ، التي يوجهها الاصطفاء الطبيعي ، لتحقق التطور. أنه يرى ان الاصطفاء الطبيعي ليس صدفة ، الا بمعنى ان معظم الطواقم الوراثية في عشيرة ما ، لا تملك تمييزاً مطلقاً بالنسبة للطواقم الوراثية الاخرى. ويرى ايضاً ان الاصطفاء الطبيعي (يمنح معنى تكيفياً للفوضى النسبية لتوليفات الجينات الطافرة التي لا حصر لها . وهو يفعل ذلك دون ان تكون له ارادة أو قصد او بصيرة[38] "ادراك للمستقبل"). هذا ما قاله الكاتب ، الا ان القائلين بالعشوائية ، يرون ان بنية الجينة نفسها ، تتشكل عشوائياً، وما دام هي التي توجه الطفرة فالطفرة اذن عشوائية . ولعل دوبزانسكي يوافق على العشوائية ، من حيث لا يدري، وذلك حين يقرر في ثقة ، بان الاصطفاء الطبيعي حين يمنح التكييف ، لفوضى الجينات الطافرة ، انما يفعل ذلك دون ارادة ، او قصد ، او ادراك للمستقبل، أي يفعل ذلك عشوائياً . والحق ان الدقة التي تنتظم الكون ، من الدراري الى الذراري ، لا تدع مجالاً للصدفة أو لعدم القصد ودقة التخطيط والتنظيم . ويمكن ان نسوق الأمثلة على ذلك ، حين يتطرق الكاتب للموضوع بتفصيل.

    واذا انتفت الصدفة ، فان ذلك يعني الحتمية ، لانه يعني القصد المبيت ، والقانون المحكم ، الذي قام قبل وجود التطور، وكان الموجه له عبر المراحل المختلفة . يقرر الكاتب ان هناك تفسيران للتطور: يرى احدهما ان كل التغيرات التطورية التي حدثت ، كان حدوثها مقدراً حتماً بالصورة التي حدثت بها . ويرى الرأي الآخر انه ربما كان هناك عدة طرق مختلفة ، لحل مشكلة التواؤم في نفس البيئة . وان أي طريقة من هذه الطرق ، استعملت في التطور، استطاعت ان تهرب من الحتمية . وبطبيعة الحال ، فان وجود عدة خيارات لمسار التطور، لا ينفي الحتمية لأن الارادة التي فرضت الحتمية ، تطرح الخيارات كوسيلة من وسائل التربية وتعلم التواءم مع البيئة . ولكن الخيار الذي يسير فيه التطور، هو المقدر سلفاً للنوع المعين ، الذي ظن انه اختاره بمحض ارادته او بمحض الصدفة .

    إن ما يدل على الحتمية ، هو معرفتنا بان للتطور غاية هي تحقيق الكمال. ولهذا ارتفع الوجود من مرحلة الغازات الى مرحلة السوائل ، الى مرحلة الجمادات ، ثم الخلية النباتية ، فالخلية الحيوانية ، فالزواحف والطيور والثديات ثم الانسان . والانسان نفسه يتطور من جهل الى علم ، غايته تحقيق الكمال المطلق ، وهذا هو السير السرمدي . والى هذا السير العظيم ، وغايته المجيدة ، اشار تبارك وتعالى بقوله ( يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه ) .. ومعلوم ان ملاقاة الله ، انما تكون بتخلضنا من نقائص صفاتنا ، وتحقيقنا لكمالات صفاته .. وهذا لا يتأتى الا بمنهاج في التعامل مع الله ، وانشاء علائق المحبة معه ، والتعامل مع الناس بالخلق الرفيع . من اجل ذلك ذكرنا ان أهمية التطور، تكمن في استفادتنا من معرفة معنى حياتنا ، وربطها بمصدرها ، الذي عنه صدرت في سحيق الآماد.

    د. عمر القراي

    [1] ف3ص1
    [2]المصدر السابق
    [3]المصدر السابق
    [4]المصدر السابق
    [5]ف3 ص2-3
    [6] Cybernetic
    [7]- ف3 ص5
    [8]ف3 ص6
    [9]-ف3 ص7
    [10]ف3 ص6
    [11]ف3 ص7
    [12]ف3ص8
    [13]ف3 ص9
    [14]ف3 ص11
    [15]ف3 ص 12
    [16]المصدر السابق
    [17]ف3ص13
    [18]ف3ص17
    هي الكلمة في النص foresight[19]
    [20]ف3ص1
    [21]ف3 ص 5
    [22] الكتاب المقدس . دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط . ص2-3
    [23] وليم وهبة (محرر) : دائرة المعارف الكتابية . القاهرة : دار الثقافة . المجلد الرابع ص270
    [24] المصدر السابق ص270-280
    [25] المصدر السابق ص270
    [26] المسعودي : مروج الذهب الجزء الأول ص 23-26
    [27]ف3 ص2-3
    [28]محمود محمد طه : مسودة لم تنشر 21 أكتوبر 1958
    - David Perlman: San Francisco Chronicle July 12, 2001[29]
    [30] للمزيد من التفصيل عن موضوع التطور يمكن الرجوع الى كتاب رسالة الصلاة للاستاذ محمود . الكتاب يوجد على العنوان الالكتروني www.alfikra.org
    [31]John Gribbin (1981) Genesis: The Origin of Man and the Universe. New York: Delacorte Press. P. 5-6
    [32]محمود محمد طه : مسودة لم تنشر 21 أكتوبر 1958
    [33] ف3 ص6
    [34]محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة –الطبعة الخامسة . أمدرمان ص27-28
    [35]ف3 ص7
    [36]-ف3 ص6
    [37] Frederick Engels, The Origin of the Family, private property, and the State. New York : international Publishers, 13thedition 1971. P5-6
    [38] foresight هي الكلمة في النص
                  

04-21-2008, 04:45 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة ؟!

    تعليق على كتاب الكاتب ثيودوثيس دوبجانسكي

    (4)

    الفصل الرابع

    الوعي بالذات والوعي بالموت

    د.عمر القراي

    http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/contributions/garai4.htm


    هذا الفصل، من أقصر فصول الكتاب، لأنه يركز فقط، على قضية الوعي بالذات، والوعي بالموت. ولعلّ الكاتب يمهد به للفصل اللاحق، الذى يطرح فكرة الكاتب عن الحياة..



    يركز الكاتب على ان الإنسان يختلف من الحيوان، في انه يتوق دوماُ الى معرفة اللانهائي. على ان الغريب في هذا الأمر، حسب رأي الكاتب، هو ان التطور منفعي، وان التغيرات التطورية تجئ استجابة لتحديات البيئة، ويوظفها الاصطفاء الطبيعي، لصالح استمرارية النوع. وتعمل التغيرات التى يتم اصطفاءها، للمحافظة على تكييف الكائن، وترقيته، وزيادة إمكانية توآؤمه مع البيئة، أي زيادة قدرته على التوالد، والبقاء في تلك البيئات. الاشكالية التى يراها الكاتب هنا، ان هذا التوق للمطلق، لا يبدو انه يؤدي الى ترقية التكييف، بل انه في واقع الأمر، يحد من فرص بقاء حامليه، خصوصاً، أولئك الذين يكون التعبير عنه، لديهم أشد.



    على ان الكاتب يرى ان تفسير ووصف الإنسان، ومشاعره، التى تولاها علم النفس، لم تخرج على نطاق العبارات الفضفاضة، عديمة المعنى.. وهو لهذا يرى ان عالم الأحياء، يدهش لما يجد علم النفس من اهتمام، رغم ان نتائجه، في معرفة الفرق بين الإنسان والحيوان، لا تزال بائسة. ويصف الكاتب، عبارات علماء النفس، في تعريف الإنسان، بقوله : "اذ يقال ان الإنسان كائن يتميز بالعيش بالمنطق عوضاً عن الغريزة، الإنسان مدرك لنفسه واع بذاته، له عقل، له ذات ايقو وضمير سيوبر ايقو قادر على التبصر والتجريد وتأليف الرموز، والتفكير الرمزي، واستخدام اللغة الرمزية"، يعلق الكاتب على هذه التعريفات، بقوله "تلك الكلمات محكوم عليها بان تكون مبهمة بأكثر مما يلزم وغير دقيقة وغير مجدية كمفاهيم اجرائية للبحث في علم النفس".



    وحين يرى الكاتب ان علماء النفس قد عجزوا عن تعريف الإنسان، يقبل محاولات العلماء الطبيعيين، ويقف باعجاب، عند هريك (1956) الذى ساوى العقل بالوعي، وقال بأننا لا يمكن ان نختزل العقل الى مجرد كيمياء، وقرر ان "الوعي هو الوعي بالذات"، ولا يستطيع ان يدرك ذلك، الا ذات الشخص المعني، الذى لا يقدر على تمييزه الا الاستبطان. وهو يرى ان الوعي ليس طرازاً من القوى الحيوية، وإنما هو ظاهرة، تتعلق بالكائن الحي. فالجسد يصنع العقل، ولكن العقل ليس ناتجاً يصنعه الجسد، كما تصنع المعدة العصارة المعدية. انه الجسد فاعلاً، نمط عمل مميز، بجهاز جسماني من نوع خاص. هكذا يؤكد هريك.



    يعزز الكاتب، نظرة هريك، بنظرة عالمين فسيولوجيين آخرين، هما بنفيلد وروبرتس (1959) اللذين قالا بأن "تقديم تعريف وافي للعقل يصعب اليوم تماماً كما في أي وقت مضى. الوعي هو إدراك، تفكير، تركيز انتباه، تخطيط فعل، تفسير تجربة حاضرة، إدراك حسي". على ان هذه العبارات، لم تأت بجديد، في نظر الكاتب، رغم إيراده لها!! فهو يقول بأن "هذه الكلمات وصفية، لكنها بالكاد تشكل تعريفاً مقنعاً". على ان الكاتب يتفق مع هؤلاء العلماء، في ان تفرد الذات، لا يمكن ان يستمد كلياً، من الطاقم الوراثي للفرد، لأن كل من التوائم المتطابقة، المتشاركة في الطواقم الوراثية الابتدائية، يختبر ذاته الواعية، بصورة متميزة عن توأمه.



    يحدثنا الكاتب، بعد ذلك، عن رؤية الوجوديين، الذين يرون ان الإنسان، هو وحده، الذى يوجد حقاً. وهذا الوجود هو الذى يميز الإنسان، عن كافة أشكال الحياة الأخرى. على ان الكاتب يفضل رأي فروم (1964) الذى يقول بأن الإنسان "يمتلك ذكاءً مثل الحيوانات الأخرى يتيح له استخدام العمليات العقلية بطريقة تمكنه من تحقيق أهداف عملية مباشرة لكنه يمتلك إضافة لذلك خاصة عقلية أخرى يفقدها الحيوان. انه مدرك لذاته، واع بتاريخه وبمستقبله الذى هو الموت. انه عليم بضآلته وبعجزه، وهو يدرك الآخرين كآخرين كأصدقاء أو أعداء أو قرباء. يتجاوز الإنسان كل الحياة الأخرى لأن حياته تدرك ذاتها للمرة الأولى في تاريخها. الإنسان كائن في الطبيعة يخضع لاملاءاتها وصدفها لكنه يتجاوزها لأنه يفقد تلك الغفلة التى يكون الحيوان بسببها جزءاً مندمجاً في الطبيعة - واحداً منها". يخلص دوبجانسكي من ذلك الى ان "الوعي بالذات هو احد أهم خصائص النوع الإنساني الجوهرية، وربما كان أهمها. وهو ابداع تطوري فلم يكن النوع البيولوجي الذى انحدر منه الإنسان يملك سوى بدايات الوعي بالذات أو ربما كان يفقدها تماماً".. على انه يرى، ان الوعي بالذات، لم يكن دائماً، أمراً مفرحاً، فقد جلب معه الخوف والقلق. يعتمد الكاتب في هذه الرؤية، على ما ذكره مناكر ومناكر (1965) "كان القلق - أو فلنقل الخوف - في العالم الحيواني الذى جئنا منه يخدم وظيفة البقاء على قيد الحياة، ويمثل انذاراً بالخطر المحدق الذى يتم التفاعل معه بكامل معدات البقاء الاتوماتية الغريزية المتوفرة للفرد. يطرح التطور الإنساني مسألة جديدة هنا، وان كانت مدفوعة بالحاجة نفسها للبقاء. اذ من الواضح انه لا بد لهذا الانجاز التطوري العظيم، الإدراك، من ان يضيف بعداً خاصاً للخوف".



    يرى الكاتب، ان الوعي بالذات صاحبه أيضاً الوعي بالموت. ومن ناحية التطور، فان الوعي بالذات أولي، والوعي بالموت ثانوي، وهو ثمرة لتزايد الوعي بالذات. ويعتقد الكاتب ان الأهمية التطورية، التكييفية، للوعي بالذات، إنما تجئ من تنظيم، وتوحيد، قدرات الإنسان البدنية، والعقلية، التى يقوم عن طريقها بالتحكم في بيئته. يستانس الكاتب هنا، برأي هالويل (1961) الذى كتب. "كان أهم ما حدث في البعد النفسي لتطور عائلة الإنسان تنامي بنيته الشخصية الإنسانية التى صار للوعي بالذات المستند الى الأنا الايقو أهمية محورية بها"؛ والى رو (1963) الذى قال ان هذه البيئة، تشكل مركباً يضم التفكير الرمزي والاتصال، واللغة الرمزية، والذكاء، والتفكير المنطقي، كما يضم بطريقة غير مباشرة، استخدام الآلات وصنعها والثقافة.



    بعد ذلك، يحدثنا الكاتب، عن كيف ان الوعي بالموت، قد عرف لدى الإنسان البدائي الأول، بدليل دفن الموتى، الذى وجدت آثاره، عند إنسان نياندرثال، وفي مدافن العصور الحجرية، والآثار القديمة، التى تزخر بالحديث عن الموت، ومدى تباين التعامل مع جثمان الموتى، بين الحرق، والدفن، والطقوس المختلفة، التى تصاحب هذه الأعمال، بوصفها مشاهد دينية، بالغة الأهمية في معتقدات مختلف الشعوب.



    ورغم ان الكاتب يرى بأن الوعي بالذات، والوعي بالموت، مكيفان وراثياً، لكن هذا لا يعني انهما خصلتان وراثيتان بسيطتان. فليس هنالك شئ اسمه جينة للوعي بالذات، أو للوعي، أو الأنا الايقو أو العقل. هذه القدرات الإنسانية الأساسية، مستمدة في رأيه من الهبة الوراثية بكاملها، لا من نوع معين من الجينات الخاصة. يطرح الكاتب سؤالاً مهماً هو : هل القول بأن الوعي بالذات وبالموت، مكيفان وراثياً، يعني ان نشأتهما، أو تناميهما، عملية بيولوجية، خضعت لفعل الاصطفاء الطبيعي، بحسبانها عناصر مساعدة لما يسمى غريزة حفظ الذات؟ هل يمكن ان يكون اكتساب الوعي بحتمية الموت، حدثاً مستقلاً، ومعقداً بالمعنى البيولوجي؟ يرى الكاتب ان الإجابة عن السؤال الأخير بالنفي. وذلك لأن الوعي بالموت، يكون مواتياً، لو انه يمد الأب، بالحافز لتوفير متطلبات الحفاظ على نسله، وبقائه توقياً لوفاته. لكن هذا يفترض قدراً من السعة العقلية، ويتعذر تصور التنامي الثقافي، خارج إطار ما يقارب العقلية الإنسانية، كما هي موجودة الآن.



    يرى الكاتب، ان مفهوم غريزة حفظ الذات، مفهوم مربك، وغير واضح. وهو يعتقد بأننا ينبغي ألا نتصور ان الكائن "يعرف" ما يلزم ان يفعله، ليبقى على قيد الحياة، عن طريق إدراك غريب ومفارق للطبيعة. بدلاً من هذا، يقدم الكاتب هنا رأيه بأنه من الـ "صحيح تماماً ان الكائنات من الأدنى الى الأعلى تتفاعل مع المؤثرات التى تتوفر عادة في بيئتها المعتادة بأساليب تتوخى الاحتمال الأقصى لبقائها. الكلمات المفتاحية في العبارة السابقة هى تتوفر عادة وبيئتها المعتادة. ذلك ان افراد النوع اذا وضعوا في بيئات مختلفة فانهم يفقدون حكمتهم وغالباً ما يتبلدون بصورة مذهلة".



    يخبرنا الكاتب عن اعتقاد فرويد، بأن هناك أيضاً غريزة للموت، مثلما ان هناك غريزة الحياة، وهو يرى ان هذا الوصف، يمكن ان يكون مجازياً رفيعاً، يصف بعض جوانب النفس البشرية، ولكنه لا يستقيم، اذا قصد منه، ان يكون نظرية علمية بيولوجية.



    هناك علاقة في رأي دوبجانسكي بين نشأة الدين والوعي بالموت. وهو يخبرنا انه ليس هناك اتفاق بين العلماء، عن كيف نشأ الدين، ويذكر رأي تايلور، العالم الأنثروبولوجي المعروف، الذى ذكر بأن نشأة الدين، بدأت بعبادة الأرواح، المشخصنة في الطبيعة الحية، وغير الحية. ولكنه أميل الى رأي مالينونسكي (1931) الذى يقول بأنه "يمكن توضيح الارتباط الجوهري للدين ان لم يكن المباشر باحتياجات الإنسان الأولية أي البيولوجية. ان الدين يجئ مثل السحر من لعنة التروي والخيال التى تصيب الإنسان حال بزوغه فوق مستوى الطبيعة الحيوانية البهيمية". يرى الكاتب ان أهم الأشياء التى يركز عليها الخيال، هو وقت زوال الإنسان، وذلك لأن حقيقة الموت، من أكثر الحقائق زعزعةً، واحباطاً، لخطط الإنسان. وهذه في رأي الكاتب، أهم أسباب نشأة الدين. ان الإنسان يتوق الى اثبات ان الموت ليس حقيقياً، وان للإنسان روحاً خالدة، تظل باقية دوماً. هذا الشعور، ينشأ من حاجة عميقة، ولا ينبع من غريزة سيكولوجية. وهو إنما تحدده الثقافة، والتعاون، ونمو العاطفة الإنسانية. يرجح الكاتب رأي فيبلمان (1963) الذى يقول بأن "الأديان اتساق استجابة نوعية تعد بالبقاء. وبغض النظر عن صدقها أو زيفها فان الاحصاءات الغامرة بانتشارها تدل على ضرورتها لاختزال حاجة ضرورية لدى الإنسان. هذه بالطبع هى الحاجة للبقاء، للأمن الأولي، ولتجاوز أسى الموت. الفرد الإنساني يعرف انه سيموت لكن أفكاره أكبر من مصيره. الدين مسعى للانخراط في مجال أوسع وأكثر ثباتاً من الوجود المجرد".



    يطرح الكاتب ان قصة الحياة والموت، كانت أهم مباحث الفلسفة الإغريقية القديمة. ويستدل على ذلك بمقولة سقراط بأن "الفلاسفة الحقيقيون يدرسون الموت أبداً" كما يثمن من مقولة شوبنهور بأن "كل الانساق الدينية والفلسفية موجهة بصفة رئيسة لهذه الغاية وهى أساساً الترياق المضاد لحتمية الموت التى يصل إليها العقل التأملي بطبعه".



    يختم الكاتب الفصل، برؤيته التى يتفق فيها، مع من يقررون ان الموت ليس نهاية المطاف، وإنما هو بداية لحياة أخرى. ويعتقد انه بدون هذا الاعتقاد، تصبح الحياة بلا جدوى، رغم ان الاهتمام بالموت يشمل أيضاً، الذين لا يعتقدون في وجود حياة أخرى، ويعتبرون الموت هو النهاية. يقول دوبجانسكي بأن "الوجود الزمني ليس الا مجرد تهيئة للحياة القادمة بالنسبة للذين يؤمنون بالبعث والخلود، أما بالنسبة للذين يعتقدون ان الموت هو الفناء والتحلل النهائي فان معنى الحياة يكرسه ما يحدث بين الميلاد والموت وألا يكون هنالك أي معنى. يمكن للذى يعتقد في الخلود اذن ان يعد خلاصه الشخصي همه الشاغل، والهدف من حياته. ولو لم يكن هنالك خلود فان المسألة تكون معقدة وصعبة لأبعد مدى. فلا يمكن العثور على معنى للحياة إلا في شئ أكبر من الوجود الشخصي لكنه يتضمنه في الوقت نفسه".



    من حسن التوفيق، ان يفتتح دوبجانسكي حديثه عن الوعي بالذات، بتعلق الإنسان، وتوقه للمطلق!! على انه كعالم طبيعي، استغرب هذا الأمر، لأن التطور منفعي، وان التغيرات التطورية تجئ استجابة لتحديات البيئة، ويوظفها الاصطفاء الطبيعي، لصالح استمرارية النوع. وتعمل التغيرات التى يتم اصطفاءها، للمحافظة على تكييف الكائن، وترقيته، وزيادة إمكانية توآؤمه مع البيئة، أي زيادة قدرته على التوالد والبقاء، في تلك البيئات. وهو لا يرى ان هنالك علاقة بين التطلع الى المطلق، والتطور الذى يتم في الطبيعة، بالصورة التى وصفها. والحق غير ذلك!! فان تطلع الإنسان للمطلق، وولعه باللانهائي، هو الذى وسع خياله، وجعله يحلم بغير واقعه، ومن ثم حفزه لتغيير الواقع، حتى يطابق الحلم!! ولئن لم يحدث هذا التطابق تماماً، الا ان هذا الشعور الدافق، هو الذى حفز التطور. ان الفكر نفسه، هو حركة الوعي بين الذاكرة والخيال. والذاكرة هي خزينة تجاربنا السالفة، والخيال هو تصورنا لما لم يحدث، وهو يمكن ان ينسرح بلا حدود، وهذا هو التطلع الى المطلق. وإنما من هذا الاطلاق، الذى يفوق قدرة الإنسان العادية، جاءت أمهات الأفكار، التى غيرت العالم. والفكرة التى تهبط على الإنسان، قد تفاجئه، فلا يدري من أين أتت، ولعلّ من أبلغ ما بلغنا، في تصوير ذلك قول الشاعر :

    رب فكر لاح في لوحة نفسي وتجلى

    خلته مني ولكن لم يقم حتى تولى

    مثل طيف لاح في بئر قليلاً واضمحلا

    كيف وافى؟! ولماذا فر مني؟!

    لست أدري!!(1)



    وانه لحق، ان التغيرات التطورية، تجئ استجابة لتحديات البيئة، وبغرض الحفاظ على النوع، واستمراره، ولكن مبلغ القدرة على تحدي البيئة، وتسخيرها لخدمة حياة الإنسان، إنما يعتمد على الذكاء البشري، الذى يطرد بتوسع الخيال، وقدرته في خلق تعدد الخيارات، في التعامل مع البيئة. لقد رفع الإنسان بصره الى السماء، فاهتدى الى المطلق، بينما نظرت الحيوانات الأخرى، الى الأرض، في دلالة واضحة، الى تقيدها ومحدوديتها!! والى ذلك الإشارة بقوله تعالى ﴿أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على سراط مستقيم﴾؟!.. فالمطلق اذن، لا يسير التطور بالقوانين التى تحكم المادة فقط، وإنما أيضاً، من خلال إلهامه للإنسان، الذى صار بهذا الإلهام طليعة الحياة، ومحسنها في كل وقت.



    ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، فان الإنسان لم يأت من العدم، وإنما أتى من المطلق!! قال تعالى في ذلك ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة﴾!! وهى نفسه تبارك وتعالى، ولهذا فهو يحن الى الوطن القديم، الذى ركز في كيانه، فلم يستطع نسيانه تماماً، وظل متعلقاً به، رغم تقلبه في مختلف الصور. وحين جاءت مصاعب الحياة، التى حفزت تطوره، كانت في كل تجربة معاناة، تذكره بالحياة الخالدة، التى لم تكن تؤوفها آفة، والتى كان يعيشها بعيداً، عن العنت، في كنف الرحيم. وكان يعتقد انه يكتشف الاشياء، وهو إنما يتذكرها فقط، لأنها كانت، جميعاً، منطوية في العلم المطلق، الذى عنه صدر في سحيق الآماد. قال تعالى ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ فالخوف الشديد، الذى يخافه أحدنا من الموت، لم يكن ليحدث، لو لا انه مات من قبل، في حيواته السابقة!! وهو حين نسى كثيراً من تجارب حياته، في عمر الجنس البشري، لم يستطع ان ينسى تماماً التجارب بالغة القسوة، وفي قمتها الموت.. فالإنسان إذن، حمل الخوف في اهابه، من مراحل بعيدة، قبل ان يدخل البشر في مسرح الحياة.



    لقد رفض دوبجانسكي، تعريف علماء النفس، للإنسان وحسب عباراتهم انشائية، ومبهمة!! وقبل الى حد ما، بعض تعريفات علماء الطبيعة، ثم عاد، وقال انها بالكاد يمكن ان تشكل تعريفاً. ولعلّ الاشكال، إنما هو في تعريف العقل، وذلك لأن الجسد معلوم لعلماء الطبيعة، وهو لا يميز الإنسان عن الحيوان. يقول الأستاذ محمود محمد طه "العقل هو القوة الدرّاكة فينا. وهو لا يختلف عن الجسد اختلاف نوع، وانما يختلف عنه اختلاف مقدار. فالعقل هو الطرف اللطيف من الحواس. والحواس هى الطرف اللطيف من الجسد. وإنما بصهر كثائف الجسد تحت قهر الإرادة الإلهية، ظهرت لطائف الحواس ثم لطائف العقول. وعن حركة بروز العقل، ووسيلة بروزه، يخبرنا الله تبارك وتعالى، فيقول ﴿انا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعاً بصيراً* انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً﴾. فالنطفة الأمشاج تعني الماء المخلوط بالطين، وذلك عند ظهور الحياة بالمعنى الذى نعرفه. ثم أخذت الحياة، تلد الحياة، بطريقة، أو بأخرى، وذلك في مراحلها الدنيا، وقبل ان تتطور، وتتعقد، وتبرز الوظائف المختلفة، للأعضاء، وللأنواع. وقبل ان تبرز الأنثى بشكل مستقل عن الذكر. وتمثل هذه الحقبة طرفاً من المرحلة الثانية من مراحل نشأة الإنسان. ثم عندما ارتقت الحياة، وتوظفت الوظائف، أصبحت الحياة تجئ من التقاء الذكر بالأنثى، وأصبحت النطفة الأمشاج تعني ماء الفحل، المختلط ببويضة الأنثى. وكل السر في عبارة نبتليه لأنها تشير الى صهر العناصر في الفترة التى سبقت ظهور المادة العضوية. وتشير الى صراع الحي مع بيئته الطبيعية، بعد ظهور أول الأحياء، والى يوم الناس هذا.. فجعلناه نتيجة لهذا الابتلاء، والبلاء، سميعاً بصيراً اشارة الى بروز الحواس في الحي، الواحدة تلو الأخرى. وبعد ان اكتملت الحواس الخمس، وأصبح الحي حيواناً سوياً انختمت المرحلة الثانية من مراحل النشأة البشرية، وبدأت المرحلة الثالثة، وذلك ببروز لطيفة اللطائف - العقل - والى ذلك الاشارة بالآية السابقة ﴿انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً﴾.. وإليه أيضاً الاشارة بقوله تعالى ﴿ألم نجعل له عينين* ولساناً وشفتين* وهديناه النجدين﴾.. قوله ألم نجعل له عينين؟ اشارة الى الحواس جميعها.. قوله ولساناً وشفتين اشارة الى العقل.. فانه هنا لم يعن باللسان مجرد الشريحة المقدودة من اللحم، والتى يشارك الإنسان فيها الحيوان، وإنما أشار باللسان الى النطق باللغة، ولذلك ذكر الشفتين لمكانهما في تكوين الأصوات، المعقدة، المختلفة، التى تقتضيها اللغة. واللغة ترجمان العقل، ودليله"(2).



    لقد ذكر دوبجانسكي، معتمداً على آراء علماء الطبيعة، ان الإنسان هو الحيوان الوحيد، الذى يملك خاصة الوعي بالذات، والوعي بالموت، وان هذه الخاصة، لم تكن في أسلافه الحيوانات، وإنما هى من صنع التطور، ولكنه لم يسق دليلاً على ذلك الزعم!! ان الوعي بالذات، طرف من الشعور بالحياة، وهو لهذا ملازم للكائن الحي، ومن أدلة حياته.. ولكن التعبير عن هذا الشعور، هو الذى يعكس مقدار الوعي، وهو مقدار يزيد في الإنسان، عن الحيوان، دون ريب، ولكنه لا ينعدم في الحيوان. ان كل مخلوق يشعر بوجوده، ويخاف من الموت، ويسعى لتجنبه. وهو أيضاَ، يشعر بخالقه، فان لم يقع هذا الشعور في عقله الواعي، كان في اللاوعي. ذلك ان القيوم، هو الذى قامت به الأحياء، والأشياء، فلولاه ما وجدت، في المكان الأول، ثم لم يتماسك لها كيان، في المكان الثاني. حتى الذى ينكر وجود الله، من البشر بلسانه، وبعقله، يحس به، حين تعجز حيلته، وتشل قدرته، فلا يقدر على شئ، مما كان يفعل من قبل. ان التطور قد حسّن في النوع الحيواني، حتى انجب البشر. وفي هذا المضمار، زاد وعي الإنسان بالحياة، وبنفسه، وبالبيئة التى يعيش فيها، وزادت، تبعاً لذلك، قدرته على التعبير عن الحياة. وفي هذا المضمار، صنع جميع أنواع الفنون، كوسائل لرصد تجاربه، في التعبير عن الحياة. والحيوان أيضاً يشعر بذاته، ويسعى لحمايتها بكل سبيل، ولكن وعيه بذاته في مستوى إرادة الحياة، فهى التى تحركه، وتوجه تعبيره عن حياته تلقاء شهوته، وتكاد تحصره، في السعي لتحصيل اللذة، والفرار من الالم.



    أما الإنسان، فان إرادة الحرية، بالإضافة الى إرادة الحياة، تحفزان سيره. وإنما من إرادة الحرية، جاء تساؤله عن مصيره، واهتمامه بمستقبله، وتطلعه للكمال المستقبلي. يقول الاستاذ محمود محمد طه "ولكن الله تعالى سير الجمادات، والغازات، والسوائل، تسييراً قاهراً مباشراً، ثم خلق الحياة في مراتب النبات، والحيوان، فسيرها بإرادة الحياة وهى إرادة تعمل بدوافع البقاء للاحتفاظ بالحياة .. وقانونها اجتلاب اللذة، ودفع الألم، وأصبح تسيير الله تعالى للمخلوقات في هذا المستوى من وراء حجاب إرادة الحياة التى تتمتع بما يسمى الحركة التلقائية، لأن دوافع حركتها، وقوى حركتها كالمودعة فيها. ثم لما ارتقى الله تعالى بالحياة الى مرتبة الإنسان زاد عنصر جديد على إرادة الحياة هذا العنصر هو إرادة الحرية وهو عنصر يختلف عن إرادة الحياة اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع. سير الله البشر بإرادة الحياة وإرادة الحرية معاً وأصبح بذلك تسييره لنا غير مباشر. فالإرادة البشرية هي إرادة الحرية هذه، وبها تميز الإنسان عن الحيوان، وهى الإرادة التى بممارستها عصى آدم ربه، إذ نهاه عن أكل الشجرة. والإرادة البشرية أو إرادة الحرية قبس من الله العظيم، وإليها الاشارة بقوله تعالى ﴿اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشراً من طين، فاذا سويته ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين﴾ فكلمة سويته اشارة الى إرادة الحياة" وعبارة ونفخت فيه من روحي اشارة الى إرادة الحرية"(3).



    والوعي بالموت، ليس شيئاً آخراً، غير الوعي بالذات، وغريزة حفظ الحياة، لأنه الوجه الآخر، لهما ذلك ان الإنسان والحيوان، إنما يحفظان حياتهما من الموت، ومما يمكن ان يؤدي إليه. أما قول دوبجانسكي بأن الوعي بالموت، قد عرف لدى الإنسان البدائي الأول، بدليل دفن الموتى الذى وجدت آثاره عند إنسان نياندرثال، وفي مدافن العصور الحجرية والآثار القديمة الخ.. فيحتاج الى مراجعة.. فان الوعي بالموت، تم بمجرد حدوثه!! وقبل ان يتعلم الإنسان دفن الموتى، أما الدفن فانه نتيجة الوعي بالحياة الأخرى، التى بعد الموت، وذلك من أول المفاهيم التى نشأت عليها الأديان، ولقد ساقت الأحلام الى تصور الحياة الأخرى.. فالإنسان كان يرى أخاه الذى مات، في منامه، وهو يصيد كما كان يفعل عندما كان حياً، فقام في باله بانه في حياة أخرى، يمارس حياته نفسها، ولهذا حرص على دفن الجثمان، ووضع أدوات الصيد معه.



    يرى دوبجانسكي، ان مفهوم غريزة حفظ الذات، مفهوم وغير واضح، وهو يعتقد باننا ينبغي ألا نتصور ان الكائن "يعرف" ما يلزم ان يفعله، ليبقى على قيد الحياة، عن طريق إدراك غريب ومفارق للطبيعة. بدلاً من هذا يقدم الكاتب هنا رأيه بأنه "صحيح تماماً ان الكائنات من الأدنى الى الأعلى تتفاعل مع المؤثرات التى تتوفر عادة في بيئتها المعتادة بأساليب تتوخى الاحتمال الأقصى لبقائها. الكلمات المفتاحية في العبارة السابقة هي تتوفر عادة وبيئتها المعتادة. ذلك ان أفراد النوع اذا وضعوا في بيئات مختلفة فانهم يفقدون حكمتهم وغالباً ما يتبلدون بصورة مذهلة". والحق ان غريزة حفظ الحياة، تدفع نحو تصرف تلقائي، مركوز في بنية الحيوان، من وراء وعيه، عند استشعار الخطر.. ولا يعني هذا بالضرورة، ان ينجح دائماً في الابقاء على حياته، ولكنه يسعى لذلك بكل سبيل، وقد يكون سبب اخفاقه، هو ان البيئة لم تك مواتيه، لأنه لم يعتد عليها، كما ذكر الكاتب ولكنه على كل حال، يتواءم مع البيئة، ويقلل بذلك فرص فشله، في حفظ حياته.



    يطرح الكاتب، رأي فرويد في وجود غريزة للموت، مثلما ان هناك غريزة للحياة، وهو لا يوافقه على ذلك، من الناحية العلمية. ولقد ذكر فرويد رأيه حول غريزة الموت، في دراسات عديدة، وفي كتابات خاصة وعامة. فحين كلفت عصبة الأمم، اينشتين، بالبحث مع عدد من الخبراء، عن طريقة تحول دون تكرار الحروب، قام بمخاطبة فرويد، بسؤال، عن ما هى الدوافع النفسية وراء الحروب. وبعد حديث طويل قال فرويد "ان الافعال البشرية على قدر من التشعب نادراً ما يكون الفعل المعني الذى يصدر عن الإنسان نتاج دافع غريزي واحد. فالدوافع مزيج مركب من طاقة شبقية وأخرى تهديمية وحسب ما تنص عليه القاعدة العامة لا بد من التقاء عدة دوافع متساوية التركيب من حيث عناصرها التكوينية لكي يحدث الفعل... حقاً مثل هذا النزوع يستحق تسمية غريزة الموت في حين ان الحوافز الشبقية تمثل الجهد الذى يبذل في اتجاه الحياة".. الى ان يقول "فان كان النزوع الطبيعي الى الحروب ناتجاً عن الدافع التهديمي يستنتج من ذلك انه يترتب علينا ان نستنجد بالخصم النقيض الذى يقف في وجه تلك النزعة الحربية اي دوافع الشبق فكل ما يتولد من علاقات عطف بين البشر لا بد ان يقوم برد فعل ضد الحرب"(4).. ان عبارة فرويد السابقة، عبارة سطحية، ومعممة، في حين ان المقام يحتاج الى الدقة، والتحديد.. فليس كل تعبير عن الغريزة الشبقية، ينتج عنه بالضرورة، اتساع لنطاق الحب والوئام بين البشر.. وإنما الممارسة الجنسية، التى تسوق الى الحب، لا بد ان تتم عن وعي، ورضا الطرفين، وتحت سمع وبصر وموافقة المجتمع، وأعرافه وتقاليده، حتى تعتبر العلاقة شرعية، ولا يعاني أطرافها بسببها أي ضيق.. وإلا فان الزنا، والاغتصاب، والتعدي، والجرائم الجنسية لا ينتج عنها سوى الحقد والكراهية والاحتقار.. وقد تؤدي الى اشعال الحروب، بل ان بعض أسباب قيام الحروب، هو الرغبة في اغتصاب النساء، وارغامهن على الجنس عنوة، وما يصاحب ذلك من عنف، وشعور بالغلبة والامتلاك، يكون مبعث اثارة ولذة للرجل.. ان القضاء على العنف والحرب، يتم في الوقت نفسه الذى يقضي فيه الإنسان على جهله بالبيئة التى يعيش فيها، وجهله بأخيه الإنسان، وهو الوقت الذى يحل فيه الحب محل الكراهية، بعد ان يقبر الظلم الى غير رجعة.. هنا فقط تنشط غرائز الحب بعد ان تكون قد اطلقت من عقالها، بزوال الخوف، الذى كان فيما مضى، يكبلها، فيتسامى الحب ويطرد كل يوم جديد"(5).



    ورغم ان الكاتب أخبرنا، عن عدة آراء حول نشأة الدين، إلا انه يرجح ان الوعي بالموت، هو الذى دفع الإنسان لاختراع الدين!! وذلك لأن الموت، من أكبر الحقائق التى تصدم الإنسان، وهو لا يملك الغائه، ولهذا فكر في حياة أخرى، بعد الموت، ومن الايمان بهذه الحياة، وبالأرواح، نشأ الدين.. ولهذا يرجح الكاتب رأي فيبلمان (1963) بأن "الأديان اتساق استجابة نوعية تعد بالبقاء. وبغض النظر عن صدقها أو زيفها فان الاحصاءات الغامرة بانتشارها تدل على ضرورتها لاختزال حاجة ضرورية لدى الإنسان. هذه بالطبع هى الحاجة للبقاء، للأمن الأولي، ولتجاوز أسى الموت. الفرد الإنساني يعرف انه سيموت، لكن أفكاره أكبر من مصيره.. الدين مسعى للانخراط في مجال أوسع وأكثر ثباتاً من الوجود المجرد".. وبالرغم من ان في التعلق بالحياة الأخرى، عزاء للإنسان الشقي في هذه الحياة، وان الايمان بها مبعث طمأنينة للإنسان، الا ان الدين نشأ قبل هذا، من عجز الإنسان من مناجزة قوى الطبيعة، التى تدمر حياته بلا مبالاة، مثل العواصف والفيضانات، والزلازل والبراكين، فقد ظن انها آلهه جبارة، فتزلف إليها، وقرب لها القرابين، وأقام الطقوس لعبادتها، ومن هنا نشأ الدين، بمعنى الايمان بقوة أكبر من الإنسان، والشعائر في التعامل معها.. أما فكرة الايمان بالآخرة، فانها جاءت بعد فكرة وجود الآلهه، ولم يدل عليها مجرد الموت، وإنما ساقت إليها الأحلام.. فقد رأى الإنسان البدائي الأول، أباه أو أمه أو أخاه الذى مات في نومه، وهو يمارس حياته نفسها، التى كان يمارسها، فلم يهده تفكيره، الى تفسير لهذه الظاهرة أقرب من ان هذا الشخص، يعيش في عالم آخر، بعيداً عن الأرض، وأقرب الى الآلهه، ولهذا لا يمكن التواصل معه. ولقد كانت الأديان، التعددية، كثيرة الآلهة، ولكن كان عدد الآلهة، يقل كلما الف الإنسان احدى الظواهر، واستطاع ان يقلل من خطرها عليه.. أو كلما هزمت قبيلة أخرى، فان إله القبيلة المهزومة، يتبع لإله القبيلة المنتصرة، ثم تتلاشى عبادته، وتحل محلها عبادة الإله الجديد.



    يختم دوبجانسكي هذا الفصل بقوله بأن "الوجود الزمني ليس إلا مجرد تهيئة للحياة القادمة بالنسبة للذين يؤمنون بالبعث والخلود، أما بالنسبة للذين يعتقدون ان الموت هو الفناء والتحلل النهائي فان معنى الحياة يكرسه ما يحدث بين الميلاد والموت وألا يكون هنالك أي معنى. يمكن للذى يعتقد في الخلود إذن ان يعد خلاصه الشخصي همه الشاغل، والهدف من حياته. ولو لم يكن هنالك خلود فان المسألة تكون معقدة وصعبة لأبعد مدى. فلا يمكن العثور على معنى للحياة الا في شئ أكبر من الوجود الشخصي لكنه يتضمنه في الوقت نفسه".. ان تصوير الموت باعتباره نهاية، هو الذى رسخ في اهابنا الخوف الشديد منه، وذلك مرده الى جهلنا بحقيقة الموت، وانه ميلاد جديد في مكان مختلف، تكون حياتنا فيه، أفضل من حياتنا في الدنيا.. و "لن نخاف الموت" يقول الدكتور، ثم يردف: "وكيف يخاف ميت، من الموت؟؟" فهل رأيت كيف يرى الدكتور انتصارنا على الخوف من الموت؟؟ هو يراه في اليأس من الحياة، وفي اليأس من القدرة على الفرار من الموت.. والحق غير ذلك.. فان انتصارنا على الخوف من الموت إنما يجئ من اطلاعنا على حقيقة الموت، ومن استيقاننا ان الموت، في الحقيقة، إنما هو ميلاد في حيز جديد، تكون فيه حياتنا أكمل، وأتم، وذلك لقربنا من ربنا.. وبالموت تكون فرحتنا، حين نعلم ان به نهاية كربنا، وشرنا، وألمنا.. قال تعالى عنه ﴿لقد كنت في غفلة من هذا، فكشفنا عنك غطائك، فبصرك اليوم حديد﴾ .. وإنما بالبصر الجديد ترى المشاكل بوضوح، وتواجه بتصميم.. وعندما اشتدت بالنبي غصة الاحتضار، وقالت السيدة فاطمة البتول "واكرباه لكربك يا أبي!!"، أجابها المعصوم "لا كرب على ابيك بعد اليوم".. وقد سمى الله، تبارك وتعالى، الموت اليقين فقال ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ واليقين أيضاً، العلم الذى لا يكاد يكون فيه شك، والذى به تتكشف الحقائق المستورة وراء الظواهر.. وإنما سمي الموت اليقين لأن به اليقين، ولأن به يتم اليقين الذى يكون قد بدأ هنا عند العارفين، وإنما يكون بدأه بالموت المعنوي الذى هو نتيجة العبادة المجودة.. وعن هذا الموت المعنوي قال المعصوم "موتوا قبل ان تموتوا" وقال عن أبي بكر الصديق: "من سره ان ينظر الى ميت يمشي في الناس فلينظر الى أبي بكر" هذا هو اليقين الذى باطلاعنا عليه، لا نتحرر من خوف الموت فحسب، وإنما به قد يكون الموت أحب غائب الينا"(6).



    [1] ايليا ابو ماضي : الجداول بيروت : كاتب وكتاب ص 139

    [2] محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة أمدرمان السودان ص20-22

    [3] محمود محمد طه (1968) الاسلام . امدرمان السودان الطبعة الثانية ص 17-19

    [4] أينشتين وفرويد : لماذا الحرب ؟ - مجلة الفرسان العدد 683 - 11 مارس 1991 م

    [5] عمر القراي : تعليق حول موضوع : اينشتين وفرويد لماذا الحرب؟ - مقال لم ينشر مارس 1992

    [6] محمود محمد طه (1971) القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري – أمدرمان السودان ص 28-30
                  

04-21-2008, 04:47 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    معنى الحياة؟!

    تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبزانسكي

    الفصل الخامس

    البحث عن معنى

    يطرح الكاتب، في هذا الفصل، آراء عديدة، لفلاسفة ومفكرين، حاولوا في صور نقدية، مختلفة، تتفاوت من النقد الجاد، الى السخرية، الى الاحباط، تقديم آراء عن ماهية الحياة وغايتها، ووضع الإنسان فيها.. ولقد بدأ الكاتب بحثه، بالنظر في مدى التشابه بين الإنسان والقردة العليا، في انشاء الأسرة، والمجتمع..

    فعلى الرغم من الشبه بين الإنسان والقرود العليا، في تكوين المجموعات، والقيام بأعباء متفاوتة، للحفاظ على الاسرة، الا أن الدور الإنساني، يختلف من أوجه عدة، عن دور القرود العليا.. يقول دوبزانسكي (هنالك اختلاف في وجهات النظر حول مدى الاقتتال الذي يتم بين افراد الزمرة. فقد يكون هنالك قتال شرس بين ذكور القرد الأفريقي المحبوسين الذين يذودون عن الإناث اللائي يستميلونهم في حديقة الحيوان. أما على الطبيعة فإن المشاهدات تكشف عن وضع مختلف تماماً. فهنالك نظام صارم بعض الشئ للسيطرة والطاعة بين أعضاء الفرقة، وهذا النظام يتم تاسيسه والحفاظ عليه عادة بالتهديد والطقوس لا بالاقتتال الفعلي. ويتم في بعض الأنواع استبعاد الأفراد الضعفاء من الذكور البالغين الذين يشكلون فرقاً من "العزاب" يتسكعون قرب الزمرة انتظاراً لفرصهم.... الفرق الأهم في السلوك الجنسي بين الإنسان واقاربه يقع في مضمار آخر. فالأنثى في كل الرئيسيات عدا الإنسان تكون مستقبله جنسياً خلال فترات محددة من الدورة النزوية فقط. أما أنثى الإنسان البالغ جنسياً فهي دائمة الاستقبال). ولعل كون أنثى الإنسان تكون قادرة على استقبال الذكور دائماً هو ما ادى حسب رأي الكاتب الى امكانية احادية الارتباط وابوية الرعاية عند الإنسان دون الحيوان.

    يتحدث الكاتب عن طول طفولة الإنسان، اذا ما قورن بالحيوانات الأخرى، وما يلقي ذلك من مسؤولية على الأم وعلى الاب. ولعل طول الطفولة، أهل الإنسان، الى ما ذكره وادنجتون (1960) من سعة العقل سعة وراثية تجعله (متلقياً للسلطة وليكون كائناً أخلاقياً). وهو يرى ان العملية التطورية، لم تزود الإنسان بمبادئ وقيم أخلاقية محددة، ولكنها هيأته ليأخذ ذلك عبر الزمن، من الابوين، والاقارب، والمجتمع.. ثم يحدثنا الكاتب عن العائلة باعتبارها أقدم المؤسسات الاجتماعية الإنسانية، وأكثرها دواماً.. وكيف أنها تختلف في تركيبها، من مجتمع لآخر. ويشير الكاتب الى الجدل الدائر، حول الأهمية النسبية، لكل المحددات الوراثية، والثقافية، للدافع الجنسي، والتنظيم الأسري للإنسان. وهو يرى أن الدافع الجنسي، نتاج آليات ترسخت وراثياً، لكن مظاهر هذا الدافع يكيفها الاطار الثقافي. فلقد نمّت المجتمعات، صرحاً هائلاً من القواعد السلوكية، والمحظورات، صار مفروضاً على الدوافع الفسيولوجية المكيفة وراثياً. ويقرر الكاتب، أن بعض المجتمعات، أكثر اباحية وبعضها أكثر تزمتاُ. ولكن ليس هناك مجتمع في الماضي أو الحاضر، على الاطلاق، ترك هذه الامور لهوى الافراد، وتقديراتهم.

    يطرح الكاتب، فكرة بعض علماء الاحياء، بان الأخلاق تم تشكيلها، وتثبيتها، بحسبانها دوافع غريزية وراثية، عن طريق الاصطفاء الطبيعي. ولكنه يرى ان ما يتم بالتكييف البيولوجي، ليس طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، وانما القدرة على الصيرورة الأخلاقية. أما طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، فتجئ من التطور الثقافي. ولهذا فاننا –حسب رأي الكاتب – يمكن أن نقول بتعبير فرويد، أن الذي يورث، هو القدرة على تكوين ذات عليا (سيوبر إقو)، لا نوع الذات العليا التي تتكون. كما يرى ان فكرة الأبوة الأخلاقية، بالنسبة للإنسان، جاءت من اكتسابه الوعي بالذات وبالموت. فالأب كان يعي بانه سوف يموت في وقت ما، ولهذا كان يريد ان يبقى امله في ابنائه من بعده، ذلك ان تكريس حياته لذريته، يحقق له جزء يسير من ذلك الخلود، الذي يصبو اليه، ولا يستطيع تحقيقه منفرداً.

    ينتقل الكاتب بعد ذلك، الى فكرة الخصوبة، وارتباطها بتماسك المجتمع البدائي، وبالدين في العصر الحجري، ويعتمد في ذلك على رأي هوكس و ولي (1963) (استمدت الدوافع الدينية للعصر الحجري قديمه وحديثه أقوى عناصر تماسكها وأكثرها تحديداً من الرغبة المشتركة في الخصب. وقد لوحظ انه على الرغم من التداخل والارتباط الشديد للدين في العصر الحجري القديم مع الطقوس الطوطمية للأرواحية وسحر الصيد فان أكثر مواضيع تلك الطقوس تطويراً واشدها وضوحاً تماثيل الأم-الآلهة وأعضاء الذكورة المنقوشة. ولا تزال لهذين الرمزين السيادة المطلقة في الآثار الثقافية الاولية للعصر الحجري الحديث).. ولتأكيد هذه الفكرة يحدثنا الكاتب بانه لا تزال الرموز المتعلقة بعضو الذكورة، بارزة في أدياننا، البدائي منها، والمتقدم، ويستانس في ذلك، برأي الفيلسوف الروسي رازانوف، الذي فسر النكاح، والتناسل البشري، بحسبانهما طقوساً شبه دينية، كما طرق فيلسوف آخر هو قودينف (1965) أفكاراً مشابهه.

    طرح الكاتب السؤال المزمن : هل يمكن اذاً، ان يعيش الإنسان ليحيا، لينجب مزيداً من الحياة، وتتواصل السلسلة الى الابد؟ ثم قرر ان سلسلة الحياة الابدية، هي الجواب المعقول للسؤال عن معنى الحياة. ولكنه مع ذلك، يتساءل هل يكفي هذا الجواب بالنسبة للإنسان؟ ويرى ان كامو قد رأى طرفاُ من الحقيقة، حين قال (انني أعرف ان لشئ ما في هذا العالم معنى هو الإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي يطلب ان يكون له معنى) هنا يرى الكاتب ان قوة الفكرة الأزلية وضعفها تكمنان في قول (ان الحياة غاية في ذاتها. هذه الفكرة تبقى على الحياة فهل يمكنها ان تشبع عقلاً اسبغت عليه نعمة او نقمة الوعي بالذات وبالموت).. وهو يرى ان الاجابة على هذا السؤال بان الحياة غاية في ذاتها ليس كافياً، خاصة للذين وصلوا الى مستوى الوعي بالذات، جعلهم يبحثون عن معنى للحياة الإنسانية، يتسامى على مجرد الحياة، ويعلو عليها..

    يطرح الكاتب، رأي تايلور وفريزر، عن ان الإنسان اخترع السحر، خلال نضاله للحفاظ على الحياة.. وان الدين نشأ من السحر. كما يطرح آراء آخرين، لا يوافقون تايلور، ويقررون ان الدين نشا مستقلاً عن السحر. ويفرقون بين الدين والسحر، بان السحر منفعي، أما الدين فهو اهتمام بمصير الشخص، ومستقبله في حياة أبدية. لكن الكاتب، يرى ان عجز الإنسان، عن فهم قوى الطبيعة، وتطويعها لمصلحته، جعله يسبغ عليها كل اعتقاداته، وتصوراته، بما فيها السحر، والأراوح، والدين.. على ان الكاتب يرى ان السحر، ولو كان مفيداً أحياناً، لا يمنح الفرد تبصرا عن معنى الحياة. وانما الأديان، هي التي توفر الاجوبة، على مثل هذه التساؤلات. أما كون هذه الاجوبة هي الحقيقة أم لا، فان هذا امر آخر.. يقول دوبزانسكي (لقد وجد الإنسان في العالم بمشيئة الله، ومعنى وجوده هو ان يكون خادماً لله. الله او الآلهة مهما كان تصورها في الأديان المختلفة أزلية لا تموت. اما الإنسان فانه واع بمرحليته وتمزقه. يصف هارتشون الدين بانه "قبول الإنسان لتمزقه" ويتغلب الإنسان على تمزقه ومرحليته بان يكون على الاقل ولو في خياله جزءاً من الحياة المطلقة العلية)[1] .. ثم يحدثنا الكاتب، عن ان الحياة الأزلية وتصورها، يختلف باختلاف الأديان. وان التوراة القديمة، لم يكن فيها، وعد اوعيد، بالجنة او النار.. ولكن عقيدة بعث الموتى، ترسخت فيما بعد، في اليهودية، بعد الحقب التالية للإنجيل، وهي أوضح في المسيحية والإسلام. كما يرى ان المفهوم الاصولي للنار، والعذاب الحسي فيها، والذي تعكسه لوحات الكنائس، انما يتفق مع التصور الفظيع، الذي صوره دانتي في ملحمته الكلاسيكية الشهيرة. في هذا التصور، يمثل الموت، مجرد وقفة عابرة، على مدرج الروح الابدي، ويحل البعث محل الموت. ويقصد به بعث الاجساد، لان الأرواح لا تموت. ولعل الصورة التي يعتبرها الكاتب فظيعة، هي ثنائية الابدية، بين النعيم المقيم والعذاب الدائم. يرى الكاتب ان أديان اخرى، مثل البوذية والهندوسية، ترفض فكرة الخلود، من هذا النوع، لانها تؤمن بتناسخ الأرواح. وهي ترى، ان تجول الروح، ليس هو المطلوب، بل انهاء غربتها بالتحامها مع الذات الالهية.

    يحدثنا دوبزانسكي عن ان الفكر المسيحي الخلاق، يتجه للتوفيق بين الرؤى المختلفة، لموضوع الخلود. ان الإنسان المعاصر، يثور ضد عدم عدالة ثنائية الجنة والنعيم، والهالكين والناجين. ان صلاح او فساد حياة الإنسان، انما يقع في صيرورة لا تحدها هذه الثنائية. ويستشهد بتليش (1963) لحل هذا الاشكال حيث يرى تليش (على المسيحية ان ترفض إنزال رمز الخلود واستخدامه للتعبير عن هذه الخرافة رفضاً تاماً. وذلك لان المشاركة في الاطلاق ليست هي الحياة القادمة وليست هي حالة طبيعية للروح الإنسانية وانما المشاركة في الاطلاق فعل خلاق للاله الذي سمح للمرحلي ان يفصل نفسه من ثم يعود للمطلق) ويواصل تليش (كثيراً ما يستعمل رمز البعث بصورة عامة ليعبر عن ان الحياة المطلقة تنهض من موت الحياة المحدودة. انه بهذه الطريقة رمزية للتعبير عن المفهوم اللاهوتي الاساسي للوجود الجديد عندما يكون الوجود الجديد ليس وجوداً أخر وانما هو تحول الوجود القديم. فالبعث اذاً ليس خلقاً لحقيقة اخرى فوق الحقيقة القديمة وانما هو تحول الحقيقة القديمة ناهضة من موتها)[2]

    الدين في نظر دوبزانسكي، يخدم مهمة كبيرة، في التماسك الاجتماعي.. وذلك لان الناس في كل مجتمع، وصلوا الى مفاهيم متسقة، من الافكار الدينية، تتعلق بحياتهم والطريقة المناسبة لتوجيهها، مما يساعدهم على تحقيق السلام مع انفسهم، والتصالح مع العالم الرهيب الغامض، الذي اوجدتهم فيه، قوى أكبر منهم.. ولقد كان الدين، منذ اقدم العصور، ثقافة شاملة، تجيب بالرموز، والاساطير، والخوارق، على تساؤلات المجموعة، مما جعله اداة للتماسك العاطفي والاجتماعي. بالاضاقة الى ذلك، يؤكد الكاتب، على الدور الاجتماعي للدين، باعتباره يمنح اقراراً غيبياً للأخلاق، فيقول (لكن الدين لم يتمكن من توفير هذا الاقرار الا لكونه منح معنى لافعال الإنسان بان اعطاها مرجعية في مصيره. فحياة الافراد وربما المجتمعات التي ينتمون اليها ينظر اليها بحسبانها جزءاً من مخطط جليل فرضته سلطة الأهمية).. على انه يرى ان هذه الفكرة تمت المبالغة فيها، اذ ان الأديان، ربما كانت مدعاة للحروب الزائفة، والاضطهاد الديني. بالمقابل، هو يرى ايضاً، نماذج للكثيرين، الذين كرسوا حياتهم لخدمة بني جنسهم في احسان، وتواضع، ومحبة، مطمئنين بانهم بذلك يخدمون الرب.. وهو لذلك، يرى انه (هكذا مكن الدين الفرد من اكتساب هوية تماثله مع مجموعات أخرى أكثر ثباتاً من ذريته وعائلته النووية).. فالدين اذن كما يرى الكاتب، جزء من الثقافة، لا يستطيع حتى اللاديني نكران اثره على المجتمع. ولذا فهو يتفق تماماً، مع توينبي (1961)، في قوله "الحضارات العظيمة في العالم تنتج عن الأديان العظيمة بحسبانها افرازاً ثقافياً ثانوياً، الأديان العظيمة هي الاساس الذي تبنى عليه الثقافات العظيمة"..

    أما الحضارة الغربية الضخمة، فان الكاتب يرى انها نشأت على اساس يهودي- مسيحي. ولكن تاثير الدين بدأ ينصل عن الحياة، منذ عهد التنوير، حين نشأ الصراع بين الكنيسة والعلماء.. وذلك حين قرر كوبرنيكس (1543) ان الشمس هي مركز الكون. ثم تبع ذلك تاييد كلبر (1606)، وجاليليو (1610) والذي اجبرته محاكم التفتيش، على التنازل عن آرائه، التي اعتبرتها الكنيسة ضرباً من الهرطقة. ولكن الثورة لم تتوقف، فجاء كتاب "خطاب في المنهج" لديكارت (1637)، وكتاب "المبادئ الرياضية" لنيوتن (1682)، وكتاب "مقال بخصوص الفهم الإنساني" للوك (1690)، في هذا الاتجاه الذي يواجه المعتقدات القديمة. ورغم ان الكنيسة قد قل سلطانها، الا انها رفضت بقوة نظرية دارون (1859).

    يشعر الكاتب، بان هناك نزاع لا شك فيه، بين الدين والعلم.. ولكنه يعتقد ان هذا النزاع، لا داعي له، لان (العلم والدين يتناولان جانبين مختلفين للوجود يمكن مراعاة للتبسيط ان نقول انهما جانبي الحقيقة والمعنى. فمن الممكن للمرء ان يدرس الحقائق دون ان يكترث لمعناها) ولكنه يشعر بان هذا الفهم، ليس دقيقاً، فيقول (لا يعني ذلك ان على الإنسان ان يفصل افكاره العلمية والدينية عن بعضهما البعض ويضعهما في حاويتين محكمتي الاقفال).. على انه يوافق على ان العلم لا يملك الاجابة على كل التساؤلات، وان بعض الظواهر الطبيعية، مفهومة للعلم وبعضها غير مفهومه له. ولكن ما لا يقبله، هو ان بعض المتدينين، أو حتى العلماء، يحاولون ان يسدوا هذه الفجوات، بالقدرة الالهية!! وهو ما اسماه في الفصل الثاني آلهة الفجوات، وعلقنا عليه في ذلك المقام. ان النزاع بين العلم والدين، سببه عند الكاتب، محاولة حماية التراث الديني، من تشكك المتشككين، لانه لو تم طرح أي جزء من التراث الديني، فلن يكون هناك حد للتنازلات. ولعل انشغال الزعماء الدينيين، بهذا الدفاع المتوهم عن الدين، هو الذي (قاد الى عجز القادة الدينيين عن اداء واجبهم الرئيسي، وهو التمييز بين الابدي من معتقداتهم والمكونات الوقتية، التي جاءت اعتباراً لمستوى معين من الفهم العام او الوضع الاجتماعي السياسي، الذي وجد الدين نفسه فيه خلال تاريخه. وقد ادى ذلك التضاد الحرون الى التراجع المستمر للدين الاصولي)..

    يحدثنا الكاتب عن تراجع الدين الاصولي، وظهور نظريات مادية بديلة، انكر بعضها وجود الله، وبعضها أقر بوجوده، ولكنه انكر تدخله في حياتنا، فصوره كمن صنع آلة ضخمة، ثم تركها تسير دون تدخل فيها. مثل هذا الاله الغائب عن خلقه، ليس جديراً بالعبادة. وهكذا نشأت مجتمعات جديدة في الغرب، وفي اليابان، لا تؤمن باي دين، وان ذكرت عبارات الدين شفوياً فقط. مع كل هذا الجنوح عن الدين، فان الإنسان الحديث حسب رأي الكاتب، لا يستطيع ان يمنع نفسه من التساؤلات القديمة : هل لحياتي معنى، ابعد، واسمى، من مجرد المحافظة على حياتي؟! هل للكون أي غاية واي معنى؟! هذه الاسئلة، ومثيلاتها، صارت مؤخراً، سائدة ليس بين اوساط الفلاسفة والمفكرين، فحسب، وانما لدى العامة أيضاً.

    يذكر الكاتب ان أدياناً بديلة نشأت، وهي تدعي انها قادرة على الاجابة على هذه الاسئلة، بطريقة علمية.. كما انها تملك مقدرة تغيير حياة الناس الى الافضل، وايقاف ظلمهم، واستغلالهم، وأكبر هذه الأديان الماركسية، وأكبر انبياؤها ماركس ولينين. وكل ما وعدت به المسيحية من خير وسلام، ادعت الشيوعية انها ستحققه.. ووجدت دعوتها، صدى واسعاً بين الشعوب المضطهدة، في جميع انحاء العالم. ولكن الشيوعية، كما يرى الكاتب، صحبتها شدة، وعنف، ودماء، رغم انها لم تتحقق بعد!! ويستدل براي باسترناك عن ان النموذج الشيوعي "لا يزال بعيدأً عن التحقيق لكن الأنهر من الدماء التي أسالها مجرد الحديث عنه لا تجعل الغاية تبرر الوسيلة". على ان مشكلة الشيوعية، في راي الكاتب، انها لا تحوي سوى ملاحظات عابرة، لاقناع الشخص الامين المرتاب، بان الحياة التي تكرس لخدمة الآخرين، والتضحية من اجلهم، افضل من تلك التي تكرس للمنفعة الذاتية المباشرة. وليس بديهياً، ان مستقبل الإنسانية عزيز لدينا، للدرجة التي تجعل كل واحد منا، يضحي بحياته، لأولئك القوم الذين سيجيئون في المستقبل. يرى الكاتب، ان حياة الإنسان بصورة محتشمة، ومساعدته للاخرين في حدود، وعمله من اجل اسرته، واسعاده لاسرته وجيرانه، مبادئ أخلاقية عامة، تجد سندها في التراث الديني اليهودي المسيحي، وان تحررت مؤخراً من هذا التراث، لكنها مع ذلك، لا تمثل اشباعاً لتوق الإنسان لحياة ذات معنى.

    يطرح الكاتب افكاراً غربية اخرى، غير الماركسية، في مقاربة لتصوراتها عن الحياة، ويقف عند الوجودية، وينظر لها من خلال مسرحية الذباب لسارتر، خاصة الحوار القديم المتجدد في تحدي الإنسان للإله، ثم ما يصيب هذا الإنسان في النهاية، من شعور بالقرف، والغثيان، وهو يقرر "ليس هنالك إله وليس هنالك معنى في الكون. وليس للإنسان معنى في كون بلا معنى".. يؤكد الكاتب ان الفنانين المرهفين، هم الذين اصيبوا بهذه المشاعر السلبية، تجاه الحضارة المادية الحاضرة. ويوافق بارزون (1964) الذي نسب للفنانين فضل اكتشاف "عفن الروح الجاف"، في العالم الحديث، وهو يشير للتكنولوجيا والعلم المادي. ان الشعور بالقرف والغثيان والعفن، لم يعد حسب راي الكاتب، خاص بالفنانين والفلاسفة والصفوة، من امثال سارتر وبارزون، وانما اصبح حظ العوام، في كل المجتمعات. وليس السبب في رايه ان الناس اصبحوا يقرأون لهؤلاء الفلاسفة والمفكرين، ويتاثروا بهم، وانما لأن البشرية عانت من ويلات الحرب العالمية، وذاقت مرارات التعذيب، في معسكرات وسجون النازية، والفاشية، والشيوعية.

    ومع انه في كل مكان يوجد من يشعرون بالظلم، وبسوء حياتهم، الا ان تعبير "الاستلاب" (الاغتراب) نشأ مؤخراً، وعبر بصدق، عن ازمة الإنسان المعاصر. كنموذج بارز لموضوع الاغتراب، يركز الكاتب على الولايات المتحدة الامريكية، وينظر اليها من خلال جولس هنري في كتابه "الحضارة ضد الإنسان" (1963) حيث قال "حضارتنا منقادة. انها مساقة بدوافع انجازها ودوافع المنافسة والربح والتعبئة بدوافع الامن والمستوى الاعلى للحياة" كما يرى هنري انه "فيما عدا المهنيين والتنفيذيين فان معظم الأمريكيين لا يشتركون بعواطفهم لا في حرفهم (ما يفعلونه) ولا في عملهم (المكان الذي يؤدونه فيه). في النهاية فان ما ينسب الامريكي المتوسط للحياة، والمكان، والناس، هو اقتصاده الشخصي الخاص - أسرته وبيته وسيارته..." أكثر ما يقلق هنري، هو ظاهر عدم الاهتمام بكبار السن، وحرمانهم من الحنان الاسري.

    في ختام الفصل، يؤكد الكاتب، بان الشعور بالعدمية والقرف من الحياة، وعدم الاحساس باي معنى لها، والشعور بان العالم لا يتجه الى غاية، وان الإنسان ليس الا جزء تافه من الاشياء، وان التاريخ البشري يمكن ان ينتهي فجأة بمجزرة، وان هذه النهاية لا معنى لها، لأن كل الناس سيموتون، هذا الشعور ينتابنا جميعاً في اوقات مختلفة. يلجأ البعض للأديان، ليتجنب هذا الشعور، او ينشغل عنه، وآخرون ينغمسون في الملذات، حتى لا يفكروا في هذه الاشياء. اما الحياة العادية، التي تقوم على اداء عملك، وبناء مسكنك، ورعاية اطفالك، لم تعد تناسب الإنسان الحديث.

    ان الاعتراف بانك تعيش من اجل ابنائك، وهم يعيشون من اجل ابنائهم، وهكذا الى ما لانهاية، في رأي الكاتب، يجعل للحياة معنى، ولكنه معنى بيولوجي وهو يتكرر بلا معنى. ان ما يرغب فيه الإنسان، ليس وضع جديد، وانما وضع افضل. ولقد كان الإنسان في القرن التاسع عشر يثق بان التقدم يسير بانتظام. ولكننا لم نعد نملك الثقة بالمستقبل بالقدر نفسه. ومع كل ذلك يرى الكاتب ان هناك بارقة أمل في تمثيل جديد. هذا ملخص للفصل أرجو ان لا يكون مخلاً.

    ان الحديث عن التشابه، والاختلاف، بين الإنسان والقردة العليا، الذي افترع به الكاتب هذا الفصل، يدورحول معنى هام، في تكوين المجتمع البشري، لم يقف عنده الكاتب، بالقدر المطلوب.. فالصراع بين الذكور، للاستيلاء على الاناث، في مجتمع الحيوان، انما تغذية الغيرة الجنسية، فهي قد جاءت للإنسان من الحيوان، وكان لها القدح المعلى في نشأة المجتمع الإنساني.. ولقد كانت الغيرة في البدايات، وعلى عهد القرب من الحيوان، مجرد رغبة في الامتلاك والاستحواذ، على أكبر عدد من الاناث.. ولكن المهزومين من الذكور، حين اضطروا الى الخنوع، انما بدأوا بكبت الرغبة الجنسية العارمة في نفوسهم.. ولقد اثمر هذا الكبت قوة السيطرة على الرغبة، مما قوى من ابراز العقول، لدى الافراد من ناحية، وارساء الاعراف الاولى التي نشأ عليها المجتمع من الناحية الاخرى.. ومع قوة العقول، وشدة رعاية المجتمع للاعراف المتعلقة بتوجيه الطاقة الجنسية فيما تسمح به الجماعة، برزت من العاطفة الجنسية عواطف اخرى من الحب، غير الحب الجنسي. ولقد دعم هذه المشاعر، تقييد المجتمع للغريزة الجنسية، فحرمت هذه العلاقة مع الاقارب الاقربين، على مكث وتطور وئيد، حتى برزت الاسرة، التي يميز فيها الرجل بين حبه لأمه، وحبه لزوجته.. (إن مجتمع الحيوان لا ينمو في عدد ذكوره، وان نما في عدد اناثه، ذلك ان الغيرة الجنسية تحمل الفحول على ان يقتتلوا في سبيل الاناث، حتى لا يكون في المراح الواحد الا فحل واحد.. فاذا كان هناك ذكور، الى جانب الفحل، في المراح، فانما هم ذكور لا أربة لهم في الاناث، فان كانت لهم أربة في الاناث فانهم سيدخلون في حلبة الصراع مع الفحل الأب، فاما ان يطردوه من المراح، واما ان يقتلوه، واما ان يطردهم، أو ان يقتلهم هو.. وهذا هو الشأن بينهم فيما بينهم.. ولقد جعل الله طفولة البشر أضعف، واطول من طفولة الحيوان، ليؤكد له ضرورة المجتمع، لطفولته، ولشيخوخته. وكذلك نشأ المجتمع البشري.. ولكنه لم ينشأ الا بعد ان نشأ العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، وأمن الملكية الفردية، فحرمت الاخت على أخيها، وحرمت الأم على ولدها، وحرمت البنت على ابيها، وكذلك استطاع الأبن ان يعيش مع ابيه، وامه، بعد ان بلغ سن الرشد.. وكذلك استطاع ان يعيش الصهر، مع صهره، وهو آمن على زوجته، من ابيها، ومن أخيها.. ومن ناحية الملكية الفردية للسلاح الذي يتخذ من الحجر الجيد، وللكهف ينحت في الجبل مثلاً، فقد قام العرف بالاعتراف بها لأصحابها، ومنع السطو عليها، وكذلك استطاع افراد المجتمع ان يعيشوا في سلام، يحتكمون الى شيوخهم، عند التنازع على أمر من أمورهم)[3].

    ولقد كان هذا الكبت البدائي للغريزة، على قسوته، وعنفه، بداية الأخلاق.. ذلك ان خوف الآلهة وخوف الجماعة، حين جعل الفرد يحد من شهوته، ليوافق أعراف المجتمعات، صاغ على تطور من تلك الأعراف، انموذجاً أعلى، جعل الاتساق معه، محمدة يكافئ عليها المجتمع في الدنيا، والآلهة في الحياة القادمة.. من هنا جاءت القوانين، وهي الحد الادنى للأخلاق، اذ التصرف فيما لا يقع تحت طائلة القانون، هو السلوك الأخلاقي، أو قل ان الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة.. وهذا يعني ان يكون الفرد، موكل بعمل الخير والاحسان ولو لم يكن هنالك رقيب عليه ولم تكن هنالك قوانين.

    لكن الكاتب يطرح فكرة بعض علماء الاحياء، بان الأخلاق، تم تشكيلها، وتثبيتها، بحسبانها دوافع غريزية وراثية، عن طريق الاصطفاء الطبيعي. ويرى ان ما يتم بالتكييف البيولوجي، ليس طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، وانما القدرة على الصيرورة الأخلاقية.. والحق ان الذي يورث، ليس الممارسة الأخلاقية المعينة، وانما المقدرة على الكبت، التي منها ينشأ الذكاء الذي يعين على حسن التصرف في المواقف المختلفة.. والأخلاق ليست الصفات الايجابية، كالكرم، والمروءة، والشجاعة، والصدق..الخ وإنما هذه ثمرة الأخلاق. أما الأخلاق فهي مقدرة العقل، على سوق النفس، ضد رغائبها، وتجاه الواجب المباشر، مما ينتج عنه هذه الصفات التي اشرنا إليها.. والعقل لا يحقق هذه المقدرة تلقائياً، أو بمجرد هضم المعارف نظرياً، وإنما يحتاج لمنهج لترويضه وتدريبه. وحتى يقوى العقل ويستحصد، لا بد للمنهج أن يعالج آفتي التفكير الأساسيتين وهما: قلة الفكر والتوائه. ولزيادة التفكير، يحرص الإنسان على ألا يفعل شيء، ولا يترك شيء، إلا بعد أن يفكر فيه. ومن اجل تجنب التواء التفكير، يجب على الإنسان أن ينشغل بالتفكير في عيوبه، عن عيوب الآخرين. حتى إذا اكتسب القدرة الفائقة على اكتشاف دسائس نفسه وخباياها وعرفها أكثر، استطاع أن يكون محايداً، غير منحاز لها، حينما يفكر في إنصاف الآخرين منها. فالتفكير الحقيقي، ليس تأمل في الفراغ، ولا انشغال بمعضلات فلسفية وجودية.. وإنما هو عمل يومي، بل لحظي، يتجه إلى الغور في طوايا الذات المفكرة نفسها، واستكشاف خباياها. وإنما من أهمية المنهج، لإحراز الفكر القوي المستقيم، الذي لا تسير الحياة في الطريق الصاعد إلا على هداه، تجيء أهمية الدين للإنسان. لأن الدين وحده هو الذي يملك هذا المنهج، وهذا ما سنتحدث عنه، عندما نصل إلى تعليق الكاتب في هذا الفصل عن أهمية الدين.

    يرى الكاتب ان من اهم الافكار، في المجتمع البدائي، في العصر الحجري، فكرة الخصوبة، واتباطها بالدين، وبالمجتمع.. وينقل لنا رأي هوكس و ولي (1963)، اللذان يعتقدان ان الرغبة المشتركة في الخصب، هي السبب وراء تماسك الدوافع الدينية في العصر الحجري. وقد لوحظ انه على الرغم من التداخل، والارتباط الشديد للدين في العصر الحجري القديم، مع الطقوس الطوطمية للأرواحية وسحر الصيد، فان أكثر مواضيع تلك الطقوس تطويراً واشدها وضوحاً تماثيل الأم-الآلهة وأعضاء الأنوثة والذكورة المنقوشة. ولتأكيد هذه الفكرة، يحدثنا الكاتب بانه لا تزال الرموز المتعلقة، بعضو الذكورة بارزة في أدياننا، البدائي منها والمتقدم.. ويستأنس في ذلك برأي الفيلسوف الروسي رازانوف، الذي فسر النكاح والتناسل البشري بحسبانهما طقوساً شبه دينية، كما طرق فيلسوف آخر هو قودينف (1965) أفكاراً مشابهه.

    والحق ان الأديان القديمة والحديثة، ركزت على الخصوبة، ودعت الى الزواج والتناسل، وامتدحت الممارسة الجنسية الرشيدة، التي تتم وفقاً لشروط المجتمع، واعترافه بهذه العلاقة.. على ان الامر أعمق من ذلك، فالعلاقة الجنسية، وان كانت الذرية من اهم ثمارها، الا ان الغرض الاساسي من ممارسة الجنس، ليس الانجاب، وانما تسامي الحب وزيادته واطراده.. ولكن الحب مؤوف بالخوف، الذي ينقصه، فاذا استطاع الفرد ان يتحرر من الخوف، بتحقيق العلم بالله، وبالبيئة التي يعيش فيها، فانه يستطيع لكمال معرفته، ان يختار شريكه الذي هو صنو نفسه.. وحين تتم العلاقة الجنسية بين هؤلاء العارفين الاحرار، فان تسامي الحب يربطها بالله، وانما في هذه المستوى الرفيع، يصبح الجنس ممارسة دينية، رفيعة، تكتمل بها حياة الشعور، وتترقى بها حياة الفكر. وانما من اجل هذه القيمة، التي تتأتى في زواج الحقيقة، جاء تكريم الزواج في الشريعة، ودعا له الدين.. يقول الاستاذ محمود (هناك زواج في الحقيقة... وهناك زواج في الشريعة.. فاما في "الحقيقة" فان زوجتك هي صنو نفسك.. هي شقيقة نفسك.. هي انبثاق نفسك عنك خارجك وهي بذلك جماع آيات الافاق لك.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكفي بربك انه على كل شي شهيد".. وما يقال في هذا المستوى، عن موضع الزوجة من الزوج، يقال عن موضع الزوج من الله.. فالزوجة هي اول تنزل عن الوحدانية الحادثة الى الثنائية.. هذه هي الزوجة في الحقيقة "يا ايها الناس اتقوار ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام ان الله كان عليكم رقيباً". وهذه النفس الواحدة هي، في اول الامر، في بدء التنزل نفس الله تبارك وتعالى، وهي الذات القديمة التي منها تنزلت الذات الحادثة- وتلك هي الإنسان الكامل "الحقيقة المحمدية".. والإنسان الكامل هو اول قابل لتجليات انوار الذات القديمة- الذات الالهية، وهو من ثم زوجها، وانما كان الإنسان الكامل زوج الله لانه انما هو في مقام العبودية.. ومقام العبودية مقام انفعال، في حين ان مقام الربوبية مقام فعل، فالرب فاعل والعبد منفعل.. ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته.. فكان مقامها منه، مقامه هو من الذات.. فهي منفعلة وهو فاعل.. وهذا هو في الحقيقة، مستوى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.. وقد خلق الله تبارك وتعالى من كل شئ زوجين اثنين.... وحين يكون انجاب الذرية هو نتيجة العلاقة الجنسية بيننا وبين نسائنا "وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء" تكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها الإنسان الكامل – المعارف اللدنية.. فان انفعال العبودية بالربوبية يرفع الحجب التي أنستنا النفس التي هي أصلنا – نفس الله تبارك وتعالى " ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة".. وحين يتم اللقاء بين هذين الزوجين – الذات الالهية والإنسان الكامل- ينبث العلم اللدني في فيض يغمر العبد العالم من جميع اقطاره، فهذا الوضع بين الذات الالهية والإنسان الكامل- انفعال العبودية بالربوبية – هو الذي جاء الوضع منه بين الرجال والنساء انفعال الانوثة بالذكورة.. وهو ما يسمى عندنا بالعلاقة الجنسية، وهي علاقة عظيمة الشرف، لانها حين تقع بشريعتها، بين الاطهار الرفعاء العارفين بالله تكون ثمرتها المباشرة تعميق الحياة واخصابها، ووصلها بالله بغير حجاب.. وهذه ذروة اللذة، وتكون ثمرتها شبه المباشرة، المعارف اللدنية التي تفاض وتغمر الذكر والأنثى اللذين تقع بينهما هذه المشاركة النظيفة الرفيعة.. ثم تكون ثمرتها غير المباشرة الذرية الصالحة من بنين وبنات "وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء")[4].

    يطرح الكاتب رؤية تايلور وفريزر، في ان الدين نشأ من السحر، وان الإنسان اخترع السحر خلال نضاله ليبقى على قيد الحياة. ولكنه يميز بين الدين، والسحر، على اساس ان السحر نفعي والدين يقوم على هم الإنسان بمصيره.. وفي الحق ان السحر، وان قام على علم، يجعل الساحر يؤثر على الوجود المادي، من خارج قوانينه، او بتضليل نظر المتلقي له، بما يخرق قوانينه، الا انه علم ناقص يعتمد، على غفلة المشاهدين، أكثر من القدرة على التأثير القسري عليهم. ومع ذلك، قد يرتبط السحر، بطقوس وممارسات، وخضوع للأرواح، يجعله يشبه لحد كبير، الدين البدائي الوثني. ولكنني اتفق مع دوبزانسكي، في ان السحر لا يمنحنا اي تبصر، عن معنى الحياة وغايتها.. أكثر من ذلك!! فهو يصرفنا عن المعرفة الحقيقة، للقوانين المادية والروحية، والتعامل معها، وفق مناهجها، ويشوه اعتقادنا في الغيب. ومن هنا، ثم من اثره السئ على حياة الناس، وتضليلهم عن واجبهم، جاء التشديد على تحريم السحر، في الأديان الكتابية الكبرى.

    لعل رأي دوبزانسكي، في ان هناك معنى للحياة، أكبر من مجرد معيشتها، بصورة بيولوجية، تسوق الى التوالد والتكاثر، جدير بالبحث. وانه لحق ايضاً، كما قرر، ان الأديان هي التي تصدت للاجابة على هذه التساؤلات الكبرى، سواءا اختلفنا او اتفقنا مع اجابتها.. ولما كانت الاجابة تتبعها خطوات جماعية للتعبير، عن ذلك الدين، فان دور الدين، في تماسك المجتمعات، اصبح واضحاً، عند دوبزانسكي.. أكثر من ذلك، فان الدين عنده، يمنح اقراراً غيبياً للأخلاق.. فهو يقول (لكن الدين لم يتمكن من توفير هذا الاقرار الا لكونه منح معنى لافعال الإنسان بان اعطاها مرجعية في مصيره. فحياة الافراد وربما المجتمعات التي ينتمون اليها ينظر اليها بحسبانها جزءاً من مخطط جليل فرضته سلطة الأهمية).. ولكننا نرى ان هذه وظيفة الدين، في المكان الثاني، اما وظيفته في المكان الاول، فهي ان يوثق الصلة بين الفرد وبين الله، وهذه هي الوسيلة النافذة، وان شئت قل الوحيدة، التي تجعل لحياة الفرد معنى، وتجيب على كافة تساؤلاته، وتحقق له السكينة والسلام الداخلي، الذي ينعكس منه على المجتمع، ثم الى البيئة من حوله.. فكل الحيوانات تمارس الجنس وتتناسل، وتسعى لتوفير رزقها، وتحمى نفسها، وتصنع مساكنها، وتحافظ على صغارها، فاذا كانت معرفة الإنسان، وتعليمه، لا تتعدى هذه الاشياء، فانه لم يخرج من مستوى الحيوانية بعد.. إن المعنى الزائد، في حياة الإنسان، هو انشاء العلاقة مع خالقه.. والعلم الحقيقي، هو العلم الذي يستطيع به ان يتعرف على كيفية التعامل معه، والتأدب اللائق في هذا التعامل.. فاذا استطاع الإنسان ذلك، صحت له العبودية، وبها انعقدت له الخلافة لله، على جميع الخلائق، ليدبر مملكة ربه، وفق مرضاته..

    ولكن دوبزانسكي يرى ان هذه الفكرة- الفكرة الايجابية عن الدين- تمت المبالغة فيها، اذ ان الأديان، ربما كانت مدعاة للحروب الزائفة، والاضطهاد الديني. بهذا التصور يقع دوبزانسكي في نفس الخطأ، الذي وقع فيه كارل ماركس، من قبل، اذ حكم على الدين، بممارسة رجال الدين.. ولعل مسؤولية المتدينين، هي على الدوام، تصحيح تشويه دعاة الدين، من الادعياء الذين يعكسون عنه صورة منفرة، قد تضلل عن حقيقته الاذكياء.. ان ما تعيشه الشعوب التي تدعي الدين، ليس الا قشور الدين، وتسخيره ليخدم مصالح دنيوية للافراد والجماعات. وهو بذلك، وسيلة لاستغلال المؤمنين البسطاء، وتسخيرهم لخدمة دهاقنة السياسة، الذين يتخذون من الدين وسيلة من وسائل خداعهم.. وانه لحق ان الدين جزء من الثقافة، لا يستطيع حتى اللاديني نكران اثره على المجتمع، كما قرر الكاتب. ولكن هذا لا يكفي، لانه لن يعيننا على الاستفادة من الدين.. وانما يجب ان نقر بان الدين منهاج حياة، منظم، وغير عفوي، يستهدف معرفتها على حقيقتها، بالرجوع بنا الى اصلها، الذي عنه صدرت، ثم تتبع آثارنا قصصاً، حتى رؤية ورودها الى غايتها، وواجبنا المباشر، في مختلف حيواتنا، بين الصدور والورود!!

    إن الناحية العلمية والعملية في الدين، هي ما يتعلق بدورنا كافراد وكمجتمع، واتساق هذين الدورين، لتؤديان الى نتيجة واحدة. فالدين يطلب من الفرد، ان يفعل ما يقول، أو قل ان ينفذ ما يعلم دون التواء (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون).. والغرض من ذلك، ان تتسق قواه الداخلية، ويسلم من التمزق، الذي يؤدي اليه النفاق. ثم ان ذلك يطرد، حتى تتحقق وحدة ذاته، وهذا هو التوحيد!! فالتوحيد هو صفة الموحِّد، وليس صفة الموحَّد!! هو يجب ان يكون صفة العبد، لأن الله قد وحد نفسه، فلا يحتاج منا نحن ان نوحده.. قال تعالى في ذلك (شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولي العلم قائماً بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم).. فاذا توحد الإنسان، توحد ادراكه للبيئة التي يعيش فيها، ولم يشغله تعدد شكولها، عن وحدة جوهرها.. فاذا تعرف الإنسان على اصل البيئة، تصالح معه، وعاش في سلام، وأوكل نفسه بزرع الجمال، فيما حوله.. هذا الفرد هو الذي يصنع المجتمع الصالح، الذي ينظم حياته، على القضاء على اسباب الصراع الاجتماعي، بالتنظيم الاقتصادي السياسي، الذي يقوم على العدل والمساواة. ثم هو قبل ذلك، وبعده، يقضي على الخوف، ويجفف منابعه في نفسه، مما يقضي على اسباب الصراع، ويبدل مشاعر الغضب، والتوجس، بمشاعر المحبة الخلاقة، التي تعمر الخراب، وتخصب اليباب..

    إن رؤية الكاتب، بان الحضارة الغربية، نشأت على اساس يهودي- مسيحي، ولكن التحول الى العلمانية، كان نتيجة الصراع بين الدين والعلم، الذي بدأ منذ عهد التنوير، رؤية صحيحة، دون شك.. أما تصوره بالا يرى مبرر لهذا الصراع، لان مجال الدين مختلف من مجال العلم، فليس صحيحاً.. ولقد حاول هو نفسه، استدراكه، بقوله الإنسان ليس لديه، مناطق منفصلة في ذهنه للدين والعلم. والعلم والدين، في الحقيقة، مكملان لبعضهما البعض، وهما قد وجدا في وقت واحد، والبشرية تعتمد عليهما معاً، في حركتها، فهما رجلاها، وهي حين تقدم احدى هذه الارجل، يجب ان تقدم الاخرى، والا توقفت حركتها.. ومنذ عهد التنوير، فان البشرية قد قدمت رجل العلم المادي، وهي انما تتهيأ الآن لتقديم رجل الدين..

    ولقد اشار دوبزانسكي، الى مبعث الطمأنينة، فيما يطرح الدين فكرة الخلود، فمع ان النفس تنفر من التقسيم الثنائي، لهذا الخلود بين الجنة والجحيم، الا انها على كل حال، تلحق الإنسان بالحياة الابدية الباقية، وبانه جزء منها، ولو كان ذلك في مجرد خياله.. يرى الكاتب ان فكرة الجحيم المخيفة، التي جاءت متأخرة في اليهودية، وبرزت بوضوح في المسيحية والإسلام، ترى الموت باعتباره عبوراً الى الحياة الابدية، المنقسمة بين عذاب ونعيم.. وفكرة البعث انما هي بعث الاجساد، لأن الروح لا تموت حتى تبعث. ثم يحدثنا عن ان البوذية والهندوسية، ترفضان هذا النوع من الخلود، وتؤمنان بان الاجساد التي تتحرر من البدن بالموت، تتناسخ هنا في الارض، مرة تلو الاخرى، في اجساد اخرى.. ويعتمد نصيب التجسيدات المتتابعة، من النبل او الانحطاط، على الحسنات والسيئات المكتسبة، في الحياة السابقة. على ان تجوال الروح، في العديد من الاجساد، لا يعد امر مرغوباً، وانما هو من غربة الروح، التي لا ترد الا بالوصول الى الحياة الكاملة، باندماجها في كمال الاله، او في براهما، او النيرفانا.

    لم يقف الكاتب عند فكرة تناسخ الأرواح، رغم انها فكرة قوية، لا يمكن للعقل تجاوزها.. فنحن نرى الطفل، ينمو في مختلف مراحل حياته، وهو في كل مرة، يختلف في صورته الجسدية عن ما كان عليه، فهو في عمر ثلاثة اعوام، يختلف عنه في عمر عشرين عاماً، وعنه في عمر ثمانين عاماً، ومع ذلك، نصر نحن على انه نفس الشخص، وان اختلف جسده تماماً!! فحقيقة الشخص اذاً هي روحه، وليس جسده.. وان الروح في عمر الفرد البشري، تلبس اجساداً مختلفة، فما الذي يجعلها بعد التخلص من جسد الفرد، بما نسميه الموت، تترك هذه العادة، ولا تواصل لبس اجساد جديدة؟! ولعل كل واحد منا، تمر عليه لحظات من الصفاء، يذكر فيها انه راى هذا المكان او ذاك من قبل، أو يذكر حديثاً يسمعه اول مرة، وكأنه قد سمعه من قبل، وقد يكمل في سره، ما يود محدثه ان يقوله، قبل ان يقوله.. فهل حقاً عشنا حيوات سابقة، نتفاوت فقط في تذكرها، ولكنها تجاربنا جميعاً؟!

    يقول تعالى (أولم ير الذين كفروا ان السموات والأرض كانت رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) فان كانوا لم يروا ذلك، فان السؤال لا يصح.. ولكن الواقع يقول ان البشر جميعاً، خلقوا بعد خلق السموات والأرض، بزمن بعيد.. بل ان القرآن نفسه، يؤكد لنا اننا لم نشهد خلق السموات والأرض فيقول (ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا).. والحق اننا شهدنا ولم نشهد!! لم نشهد في حياتنا اللاحقة، بعد ظهورنا في عالم الاجساد، التي تكونت في الأرض.. ولكننا شهدنا في عالم الأرواح، وقبل ان تنزل هذه الأرواح الى الاجساد!! وعن علمنا في عالم الأرواح، وشهادتنا لربنا بالربوبية، ثم نسياننا لهذه الشهادة، عندما برزنا في الاجساد، يقول تعالى (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم ألست بربكم؟! قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين* او تقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟!* وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون).. ورغم ان الايات، خاطبتنا بالجمع، الا ان هذه تجربة فردية. وانما تكون الرجعى، المشار اليها في الاية الاخيرة، وفي غيرها من الآيات (وان الى ربك الرجعى)، بتذكر هذا العهد الذي نسيناه، وخضوعنا لمقتضياته من الطاعة.. ولقد جاء القرآن ليذكرنا، فيهدينا يذلك سبيل الرجعى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).. وكما ان القرآن يذكرنا، فان الشيطان، ينسينا. فحين وسوس الشيطان لآدم، عليه السلام، واخرجه وزوجه من الجنة، قال تعالى في حقه (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً).. وقال تعالى (وما إنسانية الا الشيطان ان اذكره) وقال (فانساه الشيطان ذكر ربه) وقال (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).. وانما ينسينا الشيطان ماضي تجاربنا، في حيواتنا السابقة - في معنى ما ينسينا ربنا - حتى لا نستفيد منها ونقع في نفس اخطائنا، فنظل مثله تسوقنا الخطيئة الى اخرى، حتى تحيط بنا خطيئتنا، فلا يبقى لنا خلاص الا بالنار، قال تعالى (بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون).. ونحن لا نتذكر بمجرد قراءة القرآن، او فهمه في مستوى ما تعطي اللغة من التفسير، وانما بالقدرة على تأويله، واستشراف المعاني العميقة، التي يرمي اليها.. فان الذكرى لا تتأتى للغافل، قال تعالى (رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) وقال (ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب) وقال (ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقال (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد).. فان منهاج التقوى، الذي يحقق الحضور، هو الذي يؤدي الى تأهيلنا للتذكر الايجابي، الذي نطلع به على تجاربنا السابقة، ونستفيد من عبرها.. ان تجربة احدنا في الدنيا، قد لا تكتمل من مرة واحدة، فقد يموت الوليد الصغير، وهو لم يحصل من الدنيا شئ، وقد يموت الشيخ، وهو لم يستفد من حياته، فيحتاج كلاهما ليكرر التجربة، بان تنتقل روحه الى جسد آخر، وتجربة أخرى.. وقد يقع عليها من العذاب، في حياتها الجديدة، ما هو عقوبة على ما اقترفت في حياة سابقة.. يقول تعالى (تلك القرى نقص عليك من انبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين)!! ويقول (ثم بعثنا من بعده رسلاً الى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين)!! والحق انهم دعوا لأول مرة، ولكن الله تعالى، يخبرنا انهم كذبوا من قبل، وهذا لأنهم عاشوا حيوات سابقة، وقع منهم فيها التكذيب.. ولما دعوا لنفس الامر، وهو التوحيد، ما كان منهم الا ان كذبوه مرة اخرى!!

    إن اهمية انتقال الأرواح، انما تجئ من انه الوجه الآخر للتطور، الذي يحدث في الجسد.. فكما تطور الجسد من اصغر الخلايا في الطبيعة، الى مختلف صور الكائنات الحية، حتى ابرز الإنسان، في اكمل صور الخلق.. فان الروح، انما تتطور من خلال التجارب العديدة، وهي ترتدي مختلف الاجساد، اقرأ ان شئت (بل هم في لبس من خلق جديد)، غايتها ان تحقق الروح الاسمى، الذي صدرت عنه، في سحيق الآماد.. وهذا الروح الاسمى، الذي بكماله تكمل كل النفوس، انما يحل في الجسد، الذي استعد له، منذ فجر الحياة بمختلف التجارب.. إن الاشارة الى الإنسان الكامل، الذي هو خلاصة التطور، وغايته، جاءت في قوله تعالى (ينزل الروح من أمر على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق).. ان الايمان بانتقال الأرواح، وتعدد تجاربها، انما يفسر كثير من الظواهر، التي تشكل على من لا يرى هذه الرؤية.. ومن ذلك مثلاً الكوارث، والضحايا، التي تبدو عليهم البراءة، وموت الاطفال، الى غير ذلك، من الصور التي يمكن ان تفهم في اطار ان كل هؤلاء، انما يمثلون حيوات عديدة، تؤثر في بعضها البعض، وتعكس نتائج تلك الحيوات، كعقوبات في حيوات لاحقة..

    ورغم اعتراف الكاتب، بان العلم المادي التجريبي، يجهل مسائل كثيرة، الا انه يرفض اتجاه بعض المتدينين، وحتى العلماء، الذين يقترحون القدرة الالهيه، لسد هذه الفجوات، التي توجد في علم العلماء، وهو يرى ان رجال الدين، انشغلوا عن واجبهم الاساسي، وهو في نظره، التمييز بين جوهر الدين الخالد وتشريعاته الوقتية بمجرد الدفاع عن الفهم التقليدي للدين وذلك -حسب رأيه- هو الذي (قاد الى عجز القادة الدينيين عن اداء واجبهم الرئيسي وهو التمييز بين الابدي من معتقداتهم والمكونات الوقتية التي جاءت اعتباراً لمستوى معين من الفهم العام او الوضع الاجتماعي السياسي الذي وجد الدين نفسه فيه خلال تاريخه. وقد ادى ذلك التضاد الحرون الى التراجع المستمر للدين الاصولي).. لقد وقع الكاتب بهذه العبارة المشرقة، على اصل المشكلة، ذلك ان المفاهيم الدينية الجوهرية الخالدة، هي المتعلقة بالمعاني السامية، التي لا تتبدل، وهي تختلف من تشاريع الأديان، التي تنزلت الى مستوى حاجة وطاقة المجتمعات في الزمان والمكان المعينين.. والمطلوب هو تطوير التشاريع الدينية، بما يناسب العصر، استلهاماً للمعاني الرفيعة التي تمثلها الاصول الخالدة. من أجل هذا، جاءت الدعوة الى تطوير الشريعة الإسلامية، كأساس لفكر الاستاذ محمود محمد طه..

    يرى الكاتب، ان فشل الفكر الديني الأصولي، أدى الى ظهور أديان بديلة، ادعت انها قادرة على الاجابة على تساؤلات الإنسان، عن مصيره، ومستقبل حياته، ومعناها، بطريقة علمية كما انها تملك مقدرة، تغيير حياة الناس الى الافضل، وايقاف ظلمهم واستغلالهم، وأكبر هذه الأديان الجديدة الماركسية.. ولكنه في نفس الوقت، يؤكد على ان الماركسية، صاحبها عنف عنيف، وقتل، وارهاب، وهي لما تطبق بعد.. والحق ان الماركسية، رغم انهيار الاتحاد السوفيتي، وتراجعها في شرق اوربا، وبقية انحاء العالم، أكبر الافكار البشرية، واشبهها بالدين، من حيث شمولها، شتى مناحي الحياة، ومن حيث اعتمادها على فكرة مركزية، مثل الديالكتيك، تبدأ في الطبيعة، ثم تنعكس بمستوى آخر في المجتمع. ولأن الماركسية تحدثت عن المستقبل، وبشرت بالمجتمع الشيوعي، واكدت حتمية حدوثه، فانها اشبهت بشارات الأديان بالعالم الخير القادم.. ثم ان الحديث عن المستقبل، ولو سيقت في دعمه اسباباً موضوعية، يحتاج الى قدر من العقيدة لتصديقه، والحماس له.. وهذه العقيدة، يحفزها اعتراض الاخرين لتقوى، وتتأصل، وتتحول الى تطرف، تنعدم فيه فرصة الاستماع للرأي الآخر، ويؤهل افراده الى قبول الاستبداد، والنأي عن الديمقراطية.. وهذا ما حدث في تجربة تطبيق الماركسية. على ان المعنى الذي افادته الماركسية، في تطوير تجربة الافكار الدينية، هو ان ملامسة الواقع والدعوة الى تغييره، والمعرفة العلمية بطرائق ذلك التغيير، هي المحك الذي بازائه، تظهر قامة الدعوات، وتنكشف دعاويها..

    لقد اكتشف ماركس ان النظام الرأسمالي نظام جائر، وخال من الإنسانية، وانه يقوم في الاساس على سعر الفائدة، الذي به يتنامى رأس المال، ويستلب من فائض قيمة عمل العمال.. وهو حين دعا الى الغاء حافز الربح، استبدله بحوافز إنسانية، مثل تحقق النظام العادل، الذي ينتهي فيه الفقر والظلم.. فهو يطالب المنتجين، ان يتنازلوا عن فائض انتاجهم، الآن للمحتاجين، من العجزة والعاجزين عن الانتاج، أملاً في ان يتم تعويضهم، عن هذه التضحية، في المستقبل بتحقق حلم الشيوعية، الذي ينتهي فيه العذاب، ويفيض فيه المال، ويتفرغ الناس للاستمتاع بضروب الفنون والموسيقى!! على ان التضحية بالوضع الحاضر، ليست امراً مقبولاً للنفوس، خاصة وان الفلسفة الماركسية، تقوم على فكرة ان هذه الحياة الدنيا، هي نهاية المطاف، وان الفرد لن يعيش أي حياة اخرى، وان الموت هو نهاية كل فرد.. فما دمت ساعيش سبعين او ثمانين سنة، فلماذا اعيشها في شقاء، وتضحية، حتى يستمتع اناس قادمون في المستقبل؟! وهكذا لم تقدم الماركسية في الواقع، دوافع مقنعة، حتى لاتقان العمل، بجانب الخوف من قمع السلطة ورقابتها المشددة.. وبدأت روح التذمر، التي تسود بين الشغيلة، التي جاءت الثورة من اجلهم، تزيد في الخفاء، وتنعكس هبوطاً بالانتاج، رغم رقابة رجال الأمن المكثفة.. خاصة وان اجيالاً جديدة، ولدت في النظام الجديد، لم تر ظلم القيصر، ولم تعش الفقر المدقع، الذي عاشه اسلافها، فهي قد وجدت الخبز، كحق طبيعي، لا تريد ان تضحي بسببه بالحرية، وحين طالبت بالحرية، لم تقابل بغير البطش، والعنف العنيف، فتحولت الشبيبة، التي كان يظن الحزب الشيوعي انها حصيلة المستقبل، الى معارضة منظمة، تعمل في السر، بنفس اساليب الخلايا الشيوعية السرية، قبل اندلاع ثورة 1917 على تطوير لها في ذلك، ومساندة من حكومات الغرب واعلامه. لقد كانت حوافز الربح، التي ادخلها الاقتصادي الروسي ليبرمان، آخر مسمار دق في نعش الماركسية، لا لانها مخالفة للنظرية الماركسية، ومقوضة لاسس العقيدة فيها، فحسب، بل لانها كانت نتيجة لتدهور اقتصادي مريع، جعل الاتحاد السوفيتي العظيم، يخضع للضغوط الامريكية، ومنها ادخال حوافز الانتاج والربح. ولما كانت الماركسية في الاساس نظرية اقتصادية فان تدهور اقتصاد الدولة الكبيرة التي طبقتها قد كان صعقة لكل الدول الشيوعية وخيبة امل للدول النامية التي كانت تربط مصيرها بالكتلة الشرقية.. ولم تلبث الشيوعية ان انهارت في شرق اوربا، وتحطم حائط برلين، ولحقت ألمانيا، البلد الأم لماركس، بركب الرأسمالية، الذي ظن الكثيرون، انه قد فاز فوزاً نهائياً، وحسم الحرب الباردة، بالضربة القاضية..

    ومن عجب ان كثيرا من الماركسيين ظنوا ان فشل تجربتهم في الاتحاد السوفيتي، يعني فشل الاشتراكية.. وذهلوا عن حقيقة ان الماركسية، مدرسة من مدارس الاشتراكية، وان الاشتراكية فكرة سابقة للماركسية، ولاحقة لها، وهي لن تموت بموت الماركسية.. فالاشتراكية معنى انساتي رفيع، يمكن ان يسترشد بالتنظير الاقتصادي الماركسي، ولكنه لا يقف عنده، ولا يحد بمحدودية الفكر المادي الماركسي، الذي قيد الحياة، ورهن تطورها بمعطيات العلم المادي التجريبي في القرن التاسع عشر.. ان الدين في مستواه العلمي، يوثق صلة الإنسان بالغيب ويرسم المنهاج، الذ يجعل هذه الصلة، واقعاً ملموساً ومعاشاً!! ومتى ما قامت هذه الصلة، اصبح رضا الله، هو الحافز، الذي يجعل الشخص يتنازل عن انتاجه للعجزة والعاجزين.. وهو راض عما فعل، والرضا ليس وعد بجنة في المستقبل – وان كانت هذه موجودة بطبيعة الحال- وانما هو ثمرة منهاج العبادة، والمعاملة، الذي يؤدي الى طمانينة النفس، وسلامها الداخلي من الخوف والتوزع والاضطراب.. هذا الشعور، هو من المتعة، بحيث لا يشعر المتنازل من حقه بأي ضيم، بل بفرح غامر، اذ تستمد سعادته من اسعاد الآخرين.. ولا يمكن للاشتراكية ان تقوم وحدها، بل لا بد لها من صنوها الديمقراطية، في جهاز حكومي واحد.. فالديمقراطية هي اشتراكية السلطة، والاشتراكية هي ديمقراطية الثروة، ان صح التعبير.. فكلاهما يشيعان وسائل الكرامة، من حق المشاركة في الحكم، وحق الحياة الكريمة وسط كل الناس.. وكثمرة تلقائية للاشتراكية والديمقراطية، تجئ العدالة الاجتماعية، وهي تعني محو الطبقات، والمساواة امام القانون، والغاء اي تمييز، يقوم على العنصر، او الجنس، او اللون، او الدين، او المكانة الاجتماعية.. وبتحقق العدالة الاجتماعية، يقوم المجتمع الصالح، الذي هو الوسيلة الوحيدة لانجاب الفرد الحر[5]..

    يتطرق الكاتب الى فلسفات أخرى، ارتبطت بأزمة الإنسان المعاصر، وشعوره العميق، بتفاهة الحياة، وخوائها، مثل الوجودية.. ويركز فيها، على مسرحية الذباب، التي تعيد بصورة او اخرى، اطروحات الفلسفة الاغريقية القديمة، عن النزاع بين الإنسان والإله، وتمرد الإنسان طلباً للحرية من قدره الذي رسمه له الاله. ثم هي ايضاً، تعكس ضيق الإنسان، بقوانين الطبيعة، وما تلفه حوله من اغلال، لا يملك عنها فكاكاً.. والثورة التي تبدأ كاتجاه ايجابي، يقصد التغيير، تنتهي الى شعور بان الشر موجود، ومقاومته التامة مستحيلة، مما يجعل الحياة عبثا بلا معنى!! ومع ان الفنانين -حسب رأي الكاتب- هم الذي اكتشفوا "عفن الروح الجاف"، الا ان احاسيس القرف، والعفن، لم تعد حكراً عليهم، وانما تسربت كل هذه الاحاسيس للإنسان العادي.. ان المشكلة دائماً، هي العلم الناقص، فلو كنا نعلم من دقة مراقبتنا، بان الله انما يدبر لنا امورنا، بأفضل مما ندبر لأنفسنا، لم ننازعه.. ولعرفنا انه عندما يقدر لنا ما نكره، انما يسوقنا به، لما خفي علينا من مصلحتنا، قال تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون).. وصور الاحباط، التي تصور الحياة وكأنها بلا معنى، انما تنتج من كثرة فشل تخطيطنا، الذي لو لم نخططه، لنجحت مساعينا.. يقول الشاعر:
    ما عاقه الا تكاثر زاده مما يباح ولا يباح
    لو حط ثقل رحاله ومضى خلياً لاستراح

    وليس هذه دعوة الى عدم التخطيط، وتجويد العمل، بل هي دعوة الى تجويد العمل، ثم الرضا بالنتيجة مهما كانت، لأن السخط لا يغير الواقع.. ولقد يسبب الاحباط، عجز الحضارة، عن ان توفر للافراد، الحياة الآمنة، التي يريدونها لانفسهم، رغم الوفرة المادية.. وهذا ما اشار اليه جولس هنري الكاتب الامريكي، حين عبر عن فشل المجتمع الامريكي، في كتابة "الحضارة ضد الإنسان".. فحتى العمل الجماعي، الذي كان اداة تقارب بين الافراد، اصبح في المجتمع الامريكي، لا يؤدي الى التواصل بينهم. بل ان كبار السن، لم يعودوا يجدوا، اي رعاية او اهتمام، من ذويهم الذين بذلوا من اجلهم، حينما كانوا صغاراً.. ان رجلا او امراة مسنة في مأوى لكبار السن، لا يزورهما ابناءهما، لا يشعران بمرارة العقوق فحسب، وانما يشعران أيضا بتفاهة الحياة وقسوة المجتمع.. لقد سقطت المعاملة، لسقوط التبادل المادي للمنفعة، في هذه العلاقة.. وانما يتخلص المجتمع من مثل هذا السلوك، حين تتغير موازين القيم فيه، ويحل التصور الروحي الإنساني، محل التصور المادي..

    يختم الكاتب هذا الفصل، بتأكيد ان حياة الإنسان من اجل ابنائه، ومعيشة الابناء، من اجل ابنائهم، وهكذا، لها معنى بيولوجي، ولكنها في الحقيقة تكرار بلا معنى.. والحق ان كل إنسان اناني بطبيعته التكوينية.. ولكن هنالك انانية سفلى وانانية عليا. صاحب الانانية العليا، يرى ان خيره في خير الآخرين، ومصلحته انما تتحقق بسعيه لمصالح الاخرين. أما صاحب الانانية السفلى، فانه يرى ان مصلحته هي الأهم، ولو كانت على حساب مصالح الآخرين.. والإنسان حتى حينما يضحي من اجل ابنائه، انما يفعل ذلك اولاً للشعور العارم بالسعادة، الذي يحققه من تلك التضحية.. وليس كمال الإنسان، ان يتخلى تماماً عن الانانية، من حيث هي، وانما كماله في التخلي عن الانانية السفلى.. وحين جاء في الحديث (إن أعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك) قصد ان أعدى اعداء نفسك العليا، التي اشار اليها، بكاف الخطاب، نفسك السفلى التي اشار اليها بانها بين جنبيك.. ذلك ان النفس السفلى، هي التي تكون انانيتها سفلى، والنفس العليا هي التي تحقق الانانية العليا، التي ترى خيرها من خلال فعل الخير للآخرين.. ومع كل ذلك، فاني اتفق مع دوبزانسكي في عبارته الطيبة، التي ختم بها الفصل، وهي قوله (هناك بارقة أمل في تمثيل جديد)!!

    د. عمر القراي

    [1] تمت الترجمة بواسطة الكاتب مع الاختلاف قليلاً عن نص الدكتور فاروق
    [2] كالسابق
    [3] محمود محمد طه (1984) ديباجة الدستور
    [4] محمود محمد طه (1972) تطوير شريعة الاحوال الشخصية الخرطوم السودان ص 59-61
    [5] راجع محمود محمد طه : الإسلام – الرسالة الثانية – رسالة الصلاة
                  

04-21-2008, 03:41 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    1
    أبو كلابيش والرئيس المخلوع
    الأخ صلاح عووضة
    تحية لك ولقلمك الجريئ الذي يهز عرش الطغاة ويجعل (سدنتهم) يخرجون ويتجرأون على الشعب السوداني البطل الذي فجر إنتفاضة رجب/ابريل الباسلة ويطيح بالديكتاتور نميري وحكم الفرد ويدحر فلول النفاق فيما سمي يومها بموكب الردع فكان الردع الحقيقي من جحافل الشعب وامواجه المتلاطمة في ذلك اليوم الأغر الذي انحازت فيه القوات النظامية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية الباسلة والشرطة السودانية العظيمة التي ظن اولئك الذين اساءوا للشعب وشتموه بأنهم كالجرذان.. يومها قال الشعب الحر الأبي كلمته وخلع الرئيس وهو يردد في أمريكا (مافي واحد يقدر يشيلني). أعجب للسيد الوزير أبو كلابيش أن يتجرأ وهو يتحدث عن ضعف النميري وسنه المتقدمة وعيادة المريض كما امر الدين الإسلامي، وأقول له أين كان الدين الاسلامي عند النميرى عندما حنث قسم الجيش وتآمر على النظام الشرعي بانقلابه المشئوم وتحالف مع المعسكر الشيوعي الذي اباد المسلمين في جمهوريات الاتحاد السوفياتي ومع عملائه في الشرق الاوسط ينشرون الالحاد والديكتاتورية بل أين كان اسلامه حين امر بقتل امام الانصار الشهيد الهادي المهدي بدم بارد؟ أين الاسلام والمروءة والشهامة والاخلاق والأدب حين كان النميري واعضاء مجلس ثورته المزعومة وهم يطلقون عبارات العهر والهجاء والشتيمة على زعامات السودان التاريخية والوطنية.. بل وأين كانت الرجولة والمروءة والشهامة حينما سجن زعيم الامة الازهري في سجن كوبر وحرمه من العلاج حتى استشهد فكانت الطامة الكبرى حينما تبجح النميري واعلامه بأن قال في الاذاعة (مات اسماعيل الازهري المعلم في المدارس)!!؟؟ هل هذه هي الاخلاق التي تتحدث عنها..



    النميري وابو القاسم وزبانيته قتلوا الشهيد والرجل الصالح محمد صالح عمر ودفنوا الانصار وهم احياء في الجزيرة ابا واطلقوا على ساكنيها قنابل الطائرات واستعانوا بغير القوات السودانية جاءوا بها من مصر وليبيا وادخلوا البلاد لأول مرة في تاريخها في دوامة التدخل الاجنبي (مصر الناصرية والبعث العراقي وروسيا الشيوعية) ومنذ ذلك التاريخ بدأ مسلسل دوامة التدخل الاجنبي الخبيث..



    ثم أين الاخلاق السودانية والاسلامية وهو يعدم رجلاً وشيخاً عجوزاً وربما كان مريضاً مثل محمود محمد طه لا تجيز الشريعة قتله وهو لم يرفع السلاح بل كان يجتهد ويفكر ولم ينطق بكلمة الكفر والقرآن كله يحاور حتى الذين يشركون بالله..



    وأين كانت الرجولة والشهامة وهو يعدم بدم بارد الاساتذة عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق بعد أن قبض عليهم وحاكمهم دون مراعاة لأبسط قواعد العدالة..



    هذا قليل مما فعله رئيسكم المزعوم الذي استلم السودان وكان الجنيه السودانى يساوي ثلاثة دولارات وليس مديناً لأية جهة وانتهى حكمه واصبح الدولار يساوي ستة جنيهات والسودان مدين بأكثر من 27 مليار دولار ذهب بعضها لجيوب الفاسدين والمفسدين الذين امتصوا دم الشعب فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وأن كان يدري فالمصيبة اعظم.. تقول أنه الرئيس رضينا ام أبينا.. وهل كان يسمح لنا ألا نرضى وقد ظل يحكمنا ستة عشر عاماً بالحديد والنار والاجهزة الامنية والاعلام الكذوب والحزب الواحد الذي لم يصمد امام الجماهير التى كسرت القيود.. جماهير قوى الشعب العامل الحقيقية وليست بضعة قيادات وقواعد صغيرة العدد جثمت على صدور الشعب السوداني واستولت على النقابات والاتحادات ليس بالانتخابات النزيهة بل بالتزوير والرغبة والرهبة والامتيازات.. أخيراً ليس آخراً.. أن قولك أن نميري هو الرئيس والمشير فهي كما قال الاستاذ محجوب عروة في عمود له سابقا: (ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الاسد) فالرئيس زور وكذب على حلفائه الذين أتوا به للسلطة وتخلى عنهم منذ أن حل مجلس الثورة ونظم له المنافقون امثال بابكر عوض الله أول انتخابات مزورة قالت أنه فاز بنسبة 99.9%!!؟؟ وأين هذه النسبة حينما نافس الرئيس الحالي البشير ونال فقط 9%؟.. أما كونه المشير فهو الذي أعطى نفسه هذه الرتبة دون رضى القوات المسلحة والدليل أنها هي التي انحازت للشعب واطاحت به وهو يهذى حتى اليوم.. وأن عدتم عدنا.

    عبد الله عبد الرحمن




    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147514092&bk=1
    _________________
                  

04-21-2008, 03:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عاد إلى أرض الوطن البروفيسور النور حمد الترابي وحرمه اسماء محمود محمد طه بعد غياب عن الوطن امتد لما يقرب الثمانية عشر عاماً، وهما الآن محل حفاوة الأهل والأسرة والأصدقاء.. اسرة (السوداني) تهنئهما بالعودة، والتهنئة موصولة من الاستاذ مصطفى براوي رئيس جمعية الصداقة السودانية- جنوب أفريقية.


    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147516359&bk=1
    _________________
                  

04-21-2008, 03:43 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شهادتي للتاريخ
    الابن الأستاذ محجوب عروة
    تحية طيبة
    أرجو شاكراً السماح لي بالتعقيب على مقال الأستاذ الكبير عيسى إبراهيم الذي جاء على صحيفة (السوداني) التي مكانها القلب والعقل والفؤاد تحت عنوان (الطيب مصطفى حشف وسوء كيل) بتاريخ 20/1/2007 السبت والذي أشاره فيه إلى مقالي بصحيفة (الوفاق) بتاريخ 17/6/2001 بعنوان: (مائة خطوة كانت تفصلهم من منصة المشنقة، المشنقة التي حصدت رأس الشهيد محمود محمد طه).
    وشكري وتقديري للأستاذ عيسى الذي عاد بي إلى تلك الذكرى الحزينة المؤلمة المشؤومة، ولو أن أحزاننا لن تنتهي في يوم من الأيام.
    وشهادتي للتاريخ وأمانة الكلمة التي يمكن أن ندفع بأرواحنا قرباناً لها دون خوف وبلا وجل.. وهذا دائماً هو مصير الممسكين بالقلم والذين ينادون بكلمة الحق والعدل. لقد كنت شاهد إثبات لحظات تطبيق حكم الإعدام على الشيخ محمود محمد طه، وكنت اقف قرب من منصة الإعدم.. وقد أظهر الشيخ من الثبات والشجاعة والجرأة والبطولة.. ما أخجل جلاديه.. ولم يتذلل ولم تهتز شعرة واحدة من رأسه في سبيل إيمانه بفكره وعدالة قضيته. فأجبر الكثيرين على احترامه وتقديره والتغني بمآثره.. اللهم ارحم محمود محمد طه شهيداً في فردوسك الأعلى.. بين الحور العين في جمالهن الأخاذ الذي يخلب الألباب.
    السر حسن جكسم
    عضو اتحاد الصحفيين السودانيين



    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147516143&bk=1
    _
                  

04-21-2008, 09:43 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    العدد رقم: 491 2007-03-25

    البعثيون ومحكمة الردة

    * في المقالة السابقة اشرنا الى ان محاكمات الجمهوريين والبعثيين في بداية عام1985م كانت تشكل تدشيناً لمرحلة ظلامية في تاريخ تطور حركة الواقع السياسي السوداني، بشكل عام، وحركة النهضة والاستنارة والعقلانية، بشكل خاص-فالمحاكمتان تحولتا فجأة من محاكمة سياسية الى محاكمة للفكر الجمهوري والبعثي. واذا كانت المحاكمة الاولي قد انتهت باعدام محمود محمد طه في ميدان عام واستتابة المتهمين الآخرين، فقد اتخذت المحاكمة الثانية مجرى آخر-ففي24يناير1985 اعلن المكاشفي، قاضي المحكمة، اضافة مواد جديدة تتهم الفكر البعثي بالكفر والردة والزندقة, والمفارقة هنا انه اراد محاكمة فكر حزب سياسي، علماني في نظرته لعلاقة الدين والدولة وليس له موقف فلسفي محدد تجاه الدين، مثله في ذلك مثل كثير من احزاب الساحة السودانية والعربية. والمفارقة الاخرى ان البلاد كانت تحكم بدستور 1973م العلماني رغم صدور قوانين سبتمبر1983م وان النظام الحاكم كان يعيش تكفكاً داخلياً خطيراً وصراعات واسعة في داخله, ونسبة لطبيعة التهم الجديدة لجأ القاضي الى استدعاء شهود رأي بهدف اثبات كفر وردة الفكر البعثي فأعلن استدعاء عدد من اساتذة الجامعات، منهم د.الساعوري، د.طه بدوي ود.مدثر عبدالرحيم ويلاحظ انهم جميعهم من القيادات النشطة في حركة الاسلام السياسي في السودان (الاخوان المسلمين) وفي شهادته امام المحكمة اشار الساعوري الى (ان ميشيل عفلق يحوم حول الكفر ولايلجه) وهو بذلك يضع مؤسس البعث في منطقة وسطى بين الايمان والالحاد ويبدو انه لم يجد ما يسعفه من مصادر لاثبات التهم الموجهة للفكر البعثي وذلك بحكم ندرة مثل هذه المصادر في السودان، وايضا بحكم تعقيدات موقف ميشيل عفلق بشكل خاص وحزب البعث بشكل عام، من الاسلام فهو علماني في نظرته لعلاقة الدين والدولة ويرفض الدولة الدينية رفضاً حاسماً ويرى انها من مخلفات القرون الوسطي في اوروبا والمنطقة العربية, ولكنه في الوقت نفسه يتخذ موقفاً ايجابياً من الدين بشكل عام، وينظر للاسلام كمكون اساسي في الشخصية العربية.



    ورغم انه مسيحي ارثوذكسي فهو ينظر للاسلام كثقافة وحضارة وتاريخ باعتباره (تراثاً قومياً لكل العرب بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية...) اي انه تراث وثقافة قومية للمسلمين والمسيحيين العرب في نفس الوقت ولذلك جاءت عبارة الساعوري بتلك الطريقة واضطر المكاشفي للرجوع الى آراء خصوم حزب البعث لتأكيد كفره والحاده. وفي الوقت نفسه اصدر حزب البعث السوداني عدة بيانات يوضح فيها موقفه من تحولات المحاكمة واعتبرها محاكمة سياسية تستهدف قوى المعارضة في عمومها وليس حزب البعث وحده.



    * بجانب ذلك قامت هيئة الدفاع، برئاسة مولانا الصادق شامي، بتحويل شهادة الساعوري الى محاكمة للنظام الحاكم ولفضح تناقضات المحكمة, فقد انتزعت منه شهادات مهمة، حيث اكد وجود نائب مسيحي لرئيس الجمهروية، ووجود اكثر من عضو مسيحي في المحكمة العليا واكد ايضاً ان الدستور الساري(1973م) دستور علماني وانه يتناقض مع (أسس الدولة الاسلامية) واكد ان قوانين السودان لاتتضمن مادة حول الردة(...)هذه الشهادات تفضح تناقضات المحكمة وتحول شعارات الشريعة الى تدجيل باسم الاسلام والاسلام منها براء. وأدى كل ذلك الى جذب اهتمام واسع بالمحاكمة وسط قوى المعارضة والمثقفين السودانيين وادى هذا الاهتمام، مع دوافع واسباب اخرى، الى تكوين التجمع النقابي في دار اساتذة جامعة الخرطوم في بداية فبراير1985م وامتد هذا الاهتمام الى خارج الحدود وسط المثقفين العرب وقوى حركة التحرر القومي العربية، حيث تطوع عدد كبير من المفكرين والناشطين للدفاع عن الفكر القومي والبعثي في مواجهة اتهامات الردة والتكفير, وكان من ضمنهم محمد احمد خلف الله، على المختار، محمد عمارة، ويحيي الجمل(مصر) وأمين شفير(الاردن) بشير بومعز(الجزائر)، وألياس فرح(سوريا) ومفكرون وناشطون لبنانيون وعراقيون وغيرهم. كل هؤلاء تطوعوا للدفاع عن الفكر القومي والبعثي، بشكل خاص، وحرية الفكر بشكل عام ووجدت المحاكمة ايضاً اهتماماً كبيراً من منظمات حقوق الانسان الدولية، مثل العفو الدولية وغيرها. وكان لكل ذلك دوره في ارباك المحكمة والنظام الحاكم ودوائره المتناقضة والمتصارعة.



    * كانت حركة الاخوان المسلمين الاكثر حماساً واهتماماً بالمحاكمة ووقتها كانت تحتل مواقع اساسية في النظام الحاكم فزعيمها حسن الترابي كان مستشاراً في القصر، وعلى عثمان محمد طه كان زعيم مجلس الشعب، حيث قدم اقتراحات بتعديل دستور1973م تستهدف تحويله الى (دستور اسلامي ومبايعة نميري اماما للمسلمين) ولكن ذلك وجد معارضة قوية من الجنوبيين بقيادة مولانا ابيل ألير وجوزيف لاقو ومن المجموعات المايوية والمستنيرة وسط النخبة الحاكمة وانعكست هذه الخلافات والصراعات في الموقف من المحاكمة في طورها الجديد ففريق التحري (أمن الدولة) كان ينظر للقضية المطروحة كقضية سياسية لاعلاقة لها بالردة والكفر ومن خلال ذلك تحول جهاز الامن وبعض المايويين النافذين بهدف ايقاف اجراءات المحاكمة واعادتها الى وضعها السابق وقام النائب العام وقتها، المرحوم الرشيد الطاهر، بكتابة مذكرة لرئيس الجمهورية وضح فيها مخاطر استمرار المحاكمة بشكلها الجديد على النظام الحاكم وعلاقاته الداخلية والخارجية, واشار الى انها تسئ للنظام وتعمل لمصلحة قوي المعارضة(...) وفي مارس1985م نشرتها مجلة التضامن اللبنانية المعروفة بعلاقاتها الحميمية مع النخبة الحاكمة ونتيجة لكل ذلك اصدر نميري توجيهه للمكاشفي بالتراجع عن اتهاماته الجديدة والحكم في القضية على اساس الاتهامات الاولي وحدث ذلك في جلسة24/2/1985م حيث حكم على المتهمين بالسجن والجلد والغرامة بتهم الانتماء لحزب محظور والمشاركة في معارضة النظام الحاكم.



    * المحاكمة اذن فضحت التدجيل باسم الاسلام واستخدام الدين كسلاح حاسم في مواجهة قوى المعارضة السياسية وساعدت في تحريك المعارضة لتنظيم صفوفها واسقاط النظام الحاكم واستعادة الديمقراطية وبدأ ذلك بتكوين التجمع النقابي في جامعة الخرطوم وتوجه القوى السياسية لتوحيد نفسها في جبهة موحدة. ومع كل ذلك يمكن القول ان تراجع المحكمة عن اتهاماتها الاضافية كان انتصاراً جزئياً وتراجعاً تكتيكياً مؤقتاً فرضته ظروف الصراعات داخل السلطة الحاكمة واتساع الضغوط المحلية والاقليمية والدولية. ومع ان تطورات الواقع ادت الى اسقاط النظام بانتفاضة مارس/ابريل1985م فان ذلك لم يؤد الى الغاء قوانين سبتمبر1983م ولا الى تغيير جذري في طبيعة الدولة وقوانينها ومؤسساتها ولذلك وجدت(بقايا مايو)، ممثلة في الجبهة القومية الاسلامية والفئات الطفيلية بشكل خاص، فرصاً واسعة للعمل بهدف المحافظة على ركائز النظام المايوي تمهيداً للقفز للسلطة بانقلاب30يونيو1989م. ومن هنا كان على قوى الديمقراطية والتقدم العمل على استكمال انتصارها على قوى الهوس الديني في ظروف جديدة وهذا مايشير اليه نشاطها في فترة الديمقراطية الثالثة وهو نشاط موثق وظل مستمراً في فترة حكم الانقاذ وحتى الان. والمهم ان الذكرى الثانية والعشرين لمحاكمات ردة الجمهوريين والبعثيين تؤكد ان حركة النهضة السودانية والعربية لاتزال تواجه نفس التحديات، تحديات مواجهة قوى التخلف والهوس الديني وفتح الطريق لنهضة وطنية وقومية شاملة ترتبط بجذورها الحضارية والثقافية وبالعصر الراهن في نفس الوقت. وفي هذا الاطار نناقش في فرصة قادمة التأثيرات الايجابية والسلبية لمحاكمة1985 على تطور حركة الجمهوريين وحزب البعث السوداني، فكرياً وسياسياً، خلال الفترة اللاحقة حتى الان ... هل مازالوا يشكلون جزءاً من حركة النهضة والعقلانية؟ أم أنهم تراجعوا الى مواقع متخلفة وظلامية؟؟
    محمد علي جادين



    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147517266&bk=1
    _________
                  

04-21-2008, 09:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    العدد رقم: 491 2007-03-25

    الجمهوريون والبعثيون أمام المقصلة

    مع تصاعد العنف السياسي وسط طلاب الجامعات تحل علينا هذه الأيام الذكرى الثانية والعشرون لأخطر محاكمتين واجهتهما حركة النهضة السودانية الحديثة في تاريخها، محاكمة الفكر الجمهوري والبعثي باسم الدين والشريعة الإسلامية الغراء.. وإذا كانت ذكرى المحاكمة الأولى قد وجدت اهتماماً واسعاً في يناير الماضي في كتابات وندوات عديدة، فإن هذا المقال يهدف إلى اثارة الاهتمام بذكرى المحاكمة الثانية وربط المحاكمين بالتراجع العام الذي ظلت تشهده حركة الفكر والسياسة السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي ووصل ذروته بانقلاب 30 يونيو 1989 وتداعيات سياساته المتواصلة والتي تتجسد الآن في المأزق السياسي والاجتماعي الراهن بكل ما يحمل من مخاطر داخلية وخارجية فالمحاكمتان كانتا تدشينا مدوياً لسيطرة سلاح الدين وسلاح العنف على حركة الفكر والسياسة السودانية ومن ثم تراجع حركة العقل والاستنارة والنهضة في كافة المجالات.



    في 25/2/1984م أصدرت حركة الأخوان الجمهوريين بيانهم المعنون (هذا... أو.. الطوفان) في مواجهة قوانين سبتمبر 1983 المسماة إسلامية، وشددوا على انها (أذلت الشعب وشوهت الإسلام وهددت وحدة السودان) ونتيجة لذلك قامت سلطات الأمن بإعادة اعتقال محمود محمد طه وأربعة من أنصاره (عبد اللطيف عمر، محمد سالم بعشر، تاج الدين عبد الرازق، خالد بابكر) وبعد محاكمة لم تستغرق سوى دقائق رفعت المحكمة حكمها لمحكمة الاستئناف برئاسة المكاشفي طه الكباشي، الذي حول المحاكمة من محاكمة سياسية محددة إلى محاكمة للفكر الجمهوري واتهامه بالردة والكفر، استناداً إلى محاكمة عقدها خصومه السياسيون من الأخوان المسلمين والسلفيين في 1968، فحكم على الأستاذ محمود بالإعدام وحرق كتبه ومصادرة أملاكه واستتابة الأربعة الآخرين، وأيده في ذلك رئيس الجمهورية جعفر نميري وأضاف حيثيات جديدة لم ترد في محكمة الموضوع أو الاستئناف، وهكذا نفذ حكم الإعدام في 18 يناير 1985 في حوش الطوارئ بسجن كوبر العمومي، وكان ذلك لطمة عنيفة للإسلام والتراث العربي الإسلامي ولقيم التسامح الديني والثقافي في السودان وعلنية الشنق كانت، بكل المقاييس، تشكل بربرية لا حد لها وهي تطال شيخاً في السادسة والسبعين من عمره – هلل للإعدام الأخوان المسلمون وتجار الهوس الديني واعتبروه انتصاراً حاسماً على خصمهم العنيد ولكنه وجد معارضة من دوائر عديدة داخل الطبقة الحاكمة، وبعد انتهاء مسرحية الإعدام تساءل الناس: من يجزم بردة محمود محمد طه؟ أو بمخالفته للإسلام؟ هل ما حدث كان دفاعاً عن العقيدة؟ أم ارهاب وتخويف لقوى المعارضة الشعبية والعسكرية النامية وقتها؟ لذلك وجدت الحركة السياسية والفكرية السودانية نفسها أمام تطور خطير يحول نشاطها السياسي المعارض في مواجهة (سلطان جائر) إلى كفر وإلحاد وزندقة وخروج على الملة.



    في نفس هذه الفترة وتحديداً في 14/5/1984 قامت سلطات الأمن باعتقال أربعة من شباب حزب البعث السوداني في منزل بالفتيحاب كانت تطبع فيه جريدة (الهدف) السرية، وهم: بشير حماد، عثمان الشيخ، حاتم عبد المنعم، الجيلي عبد الكريم.. جميعهم في عمر لا يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً، والاعتقال جاء بعد إعلان نميري لحالة الطوارئ، في 29/4/1984 وهدد فيه قوى المعارضة بقوله (لن نطبق فيهم الإسلام السمح، بل سندخل البيوت ونتابع المعارضين ونعتقلهم ونحاكمهم) أي انه يفصح عن حقيقة أهداف القوانين المسماة إسلامية بوضوح كامل، وفي تلك الفترة تصاعد نشاط قوى المعارضة، وخاصة حزب البعث السوداني وتتابعت اضرابات الأطباء والمهنيين والعمال وحتى القضاة وبعد ان خضع هؤلاء الشباب الأربعة إلى تعذيب وحشي في حراسات الأمن قدموا للمحاكمة في 12/11/1984 برئاسة القاضي المكاشفي، الذي حاكم الشهيد محمود محمد طه والجمهوريين الآخرين، قد رفضوا مبدأ المحاكمة لأسباب حددها في عدم شرعيتها وفساد القضاء، فقد تعامل البعثيون معها كمعركة سياسية ووجدوا في ذلك تضامناً واسعاً من قوى المعارضة السياسية والنقابية وشارك في هيئة الدفاع كوكبة من خيرة القانونيين السودانيين، الصادق شامي، كمال الجزولي، عبد الله ادريس، أبو حريرة، مصطفى عبد القادر، اسحق شداد، أحمد أبو جبة وآخرين، وبدأت المحكمة بتهم سياسية محددة في معارضة النظام الحاكم واستطاعت هيئة الدفاع وصمود المتهمين تحويلها إلى محاكمة للنظام نفسه ولسياساته وإلى منبر لقوى المعارضة السياسية والنقابية في البلاد، ووجدت في ذلك تعاطفاً شعبياً واسعاً في الداخل والخارج، وفي جلسة النطق بالحكم النهائي في 24 يناير 1985، أي بعد أسبوع واحد من إعدام محمود محمد طه واستتابة الجمهوريين الأربعة، قام المكاشفي بإضافة مواد اتهام جديدة للمتهمين شملت اتهام الفكر البعثي بالردة والكفر والالحاد استناداً إلى نفس مواد محاكمة الجمهوريين: 96 ك و105 و27 (أ) من قانون العقوبات والمادة 20 من قانون أمن الدولة والمادة 3 من قانون أصول الأحكام القضائية، وهي كلها مواد وضعية لا علاقة لها بالفقه الإسلامي أو الشريعة السمحاء، وكان الهدف منها تكفير الفكر البعثي ومن ثم استتابة المتهمين أو تعريضهم لعقوبة الإعدام، وفي وقت لاحق استتابة كافة البعثيين وأعضاء الأحزاب السياسية الأخرى المرتبطة بأفكار يسارية وليبرالية مشابهة، وحقاً نلاحظ تشابه المحاكمتين في جوانب عديدة أهمها تحولها من محاكمة لتهم محددة إلى محاكمة للفكر في مرحلة الاستئناف في حالة الجمهوريين وفي مرحلة النطق بالحكم في حالة البعثيين.



    هاتان المحاكمتان تستمدان أهميتهما التاريخية من ارتباطهما بأخطر مترتبات استغلال الدين في السياسة والدعوة لإقامة دولة دينية وهو تجريم الفكر استناداً إلى الإسلام بشكل خاص والأديان بشكل عام، وذلك بشكل يعيد الذاكرة إلى محاكم التفتيش في اوروبا القرون الوسطى وفترات الاستبداد السياسي في التاريخ العربي الإسلامي، ويستند ذلك بشكل اساسي إلى استغلال الدين والشعارات الدينية العامة لقمع الخصوم السياسيين وذلك ليس دفاعاً عن الدين والعقيدة وانما عن نظام ديكتاتوري يقوم على ركائز حكم الفرد والقوانين المقيدة للحريات والحزب الواحد والظلم الاقتصادي والاجتماعي وهذا التوجه شهدته فترات عديدة في تاريخ الدولة العربية الإسلامية خاصة في العهد الأموي والعهد العباسي إضافة إلى عهود أخرى. وفي بداية القرن الماضي شهدت مصر محاكمات مماثلة أبرزها محاكمة علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) ومحاكمة طه حسين (في الشعر الجاهلي) وفي تاريخ السودان القريب يمكن الاشارة إلى حل الحزب الشيوعي السوداني في عام 1965 تحت شعارات دينية أيضاً وذلك في ظل نظام يدعى الديمقراطية وبقرار من البرلمان نفسه، رغم رفض القضاء لذلك القرار ويشير كل ذلك إلى تحول قوى الديكتاتورية والاستبداد إلى التركيز على استغلال الإسلام والدين عموماً كسلاح رئيسي في القضاء على حرية الفكر وتطور حركة النهضة الوطنية والقومية، كما تشير إلى ذلك ظواهر عديدة في السودان والمنطقة العربية في الوقت الحالي، ووصل هذا التوجه ذروته بوصول حركة الإسلام السياسي في السودان إلى الحكم بانقلاب عسكري وبالتالي وضع البلاد في مجرى تطور معادي لحركة النهضة والتطور الديمقراطي، وذلك في تناقض مفضوح مع جوهر الإسلام والتراث العربي الإسلامي الملئ بقيم العدل والحرية والشورى، فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية ولا يعرف الكهنوت وسدنة الكنيسة، وانما يرتكز على الدولة المدنية وولاية الشعب المسلم على مصيره- المهم ان محاكمات الجمهوريين والبعثيين في بداية 1985 كانت تدشيناً لبداية مرحلة ظلامية في تطور حركة البعثيين الأربعة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة في الواقع السياسي بشكل عام وفي حركة النهضة والاستنارة والعقلانية بشكل خاص.
    محمد علي



    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147517058&bk=1
    ______________
                  

04-21-2008, 09:45 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    العدد رقم: 491 2007-03-25

    العنف السياسي الطلابي

    د. السر دوليب: قسم الارشاد النفسي بجامعة الخرطوم درس مبكراً قضية العنف



    العودة إلى مبدأ التمثيل النسبي هي الحل



    د. جميلة الجميعابي: العنف ظاهرة اجتماعية متفشية في حياتنا اليومية



    آن الأوان لتقبل الآخر.. وفتح باب الحوار الهادئ



    إعداد: الفاتح عباس



    * البعد النفسي للعنف السياسي الطلابي



    تناول د. السر دوليب الأستاذ بجامعة الأحفاد الجانب النفسي لقضية العنف السياسي الطلابي وقال: بداية أقول ان مدخلي لتناول هذه القضية ليس مدخلاً سياسياً والحديث الذي أفاد به إبراهيم الشيخ والذي جاء مليئاً بالعواطف والتباكي على غياب النهج الديمقراطي بالجامعات.. جاء ذلك الحديث كذلك لأن (إبراهيم) كان يوماً رئيساً للمجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم يوم كانت هناك ديمقراطية حقيقية والانتخاب تتم عن طريق التمثيل النسبي، لقد قضيت ربع قرن بجامعة الخرطوم في عمادة الطلاب (ما ذكره د. الكرسني بأن 15% فقط من الطلاب يتعاطون العمل السياسي أما البقية فإنهم جاءوا الجامعة بغرض التحصيل الأكاديمي هو حقيقة عندما انشأت قسم الارشاد النفسي بجامعة الخرطوم كنت اتعامل مع الغالبية المطلقة التي تشكل 85% من الطلاب، لذلك كانت علاقتي مع القوى السياسية متوترة لدرجة ان البعض طالب بإغلاق قسم الارشاد النفسي، إذن سوف اتناول وضعية الطلاب غير المسيسيين والذين يشكلون نسبة 85% من طلاب جامعة الخرطوم تحديداً، أولاً كافة أنواع العنف تمت ممارستها بجامعة الخرطوم، والعنف في التعريف العلمي هو سلوك.. أي ممارسة عنيفة غير قانونية تتخذ أشكالاً عديدة منها النظرة العنيفة... الكلام العنيف... وأخيراً العنف الجسدي، في جامعة الخرطوم تم استخدام كل طرق وأساليب العنف التي ذكرتها ولقد استخدمت المطاوي... السيخ.. الحجارة وأذكر هنا بأنه في بداية السبعينيات أصاب أحد الحجارة د. جعفر محمد علي بخيت عندما كان عميداً للطلاب ولكنه استمر في مخاطبة المظاهرة الطلابية التي كانت تحاصر مبنى العمادة.. أذكر كذلك بأنه قد تم احراق سيارة أحد عمداء الكليات وعندما شاهد عربته محروقة قال (هذه ليست عربتي وانما عربة الحكومة) الحدث الأعنف بجامعة الخرطوم كان في عام 1972 عندما تم حصار الجامعة بالدبابات من قبل نظام مايو.



    * العنف لماذا؟



    بداية يجب تعريف من هو الطالب الجامعي علم النفس ينظر إلى الطالب الجامعي بأنه الشخص الذي يمر بمرحلة نمو محددة والتحق بالجامعة لتحقيق مطالب، هذه المطالب واضحة المعالم تتمثل في تلقي العلم والاستعداد لمواجهة المستقبل مستخدماً ذلك العلم ليحظى بوظيفة محترمة، هذا هو المفهوم العلمي عند الباحث النفسي للطالب الجامعي، طبعاً بالإضافة إلى ضرورة نمو القدرة الفكرية والاجتماعية والثقافية والرياضية والسياسية هذه المقدرات يجب ان تنمو وتزدهر في مناخ ديمقراطي معافى، لقد كانت عمادة الطلاب تباشر عملية الاشراف على تلك المناشط حتى يتمكن الطالب من تلبية حاجاته الفكرية والثقافية والسياسية ليخرج إلى المجتمع عضواً فاعلاً ومؤثراً.



    * سيادة السياسة بالحياة الجامعية



    دور جامعة الخرطوم الرائد والفاعل بإمداد المجتمع بخيرة الكوادر المشبعة بالوطنية والتجرد بدأ يتلاشى منذ بداية السبعينيات عندما سادت مفاهيم وقيم السياسة في الحياة الجامعية وهكذا بدأت مظاهر العنف تلوح بالأفق وغاب المفهوم المثالي للجامعة المتمثل في تخريج طلاب متميزين في مجالات مختلفة، لا أنفي بأن جامعة الخرطوم تشكل منبراً سياسياً مهماً وكل الأحزاب السودانية استغلت هذا المنبر وحاولت تجنيد الطلاب واستقطابهم لقناعة كل الأحزاب بأن الطلاب سوف يشكلون قادة الغد وعجزت إدارة الجامعة في وقف هذا النشاط المحموم ولقد كتبت عدة مذكرات بهذا الخصوص، لكن السلطان السياسي كان أقوى وكل حزب يحاول قطف تلك الزهور – طبعاً اعني الطلاب-!! وهكذا بدأت كل الفعاليات والمناشط تتجه خارج أسوار الجامعة واستسلمت إدارة الجامعة كلياً لهذا التوجه مما أصبح من الصعوبة بمكان توفير الحماية للطالب الجامعي وبدأت مظاهر العنف بإحتلال مكتب مدير الجامعة... فكان الطلاب يدخلون مكتب المدير ويجلسون على – التربيزة- ويقومون بطرد الموظفين ويمكثون هناك لمدة ثلاثة أربعة أيام مطالبين بتنفيذ مطالبهم، وكنا كأساتذة ننظر إلى مثل هذه المشاهد بذهول شديد لأنه لا يمكن تصور حدوث مثل هذا الفعل بالجامعات الأجنبية التي درسنا فيها.



    * غياب القانون



    اللائحة الجامعية يومها لم تكن تطال الطلاب الذين يرتكبون مثل تلك الحماقات- إحتلال المكاتب وحرق العربات- فكانت غالباً ما تدخل إدارة الجامعة في حوار مع الطلاب حول مطالبهم ويقوم قسم الارشاد النفسي بمخاطبتهم بأن لا يميلوا إلى العنف لكن هذا الأسلوب كان ضعيفاً وهشاً للغاية أمام المد السياسي من خارج أسوار الجامعة.



    * سقوط التمثيل النسبي



    أمام الضغط السياسي الخارجي سقط مبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات الطلابية وأهمية التمثيل النسبي تتمثل ببساطة شديدة جداً بأنه يعطي أي مجموعة نسبة ما في المجلس الأربعيني حسب وزنها الفعلي وسط الطلاب.. وعند اختيار مبدأ الانتخاب الحر في الانتخابات تسيست الحركة الطلابية بالكامل في جامعة الخرطوم، وكان من نتائج تلك العملية ان سيطرت كتلة طلابية معروفة باتجاهها السياسي على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لفترة طويلة من الزمن، هذه المسيرة التي بدأت منذ بداية السبعينيات أخذت تتطور نحو العنف المنظم ليس في جامعة الخرطوم وحدها بل إمتدت تلك الظاهرة إلى الجامعات الأخرى، جامعة أم درمان الأهلية وأنا أحد مؤسسيها دخلت عربات من خارج الجامعة وحطمت كل المكاتب وقام من كان يستغلها بضرب الطلاب... ثم خرجوا وكأن شيئاً لم يحدث اجتمعت إدارة جامعة أم درمان الأهلية وقالت ما حدث من خراب بالجامعة لا يمكن وصفه بالعنف الطلابي فهذا عمل سياسي منظم من خارج أسوار الجامعة، المهم في ذلك الاجتماع قررت إدارة الجامعة السماح بقيام اتحاد للطلاب وكنت رئيساً للجنة المشرفة على ذلك العمل واستعنت بزميلي د. الكرسني للاستفادة من تجربته في تكوين اتحاد بجامعة الخرطوم، وعندما باشرت عملي باجتماع موسع لكل طلاب الجامعة حدث شئ عجيب وهو ان يقف الطالب معرفاً بنفسه فلان الفلاني اتجاه إسلامي.. جبهة ديمقراطية فكنت اطلب منه تعريف شخصه بالاسم والكلية التي ينتمي إليها ولم يعجب هذا الطلاب وقلت لهم طالما أنا رئيس هذه اللجنة فسوف أستمر بهذه الطريقة... وقد قصدت بهذا المنهج ان أرسي مفهوم ان الطالب ينتمي إلى الكلية التي يدرس فيها ويعمل على ترقيتها وتطورها.



    * النتائج المترتبة على أحداث العنف



    بالتأكيد عند حدوث أي نوع من أنواع العنف الطلابي بأحد الجامعات فالنتيجة هي تعطيل (سيمستر) دراسي على الأقل إذا لم يضع العام الدراسي بكامله كما يحدث الآن بجامعة بخت الرضا بكلية الطب، بالإضافة إلى الخسائر الروحية التي أصبحت تلازم حوادث العنف الطلابي وكان آخرها ما حدث بجامعة النيلين حيث قتل أحد الطلاب.



    * ماهو الحل؟



    إذن نحن أمام قضية محورية وأساسية وقد تناول من سبقني بالحديث الأسباب التي قادت إلى هذه الظاهرة فذكر منهم بأن تجييش الطلاب هو من أهم أسباب انتشار ظاهرة العنف بالجامعات وأنا اضيف ليس فقط تجييش الطلاب وانما الأساتذة أيضاً في دورات الدفاع الشعبي وذهب أساتذة كثيرون إلى تلك الدورات ورفض البعض وأنا منهم إذ عللت رفضي بأنه لم يكن ضمن العقد الذي وقعته مع إدارة الجامعة تلقي دورة عسكرية، واتفق مع المطالبة بإغلاق مكاتب وحدات الجهاد بالجامعات مع التركيز على المناخ السائد حالياً بالجامعات المائل نحو الأحسن فعلى الطلاب الاستفادة من هذا المناخ باشاعة روح الديمقراطية والعودة إلى العمل بمبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات الطلابية حتى تعطي كل القوى والفعاليات السياسية حظها في الاتحاد.



    ما يسود الآن في انتخابات الجامعات هو التنافس بين الحكومة والمعارضة... طلاب معارضة مقابل طلاب حكومة هذا ليس بالمبدأ السليم، وأقولها بكل وضوح وصراحة بأن الحل لإجتثاث العنف السياسي الطلابي هو التمثيل النسبي والتمثيل النسبي لا يعني منع ممارسة النشاط السياسي للطلاب.. بل بالعكس فهو يوفر المناخ الديمقراطي الملائم لحدوث تفاعل سياسي راشد وواعي وسط الطلاب مما يحول دون اللجوء لاستخدام العنف، وأشير هنا إلى دور الصحافة في التبشير بهذا النهج السياسي الواعي.



    * د. جميلة الجميعابي نائبة عميد الطلاب بجامعة النيلين للشؤون الاجتماعية والدراسات والبحوث



    قبل الدخول في مداخلتي حول العنف السياسي الطلابي أقول إن جامعة النيلين تحتسب عند الله تعالى ابنها الطالب عبد المعز حسن نسأل الله ان يتقبله قبولاً حسناً ونسأل من الله تعالى لأبنائنا الطلاب الجرحى الشفاء العاجل. مداخلتي حول العنف السياسي الطلابي تأتي بحكم الواقع والتجربة والتي لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن ما يدور في القضايا الاجتماعية في المجتمع.



    فالعنف الآن يسود كل مؤسسات المجتمع، حتى داخل الأسرة فغالباً ما تغيب روح التسامح والتواصل الوجداني بين أفرادها. إذن التربية الأسرية قائمة على العنف حتى الابن الصغير عندما يحتك مع ابن الجيران غالباً ما يلجأ إلى العنف. ظاهرة العنف الطلابي إذا استصحبنا التربية داخل الأسرة والسلوك السائد بالمجتمع وميله نحو العنف فلا غرابة في ان يمارس الطلاب العنف لأنهم بصورة عامة يتأثرون ويتفاعلون بالمجتمع العريض الذي يعيشون وسطه.



    الطلاب بالجامعات أصبحوا اليوم رافداً من روافد القوى السياسية السودانية بكل ما يحيط بهذه القوى من تناحر وصراعات. الإشكال حقيقة يكمن في المفاهيم، مفهوم الحوار ومفهوم العنف، فمفهوم الحوار كظاهرة اجتماعية حميدة، وعلينا ان نسأل أنفسنا: هل وصل طلابنا إلى هذا المفهوم؟ التمييز بين الأفكار والخلاف في الرؤى بين الطلاب هل بالضرورة يجب ان يقود إلى استخدام العنف؟ الحوار الذي يدور الآن بين الطلاب داخل الجامعات – ان حدث حوار- غالباً ما ينتهي إلى أعمال عنف، وأذكر هنا عندما كنت طالبة بجامعة النيلين دار حوار بين حسين خوجلي واحد الجمهوريين بحضور محمود محمد طه وعند نهاية الحوار طالب (محمود) بأن يوثق ذلك الحوار لأنه اتسم بالموضوعية والمسؤولية في طرح الرؤى والخلافات الفكرية أما مفهوم العنف فهو لا يحتاج مني إلى تعريف لكن أضيف ان كل من يلجأ إلى استخدام العنف يوصف بأنه إنسان عدواني، نأتي إلى قضية تفشي ظاهرة العنف السياسي وسط الطلاب... بكل أسف لقد تحولت جامعاتنا إلى ساحات صراع سياسي بين مختلف القوى السياسية مع غياب الآلية التي تشرف وتنظم هذا الصراع السياسي داخل الجامعات صحيح ان العبء يقع على عمادة الطلاب التي تشرف عموماً على كل المناشط المختلفة، ولكن في واقعنا المعاش اليوم نجد إتساع الهوة بين الاتحادات وعمادة الطلاب والقوى السياسية المختلفة، وكلما اتسعت هذه الهوة كان اللجوء إلى العنف هو الأقرب. بعد الأحداث المؤسفة التي حدثت بجامعة النيلين نحاول خلق آلية حوار بين العمادة والاتحاد والقوى السياسية، هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً، ولكن حتى إذا نظرنا إلى واقع الوزارة التي تعنى بشؤون التعيلم العالي نجد أكثر الإدارات الأقل تفعيلاً هي إدارة شؤون الطلاب المهتمة برعاية وتنظيم النشاط الطلابي بكل أشكاله بما في ذلك النشاط السياسي، حتى ايجاد تلك الآلية التي تجمع بين العمادة والاتحاد والقوى السياسية علينا الاهتمام بتفعيل المناشط الثقافية لبث روح الحوار الهادف لأن العنف داخل الجامعات يهدد مسيرة السلام التي انتظمت بالبلاد وبالتالي نحن في حاجة إلى حوار فاعل... نحتاج إلى أساتذة جامعات وعمداء طلاب وكل وسائل الإعلام وكل المؤسسات التي تعنى بشؤون الطلاب ان يتعاملوا مع قضية العنف الطلابي برؤية مستقبلية لتنظيم العمل الطلابي داخل الجامعات والتي بدورها سوف تسهم في تفعيل العمل السياسي على أسس ديمقراطية، لقد آن الأوان لبث ثقافة تقبل الآخر وتفعيل مبدأ الحوار.
    ونواصل
    إعداد: الفاتح عباس



    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147517008&bk=1
    _____
                  

04-21-2008, 09:45 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    يوم حرية التعبير والفكر

    تحتفل المنظمة العربية لحقوق الإنسان والناشطون في مجال حقوق الإنسان باليوم العربي لحرية التعبير والفكر.



    المنظمة العربية لحقوق الانسان



    تأسست عام 1983م كمنظمة غير حكومية تهدف لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في الوطن العربي طبقاً للمعايير الدولية التي استقر عليها اجماع الأمم المتحدة والمواثيق والعهود التي صادقت عليها البلدان العربية. تستخدم المنظمة في سبيل تحقيق اهدافها الوسائل القانونية ولاتنغمس في اي نشاطات سياسية معارضة وتنصب فقط على الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الانسان المخالفة للقوانين الدولية كما تناهض اعمال العنف سواء في جانب الحكومات او الجماعات الاهلية.



    اليوم العربي لحقوق الإنسان



    يصادف اليوم الذكرى الثانية والعشرين لاعدام المفكر محمود محمد طه.. وقد اتخذت المنظمة العربية لحقوق الإنسان من ذلك اليوم يوماً عربياً لـ(حرية الفكر والتعبير) وقد تم اعدام محمود محمد طه بعد ادانته بجريمة (الردة) عن الدين الإسلامي الحنيف وتقول وقائع تلك المحاكمة والظروف الملابسة لها انه اثر اصدار الحزب الجمهوري ـ الشهيد محمود زعيم ذلك الحزب ـ بياناً تحت عنوان (هذا او الطوفان) منتقداً فيه قوانين سبتمبر لعام 1983م . وقد اختلفت الآراء حول تطابق تلك القوانين والممارسات العدلية التي اتبعتها (محاكم العدالة الناجزة) وعمليات التشهير عبر وسائل الإعلام المختلفة للمدانين من قبل تلك المحاكم ويقول مولانا خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق في حوار معه اجرته جريدة الحرية في 9/2/2002م حول محاكمة الشهيد محمود محمد طه واعدامه ( ما آخذه على المحاكمة هو بعد ان وزع الجمهوريون بياناً ونشره بين الناس تم فتح بلاغ ضدهم في هذا البيان السياسي وعندما تمت المحاكمة آثر الجمهوريون الصمت ولم يتحدثوا وصدر حكم ضدهم بالسجن فاستأنفت النيابة هذا الحكم وفجأة وفي محكمة الاستئناف تغيرت التهمة إلى (الردة) وهذا هو الخطأ اذ انه كان يجب ان توجه تهمة الردة لـ(محمود محمد طه) ومن معه لان المسألة تغيرت في منشور إلى ردة ولم توجه التهمة ولم يسمع كلامهم والرسول (ص) قال لسيدنا علي عندما ارسله إلى اليمن ( اذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتى تسمع للآخر كما سمعت للأول) وهذا يسموه حق السمع ويسموه في القوانين الوضعية ( حق طبيعي) .. وهذا لم يتم ولذلك اعتقد ان هذا الخطأ الذي وقعت فيه ومحمود محمد طه استمر ساكناً ورافضاً للحديث ولم يقل له انه موجه لك تهمة (الردة) ولم يعط الفرصة، وافتكر ان هذا هو الخطأ الاساسي ثانياً القانون الذي حوكم محمود محمد طه لم تكن ضمن حدوده الموجودة في القانون(الردة) لان هناك خلافاً بين الفقهاء انفسهم هل الحدود سبعة ام خمسة؟! وسحب من هذه الحدود(الردة) و(البغي) لانها يمكن ان تستغل سياسياً ولذلك لم يدخلوها).



    ويقول عيسى إبراهيم الجمهوري الناشط



    الأستاذ محمود محمد طه: قضاة قوانين سبتمبر غير مؤهلين فنياً!!



    عندما وجهت تهمة المنشور للأستاذ محمود واجه المحكمة بقوله: (أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983م من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام، أكثر من ذلك فانها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام، ونفَّرت عنه…) إلى أن يقول: (هذا من حيث التنظير، أما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً) فماذا يعني الأستاذ محمود محمد طه بتعبير (غير مؤهلين فنياً)؟!.



    المعلوم أن نميري بعد اضراب القضاة الشهير في ذلك الوقت، واقدامه على تطبيق قوانين سبتمبر، استعان برجالٍ لا علاقة لهم بالهيئة القضائية، ولم يمارسوا القضاء من قبلُ، ومن هنا جاء قول الأستاذ محمود آنف الذكر، فهل كان محقاً في قوله ذاك، أم أنه تجاوز حدوده؟!..هذا ما نحن بصدده في هذا المقال.



    جاء قرار المحكمة العليا، الذي ابطل الحكم الجائر، وانتصر لمصداقية القضاء السوداني، بصورة مطولة، ودقيقة، نقتطف منه هنا ما يأتيان محكمة الاستئناف، وفيما نوهنا به، اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول الى حكم عادل تسنده الوقائع الثابته وفقاً لمقتضيات القانون. ويبين ذلك جلياً مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت:



    (ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهماً جديداً للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم... الخ .وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سنداً لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف عن حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى بحكمها لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانون العقوبات وامن الدولة وأدى الى تحريكها منشوراً محرراً في عبارات واضحة لا تقبل كثيراً من التأويل.



    وسرعان ما انكشف امر المحكمة، حين وقعت عينها على ما ورد في حكم المحكمة الجنائية من اشارة الى (التوبة) فاعتبرت ذلك (اشكالاً) لا بد لها من ان توجد له حلاً لأن التوبة ليس منصوصاً عليها في العقوبة المذكورة (تعني عقوبة الاعدام التي اصدرتها المحكمة الجنائية) ولعل محكمة الموضوع جعلتها من قبيل المسكوت عنه الذي يجوز الحكم به وفق المادة (3) من قانون اصول الاحكام لما لاحظت في المنشورات (هكذا بالجمع) موضوع البلاغ من العبارات الموجبة للردّة فحكمت عليهم بالعقوبة الشاملة لحد الردّة مع إعطائهم فرصة التوبة والرجوع الى الصراط المستقيم .(واستطردت المحكمة تقول): ولكي نقوم هذا القرار التقويم الصحيح لا بد من الاجابة على سؤالين: الاول، هل الردّة معاقب عليها في القانون؟ والثاني، هل كان فعل محمود ومن معه يشكل ردّة وخروجاً على الدين؟(.



    وفي السؤال الاول خلصت المحكمة الى ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام "تعطي حق الحكم في الأمور المسكوت عنها" وان الردّة جريمة ثابته بالكتاب والسنة والاجتهاد، وان المادة 458 (3) من قانون العقوبات تبيح توقيع العقوبة الشرعية ولما كانت الردّة حداً شرعياً فانه يلزم توقيع عقوبتها.



    أما بالنسبة للسؤال الثاني، فقد استهلت المحكمة الاجابة عليه بقرار جازم بان (المحكوم عليه محمود محمد طه (هكذا وحده) مرتداً بأقواله وأفعاله في يومية التحري التي اقر بها امام المحكمة واقواله المدونة المعروفة لدى الناس عامة وافعاله الكفرية الظاهرة فهو تارك للصلاة لا يركع ولا يسجد..الخ(.



    ثم استشهدت المحكمة بحكم محكمة الاستئناف الشرعية بالخرطوم الذي صدر عام 1968 باعلان ردّة محمود محمد طه واستعرضت بعضاً مما جاء في كتب الجمهوريين وما صدر من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي من تأييد لحكم عام 1968 وما صدر من مجمع البحوث الاسلامية بجمهورية مصر العربية من وصف لفكر محمود محمد طه (بالفكر الملحد) وخلصت محكمة الاستئناف الجنائية من كل ذلك الى انه (مما تقدم يتضح ان محمود محمد طه مرتد عن الدين ليس فقط ردّة فكرية فردية وانما هو مرتد بالقول والفعل داعية الى الكفر معارض لتحكيم كتاب الله.(



    ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه، او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة، او انطوى عليه دستور 1973 الملغى رغم ما يحيط به من جدل.



    ففي المقام الاول اخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها- اولأي محكمة أخرى - توجيه تهمة الردّة..... على ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور او قانون اذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناة وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة ، محاكمة جديدة قامت المحكمة فيها بدور الخصم والحكم مما حجبها عن واجبها حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة في هذه المرحلة في ان تعيد الاجراءات مرة اخرى لمحكمة اول درجة لاعادة المحاكمة بموجب التهمة الجديدة وذلك فيما تقضي به المادة (238) (هـ) من القانون أو ان تتجه الى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها في ذلك بموجب المادة (242) من القانون ذاته، التي، وان كانت ترد في صيغة تقديرية، الا انها تأخذ شكل الالزام عندما يكون السماع ضرورياً. ولا نرى ضرورة توجب السماع اكثر من ان يكون الحكم الذي تقرر المحكمة اصداره بالردّة التي عقوبتها الاعدام.



    وقد كان منهج محكمة الاستئناف اكثر غرابة، حين استندت في حكمها على مسائل ليس من شأنها ان تقوم مقام الادلة التي يجوز قبولها قانوناً. ومن ذلك ما اشارت اليه تلك المحكمة من الاقوال (المعروفة للناس عامة) والافعال (الكفرية الظاهرة في ترك الصلاة وعدم الركوع والسجود).. وما الى ذلك مما لا يتعدى في احسن حالاته الاقوال النقلية والعلم الشخصي وليس في أي منهما ما يرقى الى الدليل المقبول قانوناً (راجع المادتين 16 و35 من قانون الاثبات لسنة 1983.( (التشديد من وضعنا..الكاتب)



    ولم تكتف المحكمة في مغالاتها بهذا القدر، وانما تعدته الى الاستدلال بقرارات وآراء جهات لا سند في القانون للحجية التي اضفتها المحكمة على اصداراتها، اما حكم محكمة الاستئناف الشرعية العليا التي عولت عليه محكمة الاستئناف الجنائية كثيراً، فانه يستوقفنا فيه انه حكم وطني يلزم استبيان حجيته نظراً الى ما يمكن ان تثيره طبيعته الوطنية من تساؤل حول تلك الحجية. والحكم المشار اليه صدر في 18/11/ 1968 في القضية 1035 /68 حيث قضت محكمة الاستئناف الشرعية العليا بالخرطوم باعلان محمود محمد طه مرتداً. وأول ما تجدر ملاحظته في شأن ذلك الحكم انه صدر حسبة كما وقع غيابياً، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما اذا كان في ذلك ما يقوم مقام الحكم الجنائي بالردّة؟.



    وفي تقديرنا ان الاجابة القطعية ان ذلك الحكم لا يستحق هذه الصفة وذلك لان المحاكم الشرعية - ومنها محكمة الاستئناف الشرعية العليا في ذلك الوقت - لم تكن تختص باصدار احكام جنائية، بل كانت اختصاصاتها مقتصرة على مسائل الاحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث وما الى ذلك مما كانت تنص عليه المادة الخامسة من قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الساري وقتئذ (وليست المادة 6 من قانون 1902 فيما تشير اليه هيئة الادعاء.(



    وأبلغ دليل على عدم اختصاص المحكمة الشرعية فيما اصدرته من حكم ان ذلك الحكم جاء غيابياً فما نحسب ان محمود محمد طه كان حصيناً من سلطة الاجبار التي كانت تتمتع بها المحكمة فيما لو كانت محكمة ذات اختصاصات جنائية. كما يقف دليلاً على عدم الاختصاص ان المحكمة لم تجد سبيلاً لتنفيذ الحكم لا في ذلك الوقت ولا في أي وقت لاحق وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه خاصة وان للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية......، .... ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافت الادانة بالردّة، وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من ان تستقل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهي الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم.......). وعلى هدى من ذلك تقرر هذه الدائرة ما يلي:



    1- اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف).



    اعداد/القسم السياسي




    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147515528&bk=1
    _________________
                  

04-21-2008, 09:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مأزق الإنقاذ الفكري بعد انقسام الحركة الإسلامية!!

    * قبل انقسام الحركة الإسلامية إلى (وطني وشعبي) في الرابع من رمضان الثاني عشر من ديسمبر 1999، استطاعت من حيث التنظير، أن ترفع الحرج عن قيام دولة ثيوقراطية الاتجاه، حيث استطاعت تفكيك الكثير من المعضلات الدينية المتأتية من التفريق بين المسلمين والكتابيين، أو بين الرجال والنساء على مستوى الشريعة، فلم تشترط في أهلية المترشح لنيل منصب رئيس الجمهورية الذكورة أو الإسلام، وفرضت على الذميين ومن شابههم ضريبة مساوية لقيمة الزكاة ووفق أسسها، تدفع كل عام، وفتحت الباب على مصراعيه للمرأة لتتسنم ذرى المناصب التشريعية والقضائية والتنفيذية، مثل صنوها الرجل، حذوك النعل بالنعل، بالرغم من مخالفة ذلك للشريعة، وفق نظر خاص واتجاه مغاير لما ألف الناس من صور الشريعة التي بين يدينا.



    * بعد انقسام الحركة الإسلامية الأخير تبرز الكثير من الأسئلة الملحة والعاجلة، هل الأفكار التجديدية في الدين خاصة بالترابي وحده، أم أنها تخص كل الحركة الإسلامية، وبالأحرى بعد دمغ البعض للترابي بالزندقة والمروق على الدين؟!. فإذا كان ذلك كذلك، فما هي مرجعية (جناح القصر) في التجديد؟!، وما هي مستنداته لتجاوز الشريعة في بعض صورها؟!، ونحن في نفس الوقت نضع يدنا على مرجعية ومستندات الترابي في التجديد!!.



    الترابي زعيم تيار تجديدي ليس إلا!!



    * يعتقد أمين حسن عمر أن الترابي ماهو إلا زعيم لتيار تجديدي وسط الإسلاميين، وقد يعزز هذا الرأي قوله: (نحن لانتبنى كل مايقول دكتور الترابي، (أو): لسنا في مقام الدفاع عن أي رأي ارتآه دكتور الترابي ) ـ صحيفة السودان الحديث ـ 24/10/1995م، ص 3.



    ويعززه أيضاً قوله في كتابه أصول فقه الحركة ـ سلسلة رسائل الحركة الإسلامية الطالبية ـ 3 ابريل 95: (تفردت الحركة الإسلامية ـ في السودان ـ بنهج جرئ ، و(الشورى) فيها ـ في الحركة ـ ملزمة، فهي ليست جماعة تابعة لمرشد متفوق يأتمرون بأمره فتطيع، وينهاها فتزدجر، بل نشأت ثلة من الشباب يأتمرون فيما بينهم بالمعروف، ولايرون لأحد منهم سلطة غير سلطة البرهان والدليل، وكانت فوق ذلك حركة تتميز بجماعية القيادة وذلك أن سلطة المكتب التنفيذي كانت دائماً فوق سلطة الأمين العام!).



    * والحركات الإسلامية في العالم العربي (في رأي أمين حسن عمر) تأخذ على السودان (أخذه بخطة في الشورى لا يرون لها مستنداً فيما يقرأون ويعلمون).



    ويواصل فيقول: (هذا النهج الشوري الذي يقلل من مكانة الزعيم الفرد أحد المؤاخذات على الحركة الإسلامية بالسودان) إذ إن (حركات الأخوان المسلمين في سائر الوطن العربي وبسبب تجربة البنا، (والكلام ما زال لأمين حسن عمر) قد اعتادت أن تضع قائدها في مرتبة الإمام المرشد الذي له أن يستشير أصحابه ومعاونيه ولكن ليس هناك واجب باتباع ما أشاروا به لو رأي – الإمام- خلاف ما يرون)!.



    مرجعية ومستندات الترابي في التجديد



    * أضاف الترابي إلى معيار التفريق بين السنة التشريعية والسنة غير التشريعية، التي لم يتفق عليها اتفاقاً تاماً الشيخان أبوزهرة وخلاف، أضاف معياراً أصولياً عاماً – كما يقول – في معرض اجابته على سؤال طرح عليه من مؤلف كتاب (التجديد) ونشر بصحيفة ألوان) كما ذكر وقيع الله، قال الترابي: (كانت قضية الذباب بالفعل واردة في سياق قضية كلية أصولية هي تحديد مدى حجية كسب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد غلا البعض حتى جعلوا كسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حيث قوة الحق ومداه، وذلك أمر قد يطعن في قضية التوحيد، وفصل آخرون بين السنة التشريعية الناشئة بحكم النبوة والرسالة، وبين السنة غير التشريعية الناشئة بحكم الجبلة البشرية، وجعلوا الأولى حقاً ملزماً قد يعتريه الخطأ اليسير ولكن يلزم ان يرد عليه التصويب القرآني حتى يكون الرسول معصوماً.



    ولكن هؤلاء مثلوا بأعيان أفعال من السنة ولم يقيموا معياراً أصولياً عاما،ً فحاولت أن أجد ذلك المعيار الفقهي المنضبط في التمييز بين المسائل الخلافية في العلم والسلوك الانساني، وما بعث الرسل عليهم السلام إلا ليبينوا للناس ما اختلفوا فيه.. واما المسائل المتعلقة بأشياء الطبيعة فتركت من ثم لكسب البشر، ولم يبعث في الناس مرسلون يعلمونهم تلك العلوم الطبيعية).



    عاب الترابي على من سبقوه (الشيخين أبوزهرة وخلاف) أنهم لم يقدموا معياراً أصولياً عاماً!! أما هو فقد حاول أن يجد ذلك المعيار الفقهي المنضبط في التمييز بين المسائل الخلافية، فما هو ذلك المعيار؟! اسمعه يقول: (وأما في عمل الرسول فكل رسول له من كسبه البشري، وقد تعتري المرسلين من حيث بشريتهم غواش في سياق تبليغهم للدعوة، ولكن الوحي يكتنفهم بالتصويب، وقد تعتريهم غواش في شؤون الحياة الأخرى فيرد عليهم التصويب من تلقاء الناس أو لا يرد).



    وبتعبير آخر يرى الترابي أن النبي إذا غشيته غاشية في الأمور التشريعية فأخطأ فلا يقر على الخطأ، وانما يرد التصحيح من جانب الوحي، أما إذا غشيته غاشية في الأمور غير التشريعية فأخطأ فقد يصحح من تلقاء الناس وقد لا يصحح، هذا هو المعيار الفقهي المنضبط – حسب تعبير الترابي – الذي حاول ان يجده فوجده كما يقول، (وحسبت – يقول الترابي – أن مثل ذلك في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قضية تأبير النخل لا يشكل حادثة معزولة.. وظننت أن قضية الذباب من ذلك الباب وذكرتها على سبيل المثال لتوضيح قضية الأصول ذات المغزى). (المصدر: محمد وقيع الله أحمد ـ التجديد .. الرأي .. والرأي الآخر ـ الطبعة الأولى1989م)



    هذا هو معيار الترابي ومرجعيته ومستنداته التي استخدمها في التجديد ـ بحجة نحن أعلم بشؤون دنيانا، وسوغت له تجاوز النصوص الشرعية الواردة على مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع، يقول الدكتور الترابي: (إن القضايا التي تجابهنا في مجتمع المسلمين اليوم إنما هي قضايا سياسية شرعية عامة، أكثر منها قضايا خاصة والذي عُطِّل من الدين – في رأي الترابي – أكثره يتصل بالقضايا العامة والواجبات الكفائية....)، (أما قضايا (الحكم ) والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجية مثلاً فهي معطلة لديهم ومغفول عنها، وإلى مثل تلك المشكلات ينبغي أن يتجه همنا الأكبر في تصور الأصول الفقهية واستنباط الأحكام الفرعية، ففي مجالها تواجهنا المشكلات والتحديات والأساليب المحرجة).



    هذه هي مرجعية (تيار) الترابي في التجديد الديني، فما هي مرجعية التيار الآخر في القصر أو المؤتمر الوطني؟!.



    وشهد شاهدٌ من أهلها



    بالرغم من عزوف قيادة الحركة (كما يرى د. التجاني) من أن تلصق بها صورة رجال الدين التقليديين، وحرصها على أن تعرف بأنها حركة تجديد، وعدم سعيها لإعادة إنتاج رجال دين بدلاء؟!، إلا أن المتابع يلحظ وفي غير ما مشقة احاطة رجال الدين التقليديين وفقهاء السلطان بالمتنفذين من الحاكمين، ولعل أبلغ مثال لسيطرة عقلية رجال الدين التقليدية اليوم، ما ورد في الخط الرئيس لصحيفة ألوان يوم الخميس 30 نوفمبر (قانون جديد يمنع النساء من العمل بعد العاشرة مساء)، وهذا القانون إذا صح مخالف للدستور من أول وهلة، لأن الدستور انبنى على دولة المواطنة، التي ليس فيها تفرقة بسبب الجنس.



    هل نحن على أعتاب طالبانية جديدة؟!



    إذا لم يكن للانقاذ ومؤتمرها الوطني مشروع تجديدي مغاير (وكل الدلائل تشير إلى غياب مثل هذا المشروع) فنحن بالتأكيد على مشارف دولة طالبانية جديدة بقيادة سلفية قابضة.



    إذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا يعيد الاسلامويون قراءة الأستاذ محمود محمد طه بموضوعية، بدلاً من محاولة اختراع العجلة من جديد!!.



    نزاع عقيم!



    يقول التجاني: كان يمكن أن يكون النزاع نفسه (النزاع بين القصر والمنشية) محركاً للفكر، فتتولد عنه رؤية فكرية جديدة، كما حدث في حالات مشابهة أخرى، ولكن نزاع الإسلاميين في السودان لم يستطع، برغم تطاول فترته الزمنية، وبرغم الصخب والضجيج الذي صاحبه، أن يبرز رؤية جديدة، ولم يستطع أي من طرفي النزاع أن يبلور أطروحة متماسكة تصلح أن تكون إطاراً لنقض بنيان سابق، او لرفع بنيان جديد. (..د. التجاني الصحافة 11 نوفمبر 2006 ص 13).



    إذن هل هناك مرجعية فكرية للمؤتمر الوطني مغايرة لما عرفنا من مرجعية خاصة بالترابي بعد إجراءات القسمة والمفاصلة بين القصر والمنشية، هل ننتظر إجابة؟!.

    عيسى إبراهيم



    http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147514787&bk=1
    _________________
                  

04-21-2008, 09:47 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    عصا الترحال
    رداً على (أسمرا عاشقة الفن السوداني)

    نسرين النمر
    كُتب في: 2006-03-28

    [email protected]


    أتيح هذه المساحة للأخ الصحفي والقاص الإريتري الأستاذ جمال همّد إيماناً مني بأهمية الرأي الآخر، وهو قد كتب رادّاً على ما كتبته يوم الثلاثاء الماضي في (عصا الترحال) بعنوان (أسمرا عاشقة الفن السوداني). ورغم أن رسالته تطرق مجالات أخرى غير فنية ومتعلقة بالساحة السياسية وصراعاتها، إلا أن أمانة المهنة تقتضي نشرها..
    الأستاذة نسرين،
    التحية لك.
    هي فعلا كذلك تحب الفن السوداني.. هي فعلا أخت الخرطوم، ولكن ليس على طريقة عبد الله جابر، وأبرها كاسا ويماني قبرآب. العلاقة الإريترية السودانية لا تمر عبر وفد يقوده يماني قبرآب وعبد الله جابر والمسؤول الأول الأمني ابرها كاسا المعروف بدمويته ولا يرسي دعائمها هؤلاء، بل ارسى دعائمها النقابي الكبير الراحل عبده دهب حسنين والفنان التشكيلي الراحل مجذوب رباح والرشيد الطاهر بكر وفاروق عثمان حمدنا الله والشيخ المرحوم عبد المحمود، صاحب مكتبة الجامع الكبير، والصادق عبد الله عبد الماجد والشهيد الأستاذ محمود محمد طه وعشرات الصحفيين والنقابيين وقادة احزاب وشخصيات وطنية ومجموع الشعب السوداني الذي حمى ثورة الشعب الإريتري في مختلف العهود. حضور (الإكسبو) في اسمرا لا يعيد للعلاقة الرسمية دفئها، ولا التصريحات الرسمية تبني، ولا الكلمات الجوفاء للصديق الشاعر بابكر عوض الكريم تقول ما يجري.
    فما يجري في اريتريا عجيب، هل تدرين ان اكثر من 14 سودانياً يعيشون في معتقلات لا تعرف أماكنها ولا اسباب اعتقالهم ولا مدد سجنهم وهم من مختلف الشرائح؟؟ تجار.. ساسة.. عمال.. تربالة والعدد الكلي غير محصور، ويمكنك البحث عن ذلك ضمن تقرير مركز سويرا لحقوق الإنسان على الموقع(www. suera.com..
    وللمزيد اسألي امير بابكر، المعتقل السابق - عنوانه بطرفنا - وعبد العزيز دفع الله والعميد عبد العزيز خالد، وهناك تقرير (امنستي انترناشونال) و(صحفيون بلاحدود) و(هيومان رايت ووتش) للأعوام 2004 و2005، وآخر اخبار هذا البلد المنكوب لجوء راعي الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية في الخرطوم للمفوضية السامية لشؤون واللاجئين في الخرطوم، وهروب اربعة لاعبين من فريق البحر الأحمر في نيروبي.
    في اريتريا اكثر من 10000 معتقل لا تعرف اماكن اعتقالهم ولا مدد محكومياتهم، ولا يسمح لهم بالزيارات، منهم محمود احمد شريفو وبطرس سلمون وهيلي ولد تنسائي والجنرال بت ودد ابرها، وهم جميعا من قيادات الصف الأول في الحزب الحاكم ومن مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا.. ينضاف اليهم العشرات من زملائك الصحفيين ورجال دين ومعلمين.
    جولة صغيرة في الجريف والديوم والصحافات والقوز تكفي لتعطيك صورة عن المشهد الإريتري الكئيب.
    الأستاذة نسرين، ارجو ان لا اكون قد اثقلت عليك وبددت صورة مشرقة لأسمرا اخت الخرطوم.
    جمال همد ( صحفي وقاص اريتري



    http://www.alsudani.info/index.php?type=6&issue_id=902&col_id=80
    _________________
                  

04-21-2008, 09:48 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مكى أبوقرجة
    ======
    الفتى ضمير المدينة

    (تحية لأصدقاء أبطال الملحمة



    ليونس الدسوقي ـ الفتي ضمير المدينة ـ



    يزأر الآن في منفاه،



    كالأسد الحبيس بالقاهرة



    ولأحمد ابراهيم ـ الذي فقد ساقه في المعمعة ـ



    ما زال مرابطا يناصر المظلومين



    يحرر العرضحالات امام المحكمة



    للعبيد عامر وهو يجتر ذكرياته



    بقريته ام هاني



    يحلم باتحاد حقيقي للمزارعين



    وصولة جديدة في سبيل الكادحين)



    من قصيدة (زغاريد الغضب) لكاتب هذه السطور بمناسبة الذكرى الخمسين لانتفاضة جودة فبراير 2006م.



    هؤلاء الرجال الثلاثة الذين وردت اسماؤهم في هذا المقطع من القصيدة هم اصدقائي حقا وليس مجازان كما يتبادر الى الذهن. نعمت بقربهم وبمودتهم وصدقهم وعظمتهم الإنسانية، وخبرتُ معادنهم في انبل المواقف واشرفها. شاركوا ثلاثتهم بشكل او بآخر مع من شاركوا في احداث جودة، لا يتحدثون عن انفسهم بما فعلوا، ظلوا يتحدثون عن تضحيات الآخرين وبطولاتهم. غيَّب الموت يونس الدسوقي في نوفمبر الماضي، فكان وقع ذلك علينا كسقوط جبال شنكيانج على الصدور؛ كما عبر الشاعر الصيني كوموجو عن صديق له عظيم اخترمه الردى. غاب يونس فانطوت صفحة مشرقة وعامرة بالمآثر الجليلة، وحياتنا بعده قفر يباب ولا عزاء لنا في فقده.



    قال انه يتمنى ان يرانا قبل الرحيل، احس بأن ايامه آخذة في الزوال. ابلغ ابننا اشرف مأمون بذلك فنقل الينا تلك الرغبة، قررنا من فورنا وشددنا اليه الرحال. اسامة ابوقرجة من الخرطوم وأنا من ابوظبي، كان ذلك في صيف عام 2004م اخبرناه بميعاد وصولنا الى القاهرة فرتب شؤون اقامتنا بنفس الفندق الذي كان يقيم فيه. كانت قد مضت حوالي عشرين عاما منذ افتراقنا في منتصف الثمانينيات: توجهت انا للعمل بمنطقة الخليج، ثم لم يلبث هو ان اختار القاهرة منفىً له في اوائل التسعينيات حين حلت القارعة وتبدد شمل الجميع.



    بعد ساعتين من وصولنا رن جرس الغرفة ففاجأنا شيخ قد كفَّ بصره وهدّه المرض يعتمد على عصا ويسعى بخطوات عاجزة بطيئة، ليس ذلك الرجل الذي عهدناه في عنفوان كهولته قويا متماسك البدن، الا انه ظل رابط الجأش مشتعل الفكر متقد الفؤاد قابضا على ازمة الأمور، متابعا، لم تفارقه روحه الوثابة ولا قدرته التي لا تجارى في صناعة الكلام وربط مفاصله بالحكمة ومأثور الحديث والشعر والمعنى الحصيف. قضينا اياما لا تنسى في ضيافته، اشرف على كل ما يتعلق بشؤوننا في الفندق رغم احواله الصحية غير المستقرة، يدعو اصدقاءه المثقفين لزيارتنا ويغمرنا بكرمه الفياض: محمود صالح جاء من اصيلة حيث حضر مع الطيب صالح المهرجان الثقافي السنوي، حيدر ابراهيم علي عاد من باريس، مصطفى عبادي من اثينا بعد نهاية دورة الأولمبياد، ثم فاروق محمد ابراهيم من الخرطوم، أسامة عبدالرحمن النور من ليبيا.. التقينا بالمرحوم مبارك محجوب لقمان الذي دعانا لمأدبة غداء سخية في داره بحدائق القبة حضرها لفيف من المثقفين في مقدمتهم المرحوم علي التوم ورحمة الله عبدالله وصلاح احمد محمد صالح ومحمود صالح عثمان صالح ومصطفى عبادي والسر وعمر احمد قدور.. كان يونس واسطة العقد رغم ضعف النظر والوهن الذي اعتراه، وقد دارت بين الحاضرين احاديث عذاب ما يزال صداها يتجاوب في النفس.



    اقام يونس في فندق هابيتون حوالي خمسة عشر عاما زاده القراءة والتأمل حتى كف بصره وامتنع عنه الكتاب الذي ظل رفيق حياته الزاخرة الثرية، الا من نفر كريم من الأصدقاء يقرأون عليه من وقت لآخر ما يراه مهماً. غير انه لم يفتقد في لحظة من اللحظات لياقته الفكرية وقدرته على المتابعة. كان اصحاب الفندق من اهلنا الأقباط تفاءلوا بوجوده وأحاطوه بكثير من الرعاية والاهتمام، لم يفتهم ان لاحظوا اهمية الزوار الذين كانوا يترددون عليه ينفخون العاملين بعطاياهم الجزيلة، يفدون من مناطق الخليج في عطلاتهم الصيفية وفي مقدمتهم محجوب ابراهيم، ومن السودان على رأسهم الصادق شامي.. يقبل الفتية الجمهوريون من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والخرطوم يزورون القاهرة ويتفقدون احوال يونس، فقد كان صديقا حميما للأستاذ محمود محمد طه (وكل صميم لصميم بديل)، كما عبر إبراهيم العبادي.



    كان واحة يستجير بها المثقفون عند احتدام الهاجرة وتفاقم العسف والاستبداد، يتحدث اليهم بصوته الصافي العميق، يبثهم احاديثه الشجية فيخفف عنهم كثيرا من غلواء الحزن والمكابدة.



    ظل الكاتب الروائي الطيب صالح منذ سنوات يزور القاهرة من عام لآخر في عطلته الشتوية، الا انه بعد وصول يونس اليها بات يزورها سنويا بصورة منتظمة ليلقاه، وقد صرح بذلك مغتبطا بتلك الصحبة الفكرية التي لا يجود الزمان بمثلها كثيرا. كان العاملون والعاملات بفندق هابيتون يسعدون برؤية الطيب صالح ويشعرون بكثير من الفخر والاعتزاز لزيارته. اما هو فقد كان يغمر المكان بتعليقاته الذكية وأوصافه الساخرة يزجيها همسا ليونس الذي كان مولعا بكل ما هو طريف.



    عاش يونس تجربة الحركة الوطنية في إبانها شابا منذ منتصف اربعينيات القرن الماضي، وانفعل بها وانغمس في خضمها وذلك بعد ان اعد نفسه بالقراءة الصادقة العميقة المستمرة، فقد كان عصاميا لم ينل من التعليم النظامي الا مراحله الأولى، ولكنه غدا موسوعيا جم المعارف، كان تشده الثقافة الرفيعة والأدب العظيم ويحتفي بالتاريخ يوظفه في تطورات الحاضر.



    انتمى لليسار وعمل في اوساطه منذ بواكير الخمسينيات وحتى السبعينيات في ام درمان وكوستي، الا ان طبعه المتمرد ونفوره من الانضباط الحزبي جعله ينأى نوعا ما عن التنظيم، وإن لم يفارق الجماعة. وماكنت أعلم انه كان سكرتيرا للجبهة المعادية للاستعمار في مدينة كوستي حتى ذكر الدكتور خالد المبارك في عموده الأسبوعي عقب وفاته في الشهر الماضي.



    قبل ان يتفتح وعينا في مدينة كوستي رأيناه زعيما جماهيريا قائدا يتقدم التظاهرات ويخطب بطلاقة، ما عهدناها في غيره ممن كانوا يعدون خطبهم ويقرأون على الناس ما يكتبون.. كان بحرارة صدقه وجرأته وسمته المهيب يحرك المشاعر فنركض خلف موكبه وهو يستقل سيارة جيب ممسكا بمكبر للصوت. لم يكن يعنينا ما يقول.. كنا نرى امامنا بطلا صارم القسمات يتطاير شعر رأسه بفعل الريح مما يضفي عليه مظهرا اخّاذا كأحد ابطال الاساطير الإغريقية، كما رسمهم هوميروس. كان خطيبا مفوها منقطع القرين، حين يخطب يستدعي خيالك مارتن لوثر او ميرابو او تروتسكي... اديبا متمكنا من القول، مؤثرا، صاحب قضية كونية ولا ريب، اركانها الحق والعدل والحرية وكرامة الإنسان. كان رجلا قوي الشكيمة، صعب المراس، سمحا، كريما، متلافا لا يحسب للأيام حسابا ولا يدخر مالاً لغده. يتعامل مع الحياة اليومية وكأنه مسافر ابدي. لم يكن يأبه كثيرا بالحديث النظري والنصوص. كان يطرح طرحه الخاص ثقافة مهضومة يعيد انتاجها بأسلوبه الساحر الفريد.



    استخدمت احدى الشركات الزراعية تلاميذ المدرسة الصناعية بكوستي ـ بتوجيهات من السلطات الحاكمة ـ لجني القطن في احد مشاريعها الزراعية في العطلة الصيفية لأحد اعوام الستين، وقد وقع حادث مؤسف لإحدى العربات التي كانت تقلهم مما اسفر عن مصرع تلميذين صغيرين وإصابة آخرين بجراح. كنا صبية صغارا بالمدرسة الوسطى ولكنا شاركنا في تشييع الجثمانين، حيث خرجت المدينة بأسرها فقد هزها الحادث وأدمى قلبها فالتلاميذ كانوا غرباء عن المدينة يقيمون في السكن الداخلي. الحاكم العسكري بجبروته وما يحيط به من مظاهر القوة، كان في مقدمة الجميع ونظام عبود في اسوأ مراحل تسلطه واستبداده.



    وبعد ان فرغ الناس من دفن جثماني الصغيرين برز يونس من بين المشيعين غاضبا محمر العينين ممسكا بمكبر للصوت.. اعتلى سيارة واقفة وبدأ يخطب في الناس ويندد بنظام الحكم جهرة غير هيّاب ولا وجل. خاف كثير من المشيعين من هول الموقف، استقلوا سياراتهم وتسللوا عائدين قبل ان يشهدوا عملية الاعتقال في نفس اللحظات، الأمر الذي كان يتوقعه يونس بطبيعة الحال. ذلك مشهد واحد من سلسلة مشاهد وقفنا عليها في حياة يونس في تلك المدينة التي بات ضميرا لها.



    كان خبيرا عارفا بأقدار الرجال تهزه سيرهم وتشجيه، وكان يكنّ اعجابا خاصا للإمام محمد احمد المهدي.. اذكر مرة كنا نتحدث عنه وأشرت في سياق الكلام الى ان المهدي رحل وهو في الثانية والأربعين من عمره، فانتفض وتغير وجهه والتفت اليّ محتجا وكأني قد ارتكبت خطأ، اذ كيف يستطيع شاب في مثل هذا العمر ان يتقدم شعبا كشعب السودان ويقوده في اكثر المنعطفات حلكة في تاريخه فيوحد البلاد ويقيم دولتها الوطنية، وحينما راجعته واقتنع زفر زفرة عميقة وانتصب قائما وغادر مجلسنا.



    غاب عنا اياما وعاد ليخبرني بأنه لم ينم ليلتها، وقتها كان يقترب من الستين. ما فاته ذلك، الا ان ما راعه حقا هو مضيّ العمر قبل ان يحرز نصرا رغم الآمال التي كانت تنطوي عليها نفسه المترعة بروح الزعامة.



    تمتد علاقاتنا الى زمن بعيد كنت اراه في مأتم والدي ـ عليه رحمة الله ـ وأنا حدث يافع يحضر يوميا وينفق الساعات جالسا بين المعزين. كنت اعجب لذلك الزعيم اليساري بزيه الإفرنجي ويتوسط شيوخ الأنصار. زال العجب حين كبرت وعرفت منه الصداقة التي جمعت بين والدينا منذ بواكير الثلاثينيات، وكثيرا ما كان يروي قصة البندقية التي اهداها والدي لوالده ويردد ـ حتى آخر ايام حياته ـ انه سيعيدها اليّ بعد خمسة وسبعين عاما، تحفة اثرية تزين صالون منزلي، ولتلك البندقية قصة جديرة بأن تروى في يوم من الأيام.



    في طفولتنا كانت (المكتبة الوطنية) لصاحبها مصطفى صالح هي الوحيدة في مدينة كوستي. تنقلت من مكان الى آخر حتى استقرت قرب مكتبة البريد. ثابرنا على التردد عليها لاقتناء مجلات (الصبيان) و(السندباد) ثم (سمير) والقصص التي كان يصدرها مكتب النشر، وتلك المجموعات التي كانت تفد من مصر، ثم لم يلبث الحال ان افتتح يونس مكتبة (الفكر الحديث) لا ادري في اي عام حدث ذلك. وجدنا فيها ضالتنا من الأدب الإنساني، فقد تجاوزنا مرحلة الطفولة في اول مدارج المرحلة الثانوية واتسعت اهتماماتنا بالقراءة وباتت اكثر عمقا وتنوعا. في ذلك الوقت توطدت علاقتنا به نحن مجموعة من طلاب الثانويات الباحثين عن المعارف والحقيقةن فوجدنا فيه اباً براً وأخا كريماً وصديقا مخلصاً، عاملنا كأنداد له، وسمح لنا بالاختلاف معه بكل سماحة وأريحية رغم طبعه الحاد في مواجهة السذج والمتنطعين.. وظلت كلما تقدمت السنون تزداد علاقاتنا توهجا وبريقا، يزينها حضوره المشبوب وتدفقه الفكري الذي لا يغيض.

    قبل سنوات ونحن بدولة الإمارات اهدى اليّ صديق الطرفين الأستاذ مأمون محمد عيسى المحامي نسخة من رواية لعبدالرحمن منيف بعنوان (عروة الزمان الباهي)، تناول فيها سيرة صديق له من المناضلين الموريتانيين تنقل ما بين باريس وبيروت مدافعا عن قضايا المغرب الكبير وخاصة الجزائر، رأى فيه مأمون صورة من يونس لجرأته في اقتحامه للمحافل وشجاعته ومروءته وتعامله المختلف مع الناس والحياة ما احوجنا الآن لنجد فسحة من الوقت لنكتب عن هذا الفتى ضمير المدينة الذي كان يختزل الكون في حناياه ويمشي في شوارعها.



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147514355&bk=1
    _________________
                  

04-21-2008, 09:49 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قولوا حسنا
    ذكريات وأسرار من انتفاضة أبريل

    محجوب عروة
    كُتب في: 2007-04-06

    e:mail:[email protected]




    كان شهرا فبراير ومارس من عام 1985م يؤذنان بأن شمس مايو تميل الى الغروب بعد عدة محاولات للبقاء جرت في الأعوام الثلاثة الأخيرة من عمر مايو، وتحديداً منذ العام 1982م لمحاولة إصلاح أخيرة للنظام، وذلك عقب التغيير الذي تم في الاتحاد الاشتراكي وإبعاد قيادة الجيش بقيادة الفريق عبد الماجد حامد خليل ورفاقه، ثم ذلك المؤتمر الشعبي الشهير الذي طالب بالتغيير، ولكن بدلاً من المضيّ قدماً في عملية تطوير وإصلاح سياسي شامل وإحداث عملية انفراج كامل ارتد الرئيس الأسبق نميري وأعاد الأمور الى وضعها الأول بإيعاز من بطانته التي كانت تحضه على (الكنكشة)، ولم تنصحه بالاستمرار في عملية التطور السياسي، الذي بدأ بالمصالحة الوطنية فيما سمي بصراع (القدامى) ضد (القادمين الجدد) عقب المصالحة عام 1978.. ولذا حدث نوع من الاحتقان السياسي انتهى بثلاثة احداث فاصلة هي:
    * تطبيق مسيئ لقوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983م.
    * إعدام المرحوم محمود محمد طه.
    * وأخيراً اعتقال قيادات الإخوان المسلمين بقيادة د.الترابي فجأة في نهاية فبراير 1985م.



    http://www.alsudani.info/index.php?type=6&issue_id=1271&col_id=68&bk=1
    ____________
                  

04-21-2008, 09:50 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ذكرى إنتفاضة1985م
    محمد على جادين

    شهد عاما 1984م و1985م بروز عدة عوامل تدفع فى اتجاه الانتفاضة والاحتراب السياسى العام، تمثل أهمها فى تدهور الوضع الاقتصادى، اتساع الحرب الأهلية فى الجنوب، نهوض حركة الوضع الاقتصادى، اتساع الحرب الاهلية فى الجنوب، نهوض حركة الاضرابات وسط النقابات بما فى ذلك اضراب القضاة وتزايد عمليات العنف السلطوى ضد قوى المعارضة عموما وصل قمته بمحاكمات الجمهوريين والبعثيين بتهم الردة واعدام الشهيد محمود محمد طه فى بداية 1985م- وهكذا تجمعت كل هذه العوامل لتدفع الشارع باتجاه الانتفاضة والعصيان المدنى، واندلعت المظاهرات فى الخرطوم منذ صباح26مارس حتى السادس من ابريل1985م وامتدت الى مدن اقليمية عديدة ووقتها ظهر التجمع النقابى المكون من نقابات الاطباء واساتذة جامعة الخرطوم والمحامين وموظفى المصارف والمهندسين وبرز دوره فى موكب 3أبريل1985م الذى اكد نهاية النظام المايوى بشكل واضح وفى هذا الاطار ظلت قوى الاحزاب تلعب دورها فى دعم المظاهرات واستمرارها ولكنها لم تنجح فى توحيد نفسها فى منبر موحد



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518224&bk=1
    _______
                  

04-21-2008, 09:50 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من المسؤول عن وأد الديمقراطية الثالثة؟!

    إعداد: القسم السياسي

    بدأت مايو في الإنهيار التدريجي منذ إعلانها قوانين سبتمبر الشهيرة، التي وصفت بقوانين الشريعة الإسلامية، كانت القوانين في 1983، ولكن في 1984 أعلن نظام مايو حالة الطوارئ وتشكلت محاكم العدالة الناجزة وجلد وزج بالعشرات في السجون واتهمت إحدى تلك المحاكم المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم بـ (الجنون)، وتمادت في بطشها اللا إسلامي حتى اعدمت الشهيد محمود محمد طه بتهمة الردة، وكان ذلك في يناير 1985، وبدأت غضبة الشعب تتبلور بعد أن سبقها إضراب القضاة الشهير في 1983 والذي دام لأكثر من ثلاثة أشهر




    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518196&bk=1
    _________________
                  

04-21-2008, 09:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عوالم (جمال محجوب) السردية:
    =====
    أحمد صادق أحمد
    ========

    مثلما أشرنا سابقاً التقط فيها لحظة العقدين الأخيرة من القرن التاسع عشر فترة المهدية وإعادة تفسيرها سردياً وإسقاط الحاضر على الماضي والعكس، يبدو أن تفسيره كان بوعياً كاملاً بالنصوص تماماً مثلما امتلك وعياً بوضع الفكر على مستوى العقل والممارسة. الشخوص هنا (صورة) محمود محمد طه وغردون باشا والمهدي – Minor إلا أن الشخوص الرئيسية هي مجموعات المزارعين والرعاة والجنود.



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518315&bk=1
    ___
                  

04-21-2008, 09:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حول التنبؤ بانهيار الشيوعية

    نشرت صحيفة السوداني في العدد 492 بتاريخ 27/3/2007 الموضوع الذي اثار التساؤل حول الموضوع أعلاه، وعلى الرغم من أن مؤلف كتاب (نهاية التاريخ) يعلن أن انهيار الماركسية قد فاجأ كل المفكرين والمحللين في العالم، فإن الاستاذ محمود محمد طه له رأي مبكر في هذا الشأن أورده في كتابه (لا إله إلا الله) الصادرة طبعته الاولى في يوم 25 مايو 1969 وكان ذلك في معرض تقييم الأستاذ لثورة أكتور وما فتحت من طريق جديد للتغيير الأساسي بالقوة دون عنف، يقول الأستاذ: إن ثورة أكتورة ثورة فريدة في التاريخ وهي لم تجد تقويمها الصحيح إلى الآن.



    وعندنا أن أكبر قيمة لثورة أكتوبر أن الشعب السوداني استطاع أن يدلل بها على خطأ أساسي في التفكير الماركسي مما ورد في عبارة من أهم عبارات كارل ماركس في فلسفته فيما عرف بـ(المادية التاريخية)، وتلك العبارة هي قولة (العنف والقوة هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق أي تغيير أساسي في المجتمع)، فما برهنت عليه ثورة أكتوبر هو أن القوة ضرورية للتغيير ولكن العنف ليس ضرورياً، بل إن القوة المستحصدة التامة تلغي العنف تماماً، فصاحبها في غنًى عن استخدام العنف وخصمها مصروف عن استخدام العنف بما يظهر له من عدم جدواه، وحين تنفصل القوة عن العنف يفتح الباب للبشرية لتفهم معنًى جديداً من معاني القوة وتلك هي القوة التي تقوم على وحدة الفكر ووحدة الشعور بين الناس، بعد أن لبثت البشرية طيلة الحقب لا تعرف من القوة إلا ما يقوم على قوة الساعد وقوة البأس، ومفهوم القوة بهذا المعنى الأخير هو تراث البشرية من عهد الغابة عهد الأنياب الزرق والمخالب الحمر، وهذا المفهوم هو الذي ضلل كارل ماركس فاعتقد أن مستقبل البشرية سيكون صورة لامتداد ماضيها وغاب عنه أن العنف سيفارق القوة بالضرورة في مستقبل تطور الإنسان حين يصبح الحق هو القوة.



    ويواصل الأستاذ عن مآلات الدورة الجديدة التي فتحتها ثورة أكتوبر في كتابه الثورة الثقافية طبعة 1972، ليقول: إن ماركس على الرغم من ذكاء ملاحظته عن ماضي تطور المجتمع ولكنه اخطأ حين ظن أن مستقبل البشرية يمكن التنبؤ به من رصد ماضيها واستقراء تطور هذا الماضي وذهل ماركس عن حقيقة كبرى تلك الحقيقة هي أن حاضر المجتمع البشري في أية لحظة من لحظات تطوره إنما يصنعه تفاعل وتلاقح بين قوى المستقبل وقوى الماضي هذه القوى التي تجئ من المستقبل هي التي تعين على تطوير الماضي وتحفز وتوجه خطوات التغيير فيه، هذه القوى توافر على تقريرها الدين ذلك الدين الذي رفضه كارل ماركس رفضاً تاماً ومن هنا تورطت أفكاره في الخطأ، وقد كان حكم الوقت في فترة ماركس يتطلب (القوة والعنف معاً)، (ولولا أن العنف ليس اصلاً في العلاقات الإنسانية وإنما هو مرحلة يتخلص منها الإنسان كلما بعد عهده من عهد الغابة، وكلما نزل منازل القرب من عهد المدنية ولولا هذا لكان ماركس محقاً كل الاحقاق ولقد أصبح تفكير ماركس بسبب هذا الخطأ الكبير تفكيراً مرحلياً، وهو اليوم على عهدنا يمثل حقبة ضرورية في مراحل تطور المجتمع البشري ولكنه قد أصبح منذ اليوم عقبة تتطلب أن تزاح عن طريق البشرية لكي تدخل عهدها الجديد..إن القوة أصل ولكن العنف ليس بأصل ولابد من اخراجه من معادلة التغيير) ويفصل الأستاذ كيف يفارق العنف للقوة ويقوم بدله السلام بل الحب حسب ديالكتيك (التوحيد).



    ولما كان المتناقضان عند ماركس يقومان على اختلاف النوع أصبح العنف عنده أصلاً من الأصول وهذا بطبيعة الحال (أس الخطأ في تفكير ماركس مما جعل الماركسية مرحلية وإن كانت هذه المرحلة في غاية الأهمية في تاريخ تطور المجتمع فكرياً واجتماعياً وسياسياً في القرنين الأخيرين، الماركسية مرحلية لأنها حين قطعت الصلة بالغيب عجزت عن ادراك القوة التي تؤثر في تطور الإنسان من خارج المادة، لقد خدمت الماركسية غرضاً كبيراً ولكنها قد استنفدت غرضها هذا واخذت تدخل التاريخ وهي لن تكون لها في المستقبل غير قيمتها التاريخية هذه، وهي قيمة كبيرة من غير شك، إذ قد شكلت قنطرة تربط ربطاً عملياً في مجال الفكر ومجال التنفيذ بين المادة والروح فهي بذلك – أعني الماركسية- قد جعلت عودة الإسلام من جديد ممكنة وواجبة) انتهى.



    فماذا قال الأستاذ محمود عن سبب تصفية أهداف أكتوبر وكيف السبيل لتعود الثورة أكمل وأتم؟!.



    ثورة أكتوبر مرحلتان:



    (وثورة أكتوبر ثورة لم تكتمل بعد إنما هي تقع في مرحلتين نفذت منها المرحلة الأولى، ولا تزال المرحلة الثانية تنتظر ميقاتها.. المرحلة الأولى من ثورة اكتوبر كانت مرحلة العاطفة المتسامية التي جمعت الشعب على ارادة التغيير وكراهية الفساد ولكنها لم تكن تملك مع إرادة التغيير فكرة التغيير حتى نستطيع أن نبني الصلاح بعد ازالة الفساد، ومن أجل ذلك انفرط عقد الوحدة بعد ازالة الفساد، وأمكن للأحزاب السلفية أن تفرق الشعب وأن تضلل سعيه حتى وأدت أهداف ثورة اكتوبر تحت ركام من الرماد مع مضي الزمن وما كان للأحزاب السلفية أن تبلغ ما أرادت لولا أن الثوار قد بدا لهم أن مهمتهم قد أنجزت بمجرد زوال الحكم العسكري وأن وحدة صفهم قد استنفدت أغراضها.



    والمرحلة الثانية من ثورة أكتوبر هي مرحلة الفكر المستحصد العاصف الذي يتسامى بإرادة التغيير إلى المستوى الذي يملك معه المعرفة بطريقة التغيير.. وهذه تعني هدم الفساد القائم ثم بناء الصلاح مكان الفساد وهو ما نسميه بالثورة الفكرية فإن ثورة اكتوبر لم تمت ولا تزال نارها تتضرم ولكن غطى عليها ركام من الرماد فنحن نريد أن تتولى رياح الفكر العاصف بعثرة هذا الرماد حتى يتسعَّر ضرام أكتوبر من جديد فتحرق نارها الفساد ويهدي نورها خطوات الصلاح، وليس عندنا من سبيل إلى هذه الثورة الفكرية العاصفة غير بعث الكلمة (لا إله إلا الله) جديدة دافئة خلاقة في صدور النساء والرجال كما كانت أول العهد بها في القرن السابع الميلادي) انتهى.



    ولتكن هذه تحية للاخوة الشيوعيين بين يدي مؤتمرهم المرتقب أما الإسلاميون بكل فرقهم فتحية لهم قول الأستاذ في الكتاب نفسه، إن ثورة الإسلام (الثانية) أنه دين تبشير ولا مكان للسيف فيه على الاطلاق والذين يتحدثون عن عودة الإسلام ويتحدثون عن السيف يخطئون حقيقة الإسلام ويخطئون حكم الوقت في آن معاً وهم يحسنون إلى أنفسهم ويحسنون إلى الإسلام إذا تركوا هذه الدعوة المعوقة).



    كان الاستاذ قد نبه الدعاة الإسلاميين من وقت مبكر لضرورة التربية حتى لا يشوهوا الإسلام بسلبياتهم ولضرورة الفكر حتى لا يصموا الإسلام بقصورهم وجمودهم فكتب في صحيفة أنباء السودان 6/12/1958 تحت عنوان (تعالوا إلى كلمة سواء) فقال: (إن الإسلام بقدر ماهو قوة خلاقة خيرة إذا ما انبعث من معينه الصافي واتصل بالعقول الحرة واشعل فيها ثورته وانطلاقه، بقدر ماهو قوة هدامة إذا انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة وأثار فيها سخائم التعصب والهوس، فإذا ما قدر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين اعرفهم جيداً أن يطبقوا الدستور الإسلامي الذي يعرفونه هم ويظنونه إسلامياً لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدة إلى الوراء ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار، ولبدا الإسلام على يديهم وكأنه حدود وعقوبات على نحو ما هو مطبق الآن في بعض البلاد الإسلامية ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية أيضاً).
    إبراهيم يوسف فضل الله



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518413&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 02:38 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    القضاة والانتفاضة
    دوى هتاف القضاة (القضاه قضاة الشعب) كم كان وقع هذا الهتاف رائعاً فى ذلك اليوم التاريخى فى عمر الوطن ، وكم كان الذين رددوه بقوة وبصوت عال وطنيين حتى النخاع، …كان المكان امام دار القضاء بامدرمان وكان الزمان زمان الانتفاضه …تجمع القانونيون قضاة ومحامون امام تلك الدار المهيبة فى مدينة المهدى وبجوار ضريحه استجابة لقرار لجنة القضاة باعلان الاضراب السياسى حتى زوال نظام مايو وتسيير مسيرة من امام دار القضاء الخرطوم تتوجه للقصر الجمهورى.
    كان القضاة فى ذلك الزمان الجميل يفوحون وطنية وتقودهم لجنه انتخبوها انتخاباً ديمقراطياً بقيادة الربان الماهر مولانا عمر صديق وحوله رجال صناديد ليس بينهم خوار، قادوا القضاه فى اضرابين مفتوحين اسهما كثيرا فى ضعضعة النظام حتى وهن عظمه .. هذا ودفعت هذه النخبه ثمن مواقفها فكان يتم القبض عليهم عقب كل اضراب وعندما يخرجون من السجن كانوا يزدادون صلابه على صلابتهم ويزيدهم السجن اصراراً على مواقفهم …كانوا دائما يأتون من السجن رأسا الى دار المحامين حيث يكون القضاة الصامدون هناك وكانوا يدلفون الى الدار وهم مبتسمون هاشون باشون يوزع عمر صديق بلهجته الشايقيه التى لاتخطئها الاذن النكات هنا وهناك وكأنهم قادمون للتو من فرح وليس سجناً.
    تداعت لجنة القضاه لاجتماع فى تلك الايام الخوالد لتدارس الموقف بعد ان بدأت الململة الشعبية بعد مقتل الاستاذ محمود محمد طه وممارسات محاكم العداله الناجزة …وقد بدأت الجماهير تنظم نفسها لمواجهة نظام نميرى ….كان الاجتماع بمنزل احدهم بالثورة (وكان الجميع فى منافسة لنيل شرف هذه الاجتماعات) وتناقش الجمع حول حركة الجماهير وبداية تكوين تجمع للنقابات يطالب بالديمقراطية وحقوق الانسان فى ظل قضاء مستقل … وكان القرار باجماع المجتمعين وبصوره ترفع الرأس عالياً انه لامكان للقضاة الا وسط شعبهم وان انحيازهم للجماهير لانقاش حوله واستعدادهم للتضحيه من اجل الديمقراطيه للشعب السودانى. والقضاء المستقل لاتراجع عنه مهما كانت التضحيات (وما اعظم مواقف الرجال) ووصى الاجتماع بمتابعة الموقف وتشكيل لجان فرعية ولجان اقاليم تحسباً لاى طارىء وبتنوير القضاه الذين لم يكونوا يقلون حماساً عن لجنتهم ..وتم انتداب قاضيين منهم مولانا تاج السر بابكر للاتصال بالقوى الوطنيه التى تكونت حديثاً ورؤى ان يكون الاتصال عن طريق نقابة المحامين لحساسية موقف القضاة …وتم الاجتماع فى منزل المرحوم مولانا عبد المنعم محمود بشير (وعبد المنعم كان رجلاً يحب بلاده وشعب بلاده وهو دائما على استعداد لدفع مهر هذا الحب مهما غلا) وفعلا تم الاجتماع وقام المندوبون بتنوير القضاة بموقف النقابات واصرارها على اسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطى ..ونقل مندوبو لجنة القضاة انحياز القضاة للشعب وتأييدهم الكامل لقيام نظام ديمقراطى حر يحترم حقوق الانسان فى ظل قضاء مستقل.
    بعد ايام من هذا الاجتماع اعلن التجمع الوطنى الوليد عن موكب الاربعاء والقرار بالعصيان المدنى حتى سقوط النظام.
    اجتمعت لجنة القضاة فى مكتب مولانا نادر السيد قاضى المديرية امدرمان علانية فالقاضى الذى يخشى قول الحق والوقوف معه لايستحق ان يجلس على كرسى العدالة ويمسك بميزانها …وتمت مناقشة الموقف واعلان التجمع للعصيان وموكب الاربعاء ولكن السؤال كان هل يعلن القضاة عن موقفهم واضرابهم فى موكب الاربعاء ام يكون هناك موكب آخر للقضاة؟ وكان لمولانا عمر صديق رأي طرحه فوجد استحساناً وهو ان موقف القضاة لابد ان يكون قاصمة الظهر للنظام مثله مثل موكب اكتوبر الشهير وان يكون مثله يتحرك من امام دار القضاء وهذا لان موكب الاربعاء سيعقبه الخميس وعطلة الجمعه وستبرد قليلاً سخونة الموقف خاصة ا ن نميرى سيعود بالسبت والحركة الجماهيرية فى حاجة لقوة دفع جديده فى بداية الاسبوع وليس هناك افضل من موكب للقضاة فى هذا اليو م للتصعيد ضد النظام حتى سقوطه وبزوغ فجر نظام ديمقراطى يستحقه الشعب، وانفض الاجتماع على ان يتم اجتماع اخير يوم الخميس 4 اكتوبر لتقييم موكب الخميس ولوضع اللمسات الاخيره لموكب السبت….خرج اعضاء اللجنه من هذا الاجتماع وكل منهم مرفوع الهامه وضاء الجبين بعد ان سطروا بموقفهم هذا صفحات بمداد من نور فى تاريخ الوطن وبعد ان اضافوا صفحات ناصعة للدور الوطنى للقضاة فى كتاب التاريخ .
    فى يوم الاربعاء لم يفت القضاة المشاركه فى موكب التجمع فهذا شرف لابد من نيله, واعتلى حائط المحكمة المدنية بالخرطوم مولانا انور عز الدين (وهو من القضاة الذين يتدفقون حماساً وطنياً يفيض حتى يعم من حوله) ليعلن للجماهير باسم قضاة السودان تأييدهم للانتفاضة الشعبية ومساهمتهم فيها الذى سيتوجونه بموكب السبت الحاسم …وشق الهتاف عنان السماء يتردد صداه بين عمارات الســــــوق المحيطة …فوق فوق سودانا فوق…فوق فوق سودانا فوق..واتجهت المظاهرة هادرة وعلى راسها مولانا انور لتنضم للمظاهرة الام.
    اجتمعت لجنة القضاة فى مكتب مولانا تيتا صباح يو م الخميس فى داخل الهيئه القضائيه وتم تقييم موكب الاربعاء وكان الحماس فى داخل الاجتماع طاغياً وشارك فيه ممثلون من الاقاليم نقلوا تأييد القضاة فى الاقاليم للموكب ومشاركتهم. وقرر المشاركون ان يتم طبع بيان يتم توزيعه على وسائل الاعلام والجماهير, وان يشرف على طباعة المنشور مولانا عبد الله الحسن ومولانا حيدر مصطفى وبمساعدة الوطنيين من موظفى الهيئه القضائيه وكانوا كثر. وانفض هذا الاجتماع الاخير للجنة وخرج القضاة منه وهم لايدرون ان كان جمعهم هذا سيلتقى مرة اخرى ام سيستشهد منهم من يستشهد ويقبض من يقبض ولكن كل منهم متاكد تماماً ان النصر سيكون حليف شعبهم ..وماقيمة الارواح فى سبيل الوطن
    فى يوم السبت تحرك القضاة افراداً وجماعات نحو دار القضاء ولكن السلطه وفى حركة مذبوح قامت باغلاق الكبارى حتى تقطع الطريق على موكب القضاة واغلقت الشوارع حول دار القضاء ولكن قرر قضاة امدرمان ان يسيروا موكبهم من امام دار القضاء امدرمان وان يتجهوا فى موكبهم الى القصر الجمهورى وفعلاً احتشد القضاة رجالاً ونساءً ومعهم رفاقهم المحامين وتحركوا متجهين نحو الخرطوم وارتفع هتافهم (القضاه قضاة الشعب) (قسماً قسماً لن نتراجع) (الى القصر حتى النصر) وشق موكبهم شارع الموردة واستقبلتهم الموردة بزغاريد النساء وتصفيق الرجال ..وتصدت لهم الشرطة بالقنابل المسيلة ولكن لم يتراجع موكب يتقدمه القضاة …وعندما وصل الموكب سوق الموردة اعلن سوار الذهب انتصار الانتفاضة بانحياز الجيش للشعب.
    جاءت حكومة الانتفاضة لتكرم القضاة لمواقفهم الوطنية فاوكلت لهم حق اختيار رئيس القضاء فى ديمقراطية وسعت كل شئ, فاجمع القضاه على اختيار مولانا محمد ميرغنى مبروك وهو احد القضاة الوطنيين. وارسل المجلس العسكري الانتقالي العالي مشروع قانون الهيئه القضائيه للجنة القضاة ليجروا عليه التعديل الذى يرضوه ومعه جدول مرتبات القضاة المرفق مع القانون ليحدد القضاة مرتباتهم ..وكان قضاة ذلك الزمان مسكونين بحب الوطن وفى حالة هيام دائم به بدون الطمع فى اى مكسب مادي او منفعة وعندما اجتمعت لجنتهم وعدلت ماعدلت من القانون تحقيقاً لاستقلال القضاء ومن ذلك اسم الهيئه القضائيه الذى تم تعديله ليصبح السلطه القضائيه مثله مثل السلطه التنفيذيه والسلطه التشريعيه
    محمد الحسن محمد عثمان
    قاضٍ سابق



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518409&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 02:39 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الترابي يحارب المؤتمر الوطني من ثنايا افكاره الفقهية!!
    ==
    عادل عبده

    ولم يكتف الترابي بهذا النمط بل استخدم العقلية الميكافيلية في اتجاه ازالة جميع المفاهيم والصور السالبة عنه عندما انكبت عليه الوسائط الاعلامية في سياق محاورته لتسليط الضوء على افكاره التجديدة حيث استغل تلك السانحة المواتية وراح يتبرأ من مسؤولية اعدام محمود محمد طه ومجدي وجرجس وازاح عن نفسه ما حدث في محكمة ضباط رمضان ووصف ذلك بالابادة الجماعية ولم ينس الترابي القول بانه اعترض على فكرة انزال الشريعة الإسلامية بتلك الطريقة الهوجاء في عهد النميري!!



    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518704&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 02:40 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كوستي.. القصة والتاريخ

    نصر الدين شلقامي



    الأوائل.. قائمة الشرف



    هذه محاولة لرصد الأوائل فى المجالات المختلفة.. اولئك الذين كان لهم السبق فى ارتياد آفاق جديدة فى كوستي... وهي محاولة قد لا تسلم من السهو، وإن كنت قد تحريت فيها الاستقصاء ومقارنة المعلومات والبحث عنها فى مظانها... وهي قائمة الشرف لشخصيات ورموز فى المدينة، ورصد لمنشآت قامت وسبقت غيرها.



    · ونبدأ بأول ساكن للمدينة وهو الإغريقي كوستي موريكي.



    · أولى القبائل التى سكنت كوستي.. الفلاتة، العراقاب، الكنوز، والشلالية.



    · وأول الأحياء التي قامت حي فلاتة، حيث قام فى المنطقة الممتدة على النيل الأبيض فى شريط من الجنوب الى الشمال فى منطقة شمال استاد كوستي الحالي.



    · اول عساكر الرديف هم عساكر سودانية (11) اورطة وذلك فى عام1924م.



    · وأول مسجد تم بناؤه فى السكة الحديد 1911.



    · وأول امام لمسجد كوستي الشريف الحبيب، وأول خلوة لتعليم القرآن هي خلوة الفكي آدم دحيش.



    · وأول التجار فى كوستي: حميدة جامع، وكان سر تجار السوق- فضل الله بركة- عبدالكريم احمد- يعقوب سلمان، محمد علي حسن النور -يوسف بدري- الشيخ عبدالرحمن جميل- احمد كوكو -احمد عبدالقادر- الصديق علي- عبدالقادر علي- جعفر احمد- النور ابوقمزة- الخليفة مكاوي- احمد عباس- اسحق العباس- ابن عوف بشير الخير- محمد ود التوم (العمدة)- حسين يقاه -وحدو راجل- حسن عموري- محمد خير بشارة- عبدالقادر الشيخ- عثمان موسى- احمد تبيدي- ابو القاسم حماد- الشيخ المنصوري- عبدالرازق عثمان- الطيب علي طه- الفكي حسين حسن- الخير علي الخير- ابراهيم شلقامي- مصطفى مسند- بشير ابراهيم السيد- محمد الحسن العراقي- التجاني محمد خير.



    ** وفى الإدارة الأهلية:



    · أول ناظر للقبائل فى المنطقة المكي عساكر.



    · أول عمدة لكوستي العمدة محمد ود التوم.



    ** وفى السودنة والإدارة:



    · اول من سودن وظيفة مفتش مركز كوستي هو السيد عبدالله سر الختم، وسودن الإنجليزي مستر ستبس.. وكان أول مفتش انجليزي فى كوستي اسمه مستر ريقن.



    · السيد الرشيد ميرغني حمزة سودن وظيفة مفتش زراعة وذلك عام 1948م. والسيد ابو القاسم شطيطة سودن وظيفة مأمور ادارة القسم بالسكة الحديد عام 1953م وسودن الإنجليزي مستر مورقان.



    ومن الأوائل فى الإدارة شرف الدين محمد مساعد مفتش- امير الصاوي مساعد مفتش- احمد مكي عبده ضابط مجلس -عبدالرحمن لطفي مأمور- يوسف عبدالله ضابط اداري- محمد عبده ضابط اداري..



    ومن اشهر ضباط المجلس البلدي فى كوستي فى الستينيات:



    محمود حسين عثمان مأمور- الفاضل الشفيع ضابط المجلس الريفي –عبدالله الحسن الخضر مساعد ضابط المجلس الريفي-عبدالله عثمان العريفي مأمور –الجمري مأمور- خالد الزبير حمد الملك نائب مأمور- ابراهيم الصابوني ضابط مجلس بلدي.



    ** فى السكة الحديد:



    من الأوائل فى السكة الحديد فى الإدارة: عبدالله مسعود عبدالرحيم عربي- سيد احمد عمر –الطيب احمد مدني- محمد السيد عثمان، ابوبكر عللي رضا- احمد عبدالكريم ود راوه.. ومن اوئل نظار المحطة: يوسف احمد حامد مامور ادارة- وعبدالرحمن الماحي المدير الفني.



    · المهندسون: يوسف سكر، محمد على نور، ابوبكر علي رضا، ومحمد علي السنجاوي، يوسف الديب وحسين الدود مهندس الوابورات.



    · فى الأشغال: مبارك ضيف الله ولبيب رحمة الله.



    · فى الصحة:



    اول ضابط صحة التجاني عامر، يليه محمد على تاتاي.



    · مفتشو مراكز كوستي بالترتيب: عبدالله سر الختم- عباس بابكر- محمد عبدالكريم- عباس وإدريس بخاري.



    · الحكام العسكريون بالترتيب:



    عبدالرحيم سعيد- عبدالبديع علي كرار -محمد الخضر عبادي.



    * مهندسون في القطاع الخاص:



    محمود محمد طه، علي سعيد صبره، عبدالرحيم الحسين الطيار، احمد مالك، عبدالله شداد، وهو المهندس الذي اشرف على بناء سينما كوستي ومسجد كوستي الكبير ومدرسة البنات الثانوية.



    * التعليم:



    الشيخ علي عبدالرحمن الأمين رئيس اول لجنة للتعليم الأهلي فى كوستي.



    * اول مدرسة ابتدائية المدرسة نمرة واحد، وأول ناظر للمدرسة الشيخ صالح عوض الله.



    · اول مدرسة متوسطة فى التعليم الأهلي مدرسة كوستي الأهلية الوسطي تأسست عام 1946م وأول ناظر لها السيد الطيب عبدالله يعقوب.



    · يحيى حسين اول ناظر لمدرسة التجاني المتوسطة.



    · المعلمون الأوائل:



    الشيخ صالح عوض الله اول ناظر للمدرسة الابتدائية نمرة واحد- الطيب عبدالله اول ناظر للمدرسة المتوسطة الأهلية- يحيى حسين عثمان علي بشير اول ناظر لمدرسة تحت الدرجة 137 التى سميت فيما بعد بمدرسة جبورة- ابراهيم مرزوق من نظار المدرسة نمرة واحد- مصطفى جبور- الشيخ محمد الطيب قمر الدين (التعليم الديني)- الخليفة عرمان محمد (التعليم الديني)- الشيخ مصطفى الحسن صلاح (التعليم الديني)- هارون عبدالحليم، احمد الشاذلي الطاهر- الرشيد حمزة كوكو (تعليم التمريض)- شمس الدين عبدالله (التعليم الريفي)- الأمين الخضر الضرير- الخير ساتي، الشيخ عمر الحسن- عبدالجابر احمد- حامد محمد الماحي- سعيد الحسن محمد خير- محمد احمد خلف الله- عمر محمد ابراهيم- محمد العجب احمد- حسن محمد احمد- عبدالرحمن خلف الله ونور الدين عثمان وونجت برسوم وعلي صالح عملوا نظارا للمدرسة الثانوية بنين (القوز).



    · المعلمات:



    افندية منصور، حلوة احمد تبيدي، حليمة ابراهيم، زهراء الحاج، الرضية حسن وآمنة قرندة.



    * الأطباء:



    ومن الأطباء الأوائل فى كوستي الدكتور امان الله الهادي، عبدالرحمن فراج، محمد سعيد ابوعيسى، عبدالرحمن عتباني، جرجس عياد اسكندر، منصور عبدالحميد، الهادي النقر، حسن الحكيم، زين العابدين ابراهيم الشاعر، التوني، فاورق الختام، علي ابراهيم مصطفى، ابوحسن ابو صلاح، عبدالرحمن علي طه، عبدالله دسوقي وأحمد حسن آدم.



    * التمريض: الرشيد ميرغني حمزة اول مدرسة للتمريض بكوستي، بدوي زكريا، محمد صديق، عثمان الفكي اشتهر بعمليات الختان، هاشم محمد صالح، الحاج محمد الحاج، عوض الله يوسف، النور عبدالتام، الطاهر احمد الناير، محمد بشير، احمد سعيد، السر عمر، عثمان فضايلو.. والمساعدون الطبيون: عبدالحميد كاب الرفيق، عمر محمد عثمان، محمد سعيد المنصوري.



    * قابلات:



    ستنا بت بشارة، نفيسة خير السيد، خديجة هارون، نورة سليم بت عبدالهادي، آمنة معتصم، فاطمة محمود.



    * قانونيون:



    القضاء: عبدالرحمن النور، ابورنات، مهدي عبدالقادر شريف، الفاتح عووضة، توفيق عبدالمجيد، الطيب محمد سعيد العباسي، عبدالمحمود صالح، عبدالعزيز شدو.



    * المحامون: محمد عثمان العراقي، يحيى محمد ابراهيم وإبراهيم محمد الشيخ.



    * سابقة



    فى كوستي قضية سياسية شهيرة حوكم فيها معلمان بالمدرسة الأهلية الوسطي بالنفي خارج كوستي فى اول سابقة من نوعها وهما شاكر مرسال والطاهر عبدالباسط وذلك عام 1956م.



    * اجتماعيات



    البوستة



    عن مكتب البوستة فى كوستي يقول موسى عبدالله موسى الموظف بالبوستة كوستي فى الفترة 55-1958م.. لقد كانت البوستة معلما من معالم المدينة وتعد من اهم المرافق، ولها دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الكبير، فهي حلقة وصل بين المدن وبقية القطر والعالم... وخدماتها كثيرة فى التلغراف، والتلفون (الكول بوكس) والأرصاد وصناديق البريد. وكانت عربة البوستة فى القطار ذات اهمية وشهرة حتى وقت قريب.. والصحف والكتب كانت تصل عبر البوستة وتحويلات العملة لخارج السودان والتوفير. وأذكر ان مدير البوستة كان السيد حسن بليلة، وهناك من الموظفين الذين عملوا فى بوستة كوستي: محمد عمر، محمد حسن النور، عبدالله ابوشنب، فضل الله الساعي، الطيب حسن كرم الله، فيصل سيد بشير، شيخ ادريس الجاك، حسن بابكر، احمد دفع الله، حسن مهدي وخضر سنجر.. وكنا 6 اشخاص ندير عملا كبيرا فى مجالات مختلفة فى الأرصاد والتلغراف وقياسات الأمطار وعمليات التحويل والبريد والتسجيل وصرف العملة.



    وكانت هناك بوستة بالباخرة عن طريق النيل من كوستي والقطينة، وبوستة جوبا من كوستي بحيث تغطي كل جنوب السودان وذلك عن طريق النقل النهري.



    الكثير من الأحداث المهمة عبرت عن طريق البوستة... وكثير من المناسبات الاجتماعية كانت تمر عبر صناديق البوستة والتلغرافات، وكان لموظفي البوستة علاقات واسعة بكافة قطاعات المجتمع؛ اذ يتعامل الجميع مع هذه المؤسسة المهمة التى تربطهم بها مصالح مختلفة اقتصادية واجتماعية وثقافية.



    * الجاليات



    فى كوستي عاشت العديد من الجاليات اندمج افرادها مع اهل المدينة وصاروا جزءا منها...



    الجالية اليونانية فى الخرطوم امدتني بهذه الأسماء وأوردت الاسم الكامل لليوناني الساكن الأول فى كوستي وهو كونستا نتينوس موريكسي، وهو الذي اخذت المدينة اسمه (كوستي)... ويقول اليوناني الأصل بيتر، الذي ما يزال يعمل فى مدينة كوستي، ان اسم كوستي هو ما نسميه (باسم الدلع) للاسم الأصلي (كونستا نتينوس)... وأنطونيوس قونارو بولوسي، وأنطونا كيس سارانديس، وهو من التجار الأوائل فى كوستي، وأتاناسو بولس وديمترس، وكان يعمل فى مجال المقالات، والفازانسي خريستس وكان يعمل خبازا.. وهناك عدد من الأغاريق منهم: بنيوتي بنيوتي ماماكوس، سفيلوبورس، بنيوتي انتناكس.. وهناك مستر فيدو وهو قبرصي وأبونجمة قرقوري.. ومن الأقباط افلاديوس ومغاريوس والكبشين وجميعهم عملوا فى التجارة وأدخلوا بعض الصناعات فى كوستي.



    ومن الهنود اشتهرت اسماء الهندي قلابشند لخمشند وقلبجي رايشند كوتيشا، ولقد كانت صلتهم قوية بكوستي حتى ان الهندي قلبجي طلب عندما يموت ان يدفن فى مدينة كوستي.



    ** منوعات:



    · نساء علمن فى التجارة: بت المنا زايد والحاجة ام قصة وماقة بنت النور.



    · آمنة بن نورين: كانت تقوم بعمليات الشلوخ.



    · اول شيخ للرديف 1911م: شيخ فرح محمد جدع.



    · اول طاحونة: البريقدار- وأسسها حمد البريقدار بالمشاركة مع الإغريقي طناش بدرس.



    · اول معاصر للزيوت (العصارات بالجمال): جعفر احمد والنور ابو قمزة.



    · اول مكتبة فى المدينة لأحمد مكي مدني اسماها مكتبة (الشعب).



    · اول لوكاندة: الحاج مكاوي (لوكاندة كوستي)، وكانت ناديا للعمال.



    · اول قهوة- للأستاذ عبدالرحمن قرندة.



    · اول حلواني-عكاشة حسن.



    · اول مصنع للثلج- للإغريقي بورس وإخوانه.



    · اول مطبعة فى كوستي- اسسها وهبة بركات باسم مطبعة (النيل الأبيض).



    · اول عيادة خاصة- اسسها الدكتور جرجس عياد اسكندر.



    · اول مخازن للأدوية (صيدلية)- اسسها عيسى الطاهر ومحمد صديق.



    · حسن وسليمان وعوض ابومرين- اول من عملوا فى تجارة الأدوات الرياضية، والأسلحة والعطور وصدروا الماشية الى مصر.



    · كاتب الزريبة (البورصة)- عبدالحليم موسى.



    · احمد قسم السيد- اول من ادخل صناعة الطوب والكمائن.



    · وحدو راجل وأولاد داود اول من عمل مع الخواجة كوستي فى التجارة.. وكان واحدو راجل له ورش لصناعة الأحذية.



    · الدكتور جرجس عياد اسكندر اول من انشأ مزرعة للأبقار ويوزع في كوستي انتاجها من الألبان المبسترة.. وكانت الألبان معبأة فى زجاجات انيقة، وكان ذلك فى الخمسينيات.



    · اول من عمل فى تجارة الذهب الصاغة اولاد مصري- حاج تبيدي- يوسف وإسماعيل زكريا- عبدالله فضل الله والشريف حبيب الله.



    · الفلاحون المصريون فى كوستي:



    استقر فى كوستي عدد كبير من الفلاحين المصريين، ويرجع ذلك الى العم المرحوم مبارك جعفر، فهو الذي جلب هؤلاء الفلاحين من مصر وأدخلوا زراعة العديد من الخضروات مثل الجزر والبنجر والخيار والخس والبقندوس واللفت والشمار والكروم والقرنبيط.. ولم تكن تلك الخضروات معروفة للسودانيين فى ذلك الوقت وأصبحت مدينة كوستي منتجة لهذه الأنواع من الخضروات كأول مدينة فى السودان.



    ولا بد من كلمة تقال حول هذا الجانب الذي اردنا من خلاله ان نوثق بعض الأسماء فى ريادتها لبعض المجالات، ونستطيع ان نجزم اننا لم نستقصِ كافة المجالات ولا كل الأسماء والشخصيات وإنما القيمة الحقيقية ان نستطيع فى كتاب يؤرخ لكوستي ان نسجل بعض الأسماء وبعض الرموز فى تاريخ المدينة، وهذا هو القصد.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521084&bk=1
    ____________
                  

04-22-2008, 02:41 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كَابُوسُ أَبيلْ!

    كمال الجزولي



    الثلاثاء:
    قلنا قبل ذلك ، ولا نملُّ التكرار ، إن النخبة الحاكمة الآن ظلت ، لعشرات السنوات ، تتسمِّي بـ (الحركة الاسلاميَّة) .. هكذا (بالألف واللام)! والمعنى أنها (وحدها) على صحيح (الدِّين) في (السياسة) ، وما عداها (باطل) ، بل (كفرٌ) بواح! ومن بواعث ورم الأنوف لدى هذه النخبة وأتباعها أن يوصفوا بـ (الاسلامويِّين) ، حيث (الواو) لزعم نسبتهم لأنفسهم إلى (الاسلام)! ومع دقة هذه الصِّيغة في الميزان المعرفي ، وتواضعها إزاء (الدِّين) نفسه ، كون (الدِّين) هو كلمة الله في مطلق عليائه ، بينما الانتساب إليه هو (التديُّن) الذي أقصاه نسبيٌّ لا يكاد يتجاوز اجتهاد العبد في اكتساب مرضاة ربِّه ما وسعته بشريَّته على قصور حيلتها ، إلا أن هذه النخبة وأتباعها لا يرضون ، لأسباب سياسيَّة بحتة ، بأن يوصفوا بأقل من (كلِّ) التماهي في كلمة الحقِّ التامَّة ، و(منتهى) التطابق مع القيمة الدينيَّة المطلقة ، أي الصواب (الدِّيني) الكامل الذي لا يأتيه (الباطل) من بين يديه ولا من خلفه!
    المفارقة الصارخة تتجلى هنا في اصطدام هذا الزعم بغلبة الطابع (التعدُّدى) على (الصَّفِّ) نفسه الذي يدَّعون (توحُّده) إزاء مفهوم (التديُّن بالسياسة) بمصطلح الترابي! يصدق هذا على (جماعتهم) ، مثلما يصدق ، بالضرورة ، على (جماعات) أخرى كثيرة تصف نفسها ، أيضاً ، بـهذه الصِّفة ، كصُنَّاع المتفجرات يخزِّنونها ليوم كريهة يستعجلونه ، زاعمين ، هم كذلك ، امتلاك الحقيقة الدينيَّة كاملة غير منقوصة!
    ولولا شحَّ النفس لكان من الممكن لهذا (التعدُّد) أن يبدو منطقيَّاً تماماً ، بالنظر إلى غياب أيِّ نصٍّ قطعىِّ الورود والدلالة يفصِّل نظام حكم (اسلاميٍّ) محدَّد ، وبالنظر ، كذلك ، الى (تعدُّد) الفهوم المفضى إلى (التدافع) الذي هو في الاسلام بعض (سُنن) الكون في الطبيعة والاجتماع "ولن تجد لسنة الله تبديلا" (62 ؛ الأحزاب) ، "ولو شاء ربك لَجعل الناس أمَّة واحدة ولا يزالُون مختلفين" (118 ؛ هود). وفى تفسير ابن كثير: "ولا يزال الخلف بين الناس فى أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم". فقد اختلف الخوارج مع علىٍّ يوم صِفين. وقبله اختلف المسلمون يوم (السقيفة) فانقسموا إلى (أنصار) و(مهاجرين). وانقسم الأنصار إلى (أوس) و(خزرج). وانقسم المهاجرون إلى (مبايعين) و(مغاضبين) مع الكرار لا يبايعون. ووقع الخلاف لاحقاً بين علىٍّ وعائشة. ثم بينه وبين معاوية. وقبل ذلك بين عثمان وبعض الصحابة والجمهور مما أفضى إلى قتله. وتعدَّدت المذاهب الفقهيَّة والاتجاهات العامَّة للفرق ، كالسلفيَّة والصوفيَّة والمعتزلة والمحافظة والعصرانيَّة ..الخ ، ووقع الانقسام التاريخى إلى سُنة وشيعة ، وعموماً يكاد الصراع على السلطة يسِمُ مجمل تاريخ الدولة الاسلاميَّة منذ انقلاب الخلافة الراشدة إلى ملك عضود ، حتى قال الشهرستانى أن سيوف المسلمين ما سُلت كما سُلت حول الحكم!
    وفى التاريخ الحديث توزع الاسلامويُّون إلى جماعات متناحرة ، حدِّ الدَّم أحياناً ، تدَّعي كلٌّ منها أنها وحدها (الناجية)! وفى السودان أفضى الخلاف لانقسام أوعيتهم بين جماعات يصعب حصرها. وذلك ، في حقيقته ، انعكاس لاختلاف زوايا النظر (المتعدِّد) إلى الاسلام (الواحد) ، وإلى القضايا الدنيويَّة التي تنطرح على صعيد السياسي. فتباينت رؤاهم بشأن الاقتصاد ، والتشريع ، والرسم ، والمرأة ، والدستور ، والتصوير ، والموسيقى ، والرقص ، والحجاب ، والغناء ، والنحت ، والاختلاط ، والمواطنة ، والحريات ، والديموقراطيَّة ، والشريعة ، والتعليم ، والقضاء ، والانقلابات ، والأحزاب ، والمعازف ، والدفوف ، والحرب والسلام ، والعلاقات الخارجيَّة ، وحقوق الانسان ، ومعاملة غير المسلمين .. الخ. ومع أن هذه (التعدديَّة) سُنة ثابتة ، إلا أن مشكلتهم هي عدم اعترافهم بها ، رغم أنها ما تنفك تفعل فعلها فى حركاتهم نفسها ، فتأمل!
    ومع تزايد أسئلة الواقع المتناسلة ، أضحت مقاربة (التعدُّد) باتجاه تحمُّل (الرأي الآخر) احتياجاً ملحاً لهذه الحركات نفسها ، دَعْ غيريَّة (الآخر). (فالتعدُّد) مفهوم موضوعي قائم ، إعترفنا به أم لم نعترف ، وهو وثيق الصلة بمفهوم (التدافع) القرآنى عند المسلمين "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (251 ؛ البقرة) ، بل ولولا (التعدُّد) ، أصلاً ، لما أمكن تصور هذا (التدافع) عقلاً! على أن من فساد الرأي ، يقيناً ، تصوُّر هذا (التدافع) لا يكون إلا حرباً يشنها الجميع ضدَّ الجميع ، يصنِّعون لأجلها القنابل ويخزِّنون المتفجرات! ولئن كان الفكر السياسي الغربي قد عالج مفهومي (التعدُّد) و(التدافع) ضمن موضوعة (الديموقراطيَّة) ، فالكثير من المفكرين الاسلامويِّين المعاصرين يبدون تقديراً طليقاً لهذا الضرب الوضعي من المعالجات على قاعدة الحديثين الشريفين: "الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها" ، و"ما أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به". هكذا يشدِّد محمد الغزالى على أن ".. النقل والاقتباس فى شئون الدنيا وفى المصالح المرسلة وفى الوسائل الحسنة ليس مباحا فقط ، بل قد يرتفع الآن الى مستوى الواجب" (دستور الوحدة الثقافيَّة بين المسلمين ، ص 182). ومرشد الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة يحرص أيضاً على الحثِّ على الانتخابات الديموقراطيَّة "كواجب دينى" (قنوات ووكالات ، 8/1/2000م). والصادق المهدى يؤكد أن "الاسلام يوافقها (أى الديموقراطيَّة) فى خاماتها المبدئيَّة ، ولكنه لا يفصِّل نظاماً ديموقراطياً محدَّداً ، ويترك ذلك لظروف الزمان والمكان" (أحاديث الغربة ، ص 3. وعبد الله النعيم ، أحد أنجب تلاميذ محمود محمد طه ، يرى ".. أن الحاجة لتحمُّل تعدُّد الرأى .. تجعل الليبراليَّة الاسلاميَّة مهمَّة .. للحيويَّة الدينيَّة للاسلام نفسه بالاضافة إلى التطور السياسي والاجتماعي .. أى أن المنطق الدينى للتحمُّل سوف يؤدى إلى تقدير أفضل للتعدديَّة كواقع حياة" (ضمن: الديموقراطيَّة فى السودان ، حيدر ابراهيم "ت" ، مركز الدراسات السودانيَّة ، القاهرة 1993م ، ص 242). بل لم يعد من النادر أن نقع على ذات المعنى حتى فى انتباهات بعض الرموز المنشقة عن النخبة الحاكمة نفسها ، حيث يؤكد عبد الوهاب الأفندي ، مثلاً ، أن "الديموقراطيَّة الحديثة .. نقلة نوعية فى ابتداع الوسائل العمليَّة لتحقيق الاهداف التى ظلت المجتمعات الانسانيَّة تسعى لتحقيقها .. لكن .. الحركات (الاسلامويَّة) لم تطوِّر فكرها لاستيعاب هذا التحوُّل ، و.. (قادتها) .. يتبعون سنة بعض الخلفاء الذين .. يقرِّرون نيابة عن الله تعالى ، وليس نيابة عن .. الشعب .. حتى يفاجأوا بثورة عارمة .. فالاستبداد .. لا يختلف فى نتائجه ، لكون المستبد يدَّعى أنه مفوَّض من السماء .. وإذا لم تنجح الحركات الاسلاميَّة فى حسم هذه المسألة ، فإنها .. قد تصبح .. وبالاً على الاسلام" (الوفاق ، 18/1/2000م).
    أين يختبئ القنابليُّون التفجيريُّون؟! هذا سؤال الشرطة! أما من أين وكيف ولماذا جاءوا ، فتلك أسئلة الحراكات الفكريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة التي يتوجَّب عليها تعقب جذور هذه الضلالات. وقد لا نحتاج لأن نذهب بعيداً ، فأدناها إلينا سنوات نظام (الانقاذ) التي شهدت صعود وانكسار مشروع النخبة الاسلامويَّة الحاكمة تحت عنوان (المشروع الحضارى). وليس أبلغ في إيجازه من قول أحد أبرز قادته آنذاك ، وكان تولى وزارة الثقافة والاعلام: "عندما أسمع كلمة تعدديَّة أو حزبيَّة فإننى أتقزز ، وأشعر بقشعريرة ، وأتحسس جنبتى بحثاً عن حجر أرميها به!" (العميد الطيب ابراهيم ؛ أخبار اليوم ، 5/4/1998م). وذاك نموذج حىٌّ لاشتغال العقل الباطن ، فوزير (الانقاذ) قد استبطن ، ولا بُد ، الاعجاب بقول سئ الذكر غوبلز ، وزير هتلر وساعده الأيمن: "كلما سمعت كلمة (ثقافة) تحسَّست مسدسى"!
    أصل الخلل ، إذن ، ناشب في أصل هذا (المشروع) الذي انطلق ، ابتداءً ، من فوهات بنادق إسلامويِّي نظام (الانقاذ). ومحاربته ، الآن ، لا تكون بالشرطة وحدها ، وإنما ، في المقام الأوَّل ، بإطلاق طاقات المجتمع الحيَّة كافة صوب التحوُّل الديموقراطي الحقيقي .. لا الشكلاني!



    الأربعاء:
    في عموده البهي (قولوا حسناً) كتب صديقي محجوب عروة ، رئيس التحرير ، يُحيِّي الجيش في عيده ، ويُصَدِّر كلمته بما أثار شجناً قديماً لديَّ ، قائلاً: "لست عسكريَّاً ، ولكني عشت أجواء العسكريَّة أسريَّاً" (السوداني ، 15/8/07). أنا أيضاً ذلك الرجل ، فقد كان والدنا ، عليه الرَّحمة ، ضابطاً في الجيش بدأ حياته متطوِّعاً في قوة دفاع السودان ، وعاد من معارك الصحراء الغربيَّة بجراح غائرات في ساقيه ، مثلما في قلبه ، برغم النصر ، جبال من الخذلان والأسى جرَّاء تنكر بريطانيا لوعدها لشعوب المستعمرات بالاستقلال حال مؤازرتها الحلفاء في الحرب ، فتمَّ ، بدلاً من ذلك ، تسريحه في إطار تقليص قوة الدفاع نفسها ، لينخرط في العمل (الملكي) والنشاط (المدني) حتى جاء الاستقلال عام 1956م ، فأعيد استيعابه في الجيش ليبقى فيه حتى تقاعده عام 1979م. وهكذا اشتبكت حياتنا الأسريَّة ، نحن أيضاً ، بطقوس العسكريَّة ، وأعيادها ، واحتفالاتها ، وبأجواء القشلاقات ، في العاصمة كما في الأقاليم.
    غير أن ما استوقفني في كلمة عروة بوجه مخصوص قوله: ".. حسب إفادة موثوقة ، إن ضباط القوَّات المسلحة وقيادتهم هي التي كانت العامل الحاسم في إعلان الاستقلال من داخل البرلمان .. لقد اشترط الضباط السودانيُّون أن تقبل بريطانيا باستقلال السودان مقابل اشتراكهم في حربها ضد قوَّات ألمانيا في شمال أفريقيا". ورغم أنني لا علم لي بالمصدر الذي لم يُفصح عنه الكاتب ، بل ولا أجد ، مع احترامي ، مسوِّغاً لعدم إفصاحه عنه ، إلا أنني أرى ، على كلٍّ ، أن ثمَّة ما يستوجب الضبط في هذا القول الذي يجحد الحركة الوطنيَّة المدنيَّة حقاً مستحقاً. وقد أكون مخطئاً ، فأدعو أهل العلم للافتاء ، حذر أن يُحسَب الأمر في حق الصديق الكاتب المرموق ، أو في حقي ، كمغالطة تاريخيَّة حول شأن شائع في كثير من المصادر المنشورة.
    مبلغ علمي المتواضع ، أن وعد المستعمرات بالاستقلال بعد الحرب كان عامَّاً لم يُوجَّه للسودانيين خاصَّة ، وقد انطرح ، أصلاً ، كمبدأ سياسي ضمن (ميثاق الأطلنطي) الذي أبرمه تشيرشل وروزفلت في 14/8/1941م (أنظر مثلاً: عبد الرحمن الرافعي ؛ في أعقاب الثورة المصريَّة ، ج 3 ، ط 2 ، 1989م ، ص 166 ـ عثمان حسن احمد ؛ ابراهيم احمد (1900 ـ 1988م): حياة إنسان بين الأصالة والتحديث ، 1992م ، ص 31 ـ فيصل عبد الرحمن علي طه ؛ الحركة السياسيَّة السودانيَّة والصِّراع المصري البريطاني بشأن السودان (1936 ـ 1953م) ، ط 1 ، دار الأمين ، القاهرة 1998م ، ص 146 ـ محمد سعيد القدَّال ؛ تاريخ السودان الحديث (1820 ـ 1955م) ، ط 2 ، مركز عبد الكريم ميرغني 2002م ، ص 475).
    ويذكر القدَّال أن (ميثاق الأطلنطي) فجَّر بذلك دعوة أمسكت بتلابيبها حركات التحرُّر في المستعمرات ، فتصاعد كفاح حزب المؤتمر الهندي ، مِمَّا أرغم بريطانيا على إرسال وزيرها سير كربس للتفاكر معه ، لكنه تمسَّك بالاستقلال الفوري ، فاندلعت الاضطرابات التي اعتقل في إثرها غاندي ونهرو وأبو الكلام أزاد. كما أن حزب الوفد المصري جاء للحكم في فبراير 1942م ورفع ، أيضاً ، مطلب الاستقلال. وفي ذلك المناخ تقدَّم ابراهيم احمد رئيس مؤتمر الخريجين بمذكرتهم الشهيرة في أبريل 1942م ، وفي أوَّل بنودها المطالبة بالتصريح المشترك من الحكومتين الانجليزيَّة والمصريَّة بمنح السودان حق تقرير المصير بعد الحرب ، وإحاطة ذلك الحق بضمانات تكفل التعبير عنه بحريَّة تامة. وفي طريق عودته مرَّ سير كربس بالسودان ، والتقى بالصحفيَّين أحمد يوسف هاشم واسماعيل العتباني ، ثمَّ التقى بالسكرتير الاداري نيوبولد ونصحه بالتفاهم مع مؤتمر الخريجين (ص 475 ـ 476).
    ويورد فيصل طه أن سير كربس قال خلال لقائه بالصحفيَّين السودانيَّين إن ".. السودان يلعب دوره في المجهود الحربي جيِّداً ، وإن هذا سيكسبه مكاناً في العهد الجديد الذي نأمل أن نراه في العالم عندما نفرغ من قوى الشر". ووصف أحمد يوسف هاشم تصريح كريس بأنه "أوَّل تصريح عن الدور الذي لعبه السودان في الحرب ، وعمَّا سيجنيه من ورائه" (ص 148).
    ويقول عثمان حسن احمد أن مبعوث تشيرشل كان متوقعاً أن يتوقف في الخرطوم في طريقه إلي الهند ".. فتقدَّم أحمد يوسف هاشم بفكرة المذكرة في جلسة اللجنة التنفيذيَّة .. يوم 17 أبريل 1942م" ، وفي مقدِّمة بنودها المطالبة بالتصريح المشترك "عن مصير السودان كما نريده والاشتراك في الحكم بالصورة التي نرضاها" (ص 31).
    وحتى شيخ الدين البشيري (الجنيدي) ، ضابط الصَّف بقوَّة دفاع السودان ، أثبت في مذكراته أنه ، بعد ما استبانت التهديدات الايطاليَّة لشرق السودان ، فتحت مراكز التجنيد للشباب ، فهرع ملبِّياً نداء الوطنيَّة ، وبدأ التحرُّك لمناهضة الفاشيَّة ، كما شرع المثقفون في توعية الشعب بمصير السودان بعد الحرب ".. وكانت هذه الفكرة تمهيداً لمذكرة مؤتمر الخريجين الشهيرة التي رفعها .. ابراهيم احمد في 1942م" (مذكرات الجنيدي ، بدون تاريخ ، ص 51).
    ونشير ، أخيراً ، إلى قصيدة صلاح احمد ابراهيم (الجندي المجهول) في ديوانه (غابة الأبنوس) الصادر عام 1957م ، حيث أبرز مسألة (الوعد العام) في (ميثاق الاطلنطي) ، بقوله:
    "في تلك الأيَّام تطوَّعنا/ ورَضينا ذلَّ الجُنديَّة/ مَنْ أخلصَ للحُلفاءِ أوانَ الشِّدَّةِ سَوفَ ينالُ الحُرِّيَّة!/ ومَضَينا نحلمُ بالحُرِّيَّةِ للسُّودانْ/ في كفرَة .. في الصَّحْراءِ الغَرْبيَّةْ"!
    ويفتح صلاح هامشاً يشرح فيه أنه: "من أجل هذا الوعد عبَّأ مؤتمر الخرِّيجين .. الشعب لخدمة المجهود الحربي للحلفاء ، وقد تنكر المستعمرون لوعدهم ، ولولا تفاقم حركة الشعب وعوامل أخرى لظلَّ السُّودان تحت سيطرتهم". ثم يختتم قصيدته قائلاً:
    "وقضَى الحُلفاءُ على القوَّات النَّازيَّةْ/ وعلى وَعْدٍ في الشِّدَّة مَدُّوهُ في كُلِّ مكانْ/ مَنْ أخلصَ للحُلفاءِ أوانَ الشِّدَّة سَوفَ ينالُ الحُرِّيَّةْ/ لمْ يَبْقَ لدينا منه ومِن عُثمانْ/ لمْ يَبْقَ سِوى اللفظِ المَعْسُولْ/ ورخامٍ مُنتَصِبٍ مَصْقولْ/ أسْمَوْهُ: الجُّندي المَجْهُولْ"!
    ويومئ بذلك إلى النصب الذي أقامته الادارة البريطانيَّة ، بعد الحرب ، تخليداً لشهداء العسكريَّة السودانيَّة ، وكان ، حتى إزالته غير المبرَّرة ، قائماً إلى الشمال من البوَّابة الرئيسة للسِّكة حديد بالخرطوم ، وإلى الجنوب الشرقي من كليَّة الطب.



    الخميس:
    عندما كتبت أستحث النقاد ، في رزنامة 17/7/07 ، أن يفتضوا لنا مغاليق التوافق بين إحالات عبد الحي في قصيدته (الشيخ اسماعيل في منازل الشمس والقمر) ودان براون في روايته (شفرة دافنشي) إلى (الكوكب) و(المرآة) و(الوردة الالهيَّة) و(الكأس المقدَّسة) ، قلت لنفسي: لو استجاب واحد فقط فسيكون ذاك صديقي الناقد الصَّيرفي والباحث المدقق عبد المنعم عجب الفيا. وبالفعل لم يخيِّب ظني ، فبعث إليَّ ، لا جاء يوم شكره ، بإضاءة رصينة من مقرِّه بالامارات ، يقول فيها:
    (مصادر إلهام عبد الحي ، كما يبدو من عنوان القصيدة .. صوفيَّة. فالمعروف أن الشيخ اسماعيل صاحب الربابة من كبار المتصوفة في عهد السلطنة الزرقاء. وقول عبد الحي: "الجَّسدُ مِرآةُ الكَواكِبِ" فيه استدعاء لقول أحد الصوفيَّة مخاطباً الانسان: "وتزعُم أنك جُرمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوَى العالمُ الأكبرُ". فالانسان مستودع الاسرار الإلهيَّة ، كأنما جَسَد الانسان هو المرآة التي تعكس أسرار الوجود. وفي الحديث القدسي: "كنتُ كنزاً مَخفياً ، فأحببتُ أنْ أعرَفَ ، فخلقتُ الخلقَ ، فبي عرفوني". كأنما الخليقة مرآة الخالق ، والكواكب مقامات في المعارف الصوفيَّة.
    أما قول الشاعر: "الوَرْدَةُ الإلهيَّة تتفتحُ في رَحِم العَذرَاء" ، فالعذراء هنا ليست بالضرورة إشارة الى عذراء بعينها ، وإنما رمز عام إلى سرِّ الحياة الذي أودعه الله في المرأة/الأرض . ولكن الصورة لشاعريَّتها الغنيَّة تتسع وتشعُّ وتشِي بظلال لا تنتهي من الايحاءات والاستدعاءات. من ذلك أن الوردة الإلهيَّة التي تتفتح في رَحِم العذراء يمكن أن تكون هي كلمة الله التي ألقاها الروح القدس إلى مريم "التي أحْصَنَتْ فرجَها فنفخنا فيه من رُوحِنا". في هذا السياق الوردة الإلهيَّة هي كلمة الله: "يبشركِ بكلمةٍ مِنه اسمُه المسيح". الوردة هنا تشير إلى المسيح ، ولا تشير إلى نسل من المسيح نفسه كما تعتقد جميعة سيون السِّرِّيَّة. وهكذا يمكن قراءة القصيدة بعيداً عن عقائد تلك الجمعيَّة وافتراضات مؤلف رواية (شفرة دافنشي).
    وعن رمزيَّة (الوردة) يقول عبد الحي في كتابه (الرؤيا والكلمات): "في الأدب الصوفي لم تزل قصة الوردة التي يسقيها البلبل ، عاشقها ، من دمه رمزاً من رموز الحُبِّ وقوة الجمال ، إنها قصة فناء الروح العندليب العاشق في وردة المحبوب ، كاحتراق فراشة الرُّوح في نار الجمال الجوهري". ويصور عبد الحي ذلك شعراً في قصيدة (في الحلم رأيت سعدى وحافظ) ، من ديوان (حديقة الورد): "النارُ وطنُ العُشَّاق يتفتحُ في قلبِ الظلمة/ في شُجَيْرَةِ الليل حيثُ السَّمَندَلُ والفراشَة شئٌ واحِد/ زهرَة ناريَّة في الليل الأبَدِيِّ"!
    واحتراق السمندل ، أو فناء العندليب العاشق في نار الجمال الجوهري ، إشارة إلى فناء الروح ، أو الذات الشاعرة ، في عشق أصلها الإلهي الذي انفصلت عنه بالسقوط في الزمن بالتجربة ، وحلمها باستعادة الاتصال ، والاتحاد بعالمها الفردوسي الأوَّل. وفي إشارة إلى ذلك الحلم يقول عبد الحي في قصيدة (الفجر أو نار موسى ـ حديقة الورد):
    "زرافة النار ترعَى النعنعَ القمريَّ بين الجِّبال/ وديكُ الفجر مقتولٌ/ صَحراؤك احترَقتْ ليلاً عنادِلها/ في حُلمِك البَشَري/ والوردُ مِن دَمِك المذبوح مَعلول"!
    وهنا يتماهى السَّمندل مع (زرافة النار) و(ديك الفجر) و(العنادل) ـ جمع عندليب ـ المحترقة بنار موسى. والنار ترمز في الأدب الصوفي إلى تجلى الذات الإلهيَّة: "فلمَّا قضى موسى الأجَل وسارَ بأهله أنِسَ من جانبِ الطور ناراً قال لأهلِهِ امكثوا إنِّي أنِستُ ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوةٍ مِن النار لعلكم تصطلون فلمَّا أتاها نودى مِن جانِبِ الوادي الأيمَن في البقعةِ المُبارَكةِ من الشجَرةِ المُبارَكةِ أن يا مُوسَى إنِّي أنا اللهُ رَبُّ العالمين" (القصص ، 29 – 30).
    أما أسطورة الكأس المقدسة التي كان يعتقد أنها مسيحيَّة خالصة تمثل الكأس التي استعملها المسيح في العشاء الأخير ، واختفت بعد صلبه ، والعثور عليها يمثل العثور على سرِّ الحياة الأبديَّة ، فقد أثبت جيمس فريزر ، في مؤلفه فائق القيمة (الغصن الذهبي ، 1871م) ، أن جذور أسطورة الكأس المقدَّسة ترجع إلى الشعوب البدائيَّة الوثنيَّة ، وهي ترمز إلى طقوس الخصوبة التي كانت تمارسها تلك الشعوب ، ويقول إنها تدلل على علاقة الأديان بهذه الطقوس. وقد أوجد فريزر وشائج بين الكأس المقدسة وأساطير الاغريق والشرق الادني ، مثل افروديت وعشتار وتموز (أدونيس) وأوزيريس وإيزيس.
    ومكوِّنات هذه الأسطورة ذات دلالات جنسيَّة تكاثريَّة لا تخفى. فالكأس إشارة إلى رحم المرأة ، والرمح الذي يحمله الفارس الذي يخرج بحثاً عن الكأس يشير إلى عضو الرجل. وقد ألهمت قصة البحث عن الكأس المقدَّسة كتاب قصص الرومانس البطوليَّة في العصور الوسطي بأوربا. وتوفرت جيسي وستن على دراسة هذه القصص ، استنادا إلى أسطورة الكأس المقدسة ودلالاتها الانثربولوجيَّة ، وذلك في كتابها (من الطقوس إلى أدب الرومانس ، 1921م).
    وقد وظف الشاعر ت. س. إليوت دلالات الخصوبة في أسطورة الكأس المقدَّسة في قصيدته الشهيرة (الأرض الخراب ، 1922م) ، كما تأثر بها أدباء وشعراء آخرون مثل ييتس ، د. هـ. لورانس وجيمس جويس).



    الجمعة:
    كاتبني عصام الدين موسى الحاج يستبشع ما أسماه (مبالغتي) في موازاة (العنف) بـ (التسامح) في حياتنا السياسيَّة والاجتماعيَّة ، ويسهب في مدح خصال شعبنا وطيبته .. الخ ، تعقيباً على ما كنت كتبت حول هذا الأمر في رزنامتين سابقتين.
    ولكم وددت لو شاطرته (تفاؤله الوطنيَّ) هذا ، وشطبت (التشاؤم) من حساباتي بالمرَّة ، لولا أن كلمته أعادتني لما كنت استصوبت ، ذات رزنامة في مطالع الألفيَّة ، من ملاحظات المرحوم محمد أبو القاسم السديدة (الصحافى الدولى ، 16/10/2000م) ، على خلفيَّة العنف الذى كان ضحيَّته ، أوان ذاك ، المرحوم عمر نور الدائم والمرحوم محمد طه الذي عاد ذات العنف ليودي بحياته العام الماضي. فمايو ، ومن قبلها نوفمبر ، ومن بعدهما الانقاذ ، جميعها أنظمة قتلت خصومها ، وسجنتهم ، وعذبتهم ، وشرَّدتهم ، في سياق عنف الدولة المشهود الذى لا تنتطح على حقيقة كونه أسَّ البلاء عنزان ، والذي لم تنجُ من الانزلاق إليه حتى الديموقراطيَّة في بعض عهودها ، وبخاصَّة كلما أوغلت في الشكلانيَّة ، ليستوى هذا العنف فى نتائجه النهائية ، وإن تفاوت بين الخشونة والنعومة! أبرز ذلك: فعل (الانقلاب) نفسه فى 1958م و1969م و1989م ، وحادث (جودة) في 1956م ، وإعدام مجموعة على حامد فى 1959م ، وحوادث المولد فى 1961م ، وتلويح وزير الداخليَّة بـ (جز الرءوس) في 1965م ، والاعتداء على الشيوعيِّين في 1965م ، والعنف ضد الأنصار فى الجزيرة أبا وود نوباوى فى 1970م ، وضد الشيوعيين فى الشجرة وكوبر فى 1971م ، وضد محمود محمد طه والجمهوريين فى 1985م ، والقتل الكثيف فى سبتمبر 1975م ، والدفن بلا هوية فى الحزام الأخضر فى يوليو 1976م ، وإعدامات رمضان في 1990م ، دَعْ العنف المقرر بالانتهاكات (التشريعيَّة) ، وبالصلاحيات (القانونيَّة) الممنوحة لأجهزة الأمن ، حيث الاعتقال الاداري في السجون (العلنيَّة) حيناً ، وفى (بيوت الأشباح) مجهولة الهويَّة أحياناً ، و(الطمر) فى القبور الضائعة ، و(التشريد المبرمج) من الخدمة ، حيث (قطع الأرزاق) لا يضاهيه غير (قطع الأعناق) ، و(التعذيب المنهجي) عبر الحِقب الشموليَّة ، دَعْ (العنف المضاد) ، المدفوع أغلبه بردِّ الفعل ، والمتمثل في نماذج الهبَّات العسكريَّة ضد الانظمة الانقلابيَّة ، والعنف الطلابي بالخناجر والسيخ والطوب ، وربما السلاح الناري ، وعنف الهامش المسلح ، كما في الجنوب فى 1955م ، و1962م ، وبين 1983 ـ 2005م ، وكذا دارفور التي ظلت النزاعات فيها محصورة بين (حاكورة) هنا و(مورد) هناك ، حتى تدخل النظام يخلخل النسيج الاجتماعي برمَّته ، ويحوِّل الاقليم كله إلى حريق شامل وعظمة نزاع دوليَّة!
    مع ذلك فليس العنف هو وحده ما ذكرنا ، وإنما قد يكون ، أيضاً ، فى (القفازات الحريريَّة) ، وأغلبها بعض (عنف الدولة) الناعم: فتجهيل الشعب عنف ، وتزوير الانتخابات عنف ، وتطفيف ميزان العدل عنف ، وإهدار استقلال القضاء عنف ، واحتكار أجهزة الإعلام عنف ، والتضييق على النشاط المدني عنف ، والاعتداء على حرِّيَّة الصحافة عنف ، وإعفاء منتهكي الحقوق ولصوص المال العام من المساءلة عنف ، وإشاعة الفقر حتى تبلغ نسبة من يعيشون تحت خطه 96% عنف! فهل ، تراه ، ما يزال الأخ عصام الدين يعتقد أنني أبالغ؟!



    السبت:
    لعلَّ آخر (كابوس) كان يتوقعه مولانا المحامي العالِم أبيل ألير رئيس لجنة التحقيق في ملابسات وفاة الزعيم الراحل جون قرنق ، قبل عامين ، إثر ارتطام طائرته بجبل الأماتونج قادمة من عنتبي إلى نيوسايد ، هو أن تحتوش الشكوك المتكاثفة نتائج تحقيقه المطوَّل إلى الحدِّ الذي يعلن فيه وزير الأمن اليوغندي استعداد حكومته لإعادة فتحه إن كانت ثمَّة أدلة جديدة تعارض مستخلص اللجنة بأن الحادث وقع قضاءً وقدراً ، وليس بفعل فاعل! ويكتسي دلالة خاصَّة حرص الجنرال امبابزي على التشديد ، في سياق تصريحه ، على أن تلك اللجنة ".. لم تكن يوغنديَّة ، وإنما دوليَّة قادها القاضي السوداني أبيل ألير ، وشاركت فيها دول الجوار ، بالاضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا" (الصحافة ، 17/8/07).
    إعلان المسئول اليوغندي لم يأتِ ، في الواقع ، من فراغ. فقد فجَّرت ربيكا ، أرملة الفقيد ، قنبلة مدويَّة من العاصمة الكينيَّة ، قبل أشهر قلائل ، حيث أكدت ، ولأوَّل مرَّة ، أنها كانت لديها معلومات يقينيَّة ، منذ وقوع الحادث ، بأنه لم يكن عَرَضيَّاً ، وأنها لم تشأ إثارة الأمر في حينه حتى لا تخلق بلبلة تزعزع اتفاقيَّة السلام التي توَّج بها الراحل نضاله الطويل!
    صدى ذلك التصريح الخطير ما لبث أن تردَّد ، بعد ذلك ، من مصادر جنوبيَّة ليست بعيدة عن دوائر الحركة الشعبيَّة ، ربما ليس آخرها ما أورد ملف SUDAN TODAY على الشبكة ـ العدد/5 بتاريخ 12/7/07 ـ من تفاصيل مذهلة عن محاولات يدَّعي أنها جرت في السابق لاغتيال قرنق ، بل ويورد شخصيات مرتكبيها. في هذا السياق كشف وزير الدولة للداخليَّة السوداني ، أليو أجانق ، مؤخراً ، ".. أن مقتل قرنق كان مدبَّراً ، لا قضاءً وقدراً" ، مُعلِناً عن ".. ظهور أدلة جديدة تركزت في عدم مطابقة أرقام الطائرة المحطمة مع طائرة الرئاسة اليوغنديَّة التي ذكرت كمبالا أنها أجرت لها عمليات صيانة في روسيا" ، وأن ".. المروحيَّة كانت تتبع للجيش ، لا للرئاسة اليوغنديَّة" ، على عكس ما ذكرت حكومة موسيفيني ، وأن قائدها اليوغندي ".. كان موقوفاً من الخدمة بتهمة القتل ، وكان يصرُّ على مواصلة الرِّحلة من مطار عنتبي .. إلى مدينة نيوسايد .. رغم ظهور أعطاب في الطائرة أثارت قلق قرنق الذي طلب تأجيل الرحلة أكثر من مرَّة" (الصحافة ، 17/8/07). وأضاف أجانق ، الذي كان عضواً في لجنة أبيل قبل انسحابه منها "بعد أن تكشفت له كلُّ هذه الحقائق" ، على حدِّ تعبيره ، أن "قرنق قتل بأيدي مَن كان يعتقد أنهم أصدقاؤه!" ، في إشارة واضحة إلى موسيفيني ، داعياً إلى ".. التحقيق مع أربعة دبلوماسيين غربيِّين اجتمعوا بالراحل في مزرعة الرئيس اليوغندي بكمبالا قبل إقلاع الطائرة بستِّ ساعات"! وقال إنه كان يعتقد قبل التحقيقات أن الخرطوم متورِّطة في الحادث ، لكنه تأكد بعد ذلك مِن أن "إمكانات مَن دبَّروا الحادثة أكبر من امكانات السودان بكثير!" (الأيام ، 18/8/07). ومع ضعف الحُجَّة القائلة بمخالفة الطيار لرغبة قرنق في تأجيل الرحلة ، إذ ليس قائد الطائرة بمظنون أن يسعى للانتحار ، فإن بقيَّة الحُجج تعزز الشكوك حول الحادث ، وتدعم تصريحات ربيكا في نيروبي!
    المدهش أنه ، وعلى حين لم تقابَل تصريحات ربيكا بردود الفعل الرسميَّة المعتادة ، إثباتاً أو نفياً ، سواء من جانب الحركة الشعبيَّة أو أيٍّ من الحكومتين السودانيَّة أو اليوغنديَّة ، فإن تصريحات أجانق أطاحت به ، فوراً ، من كرسي الوزارة! فقد كشف الأمين العام للحركة باقان اموم عن أن اجتماع المجلس القيادي بجوبا مساء 17/8/07 وجَّه الفريق سلفاكير بأن يتم فصل أجانق من منصبه ، كون ".. تصريحاته غير مسئولة ، ولا تمثل الحركة ، وقد أدلى بها بدون تكليف منها" (الأيام ، 18/8/07).
    لكن الحكومة المركزيَّة ما تزال تستعصم بالصمت ، ولم تعلق بشئ ، رغم أنها هي التي شكلت لجنة التحقيق ، وأن اللجنة رفعت تقريرها النهائي إلى رئيس الجمهوريَّة ، وأن أجانق عضو بها وليس بحكومة الجنوب!
    مهما يكن ، وفي ضوء هذه المستجدَّات ، وبالنظر إلى الثقل الواضح الذي تمثله مصادرها ، وبغض الطرف عن قرار الحركة بإقالة أجانق ، أو صمتها إزاء ربيكا ، فإنه لا يبدو ثمَّة مناص من إعادة فتح التحقيق من جديد ، طالما أن الحكومة اليوغنديَّة ترحِّب به ، وأن مولانا أبيل سيتحمَّس له ، يقيناً ، لعدة اعتبارات! أما تجاهل الأمر كأن لم يكن ، والاكتفاء بمعالجة تداعياته بالقرارات التي تتصوَّب إلى هامشه ، لا جوهره ، فإنما يعني ، بالضرورة ، أن يتحوَّل ، طال الزمن أم قصُر ، إلى (حِبْن) غائر ما يلبث أن يتسبِّب في (غنغرينا) أخرى لا شفاء منها إلى يوم يبعثون!



    الأحد:
    حذرت الحكومة البريطانيَّة رعاياها من السفر إلى الخرطوم ، وطالبت رعاياها الموجودين ، أصلاً ، في الخرطوم بتقييد حركتهم ، وذلك لتزايد (مخاوفها) مِمَّا وصفته باحتمال (مهاجمة) مصالحها على خلفيَّة (تهديدات) متنامية بوقوع (هجمات ارهابيَّة) على المصالح الغربيَّة ، كما علقت سفارتها بالخرطوم خدماتها لأجل غير مسمَّى (السوداني ، 19/8/07).
    لكن الحكومة السودانيَّة قللت من اهميَّة هذه الاجراءات ، واعتبرتها (روتينيَّة) ، واستبعدت أن تكون لدواع (أمنيَّة) ، حسب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجيَّة! (المصدر).
    و .. أرجو مِمَّن فهم شيئاً أن يكاتبني!



    الإثنين:
    ضمن (حكايات كانتربري السودانيَّة) يروي إليوت بالفور أن أحد مفتشي المراكز البريطانيين بالجنوب ، على أيام الادارة الاستعماريَّة ، نقل رئاسته إلى مكان آخر ، وكان ذلك قبل أيام اللواري. لكن مكتب المراجعة سرعان ما أبرقه قائلاً:
    ـ "وضحوا لماذا استخدمتم 30 رجلاً لنقل خزينة من كاجو كاجي إلى ييى"؟!
    فما كان من المفتش إلا أن ردَّ على البرقيَّة بقوله:
    ـ "لأن 29 رجلاً كانوا غير كافين"!

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147520542&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 02:42 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حرية الضمير
    د. الوليد آدم مادبو
    ========
    (وحتى فترة قصيرة لم أجرؤ أن أقرأ كتب الأستاذ لتهيبي "الخوض في الفتنة)!!!!!!
    ==========
    وصف الأستاذ جابر حسين بلغته الأنيقة أزمة الضمير التي يعيشها مجتمعنا اليوم (في مقال له يوم الجمعه الموافق 27 يوليو (ص:9) بقوله: "إن العديد من المثقفين والفنانين أصبحوا اليوم بوعي أو بغير وعي من جوقة البلاد، وعاظاً وسلاطين وأدوات تبرير أو (تمرير) وترشيد لسياسات وأوضاع النظام، واضفاء مشروعية زائفة عليها، سواءً كانوا داخل بنية السلطة أو خارجها، وأصبحت النظم نفسها تحتاج أكثر فأكثر إلى اخضاع الثقافي المعرفي للسياسي الأيديولجي وتسطيح المثقفين والفنانين داخل السلطة وخارجها وتحويل الفنيين مفرغين من الرؤية الاجتماعية الشاملة، والوعي السياسي الموضوعي، معزولين عن الفعل السياسي التجديدي.. ويجري خنق العقلانية وروح النقد فيهم، وبالتالي تتعطل الطاقات والقدرات العلمية والإبداعية لديهم". إن الإبداع حقيقة لا يمكن أن يتم في غياب الحرية التي لا تتأتى إلا بالتحرر من الأغيار.



    الملاحظ أننا ننتقل من الحرية بمعناها الـ(Axiology) إلى الحرية بمعناها الـ(Ontology)، أي أننا نتحرك من المستوى الافقي إلى المستوى الرأسي لنكسب الحرية معنىً توحيدياً يتمشى مع مآلها الاطلاقي، وإذ أن هذا المبحث هو مبحث في علم الأخلاق فلا بد أن تكون الحرية معيناً لنا في الانتقال بالأخلاق من مفهومها الاجتماعي إلى مفهومها الإنساني أو كما يقول الدكتور مصطفى عبدو في كتابه: (فلسفة الأخلاق، مكتبة مدبولي 1999). إن الأخلاق الإبداعية يجب أن تنبع من الضمير الذي يحرض صاحبه لمناقشة شروط الانتماء في حيوية ودينامية تخضع لمقتضيات التكليف وترفض مجرَّد الخضوع السلبي للجماعة. إن الإمتثال غير المسترشد يفقد المرء ذاتيته، ومن ثم يحرمه فرصة التناغم مع الذات العلية. يقول الدكتور الطيب زين العابدين: (الصحافة 30 يوليو ص:7): "لقد جعل الإسلام التكليف الديني مناطاً بعاملين يسقط تماماً إذا فقد أحدهما، وهما العقل والحرية، فزوال العقل أو غياب الحرية يعني ارتفاع التكليف، وهما ما يميز الانسان عن الحيوان". إن التفاعل مع الملأ الأعلى يحفز المرء للاستمتاع بفرديته (كل ميسر لما خلق له) التي ما أن توءد من قبل الجماعة الظالمة، حتى يفقد ذات الاتصال الذي من شأنه أن يدرجه في مراقي التوحيد (واتخذ قوم موسى من بعده عجلاً جسدا له خوار، ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، اتخذوه وكانوا ظالمين). إننا ندعو ولا يستجاب لنا لأننا (بسجننا للنص في ظرف تاريخي معين) نتوخى الله في حالة غير التي من المفترض أن ننشده فيها، إذ لا ينبغي في حقه الثبوتية إنما البديعية (كل يوم هو في شأن). إن الذي ينطبق على الفرد، ينطبق كذلكم على الجماعة "فإن لكل جيل لا بد أن تكون حكمته الخاصة ولكل فرد موقفه الذاتي في اكتشاف شروط توازنه" (مصطفى عبده، ص:24). إن علاقة الفرد بالمجتمع، والمجتمع بالدولة، والدولة بالمجتمعات الأخرى ينظمها القانون. إن المؤمنين ينشدون العلاقة المطلقة في القانون الإلهي دون الوضعي لأن القانون الإلهي منشؤه الذات العليا "التي تسبر الكون وفق قوانين كونية بالمعرفة الأزلية والسرمدية للأشياء والكائنات" (مصطفى عبده، ص:87). ماذا عن غير المؤمنين؟ إن القانون الإلهي غير ملزم بطبيعته لغير المؤمنين ولذا فلا بد أن يكون القانون العام والدستور علمانياً كما هو الحال الآن وتكون الشريعة حالة استثناء (مولانا أبيل ألير في مقابلة خاصة).



    إنني أرى هذه المقابلة بين الخاص والعام أنسب في مراجعة النظم السياسية والاجتماعية من مزايدة النسبي والمطلق. إذا استطعنا أن نميز بين الشرع والشارع، بين الدين وفهمنا له فإننا نستطيع أن ندرك أن انزال الشريعة إلى أرض الواقع، هو في حد ذاته ممارسة وضعية تخضع في وضع ديمقراطي إلى مراجعة برلمانية ومرافعة بشرية، هي الأجدى في تدارك الفصام الحالي بين الفرد والمجتمع، المجتمع والدوله، (كما لا ينبغي أن تستأثر هيئة كبار العلماء بهذه الواجبات لأنها حينها تجعل نفسها وسيطة بين الله وعباده دونما أدنى أهلية أو أحقية، الأمر الذي لا يرضاه الإسلام الذي ينبذ بشدة الكهنوت). إننا إذا لم نحل هذه المعضلة فإننا نجد مشكلة أكبر في ايجاد الرابطة بين الدولة والمجتمع الإنساني الاكبر، في هذا يقول الأستاذ الحاج وراق بلباقته المعروفة وشجاعته المشهودة في مستهل تناوله لموضوع (حرية الضمير) بمنتدى الوليد (السبت الموافق 28 يوليو) إن حرية الاعتقاد منصوص عليها في المادة (1 بميثاق حقوق الإنسان، وهذا الميثاق حسب رأيه هو تلخيص للحكمة الإنسانية، وإذ أن الناس يختلفون في أفضلياتهم الأخلاقية، فإنهم لا يختلفون في أن الحرية هي القيمة الأرجح على كل القيم، إضافة لأنها خاصية كونية (الذكر، الأنثى، السماء، الأرض، السالب، الموجب... إلخ)، فإنها ضرورة إنسانية تكسب المجتمع حيوية اجتماعية، اقتصادية وحتى سياسية. إن المجتمعات التي ضحت بالحرية من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي مثلاًً المجتمعات الاشتراكية قد خسرت عاقبة أمرها لأنها بمصادرتها للاختلاف قد تعدت على الصحة العقلية لمجتمعاتها فلم يعد أمنها أمنا نفسيا ومعنويا إنما أمن سكوني أشبه بأمن المقابر التي تفتقر إلى الحيوية. لقد ثبت أخيراً أن الحيوية بمعنى الحرية لازمة لإحداث النهضة لأن المؤسسة الاقتصادية (حتى السياسية) تزدهر بمقدار ما تحمل من تنوع دون انكسار. إن افتقار المؤسسة لهذه المرونة (Ductility) يجعلها تتهدم في أول اهتزاز ارضي، ليست أدل من انتهاء الترابي (صاحب التجربة الأنور والأفضل في تاريخ الحركات الإسلامية) إلى السجن في أول صدام له مع أتباعه الذين ظن أنهم يدينون له بالولاء وقد سلبهم خاصية التدافع الحيوي ولم يبق لهم غير المفاصلة مرشداً. لقد فقدت الحركة الإسلامية مقدرتها على بعث الفضيلة لأنها تعمدت إهمال الضمير التي يراها وراق افتراضاً أساسياً للحرية. إن البعث الأخلاقي الذي استخدم وسيلة لترويض المجتمع قد أصاب المجتمع في مقتل لأنه ضحى بالضمير. إن الاخصاب القسري بين ذكر (الاستبداد) وأنثى (الترويض)، قد نتج عنه مخلوق خنثمشكل فاقد لجسارة التفكير وغير متملك لملكات التعبير (خاصة الحضاري منها).



    يتساءل الدكتور عمر مسعود في هذه الأثناء عن أيلولة الضمير، عن عنوان المحاضرة: (حرية الضمير) ويقول إنه لا سبيل للتحكم في الضمير لأنه بالداخل، أي أنه قابع في الصدر. إنما المشكلة في التعبير، يخرجنا من هذا المأزق الدكتور الطيب زين العابدين الذي ابتدر بدوره الحوار لإعادة تعريف الضمير على أنه الوجدان، وليس بالضرورة ذاك الكائن الحسي الذي تعارف الناس عليه. وإذ ذاك هو الحال فإن تشكل الوجدان يتم وفق ظروف موضوعية منها ما هو زاهر وما هو قاهر. يواصل الحاج وراق فيقول إن الأنظمة العسكرية قد عطلت الحرية في حمية التدافع مع الصهيونية، النتيجة أنها لم تجن غير التقهقر ولم تفلح في غير المواجهة مع شعوبها، والأمثلة كثيرة، في حين أن العدو قد أسس نظماً لترشيد الاختلاف هيأت له امكانية التماسك الوجداني، لاسيما تحقيق الازدهار العلمي والتفوق العسكري. بالمقابل نرى أن الحرية كانت هي الضحية الأولى في حال تقهقر المجتمعات الإسلامية وحال تقدمها. إن حادثة قتل السهروردي لمجرد اتهامه بالزندقة (دون التعرض حتى لمحكمة)، من قبل جند صلاح الدين الأيوبي تدلل على أن لحظة الانتصار العسكري كانت هي لحظة الهزيمة المدنية لأن الجنود ضحوا بالحرية في مقابل الفتح. دون الولوج في دهاليز الفقه أو التعرض لمقتضيات التاريخ ومنعطفاته، يجب أن نقر بأن سيف الردة بقي مصلتاً عبر التاريخ الإسلامي على المعارضين مما أزم محنة الدولة وجعلها دون حقيقة اجتماعية.



    لا ننسى إغتيال النميري للأستاذ محمود محمد طه الأمر الذي أنكرناه سياسياً لمجرد رفضنا للظلم وللحقارة، لكننا لم نستطع أن ننبذه دينياً لسيطرة الغبش على قلوبنا ومعتقداتنا. إن التقاطع بين هاتين الحريتين: حرية الممارسة السياسية وحرية الاعتقاد الديني هو سبب الإشكالية النفسية التي نعيشها. لا أنكر أنني وحتى فترة قصيرة لم أجرؤ أن أقرأ كتب الأستاذ لتهيبي "الخوض في الفتنة". أي فتنة أشد من تقييد العقل بالوجدان، كما يقول صديقي المهندس الأديب محمد عبد اللطيف هارون (شيخ طويل)؟ إن جل الشواهد التاريخية تبرهن على أن الدين حتى وفق النظرة النصوصية بقي بعيداً عن المقاصدية (لأن النصوص لم تكن بالوفرة) فلم يكن مسؤولاً عن قتل شهداء الفكر في عالمنا الإسلامي، لكننا يجب أن نعترف بأن صيرورة الحدث التاريخي قد شكلت الوجدان سلباً مما جعله على أحسن الفروض لا يجرؤ على الإنكار، إنما الإقرار السلبي- السكوت. إنني ما أن أرى صورة الأستاذ عبد الخالق محجوب إلا وأحس بوخز في ضميري كأنني أسهمت في قتله لأننا وبالسكوت الجماعي قبلنا (لطيش الفصل) أن يواري سوأته –الغيرة الشخصية- باغتيال (أول الفصل) متهماً إياه بالعمالة تارة وبالزندقة تارة أخرى، إذ كان يقول ملء فاه "عبد الخالق الذي لا يعرف الخالق". إن الحيلة ذاتها قد انطلت علينا ولو إلى حين، حين قبلنا من عربيد (نذر حياته للرذيلة) أن يتطاول على راهب (مهر أيامه بالدعوة إلى الفضيلة) ويصفه بالزندقه وبالكفر. إن النميري ليلة اغتيال محمود محمد طه وهو ماراً بكبري بحري سمع هتافاً من أحد سائقي التاكسي يقول له (نصرت الدين يا ريس!!). هذا هو الوجدان السوداني الذي تشكل وفق مقتضيات البداوة وجلافتها وآفات التزمت ومأساته. يا ترى هل كانت الانتفاضة تكفير لسيئة لم نبرح حتى عاودنا ارتكابها بقبولنا لزمرة المستشار الرجوع إلى القصر مرة ثانية وباسم الإسلام؟



    على العموم لقد دخلنا هذا المأزق سياسياً ولا يمكن أن نخرج منه إلا فقهياً. هنا تكمن ضرورة التعامل مع النص من خلال الأطر المعرفية العلمية حتى الإعلامية ومن خلال التكثيف بل التعويل على قيمة الحرية على الصعيدين المصلحي والمبدئي. إن الحرية حسب رأيي لا يمكن أن تمارس في فضاء مسرح وإلا قوضت، كما لا يمكن أن تمارس في فضاء منحسر وإلا شوهت، فهل من سبيل إلى الإصلاح؟ نعم، شريطة أن نفارق الطوباوية وأن نوقن بأن البرامج يجب أن ترشح من المجتمع (من أدنى إلى أعلى) وليست الدولة (من أعلى إلى أدنى). هذا الإنعكاس المعياري لم يكن ليحدث لولا فشل التجارب الأيديولوجية من ذات اليمين ومن ذات اليسار التي قادتها النخبة مستهونة بمقدرة التقليد أو الطاعة على القعود بأي حركة نهوضية تقدمية مهما كانت حيويتها.



    ختاماً، فإن إنسان الوسط يحتاج إلى من ينتشله لا من يبتزه أو يذمه بالامتثال، وهنا يكمن دور الحرية المسترشدة التي ستأخذ رويداً بأيدي (هذا المغلوب على أمره) من ثنائية العلمانية والإسلام إلى تواصلية الحقوق والواجبات، حينها فقط سيتحلل المسكين من قلاع العسكراتية ويحلق في فضاء الإنسانوية.




    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147519970&bk=1
    ___
                  

04-22-2008, 02:43 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    كريمة، طفلة في المدائن: في مقام الشكر والثناء
    -البروفيسور محمد المهدي بشرى
    =========
    سعد الكرسني، لا يزال قابضاً على جمر الفكر الجمهوري على خطى الشهيد محمود محمد طه
    ==========
    في أمسية ندية الأنسام وفي حدائق النقل النهري على شاطئ النيل التأم الشمل،رهط من افاضل الناس قل أن يجود الزمان بمثلهم ، صفوة من خيار نساء كريمة ورجالها، : العم ضرغام، اسم على مسمى وعروسته فائزة الحسين ملاكين من جنان الفردوس تدليا. العم سيدأحمد حاج التوم المناضل العنيد سقط الطغاة الذين قاومهم وذهبوا جميعاً إلى مزبلة التاريخ وبقى شامخاً مثل جبل البركل. سعد الكرسني، لا يزال قابضاً على جمر الفكر الجمهوري على خطى الشهيد محمود محمد طه جميعهم كانوا هناك، آسيا الدوش وأسرتها الصغيرة والمحاميان عبدالله حسون وعصام شوربجي، والزين ومحمد كرار وعبدالقادر شديرة وفيصل وعلاء الدين الفاضل والنطاسي البارع دكتور شرف عبدالماجد والامير بن طلال واسرته. ومن زملائي الاساتذة ومناط محبتي محمد المهدي إدريس وسامية وطلحة المنشاوي ومحمد الطيب والبلولة، صغير الحجم الكبير العقل والوجدان الذي تحدث عني حديثاً اخجلني بحق، وابي نفر من طلاب كلية الآداب الا ان يشاركوا بأداء كوال : (يا قاسم أمين) الذي أبدعه الشاعر الفحل محجوب شريف. وبالطبع كان هناك زرياب المغني، خالد بصريات وفرقته بقيادة كاروري صاحب الأنامل الذهبية وعازف الإيقاع الماهر صلاح، غنى بصريات باحساسه المرهف وصوته الندي حتى تجاوب معه النيل والاشجار والانسام، لكن ثمة من كانت مقاعدهم شاغرة سعاد حسون, نادية فرح وحسن الدوش وحسن عبدوت وعبدالله العمدة والشاعران العطا علي العطا وابراهيم الصيدة وغاب الشعر بغيابهما، كم تمنيت حضورهم وحضور جميع أهل كريمة وزملائي بالكلية حتى تكتمل فرحتي، ولإبراهيم الصيدة الذي كان غيابه واضحاً اذ كان سيخفف من عتابه لكريمة وأهلها، فقد أكد ذلك الحفل البسيط الكبير في معناه إن سعن الحمل لم ينقد، على النقيض مما ذكر في آخر قصائده التي يقول فيها:



    رهف ثوب الغطا الساترنا وانكشف الحاصل



    وانقد سعن الحن دفق حلمي المبردو للبراكل.



    وإنتهى الحفل البهيج وانفض السامر وتكرم علىّ القائمون بالامر بهدية عبارة عن الذهب الخالص، لكن الذهب الخالص والجوهرة التي لا تقدر بثمن هي محبتهم الصادقة لشخصي الضعيف، حفظهم الله جميعاً وعافاهم آملاً ان ارد لهم بعض هذا الجميل الذي يطوق عنقي.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147519512&bk=1
                  

04-22-2008, 02:44 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مأزق الشورى في مأزق الجماعة!!
    * المعركة التي يدور رحاها بين جماعة أنصار السنة المحمدية بشقيها "الهدية" و"أبوزيد"، والتي تمحور اختلافها (ابتساراً) حول قبول المشاركة السياسية للجماعة من جهة ورفضها من الجهة الأخرى، والتي تزيد أوارها اشتعالاً الصحف الآن، أدت إلى الفصل والفصل المضاد للقيادتين، وإلى ادعاء الشرعية من قبل المجموعتين المتصارعتين، كل يدعي أنه الممثل الحقيقي للجماعة، هذه المعركة تقودنا للنظر من زاوية مغايرة لطبيعة المشكلة ولفت الانتباه لمأزق الفكر الاسلامي المعاصر تجاه قضايا التراث والمعاصرة، وعلاقة الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية!.
    إعادة انتاج الأزمة من جديد
    * صراع جماعة أنصار السنة بكيفيته الماثلة، يعيد إلى الأذهان أحداث الفتنة الكبرى، ومقتل سيدنا عثمان بن عفان، والأسئلة الصعبة المترتبة على تلك الأحداث، مثال: هل يمكن عزل الخليفة (أمير الجماعة هنا)، ومن يحق له ذلك، في مواجهة الآيات القرآنية الحاثة على السمع والطاعة "...أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم..." وكذلك الأحاديث النبوية "اسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم الصلاة" و"اسمعوا وأطيعوا وإن وُلِّيَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه ذبيبة" وما الموقف من مقولة سيدنا عثمان: والله لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله!.
    الشورى ما هي؟!
    * الشورى عند جمهور المسلمين بالمعنى الاصطلاحي المعروف "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم على الخيار في الأخذ بشورى أصحابه حين يشيرون أو الترك، فاذا عزم برأي مخالفاً فيه رأيهم مضى فيه متوكلاً على الله وفق منطوق الآية الكريمة "...فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"، وحينما اعترضت هذه الإشكالية طريق الجبهة الإسلامية الموحدة قبل الإنقسام خرجت من المشكل بإلزامية الشورى، وبجعل سلطة المكتب التنفيذي فوق سلطة الأمين العام (المرشد)، مما عرضهم للفصل من حركة الأخوان المسلمين العالمية بحجة "أخذهم بخطة في الشورى لا يرون لها مستنداً فيما يقرأون ويعلمون" (أمين حسن عمر ـ أصول فقه الحركة ـ سلسلة رسائل الحركة الإسلامية الطالبية).
    بين الشورى والديمقراطية
    * الشورى وصاية رشيدة وفيها تدريج وتأهيل ومساوقة من النبي المصطفى المعصوم للأمة من حالة قصورها البادي إلى مراسي كمالها المنشود، أنظر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن رأي النبي صلى الله عليه وسلم: "يأيها الناس إن الرأي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصيباً لأن الله كان يريه، وانما هو من الظن والتكلف، السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة". " إذ كان قد روي فيما ورد أن كاتباً لسيدنا عمر بن الخطاب كتب في فتيا لعمر "هذا ما رأى الله ورأى عمر" فقال له: "بئسما قلت، هذا ما رأى عمر فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر" ثم قال" السنة ما سنه الله ورسوله لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة".
    أما الديمقراطية كما هو معروف فهي حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية وهي اجتهاد بشري وصلنا عبر تجارب طويلة للإنسانية وعبر الدماء والدموع وقد استقرت الآن عبر أنماط مختلفة في الشكل متحدة في المضمون، مباشرة "مثل سويسرا" وبرلمانية "مثل وست منستر البريطانية" و"المزاوجة بين المركزي والولائي مثل ما يجري في ألمانيا"، وغيرها الكثير!.
    أبوزيد بين الشورى والديمقراطية
    * طلب أبوزيد محمد حمزة، في زمان مضى، قبيل المفاصلة بين الطرفين وفصله من الجماعة، طلب من قيادة الجماعة، المتمثلة في الهدية، إعمال المؤسسية وتوفير الشفافية، والمؤسسية والشفافية وفق الرأي الشرعي المعتمد تمضي وجوداً وعدماً مع أمير الجماعة المعتمد، وهو في هذه الحالة الهدية، وكان على أبوزيد أن ينصاع للرأي الصادر من أمير الجماعة. ولحكمة تلتمس في تغير المحيط الزمكاني "ودوام الحال من المحال" رفض أبوزيد الانصياع ومضى في طريقه شاقاً عصا الطاعة ومفرقاً للجماعة بالمنظور الشرعي التقليدي، وهو بذلك انما يخالف الشريعة المبنية على قواعد الشورى، وفي نفس الوقت يتوافق مع الديمقراطية الداعية إلى تحكيم رأي الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية، وليس بعيداً عن الأذهان تلك المعركة المماثلة التي دارت في اطار الشورى بين مجموعتي القصر والمنشية والتي انتهت إلى المفاصلة بين مجموعة الترابي ومجموعة البشير وأنتجت حزبي الوطني والشعبي، ولم تُكشف للناس توصية مجموعة الترويكا "القرضاوي، الزنداني، فتحي يكن" بعد أن تم لها المحاولة في تليين مواقف الطرفين المتصارعين، وأعلنت فشلها، والتي لو كُشفت ـ في اعتقادي ـ لأجْلت موقف التراث من المنشقين باعتبار البشير زعيماً للجماعة.
    المشكل السياسي في إطار الشورى
    * بعد أن اتضح أن الشورى "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" للنبي (صلى الله عليه وسلم)، المعلم يستشير أصحابه ليدرجهم في طريق التربية مترفقاً بهم، وهو الرحمة المهداة، العافي عن الناس ليِّن الجانب، موطأ الأكناف، الذي يألف ويؤلف، والذي ما عرفه غير ربه، فبعد أن التحق هذا المثل الحي مجسد الكمالات بالرفيق الأعلى، مَنْ مِنْ الناس يمكن أن يملأ هذا المقام، يشاور الناس في الأمر، فإذا عزم برأي أخذ به وإن خالف رأيه الأغلبية متوكلاً (في ذلك) على الله؟!!.
    * المشكل السياسي إذن في الإطار الشوري، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، اختاره ربه في الأصلاب الطاهرة من الأصلاب الطاهرة، فهو خيار من خيار من خيار، شق صدره، واستخرجت من قلبه العلقة السوداء وطرحت، وغسل قلبه وبطنه بالماء والثلج والبرد حتى أنقيا، ثم أدبه ربه فأحسن تأدبيه، فأصبح على خلق عظيم، وأعد عبر الزمن لتحمل الأمانة، بإلقاء القول الثقيل عليه، ثم هو بعد كل هذا الإعداد مشفوع بالوحي يصححه إن أخطأ فهو النبي المصطفى المعصوم، فمَنْ مِنْ الناس في زماننا هذا يمكن أن يملأ هذا المقام اليوم!؟ فهل الشورى هكذا هي، قمة المشكل السياسي؟ أم هي مرحلة نحو الديمقراطية، والشورى قطعاً غير الديمقراطية ؟!.
    وبعدُ!!
    * قدم الأستاذ محمود محمد طه رؤية واضحة عن تطوير التشريع الاسلامي من نص فرعي في القرآن الكريم خدم غرضه أجل خدمة حتى استنفده إلى نص أصلي مدخر لحياة الناس اليوم، واعتبر الشريعة الاسلامية في مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع هي المدخل على الدين وليست الدين، حسب الآية الكريمة "وأنزلنا إليك الذكر (القرآن كله) لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم (القدر من القرآن الذي تطيقه الأمة؛ "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم") ولعلهم يتفكرون" (وهو المعلول وراء العلل والمقصود بعد انقضاء المقاصد)"، ما بين الأقواس الكبيرة من وضعنا، ولا يغيب عن ذهن القارىء الفطن الاختلاف بين مادتي "أنزلنا" و"ما نُزِّل" في الآية المذكورة آنفاً وفي العربية: كل زيادة في المبنى تتبعها زيادة في المعنى، وفض محمود بذلك التعارض البادي بين التراث والمعاصرة، ونحن الآن ندعو جماعة أنصار السنة المحمدية ومن ورائها كل الجماعات الاسلامية المعاصرة إلى إعادة قراءة الأستاذ محمود محمد طه بروية وتدبر لعل وعسى بعد أن جاء هذا المثال الحي الصارخ في مفارقة الشريعة من أكبر الجماعات السلفية المعاصرة، والله من وراء القصد!!.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147519754
    _________________
                  

04-22-2008, 03:11 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عملية الفلاشا (الحلقة السابعة)

    تحقيق:حنان بدوي



    في هذه الحلقة من التحقيق نستعرض افادات الشهود التي تحصلنا عليها من دار الوثائق حول أقوال المتهم الاول في المحكمة وهو مخطط ومهندس عملية الفلاشا في التهم التي وجهت اليه في عملية ترحيل الفلاشا واستغلال مواد جهاز أمن الدولة حيث ذكر في أقواله للمحكمة ان الذين قام بترحيلهم ليسوا يهود فلاشا وانما لاجئين عاديين وان الطائرات التي هبطت في مطار العزازة اخذت اذن الهبوط من القائد الأعلى للقوات المسلحة كما نفى للمحكمة علمه بالجهة التي أستاجرت الطائرات البلجيكية التي شاركت في عملية موسى، وكذلك مبلغ الـ(150) الف دولار وعلاقته بترحيل الفلاشا وقال ان المبلغ خصصته السفارة الامريكية لشراء عربات للجهاز وكذلك المبلغ الذي سحبه من ادارة البطاقة الشخصية.



    اللواء عمر محمد الطيب كان قد استنكر التهم التي قدمت اليه مستعرضاً امام المحكمة العديد من الانجازات التي قام بها, وقال: قمت بحل مشكلة الدقيق واشكالية صندوق النقد الدولي عام 1985م وضائقة البترول بجانب جهودي في رفع الحظر الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على السودان وقد تم ذلك بفعل علاقاتي الشخصية مع الولايات المتحدة. وان جهاز أمن الدولة اسهم في دعم مركز البلاد السياسي والاقتصادي والحرفي ولكن هل كل ما ذكره اللواء عمر يمكن ان يغفر له انفراده بالعملية حيث حاول في بعض افاداته الزج ببعض المسئولين فيها وهذا ما توضحه افادات الشهود التي نستعرضها عبر هذه الحلقة.



    * لا علم لي بعمليتي سبا وموسى:



    اللواء أمن (م) الفاتح الجيلي مدير ادارة الأمن الداخلي بجهاز أمن الدولة المنحل نفى أمام محكمة ترحيل الفلاشا علم ادارته عن تفاصيل عمليتي موسى وسبا وقال امام المحكمة بالرغم من ان مطار الخرطوم يقع تحت مسئوليتي الأمنية إلا أنني لم اخطر بعمليات الترحيل التي كانت تتم فيه ولم أتلق أية معلومات رسمية عن العمليتين وكل المعلومات التي علمتها كانت عبر مصادر غير رسمية مثل وسائل الاعلام اضافة لما كان يترد داخل الجهاز من عدم رضاء الضباط باشتراك الجهاز في العمليات السرية المتعلقة بترحيل الفلاشا الذين ستكون نهايتهم اسرائيل.



    كما نفى اللواء الفاتح الجيلي في شهادته للمحكمة ايضا علمه بأي مساعدات تقنية كانت تقدم للجهاز من خارج البلاد وقال ان تلك المساعدات كانت تقتصر على الاجهزة والمعدات التي تقدمها الدول والاجهزة الامنية الصديقة واوضح للمحكمة انه من الخطأ ان يقتصر العلم على المبالغ المقدمة للجهاز على رئيس الجهاز فقط وانما يفترض ان يشمل العلم بها قادة الجهاز, وإلا أن يكون وصولها من خلال القنوات غير الرسمية وقد أشار في شهادته ان رئيس الجهاز كان يتحدث كثيراً عن العملية لكن انا شخصياً لم اطلع على أي امكانيات رسمية حول مشروع المباني ونفى اللواء الجيلي علمه بأي حساب خارجي خاص بالمشروع ولا أي تفاصيل او معلومات عن اتفاقية أبرمت لتنفيذ المشروع.



    سمعت بالعملية من (البي بي سي)



    السيد هاشم عثمان وزير الخارجية وقتها شهد امام محكمة الفلاشا بعدم علمه بترحيل اليهود الفلاشا وقال انه سمع ذلك من هيئة الاذاعة البريطانية (البي بي سي) في الرابع من يناير 1985م وقال كنت على قناعة تامة بان الخبر جزء من الحملة الاعلامية التي تشنها الحكومة الاثيوبية على السودان وان السودان برئ من تلك الاتهامات والادعاءات وهذه القناعة ناتجة عن مواقف السودان التاريخية وسياسته الرافضة لأي نوع من التعاون مع اسرائيل، واوضح ان المتهم الاول اتصل به وطلب منه اصدار بيان ينفي فيه كل الاتهامات والمعلومات التي وردت في هيئة الاذاعة البريطانية واملي عليه المتهم الاول ان يؤكد في البيان على العلاقات التي تربط بين اثيوبيا واسرائيل وان يتهمها بانها تقوم بتهجير اليهود الفلاشا اليها مقابل السلاح. واشار في المحكمة ان اللواء عمر بعث اليه بمذكرة للاستعانة بها في اصدار بيان ويرد الوزير التصريحات التي صدرت منه في اجهزة الاعلام لنفي العملية بأنها نابعة من واقع المعلومات التي بعث به له المتهم الاول اللواء عمر محمد الطيب.



    * بيان الشركة البلجيكية



    الاستاذ علي شمو شهد امام محكمة ترحيل الفلاشا بعدم علمه رسمياً بعملية الترحيل ولكنه سمع ذلك من وسائل الاعلام وافاد بانه عندما سمع البيان الصادر من الشركة البلجيكية حول سفرياتها لنقل اليهود الفلاشا من الخرطوم الى بروكسل اتصل بالمتهم الاول مستفسراً عن المعلومات التي سمعها حيث اكد له المتهم الاول عن عدم صحة ما سمعه وطلب منه تجاهل الموضوع كما ذكر في المحكمة ان د. بهاء الدين محمد الدين ادريس مساعد رئيس الجمهورية السابق كان قد اتصل به وأمن على ما ذكره المتهم الاول.



    الفريق سوار الدهب اخطروني بان الطائرات تحمل اغاثة



    الفريق عبد الرحمن سوار الدهب قال امام محكمة الفلاشا انه تلقي تقريراً من الاستخبارات العسكرية بوصفه قائداً اعلى للقوات المسلحة بان هنالك عملية نقل منتظمة للاجئين يشك بانهم فلاشا وان هناك مسئولين من جهاز أمن الدولة يتسترون على ذلك وقال الفريق سوار الدهب (تلقيت معلومات اخرى بان هناك طائرات هبطت بالمنطقة الزراعية بالشوك جاءت لنقل لاجئين وهم يهود فلاشا وذكر سوار الدهب للمحكمة ان هناك حواراً دار بينه وبين الرئيس نميري بهذا الخصوص لكنه استشف من الحوار ان عملية النقل هذه تتعلق بلاجئين عاديين منحوا حق اللجوء السياسي باذونات دخول من سفارات غربية بالخرطوم وخروج من السودان وحضروا في شكل اسر صغيرة وسيتم نقلهم بوسائل سفر عادية. وقال سوار الدهب ان الرئيس السابق كان قد اتصل به هاتفياً مستفسراً عن احوال الجنوب وذلك بعد تعيينه في 16 مارس عام 1985م وبعد ان طمأنه على مجريات الاحداث قال له في نهاية المحادثة ان هناك طائرات امريكية ستهبط بالناحية الشرقية ويتولى امرها اللواء عمر محمد الطيب ولكن لم يفصح له الرئيس نميري عن مهمة الطائرات سواء كانت مهمتها حربية او تهدف لزيارة تفقدية آنذاك للمنطقة الشرقة. كما ذكر الفريق سوار الدهب في افادته للمحكمة انه تلقى بعد يومين من تعيينه قائداً عاماً محادثة تلفونية من المتهم الاول اللواء عمر محمد الطيب استفسره فيها عما اذا كانت لديه فكرة بقدوم طائرات لنقل الفلاشا الا ان سوار الدهب نفى علمه بذلك وقال انه تقدم بسؤال للواء عمر عما اذا كان الرئيس السابق قد ذكر له ان هناك طائرات آتية لتحمل لاجئين فرد عليه سوار الدهب بان الرئيس نميري قال له انها آتية بمواد اغاثة.



    * قصة الحساب الخاص:



    اللواء كمال حسن احمد نائب رئيس جهاز امن الدولة المحلول اكد في شهادته امام محكمة الفلاشا عدم علمه بعمليات ترحيل اليهود الفلاشا سواء التي تمت في مطار الخرطوم او العزازة كما نفى علمه باي حساب خاص بالجهاز في الخارج وقال في المحكمة ان امر ترحيل الفلاشا لم يعرض على الجهات السياسية في البلاد كمجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي واشار اللواء كمال حسن احمد امام المحكمة ان التعامل مع اجهزة الأمن الصديقة يجب ان يكون حذراً وان لا يتجاوز مجالات التدريب وتبادل المعلومات. واوضح ان قرار وضع ضباط من جهاز أمن الدولة تحت سيطرة جهاز امن اجنبي يعد تجاوزاً (خطيراً) وخرقاً لأسس العمل الأمني. وقال اللواء كمال انه ليس من حق اي ضابط من الجهاز ان يرفض تنفيذ اي اوامر حتى لو كانت غير قانونية.



    سر الـ(150) ألف دولار:



    مدير مكتب اللواء عمر محمد الطيب العميد أمن (م) هاشم ابو رنات اقر امام محكمة الفلاشا ان مبلغ 150 ألف دولار يخص المتهم الاول وانه احتفظ به في منزله بعد قرار حل جهاز الأمن وقال ابورنات انه ذكر للجنة التحقيق ان المبلغ خاص بالسفارة الامريكية احضرته بغرض شراء عربات للجهاز وان المتهم الاول طلب منه ان يقول ذلك. وعندما استفسرت المحكمة ابورنات عن اي القولين هو الحقيقة قال ابورنات ان ما افاد به امام المحكمة هو الحقيقة اما ما ذكره للجنة التحقيق فهو كذب اراد به حماية اسرته التي كانت تحتفظ بالمال وعندما علم ان المبلغ له صلة بقضية خطيرة كالفلاشا حاولت بقدر الامكان عدم ذكر اي معلومات عنه خوفاً من ان تتضرر اسرتي وحاولت بعد الانتفاضة اعادة المبلغ للمتعم الاول وذهبت اليه في منزله الا انني علمت بانه اعتقل فاحتفظت بالمبلغ الـ(150) الف دولار في منزلي ثم اعتقلت وبعد ذلك سلمتها للجنة التحقيق.



    وقال ابورنات ان المتهم الاول طلب منه اثناء وجودهما في سجن كوبر اعطاء العقيد موسى اسماعيل 5ألف دولار وقال عندما اخبرت موسى بذلك نظر الى نظرة غريبة وابتعد رافضاً حتى التحدث معي.



    * سحب أموال البطاقة الشخصية:



    العميد (م) عبد السلام احمد علي مدير ادارة البطاقة الشخصية شهد في محكمة الفلاشا بأنه تم سحب مبلغ 401 ألف و962 جنيها من أموال البطاقة الشخصية بتوجيه من اللواء عمر محمد الطيب واشار في افادته ان المبلغ حول بشيك مصرفي رقم 56562 من بنك الخرطوم فرع شارع الجامعة لصالح حساب مشروع مبنى النيل الازرق تحت رقم 11949500 بنك لويدز بلندن.



    وقال العميد عبد السلام للمحكمة انه قام بالتوقيع على الخطاب المرسل لبنك الخرطوم الا انه في نفس اليوم الذي وقع فيه الخطاب لبنك الخرطوم تم اعتماد توقيع المتهم الاول بدلاً عنه وقال ان المتهم الاول ذكر له انه سيشرع في بناء الجهاز الجديد وانه يريد ان يحول ما تبقى من اموال لشركة اجنبية لتنفيذ مشروع بناء الجهاز الجديد وانه يريد ان تكون اموال البطاقة بالقرب منه لأن ادارة البطاقة خارج مبنى الجهاز.



    * ميزانية الجهاز:



    العميد أمن (م) امين عبد اللطيف مقلد مدير ادارة الشئون المالية بجهاز أمن الدولة المنحل شهد امام المحكمة بان ميزانية الجهاز في ذلك الوقت بلغت (33) مليون جنيه و(75) الف جنيه واوضح انها لا تشمل مباني وانما خصصت لمشروعات المباني الخاصة بالجهاز في جميع انحاء السودان وافاد العميد امين مقلد ان المال الخاص بالجهاز يتم التصرف فيه بواسطة مدير مكتب رئيس الجهاز ويطلب كل ثلاثة شهور وقد يلجأ رئيس الجهاز في حالة انتهاء البند المخصص للصرف في الميزانية الى اي بند من بنودها الاخرى وقال العميد مقلد كان للجهاز المنحل حسابان داخليان ببنك السودان احداهما مجمد وقال انه كان يعلم ان الجهاز بصدد اقامة مباني جديدة بالرئاسة وان هناك موافقة على ان تضمن الاموال التي يتم جمعها من غرامات العربات والبطاقة للمساهمة في البناء لكنه اوضح انه لم يتم طرح هذا المشروع في عطاء وان اموال الجهاز خارج الميزانية تقع تحت مسئولية رئيس الجهاز مباشرة.



    * الرابح الوحيد من العملية:



    يقول د. حسن مكي ان مسألة ترحيل الفلاشا لاسرائيل اضفت نوعاً من البطولة على الحكومة الاسرائيلية وادت لفتح حوار عميق بين المؤيدين لمواطنة الفلاشا والرافضين لها اي بين الذين يعتبرون ان الفلاشا يهود اسرائيليون يمثلون الديانة الاسرائيلية وبين الذين يعتبرونهم عرباً وافدين إلا أن الرأي الأول قد انتصر لأسباب عملية ومصلحية وليست روحية عقائدية لأن تهجير مواطنين افارقة بمئات الألاف يمثلون 4% من سكان اسرائيل يعني ان لليهودية واسرائيل جذوراً افريقية وأن رمزية ذلك الاندماج الاسرائيلي في افريقيا والاندماج الافريقي في اسرائيل تعبر عن نفسها في علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية حيث لم تعد الاولوية الاسرائيلية مجرد طارئ وانما دولة لها مرتكزات سياسية وبشرية ومعطيات حضارية.



    ويواصل د. حسن مكي حديثه ويقول ان ترحيل الفلاشا ابرز صورة اليهودي المشرد المضطهد والمهمش مما اكسب اليهودية الدعم والعطف العالمي.



    * سودت وجه السودان:



    ويضيف د. حسن مكي ان عملية ترحيل الفلاشا سودت وجه السودان والبست الحكومة القائمة في ذلك الوقت ثوب العار فهناك عملية تهجير تمت بعلمها ومساعدتها لدولة اسرائيل.



    سألنا د. حسن مكي ما هو المكسب بالنسبة للسودان من هذه العملية، أجاب ان الثمن كان مواصلة دعم نظام مايو الذي كان يواجه بانتقادات حادة في سياساته وبدأت القوة المعارضة تعد العدة لاسقاطه اضافة الى غض النظر عن كثير من القضايا كقضية مقتل محمود محمد طه والسياسات الخاطئة المتعلقة بتطبيق الشريعة الاسلامية وعندما استنفد المخطط الاسرائيلي والامريكي اغراضه التقت سريعاً للتخلص منه.



    وأردف لم تكن المظاهرات التي اجتاحت كل مدن السودان فيما سمى بالانتفاضة سبباً كافياً لاسقاط النظام بل ان المؤثر الخارجي المتمثل في امريكا واسرائيل بصفة خاصة وتعاون الجيش السوداني بقيادة المشير سوار الدهب مع العملية الاحتجاجية سبباً أساسياً في اسقاط النظام المايوي من خلال تدفق مئات الملايين من الدولارات التي جاءت من امريكا وغيرها لتوطين الفلاشا وابرازهم كشعب مضطهد جاء في نهاية التاريخ لدعم اسرائيل ليصل بها الى لحظة العلو اليهودي وبذلك اسرائيل التي كانت عدواً للانسان الاسود كدولة تصير للسواد ذات امتدادات سوداء مما يمكنها من التغلغل في الضمير الزنجي وسط السكان.



    * استغلال السياحة للتجسس:



    يشير د. حسن مكي ان عملية عروسة وهي بداية تهريب الفلاشا كشفت ان اسرائيل تستغل السياحة لأغراض التجسس والتغلغل فهم قاموا بانشاء قرية سياحية وتوفير كافة المستلزمات بما فيها مطار ومناطق الغوص وبدأوا في جلب السواح الاوربيين والسفراء لكن في الحقيقة لم تكن هناك سياحة والقرية السياحية فكانت طائرات الهيوكوليز الضخمة تهبط ليلاً وتستقبل آلاف الذين كان يتم احضارهم عن طريق خشم القربة وكسلا الى عروسة وكان عدد المرحلين من الفلاشا من قرية عروسة (7) آلاف فرد.



    * تصفية نقطة امنية كاملة:



    روى لي الدكتور حسن مكي ان الأمن الاسرائيلي قام بتصفية نقطة امنية كاملة عندما اعترضت طريق احدى الشاحنات ولم يتم الكشف عن هؤلاء الضحايا الا بعد ان تم اجلاء اليهود الفلاشا.



    أشار الى ان عملية موسى والتي قام بتنفيذها جهاز امن الدولة المنحل بدأت بأخذ اللاجئين من كسلا وخشم القربة وتسيير الرحلات عن طريق الميناء الجوي المخصص للحجاج والتي تحملهم الى بلجيكا ومن ثم اسرائيل.



    وذكر ان هناك عدداً من العمليات تمت بصورة هادئة وسط المدينتين اذ كان يتم تحريك اللاجئين باوراق ثبوتية عبر مطار الخرطوم كركاب عاديين ويبلغ عدد الفلاشا الذين تم ترحيلهم 100 ألف فرد.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147522375&bk=1
    ___
                  

04-22-2008, 03:12 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    محمود الأفغاني

    د.كامل ابراهيم حسن



    حط الطائر الميمون بمطار كولون ومنها فقط تستطيع الوصول إلى بون عاصمة ألمانيا الغربية سابقاً والتي تنازلت عن هذا اللقب لبرلين بعد توحد الألمانيتين... تذكرت جنوب أفريقيا وكيف أنه يستوجب عليك أن تضع عصا الترحال في جوهانسبيرج أولاً ومنها بالسيارة يمكنك الوصول إلى بريتوريا العاصمة... خرجت من قاعة الوصول باحثاً عن عربة أجرة لتقلني إلى فندق (أكورا) حيث إخترت أن أقضي فترة وجودي ببون... مجموعة مهولة من عربات الأجرة مرصوصة علي جانب الطريق في الإنتظار... لا أدري لماذا إخترت محموداً... ربما من شكله ولونه خمنت إن كمية الدماء الآرية التي تجري في عروقه لا تفوق كميتها في عروقي أنا الأفريقي صاحب الخلطة العجيبة من الدماء الحامية... وكما يقولون: كل غريب للغريب نسيب...
    جلست في مقعد العربة الأمامي بعد أن ناولت محموداً قطعة ورق فيها عنوان الفندق ولكنه (وراسو وألف سيف) لن يتزحزح قيد أنملة وصار يردد (رطانة) لم أفقه منها شيئاً... وبعد أن أخبرته بأنني لست من الناطقين بها – أقصد الألمانية – قال مشيراً للحزام قائلاً (بلت – بلت – الحزام – الحزام) ففهمت أنه يجب أن أربط الحزام لأن عدم ربطك الحزام يعرضك لعقوبة مالية عالية وتذكرت أننا في السودان لا نربط الأحزمة عند ركوب السيارات ولكننا نشدها علي البطون.... بعدها فقط تحرك محمود.... وكعادتي أحب (طق الحنك والونسة) خاصة مع الحلاقين وسائقي التاكسي والتجربة علمتني أن هؤلا ء يمتلكون مخزوناً لا ينضب من المعلومات التي قد تفيدك أحياناً وفي كل الحالات تقصّر مسافة الطريق... لم أتردد وأعلنتها داوية: إن إصولك – بكل تأكيد – ليست ألمانية صافية وأن أحد والديك – علي أقل تقدير – ليس ألمانياً... ضحك ورد عليّ بقوله: أسمي محمود وأنا أفغاني من ناحيتّي الوالد والوالدة ولكني أحمل الجنسية الألمانية... وكمواطن شريف مقر بفضل الألمان تزوجت قبل بضعة أشهر من فتاة هي الأخري أفغانية حتي لا ألوث نقاء الدم الآري للمواطن الألماني القُح... جئت إلى هذا البلد وعمري لم يتعد الثانية عشر مع أخي الأصغر ويقود ركبنا عمي شقيق والدي.... والآن أبلغ من العمر السادسة والعشرين – أي أن عمري في ألمانيا أكثر من السنوات التي قضيتها في مسقط رأسي ومع الأيام تزيد وتزيد... وعلى سؤالي: هل فضل والداك البقاء في أفغانستان رد محمود: هرب والدّي من قمع الشيوعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية قلعة الرأسمالية ويعيشان الآن في فلوريدا... وهربت أنا وأخي وعمنا من جحيم إسلام طالبان... فرغم صغر سني حينئذ أعتقد إنني يمكن أن أتعايش مع نظام نجيب الرحمن ولكن لا أظنني أستطيع أن أتحمل العيش تحت نظام الملة عمر... سألته إن كان شيوعياً؟ ضحك وقال لي: لم أبلغ سن الحلم عندما غادرت أفغانستان وبالتالي لا يمكن أن أكون شيوعياً أو غير شيوعي... ولكنني أتذكر طفولتي هناك وظروف المعيشة وهي كانت بكل تأكيد أفضل بكثير من الظروف التي عاشتها أفغانستان وهي تئن وقد حط عليها نظام طالبان بكلكله كما حدثنا الهاربون من ذلك الكابوس... سألته: لماذا لم ينضم إلى والديه في أمريكا وفضل الهجرة إلى ألمانيا؟ قال: لم يكن لنا خيار فعمي هو الذي حدد قبلتنا وإتجاه وجهتنا وأظنه قد أحسن الإختيار... فأنا الآن أفهم بعض الشىء في السياسة وقد أصبحت أحتقر إدارات الحكومات طُراً في الولايات المتحدة الأمريكية وموقناً أن أحقرها على الإطلاق هي إدارة بوش الحالية... وأضاف: حقيقة أنا أستغرب كيف يمكن للولايات المتحدة أن تبلغ هذا الشأو العظيم وتصبح أكبر قوة في العالم والأكثر تقدماً في دنيا العلم والتكنولوجيا بينما حكامها أغبي خلق الله ولا يتعلمون في دنيا السياسة من تجاربهم درساً مفيداً واحداً... والنتيجة نجاحات تُحسب على أصابع اليد الواحدة وخيابات متعددة لا تحصى... أنظر إلى تجربتهم المهينة في فيتنام عندها تعتقد أن تجربة قاسية كتلك سوف تفرض عليهم عدم تكرار ذلك الخطأ الجسيم... ولكنهم لا يتورعون من إعادته في سيناريو قد يختلف في الشكل ولكن بنفس المضمون... فهم لا يقتنعون بإستحالة فرض إيماناتهم وطريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم - بغرض الإستيلاء على خيرات الدنيا - قسراً على الشعوب إن كان ذلك في أفغانستان أو العراق... إنهم فقط يعيدون ظلم نظم بائدة بظلم نظم أسوأ منها ولو تركوا الشعوب وحالها لتوصلت إلى حل مشاكلها بطريقة أكثر ملاءمة لظروفهم ولو بعد حين...إنهم لا يفقهون حقيقة بسيطة وهي: قد لا يضحي الإنسان بحياته من أجل ماله أو حتى عرضه ولكنه مستعد لمواجهة الموت دون خلجة جفن إن أنت مسست عقيدته أو مبادئه... هنا قاطعته بقولي: ولكن في فيتنام حارب الأمريكان الشيوعيين ولكن في أفغانستان والعراق يقاتلون المسلمين ! رد عليّ بقوله: سيان إن كنتَ تدعو إلى الإشتراكية أو إلى الشريعة الإسلامية... في الحالتين هي عقيدة يري فيها معتنقها سعادة وخلاص شعبه في الدنيا أو الآخرة... إن الإيمان بالمبدأ – يا صديقي – يجعل منك فارساً مستعداً للتضحية من أجله وجهلهم لهذه المسلمة وهو الذي برر وجود الحركات الإرهابية المتطرفة...
    عندها تذكرت فرساناً لنا في كرري إستقبلوا مدفع المكسيم بصدورهم غير عابئين بالموت دون أن ترمش لأحدهم عين في شجاعة نادرة أخجلت قاتليهم وذلك لإيمانهم بالإمام المهدي كمخلص وبالمهدية كعقيدة تجعلهم يعيشون براحة إن هم إنتصروا ويؤمنون بحسن الثواب وجنة موعودة إن هم أُستشهدوا... وفهمت سبب تلك الوقفات الرائعات الجسورة أمام الموت إن كانت الحالة موقف الأستاذ محمود محمد طه أو مواقف الرفاق عبد الخالق محجوب والشفيع وجوزيف قرنق وهاشم العطا وكوكبة البطولات تلك...
    صار محمود يقلني كل صباح إلى مباني الأمم المتحدة للمشاركة في الدورة التدريبية لفرق التقويم (Joint Implementation Assessment Teams) التابعة للإتفاقية الإطارية لتغير المناخ وينتظرني في نهاية اليوم لنرجع إلى فندق أكورا... في اليوم الثاني وبعد أن وصلنا الفندق لاحظت أن محموداً غير متعجل لمفارقتي... نظر إلىّ ملياً ثم قال: تحدثت مع عمي عنك وقد قال عمي – الذي عاش حوالي العشرين عاماً في إيران – إن أعز أصدقائه في ذلك القطر كانوا من السودان وقد تعرف على أغلبيتهم عن طريق صديقه العزيز محمد السوداني الذي درس الطب بإيران وكم يأسف أنه لا يعرف عنوانه اليوم بعد أن غادر إيران ليكاتبه... قال عمي: إن أطيب الشعوب الذين تعرفت عليهم هم السودانيون... وأنا أصدق عمي فهو صاحب خبرة ويعرف كيف يقيم البشر... أضاف محمود: أعلم أنك مريض وعلى سفر وعليه فقد سقطت عنك فريضة الصيام... أنا صائم فلا زلت – والحمد لله – شاباً معافى الجسم ولأني أقطن بعيداً من هذا المكان لن أطلب منك أن تتناول طعام الإفطار معي في منزلي... ولكنني أدعوك أن تكون في إستضافتي في أى مطعم تختار وأنا أعرف مطعماً تركياً في المجمع القريب من الفندق هذا يقدم طعاماً جيداً وأرجوك ألا ترفض دعوتي... قبلت الدعوة وقضينا وقتاً جميلاً قارب الساعتين ودفع محمود الفاتورة التي تفوق كثيراً كلفة المشوار التي دفعتها له...
    في رحلتي الأخيرة لمطار كولون متجهاً نحو أمستردام كان في صحبتي محمود وعندما حانت ساعة الفراق إحتضنني محمود بقوة ورأيت ما يشبه الدموع في عينيه وقال: لا تضيع رقم تلفوني وإذا حضرت إلى بون فإتصل بي وسيكون محمود الأفغاني في إنتظارك...

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521678&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 03:13 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من مدينة رفاعة
    اللواء الركن الشيخ مصطفى
    1- في مجال القضاء اعطت مدينة رفاعة الشيخ النور التنقاري مفتي الديار السودانية والد الرشيد واخوانه والشيخ بشير الريح والد عبدالرحمن واخوانه والسيد عوض محمد أحمد والد سعد واخوانه وهؤلاء ثلاثتهم قد اسسوا القضاء الشرعي لمدينة كانوا بنيجيريا كما اعطت مدينة رفاعة السودان في القضاء الشيخ القرني عبدالرحمن والشيخ عبدالاله ابوسن والاستاذ مهدي شريف والاستاذ عبيد النقر والاستاذ مبارك امام رئيس محكمة الاستئناف السابق والاستاذ صلاح ابوعصاية والاستاذ محمد الحسن الطيب والاستاذ علي محمد خير جابر والاستاذ الجيلي عبدالمنعم والاستاذ حسن أحمد جلي والاستاذ عبدالرحمن يوسف العوض والاستاذ همام ازرق.



    2- في مشروع الجزيرة أعطت السيد مكي عباس عينة الرجال وهو الذي سودن المشروع وصاحب مقولة (الرائد لايكذب اهله) والمفتشين السيد عوض الكريم سنادة والسيد أبوالقاسم حسن القاش والسيد عمر الجعلي والسيد عثمان الجعلي والسيد عثمان طه الفكي والسيد مبارك محمد خير والسيد الطيب غالب والسيد محمد احمد ابونورة والسيد عثمان فريجون والسيد المهندس الطيب عبدالرازق والسيد محمد الأمين صديق والسيد تاج السر محمد أحمد والسيد د.حسن الطيب الحاج مدير مشروع الجزيرة السابق والسيد حمزة ابوقبالة مدير مشروع الرهد والنيل الابيض السابق والسيد الزبير الشيخ الحسين والسيد الأمين محمد الأمين والسيد مأمون النور التنقاري والسيد هاشم بكري والسيد عثمان البشير المدني والسيد التجاني حاج مدني والسيد المهندس الفاتح سعد والسيد د.جعفر محمد ابوالحسن والسيد المهندس ابوزيد قسم السيد والسيد ميرغني عبدالرحمن ابنعوف والسيد المهندس عبدالله بشري والسيد أحمد محمد الحاج وكان هؤلاء في مشروع الجزيرة الذي كان يشبه ارامكو في السعودية ومع آخرين من ابناء السودان البررة هم الرأس والاساس فقد قدموا لوطنهم جلائل الاعمال.



    3- في وزارة الخارجية اعطت رفاعة السفير علي يس قيلي والسفير عبدالله علي جابر والسفير عمر الشيخ الحسن والسفير انور الهادي عبدالرحمن والسفير محمد محمود ابوسن.



    4- في مجال الطب اعطت الدكتور الشهير حسن عبداللطيف وعبدالله المبشر وعبدالوهاب ابوجديري ويس ابوتركي وعثمان معروف وانور حلواني والخاتم الياس وعبيد عكود ومحمد سرالختم ومصطفى بكري حاتم حلواني.



    5- في الاقتصاد: اعطت الخبير الاقتصادي علي أحمد ابوسن ( بنك السودان) والسيد معاوية عبدالوهاب وهاشم سيدأحمد والاستاذة فاطمة عايدابي والأمين على جابر والأمين سيدأحمد وعزالدين صديق محمد علي (بنك السودان).



    6- في مجال التعليم: اذا ذكرنا اسم بابكر بدري فأنه يكفي فهو ابو تعليم البنات في السودان واعطى من صلبه د. يوسف بدري وتبعه قاسم بدري وتقف الاحفاد شامخة دليلاً على عظمة ذلك الرجل.



    وتبعه في نفس السياق المربي الجليل عبيد عبدالنور بذكر كل ماذكرت مدرسة بيت الامانة والمربي الفذ المليك وتقف مدارس المليك شاهداً على عظمة هذا الرجل ويكفي انه من صلبة قد اعطى نفيسة المليك وهذه وحدها تكفي.



    لقد اعطت رفاعة جيلاً متفرداً من الرجال في التعليم الاستاذ عبدالمحسن عمر عبدالمحسن وعبدالجليل محمد والشيخ علي الحاج والشيخ حسن عبدالنور والشيخ لطفي عبدالله والشيخ يوسف ابوتركي والشيخ محمد سعيد واعطى من صلبه للتعليم درر، الاستاذ مصطفى والاستاذ عبدالرحمن. كما اعطت رفاعة للتعليم الوطني الكبير والمربي الجليل عبدالمنعم عبداللطيف والاستاذ القدوة ابراهيم عوض الكريم ومربي الاجيال عبدالقادر شريف والشيخ عثمان محجوب والشيخ محمد عبدالنور والشيخ عبدالله الفادني والشيخ البشير الفادني وقد اعطيا من صلبيهما الاستاذ عوض الفادني وعمر الفادني ومأمون الفادني. وكان هنالك الاستاذ أحمد يوسف قوي ومحمد إبراهيم ابوسن وحامدة شهونة واحمد علي جابر والشيخ طه الفكي وسعد طه الفكي وحسن طه الفكي والمربي الجليل عبدالرحمن أحمد ومجتبى عبدالوهاب وعمر محمد علي والأمين محمود الجزولي وشقيقه محمد محمود وعبدالله عباس ابوزرد والاستاذ قجة وهاشم امام شريف واحمد حسين الجمل والحاج الجمل وعثمان عبدالقادر نصر والشيخ ابوعاصية وعبدالباقي محمد احمد وعبدالله الجزولي وشقيقه الأمين الجزولي ومعتصم محمد الحسن وعلي جعفر النصيري ومهدي سالم ودفع الله محمد عبدالرحمن وأحمد عبدالكريم الاقرع والطاهر وقيع الله والاستاذ الفنان العالمي عثمان وقيع الله وعبدالرحمن علي الشيخ وعلي محمد خير افندينا والدكتور عمر النقر وبروفيسور معتصم البشير المدني وبروفيسور مهدي بشير وبروفيسور يوسف ابوجديري والاستاذ علي حمزة خيري ويوسف أحمد الطيب ومحمد الأمين فضل الله واحمد فضل الله واحمد سعيد الجمل والاستاذة نفيسة عوض الكريم ونفيسة المليك وزهرة الفكي ورقية حامد وحليمة الطيب وفاطمة النعيم وبخيتة احمد الحاج وعائشة مالك وفاطمة مكي، درر من الرجال ودرر من النساء جابوا هؤلاء الرجال المميزين وتلكم المعلمات الفاضلات من رجال وبنات رفاعة جميع انحاء السودان جنوباً وشمالاً غرباً وشرقاً ينشرون العلم وعلموا اجيالاً كثيرة حتى عم التعليم جميع انحاء السودان وخلدوا اسم رفاعة واصبحت تذكر كلما ذكر التعليم فلهم الرحمة والمغفرة امواتاً واحياء.



    7- لقد اعطت رفاعة لمدينة كوستي رجالاً كراماً الشيخ أحمد كوكو وأحمد عبدالقادر والشفيع وابو قبالة والرجل الشهم النعيمة البشير المدني والجاويش دفع اسكودر.



    8- لقد اعطت رفاعة مدينة عطبرة اعظم الرجال، المهندس محمود محمد طه والرجل الوطني والنقابي الجسور الطيب حسن ذلك العلم الفذ فقد قاد اضراب السكة حديد الشهير 33 يوماً ايام الاستعمار ورهن منزله ليدفع للعمال رواتبهم وجاءته وساطة من الخرطوم ابطال السياسة محمد احمد محجوب ومبارك زروق واجتمعا معه ونقابة العمال للتشاور ولما استمع الرجلان إلى كلام الطيب حسن الشجاع الوطني الثائر قالاً له (نحن لدينا طلب واحد لازم توفى لنا به) وقد ظن اعضاء النقابة والحضور ان الطلب سيكون رفع الاضراب ولكن السيد محمد احمد محجوب قال له (نطلب منك ان تقص شنبك شوية) وقاما وهما يعانقانه بحرارة دليلاً على تأييدة، فانظروا كيف كانت عظمة هؤلاء الرجال، وقد كرمت مدينة عطبرة المناضل الطيب حسن بأن سمت الشارع الرئيسي المؤدي إلى المطار باسمه، وقد اعطت رفاعة للسكة حديد عطبرة المهندس الخلوق حبيب أحمد الطيب والمأمور محمد ابو سنينة والسيد علي حسن واخيراً المهندس اسماعيل الجعلي.



    9- هنالك رجال كثر من ابناء مدينة رفاعة في المناطق التي استقروا بها، السيد طه عبدالباقي وعبدالرزاق احمد ابوالقاسم واخيه محمد وعمر وال دج بالقضارف وكسلا وال كشة وآل كرار، كما برزت اسماء خدمت السودان، السيد ابراهيم أحمد الطيب والمهندس عبدالله جعفر والاستاذ عبدالحكم محمد الأمين والمهندس محمد محمد الأمين الشاعر الرجل القومي منصور حسن وال زمراوي وال فريجون والمهندس محمد الطيب التوم والمهندس الفاتح علي موسى والمهندس الصديق دفع الله والاعلامي اللامع فريد عمر مدني.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521532&bk=1
    __________
                  

04-22-2008, 03:14 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    هل نقرأ التاريخ بعيونك فقط يا عروة؟(3-3)

    وجدي صالح عبده-المحامي



    يمكننا هنا تلخيص اهم ما احتوته الوثيقة من حديث عن19 يوليو يدحض مزاعم الاستاذ عروة بتحالف البعث والشيوعي بالاستعانة بما ورد بالوثيقة بالصفحات134/133/132 والتى جاء فيها(ان الظروف الموضوعية والازمة الخانقة التى كانت تعيشها الحركة الثورية وضعفها وافتقارها للخط النضالي السليم بالاضافة الى توازن القوي داخل القطر وعلى المستويين العربي والافريقي لم تكن تبرر حركة 19يوليو كما انها بالضرورة لم تكن تسمح بنجاحها...).
    ان حركة19 يوليو كانت مفاجأة للحركة الثورية والجماهيرية المنهوكة القوي والمقيدة الامكانيات... ان حركة يوليو اتت فى ظروف غياب الجبهة الوطنية التقدمية الموحدة حول برنامج عمل محدد والمستوعبة لطاقات الجماهير والمنظمة لقدراتها النضالية... ومن مركز السلطة طرحت قيادة حركة19 يوليو شعار سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية.. وهذا وضع معكوس!!
    ان البرنامج الذي طرحته حركة19يوليو واضح فى جانبه السياسي المتعلق بالديمقراطية واطلاق طاقات الجماهير وحريات العمل الحزبي التقدمي والنقابي وتصفية اجهزة القمع التي كونتها سلطة مايو ولكن الجانب الاقتصادي فى البرنامج كان ضعيفا يتميز بعدم الوضوح ويحوم حول نفس محاور 25 مايو الاقتصادية.
    ان حركة19 يوليو لم تضع فى اعتبارها توازن القوي داخل الجيش ذي الطبيعة المحافظة كما لم تضع فى اعتبارها ازمة الحركة الثورية ممثلة بغياب الجبهة الوطنية التقدمية الحقيقية وانقسام الحزب الشيوعي وركود الحركة الشعبية والتخريب المنظم الذي مارسته سلطة مايو فى اوساط الحركة النقابية كما لم تضع فى اعتبارها توازن القوي فى الوطن العربي والدور الذي يمكن ان تلعبه دول ميثاق طرابلس والاتحاد الثلاثي لحماية انظمتها من السقوط.
    لكل هذه الاسباب والظروف مجتمعه نستطيع ان نقول ان واقع الحال محليا وعربيا لم يكن يبرر ما حدث فى19 يوليو او يؤشر الى نجاحه واستمراره ولكن ذلك لا يعني على الاطلاق الانتقاص من قيمته كوقفة جريئة ضد نظام ارهابي ينكل بالحركة الشعبية ويسير فى اتجاه جرها الى الوراء عشرات السنين ان القيمة الحقيقية لحركة19 يوليو هي انها دفعت بالطغمة العسكرية المتسلطة على شعبنا لان تكشف كل اوراقها دفعة واحدة وان تعري طبيعتها الرجعية المعادية لاماني شعبنا والتقدم والديمقراطية والتى ظلت تسترها بغبار كثيف من الشعارات الوطنية التقدمية...الخ).
    ذلك هو موقف حزب البعث باختصار من حركة19يوليو والذي يسجل هذا الموقف لايمكن ان يكون حليفا فى حركة هذا هو حكمه عليها والمدهش حقا هنا ان لا الحزب الشيوعي ولا من شيعوا تشيعهم او حزبهم قد تحدث عن تحالف بعثي شيوعي فى حركة19 يوليو.
    وعندما يقول الاستاذ عروة مغتبطا من فشل حركة 19 يوليو( الحمد لله الذي حفظ السودان) فكأنه يحمده على استمرار نظام السفاح نميري والذي اذاق شعبنا الامرين بشكل خاص بعد محاكم الطوارئ بالقطع من خلاف واعدام الخصوم السياسيين (الشهيد محمود محمد طه) وتكفير البعثيين (محكمة المكاشفي طه الكباشي لعدد من البعثيين) والخراب الاقتصادي والفساد الاخلاقي وترحيل اليهود الفلاشا.. الخ والتسلط حتي على الحركة الرياضية (الرياضية الجماهيرية76) هل هكذا حفظ الله السودان كما اعلنتم اخي عروة حمدكم لله عليه!!
    اترمون بالغيب ما كان يمكن ان ينجم عن 19يوليو!!!! فى واقع الامر فان القراءة الجيدة للتاريخ تقول ان هذه القراءة لايمكن ان تستبطن الغيب الذي لايعلمه الا الله بقدر ما تقدم حكمها على الكتاب الذي بين ايدينا ولقد وفرت19 يوليو عبر بيان قائدها العسكري برنامجها الذي حاكمناه... هذا هو المهم وليس محاكمة النوايا والخفايا والافتراضات التى لاتقوم على بنيان والتى لن تفلح في حجب نور الحقيقة.
    الاستاذ عروة بقياساته وافتراضاته التى طرحها تلك كأنما يريد وهو يطلب من(الشيوعيين والبعثيين والناصريين ان يعكفوا على مراجعة سياسية وفكرية لمنهجهم اذا ارادوا تحولا ديمقراطيا معافيا اما ان كانوا يريدون الاستفادة من هذا التحول ليعيدوا لنا سيرة الصراعات الدموية للانقلابات فهذا ما لانسمح به...)!! كأنه يريدنا ان نقرأ بعينيه على ما فى تلك القراءة من معيبات كما نراها بأعيينا ومانراها من قراءة او مراجعة او تقييم صائب لتجربتنا والتى نضعها لتقويم وتمحيص مؤسساتنا الحزبية الديمقراطية وهو تقييم مؤسسات... وجماعة على كل حال وليس تقييم فرد كاتب عمود او رئيس تحرير مع كل التقدير لامكانات كل الافراد كوكلاء او غيرهم ممن لايرتبطون بمنظومة (حزب-جمعية- رابطة- نقابة..الخ) ثم ان التحول الديمقراطي فى قناعتنا ليس طلبا يقدم ليستجاب له، بل هو فعل نضالي تنتزعه انتزاعا من براثن من اعتدي وتغول عليه ونحرص على الا يقع فى ايدي من يضمرون السوء للخيار الديمقراطي وللنظام الديمقراطي ذلك كان نهجنا مع نظام عبود ثم مع نظام نميري والآن مع نظام البشير بل ذلك كان نهجنا ونحن ننخرط فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية عندما صدر قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية وكذلك موقفنا الذي دفعنا ثمنه رضاء من شعبنا-ولايهمنا بعد ذلك ان رضي عنا الاستاذ عروة ام لا وان تمنينا ان يرضي عنا كل ابناء شعبنا بما فيهم الاستاذ عروة على الحق وليس على الباطل اما عبارات من قبيل(هذا ما لانسمح به) فهي لاتختلف كثيرا عن تهديدات اجهزة الامن فى محاولاتها البائسة لمنع نشاط حزبنا وفعالياته وهو يقاوم الاستبداد ويرفض الاعتداء على الحريات بما في ذلك الرفيق ابو راس يوم جري اعتقال الاستاذ عروة فى جمع من الصحفيين والاعلاميين والساسة داخل دار صحيفة السوداني ومطالبته باطلاق سراحهم وتأكيده على خطل الظن بامكانية حدوث تحول ديمقراطي بارادة هذه الفتنة التى اعتدت على الديمقراطية فى30يونيو.
    نحن لانضع المبررات لاحد بطريقة عروة عندما يقول (على الرغم من اننا ضد احتكار الاسلاميين للحكم وسلوكهم السياسي القائم على اقصاء الآخر والسلحفائية فى التحول الديمقراطي والديمقراطية فاننا نجد لهم العذر فى تخوفهم من الآخرين..) انه نفس منطق عروة حينما يقول (الحمد لله الذي حفظ السودان) فهو يبرر للانقاذ فعلها بدءاً من30 يونيو ولايري فيه عيبا سوي احتكار الحكم، سلحفائية التحول الديمقراطي اقصاء القوي الاخري ولشئ فى نفس يعقوب لم يشأ الاشارة الى بيوت الاشباح والزنزانة 16 التى مر عليها كما مررنا عليها ولئن كانت تهمنا اننا معارضون وطنيون للنظام فلن نتوقف كثيرا فى سؤال الاستاذ عروة عن اسباب اعتقاله آنذاك... ولم نبرر للنظام اعتقاله كما لا نبرر العمالة للاجنبي او الاستقواء به فى مواجهة النظام.
    واخيرا نتوقف عند السودانوفوبيا التى يتحدث بها لسان عروة (لماذا لاتكون احزابنا احزابا سودانية لحما ودما وفكرا... لماذا نستمد افكارنا ومنهجنا من الخارج خاصة تجاربه الفاشلة...الخ) لعمري ما هذا المنطق ان مؤتمر الخريجيين الذي يعتز به كل وطني سوداني اهو فكرة سودانية ام تأثر بالفكر الانساني الذي سبقنا بالهند، وهل تعبير او صيغة الاحزاب او فكرتها فكرة او لحما او دما سودانيا سائغا؟؟!! من هي حواء السودانية التى انجبت لنا (الحزب)كتنظيم؟!!
    ومن هو المفكر السوداني منذ بداية تاريخنا المكتوب باثاره المحفوظة الذي ابتدع لنا النظام الديمقراطي؟!! التاريخ الذي يكتب به محجوب عروة (يونيو، يوليو) اللغة التى يكتب بها محجوب عروة النموذج (الصحيفة) التي يطالعنا فيه عروة (الصورة والكاميرا التي التقطتها لعروة) الخ... اين هي شهادة ملكيته السودانية لها بشحمها ودمها؟؟.
    ذلك كله ياسيدي من تفاعل البشرية الانسانة نأخذ منها وننهل منها دون ان يكون ذلك على حساب خصوصيتنا ولن تكون خصوصيتنا فوبيا فى طريق تفاعلنا مع الآخرين والاهم من ذلك ان عنوان سودانية حزبنا هي ماظل يقدمه هذا الحزب فى ساحة النضال الوطني مهرا للدفاع عن استقلال السودان وسيادته ووحدته شعبا وارضا ونظاما ديمقراطيا تتحقق فيه المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات ونظاما اقتصاديا تتحقق فيه التنمية والعدالة الاجتماعية.
    ولكل اسم من اسماء الاحزاب التي استكثر عليها اسماءها الاستاذ عروة دلالته ومغزاه عند منتسبيه- ما يهمنا نحن اننا نعتز باننا بعثيون ونرجو ونعمل على بعث امتنا العربية وان تكون متحدة ويسودها نظام اشتراكي ولانخجل من الاعتزاز والفخر بها سيما وان تاج حزبنا الشهيد صدام حسين قد اصبح في استشهاده كما فى حياته رمزا يعتز به الشرفاء فى المعمورة.. هذا هو حزب البعث الذي نعتز به وتجربته التى نفاخر بها والحمد لله.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521278&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 03:15 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    جنرالات باكستان والسودان.. نفس الملامح والشبه
    الفاضل حسن عوض الله
    ما أشبه الجنرالات الذين حكموا باكستان بنظرائهم ممن حكموا السودان. وما أشبه تاريخ الدولة الباكستانية الذي يجسد حالة شد وجذب بين الحكومات المدنية والعسكرية، ما أشبهه بتاريخ السودان المعاصر. حكم العسكريون باكستان أكثر من نصف تاريخها إذ هيمنوا على سدة الحكم 33 عاماً في حين نعم المدنيون بـ27 عاماً غير متصلة منذ ميلاد الدولة في 1947 كوطن لمسلمي شبه القارة الهندية.
    منظومة الجنرالات الثلاثة الأول في باكستان وتشمل اسكندر ميرزا وأيوب خان ويحيى خان الذين انقلبوا على الحكم المدني بدءاً من 1953، ثم ما لبثوا أن افترس كل خلف منهم سلفه وأقاموا أنظمة تفتقر للأيديولوجيا. اللهم إلا من ركونهم إلى المؤسسة العسكرية ونهجهم الكلاسيكي الذي ينحو صوب الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل من مناهضة المد الشيوعي الذي اجتاح العالم وقتها أيديولوجيتهم المنشودة. هذا النموذج يكاد يتطابق مع نموذج حكم الجنرال إبراهيم عبود في السودان الذي سار على نفس النهج النمطي التقليدي بالركون إلى المؤسسة العسكرية (الجيش) ووضع النظام بأكمله كترياق لمواجهة المد الشيوعي في تناغم تام مع الاستراتيجية الأمريكية. أدى هذا النهج إلى استقطاب الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي، فقد شهد السودان قوافل المعونة الأمريكية وبالمقابل حظيت باكستان على عهد أيوب خان ومن بعده يحيى خان بمساعدات اقتصادية وعسكرية أمريكية لعقد من الزمان وانضمت الدولة الباكستانية لمعاهدات دفاعية شتى تحت الرعاية الأمريكية لمناهضة الاتحاد السوفيتي.
    ويمثل موقف الولايات المتحدة الانتقائي تجاه جنرالات السودان وباكستان وحكوماتهم العسكرية محور تشابه إضافي في التاريخ المعاصر للدولتين، فأنظمة الجنرالات التي حكمت البلدين كانت موضع ترحيب وارتياح من الإدارة الأمريكية وهو الأمر الذي لم تحظ به الحكومات المدنية الديموقراطية التي تعاقبت على البلدين. ظلت هذه الحكومات المدنية في البلدين تتجرع من كأس التنكيل السياسي والعقوبات الاقتصادية الأمريكية حتى الثمالة !
    انقض الجنرال ضياء الحق على سلطة (ذو الفقار بوتو) المنتخبة في باكستان في العام 1977م بينما كان جنرال السودان الثاني (ومشيره الأول) جعفر نميري يترقب بشارات فجره الكاذب ويطلق شعارات القيادة الرشيدة و(يؤلف) المجلدات الثقال حول النهج الإسلامي لماذا.. وكيف.. ومتى.. (وربما حتى) ! ما أشبه الرجلين وما أشبه الجنرالين. ضياء الحق ادعى أنه صاحب مهمة تاريخية لأسلمة باكستان وتحت رعايته نمت الجماعات الإسلامية وأفرخت وتحولت إلى تيارات ممولة جيداً ومدعومة من استخباراته. ومضى الجنرال الباكستاني في الشوط إلى منتهاه حينما قاد ولي نعمته (ذو الفقار بوتو) إلى حبل المشنقة قرباناً لهذه الأسلمة المزعومة، والتي لم تكن سوى ستار دخان يداري به صفقة عقدها مع الأمريكان ووكلائهم في المنطقة من أجل مكافحة الغزو السوفيتي لأفغانستان. تلك الصفقة التي تحول بموجبها إقليم وزيرستان الباكستاني المتاخم لأفغانستان إلى معبر استراتيجي لدخول المتطوعين والمجاهدين. أمريكا يومها ما أرادت نصرة المجاهدين الأفغان مرضاة لله أو احتساباً في ميزان الحسنات بل كان الأمر فزعاً استراتيجياً من اقتراب الاتحاد السوفيتي من المياه الدافئة.
    وبنفس الملامح والشبه كان جعفر نميري قد نضبت من بين يديه كل تكتيكات التحالفات المرحلية وافترس في مشواره السياسي قيادات الشيوعيين ونفض يديه عن الأخوان الجمهوريين ولم تكسبه (المصالحة الوطنية) مدداً سياسياً وأرقت نومه النقابات. لكل هذا راح يدغدغ الأشواق الإسلامية ويغازل من نصبوا أنفسهم سدنة لهذه الأشواق، فأكرم وفادتهم وبذل لهم حيزاً من مطارف الحكم وحشاياه تأسى بنظيره باكستاني ضياء الحق فأقدم على إعدام محمود محمد طه قرباناً لهذه الصفقة الكا سدة.
    غاب على فطنة جنرالي باكستان والسودان (إن كان هناك من فطنة) أن الاستراتيجيات الدولية لا قلب لها ولا مشاعر، فجنرال باكستان استنفد أغراضه فى خدمة الاستراتيجية الامريكية بعد خروج السوفيت من افغانستان وآن الأوان لتقليم أنياب الجماعات الاسلامية الباكستانية التي ايقظها الجنرال. وجنرال السودان أوشك عياره الاسلامي أن يفلت من يديه وهكذا احترق الاول مع طائرته هى تعود للخرطوم من دونه وبقى حسيراً يرقب طي البساط الاحمر من تحت اقدامه فى مطار القاهرة صباح السادس أبريل 85.
    وينسل من الرحم الباكستاني العسكري جنرال جديد هو برفيز مشرف الذي أطاح بآخر حكومة ديمقراطية عرفتها باكستان فى العام 99 وسط استنكار مصطنع من عواصم العالم الغربي سرعان ما تلاشى مع تداعيات زلزال 11سبتمبر. انفض سرادق الاحزان على ديمقرطية باكستان الموءودة في تلك العواصم وأصبح الجنرال الجديد مطلوباً ومشتهياً. لم (يكذب الجنرال أهله) فألقى بنفسه وبلاده في ضرام استراتيجية الحرب على الإرهاب وعض بأسنانه على (جزرة) المحافظين الجدد، ومثل ما فعل ضياء الحق من قبله، جعل من شريط وزيرستان الحدودي مع أفغانستان معبراً للاستراتيجية الأمريكية ولكن باتجاه معاكس هذه المرة.
    أما في السودان فقد كان الشيخ وحواريوه في مطبخهم يمزجون العسكرية بالعقائدية ويتآخى على يديه الجنرالات والشيوخ. وما فطن الطاهي النابه إلى النيران وقد أمسكت بثوبه فانفض من حوله الجنرالات (والحيران) معاً. ظلت الإنقاذ يعد أن تكاثرت عليها نصال الضغوط الدولية وتهاوى مشروعها الحضاري وفتن أهلها بالسلطة وانصاعت طائعة أو مرغمة إلى رغائب الاستراتيجية الدولية، ظلت وظل بعض رموزها يمنون النفس بأن ينالوا حظوة جنرال باكستان (مشرف) ويحلمون بسحائب أوسلو ولندن وواشنطن تمر خراجها عليهم في الخرطوم. ولكن فات عليهم أن حظوة الجنرال الباكستاني – والتي بدأت في التلاشي – إنما جاءت بغرض استخدامه في مجابهة نيران الحرب المزعومة على الإرهاب في أفغانستان، ومحاصرة ألسنتها وإخمادها حتى لا تطال باكستان معقل الأصولية الإسلامية وموضع أول ترسانة نووية إسلامية. ولكن الأمر كان مختلفاً في إفريقيا جنوب الصحراء والتي تضم في ثناياها السودان حيث تبدو متطلبات الاستراتيجيين الأمريكيين جد مختلفة، فالمطلوب هنا ليس إخماد الحرائق بل إضرامها من أجل تفكيك الخارطة السياسية وإعادة تشكيلها من جديد. خلاصة القول أن ما من (جزر) أمريكي سيطاله فم السلطة في السودان وأن جنرال باكستان مشرف مطلوب (استراتيجياً) في الوقت الراهن على الأقل، بينما نظام الإنقاذ مطلوب (قضائياً) ما لم تتحرك الثوابت وتسكن المتغيرات في ركائز الاستراتيجية الأمريكية.
    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521472&bk=1
    ___
                  

04-22-2008, 03:15 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حرية العقيدة والإعتقاد
    د.كامل ابراهيم حسن
    يعتقد بعض كتاب الأعمدة في صحيفة السوداني أن الحركة الشعبية لتحرير السودان مرتبطة بصورة أو أخري ليس بالفكر الإشتراكي وحده بل وبالحزب الشيوعي السوداني... وأول القائلين بذلك وقبل ذاك البعض من كتاب الأعمدة مسئول وقيادي كبير بالمؤتمر الوطني وقد صرح المسكين بعد إنقلاب الإنقاذ بمدة قصيرة بقوله :.... وكلنا يعلم أن جون قرنق يسير علي خطي شقيقه جوزيف قرنق عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني... وبتمرده هذا يريد جون قرنق أن ينتقم لأخيه الذي أعدمه الرئيس السابق جعفر نميري الخ... فصديقنا السياسي المتمرس لا يقول بشيوعية جون قرنق ولكن يخبرنا بمعلمه ( شقيقه ) جوزيف قرنق...
    أنا لا أريد مناقشة صحة من عدم صحة هذه المقولة ولا أظن القارىء يحتاج إلى تبيان حقائق في هذا المجال فالكل يعرف ألا جامع دم بين جوزيف قرنق وجون قرنق إذا إستثنينا القبيلة ( الدينكا )... الموضوع عندي أكبر من ذلك لأنه يدخل إلى لب قضية مبدئية وهي حرية العقيدة والإعتقاد وعليه ما هي الخطيئة إذا كان جون شقيق جوزيف وأن الثاني شرب الماركسية حتي إرتوي من كف ( شقيقه ) المزعوم... هنا نريد مناقشة حرية العقيدة والإعتقاد من وجهات نظر متعددة مع التركيز علي رأي الإسلام في ذلك نسبة لأن كل من كاتب العمود والسياسي المحنك من أتباع الإسلام السياسي...
    كل المواثيق الدولية ومواثيق حقوق الإنسان تقول بأن حرية العقيدة والإعتقاد لكل أفراد البشرية حق أساسي يكفله له القانون ولا يصح التفريق بين إنسان وآخر أو إستعلاء هذا علي ذلك علي أساس العقيدة أو الرأي السياسي الذي يتبناه ولا يصح لأي جهة أن تنتزع منه هذا الحق.... ويقول عراب الإنقاذ الدكتور حسن الترابي في محاضرة له نظمها إتحاد طلاب جامعة الخرطوم معلقاً : وما دام كذلك هو الأصل خلقاً وشرعاً فالحرية مؤصلة في العقيدة وأحكام الشريعة الفرعية إنما تعبر عن ذلك الأصل العقدي الذي أُسس عليه الدين... ومن ثم نجد في الشريعة السياسية إباحة للفرد المسلم أن يكسب كسبه بإجتهاد في الراي... فمهما وُضعت عليه ضوابط التعليم والتوجيه فليس لأحد – ما دام التفكر عبادة والإجتهاد فرعاً من التدين وإبداء الرأي نصيحة واجبة – ليس لأحد أن يسكت صوت المسلم الحر... الخ لا يقف د. الترابي عند هذا الحد بل يقول عن مسألة الإيمان والكفر :... ذلك لأن الحرية في أصل العقيدة الدينية هي قدر الإنسان الذي تميز به عن كل مخلوق سواه... فمهما كانت الأشياء تسجد لله كرهاً ومهما سجد كذلك العنصر المادي من جسم الإنسان فإنه بإرادته حر مختار إن شاء عبد الله سبحانه وتعالي طوعاً وإن شاء كفر." كما يقول وليس لمخلوق مهما عظمت مكانته أن يجبرنا حتي علي قبول الدين الصحيح : ( لذلك هو قدر الإنسان الطبيعي وهو كذلك حكمه الشرعي... فلم يجعل الله لرسول أو حاكم عليه سبيلاً ليكرهه علي قبول الدين الصحيح... فكما لم يركب الله في فطرة الإنسان ما يلجئه إلجاءً ولم يركب في عقله ما يضطره إلى أن يستسلم لحقائق الإيمان لم يجعل كذلك للسلطة الإجتماعية ولاية إجبار تتحكم في الإنسان كيف يتخذ موقفه من ربه...الخ
    قد يقول قائل هل يصدق أحد أن هذا الحديث المتقدم والإيمان القوي المؤسس بالحرية كحق أصيل يأتي علي لسان عراب الإنقاذ التي إنتهكت كل المواثيق والقوانين السماوية منها والوضعية وأذاقت كل من يختلف معها في السياسة لا الدين مر العذاب ومن قبل المستشار والمبايع ( للإمام ) نميري الذي إغتال خيرة أبناء هذا الشعب لأنهم لم يوافقوه الرأي في السياسة أو الذي إختلف معه في فهم الإسلام كالأستاذ محمود محمد طه !!!؟ نعم نصدق... فديدن جماعة الإسلام السياسي أن يقولوا ما لا يفعلون...
    السودان الآن يعيش محنة كبيرة بل هو في مفترق الطرق وأس هذه المشكلة هو ( نشاف ) رأس تلك الجماعة التي حتي الآن لا تريد أن تفهم أن الإسلام السياسي هو المعوق الأكبر في بناء دولة حديثة متلائمة مع الظروف المحلية والعالمية... متي يرى هؤلاء أن السودان ماعون واسع يضم المسلم والمسيحي واللاديني... يضم العروبي والزنجوي... وهكذا لا يمكن أن يحكم إلا عن نهجٍ ديموقراطي علماني... ومتي يفهم هؤلاء بأن للدين مدارس مختلفة وأن فهمهم له لا يشترط أن يكون الفهم الصحيح... وما لنا لا نأخذ من الآخرين عبرة... فقد فشل الإسلام السياسي في كل مكان حتي في تلك البلدان التي جاء ممثلوه عن طريق صناديق الإنتخابات ولنا في جماعة حماس مثال حي...

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147522566&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 03:16 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من ذكريات الماضي والحاضر:مصير نيفاشا والإنقاذ.. بين الصقور والحمائم
    حديث الجمعة:محجوب عروة
    بمناسبة انتقادي له مؤخراً عقب مؤتمره الصحفي.. لست أدري لماذا صار (شيخ) علي عثمان صقراً في فاتحة الستينيات من عمره، وقد كان منذ شبابه خاصة عندما عرفته عن كثب منذ عام 1968م ونحن طلاب غض الإهاب شاباً مهذباً، حليماً، لطيفاً، مرناً، حتى اننا كنا نصنفه في خانة (جناح الحمائم) في الحركة الإسلامية عندما كانت تواجه نظام مايو؟؟. كان الشاب علي عثمان من أكثر المقربين الى الأستاذ محمد يوسف محمد المحامي القيادي في الحركة الإسلامية، وعندما تخرج في كلية القانون وعمل في المحاماة في مكتب الأستاذ محمد يوسف تأثر به كثيراً. وقد كان الأستاذ محمد معروفاً باتجاهاته الوفاقية وأفكاره الوسطية في الصراعات سواء داخل الحركة الإسلامية أو مع القوى السياسية الأخرى، وكان دائماً يميل للمصالحة حتى مع نظام مايو في أكثر أوقاته عداوة للحركة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء السيد بابكر عوض الله.
    أذكر أنني في عام 1970م وفي فترة الإجازة بجامعة الخرطوم وعقب أحداث الجزيرة أبا استدعتني قيادة الحركة الإسلامية (الأستاذ عبدالله بدري وصلاح أبو النجا) وأرسلاني سراً الى بيروت برسالة الى الأستاذ عثمان خالد مضوي، ممثل الإخوان في الجبهة الوطنية، وطلب مني إبلاغه بأن مكتب الإخوان اقتنع بوجهة نظر الأستاذ محمد يوسف بأهمية الهدنة مع نظام مايو حيث إن الأستاذ محمد يوسف اتفق مع رئيس الوزراء بابكر عوض الله –بحكم صلة المصاهرة بينهما- على أن تنشأ هدنة بين الإخوان ونظام مايو، وفي مقابل ذلك يسمح للإخوان بالنشاط الديني (دون السياسي) وتعاد لهم مطبعة الميثاق التي صودرت منهم، وربما يطلق سراح بعض قياداتهم من المعتقلات.. فسافرت سراً الى بيروت ومعي صديقي الطالب محمود أحمد جحا الذي كان عائداً لتوه من إثيوبيا بعد هروبه من الجزيرة أبا عقب ضربها واستشهاد محمد صالح عمر، الذي عاد للسودان بتوجيه من الشريف حسين الهندي وعثمان خالد مضوي ود.عمر نور الدائم ومهدي إبراهيم وقطبي المهدي، وذلك لجمع المزيد من المعلومات ورصد تداعيات أحداث الجزيرة أبا.. وكان من ضمن المهمة ان طلب من الأخ محمود جحا تصوير الدبابات الروسية (T55) التي استوردها نظام مايو وذلك ليتم نشرها في الصحف اللبنانية اليمينية كجريدة (الحياة) الشهيرة تأكيداً لسيطرة الاتحاد السوفييتي على النظام السوداني.
    كانت مهمة خطيرة دون شك، ولكن يشاء الحظ أن يحالفنا، فننتهز احتفالات نظام مايو بعيده الأول في يوم 25 مايو 1970م، وطلبنا من المصوراتي الشهير الأخ صلاح عبدالله أن يقوم بتصويرها، فقام الأخ صلاح بالمهمة خير قيام وبكل الكفاءة رغم أنه كان مراقباً ومشكوكاً فيه بطبيعة الحال.. ثم كانت المهمة الأصعب كيف نستطيع أن نستخرج جوازاً جديداً للأخ محمود جحا لنسافر سوياً لبيروت، وهو الذي فقد جوازه الأصلي في الجزيرة أبا فربما عثرت عليه السلطات.. المهم استطعنا أن نستخرج الجواز.. وعندما وصلنا الى بيروت علمنا أن د.حسن الترابي أرسل من خلف مكتب الإخوان شخصاً موثوقاً من معتقله برسالة للإخوان بالخارج يقول لهم إن قرار مصالحة مايو حينها خاطئ من أساسه وأن استمروا في المعارضة ولا تلتفتوا للوراء، وأن فكرة الهدنة التى اقترحها بابكر عوض الله ما هي إلا محض وسيلة لاستدراج الإخوان ولشق الجبهة الوطنية وإضعافها، فماتت فكرة المصالحة مع مايو ولم تنجح إلا في عام 1977م.. هذه الرواية أكدها لى ذلك المبعوث الخاص.
    قلت إن الشاب علي عثمان كان يعتبر من جناح الحمائم في الحركة الإسلامية خاصة بعد المصالحة الشهيرة في عام 1977م رغم أنه اعتقل مراراً، كيف لا وهو القيادي الطلابي وأول رئيس لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1969م قاوم نظام مايو فحل وزير الداخلية فاروق عثمان حمدنا الله اتحاده وأصبح منذ وقتها هدفاً منذ أن عمل قاضياً جزئياً في بداية حياته العملية.. ولكن بعد المصالحة الوطنية عام 1977م أخلص للمصالحة وصار قيادياً في مجلس الشعب وكسب بعلاقاته الودية كثيراً من الأصدقاء في ظل نظام مايو، وأعتقد أن الأخ علي الذي بدأ يخطو خطوات متسارعة وواثقة نحو زعامة الحركة الإسلامية حينها، ربما كان على يقين لو أن مايو أخلصت النية واعتمدت التطور السياسي والدستوري سبيلاً لكان هو النهج الأفضل، ولعل هذا التفكير هو الأصوب والأسلم، ولكنها لم تصبر عليه فبعد أن نقض النميري اتفاقية ودستور أديس أبابا المكتوب نقض عهده ودستوره غير المكتوب مع الحركة الإسلامية فأودعهم سجن شالا ولكن ظل علي عثمان طليقاً..
    ولقد حاول علي عثمان جاهداً أن ينقذ إخوته من مصير مشؤوم وهم في السجن خاصة أن النميري كان قد أعدم الأستاذ محمود محمد طه، وربما يفعل نفس الشئ بالترابي، فحاول علي عثمان أن يصلح ذات البين.. ولكن الأقدار كانت أقوى منه فذهبت مايو صبيحة السادس من إبريل عام 1985م بسبب طيشها السياسي ونقضها للمواثيق والدستور. وعقب انتفاضة أبريل تسارع إيقاع الأستاذ علي عثمان وهو يخطو خطواته نحو قمة الحركة الإسلامية، وكان محبوباً ومحترماً من إخوانه فصار نائباً للأمين العام دون منازع.. حتى جاءت الإنقاذ وما أدراك ما الإنقاذ فصارت (كل السلطة بيد الجبهة.. وكل الجبهة بيد القيادة الجديدة... السوبر تنظيم)، كما قال د.عبد الوهاب الأفندي في كتابه الشهير يجلس على قمته د.الترابي وعلي عثمان وآخرون.
    ويؤكد كثير من قيادات وقواعد الحركة الإسلامية صحة مقولة "إن السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، فكان الأوفق بالحركة الإسلامية (والسوبر تنظيم) أن يستمر بمنهج الشورى والمؤسسية اللذين اعتادت عليهما الحركة الإسلامية منذ نشأتها، ولكن.. وآه من لكن.. انتهت الحركة الإسلامية الى صراع عنيف حول السلطة والنفوذ والجاه والمال، وشهدنا الانشقاق الكبير عام 1999م.
    وقد لا يدرك كثير من الناس أن قرارات رمضان لم تكن وليدة لحظتها، بل وضعت حداً لصراع خفي منذ قيام الإنقاذ حين دب الخلاف حول منهج وسياسات الدولة الوليدة، ولكن كان يعالج بوسائل عاطفية فتسرب الماء بين الشقوق حتى شق الصخرة التي نحتتها أظافر أبناء الحركة الإسلامية زماناً.. وانتهينا الى هذا الحال المأساوي للحركة الإسلامية بين شيوخ وأجنحة.. وصقور وحمائم!!.. نصيحتى للأخ علي عثمان ألا يسمح بأن يجرفه تيار الصقور، كما حدث في مؤتمره الصحفي الأخير، وخير للوطن أن يستقر ويتوحد ويعتمد نهج التطور السياسي والدستوري السلمي من خلال اتفاقية نيفاشا لتكون أساسا لكل السودان.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147522666&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 03:17 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    دعا الى ربط الاسلام بالسياسة :د. عبد الله النعيم: للشريعة مستقبل عظيم فى حياة المسلمين

    واشنطن: محمد علي صالح
    اقترح د. عبد الله النعيم، الاستاذ السوداني بكلية القانون بجامعة اموري (ولاية جورجيا)، استمرار العلاقة الحيوية بين الاسلام والسياسة. ودعا الى حوار وتفاوض لتحديد العلاقة بين الدين والدولة في الاطار الخاص لكل مجتمع، وليس بفرض صيغة محددة.
    وقال ان جدلية الفصل بين الشريعة والدولة مع تأكيد ربط العلاقة بين الاسلام والسياسة يجب ان تكون من خلال التفاعل الاجتماعي على مدى الزمن، وليس بصورة فورية.
    لكنه اضاف: "اعتقد بان للشريعة الاسلامية مستقبلاً عظيماً في حياة جميع المسلمين في كل مكان." واكد ما اسماه "المنهج التنويري" الذي قدمه استاذه المفكر السوداني محمود محمد طه، خاصة في كتابه "الرسالة الثانية من الاسلام." (صدرت طبعته الاولى سنة 1967).

    النعيم وطه:

    ركزت جامعة اموري، في تقديمها للنعيم، على علاقته مع استاذه طه، وكتبت: "عندما ترك النعيم السودان سنة 1985، آلى على نفسه نشر وتطوير الاعمال الرئيسية لاستاذه طه. ونشر كتابه باللغة الانجليزية سنة 1987. وبدأ وضع اسس جدل نظري لشرح اصلاحي للشريعة الاسلامية لتتطابق مع حقوق الانسان."
    في سنة 1968، عندما كان النعيم طالبا في جامعة الخرطوم، انضم الى حركة الاصلاح الاسلامي بقيادة طه. ثم حصل على بكالريوس في القانون سنة 1970، ودكتواره في القانون من جامعة ادنبرة 1976. ثم عمل استاذا في جامعة الخرطوم لثماني سنوات، ثم استاذا زائرا في جامعات: جنوب كليفورنيا في لوس انجلوس، وساسكتشوان في كندا، واوبسالا في السويد. ثم عمل لثلاث سنوات مديراً للشئون الافريقية في منظمة "هيومان رايتز ووتش" (مراقبة حقوق الانسان) في واشنطن. ثم انضم الى جامعة ايموري سنة 1995.
    من الكتب التي كتبها: "الدستورية الافريقية ودور الاسلام" و "نحو اصلاح اسلامي: الحقوق المدنية وحقوق الانسان والقانون الدولي." وكتب مع فرانسيس دينغ كتاب "حقوق الانسان في افريقيا."

    محاولة التوفيق

    ولاحظت جامعة ايموري ان هناك جانبين رئيسيين لكتابات النعيم: "من تجربته الشخصية كمسلم من شمال السودان يجاهد للتوفيق بين دينه وهويته. ومن التزامه بقبول واحترام عالمي لحقوق الانسان."
    وقالت انه "يريد تحقيق هدفين متقاربين: الاول: فهم ليبرالي وحديث للاسلام. الثاني، الشرعية الثقافية لقيم حقوق الانسان."
    ومؤخرا، حصل النعيم على منحة من مؤسسة فورد الخيرية لاجراء دراسات منها كتابة كتاب "مستقبل الشريعة: العلمانية من وجهة نظر اسلامية."
    وهدف المؤسسة هو "مساعدة المجتمعات الاسلامية في تعريف نفسها في نطاق الظروف الدولية التي تعيش فيها، وخاصة العلاقات بين الاسلام والدولة والمجتمع." وهدف الدراسة هو "الفصل المؤسسي بين الشريعة والدولة، رغم استمرار العلاقة الاساسية والضرورية بين الاسلام والسياسة."
    وقرر النعيم ان يكتب الكتاب تدريجيا، بترجمة مسودته الى لغات يتحدث بها المسلمين، ويتلقى الآن ملاحظات علي المسودة، تمهيدا لطبع الكتاب بالانجليزية (من جامعة هارفارد في السنة القادمة)، ثم باللغات التي يتحدث بها المسلمون.

    نقد مؤسسات الدولة:

    وانتقد النعيم، في مسودة الفصل الاول، الحكومات التي تتولى شرح وتطبيق الشريعة الاسلامية، ودعا للفصل بين اسلام الدولة واسلام الفرد.
    وقال: "مستقبل الشريعة الاسلامية انما يكون في التزام المسلمين بأحكامها بصورة طوعية، بعيدا عن اجهزة ومؤسسات الدولة التي تفسد وتفسد، اذا حاولت فرص احكام الشريعة بالسلطة الجبرية."
    واضاف:"كل احكام الشريعة ملزمة للمسلم دينيا، بمعزل عن سلطة الدولة الجبرية."
    واشترط النعيم توفر الحرية قبل تنفيذ الشريعة. وانه "لا يصح العمل باحكام الشريعة الا في حرية كاملة، وقصد خالص، وهو "النية" في كل عمل ديني." وقال هذا ينطبق على المعاملات (مثل تحريم الربا، وشروط البيع)، وعلى العبادات (مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج).

    معتقدات خاصة:

    وانتقد النعيم انعكاس عقائد الحكام على سياسة الدول.
    وقال: "لا يجوز للدولة أن تدعي قداسة الإسلام وسلطته الروحية. فللدولة وظائفها وأغراضها المعلومة والمهمة. إلا أن ذلك يتعلق بكونها مؤسسة سياسية مدنية. ولا يصح أن ينسب لها الإعتقاد الديني، أو النية اللازمة لصحة العمل الديني."
    واضاف: "سلوك القائمين على مؤسسات وأجهزة الدولة يتأثر بمعتقداتهم الدينية الخاصة. إلا أن ذلك لا يجعل الدولة نفسها إسلامية، وإنما يؤكد ضرورة تمييزها عن الإسلام. لأن سلوك الحاكم إنما يعبر عن فهمه هو للأحكام الشرعية، وهو مجال أختلاف واسع ومتشعب بين المسلمين على مدى التاريخ."
    واضاف: "الإسلام هو عقيدة المسلم التي يحاسب عليها حسب صحة علمه وعمله، بينما الدولة تقتضي استمرارية العمل المؤسسي في الحكم والإدارة والقضاء وما إلى ذلك من وظائف عامة."

    الاتحاد السوفيتي:

    واشار النعيم الى ان هذه الحاجةُ تتضحُ من تجارب هيمنةِ الحزب الواحد على الدولة، من ألمانيا النازيَّة والاتحاد السوفييتي إلى العديد من الدول الافريقيَّة والعربيَّة، طيلةَ العقودِ الأخيرة في القرنِ العشرين. وسواءً كانت القوميَّةَ العربيةَ بمصرَ، من خلال النظام الناصريِّ، أو كانت عقيدةَ البعثِ، تحت حُكم حافظ الأسد بسوريا، أو صدَّام حُسيْن بالعراق، فإن الدولة صارت وسيلةً مباشرةً للحزب الذي أصبح ذراعَها السياسي.
    وقال انه، في مثل هذه الظروف، أمسى المواطنون بين شقيّ رُحَى، إحداهُما الحزب وأُخراهما الدولة، دون أملٍ في خلاصٍ إداريٍّ أو تشريعيٍّ من قهرِ الدولة، أو إمكانيَّةٍ لمعارضةٍ سياسيةٍ خارجَ نطاقِ سلطانِها.
    وقال أن فكرة الدولة الإسلامية من حيث هي مرفوضة من مرجعية المنظور الديني الإسلامي، وليس فقط لفشل المحاولات المختلفة في إقامة هذه الدولة عبر التاريخ. وخلاصة حجته هنا أن هذا النموذج لا يستقيم عقلاً، ولا يصح دينا،ً بحكم الخلل في جوهر الفكرة، وليس فقط في عيوب الممارسة.

    العلمانية:

    لكن، يواجه النعيم مشكلة في الربط بين هذه النظرية وبين العلمانية، سواء الاكاديمية منها، او الاعلامية، والتي تعكس اسس الفكر الغربي.
    واعترف بأن هناك "مسالة اصطلاحية يجب ان يوضحها، وهي العلاقةُ بين أطروحتي الأساسيةِ ومصطلحِ ومفهوم "العلمانية"
    وقال ان النصف الاول من اطروحته بفصل الاسلام عن الدولة "يتشابه مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين باعتبارها استبعاداً كاملاً للإسلام عن الحياة العامة." لكن النصفُ الثاني من الأطروحة يؤكد "الصلةِ بين الاسلام والسياسة، ويراعي تلك المخاوفِ من العلمانية."
    وقال ان الادراكُ السلبيُّ الشائعُ للعلمانية، في ربوع المسلمين، لا يميزُ بين فصلِ الاسلام عن الدولة، من ناحيةٍ، وصلته بالسياسة، من ناحيةٍ أخرى. وان غيابُ التمييزِ هذا يؤدي إلى فهمٍ لفصل الاسلام عن الدولة باعتبارِه عزلاً للاسلام عن المجالِ العام، وحصرَه في المجال الخاص.
    واضاف: "بما أن هذا ليس ما أدعو إليه، فقد يكون من الحكمة استعمالُ مصطلح الدولة المدنية، بدلاً من العلمانية، لكيلا أضعف موقفي بالرؤية السلبية الشائعةِ عن العلمانية بين المسلمين. بدلاً من تبديد الجهد في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، سوف استخدم مصطلح الدولة المدنية، على أن يفهم بأنه فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة."

    محاضرات وندوات:

    بالاضافة الى كتبه ودراساته، يلقي النعيم محاضرات، ويتحدث في ندوات في الولايات المتحدة وغيرها.
    في خريف السنة الماضية تحدث عن "حقوق الانسان والمواطنة العالمية: وجهة نظر اسلامية" في جامعة رتجرز (ولاية نيوجيرسي).
    وفي الشهر الماضي، في جامعة كليتون (ولاية جورجيا)، القى محاضرة قال فيها: "كل مجمتع له شروره، ونحن، المجتمع الاسلامي، يجب ان نواجه شرورنا." ودعا غير المسلمين الى معرفة الاسلام، ان لم تكن دراسته، وقال: "الخلاف ابدي، والناس لا يمكن ان يكونوا متشابهين. حتى داخل العائلة الواحدة هناك اختلافات وخلافات."
    وانتقد تفسير كثير من الغربيين بأن الشريعة هي "القوانين الاسلامية". وقال: "انها اكثر من قانون، انها الالتزامات الانسانية الكاملة." واضاف: "تشمل الشريعة كل جوانب الحياة، وهي جزء اساسي في الاسلام، ولهذا، فأن فصل الانسان عن الشريعة يفصله عن الاسلام."
    واضاف، لكن، في نفس الوقت "لابد للحكومات الاسلامية الظالمة ان تفرق بين الشريعة والدولة حتى لا تلتصق الشريعة بنظام استبدادي."

    بولتمور صن:

    كتب د. مقتدر خان، استاذ مساعد في جامعة ديلاوير (ولاية ديلاوير) في جريدة "بولتمور صن" (ولاية ماريلاند)، بأن كثيرا من اساتذة الجامعات الاميركية المسلمين استفادوا من الحرية الاميركية، وبدأوا ينشرون كتبا وبحوثا اكاديمية فيها آراؤهم الحقيقية. وما كانوا يقدرون على ذلك في بلادهم الاسلامية والعربية.
    واشار الى النعيم مع آخرين، مثل: سليمان نيانغ، و سيد حسين نصر، والراحل اسماعيل الفاروقي، وخالد ابو الفضل، وعزيزة الحبري، وطه العلواني، واكبر احمد، وماهر حتحوت، وامينة ودود.
    واشار الى انغريد ماترسون، الاستاذة الجامعية الكندية التي كانت اسلمت، وصارت، في السنة الماضية، اول امرأة ترأس منظمة "اسنا" (الدائرة الاسلامية في اميركا الشمالية).


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147523527&bk=1
    _________
                  

04-22-2008, 01:13 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أحداث سودانية حدث فى مثل هذا اليوم 25 ديسمبر
    اعداد : صلاح عبد الحفيظ
    1921 الحاكم العام يوجه بتقليل الصرف على الخدمات نسبة للازمة المالية التى تمر بها الدولة ودولة التاج البريطانى من جراء الصرف على الحرب
    1948

    الجمعية التشريعية تنال اكبر قدر من الانتقاد من قبل معارضيها
    1964 الفنان عبد الدافع عثمان يدخل الى استديوهات الاذاعة لاعادة تسجيل اغنياته الخالدات (مرت الايام – لحن الكروان – البحيرة)
    1972 عدد من معلمى المرحلتين الوسطى والثانوية ينتقدون السلم التعليمى الجديد اثناء لقائهم بالوزير واحالتهم للصالح العام.
    1979 الارسال الاذاعى يتمدد ليصل الى مناطق لم يصلها من قبل
    1984 تنظيم الاخوان الجمهوريين يصدر بيان (هذا أو الطوفان) منتقدا فيه قوانين سبتمبر الذى اطلق عليها الرئيس الاسبق جعفر نميرى اسم الشريعة الاسلامية مما كان تمهيدا لاعتقال محمود محمد طه ومحاكمته ومن ثم اعدامه شنقا.


    http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/4702/Default.aspx
    _
                  

04-22-2008, 01:14 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حـــوار في الســـــاعة الخــامســـة والعشـــرين مع باقـــــــان أموم (7)
    فتحي الضـو
    نواصل في هذا المبحث الحديث حول موضوع اللغة، بتأكيد مبدئي على أنه رغم تناولي لها إضطراراً، إلاّ أن تقديراتى تشير إلى أن وضوح الرؤى حولها يمكن أن يُعبِّ

    د الطريق نحو أي من النجدين..الوحدة أو الانفصال. وطالما أنني لا أخفي تعصُّبي نحو الأولى فسألقي ببُردة المسؤولية الوطنية والأخلاقية على كاهل الحركة الشعبية، وبالطبع لا يوجد سبب يجعلني – وفق قناعاتي الخاصة – أن أتأمل خيراً في شريكها المسمي "المؤتمر الوطني" حتى وإن إرتدى جلباب نيفاشا توسلاً لشرعية مفقودة! بالإضافة إلى أننا حينما تأملنا حسم الجدل في الحلقة الماضية لصالح اللغة العربية...لم يكن ذلك تطرفاً ولا إنحيازاً ولا تعصباً، ولكن لإدراكنا أن اللغة لا تمنح هوية فهي مجرد وسيلة للتواصل الانساني والمعرفي، كذلك فإن شواهد الواقع تقول أنه وبعد أن أصبحت اللغة العربية قاسماً مشتركاً بين قبائل الجنوب نفسه (سواء أسمها اللغة الهجين أو "عربي جوبا") إضافة إلى أنه وبدون أي مكابرة تعتبر الآن الشعرة الوحيدة التي تربط بين شعوب الكيانين الشمالي والجنوبي إلى حين إشعار آخر، ولكن بعض الذين أصابتهم ما أسميناه "فوبيا اللغة" يرون فيما يجسده هذا الواقع.. خطيئة وطنية، فظلّوا وما انفكوا يغرقوننا في (جدل البئر المعطلة والقصر المشيد) وقد إستثنينا منهم زعيم الحركة الراحل دكتور قرنق بالرواية التي شاركناه حبكها.. ونزيد عليها بالتالى:
    في العام 1986 فاجأ قرنق مستمعيه الذين جاءوا إلى أثيوبيا للإلتقاء به للمرة الأولى في كوكادام، وقد تركوا وراءهم الخرطوم تمضغ بقايا ثورة لم تكتمل، ويحرسها جند معلومون قدَّر قرنق أن يُسميهم "مايو2" أى إمتداد للنظام الذي ظن القادمون أنهم قبروه، ومن المفارقات وبعد أكثر من عقدين من الزمن أصبح أسمهم في زمن المسغبة السياسية الراهن "مجلس الحكماء" أي الذين ينتظر شعب السودان المكلوم أن يجري الله الحكمة على ألسنتهم ليخرجوا بها البلاد من الظلمات إلى النور.. قال قرنق «نحن نتاج لتطور تاريخي، واللغة العربية مع ضعف إلمامي بها وحرصي على إجادتها سريعاً، لابد أن تكون اللغة الرسمية للسودان الجديد، ونحن صريحون وواضحون في كل شىء، لا يمكن القول أن اللغة العربية هي لغة العرب وحدهم (يقصد عرب السودان: د. منصور خالد) وإنما هي لغة السودان كله، فالإنجليزية هي لغة الأمريكان ولكن القطر الذي يسكنونه هو أمريكا وليس انجلترا، والاسبانية لغة الأرجنتين وبوليفيا وكوبا وكل هذه البلاد معروفة وليست إسبانيا. نحن جادون فيما نريد ولا نحس بمرارة فيما نقول، نحن جادون في خلق سودان جديد، يخلق حضارة جديدة تضيف إلى العرب وإلى الأفارقة حضارة الانسان، فالحضارة ليست ملكاً لأحد لأن الحضارات جميعها وليدة تلاقح» (المصدر: مجلة كتابات سودانية العدد 33 ص 24) لمثل هذا الكلام لا يخالجني أدني شك في أن رئيس الحركة الحالي الفريق سيلفاكير ميارديت سيخلع قبعته إحتراما وتقديراً، أما أنا فقد أنحنيت له تكريماً وتبجيلاً حتى كلَّ ظهري!
    وأزيد على المثال أمثلةً من الجوار الإقليمي، تشاد تلك الدولة التي ظللنا نستعلي عليها سياسياً وإجتماعياً وثقافياً، وفي ظل حكم عصبة الانقاذ إشتد ساعدها فإستعلت علينا عسكرياً، هي الدولة الوحيدة خارج حظيرة الجامعة العربية...التي أقدمت (برضاها) على إقرار اللغة العربية في دستورها كلغة رسمية إلى جانب الفرنسية لغة المستعمر، أما جيبوتي التي تبدو أكثر إعتزازاً بعروبتها، فقد فعلت الشىء نفسه أي إقرار اللغة العربية في الدستور، ورغم أن ذلك أهَلّها لإحتلال مقعد في منظومة الجامعة العربية المذكورة، لكن المفارقة أن لغة التخاطب في الدوائر الحكومية والشارع العام هي الفرنسية.. إلا من رحم ربي! وأيضاً اريتريا فبرغم أن المتحدثين بالعربية أكثر عدداً من جيبوتي، إلا أن قيادتها تمنَّعت في الانضمام للجامعة العربية لتوهمها أن ذلك سيشوش على هويتها، ونضرب كذلك مثلاً بالبلد الذي نعيش على ظهرانيه وقد ذكره د. جون في سياق حديثه، فالمعروف أن الدستور الأمريكي صمت عن إقرار اللغة الرسمية، فسادت الانجليزية وهي لغة المستعمر البريطاني بشرعية الأمر الواقع Defacto ويتحدثها نحو 96% من السكان، في الوقت الذي إندثرت فيه لغة أهلها الأصليين (الهنود الحمر) رويدا رويدا، وحالياً نتيجة تغييرات ديمغرافية بدأت الاسبانية (يتحدثها حوالي 30 مليون نسمة ما يعادل 12% من السكان) تفرض نفسها بقوة، وقد تصبح اللغة الأولى في السنوات القادمة في بعض الولايات مثل تكساس وكليفورنيا، ومع ذلك لم يشتك أحداً ولم يقل أن الاسبان قادمون لإستعمار أمريكا، وفي التقدير أن كل هذه الأمثلة تؤكد ما قلناه آنفاً أن اللغة لا تمنح هوية، بل حتى بالنسبة للعقيدة الاسلامية فهي (تابعة) وليست (متبوعة) كما قال شهيد الفكر الحر الاستاذ محمود محمد طه!إن اللغة ينبغي أن تكون في إحدي غاياتها السامية عامل توحد بين الشعوب، وصحيح أن اللغة العربية التي ظلت تنمو وتزدهر في السودان لأكثر من سبعة قرون لم تكن كذلك، نسبة لأن البعض أقحمها بصورة أو أخري في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، وحمَّلها ما لا تطيق حينما إندلع من ركام تلك الحروب والنزاعات سؤال الهوية. كذلك لا يرى المرء سبباً وجيهاً يفسر إفتعال البعض معركة في غير معترك، أي إدارة صراع خفي بين اللغتين العربية والانجليزية، رغم أنهما لغتين وافدتان وإن إختلفت طرق إنتشارهما في السودان، ولعل هذا هو ما دفعني للتساؤل سراً بينما كنت اشاهد وقائع الاحتفال بالذكرى الثالثة لإتفاقية السلام في أستاد واو يوم الأثنين 14/1/2008 إلى من وجّه المتحدثون باللغة الانجليزية حديثهم؟ هل للجالسين على المنصة أم للمنتشرين في الاستاد؟! ويتعقّد التساؤل أكثر لأن اللقاء مبثوث على الهواء، وبالطبع مقصود به السودانيين في الداخل والخارج، وبينهم نسبة معتبرة من غير الناطقين بها!
    بما أن الشىء بالشىء يذكر، بصرف النظر عن المحتوى وطبيعة النظام، من منَّا لم يشعر بالزهو والاعزاز حينما خاطب الدكتور لام أكول مؤتمر القمة العربية الذي إنعقد في الخرطوم العام 2006 بلغة عربية فصيحة حرضت الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على البوح بمكنون صدره من إعجاب مستتر، وكلنا يعلم آنذاك أن العرب العاربة الذين خاطبهم أكول، منهم من يتعثر في قراءة سطرين، وإذا قيض المولى له أن يكملهما دون تأتأة فقد يظن أن تلك درجه تؤهله لأن يصبح كليم الله. على كلٍ أستطيع أن أقول بقرائن الأحوال، إن إجادة لام ورفيقه مشار اللغة العربية كانت حافزاً لدكتور جون في محاولاته تحسين لغته، وأعلم أن أكثر ما ساءه في إنقسامهما الشهير العام 1991 وإرتمائهما في أحضان نظام الخرطوم، كان ظهورهما وآخرين في الأجهزة الإعلامية الرسمية واللقاءات الجماهيرية ومخاطبة الناس بلسان عربي مبين، رغم أنهما لا يمتلكان ذات الكاريزما التي يتمتع بها هو! وكنت قد قرأت رأياً لرئيس مجلس إدارة الصمغ العربي المستشار منصور خالد (الرأي العام 11/11/2003) قال فيه «أن د. جون بدأ يتجاوز عقبة الحديث باللغة العربية» ويومها كانت نيفاشا تقدم رجلاً وتؤخر أخرى!
    كذلك أطمح من خلال إثارتي قضية اللغة هذه رداً على ما أدلي به أموم على رتق الفتوق التي صاحبت الحرب الأهلية في جنوب البلاد منذ أن بدأت بشرارة تمرد العام 1955 وقد هالني أثناء إعادة قراءة تقرير لجنة التحقيق الاداري التي عينها وزير الداخلية السيد على عبد الرحمن (الشيخ الأحمر) كما كانت تطلق عليه صحافة ذاك الزمان، وكانت اللجنة برئاسة قاضٍ فلسطيني مشهود له بالكفاءة والنزاهة وهو توفيق قطران قاضي المحكمة العليا، وعضوية خليفة محجوب مدير عام مشاريع الاستوائية، ولوليك لادو زعيم قبيلة ليريا، وبعد عام كامل من التحقيقات الميدانية في مدن مختلفة في الجنوب والخرطوم العاصمة أصدرت اللجنة تقريرها قي 18/2/1956 ولم ينشر حينذاك كاملاً وهو يعد من أهم الوثائق التي وضعت الأصبع على الجرح النازف، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على الحدث، إلا أن ذلك التقرير يعد مرجعاً لتفسير كل ما إلتبس في لوح الحرب، وما يهمنا فيه الآن موضوع اللغة وتأثيرها في التمرد.
    في سياق التسلسل التاريخي للمشكلة أشار التقرير إلى أنه في إطار الحيثيات إختط السكرتير الاداري آنذاك المستر هارولد ماكيمايكل مطلع العام 1930 سياسة جديدة بالنسبة للجنوب إقتضت «إمداد الجنوب بموظفين لا يتكلمون اللغة العربية من إداريين وكتبة وفنيين، كما شملت الرقابة على هجرة التجار من الشمال وإستعمال اللغة الانجليزية عندما يكون التفاهم باللهجات المحلية مستحيلاً» وقد ترتب على هذه السياسة عملياً خمسة سلبيات..ويهمنا منها الأخيرة «ألغى تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس» وتؤكد الوثيقة التعسف الذي صاحب تنفيذ هذه الاجراءات «إن المدى الذي أتبع في تطبيق هذه السياسة بلغ حداً صبيانياً. فقد هجرت قرية كافيا كنجي (مديرية بحر الغزال) وخلقت منطقة حرام بين دارفور وبحر الغزال لمنع إختلاط العرب والزنوج، وحتى المسلمين من الزنوج من الأقطار الأخرى من أفريقيا مثل الفلاتة والهوسة قد أجلوا» إلى أن تخلص الوثيقة للنتيجة «صار إستعمال لغة التخاطب بين القبائل المختلفة (نوع ركيك من اللغة العربية) جريمة يعاقب من يتكلمها في المدرسة» كذلك أجبر من «كانوا يسمون بأسماء عربية لعدة أجيال على تغيير أسمائهم» تلك كانت نطفة المستعمر التي قذفها في رحم الوطن وولدت جنيناً مشوهاً ترعرع في كنف الحرب والكراهية، وبالطبع لا يوجد مغامر يرغب في إعادة عقارب الساعة للوراء ليرتكب الخطيئة نفسها، طالما أن هناك عقلاء مهمتهم هدهدت الفتنة في مرقدها!
    لكني أخشي أن يكون أموم قد أومأ في حواره مع ”الرأي العام“ إلى إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بصورة أخري، حيث أشار إلى اللغة الانجليزية كبديل محتمل رغم أن ذلك قول سبقه نفى منه، والحق يقال إن صدق هذا، فقد يكون أشبه بحال المستجير من الرمضاء بالنار، وكان الصحفي قد سأله عما إذا كانت الانجليزية لغة سودانية؟ فتحذلق قائلاَ «نعم الانجليزية لغة سودانية بحكم الاستعمار الانجليزى، والصفوة السودانية تعلمت باللغة الانجليزية والجامعات السودانية كان التدريس فيها باللغة الانجليزية حتى جاءت الانقاذ بما يسمي ثورة التعليم العالي.. وبالتالي فإن الانجليزية لغة سودانية بحكم أننا ورثناها من المستعمر الانجليزي» الواقع أنا لا أعلم رد فعل القارىء فيما قرأ، ولكن شخصاً مثلي يعرف قائله معرفة لا إدعاء فيها لابد وأن يقطب جبينه إستغراباً، وتنكمش نفسه إستنكاراً، ويتمدد عقله في محاولة لمعرفة أي دوافع ميتافيزيقية حدت بالقائل أن يسُمّ طعامه بيده!
    لعل أموم يعلم أن إسترجاع عقارب الساعة تمثل في أن تماثل اللغتين كاد أن يعصف بمحادثات أديس أبابا بين نظام نميري وحركة تحرير السودان بقيادة جوزيف لاقو، وذلك من قبل أن تفضي للإتفاق الشهير في مارس 1972 يومذاك رفضت الحركة أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية بإعتبارها لغة إستعمارية، إلى أن تمّ تجاوز العقبة بإقرار اللغة العربية، والانجليزية اللغة الرسمية في الجنوب أي لغة المكاتب، والواقع أن ذلك القرار لم يزد من إستخدام اللغة الانجليزية ولم يحد من إنتشار اللغة العربية، وتجدر الإشارة إلى أننا حينما نقول اللغة العربية فنحن نعني تحديداً اللغة الهجين التي أصطلح على تسميتها بـ ”عربي جوبا“ ولعلها بهذه التسمية تدرأ الشبهات في نفوس الذين أصابتهم ”فوبيا اللغة“ كما ذكرنا، وقد أسعدني الجهد الذي أنجزه دكتور بول دينق شول ولعله كان بعنوان ”لهجة جوبا العربية“ والذي نوقش في منتدي بمتحف التاريخ الطبيعي في يونيو العام الماضي 2007.
    إن حسم الجدل حول موضوع اللغة لا يعني بأية حال إهمال اللغات الأخري أو الإستعلاء على الثقافات الأخري، ولعل الفرضية الأولى هي التي أدت إلى إنقراض بعض اللغات واللهجات السودانية، وذلك ما أكده (الراية القطرية 13/12/2007) البروفسير يوسف الخليفة أبوبكر رئيس دائرة اللغويات في مجمع اللغة العربية في السودان «بين يدينا سبع لغات لا يتحدثها إلا بضع مئات، وأخري إنقرضت في خلال القرن العشرين منها لغة حرازة وبِرقِد وقلي» والأخيرة هذه للذين لا يعلمون كانت لغة دولة الفونج، وقال أنه في زيارة للمنطقة عام 1977 وجد أربعة أشخاص فقط يتحدثونها، كانت أعمارهم تجاوزت السبعين!
    في ختام مبحث اللغة أرجو ألا يندهش القراء مثلي إن علموا أن هناك جسماً غير مرئي يسمي ”مفوضية اللغات“ ويبدو أنها عاطلة عن العمل مثل صنواتها، وما أكثر العاطل عن العمل في أجندة الشريكين!
    نواصل...



    http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/5783/Default.aspx
    _________________
                  

04-22-2008, 01:19 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كتابات حول رحيل الفنان عز الدين عثمان

    بعد انتشار خبر وفاة الفنان الكبير والكاركتيرست عز الدين عثمان، كتب العديد من أصدقائه ومعاصريه إفادات حول حياته وتجربته، وفي موقع (سودان للجميع) الالكت

    روني، كتب التشكيلي حسن موسى والتشكيلي النور حمد إفادات وإضاءة حول حياته وفنِّه، نقلناها عن الموقع للمزيد من الاضاءة والتوثيق:
    د. حسن موسى: (مساهمة عز الدين التي تجسدت في فن الكاريكاتير هي مساهمة رائدة على أكثر من مستوى سياسي وجمالي واجتماعي. ذلك أنها انطلقت في المبتدأ كمبادرة نقدية فردية، لكن الوعي الإجتماعي التقدمي الذي ظل يغذيها ويحـفـّزها على تعاقب السنين وعلى اختلاف الأنظمة السياسية كان لا بد له أن يجعل من رأي عز الدين الشخصي قضية عامة تهم الجميع، بل ويكسبه مشروعية سياسية نوعيتها الأصيلة تتجاوز بمراحل مشروعيات أغلب رموز العمل العام السياسي في السودان الحديث. وسيبقى الأثر الفني والسياسي لعزالدين عثمان علامة مهمة لكل من يخوض في ماء العمل العام بوسيلة الإبداع).
    وقال الدكتور النور حمد: (عز الدين عثمان رائد سوداني في مجاله (الكاريكاتير) مثلما الكاشف رائد في مجاله (فن الغناء الحديث) ومثلما الصلحي وشبرين رائدين في مجالهما (التشكيل) ومثلما دريسة وحسن عطية وبرعي أحمد البشير رواد في مجالهم، (كرة القدم).
    لا يمكن أن يذكر الناس حقبة الديمقراطية الثانية من غير أن يذكروا عزالدين عثمان. بعد أن سقط نظام الفريق عبود في أكتوبر 1964 وعادت الصحافة الحرة إلى الظهور بعد غياب دام ست سنوات، وعلى رأسها صحيفة الأيام، ظهر معها عز الدين عثمان وليدا خرج إلى الوجود بأسنانه مكتملة في فمه. كان كاريكاتير عز الدين أقوى من أي عمود يكتبه صاحب أي عمود في تلك الحقبة. وكان الكثيرون يشترون الأيام لكي يطالعوا كاريكاتير عز الدين. وجه عز الدين سهام نقده الطريف والنافذ للرئيس الأزهري، وللسيد الصادق المهدي، ولنصر الدين السيد، ولصلاح بن البادية وهو يرشح نفسه في دائرة أم ضبان، وللمحجوب، وللدكتور حسن الترابي وطلابه بجامعة الخرطوم يبدأون مسلسل العنف الطلابي وهم يعتدون على رقصة العجكو في جامعة الخرطوم. ولم يسلم سياسي من السياسيين من لذعات عز الدين عثمان. كان عز الدين صوتاً للديمقراطية والحزب الشيوعي يمر بمحنة الحل، وطرد نوابه من البرلمان. وكان صوتاً للعقل وللحقوق الأساسية، والأستاذ محمود محمد طه يتعرض لمحكمة الردة الأولى في 1968.
    لا أعرف رسام كاركاتير سوداني ذاع صيته مثلما ذاع صيت عز الدين عثمان. غير أن البلد فقده وهو في أوج تألقه ليس بالموت الذي غيبه مؤخرا وإنما بالهجرة بعد أن علا التضخم وضمر عائد المرتبات ولمعت حياة الخليج في السبعينات، فهاجر المهنيون صوبه ذرافات ووحدانا. كان عز الدين كاريكاتيرست سوداني بنى رؤيته وتعبيره ودلالاته على تفاصيل الحياة السودانية، وعلى الأمثال السودانية، وعلى روح الثقافة السودانية، وعلى حس الفكاهة السوداني. لذلك، لم يلاقي عز الدين في صحيفة البيان الإماراتية من النجاح ما لقيه في السودان. هذا إلى جانب أن فن عزالدين قد ازدهر في حقبة شديدة الحيوية من حقب الديمقراطية في السودان. خرج عزالدين من السودان بعد وصول نميري للسلطة وسيطرة جهاز الدولة على الصحف. عمل عز الدين في صحف مايو فترة قصيرة ثم ما لبث أن خرج منها. وحين ذهب إلى الإمارات، لم يكن جو الحرية بأفضل منه في السودان في الحقبة النميرية. والكاريكاتير لا يعيش في غير أجواء الديمقراطية. بعد أن استقر عزالدين في الامارات تراجع صيته، وحين عاد إلى السودان بعد غيبة كانت الأمور قد تغيرت. فالسودان بلد تراجعت فيه الأمور، خلافا لأغلبية بلدان الدنيا. ولم يكن بوسع عزالدين استعادة حالته الأولى.
    لن يؤرخ المؤرخون لفن الكاريكاتير في السودان، دون أن يقفوا وقفة طويلة عند محطة عز الدين عثمان. ألا رحم الله عز الدين عثمان. وعزاؤنا ممدود لزميلنا التشكيلي علي عثمان. وإنا لله وإنا إليه راجعون).
    كما جاء في صحيفة الشرق الأوسط خبر بعنوان (وفاة أشهر فناني الكاركاتير في السودان، عز الدين عثمان أضحك السياسيين برسوماته الساخطة عليهم) جاء فيه: (وواجه عز الدين، بسبب جرأته في نقد الحكومات، متاعب كثيرة حيث تعرض للاعتقالات والفصل عن العمل على مختلف العهود التي حكمت السودان. ويعتبر النقاد أن رسوماته في صحيفة «الايام» التي ظل يعمل فيها طوال عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري، هي الأكثر جرأة، وهي التي اكسبته الشهرة الواسعة. وكان من اكثر المنتقدين للزعيم السوداني اسماعيل الازهري الذي رفع علم الاستقلال عام 1956، ورأس حكومتين ديمقراطيتين في البلاد، في فترة الخمسينات وحتى الستينات من القرن الماضي، غير ان المراقبين كانوا يلاحظون ان الزعيم الراحل الازهري كان يبدأ قراءة الصحف لمشاهدة كاريكاتير عز الدين، ثم يضحك ملء شدقيه حتى لو كانت السخرية تطاله هو شخصياً، ويتقبل ذلك في سماحة وأريحية، ثم ينتقل من بعد ذلك لقراءة ما عسى أن يكون مستحقاً للقراءة فيها. ومن اشهر أعماله تلك التي تسخر من الزعيم الازهري، عندما اقدم على حل الحزب الشيوعي السوداني من داخل البرلمان السوداني في منتصف الستينات.. فقد صور زعيم حزب الامة الصادق المهدي على هيئة مسحراتي يحمل طبلة في ليلة رمضانية وهو ينادي «ابو الزهور خرق الدستور»، في اشارة الى الازهري. ومن أعماله التي لا تنسى، عندما تم اعتماد «منيرة رمضان» كأول امرأة لمنصب حكم كرة قدم بالسودان في منتصف السبعينات. التقط عز الدين بحسه الاجتماعي المرهف الحادثة لينشر عملاً يصور سيدة سودانية في زي حكم كرة، تضع يديها على خصرها، وهي تخاطب لاعباً تعمد الخشونة مع آخر، قائلة في نعومة «ضاربو ليه.. يضربك الضريب» وهي شتيمة نسائية سودانية.




    http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/6450/Default.aspx
    _________________
                  

04-22-2008, 01:20 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ورشة القصة القصيرة تنطلق اليوم فعاليات متعددة وانشاء فرع لاتحاد الكتاب السودانيين

    تنطلق صباح اليوم الثلاثاء بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي فعاليات ورشة القصة القصيرة والتي ينظمها اتحاد الكتاب السودانيين تحت عنوان (القصة القصيرة في

    السودان، حدود المنجز وآفاق الحلم) وتستمر فعاليات الورشة حتى يوم غدٍ الأربعاء بالمركز في الفترة من 10 صباحاً وحتى الثالثة ظهراً. وقد وجَّه الاتحاد الدعوة لأكثر من 30 قاص وقاصة للاشتراك في الورشة بتقديم الأوراق النقدية والشهادات الإبداعية والقراءات. وقد جاء في مقدمة الاتحاد عن الورشة أن انعقادها يأتي (بغرض توسيع دائرة الاهتمام بالقصة القصيرة وفتح باب النقد والتحليل والتوثيق لهذا الفن العريض الذي شهد تطوراً ملحوظاً منذ بداياته المبكرة وحتى اللحظة الراهنة وهذه الورشة إذ تفتح الباب مجدداً, لا تدعي القدرة على الإحاطة بالإنتاج المتعلق بالقصة القصيرة في السودان في مشهده العريض الذي يمثل نصاً شاسعاً يزخر بالتنوع ولا تنقصه ملامح التجديد والتجريب بما في ذلك المغامرة, فقد تجذر هذا الفن في التربة الأدبية بالسودان عبر عقود عديدة من الإنتاج القصصي الذي ينتظر مزيداً من تسليط الضوء, مزيداً من النقاش, مزيداً من التوثيق).
    يشارك في الأوراق النقدية كلٌّ من: عبد الحكيم عامر، عصام أبو القاسم، الفاضل خالد عامر، د.هاشم ميرغني، قاسم عثمان نور، مصطفى الصاوي، د. محمد المهدي بشرى، والقاص والناقد أحمد الطيب عبد المكرم. ويقدم الشهادات كلٌّ من: إبراهيم إسحاق، عيسى الحلو، محمد إسماعيل. وفي القراءات القصصية: جون بوي، إستيلا قايتانو، منصور الصويم، جمال غلاب، علي عيسى علي، عبد العزيز بركة ساكن، رانيا مأمون، عثمان شنقر، محمد عبد الجليل جعفر.
    ويعتزم الاتحاد من خلال هذه الورشة أن يجمع الأوراق النقدية والشهادات في كتاب يتولى إصداره الاتحاد العام للكتاب السودانيين، إصدار عدد خاص من مجلة كرامة عن القصة القصيرة في السودان، إصدار أنطولوجيا قصصية بإشراف الاتحاد العام للكتاب في السودان، تأسيس منبر للسرد تحت مظلة اتحاد الكتاب وتكون للمنبر أنشطته الراتبة، الشروع في التخطيط لإعادة إصدار مجلة القصة التي أصدرها الرائد الراحل (عثمان علي نور) وذلك برعاية (اتحاد الكتاب) والتنظيمات الثقافية الأخرى مثل (رابطة الكتاب السودانيين) و(نادي القصة).
    وأعد الاتحاد في شأن الانطلوجيا استمارة تتعلق بترشيح النصوص القصصية التي ستتضمنها الأنطولوجيا وستوزع هذه الاستمارة على كتاب القصة القصيرة ونقادها والمهتمين بفنون السرد في السودان بغرض ترشيح النصوص. وستعرض النصوص على لجنة من المختصين يقومون بالاختيار النهائي.
    وينظِّم الاتحاد أيضاً احتفالاً بالذكرى الثالثة والعشرين لإعدام المفكر محمود محمد طه من خلال محاضرة يشارك فيها عدد من قادة الفكر والرّأي والسّياسة بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي مساء الخميس الموافق 17/1/2008م في تمام السّاعة 07:30م.
    كما أنشأ الاتحاد فرعه الأول في الإقليم الأوسط, بمدينة ود مدني، والتأم الإجتماع التحضيري بتاريخ 7/1/2008م بحضور أربعة عشر عضو, وتم تكوين لجنة تمهيدية للإعداد لقيام الجمعية العمومية ومن ثم إنتخاب اللجنة التنفيذية، وقد تقرر أن يكون يوم 14/1/2008م الساعة الواحدة ظهراً بقاعة قصر الثقافة بودمدني يوماً لعقد الجمعية العمومية على ان يرافق ذلك ندوة بعنوان (الخطاب النثري في السودان) يقدمها د. محمد جلال أحمد هاشم الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين.



    http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/5753/Default.aspx
    _________________
                  

04-22-2008, 01:20 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في محاضرة اتجاهات المستقبل:فرنانديز :المحكمة الجنائية الدولية ليست في أولوياتنا
    الخرطوم عبد المنعم ابوادريس
    أمامنا فرصة ذهبية لتحسين العلاقات الأمريكية السودانية وإذا لم نغتنمها ستكون هناك مخاطر كبيرة ...عبارة رددها القائم بالأعمال الأمريكي البرتو فرنانديز أ

    كثر من مرة وأضاف عليها تبقى لنا ستة أشهر فقط لاقتناص هذه الفرصة وبعدها ستدخل أمريكا في جو الانتخابات الرئاسية والتى ان جاءت بالديمقراطيين سيتغير الأمر لأنهم الآن يقفون على نقيض سياسة بوش الخارجية بل انهم يقولون بأن إدارة بوش في جيب الرئيس البشير جاء ذلك في ثنايا رده على المداخلات التى قدمت على محاضرته التى نظمتها مؤسسة اتجاهات المستقبل تحت عنوان أجندة لآفاق مستقبلية للعلاقات الأمريكية السودانية مساء الخميس في ختام سلسلة محاضراتها لهذا العام والتى ابتدرتها بمحاضرة لمدير شبكة قنوات الجزيرة وأخرى للرئيس الايراني أحمدي نجاد وتختتم بالقائم بالأعمال الأمريكي ومضى محجوب قائلا إنها المصادفة وليس تغيرا في أجندة المؤسسة.
    ورغما عن تشديد مقدم المحاضرة الأستاذ الصادق بخيت على المداخلات لتكون متسقة مع موضوع المحاضرة وهو أجندة المستقبل إلا ان راهن العلاقات سيطر على المداخلات.
    وقد بدا فرنانديز حديثه متنقلا ما بين العربية والانجليزية رغم ان النص الذي وزع على الحضور كان إنجليزيا
    وكان أول المتداخلين البروفسير حسن مكي مدير معهد الدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا والذي قال إن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت نجاحا كبيرا في هندسة السودان مقارنة مع ما قامت به في دول أخرى ومن دلائل نجاحها ان سلفا كير الآن هو النائب الأول لرئيس الجمهورية وان مناوي رغما عن إحراق الطائرات في مطار الفاشر هو كبير مساعدي الرئيس وتجد الهوة واسعة إذا قارنت هذا بدولة مثل الكنغو فهي ما زالت محترقة وليس فيها غير كنشاسا وفي إزاء هذا النجاح نجد أنها تضغط علينا وفي ذات الوقت نجد أنها فشلت في ان تحمل بعض الدول على منح المرأة حق الحصول على رخصة قيادة.
    وحول المسارات الثلاث للعلاقات (العون الانساني والعقوبات والدبلوماسية العامة )فأمريكا نجحت في الجانب الانساني ولكنها فشلت في العقوبات فصادرات السودان عام 1989 كانت 365 مليون دولار والآن عائدات البترول وحده 12 بليون دولار وأمريكا تنظر لهذا البترول السوداني محرومة الشركات الأمريكية منه ولذا أدخلته في هندسة السودان يوم ان أعطت الجنوب 50%من عائداته.
    ثم أعاب مكي على أمريكا أنها تتعامل مع السودان بمعلومات خاطئة ضاربا مثلا بما أورده السفير السابق توم كارني عند ما أرسل مسودة كتابه لحسن مكي ليطلع عليه قبل الطباعة فوجد أنه أورد ان أسامه بن لادن تزوج ابنة أخ الترابي فانظر كيف هي الأخطاء.
    كما أن الإدارة الأمريكية سحبت مئات التقارير الخاطئة من أضابيرها بعد ضرب مصنع الشفاء ،وهذه المعلومات الخاطئة تجعل الأمريكان لايفهمون التعطيل في تنفيذ الأشياء وعدم التنفيذ ليس معناه ان السودان لايريد ولكنها تفاصيل خاصة به
    وتاريخيا نجد ان الادارة الأمريكية أكبر دعم قدمته لنظام نميري عقب إعدام محمود محمد طه وترحيل الفلاشا، وبعد سقوطه لم تدعم حكومة سوار الذهب.
    والأمر الثاني ان هناك تيارات متصارعة حتى داخل أمريكا نفسها في شأن السودان والدليل أنها عندما أرادت مادلين أولبرايت وزير الخارجية الأمريكية الأسبق فتح السفارة في الخرطوم خرجت أصوات مناهضة لها وأوقف فتح السفارة.
    ولذا دعونا نفتح صفحة جديدة ونتعاون إذا ذهبت هذه الحكومة فستندلع الحرب بين أثيوبيا وأرتريا والسيد السفير يعرف ذلك كما لن تتوقف الحرب في الصومال والأوغادين سينزلق نحو الأسوأ والسيد السفير يعرف ذلك والجنوب ستندلع فيه الحرب الأهلية.
    وفي تعقيب فرنانديز قال انه يتفق مع مكي في جانب ليس هناك حكومة كلها أخيارأو حكومة كلها أشرار وفي نقطة أننا أفضل من جيراننا، فمن السهل ان تقول نحن سيئين ولكنا لسنا الأسوأ ويمكنكم مقارنة أنفسكم مع أرتريا صاحبة أسوأ علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
    أما نقطة العقوبات فالمسؤلين حين أجلس اليهم يقولون ان العقوبات تؤثر علينا وفي ذات الوقت يقول رجال الأعمال انها ليست ذات أثر.
    وأتفق معك أن هناك بعض التقارير غير الصحيحة وهذا كان في الادارة السابقة وأنا لا أدافع عن كل الإدارات الأمريكية، فقط هذه الادارة ،ولكن دعني أقول لك أنا كنت في دارفور. هناك مخاطر حقيقية ،وعندما جلست للنازحين على الأرض وتحدثت لهم بالعربية وجدت أنهم في حالة غضب وتسيطر عليهم روح الانتقام وتعمهم حالة من اليأس وهي مخاطر تهدد استقرار السودان والطريق الوحيد للخروج من هذه المخاطر هو الحوار والتعاون ولابد ان نكتشف طريقة إنسانية لمواجهة هذا التحدي الكبير.
    أما المعتز احمد المصطفى من الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد سأل عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة الجنائية الدولية ونقطة أخرى انها تخرج سلاح العقوبات كلما اقتربت دارفور من الحل وهذا يغري الحركات المسلحة.
    ورد عليه القائم بالأعمال الأمريكي قائلا نحن لسنا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وليست في أولوياتنا في السودان ،ولم يحدث ان تناولتها مع مسؤول سوداني وهي في هامش اهتمامنا وقد تكون مهمة لدول اخرى ولأننا لسنا أعضاء في نظام روما. وفي العقوبات نحن فعلنا أكثر من الآخرين فالدولة الوحيدة التى لديها عقوبات على أحد قادة التمرد هي أمريكا وهو الدكتو خليل إبراهيم.
    أحد المتداخلين لم يورد اسمه ولا الجهة التى ينتمي اليها قال: كيف يكون هناك حديث عن تعاون بين الدولتين وحجم التبادل التجاري بيننا ضعيف وليس هناك رأسمال يتدفق بين البلدين ،وحتى في الثقافة لم نشهد نشاطا لمؤسسة ثقافية أمريكية في السودان أو سودانية في أمريكا، وعندها قاطعه فرنانديز بقوله الأسبوع القادم سيصل فنان أمريكي للخرطوم وضحك الجميع. ومضى ليقول: السياسة الأمريكية تقوم على تقسيم السودان الى دويلات ولذا أقوالكم تخالف أفعالكم وتتحركون وفقا لمصالحكم وأطماعكم في مواردنا ولذا تقومون برسم مستقبل السودان ،فانظر لاتفاقية السلام لم أقرأ عن دولة لديها ثلاثة جيوش إلا السودان بموجب الاتفاقية. أما بالنسبة لدارفور فهي عبارة عن نزاع قبلي تقليدي موجود في أفريقيا وسببه قلة الموارد وحدثت عليه تدخلات خارجية.
    وعقب البرتو عليه قائلا أنا أؤمن بدور الثقافة، ونحن نحترم ثقافتكم في أديانكم وعاداتكم وتقاليدكم ولكن نحن في الجانبين لدينا مشكلة عدم ثقة. والحديث عن أطماعنا في النفط لو كان ذلك صحيحا لأخذناه بصمتنا على شيفرون وهي التى اكتشفت البترول السوداني وأنفقت عليه بلايين الدولارات وفي الاستثمارات الاختيار للسودانيين فلو اختاروا الصين سنذهب نحن.
    وفي الحديث عن الجيوش لم يوقع الاتفاقية أمريكي من وقعها علي عثمان محمد طه وجون قرنق وهؤلاء سودانيون وبدلاً من لوم الأمريكان عليكم القيام بما اتفقتم عليه.
    وحتى تقرير المصير لم نقرره نحن فمنذ 1995 التجمع قرر تقرير المصير وبالتجارب في العالم فإن الدول التى انقسمت لم تكن أمريكا هي السبب، بل العوامل الداخلية ،ونحن نفضل سودان موحد مستقر.
    وحتى دارفور ،من ارتكب فيها الأخطاء؟ تريدون ارتكاب الأخطاء وإلقاء اللوم على الآخرين. عليكم حل أخطائكم بأنفسكم بدلا من لوم الموساد والمخابرات الأمريكية فليس الفور يهود.
    وقال أمين مجلس الصداقة الشعبية احمد عبد الرحمن محمد في مداخلته ان الشعبين لديهم رغبة في التواصل ولكن ما يؤخذ على أمريكا انها تدخل في الأمور الداخلية أكثر من اللازم وهذا خطر عليها في ذاتها وتحضرني هنا عبارة البابا عندما قال (ان تدخل أمريكا بصورة أكثر مما هو مقبول خطر عليها وأخشى ان يكون مصيرها مصير الأمبراطورية البريطانية )
    يحمد لأمريكا جهدها في الجانب الانساني وأنا كنت الوزير الموقع على عملية شريان الحياة في أول عهدها ،ولكن أيدلوجية من يحكمون أمريكا مبنية على المصالح، وهذا أمر محمود لهم، وهذا اتجاه حتى الأوربيون نحن نحتاج لهم ولكن المشكلة هي عدم الثقة بين الطرفين مما جعل هناك تفسيرا لبعض القضايا، فمشكلة دارفور كما قال المبعوث الصيني هي مشكلة داخلية ولكنها تفاقمت بالأطماع الدولية والاقليمية وهناك مشاكل عرقية ولكن ليس تطهيرا عرقيا.
    وقال البرتو انه يتفق مع احمد عبد الرحمن في ان عدم الثقة خلق حالة من الاحباط المشترك وجعل كل طرف يفسر سلوك الآخر بأسوأ شيء و 50 %من المشكلة خلقه عدم الثقة ولابد من كسر هذا الطوق وعن سياسة الولايات المتحدة الامريكية فمن جراء تعليقي على سياسة امريكا في الشرق الأوسط كنت على حافة الهاوية ولكن الحمد لله انا الآن في أفريقيا أما اللوبيات فهي موجودة في كل بلد والشهر الماضي عندما طلب الديمقراطيون عقوبات إضافية على السودان تصدت لهم جنداي فريزر وقالت الوقت غير مناسب ودافعت دفاعا مستميتا عن السودان رغم ان البعض يصفها بالشيطان
    أما مدير مركزدراسات المستقبل السفير عثمان السيد فقال: أريد التعقيب على الدكتور حسن مكي فالدعم الامريكي لم يزد بعد ترحيل الفلاشا ولكن عقب انقلاب 1971 وأنا كنت مدير المخابرات واتجهنا الى أمريكا بدلا عن السوفيت ،
    وعن السياسة الامريكية في المنطقة وأنا تخرجت من الجامعة الامريكية بيروت وهناك تناقض بين ما ندرسه وواقع السياسة الامريكية لذا أنتجت الجامعة الامريكية جورج حبش وليلى خالد ومعن بشور وغيرهم.
    أما السودان فالولايات المتحدة تنظر اليه بالأسوأ حتى بين جيرانه والأمر لا علاقة له بالانقلاب على الديمقراطية والدليل دعمها لمشرف.
    وأقول للسيد السفير إذا تشرذم السودان سينعكس ذلك على كل أفريقيا
    أما الاقتصادية عابده المهدي فقالت ان المعونات الانسانية عندما تحولت الى تنمية ارتبطت باشتراطات الحكم الراشد وهذا أدى الى ان يتجه السودان الى الاقتراض من الصين والهند وهذه دول تعطي قروض بفوائد عالية ولكنها دون اشتراطات في الحجم وهذا سيؤثر على مستقبل الأجيال
    أما حديثك عن الانتخابات النزيهة فكيف يكون ذلك وهناك قادة مسجونون.
    ويعقب فرنانديز بقوله ما أثارته عابده صحيح. دعم نميري كان في إطار الحرب الباردة وجزء من محاربة الأنظمة اليسارية ولكن امريكا الآن تقوم بأشياء باهرة في أفريقيا وإدارة بوش لديها استراتيجية واضحة في تحفيز من يقومون بالأشياء الصحيحة وشاركت في انهاء ثلاثة حروب
    أما عن اعتقال السياسيين فلن تكون هناك ديمقراطية إذا اعتقلت الحكومة الناس. أقول ذلك حتى لو طالب البعض بابعادي من السودان. هذا بشأن حالة علي محمود ومبارك الفاضل والقيادي من الحركة ،وعن المستقبل بعد الانتخابات الأمريكية تساءل محمد الحسن الحاج: هل سيكون مضيئا؟
    فأجاب البرتو هذه الادارة لديها مرونة تجاه السودان وانا قلق لأن الديمقراطيون غير راضين عن سياسة بوش تجاه السودان ولذا الفرصة الذهبية هي فقط ستة أشهر بعدها ستدخل أمريكا في الانتخابات.
    قال البروفسير عبد الرحمن دوسه ان المصالح ليست مشكلة، وان كان لأمريكا مصالح في بترول دارفور فليكن، ولا اتفق مع الذين يقولون مشكلة دارفور قبلية ،فهي قضية تهميش وعدم تنمية. واتفق معه فرنانديز ان مشكلة دارفور معقدة ولا حل دون القبائل العربية.
    أما مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين فقال إنه كان يتوقع حديث حول أجندة المستقبل ولكنه وجد ذات القائمة من الاتهامات والاملاءات القديمة ومن السذاجة الظن ان أمريكا تدعم الديمقراطية والدليل ما تفعله مع مشرف كما انها ان قالت هذه الحكومة أتت بانقلاب فهي لم تدعم حكومة الأحزاب السابقة لها لانهم يرون في تلك الأحزاب امتدادا إثنيا لهذه الحكومة ولذا دعوا سلفا ومني للبيت الأبيض وكأنه ليس هناك رئيس اسمه البشير، ولو كان الصادق في مكان البشير لتعاملوا معه نفس التعامل ،ولذا علينا عدم الالتفات لدموع التماسيح هذه على الديمقراطية.
    أما المساعدات الأمريكية فانتم تريدون استمرار حالة الاعتمادية وتحرمونني من التقنية والتجارة الحرة
    وعن موضوع منح التأشيرات من داخل السفارة ،فهذا مرتبط بالارادة السياسية لا المبنى .فمن ذات المبنى منحتم التأشيرة للشيخ عمر عبد الرحمن وذهب لأمريكا وفعل ما فعل.


    http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/3711/Default.aspx
    ___
                  

04-22-2008, 03:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الجمهوريون هم الاقرب للانخراط في الموءتمر الوطني

    اتباع الشهيد محمود محمد طه عمليا هم الاقرب لنظام الانقاذ بحكم التحول الاستراتيجي الكبير الذي
    حدث في كيان الانقاذ بعد ازاحة الشيخ الترابي من سدة الحكم اصبح الطريق ممهدا للتقارب مع حذب
    الموءتمر الوطني الذي يملك بتشكيلته الحالية كل عوامل النجاح كشريك لم يؤذي يوما الشهيد المفكر الكبير
    الاستاذ محمود محمد طه الذي نحسبه شهيد الفكرة و الكلمة فنسأل الله له الرحمة و المغفرة



    http://www.alahdathonline.com/Ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%...e/posts/Default.aspx
    _______
                  

04-22-2008, 03:53 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    التقسيم الديني بالبلاد نذير الانفصال
    ينظم الإخوان الجمهوريون ـ التنظيم الجديد ـ في السابعة والنصف من مساء اليوم، وفي إطار الاحتفالات بالذكرى السنوية لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، ندوة بعنوان (التقسيم الديني بالبلاد ـ نذير الانفصال)، يتحدث فيها الدكتور معتصم عبد الله محمود، ويعقب عليه الأستاذ ياسر سعيد عرمان، ود.أبكر آدم إسماعيل، وذلك بدارهم بالهاشماب غرب دار الرياضة بأم درمان.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147525476&bk=1
    _______
                  

04-22-2008, 03:54 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أمين التني وليس يوسف!!
    في التقرير الذي أعده الزميل الفاتح عبد الله بمناسبة الذكرى 23 لمحمود محمد طه والذي نشر في عدد الجمعة 18 يناير في صفحة (3) ذكر عن طريق الخطأ غير المقصود بالطبع "واقترح يوسف مصطفى التّنى تسمية الحزب بـ (الجمهوري)" والمقصود هو أمين مصطفى التني وليس يوسف لذا لزم التنويه وشكراً..

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147525611&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 03:55 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حرية النشر والتعبير ومصادرة الكتب
    ان حماية حقوق الانسان هى من اوجب واجبات الصحافة واصحاب الراى والمفكرين والحقوقيين والاكاديميين من علماء واساتذة جامعات وغيرهم من ابناء هذا الشعب الذين يعلمون حقوقهم الدستورية.
    لقد صادرت الحكومة كتاباً عن الاسلام والسلام وهو يلخص رأى الاستاذ محمود محمد طه وقام بتأليفه الاستاذ خالد الحاج وصودر هذا الكتاب من معرض عام وهو يحتوى على مئات الآلاف من الكتب لعدة مؤلفين فى مختلف العلوم ومن مختلف الجنسيات وهذا بالطبع مخالف لاتفاقية نيفاشا وحقوق الانسان فى النشر والتعبير.
    لقد عرف الاستاذ محمود محمد طه منذ الاربعينيات بمناهضته للمستعمر ومعارضته التى تحرض الشعب على مقاومة الاستعمار وقد سجن لرفضه كتابة تعهد للانجليز يقضي بايقاف كتابة المنشورات وكان اول سجين سياسى فى السودان1946م..(راجع دار الوثائق) كتاب معالم فى الطريق للاخوان الجمهوريين.
    لماذا صادرت الحكومة هذا الكتاب من بين آلاف الكتب؟ هل لانها تعتقد ان هذا الكتاب يحتوى على باطل؟ وتخشى على القراء من المفكرين والاكاديميين والخريجين من الاقتناع بهذا الباطل واتباعه! وبالتالى تكون هى الوصى على افكار الناس ومعتقداتهم؟ اليس هذا هو الاذلال بعينه! ام انها تخشى ان ينكشف فهم علمائها ومشرعيها الذين يعجزون عن تنفيذ فهمهم على اسرهم (ان من يحمل مدفعا لايخشى بأس من لايحمل عصا بيده).
    كنا نتوقع من الصحفيين والمفكرين وعشاق الحرية والديمقراطية ان يتصدوا ويتناولوا بالكتابة بالصحف والمذكرات رافضين هذا التصرف الذى يتنافى مع القانون والدستور الذى اتفقت عليه الحكومة فى نيفاشا!.
    ان حرص الحكومة على السلطة جعلها تتردد فى تنفيذ اتفاقية نيفاشا لانها تتعارض فى بعض بنودها مع اجندة مشروعها الحضارى التى كانت تملأ به افكار اتباعها فى الجهاد والاستشهاد والحور العين وغيرها من الافكار التى كانت تروج لها.
    ان الاسلام فى اصوله (آيات الاصول التى لم يقم عليها تشريع بعدُ) يحقق الوحدة والسلام لانه جاء لجميع الناس (يا أيها الناس) ( يابنى آدم).
    اناشد كل محبى الديمقراطية والحرية من الصحفيين والقانونيين والاكاديميين ان يقفوا صفا واحدا لمطالبة الحكومة بالغاء كل القوانين المقيدة لحرية النشر والتعبير التى تتنافى مع اتفاقية السلام وحقوق الانسان وارجاع الكتاب الذى صودر..(وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين)
    الهادى حمد أحمد علي
    معلم بالمعاش

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147525854&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 03:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ختان الإناث ..البؤس الممنهج والقرارات الورق
    كل الأحاديث التي يتكئ عليها مناصرو الختان، الضعيف منها والمُضعَّف ليس فيها توصيف عُضوي، غير عبارات عامة خصوصاً أحأديث الصحابية الكريمة أم عطية التي كانت تختن في زمن الجاهلية ومعروف أن الإسلام لا يوقف الممارسات الخاطئة ضربة لازب، وإنما سنته التدرج كشأن الخمر التي ذمها الله مرتين قبل أن يأمر بإجتنابها في الثالثة، وقوله (ص) إذا ختنت فلا تنهكي قول فيه ذم واضح لما تقوم به، وفي رواية أخرى أشِمِّي ولا تنهكي (بالسوداني يعني شمومة) أي بأخف ما يمكن، ولكن لم يرد إطلاقاً أنه أمر بالختان للذين لم يمارسوه ومنهم بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
    ثم كيف يمكن ان يترك الإسلام أمراً كهذا لعموميات اللغة وهو دين التفاصيل بكل المقاييس، دين ثوري اقتحامي وضّح كل تفصيلة من تفاصيل الحياة، حتى كيفية الجلوس لقضاء الحاجة! فهل يستقيم عقلاً أن يسكت عن تفاصيل أمرٍ كهذا إن كان يريد للناس الاستمرار في ممارسته؟ التحدي أمام المروجين لختان الإناث وفي مقدمتهم السبعة المحترمون، أن يأتونا بدليل واحد مهما كان ضعيفاً يأمر بقطع الجزء كذا من العضو كذا؟ أما ختان الذكور والذي هو سنة إبراهيم عليه السلام فقد جاء تفصيله في التوراة (تختنون في أقبالكم) وقد اختتن إبراهيم بالقدوم وهو في الأربعين، فكان جزءاً من الكلمات التي ابتلاه الله بها فأتمّها، أما حديث الفطرة فليس فيه ما يشير إلي ختان البنات وقد ورد الختان كما ورد قص الشارب والذي هو خاص بالذكور دون سواهم وقياساً، يمكن أن يكون الختان خاصاً بالذكور أيضاً، وختان الذكور هذا أعداء الإسلام في أروبا على وشك تعميمه لما ثبت من فائدته، خصوصاً التقليل من إحتمالات الإصابة بالأيدز.
    أسوأ ما في هذا الكتيب البائس أن المساهمين فيه سبعة أشخاص إثنان منهم يحملون درجة الأستاذية وأربعة درجة دكتور والسابع درجة قاضي وبالتالي هو كتاب بالغ التأثير في المجتمع الذي يحتفي بالدرجات، وهو أيضاً يصدر من مؤسسة مسنودة أي أنها تستطيع أن تطبع وتوزع مليوني نسخة، طباعة على الورق المصقول وهذا يعني أنها منظمة بفعالية كبيرة، وهذا بكل أسف مؤشر بالغ الخطورة! بالطبع أنا لا ادعوا لمحاربتهم أو التعسف في معاملتهم فمن المؤكد أن بعضهم على الأقل حسن النية ويحسب أنه يحسن صُنعاً، وكشخص آمن بحرية التعبير إيماناً غير قابل للتراجع فإنني أدعوا فقط إلي مقاومة هذا النهج بنهج مماثل وهذا النشاط الكثيف بنشاط أكثر كثافة، وهكذا التحول في المجتمعات يحتاج إلي نفس طويل، فالقانون الذي يحرّم ويجرّم ختان الإناث ولو أن صدوره مفيد جداً لكنه قطعاً لن يمنع الممارسة، وتجدر الإشارة أن القانون هذا تم تشريعه في الأربعينات وبكل أسف كان أشرس مقاوميه هم جماعة الفكر الجمهوري بقيادة الأستاذ محمود محمد طه (يرحمه الله) تبريرهم أنهم ضد أن يتدخل الإستعمار في ثقافة الأمة، الآن الجمهوريون الذين ينشطون من جديد مطالبون بجهد أكبر لدعم حملة المكافحة.
    والأمر الأكثر بؤساً، وهو بؤس يثير الحزن والإحباط! هو أن تتحول قرارات الجهاز التشريعي إلى ورق، فقد وقع في يدي القرار رقم (19) للمجلس الوطني وبه هذه العِبارة بالنص في الفقرة (9) وبتوقيع السيد أحمد إبراهيم الطاهر، رئيس المجلس (سن التشريعات اللازمة التي تمنع ختان الإناث، وضرورة مكافحة كل العادات الضارة مع استنفار كل الجهات ذات العلاقة لدعم هذه الجهود) قرارات من ورق، أم .... من ورق؟!
    وأمر آخر يبعث على الرثاء، فالمطلع على هذا الكتيب الهزيل، يجد الغالبية يرفعون فزّاعة أعداء الإسلام والمتربصين به من الشيوعيين واليهود، لو أن أعداء الإسلام يفكرون بهذه الطريقة لنام الإسلام قرير العين، يا هؤلاء أعداء الإسلام أذكى كثيراً، أفيقوا واخرجوا من دائرة الغيبوبة هذه لتعرفوا كيف تتصدوا لهم، أعداء الإسلام يفكرون باستراتيجية، فهم أخذوا المسلمين حزمة واحدة رموا بهم في دائرة التخلف، والآن يحزمون الإسلام كله ويضعونه في سلة واحدة أسموها الإرهاب، وأعلنوا حرب العالم كله عليها، ونحن لا زلنا ...!
    وما يثير القلق هو تدخل الجهاز السياسي ومن رموزه الكبار بصورة عشوائية، فقد تحدث السيد رئيس الجمهورية مؤيداً في مسجد بجبرا بعد خطبة الإمام الذي دعا بالثبور وعظائم الأمور على أعداء الإسلام الذين يتدخلون بيننا وبين بناتنا، السيد رئيس الجمهورية رمز سياسي مهم وحديثه يجب أن يكون بالحساب، الرئيس كإنسان له أن يصلي في أي مسجد يريد وأن يصوم الإثنين والخميس كما يشاء فالأمر يخصه وحده، ولكن فليحذر من الإنتهازيين الذين يوظفون الكل، فالذين يرتادون برنامج الإفطار والله أعلم بصومهم، يملكون أذن الرئيس مرتين في الأسبوع! وهذا أمر في غاية الأهمية، فليفطر الرئيس مع أهل بيته، وإن كان لابد من الإفطار الجماعي، فليكن مع فئات متنوعة، ولكن حذار من الشللية فلكل شلة أجندتها واختراقاتها وأخطارها.
    أخطر من ذلك أن الأمر قد دخل في دائرة المصالح كما ذُكر.
    لن أذهب إلى وقفة الإلتزام بالتخلي عن ختان الإناث التي تدعو لها بعض المنظمات بالتنسيق مع مجلس رعاية الطفولة، فقد خضنا أنا وزوجتي نعمات حاج علي، (منسوبة اليونسيف) حرب المجتمع مبكراً وانتصرنا، وأمر الختان إلى زوال لا محالة، ولي عودة إن شاء الله.
    * [email protected]
    __
                  

04-22-2008, 03:59 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    العقل العربي تلك الذاكرة الحرجة:تاريخ العقلانية: بين ابن رشد وابن سينا
    غسان علي عثمان
    وقوفاً عند تقسيم د.الجابري لاتجاهات العقلانية العربية؛ بين عقلانية رشدية (واقعية)، وعقلانية فارابية– سينوية (صوفية)... يرمي بنا الجابري نحو إمساك مفاصل أزمة العقلانية العربية، فإلى أشكال من الفكر الأسطوري جاءت نتائج العقل العربي عملاً ونظرية، فهو يرى أن الشعوبية الفارسية استطاعت أن تجعل من تفلسف ابن سينا محاولة لبناء باطنية تدفع بالثورية الإسلامية المضادة لأهل السنة (أو ما عرف بالشيعة الإسماعيلية) والتي بقيت تحمل في ثنايا أيديولوجيتها تناقضاً صارخاً بين الشكل الثوري (من حيث هي أيديولوجيا الطبقات الفقيرة والمحرومة) وبين المضمون الباطني (المُؤسْطَر) المتخلف والذي يعود إلى المانوية (دين ماني بن فتك، ولد في 216م في مدينة بابل، والذي أدعى أنه يوحى إليه وهو في الثانية عشرة من عمره فمزج الزرادشتية بالمسيحية والبوذية كذلك). وصحيح أن للأسطورة منطقها الخاص، كما يكتب الجابري، "بوصفها شكلاً من أشكال التعبير ونمطاً من أنماط التصور له منطقه الخاص". غير أن ما يقلقه هو هذا التوظيف العرفاني للأساطير، كما تمثَّل في الأيديولوجيا الشيعية؛ التوظيف الذي بلغ ذروته في التأويلات الباطنية للفكر الشيعي التي وجدت تعبيرها الحيَّ في فلسفة ابن سينا الشعوبية. فجاء في كتابه (نحن والتراث ص 193) أنه ومن خلال حفرياته في تاريخ الفلسفة المشرقية يقرأ ابن سينا عبر نوعين من القراءة، مباشرة وغير مباشرة (إسقاطية)، فاستنتج ما يلي: "ابن سينا هو المدشِّن الفعلي لمرحلة الجمود والانحطاط، عمل ابن سينا على تكريس لاعقلانية صميمة في الفكر العربي الإسلامي تحت غطاء عقلانية موهومة، وكانت الفلسفة المشرقية السينوية، في آن واحد، تعبيراً عن وعي قومي مهزوم ووعي أيديولوجي مقلوب؛ فهي إحدى تجلِّيات الوعي القومي الفارسي المهزوم، لكنْ الحي دوماً، المتطلِّع إلى استعادة نفسه باستمرار وبكبرياء. ولذلك كان هدفه هو إنشاء فلسفة مشرقية ذات خصوصية قومية فارسية، يجب أن ننظر إلى العمل على دمج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين كجزء من نضال عام –سياسي اجتماعي ثقافي– ضد الحصار السني للدولة، قام به أبناء الشعوب المضطهَدة قومياً وطبقياً".
    وعبر هذا نستطيع أن نفهم الدوافع القومية–الأيديولوجية في فلسفة ابن سينا؛ وكذلك لماذا كانت الإسماعيلية –كرافد أساسي في تكوينية ابن سينا– أيديولوجيا الطبقات والقوميات المضطهَدة
    في عرفانية ابن سينا
    في كتابه (بنية العقل العربي) يعرف الجابري العرفان أنه "جملة التيارات الدينية التي يجمعها كونها تعتبر أن المعرفة الحقيقية بالله وأمور الدين هي تلك التي تقوم على تعميق الحياة الروحية واعتماد الحكمة في السلوك، مما يمنح القدرة على استعمال القوى التي هي من ميدان الإرادة فالعرفان يقوم على تجنيد الإرادة بديلاً عن العقل"، فالعرفاني الذي يتخلق من الأسطورة الهرمسية (تنسب الهرمسية كعلوم وفلسفة دينية إلى هرمس المثلث بالحكمة الناطق باسم الإله)، وينادي بالكشف والرؤيا والحلم والتأويل، ثم يمارس أبسط أنواع التفكير وأدنى درجاته، ويكرِّس باستمرار الهروب إلى عالم العقل المستقيل، بالإضافة إلى أنه يساهم في تكريس نظرة سحرية للعالم من خلال العرفان، كظاهرة وكنظرية. فيركزها الجابري في الآتي: "العرفاني يهرب باستمرار إلى عالم الميثولوجيا المفلسفة، العرفان، كموقف وكنظرية، تكريسٌ للنظرة السحرية للعالم، أولاً وأخيراً؛ فهو تكريس أيضاً للبنية العامة للثقافات القديمة التي يشكِّل فيها الفكر السحري، وليس العلم، الفاعل الأساسي –هذا حسب معلوماتنا الراهنة (القول للجابري). وهل يمكن تحقيق نهضة بالسحر؟، وأن الكشف العرفاني ليس شيئاً فوق العقل، كما يدعي العرفانيون، بل هو أدنى درجات الفعالية العقلية؛ وليس شيئاً خارقاً للعادة، فهو ليس منحة من طرف قوة عليا، بل هو فعل العادة الذهنية غير المراقَبة، فعل المخيِّلة التي تغذِّيها، لا المعطيات الذهنية الموضوعية الحسيّة، ولا المعطيات العقلية الرياضية، بل معطيات شعور حالم غير قادر على مواجهة الواقع والتكيُّف معه والعمل على السيطرة عليه مادية أو عقلية أو كليهما معاً، فيلجأ إلى عالم خيالي خاص به، ينتقي عناصره من الدين والأساطير والمعارف الشائعة"(بنية العقل العربي، ص379؛ تكوين العقل العربي، ص343).
    وفي بحث الجابري عن اللامعقول في ثنايا العقل العربي وبالذات العقل الذي شيده ابن سينا يرى أن العقل المشرقي المعتمد على فلسفة ابن سينا يجد تعبيره في نظام العرفان. ثم يتمايز توصيف هذا العرفان إلى نوعين من العرفان: العرفان كنظرية "يطغى فيه التفسير والتأويل ومحاولة تشييد نظرية دينية فلسفية تشرح تطوّر الخليقة من المبدأ إلى المعاد"، والعرفان كظاهرة "فردي ونفسي وعملي، يتلخص في رفض العالم ونشدان الاتصال بالإله والدخول معه في نوع الوحدة" (بنية العقل العربي ص 55). ولنصل الى توسيم العرفان عند ابن سينا نحتاج لربط ذلك بما لدى بعض العرفانيين المعاصرين مثال محمود محمد طه، الرجل الذي مهما اختلفت معه حول فكره لا يحملك فعله وشجاعته إلا على احترامه– وسوف يكون لنا معه وقفة.
    في المقال القادم نواصل تبيين رؤية الجابري للعقل العربي، فمشروعه بالحتم يحتاج إلى أن ينال شيئاً من الرصد والتحقق والتحليل بقدر ما ينال شيئاً من المقارعة والهجوم والرفض، وذلك انطلاقاً من أن الحوار النقدي ضرورة موضوعية وتحمل التأثير الفاعل وترسخ الدور الثقافي للنص، فالنص بلا حوار نقدي -أياً كان هذا النقد نوعه ومصدره- يعد ميتاً.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526014&bk=1
    ______________
                  

04-22-2008, 04:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    العقل العربي تلك الذاكرة الحرجة:تاريخ العقلانية: مع ابن رشد ضد العرفان الهرمسي

    غسان علي عثمان



    في سابق المقال تناولنا تراث ابن سينا الموصوف بـ(الظلامية)، وكيف أنه كرس لاعقلانية صميمة في الفكر الإسلامي، وأن فلسفته هي فلسفة (التحطيم الذاتي)... فلسفة جعل عقل منتهى طموحه تقديم استقالته، ولدينا في حاضرنا الفكري الآن عدد كبير من المنتمين قولاً وعملاً لمدرسة ابن سينا (التصوف الإسلامي نهل من فلسفته بالذات في مسائل الروح والنفس والجسد). وتعاظمت سطوة النصوص السينوية موصوفة بالبراعة والجدة عند ابن عربي، الذي توسل فلسفة ابن سينا ناظماً إياها في حلولياته ونظراته في الحب الصوفي، وبالتالي نهل عرفانيو التصوف السني والشيعي من تراثه الكبير، ولكن ولأننا نتبنى المنهج العقلاني وقراءة التاريخ بمنهجية القطيعة المعرفية، والتاريخ التراجعي كما عند غاستون باشلار وجان بياجيه، فموقفنا محدد في هذا الإطار الذي يجد في العمليات الذهنية والإجراءات العقلية الملاذ الوحيد لفهم العالم.. وصحيح تطابقنا مع ابن رشد، الذي يجيء على عكس موقف العرفانيين، فابن رشد لم يكن مدلساً، يُظهر شيئاً ويُبطن نقيضه، وإنما كان يخاطب الناس على قدر عقولهم، وهذه مرجعية إسلامية معروفة، بل سنة من سنن الرسول الكريم (ص)، عمل بها المفكرون جميعا، ففهم الشريعة اعتماداً على حجة العقل. ولا نؤيد مقولات ابن عربي الذي يقول بأن الله جعل في كل شيء من مخلوقاته ظاهراً وباطناً!.
    والعقلانية التي ننادي بها، هي عقلانية عربية وإسلامية، ولنا أن نتعجب من التداخل الباطني في سنن الكون، والتحيز غير المبرر للهرمسية والتي رهنت العالم وأشياءه بثنائية (الظاهر والباطن – الشريعة والحقيقة – المطلع والحد)، وتتلخص الهرمسية في مراحل تضعها لتطور العالم وبالتالي تجلي الإنسان وتصور الإله، فمرحلتها المبدئية هي التقرير بأولوية النور؛ فالنور هو العقل (الإله الأب)، والثانية انفصال النور عن النار انفصالاً نهائياً، والثالثة إنجاب الإله الأب للابن (الإله الصانع)، والرابعة ظهور الإنسان السماوي الأول على صورة الإله الأب الكلِّي، أما مرحلتها الأخيرة فهي تتضمن حديثاً عن يوم المعاد ومرحلة ما بعد الموت وعودة الروح إلى بارئها. كل هذا له أشكاله الراهنة في تصوف العرفانيين الجدد، كمحمود محمد طه، ومحمد أبو القاسم حاج حمد، ومحمد شحرور وغيرهم.
    نقول إنه علينا الاعتراف بأنَّ معظم الحضارات الإنسانية عرفت البرهان والعرفان... فالحضارة العربية الإسلامية تشترك فيهما مع الحضارات الإنسانية الأخرى. إنما ما يميز هذه الحضارة إلى حد بعيد، هو في الأساس، العقل البياني؛ فالنظام المعرفي هو إذن حصيلة منتظرة لمثل تلك الخلفية التي يمتزج فيها تأثير العامل اللغوي لآليات تفكير في فهم النص كمرجع رئيس لجذور طبيعة نشأة الحضارة العربية الإسلامية وتطورهـا.
    والعقل العربي الإسلامي، ومن أطراف عديدة، تضمنته الاتجاهات والأنماط الفكرية المعاصرة، فأثرت في محتواه الإبستيمي والمنهجي والمذهبي أيضاً، كما في محتواه الإجرائي والعقلاني. وما يميز طرح د.الجابري هو أنه يستمد رؤيته في بحوثه حول التراث والمعاصرة من اتخاذه العقلانية النقدية منهجاً موصولاً بالهاجس التجريبي، كما أنه يعمل على تفكيك الأوصال وملاءمة النتائج من أجل المنهج، وصنيعه هذا قد يكون في غير صالح فهم المدروس ويوقف من قدرة الآليات في صناعة المفاهيم.
    فلسفة ابن رشد تعنى بالسببية كقاعدة لفهم عالم الأشياء، وهي رافضة للتوسط ومنحازة للمعقول ضد اللامعقول. سعياً منها لاجتثاث اللامعقول من حياتنا -الذي هو دافعنا للهروب باستمرار إلى نقيض العمل- ويقول الجابري بأن هذا اللامعقول ليس أصلاً في الثقافة العربية الإسلامية وإنما هو وافد (خبيث)، وخبثه قدرته على الالتفاف على الحقيقة والتلصص فعلاً وعملاً داخل محيط أي ثقافة يساميها، هذا هو توصيف الجابري إنه "العقل المستقيل"، والذي تغذيه ثلاثة تيارات رئيسية: أ‌. المانوية (نسبة إلى ماني) التي تجمع بين الزرادشتية والمسيحية والبوذية والتي استهدفت تقويض الأساس الفكري للدولة الإسلامية في العهد العباسي الأول؛ ب‌. الهرمسية (نسبة إلى هرمس) التي تقوم أساساً على نزعة صوفية إشراقية؛ ت‌. التيار الثالث هو الأفلاطونية المحدثة.
    ويضيف دكتور الجابري في محاضرة له بعنوان (مستقبل العرب في ظل النظام الدولي) قدمها في البحرين 1992م بدعوة من نادي (العروبة): "ابن رشد قد أدلى قبل خوضه في مسألة العقل برأي طريف في مسألة الوجود التي كان النزاع فيها بين الفلاسفة والمتكلمين الإسلاميين يدور أساسا حول ما إذا كان العالم قديما أزليا، وهذا رأي الفلاسفة، أم أنه حادث مخلوق من عدم كما يقول المتكلمون.. وفي رأي ابن رشد أن العالم ككل لا يمكن أن يقال فيه إنه حادث، لأن ما نعرفه ونشاهده هو أن العالم مسرح للكون والفساد: أشياء تتكون وأخرى تفسد، ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نحكم بذلك على عالم السماء، لأنه ليس موضوعا لمشاهدتنا، وبالتالي فأليق شيء بالعالم ككل، أن يقال عنه –يقول ابن رشد- لا إنه قديم ولا إنه حادث، بل إنه "دائم الحدوث"، أو إنه في"حدوث دائم".
    وتظل الدعوة الآن أن يظل هذا العقل "العقل الاجتماعي والتاريخي العربي" عقلاً بالفعل، عقل "دائم الحدوث". فإن بناء العقل الفلسفي النقدي الذي ندعو إليه، يعني تجاوز أسس الميتافيزيقا المتعالية والمطلقة المؤسسة على مقولة الجوهر، لهما مطمح المثقف العربي الراغب في التنوير لا شرعنة اللاعقل وسلطة التراث، وفي مجتمعنا، نريد أن لا يتحول (العقل) إلى محض تأملات ومتاهات وخواطر، بل عليه الالتحام بالنقد العقلاني في أفق بلورة نظرية فلسفية جديرة بالمتابعة والمساءلة.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526488&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 08:00 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شارك بندوة البيئيين:د. ابكر آدم إسماعيل: الجسد إختراع إجتماعي

    الخرطوم، محمد غلامابي
    رغم تكراره أنها لم تكتمل بعد، فقد قدم الدكتور أبكر آدم إسماعيل ورقة مهمة أثارت كثيراً من الجدل والنقاش حول موضوعها (النظرة الجمالية في الثقافة السودانية ـ المرأة نموذجاً)، بمقر جمعية البيئيين السودانية الاسبوع الماضي، وسط حضور نوعي وكمي أمّ الندوة، وشاركه بالعديد من المداخلات التي وسمها د. أبكر بالمهمة، لكونه لم يكمل كتابة الورقة بعد، ويتوقع لتلك المداخلات أن تسهم في تطويرها لاحقاً ليتم عرضها بشكل مكتمل، وقال أبكر في الندوة أن الثقافات تخلق معاييرها الجمالية التي تخصها وتستوعبها، والبعض يجد نفسه أسفل الهيكل الاجتماعي دون إختياره، وأكد علي أن الجسد نفسه هو إختراع إجتماعي، وإمتدح إسماعيل التخريجات التي يقول بها الاستاذ محمود محمد طه لبعض النصوص القرآنية، وأضاف أن النص (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) يمنح اللون الابيض تفضيلاً، ويترك الاثر في نفس قارئه بتفضيل أبدي للون الابيض، وطوّف بالحضور حول المفاهيم الفلسفية للجمال، وقال أن المجتمع يمنح الذكر إمتيازاً إجتماعياً مقابل البنت لكونه ذكراً، فالزغرودة لحظة الميلاد تكون له. وقال د. ابكر أنه رصد بعض الثقافات المحلية كما عند دينكا بحر الغزال، وقال أن شرط الجمال عندهم للمرأة هي الفراعة (أي الطول)، وبياض الاسنان، والمشاط مع إظهار فروة الرأس، والسواد، والسمات الاخلاقية، فالبنت البيضاء لايدفع فيها بقراً كما السوداء، وتعرض في حديثه أيضاً لما أسماه الثقافة الاسلاموافريقية ضارباً المثال بقبيلة (البرنو)، وقال حدث إستلاب لثقافتهم بسبب الاسلام فأصبح الغناء للبنت (الحمرا)، رغم أن البعض لازال ممسكاً بتقاليد وثقافة القبيلة، وأضاف أن البنات عندنا يسيطر عليهن الفكر الاستلابي، ورغم أن بعضهن مستلب لفضاء آخر الا أن بعض بناتنا يشقين في سبيل تبييض بشرتهن، وأردف ان هذا النوع من البنات يشقي مرتين في كون أن بعضهن يكسبن مالاً بصعوبة ليدفعنه في كريمات تبييض البشرة، أنظر الي التلفزيون فالبنت البيضاء تذهب اليه، وغيرها تذهب الي الإذاعة، وهذا والحقيبة علي جمالها كرست لأفضلية اللون الابيض أنظر قول الشاعر(الليل والقمرا ضدين إجتمعوا.(
    المداخلات لمست الكثير من الأفكار التي طرحتها الندوة، وأضافت اليها فالدكتور الباقر العفيف قال أن هذه من الامور التي تشغل باله كثيراً، وقال نحتاج الي مواجهة ذوات أنفسنا والا نغترب عنها، وأشاد بآراء الاستاذ محمود محمد طه وقال أن الاستاذ محمود كان يري أن هناك آيات نزلت في مناسبات تخص صدر الاسلام الأول، وصحيح هناك آيات إستمدت السرمدية، لكن هناك آيات يجب أن نجد لها التأويل الذي يناسب عصرنا.
    الكاتبة الصحفيه رشا عوض قالت أن مأزق المراة مع الجمال هو مأزقها الوجودي، فالثقافة الذكورية هي التي تحدد معاييرها الجمالية، وأضافت أن الرجل هو الذي يكيف وجود المرأة حسب إحتياجاته، ويختزل المرأة في الجسد، ليكون ابكم وأصم تعبث به يد الرجل، وقالت أن مسابقات الجمال هي سلب للمرأة لتتحرك كتمثال يشبع رغبات الرجل، وسخرت من الواقع الذي يجعل الصغيرة هي الجميلة والجاذبة كما تقول بذلك الآداب، وتري رشا أن مخرج المرأة من هذا المأزق هو أن تظهر المرأة المفكرة، بينما نادي الدكتور عطا البطحاني الي رفد الورقة بالعديد من المصطلحات، وقال أن الورقة اغفلت بعض المفاهيم كما الايدلوجيا بأشكالها المتعددة وتمظهراتها المختلفة، وكذلك على الورقة أن تدخل مفهوم الهيمنة بعلاقتها المختلفة.
    الدكتور موسي الخليفة قال أن الورقة موضوع وتمظهر وتفاعل، فالموضوع يحمل الصفات الخاصة به من داخله لا من خارجه، أم الإظهار يتأثر بالقناعات الاجتماعية، ويمور التفاعل داخل الثقافة فيصبح التفاعل مستمراً، وضرب مثلاً أن س +ص = ي، وياء هي عطاء س وص، ودعا الي ديمقراطية الثقافة.
    وقد حفلت المحاضرة بعدة تداخلات مهمة للعديد من حضور الندوة، مع وعد من الدكتور أبكر آدم إسماعيل بإستكمال الورقة وطرحها في منابر مختلفة لأهمية موضوعها.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526737&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 08:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كتابة(تأملات حول الفعل العجيب)

    طلال عفيفي
    ثمة لحظات تتحول فيها الكتابة إلى ما يشبه السقوط من الهاوية، حينها يكون القلب منطقة منخفضة...تنحدر المشاهد والصور وأصداء الليالي من علياءٍ في أعلى سطح من جبل الذاكرة .
    قد نتماسك إثر هذا الهبوط فنحكي الأشياء بلطف وهدوء، أو ننهار فتكون هذه الهلوسة الحزينة المجنونة .
    على كلٍ، فالكتابة هجرة وانعتاق أقل ما تفضي إليه هو: الحرية.
    وفي الكتابه إنفلات، وتحول .
    غير أن ثمن الإنفلات والتحول هذا فادح، إذ نعبر كل هذا الحنين وندخل فيه حتى نقف على الضفة الأخرى ونفصصه بعد أن نراه بجلاء ..الكتابة هي الحزن الأكبر ... والكاتب إنسان مسكين .. تنخفض مناعته إلى الصفر أمام أقل صوت أو رائحة أو طيف ..
    قد يجرحك موّال, أو يأتي إليك وجه بنت بالدمع المسافر، فتبكي على عمرك المسكوب في الشوارع.
    الكتابه هي أن تحس الأشياء مرتين ..فلحظة الكتابة هي إستعادة لحياة كاملة، بكل إنفعالاتها والجسد ثابت في مكانه، فيكون على الروح إن تحمل عبء هذا النزوح وحدها .. هناك فئه منفلتة من أبناء هذا العالم يكتبون بقدرة غريبة على الإختراق والنفاذ .. يكتبون نصوصاً ما أنزل الله بها من سلطان، ولكنها تسلطنت بعد ذلك وتحكرت في الروح ... لم تطرق باباً ولا قالت إحم حين دلفت، ولكنها القدرة والمقدرة، وسطوة الشاعرية وشفافيتها .
    وما في نفسي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة سهم من هؤلاء الناس ... أتفرج على جدار الروح فهاهي منمنات الولد الشقي عاطف خيري ولغته الأسطورية المدهشة، و محمود درويش وذبذبات شعره الذي لم تأت به العالمين، وبورخيس شيخ الكتابة الغريب وسيد الذكريات المحمومة .
    كتابتهم هي الكتابة، إنها الكتابة حين تفصح عن أنوثتها وبحارها السبعة ….إنها غواية أن تقرأ .. وتنصت .



    ...................................



    تبدأ الكتابه حين ينام الحراس وتنطلق اللغة من عقالها اللغوي، لتبرطع في الفضاء الطلق وتحكي وتقول وتشاهد .
    الكتابه أسر مفكوك ... والكتابة برغم إنطلاقها، حاجة مغايرة للنبوءة .. هي التدحرج، والغوص، والهاوية ..
    ( الآن أتذكر أن شيوخنا في المسلك الصوفي الذين أخذتهم الكتابة وسرقتهم، فعدهم الناس من الفلاسفة ونسوا ولايتهم: سيدي الإمام محي الدين بن عربي، ومولانا النفري، والأستاذ الشهيد محمود محمد طه .. ) .
    ..........................................................

    أن تعيش لتحكي، أو تكتب ما تتذكره، أمر في غاية الصعوبة والتكليف .. نحتاج لعمر على قدر عمرنا لنحكي ما عشناه .
    أنا ( دون إقحام مشاكلي الشخصية في الموضوع ) أحتاج لسبع وعشرين عاماً لأحكي ما حصل لي في السبع وعشرين عاماً من عمري، بل ربما أكثر ( فثمة هوامش .. ) ..
    هناك مفكر ولكنه بجانب مفكريته كاتب أريب، عراقي إسمه (هادي العلوي) ، توفي في العام 1998، كان عليه الرحمة شيوعياً ذا نزعة شرقانية ( وهي نزعة يندر توافرها عند الماركسيين باعتبارها، أي الماركسية، فلسفة مادية) .
    هذا الرجل عاش في الصين كموظف دبلوماسي في سفارة بلاده في إطار تخلص حكومة البعث من الحامض الشيوعي في البلاد والإستفاده منه في ذات الوقت، كمنشّط كيميائي في العلاقات مع دول اليسار ..المهم إن هادي تراكمت على شيوعيته العقلانية غبارات من رياح الشرق .. فتروحن ..خضت مضاجع روحه تعاليم ) كونفوشيوس ( الحكيم ، و)ماو تسي ( .. فاعتصم بالفتح الحضاري واستقال عن المنصب الحكومي، ليحكي ويكتب تأملاته وتنظيراته حول المسأله الشيوعيه، وليضف إليها واحداً من أبعادها المفقوده ..
    وإنهمك أستاذنا العلوي في الكتابه والتأمل والخرط.... سرقت الكتابه عمره، فمات .. هناك، على مقربة من سفح جبل قاسيون في دمشق، حيث مرقد الإمام الأكبر: محي الدين بن عربي .
    وهادي العلوي مثقف شرقاني مهم، غفلت عن ذكره والتذكير به مضخات الذاكره المثقفاتية والشيوعية في المنطقة، ربما للقهر العام وملحقاته، أو للعمل بالمثل القائل بإنعدام الكرامة للنبي في وطنه.
    ومن شرقانيته أنه عارض الذبح إطلاقاً، فأنف عن أكل اللحم، كذا عارض هادي العلوي الإلحاد واحتكم الى الروح، وكان من شأن المرحوم أن أعاد العزف على وتر ذاكرة مهضومة في السياق الفقهي، فلم تخل كتاباته ليلةً واحدة عن ذكر ملحدين وصعاليك حاولت التواريخ تجاوزهم مثل أبوالعلاء المعري والرازي وبشار بن برد .
    رحمهم الله أجمعين ..

    ......................

    هاهي الكتابة تتحرك وحدها، وتعود بي لأشياء وعوالم شارفت على نسيانها .
    الكتابه هي ألا تنسى ... الكتابة من الجائز أن تكون خطرفة .
    هي ما عرفته، أو أعتقدته ..
    هي المرونة ... والموت البطيء …هي قبل ذلك:
    أن يفرض الإنسان شروطه.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526866&bk=1
    _________________
                  

04-22-2008, 11:28 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المجذوب والذكريات:تأليف السفير علي أبوسن
    عرض سيد حسن مراد
    في المستهل استعرض المؤلف سيرة حياته الأولى في ربوع البطانة وام درمان، فهو سليل دم شكري ونوبي، فجده حاج سالم حفيد الخوجلي أبوالجاز كان ينطلق (الخرج) (بالهُرج) وقالت عنه جدات المؤلف (جدنا كان محسي مقفول).. (إضافة من كتاب المقال.. الخوجلاب سكنوا منطقة الخرطوم ومن أشهرهم خوجلي عبدالرحمن في جزيرة توتي والذي كتب عنه ود ضيف الله في الطبقات ما يلي "الشيخ خوجلي بن عبدالرحمن بن ابراهيم وأمه اسمها ضوة بنت خوجلي، أبوه عبدالرحمن محسي كبابي نسبة إلى محمد كبابي بن عجم جد المحس وأمه محسية وجده هذا من تلاميذ أولاد جابر".. ويذكر الكاتب باسهاب عن بيت جدته آمنة بنت صديق في حلة خوجلي في بحري والذي ورثته من جدها حاج سالم وصادره السيد علي الميرغني ورفض اعادته لها وعرض شراءه فقالت له "لو أنت محتاج ليهو يا سيدي انا ما ببيعو ليك، انا بخليهو ليك" وخرجت من بيت الميرغني ولم تعد مرة أخرى.
    تتمحور معظم ذكرياته خلال مراحله الدراسية بالقاهرة ولندن والعلمية مذيعاً في هيئة الإذاعة البريطانية وسفيراً في وزارة الخارجية ومسؤولاً في الإذاعة السودانية ومسؤولاً أيضاً في جامعة الدول العربية إبان عهد محمود رياض ومعارضاً سياسياً مقيماً بالقاهرة منذ عام 1989م.
    أرجع بداية علاقته بالمجذوب إلى عام 1963م حين أعاده وزير الخارجية آنذاك أحمد خير المحامي للخرطوم من عمله بالسفارة السودانية بلندن بزعم أنه أصبح انجليزياً أكثر من الإنجليز.. وكان المجذوب يشغل في ذلك الوقت منصب نائب رئيس الحسابات بالوزارة.. وقال عن الأستاذ/ أحمد خير "كان يحكم الخارجية بيد من حديد، كان عسكرياً في طباعة اكثر من العسكريين، وحينما يسافر يتولى أعباء الخارجية اللواء حسن بشير نصر- تلك كانت دولة الشايقية.
    وخلال وجوده بالخرطوم تعاون مع الإذاعة السودانية بتقديم برنامجين الأول باسم (جزائر واق الواق) والثاني باسم ( هذه الدنيا) بالإشتراك مع الأديب علي المك.. ووصف مدير الإذاعة في ذلك الوقت التاج حمد بأنه كان ضابطاً منتشياً كان يدخل إلى دار الاذاعة وكأنه جنرال يستعرض قواته، لا يسلم ولا يتحدث مع احد وإنما يصدر الأوامر بهدوء وكبرياء القادة العظام.. وتطرق عن جبن أهل الإعلام وسبب ذلك أن معظمهم دخلوا إلى عالم الصحافة والإذاعة بعد الاستقلال (جربندية) ومع توالي التغييرات السياسية في الخرطوم اكتشف هؤلاء أن الجبن هو سيد الأخلاق، وأشار الكاتب إلى أنه كان أيضاً عضواً في لجنة النصوص بالإذاعة السودانية وتمكن من اقناع اللجنة بإجازة أغنية (انا بالتمني) للفنان خلف الله حمد، وكلمات الجاغريو، بعد أن كان قد منع بثها من الإذاعة.. وأنه إبان فترة عمله القصير مديراً فنياً للإذاعة أدخل لأول مرة فكرة المؤثرات الصوتية بالإذاعة..
    في معرض سرده لأحداث ثورة اكتوبر الذي شارك فيها بفعالية وصف الدبلوماسيين بأهل الجبن بتلامة إلا القلة النادرة وأن وزارة الخارجية كانت الوزارة الوحيدة التي ظلت تعمل حتى لحظة إعلان عبود حل المجلس العسكري والتسليم للشعب، وتمرده على أوامر أحمد خير وانضمامه لعضوية جبهة الهيئات (القيادة الشعبية للثورة) ممثلاً عن الوزارة، وكانت فاطمة أحمد إبراهيم وسعاد إبراهيم أحمد من ضمن أعضاء تلك الهيئة.. وقال عن السيدة فاطمة أحمد إبراهيم: "حاولت تخفيف دمي مع فاطمة أحمد إبراهيم وكنت اخفي افتتاني بعذوبة جمالها الريفي الساحر كجمال بنات رفاعة وهن أجمل الكائنات، فحدجتني بنظرة اهمال وصمت ارتجت لهما أعماقي"..
    أضفي بعض الخلفية على يوم المتاريس المشهور.. فقد تقاطرت جموع الثوار لحماية الإذاعة بعد أن أذاع فاروق أبوعيسى من الإذاعة السودانية خبر تقدم دبابات من سلاح الدرعات في الخرطوم لاحتلال الإذاعة، وكان في مقدمة ركب الثوار الصادق المهدي ومجموعة من الفنانين ولم يكن فاروق أبوعيسى الذي أذاع الخبر موجوداً.. وضمن الفنانين كانت هناك الفنانة عائشة الفلاتية "تحمل في يدها اليمنى زجاجة مولوتوف وفي يدها اليسرى سيجارة تجذب أنفسها بقوة"، وحين أعلمها ابوسن بأن الزجاجة التي في يدها قنبلة أجفلت وتركتها في يده وهي تصرخ (عليك النبي).. وكتب عن دوره المشهود في منع مجزرة رهيبة يوم المتاريس في الإذاعة حيث كانت الأوامر ما زالت لدى الجيش تقضي بالضرب، إذ تمكن من إلقاء خطبة على الجموع الثائرة التي حملته على الأكتاف وتمكن من اقناعهم بالرجوع إلى ساحة قبة المهدي ريثما يتم استلام الاذاعة من قبل لجنة شعبية كان هو أحد أعضائها.. وفي حديث ذا صلة بثورة اكتوبر، أشار إلى ندم السيد بابكر عوض الله من رفضه لتولي رئاسة الوزراء للحكومة الأولى لثورة اكتوبر وتحول ذلك الندم إلى كراهية عمياء لسر الختم الخليفة.. واستطرد أن بابكر عوض الله كان في تلك الفترة سادراً في عنجهية مذهلة في تحدي الأزهري واللجنة التنفيذية العليا للوطني الاتحادي.. وعندما قدم بابكر استقالته من منصب رئيس القضاء بشكل استفز الأزهري وقال عنه الرجل الاتحادي العاقل الرزين خضر حمد بانفعال مخاطباً ابوسن "صاحبك دا قليل أدب ولازم يتربى، والله نحن مستغربين انت مصاحب الأرعن دا كيف؟".
    في صفحة (62) كتب أنه من خلال تجربة دعوته المثقفين السودانيين لاحتلال الحزب الوطني الاتحادي كونه حزب الحركة الوطنية وملكاً للجميع وليس كحزب الأمة أو حزب الشعب الملكين لبيت المهدي وبيت الميرغني، أن تلك التجربة كشفت له "التركيبة المأسوية للمثقفين السودانيين، لكل واحد منهم وجهان، وجه خانع ذليل يتمحلس –يتزلف- به أمام الرؤساء والكبار، ووجه كالح ثقيل يتعالى به على الجماهير..".
    أشار الأستاذ/ علي أبوسن أن أكثرية أعضاء مجلس قيادة مايو كانوا من مدمدني (البنقو) قائلاً: "لم تكن رائحة البنقو الذي تدخنه أكثرية الحاكم الجدد قد فاحت ولم تكن صورة رئيس القضاء بطل ثورة اكتوبر الذي عاد إلى الواجهة زعيماً للحشاشين.. قد تبلورت"، وتطرق إلى استدعاء بابكر عوض الله عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء له من مكان عمله بالسفارة السودانية بلندن في محاولة منه (أي بابكر) لاستخدامه ضد خصمه السيد/ سرالختم الخليفة سفير السودان في بريطانيا في ذلك الوقت.. وأورد ما قاله له في محاولة منه لتبرير المحاكمات التي جرت "بالله شوف الناس ديل كانوا فاسدين كيف.. حتى أحمد السيد حمد اتضح بالدليل أنه حرامي.. أنا آسف.. أنا آسف والله"، وذلك في حضور وكيل وزارة الخارجية في ذلك الوقت جمال محمد أحمد، ومن تداعيات ذلك اللقاء وصف بابكر لجمال بقوله: "البربري ده طبعاً ما ممكن يديك حقيقية"، وكان رد جمال "اين الشيخ عبد الله ليخفف عنا هذا البلاء".. وكشف عن تعليمات بابكر عوض الله بمنع سرالختم من دخول السفارة ومغادرة منزل السفير بعد أن عزله في وقت سابق.. وفي موضع آخر يحمل بابكر عوض الله إنجاح ثورة مايو بنسبة (70%) ومسؤولية حرب جزيرة أبا بنسبة (80%) لحقده على الانصار بسبب مسائل عائلية حساسة مع الإمام المهدي.
    وفي لفتة لا تخفي المغزى أورد المؤلف المزحة العنيفة التي حدثت بينه وبين الدبلوماسي الحلفاوي ميرغني الصائغ، وكان هذا الأخير سليط اللسان يخشى الجميع مكره وتعليقاته الساخرة.. وحدث أن صاح في وجهه مرة قائلاً: "يا أبوسن يا أخي.. خشم القربة دا بلد صعب انتو كنت عايشين فيها إزاي"، وكيف أن الصائغ بهت وترك تعليقاته الساخرة حين رد عليه "نحن ما كنا عايشين هناك.. كانت عايش فيها بهايمنا".. وتحدث عن زميله السابق مهدي مصطفى الهادي وقيادته لموكب التغزل السياسي في حماقات نميري بعد أن جر معه الرجل الطيب أحمد عبدالحليم.. وتحدث عن المنافقين فرقة الطبالين والهتافين لنميري بقيادة هاشم الزبير.. وأشار إلى بدرالدين سليمان الذي كان يحاول أن يكسب التخنث السياسي نوعاً من الضبط والربط حتى دمر الاقتصاد السوداني، أما منصور خالد فقد وصفه بأنه النموذج الفاضح لحالة المثقف السوداني، وأن المجذوب كان يصفه "بنخاس التخنث السياسي الدولي"، وهو الذي كان يقود اوركسترا المنافقين من وراء الستار، ومن المواقف الكثيرة لمنصور خالد أورد موقفه من الصحفي الكبير محمد الخليفة طه الريفي الذي نشر في جريدة (الصحافة) التي كان يعمل بها محرراً صورة للمؤلف مذيلة يتعليق كريم بمناسبة عودته من باريس وكانت الصورة قد التقطت خلال حفل تكريم أقامه الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو وقد أظهرت الصورة جانباً من حرس الرئاسة مما أعطى إيحاءً لمنصور خالد بأن المؤلف كان هو موضوع التكريم وبسبب هذه الصورة أقام الوزير الدنيا وأبعد الريفي من جريدة (الصحافة) إلى جريدة أخرى.
    وصف الأستاذ أبوسن، السياسي الجنوبي وليم دينق بأنه كان سمح الملامح مستقيم العود وكان أقرب الشماليين إلى مستوى الصادق المهدي لولا أن الصادق تشده إلى الوراء هواجس ورثته ولا تشبه عقله المستنير اسمها (الإمامة)..
    انتقل المؤلف إلى حياته في لندن وحكاياته مع صويحباته الاوربيات والتي كان المجذوب يتلذذ من سماعها ويذكر علاقته العاطفية مع فتاة إنجليزية اسمها سو دينزديل ذات التسعة عشر ربيعاً- أهلها من أقرباء هارولد ماكميلاني –رئيس وزراء بريطاني أسبق– والتي حاولت الانتحار عشقاً له حين تركها وسافر للسودان ويضيف "هي لم تعرف رجلاً قبلي"، وعن علاقته العاطفية بالكتابة غادة السماني أشار إلى أن الإذاعية ليلى طنوس والكاتب الطيب صالح كانا وراء ترتيب لقائه بها..
    وكيف أن ليلى قالت له وهي تغمز بعينيها للطيب صالح: "أنا واثقة أنكما ستصبحان أعظم صديقين بمجرد أن تلتقيا" إلى ان قال: "الغريب أن ليلى والطيب تظاهرا بأنهما غير مهتمين إطلاقاً بالعلاقة بيني وبين هذه المتوحشة البريئة التي تركاها في يدي أو بالأحرى تركاني في يدها..".
    واستعرض بعض المواقف العاطفية التي حدثت له مع غادة السمان منها ما حدث في إحدى الأمسيات في (لأيستر اسكوير) ولقاء محطة (هولاند بارك).. "جاءت تحمل في عينيها وفي شعرها وفي صلبها قلقاً وجودياً عارماً.. حذبتني من يدي جذباً وقالت: هيا نجلس على رصيف الشارع.. كانت الفكرة جنونية إلا أنني استسلمت لجذبتها العاتية.. بعد لحظة أشعلت سيجارة، نظرت إلى يدي النائمة فوق ركبتها"... إلى أن قال "نظرت غادة إليَّ مندهشة وصاحت شووو؟ وتدحرجت بي إلى الرصيف وكأننا على رمال شاطئ برايتون".. وكان تساؤله الحيرى (يبقى أن ليلى والطيب صالح لم يخبراني حتى الآن ماذا حصدا من ذلك الشرك الذي نصباه لي ولغادة"، وكخلاصة على انتهاء علاقته الغرامية القلقة بغادة السمان أشار إلى أن صديقته القديمة سو دينزديل التي كانت قد سافرت لالمانيا عادت لتجده وقد اصبح عازباً مرة أخرى، وقالت له ذات مرة "انت ياح بيبي، مسلم القلب، مسيحى الروح، يهودي العقل"..
    ثم تحدث الكاتب بأسلوب قصصي جميل عن حكاية صديقته غادة السمان التي قررت الفناء في مصطفى سعيد (لن تجد عناءً كبيراً أنه يعني الطيب صالح) "كان ذلك في ليلة عاصفة، فيها عصير العنب بقصائد نزار قباني (حبلى/ القصيدة الشريرة/ رسائل لم تكتب لها/ أوعية الصديد"، أعد لهما سهرة سودانية أصيلة ببخور الصندل والدلكة والخمرة والفركة وبعض الديكور السوداني"، وكان تعليق المجذوب عند هذه النقطة (أحي الموت.. وكل قتيل بينهن شهيد).. فقال أبوسن للمجذوب "اذا اجتمع العطر والبخور السوداني وتوابعهما مع صوت فيروز وشعر نزار فماذا بي للسحر من شروط"..
    وحكاية أخرى بطلها مصطفى سعيد مع ممثلة هندية فائقة الجمال زارته في شقته في (وست هامستيد) (نظرات فاحصة، أسئلة غريبة واحتراس، أطعمها وساقها وحين راودها لم تستجب.. سألها إذن لماذا انت هنا؟".. وأشار إلى أن المجذوب حين علم ان مصطفى سعيد والممثلة الهندية لم يلتقيا بعد ذلك أنشد قائلاً:
    ألا كل اثنين بينهما هوى ** من الناس والأنعام يلتقيان
    فيقضي حبيب من حبيب لبانة ** ويرعاهما ربي فلا يريان
    وساق في معرض حديثه عن علاقاته العاطفية حكاية مثيرة عن شاعر البطانة الكبير الحاردلو يرويها الناس هناك وخلاصتها (أنه حينما كبر كان يجمع حوله الشبان والشابات في قلب البطانة ويعلمهم أصول الحب)..
    وفي وصف يسترعي الإنتباه قال عن زميله في الإذاعة البريطانية الطيب صالح "إنه إنسان هارب أبداً، يهرب دائماً من كل عاطفة إنسانية تخالج نفسه فلا يعبر عنها إلا بالهروب إلى الهزل والدعابة وأحياناً السخرية، هو هارب من النقاش في كل ما هو جاد، هارب من السودان، ودار الحرب الحقيقية بالنسبة له هم الآخرون وليس انجلترا كما يزعم...)، الا انه اضاف في فقرة لاحقة ان الطيب صالح كان يقدمه لاصدقائه الانجليز (نحن في السودان نصدر ثلاث أشياء: القطن والصمغ العربي وعلي أبوسن)، كما اشار إلى ان الطيب صالح قدم له هدية مالية عبارة عن ألف جنيه مصري في منفاه بالقاهرة منذ مجئ الترابي والبشير للسلطة.
    وتطرق إلى حياة المجون بعد وصول زميله أحمد قباني إلى لندن وهيئة الاذاعة البريطانية "سكن معي في فندق الإذاعة البريطانية وبعد شهر واحد كانت كل الفتيات الصغيرات في حجرة الاستقبال يستخدمن الالفاظ العربية النابية"، وتصيد الطيب صالح لقصص مغامراتهما وطلبه سرد تفاصيلها له يومياً بطريقة مملة وكأنه يكتب مذكرات عنها..
    وروى أن المجذوب قد سأله مرة عن قصة للطيب صالح بقوله (ما اسم تلك القصة التي قلت لي منذ فترة أن صديقك الطيب كان مأخوذاً بها.. قصة المرأة التي مارست الجنس مع عشيقها بينما يرقد جثمان زوجها القتيل في الغرفة المجاورة)، وكان رده (لا اذكر)، والمقصود بالقصة هي رواية موسم الهجرة إلى الشمال.. وفي موضع آخر اشار إلى تدخله هو والسيد بابكر عوض الله لدى وزير الإعلام المصري (محمد فائق) وتمكنهما من رفع الحظر عن توزيع رواية موسم الهجرة إلى الشمال في مصر وأن الوزير المصري ضحك قائلاً " هي الرواية حلوة، بس الحقيقة فيها بحاجة شوية.. انا حا أسمح بتوزيعها وحاتكلم مع المشياخ في الأزهر".. كما حكى إحدى دعابات الطيب صالح له في القاهرة حين قدمه للممثلة المصرية ماجدة الخطيب التي عاتبته من عدم اتصاله بها هاتفياً وهو بالقاهرة بقوله "هناك مفاجأة يا ماجدة.. إسمحي لي أن اقدم لك هذا الشخص.. أنت عارفه دا مين؟ قالت لا.. فقال لها الطيب (دا مصطفى سعيد الأصلي)..
    ومن مواقف الأستاذ/ ابوسن حين كان طالباً بالقاهرة إيوائه للمفكر الجزائري مالك بن نبي بشقته حين قدم القاهرة هارباً من الجزائر وتقديمه له للأستاذ/ إحسان عبدالقدوس، ودوره في ترجمة كتبه من الفرنسية إلى العربية، إلى جانب لقائه بالزعيمين المغربيين عبدالكريم الخطابي وعلال الفاسي خلال إقامتهما في القاهرة.
    تناول مشكلة الأخوين بابكر بدري والشيخ عوض الكريم أبوسن عندما أقسم الشيخ أبوسن بقسمه المشهور (وحات عبدالله دي ما تبقى في رفاعة)، وكان أن رحل بابكر من رفاعة إلى ام درمان بعيداً عن شراسة الشيخ عوض الكريم وإنشاء مدرسة الاحفاد هناك.. ونسب للشيخ عوض الكريم من أنه كان هو أول من حاكم مواطناً وسجنه في السودان بسبب عطالته عن العمل.
    ومن الأوصاف التي تسترعي الإنتباه ايضاً وصف لزميله اللبناني في الإذاعة البريطانية جرير أبوحيدر ابن اخت الشاعر الكبير ميخائيل نعيمة بقوله "إنه كان مدرسة تتعالى على مشاعر التعصب الديني، هي مدرسة أسرته.. وتزوج جرير من فتاة لبنانية مسلمة ما زال يعيش معها)..
    خصص المؤلف الصفحات إبتداءً من صفحة (161) وحتى نهاية الجزء الأول من الكتاب لخطابات ورسائل المجذوب له ولصديقته روزماري:
    في خطابه الأول في المورَّخ في 28 / يوليو 1966م حدد المجذوب لصديقه ابوسن مواصفات المرأة التي يبحث عنها (أريد امرأة تكتب لي بين الثلاثين والأربعين، ويستحسن أن تكون وحيدة محزونة مثلي، تحسن الكتابة والصراحة وتكون ذات نهم)، وتطلعه لامرأة بعينها (للسيد السفير/ جمال محمد أحمد صديقة قديمة اسمها كاثلين أيام ما كان طالباً في انجلترا، واحسبها كانت صديقة لسر الختم الخليفة..)، وطلب منه أن يخبره إن كانت متزوجة أم لا..
    وقد عبر المجذوب في هذا الخطاب عن إعجابه بالريف الإنجليزي بقوله "لم أر أروح للنفس والعين من الريف الإانجليزي.. ولا ادعي الشفقة والرثاء من العجائز في الحانات لشدة إحساسهم بالحياة.. وما أعجب الكلاب، لها هناك دولة.. واشتهي ان أعمل سائساً للكلاب في انجلترا.. أو... أو... أو... أو...)..
    ويتضح أن هناك كانت جفوة بين المجذوب والمؤرخ حسن نجيلة حيث ذكر (ونجيلة معجب بنفسه وهو يدعي علم كل شيء، وقد افتقدناك، هل رأيت أثقل من نجيلة)، وفي موضع آخر قال عنه (يتحدث الخليفة نجيلة بكلام خارم بارم..)..
    ويبدو أنه أيضاً كان لا يطيق زميله في لجنة النصوص بالإذاعة الشاعر إبراهيم العبادي والذي كتب عنه (إنه جلف متحذلق، سكران، يحب نفسه، نرجسي قبيح، والنرجسية أصلها كما أزعم للجمال ونرجسية العبادي للقبح)..
    ضمن في خطابه الثالث لأبوسن عن انتشائه بعد استلامه لرسالة روزماري وخاطب صديقه بقوله (أرجو أن تصيح بسم الله في وجد خصوصاً اذا راق الكأس ورق وسمعت الكلام الحلو وجالست العشير الحلو.. أنا اقدس روزماري إنني اشعر بجنس وراء جنس.. هذا شيء هائل)...
    وصف المجذوب المؤرخ مكي شبيكة بقوله (أنا ازعم ان سبب الفوضى في السودان جهل الناس بالتاريخ، وزاد جهلهم حين كتب عنه، شبيكة لا يصلح إلا للتشاشة يبيع لوبيا أو بصلاً)..
    وفي نفس الخطاب كتب المجذوب يخبر صديقه أبوسن عن صديقته الحبشية والذي اطلق عليها اسم مجدلنية قائلاً (نشأت بيننا الفة ليس الجنس أصلاً فيها.. لمجدلينة صليب تصلي وتقرأ من كتاب بالأمهرية وأصلي معها وأشعر بالسلام.. ومن عجيب أمرها أنها تعشق ولا تدخل إلا من يروق لها.. قلت لها أنت لم تهاجري من بلادك في طلب لعشق وانما جئت للمال.. لكنها قالت انها لا تملك قلبها.. وهبت عاصفة.. أصحاب اللحى قالوا: رحلوا الحبش وماجدلينة بريئة يذهب إليها من تريده بطوعه.. وهل جزاء الإحسان الا الاحسان.. هم المفسدون... رموا لؤمهم ودعارتهم على أمثال مجدلينة.. واقسم بالواحد الأحد عانة مجدلينة أفضل وأزكى من لحى هؤلاء.. إنهم فلاسفة السودان أولاد (الـ..........فا) يخدمون بلادهم بوعي واخلاص.. يسودنون البغاء)..
    وفي خطابه المؤرخ في 5/ يناير 67م كتب المجذوب عن فشل انقلاب خالد حسين الكد (خالد حسين الكد صمت وادعى الجنون... هل رأيت صورته؟ العينان المحجرتان ونظرة كنظرة الأطفال فيها الدهشة والحيرة والجهل والبراءة وفم غليظ الشفتين منفرج يدل على التسرع والشره.. وقال أخوه إنه متدين، وهل أخوه يقول غير ذلك.. والتدين أحياناً شذوذ..)..
    وفي ذات الخطاب أوضح المجذوب أنه لم يصم رمضان ذلك للعام ويدخن ويجلس مع السفير على طالب الله (على طالب الله رجل غريب ساذج عنيف منطقي مع نفسه.. يقف في انتظار التاكسي أمام بوابة الخارجية.. والسفير الذي ثبتت عليه كذا تهمة جاء ناس (مدني) إلى الزول الكبير الفوق.. إلى ان قال ان الجماعة تعهدوا عند إعادة الزول لعمله بالوزارة (نتعهد الا يأكل مرة أخرى، ولا تتعجب، فالبلد كلها لـ(..ويعني لصوص) ذهبت إلى علي طالب الله وقلت اريد ان اكون (ح.... ويعني حرامي) فصعق ثم ضحك ضحكاً كثيراً..
    وفي إحدى رسائل المجذوب لروزماري ضمن هذه القصيدة عن بائعة الفول (فلاتية ناعمة حلوة.. فتاة، والزورق الصغير.. تعليق: (لم أفهم المقصود)، والحجر الأسود المقدس حليق يصلح للتقبيل.. وقفت أتأملها واتحدث واشتري فضحكت وكانت الدنيا حارة).
    وفي فقرة أخرى كتب لها (أنا أقرا (الجماعة) تأليف ماري مكارثي- الكتاب مشحون بالجنس ممل.. والجنس هنا قوي جداً، يقولون انها حرارة الطقس ولا أظن ذلك، فالجنس توجه نفساني وليس توجهاً حسياً، والبنات السودانيات مختونات فظيع.. هل سمعت بالختان؟ هل احدثك؟)، وفي موضع آخر كتب لها (أخيراً وجدتك.. تلك الإنسانية التي كنت أبحث عنها، أحببت امرأة قاسية)، إلى ان قال "انا عبدك وأشعر بالأسف لأنني انفقت سنوات في حب امرأة كالوحش المرعب، سألت الله الرحمة، كانت قاسية بلا قلب وعاجزة عن كل شيء إلا انانيتها"، إلى ان قال "ولكن تلك المرأة ارعبتني، وقد دفعني الرعب إلى ان أتلو الصلوات والدعوات"..
    وفي موضع آخر بث المجذوب لصديقته روزماري شكواه ومتاعبه وينسب مرضه الغامض وإحساسه بالخيبة والفشل لامرأة قاسية دون تحديد لهويتها، وعبر عن حزنه لأمنيته التي لم تتحقق بقوله "اتمنى لو أن قد عرفتك منذ خمس عشرة سنة، ولسوء الحظ فإنني متزوج والزوج لا يريد من زوجته أن تفهمه فهذه ليست مهمتها، ويمكن أن يكون لها أصدقاؤها أيضاً.. هل توافقين على هذا الرأي؟ نعم..
    وفي خطابه المؤرخ في 11/يناير 67م كتب المجذوب (اليوم وقفة العيد.. وسافرت زوجتي مع الأولاد للدامر... وتعجبت لما لم أسفار.. لا أعرف، الذي أعرفه أنني موحش وحننت إلى خطاب روزماري حتى يكون في العيد تجديد.
    اهنئك بالعيد.. اشتد البرد هذا الصباح وعدت مساء للبيت تعشيت عشاءً ثقيلاً وشربت كأس كونياك.. تصور رائحة الكونياك ليلة العيد يا عزيزي..) وداعب المجذوب صديقه (وقد علم الله أنني ما زلت مقيماً على ودك وشكرك وذِكرك.. بكسر الذال وتسكين الكاف.. يا ساتر).. واستفسر عن حال روزماري وقال (كيف حال روزماري، سأخرج إلى السوق لأشتري حذاءً جديداً وعلبة حلاوة ولدي زجاجة ويسكي.. أنظر إليها خائفاً... ومع من أشرب؟)..
    وفي الجزء الثاني من ذكريات السفير الأستاذ/ علي أبوسن نطالع عناوين مثيرة.. (لقاء المجذوب وروزماري.. سودانية نادرة تقلب المفاهيم.. ظاهرة اسمها منصور خالد.. وحديث عن صلاح أحمد إبراهيم.. محمود محمد طه وفايز عمسيب.. سباق بالطائرات ومعارك بالتفلونات.. فإلى لقاء متجدد بإذن الله.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147527136&bk=1
    _________________
                  

04-23-2008, 00:44 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عطبرة الجميلة.. بلد الشهداء
    ان اكثر ما يميز مدينة عطبرة عن غيرها من المدن في السودان، هو انها نشأت وتطورت عبر السنين على وعي اجتماعي بضرورة العمل على التغيير باستمرار.. والروح التي تدفع عجلة التغيير هذه، إنما تستهدف إصلاح عام يشمل جميع المواطنين، فلم تكن في المدينة طبقات تستنكف ان تتراوح أو تتعامل مع عامة الناس، والسبب في هذا هو ان الدخول تعتمد بدرجة كبيرة على مرتبات السكة حديد والوظائف العامة الأخرى – فالمدينة مدينة عمال وموظفين.. وعندما دخلت الثلاجات المنازل, تولت مهمة البيع، خدمات السكة حديد بالاقساط، مما مكن العمال من الشراء بارتياح وكذلك عندما ظهرت التلفزيونات غير الملونة ثم الملونة.. فتغيير حياة الأسرداخل المنازل كان يتم بصورة جماعية.. هذا وقد تأثر سوق المدينة عامة بهذا الأسلوب، فظهر البيع بالأقساط من جميع السلع الأخرى.. باختصار ماكان للخوف والهلع ان يجد مكاناً في نفوس سكان المدينة على هذا المنهج الذي كان سائداً.. ولا أدري وقد بعدت المسافة بيني وبين المدينة هل تغير الحال ام ان المجتمع لا يزال متماسكاً.
    لقد كان الاستاذ محمود محمد طه يوجه تلاميذه اثناء حركة الدعوة الجمهورية، بأن يزوروا اضرحة الصالحين من الصوفية كمدخل على المناطق.. اما مدينة عطبرة تحديداً، فقد كان التوجيه ان تتم الزيارة لجميع سكان المقابر، بلا استثناء.. وكان الاستاذ محمود يقول عنهم: هم شهداء الرزق الحلال، ومن أكل الحلال أطاع الله اراد او لم يرد، ومن أكل الحرام عصى اليه اراد او لم يرد.. التحية لابناء عطبرة وهم يتنادون لاحياء المدينة، ونحن نقول مع السيد نور الدين مدني: ليس المطلوب قيام حركة مثل تلك الحركات الجهوية التي افسدت المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانما المطلوب هو التنادي للتفاكر حول سبيل تطوير المدينة الام على الأسس التي تأسست عليها وهي روح العمل الجماعي التي اشرت اليها.
    د. محمد محمد الأمين عبدالرازق

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147527249&bk=1
    _________________
                  


[رد على الموضوع] صفحة 7 „‰ 10:   <<  1 2 3 4 5 6 7 8 9 10  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de