الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 07:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-06-2008, 04:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    عصام فحل / عجمان / في 19 / 03 / 2008
    =====

    والسور نفسة كثيرا ماكنا نتسلقه وفي أحدي المرات رأينا جمعاً يحتفي بضيف داخل أسوار المحطة بالأناسيد والأهازيج وعرفنا لاحقاً إنه محمود محمد طه في زيارة له
    =======================
    وكتب عبدالله عثمان

    ولكن لا يمكن أن تمر ذكرى تندلتى بدون أن نذكر العم الراحل المقيم الأستاذ محمد الحسن الطاهر - نفعنا الله بجاهه - فقد بدأ العم محمد الحسن الطاهر حياته العملية - نازحا من تمبول - بتندلتى ثم ذهب منها لكوستى "مخازن المدينة" وقد كان وجها من وجوه الخير فى تندلتى - وأنتم أهل تندلتى أعرف ببذل أهل الخير خاصة فى التعليم الأهلى -
    فى تندلتى وبعصامية نادرة تفتحت أعينه على عيون الأدب العالمى فأخذ ينهل منه ما شاء الله له أن ينهل حتى ساقته قدماه الى رحاب الأستاذ محمود محمد طه - وهى رحاب لا يستطيع الولوج اليها الا ذوو العزم الأكيد، فلم يأبه الرجل لجاه ولا لمكانة اجتماعية ولا سياسية - فقد كان الرجل من أساطين الوطنى الإتحادى بالمنطقة - ثم من أثريائها ولكن كل ذلك لم يحل دون ولوجه وببصيرة نافذة فى أمر الأستاذ محمود محمد طه وأصبح له شأو واى شأو فى أمر تلك الدعوة الغريبة، الغريب أهلها وأصبح من خطبائها المفوهين. التحية لأبناءه صلاح، منى، وداد، الطاهر، ومامون والتحية له ولزوجه الأم الرؤوم عائشة عبدالسلام فى عليائهماوكذلك لإبنتهما بثينة وزوجها عثمان "زينة".
    ظلت للراحل المقيم وأسرته روابط أسرية عميقة بتندلتى حتى فارق الحياة هو وزوجه وصهره عثمان وإبنته بثينة فى حادث حركة مشئوم وهم عائدون من تندلتى بعد واجب عزاء
    لهم جميعا الرحمة الواسعة ولأهل تندلتى كل التحايا والإعزاز

    مدينه إسمها تندلتي
                  

04-06-2008, 05:12 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    كتب متوكل على - من كوادر الإسلاميين بجامعة القاهرة الفرع سابقا
    ===

    (تماما كماذكرت تزامن دخولنا إلى تنظيم الاتجاه الإسلامي مع أحداث المحاكمة الجائرة التي تعرض لها الأستاذ محمود محمد طه(رحمه الله ) والتي انتهت بقتله...
    فقط بالأمس زارني بمكتبي أحد قدامي أصدقائي وهو من شركائي في التجربة التي أنا بصدد سرد فصولهاوكان انضمامنا إلى تنظيم الاتجاه الإسلامي في مرحلة واحدة...وبينما كنا نستعيد ذكريات الثمانينيات بالجامعة تحدثنا عن تلك المحاكمة الجريمة... عندئذ أطلعته على مقطع فيديو يظهر فيه الأستاذ محمود وهويخاطب المحكمة ذلك الخطاب التاريخي... وبكل أمانة فإن تلك الكلمة كانت هي المحاكمة وكانت هي الحكم...ولو كنت في مكان المهلاوي لكتبت استقالتي في تلك الجلسة....
    قال صديقي وهو يستشعر الندم أنه خرج في المظاهرة المؤيدة لإعدام محمود محمد طه..
    أما أنا فقد كنت مذيعا داخليا لأسبوع ثقافي يقيمه الاتجاه الإسلامي بنشاط الجامعة... وعندما أبلغوني بتنفيذ حكم الإعدام.. كنت أكبر عبر مكبرات الصوت .. وأردد الآن .. وفي هذه اللحظة قد انهد صنم من الأصنام وسقط عمود من أعمدة الكفر.....
    ولكن سرعان ما اختلفت نظرتي، وكنت وأنا في السنة الأخيرة بكليةالحقوق أحلل تلك المحاكمة فلا أجدها تمت إلى القانون بصلة وفي نفس الوقت كان تنظيم الاتجاه الإسلامي يفقد بريقه عندي وقد تعددت ملاحظاتي عليه...
    أما اليوم، وبعد كل هذه التطورات والتحولات ، أجدني لا فقط متعاطفا معه، بل معجبا بشجاعته وصدقه وقوته... لا يعني ذلك أني أؤيد أفكاره الدينية .. ولكن مهما اختلفت معه فلا أملك إلا أن أقول عنه أنه رمز من رموز هذا الشعب....) انتهى


    ودخلنا الباب سجدا .. تجربة جماعية في التعرف على مذهب أه...م السلام) واعتناقه..
                  

04-18-2008, 06:48 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    الاستاذ عبدالله عثمان

    شكرا لهذا التوثيق المثابر وابشرك ان هناك حوار عميقا اجريته مع د. دالي سيرى النور قريبا
    وسيكون شارحا أكثر للفكرة الجمهورية..واسعى لمحاورة الاستاذ عبدالله النعيم خصوص وهو سيزورنا في واشنطن ويحاضرنا يوم السبت 3 مايو..ويا ريت لو ساعدتموني بالمداخل ...تلفوناته أو الايميل أو غيره..وانتظرك في الماسنجر..عظم الله أجركم..وهدانا إلى سراطه المستقيم..
                  

04-22-2008, 09:50 PM

مؤيد شريف

تاريخ التسجيل: 04-20-2008
مجموع المشاركات: 4052

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    أخ عبد الله مشكور علي المادة الغنية ، اعتقادي أن محمود محمد طه ، غض النظر عن بعض اراءه العقائدية، كان مفكرا وعالما مجيد وقد لا يتكرر مثيل له في السودان ... العقدة كانت في أنه تناول موضوعات تتصل بمسائل الحكم والدولة والعلاقات داخل الدولة وهنا مناطق معروف من يعمل علي احتكارها وتجييرها لمصلحته ولمنفعته ،،، لو أنهم فقط تركوه ينافح عن اراءه وان يثقوا في العقول التي تستمع اليه ويتركوها تختار وحدها دون عسف منهم واشتطاط ... فالفكر يقابل بالفكر والحجة بالحجة لا المقصلة والشنق .... رحم الله المفكر والعالم محمود محمد طه وغفر له وافاء علينا بشبيهين له يحركون العقول ويدفعوها للتفكير والاختيار لا أن يختار لنا وباسمنا ونساق وننساق وليس لا لنا من أمرنا شيء....
                  

04-29-2008, 05:03 PM

عبد الله الشيخ
<aعبد الله الشيخ
تاريخ التسجيل: 04-17-2008
مجموع المشاركات: 1759

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    منذ اغتيال الاستاذ محمود والسودان مكسور الخاطر
    من الذى قدم روحه بنفسه فداءا للمبادى وللسودان
    غير الاستاذ محمود
    وهل مات النميرى ام مات الاستاذ واين قضاة العدالة الناجزة
    هل هم اهل الصواب والحق
                  

05-01-2008, 03:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

06-12-2008, 03:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كل ما تحدثني نفسي بأنني ضيعت عاما فى لاشئ أتعزى بمن فقدوا وظائفهم من البروفسرات - أين أنا من د. معتصم محمد عبدالله فى الكهرباء ود. عادل خضر فى المدنية؟ كلاهما من الجمهوريين وكانا من أنقى من مشى على أرض جامعة الخرطوم.. وأين أنا من بروفيسر سمير جرجس ذلك القبطي الذي أحب السودان كما لم يحبه أحد وتجرد فى صوفية نادرة لعلمه وكان يعشق التائية لكثير عزة.. وأين أنا من د. عبدالجليل كرار، الذى طردنى يوما فى البرليم لما ظنه سوء سلوكي ثم أبدى أسفه، رحمه الله رحمة واسعة.. أين أنا من د. التاج، الصديق اللدود لخليل، وهو يخسر وظيفته فى مقتبل حياته المهنية؟ اولئك ابائي فجئنى بمثلهم اذا جمعتنا ياجرير المجامع...

    اليوم الحار ومابنداريوم الهندسة والمعمار
    ____
                  

04-04-2008, 02:01 AM

على عمر على
<aعلى عمر على
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 2340

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    تحية الى عمر هوارى
                  

04-04-2008, 02:12 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: على عمر على)


    إن الشريعة الإسلامية المعروفة ، والتي يتمسك بها المسلمون ، في الدول العربية ، وينادون بتطبيق أحكامها على سياسة الدولة ، كبديل للعلمانية ، قد كانت صالحة وعادلة وحكيمة في عصرها ، غير أنها في بعض جوانبها لم تعد تصلح لإنسانية العصر الحديث ، بأي حال من الأحوال ، وذلك لأنها تتسم على سبيل المثال بالآتي :

    1/ لا تكفل التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين حيث تأمر بقتال المشركين ونشر الإسلام عن طريق القتال ( الجهاد ) وذلك بنصوص من القرآن الكريم ، والحديث النبوي ، وبذلك لا تكفل السلام والأمن للشعوب غير المسلمة .

    2/ تميز بين المسلم وغير المسلم في الحقوق فتجعل المسلمين مواطنين من الدرجة الأولى ، بينما تجعل الذميين أو أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ مواطنين من الدرجة الثانية ، حيث تفرض عليهم دفع الجزية ، ولا تجيز لهم حق تولي المناصب السياسية ، كمنصب الحاكم أو الوالي ـ رئيس أو وزير بلغة العصر ـ ولا منصب القضاء ، وأما المشركين أو الكفار ، وهم من لا ينتمون لأي دين سماوي ، فتحرمهم حتى من حق الحياة ، حيث تأمر بقتالهم إذا رفضوا الدخول في الإسلام ، وذلك كله بنصوص من القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية المتفق عليها .

    3/ تميز بين الرجال والنساء ، حيث تجعل المرأة على النصف من الرجل في الميراث ، وفي الشهادة أمام القضاء ، وعلى الربع منه في الزواج ، ودونه في سائر الحقوق الأخرى ، وتجعل الرجل وصياً على المرأة ، في معنى ما تنص على أن ( الرجال قوامون على النساء ) ولا تعطي النساء حق تولي المناصب السياسية ، ولا منصب القضاء ، وذلك كله بنصوص من القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية المتفق عليها .

    4/ لا تكفل الديمقراطية ، وإنما تقوم على الشورى ، والفرق كبير بين الديمقراطية والشورى ، فالأولى هي تطبيق رأي الأغلبية مع كفالة حقوق الأقلية ، بينما الثانية تعني أن يقوم الحاكم أو صاحب القرار باستشارة من يسمون بأهل الحل والعقد ، وهم الصفوة ، وذلك دون أن يكون رأيهم ملزماً له ، وإنما يسترشد برأيهم فقط مع ثبوت حق القرار له ، وذلك بنص القرآن الكريم .

    5/ لا تكفل كثيراً من الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كحرية الإعتقاد والتفكير وحرية التعبير عن الرأي الديني أو السياسي ، وذلك حيث تحرم الردة ـ خروج المسلم عن الإسلام ـ وتجعل عقوبتها القتل ، وذلك بنصوص الأحاديث النبوية المتفق عليها .

    6/ لا تحرّم الرق تحريماً قاطعاً حيث تجيز استرقاق الرجال وسبي النساء ، في الحرب ، وإن كانت تجعل من تحرير العبيد أو ما يسمى بعتـق الرقاب عملاً فاضلاً

    مستحباً ، وذلك بنصوص من القرآن الكريم .

    وكمثال لعدم معقولية تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحديث فقد كانت حكومة طالبان في أفغانستان ، تبدو شديدة التطرف والجهل ، حيث كانت تحرم النساء حق التعليم وحق العمل وحق المشاركة في الحياة السياسية أو الفكرية أو الثقافية ، وتمنع الفنون ، وتصر على تحطيم تماثيل بوذا ، ذات القيمة الفنية والثقافية والتاريخية الكبيرة ، بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية .

    لكل ما تقدم فإن تطبيق العلمانية في الدول العربية لا بديل له سوى تطوير التشريع الإسلامي ، على هدى القرآن الكريم ، وهو ما يدعو له الجمهوريون ، وهم جماعة اسلامية سودانية ، وذلك برفع مستوى التشريع إلى النصوص المكية ، عملاً بقوله تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) وذلك بالانتقال من النصوص القرآنية المدنية ، التي قامت عليها الشريعة المذكورة ، إلى النصوص القرآنية المكية ، التي كانت منسوخة ـ أي مؤجلة التطبيق ـ والتي تشتمل على الديمقراطية والتعايش السلمي وكفالة حقوق غير المسلمين ، على قدم المساواة مع المسلمين ، وكفالة الحقوق الكاملة للمرأة ، ومساواتها مع الرجل أمام الدستور والقانون ، وكفالة كافة حقوق الإنسان ، إلخ .. فتطوير التشريع الإسلامي إذن هو تطبيق الآيات المكية التي أعتبرت منسوخة ( أي مؤجلة التطبيق ) واحلالها محل الآيات المدنية الناسخة ( أي المطبقة ) والتي قامت عليها الشريعة الإسلامية .. أو قل تطوير التشريع الإسلامي هو نسخ المحكم وتحكيم المنسوخ ـ أي تطبيق النصوص التي كانت معطلة وتعطيل النصوص التي كانت مطبقة .. وذلك في تقديري هو البديل المنطقي الوحيد للعلمانية في العالم العربي ، وتأكيداً لذلك فقد ذكر الكاتب السوداني المسيحي ، فرانسيس دينق ، أن رؤية الجمهوريين الأسلامية ، لو كانت هي الرؤية السائدة بين المسلمين لما رفض المسيحيون تطبيق الاسلام ولرضوا بالعيش تحت ظله لأنه يكفل حقوقهم .. وتفصيل ذلك يقتضي المشاركة في حلقة الجمعة القادمة من برنامج نقطة حوار وذلك ما أرجو إتاحته لي ، ولكم الشكر . عبد الله الأمين ـ الخرطوم

    http://www.bbc.co.uk/arabic/tp_mon.ram
                  

04-05-2008, 10:34 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: على عمر على)


    من: عبدالرحمن محمد ابراهيم جلي [[email protected]]

    الموضوع: عهد جديد

    وحيد مقبور
    وقبرك .. يا ما فينا صدور
    وصداك الكان يا محمود يا إنسان
    صداك محفور
    حين هتفت:
    لا طغيان ..
    لا تشويه ..
    لا تحريف ..
    لا مايو ..
    لا سبتمبر ..
    لا تزييف ..
    لا تقطيع ..
    لا تخويف ..
    لا آمر ..
    لا مأمور وديكتاتور .
    لم تخضع ..
    لم تركع ..
    لم تمسح حذاء عسكر ..
    ولم تأبه بسبتمبر
    لم يثنيك عن مبدأك أنت ..
    الموت ولا الطاغوت
    وكان الحكم بالإعدام
    وكان الشنق حتى الموت
    في ساحة الشنق
    لما وقفت ترسل ..
    لبلدنا سلام
    لجمع غفير أمام عينيك ..
    للثوار .. للشرفاء .. للأحرار
    للجائعين ومقهورين
    للأخيار .. الأخيار
    للشهداء .. للسجناء
    للتغير .. لأبريل
    للجبناء .. للخونة
    للتجار باسم الدين
    حين هتفوا وائتلفوا
    وهمهم أنك أنت تموت
    فلم تأخذهم الرهبة
    فكانوا الحقد كل الحقد
    فيعلوا الصوت
    ليأتي الموت
    وتتبسم ..
    ولما البسمة تتفجر
    تتناثر وتتبعثر
    وتبقى الزاد
    وتبقى نضال
    وتبقى أمل
    ونتفاءل ونتصبر
    وتسحر كل سوداني
    وتبهر كل إنساني
    كأن الموت لما أتاك يا أستاذ
    تقول أهلا بعهد جديد ..
    لا جبروت ..
    لا طاغوت ..
    لا تجويع ..
    لا تقطيع ..
    لا إرهاب ..
    لا تعذيب ..
    لا تهديد ..
    لا تشريد ..
    لا تنكيل ..
    لا عمالة ولا تطبيل
    فكان الحلم
    كان الفجر
    كان أبريل .

    1 ديسمبر 1986م
                  

04-13-2008, 04:47 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مقالات و تحليلات
    محن سودانيه (4) .. الطائفيه . /Shawgi Badri
    By
    Feb 15, 2008, 19:08




    محن سودانيه (4) .. الطائفيه .



    قبل ايام ارسل لى اخى القانونى اسماعيل محمد سيد العباسى . نكته تقول ان بوش وبلير خرجوا للصحفيين واعلن بوش قائلاً لقد قررنا قتل عشرين مليون مسلم وطبيب اسنان واحد . وانهالت عليه الاسئله من هو طبيب الاسنان وما هى جنسيته وماذا عمل ولماذا وما هى جريمته و و وو الخ . فقال بوش لبلير ما قلته ليك العشرين مليون مسلم مش مهمين خلو كل حاجه ومسكوا فى طبيب الاسنان .

    المعلومات التى اوردتها فى محن سودانيه الاخيره والتى تطرقت فيها للطائفيه والترابى معلومات يعرفها كل الشعب السودانى ويرددها الشارع والذين عاشوها لا يزالوا عائشين . ولم يتكرم ابن مقنعه واحداً بأن يقول بان هذه المعلومات غير صحيحه . وانصب الهجوم على شخصى واهلى . ووصفت بالجنون والشذوذ الجنسى والتفاهه . وركز الناس على طبيب الاسنان . فى التسعينات فى هجوم على الطائفيه واجهت نفس الشتائم . وقلت قديماً انا على استعداد ان اعطى الناس شهاده بأننى كنت بقطع مفاحض فى الترماج وان امى كانت بتصفى وابوى بقرطص . ولكن لم يجد اى انسان مقدره على دحض الحقائق .

    هل هنالك من يستطيع ان ينكر ما موجود فى كتب الختميه وفى منشورات المهدى وما اوردت انا واورد الآن ايضا ...



    ويقول محمد عثمان الميرغنى فى كتابه ( مناقب صاحب الراتب- صفحة 102 قال : ( من صحبك ثلاثة أيام لا يمت الا وليّا . وان من قبل جبهتك كأنما قبّل جبهتى . ومن قبّل جبهتى دخل الجنة . ومن رآنى أو من رأى من رآنى الى خمس ، لم تمسه النار ) .



    في منشورات المهدي و ما ادعاه المهدي بالمهديه ان من لم يؤمن به فقد كفر وان يحل ماله وعرضه ودمه . هذا موجود في الاثار الكامله للامام المهدي و هو خمس مجلدات جمع وتحقيق الدكتور محمد ابراهيم ابو سليم دار جامعة الخرطوم للنشر. وهذه الوثائق موجوده في دار الوثائق السودانيه التي كان الدكتور محمد براهيم ابو سليم مديرها وراعيها. وهنالك وثائق محفوظه في مكتبة جامعة درام تحت رقم 100-1-2 ووثائق محفوظه في جامعة درام تحت رقم 100-1-4 و مصنف رسائل محفوظه بمكتبة كامبريدج بانجلترا ومصنف رسائل بمكتبة ييل بالولايات المتحده و الجزء الاول من مصنف رسائل محفوظه في الخزائن الوطنيه الفرنسيه مصنفة بواسطة محمد المجذوب بن الطاهر المجذوب ومصنف رسائل صنفها حسين الجبري و محفوظه في جامعة الخرطوم. مصنف رسائل بالمكتبه الاصفيه بحيدر اباد. خطب مصنف خطب مطبوعه بالحجر و مصنف رسائل عند العمده ادم حامد في الجزيره ابا. مصنف يتضمن خطب المهدي يملكها العاقب با درمان ووثائق حامد سليمان والي بيت المال في المهديه قديما. وثائق مختلفه باسم المهدي مجموعة المهديه بدار الوثائق السودانيه. اماكن اخرى كثيره من دور الوثائق لا يتسع المجال لذكرها



    في رسائل المهدي الاولى قبل ادعائه المهديه كان يختم رسائله قائلا الفقير الحقير محمد احمد عبد الله ، كرسالته شعبان 1298 هجريه وهي رسالته الى احمد بن محمد الحاج شريف . كما اورد ابو سليم في الجزء الاول صفحة 41 رساله بخط المهدي جامعة درام انجلترا. و بعد ادعائه المهديه كان يبدأ رسائله : من عبد ربه محمد المهدي ابن السيد عبدالله الى الفقيه احمد الحاج البدري و الى الفقيه احمد زروق كما في صفحة 111. كما اورد ابو سليم في صفحة 119 الى اهالي خور الطير وغيرهم فمن عبد ربه محمد المهدي ابن السيد عبد الله اعلموا ان رسول الله صلى عليه وسلم امرني بالهجره الى ماسه بجبل قدير و امرني ان اكاتب بها جميع المكلفين فمن اجاب داعي الله ورسوله كان من الفائزين ومن اعرض يخذل في الدارين





    ويقول المهدي في صفحة 135 في نفس المجلد في خطابه الى احبابه في الله المؤمنين بالله و بكتابه.



    و اخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم انني المهدي المنتظر و خلفني صلى الله عليه وسلم بالجلوس على كرسيه مرارا بحضرة الخلفاء الاربعه و الاقطاب و الخضر عليه والسلام وايدني الله بالملائكه المقربين و بالاولياء الاحياء و الميتين من لدن ادم الى زمننا هذا, وكذلك المؤمنين من الجن . و في ساحة الحرب يحضر معى امام جيشي سيد الوجود صلى الله عليه و سلم بذاته الكريمه و كذلك الخلفاء الاربعه و الاقطاب و الخضر عليه السلام و اعطاني سيف النصر من حضرته صلى الله عليه وسلم و اعلمت انه لا ينصر علي احد ولو كان الثقلين الانس و الجن.



    هؤلاء الناس افتروا على الله كذباَ ولم يهتم ولا يهتم ولن يهتم اهل السودان بل كان الهجوم على شوقى بدرى واهله ونسيوا حق الله ورسوله . صباحى كان جزاراً فى امدرمان جنوب قبه الشيخ دفع الله الغرقان يفصله عن منزلنا ومنزل البشير الريح زقاق ضيق تذهب له اختى نظيفه يومياً لاخذ اللحم . وبعد ان دفعت نظيفه سعر الاثنين كيلو اظهر احد الوقوف هويته واراد اعتقال صباحى لانه باع باكثر من التسعيره . فاحتجت اختى نظيفه وقالت انه لم يبع باكثر من التعريفه وشخطت فى الرجل . الذى سألها التسعيره كم ؟. فقالت انت دخلك شنو انا اديتوا قروش طالبنا ليها قديمه واللحمه دى انا حأدفع قروشها بكره او آخر الشهر . انت دخلك شنو ؟. فقال الرجل والله انحنا عايزين نساعدكم ونحفظ ليكم حقكم ديل ناس حراميه وبسرقوا حقكم وانتوا رضيانين وكمان تدافعى عليهو وتكوركى فينى , انتو والله تستاهلوا يسرقوكم ويشيلوا حقكم .

    النميرى ليه حق قال عدة مرات وعلى رؤوس الاشهاد ( انا لو كنت عارف الشعب السودانى تافه كده كنت حكمتوا وانا فى الثانوى . الرجال ديل كلما اهينهم يجروا وراى اكثر ويتكبكبوا واى حاجه اقولها ينفذوها ). انا شوقى بدرى بفتكر ان جعفر غلطان الشعب السودانى شعب عظيم قد يكون متسامح اكثر من اللزوم وقد يكون غفله الا انه شعب لا مثيل له فى العالم وانا شاهدت اغلب شعوب العالم ولهذا لا ارضى للشعب السودانى بالاهانه والذل والطائفيه هى اعلى درجات الذل والاستكانه .

    لقد كان النميرى يضرب الوزراء والجنرالات بيده . ولقد ضرب المربى الكبير محمد التوم التجانى الى ان لازم سرير المستشفى . واستدعى البروفسور عبد الله الطيب وكان على وشك ان يعتدى عليه لولا ادب وعلم عبد الله الطيب . فلقد قال عبد الله الطيب مداعباً البغل نميرى عندما اشاد بشعر عبد الله الطيب ( انت يا سيدى الرئيس ان قلت شعرا فستقول اعذب الشعر ) فظهر من اراد ان يتملق نميرى وقال له ان البروفسور عبد الله الطيب يقول انك كذاب . لانهم يقولون اعذب الشعر اكذبه .وقال النميرى لعبد الله الطيب ( انت عاوز تسيئنى بالبارد ) . فتخارج عبد الله الطيب بالتفسير والبلاغه والشرح مما اسقط فى يد نميرى . فقال له امشى وكان درته حأناديك تانى . لقد كان النميرى يستدعى الوزراء لطعام الغداء ويحسب الوزير او المسئول ان نميرى سيكافئه وفى نشره الاخبار يسمع المسئول او الوزير نباء اقالته ويتلذذ النميرى بمشاهده وجه الوزير يتغير .

    لقد شنق الاستاذ محمود محمد طه وهذه جريمه يسأل عنها الترابى وجعفر . ليس لها سند قانونى او شرعى . بل لقد القيت جثته فى البريه لتنهشها الوحوش والجوارح . هذه الجريمه البشعه التى يجب ان نخجل عنها نحن السودانيون نفذها جعفر وحسن . ولا يزال حسن يلمع فى نفسه لكى يعود ويحكم السودان وجعفر يتمخطر فى السودان .

    عندما حكم النميرى والترابى السودان صرح الدكتور خليل عثمان والذى اتى بثروه طائله من خارج الوطن لاستثمارها فى السودان واعطى فرصه لعشرات الآلاف من الاسر السودانيه لان يجدوا عيشه كريمه , ان الجيش السودانى مش فاضى من بيع الصلصه . هذا فى بيت بكاء بعد ان ضربت الطائرات امدرمان ورجعت فجرده جعفر من وسام ابن السودان البار وشتمه باسوأ الشتائم وضربه بيده . ووضعه فى استراحه الزائرين الاداريين بالقرب من القوات المسلحه . وكان يتسلى بضربه وهو فى طريقه فى الليل الى مسكنه . لقد فشلنا فى ان نحمى رجل قدم الكثير لبلده . ربما كان للنميرى بعض الحق فى وصفنا بالتفاهه وكلنا مقصرون . بل لقد اضاف النميرى الشاب مصباح الى الدكتور خليل عثمان لانه تعرض له فى جامع القوات المسلحه وانتقد سياسته . مصباح كان رجلاً . نحن جميعاً قد قصرنا . جرائم نميرى التى مارسها فى حق الشعب السودانى وساعده الترابى فى تنفذها يصعب حصرها يكفى الشريعه التى طبقوها واباحت القتل والسحل وقطع اليد فى المال العام ولا يزال البعض يدافع عن النميرى والترابى .

    انا ترعرعت فى حى الملازمين فى المنطقه جنوب شرق السوق وفى هذه المنطقه سكن العم المربى محمد احمد عبد القادر , الياس دفع الله , التاجر الطيب الفكى , الدكتور محمود حمد نصر . الياس دفع الله , آل المغربى والادارى محجوب خليفه وعبر الشارع الكبير الذى يأتى من الاشلاك سكن الصادق المهدى والوزير بدوى مصطفى والادارى ورجل الاعمال صالح العبيد وآخرين . وهذه المنطقه كانت تضم اكابر امدرمان . وفجأه صار منزل ك ع يستقبل النائب الاول للنميرى الذى كان يعشق لعب الورق وبدأ ظهور الفتيات فى هذا المنزل والقصف والحفلات والغناء . فتقدم سكان الحى بشكوى الا انها رفضت لانها يجب ان تقدم بواسطه الجار المباشر وكان هنالك جار مباشر واحد وهو تاجر ورجل لا يحب المشاكل . وبعد تعب اقنعه سكان الحى بالتقدم بشكوى وعندما قدم شكوى ترقبه بعض رجال الامن وقبضوا عليه وهو خارج من منزله وطوحوا به من فوق الحائط داخل منزل ك ع . وكان بانتظاره بعض رجال الامن فى الداخل وانهالوا عليه ضرباً امام الشهود اللذين امتلأت بهم الدار من بنات ولاعبى ورق وجروه على مركز الشرطه بتهمه التهجم والقفز من فوق السور . الى ان تنازل عن الدعوه .

    فى بدايه الثمانينات كنت ازور الاخ عبد الحليم. بسبب اعمال تجاريه . وكان مظهره بسيطاً مما اكد لى انه انسان شريف . وهو مدير شركه كردفان . وبعد تأمينات نميرى لشركه سودان ماركنتايل ومتشل كوتس صارت شركه كردفان تدير الاستيراد . وقامت شركه كردفان باستلام عربون مائه شاحنه بتفورد ( سفنجه ) من افراد وانتظروا لفترة سنتين . وعندما اتت العربات كانت سبعين عربه . وثار الناس وضجوا واشتكوا واخيرا قرروا نظام القرعه وان ينتظر البقيه المجموعه الثانيه . ثم اتصل بهم شخص من جمعيه ود نميرى طالباً خمسه سفنجات فاعتزر الرجل الفاضل عبد الحليم بأدب . وبعد نصف ساعه اتصل جعفر قائلاً ( انتو ليه ما عاوزين تتعاملوا مع ود نميرى) . ولم يعطيهم فرصه لشرح الامر . وفى نفس اليوم حضر مندوب ود نميرى قائلاً ( جيت استلم الخمسه سفنجات بتاعتنا ) . جمعيه ود نميرى التى كان يديرها شقيق جعفر كانت عباره عن امبراطوريه ضخمه فى غرب امدرمان . هل كان النميرى على حق عندما وصف ان الشعب السودانى تافه ؟؟؟ .

    تألمت جداً وكتبت وانتقدت ذهاب فاروق كدوده رحمه الله عليه وكمال الجزولى لزياره الترابى بعد اطلاق سراحه . ليس هنالك من اساء واضر بالشعب السودان فى دنياه وآخرته مثل الترابى . وقف فى سنه 1965 ضد محاكمه المشتركين فى انقلاب عبود ووصف من طالبوا بالمحاكمه بانهم غير شرفاء .

    الى اللذين يهاجموننى الآن اين انتم من دموع والده مجدى واهله . لقد مات اعظم رجال السودان الاستاذ محمد توفيق خارج الوطن مقهوراً لان ابنه مجدى شنق بدون حق . ماذا تقولون لاسره الطيار جرجس . وماذا تقولون لوالده الطالب اركان آنجلو . لقد قرأت لمولانا القانونى الاستاذ صالح فرح انه حسب الشريعه لا يقتل المسلم الا لرده بعد اسلام وزنا بعد احصان ومن قتل النفس التى حرم الله قتلها الا بالحق . ماذا تقولون للجنوبيين اللذين دمرت منازلهم وشردوا وماتوا جوعاً .؟ ماذا تقولون للاطفال اللذين كانت تنهشهم الجوارح فى الجنوب .؟ اين انتم عندما جاء القرضاوى وقبض الثمن وقال ان عرس الشهيد ممكن فى الاسلام ولم يقم صلى الله عليه وسلم عرس شهيد لعمه سيد الشهداء حمزه رضى الله عنه . اين كنتم عندما كانوا يصطادون الشباب من الاسواق ويرسلونهم الى الجنوب بدون الرجوع الى اهلهم وبعضهم كان لا يزال يحمل كيس الخضار ؟ اين كنتم عندما ارتكبت مجزره العيلفون ؟ اين قبور شهداء رمضان الضباط ؟ هل يدفن المؤمن المسلم كالكلاب الضاله ؟. وبعد كل هذا يأتى شيخكم ويقول ان كل هذا كان هراء وان من ماتوا فى الجنوب ما هم الا فطائس ... اخجلوا اخجلوا يا رجال ونساء السودان .

    والترابى لا يزال يلمع نفسه ويريد ان يعود ليحكم السودان من جديد . لقد آن الاوان ان لا ندفن رأسنا فى الرمال وان نقول كل ما يقال فى السر وان نكشف المستور .. اهم مظاهر الديمقراطيه هى الشفافيه والواضح ما فاضح . والنميرى قد اخطاء ونحن لسنا بشعب تافه نحن شعب عظيم واصيل الا اننا متسامحون اكثر من اللازم .

    ولهذا كان النميرى يقول ما دام ناس سيدى المرغنى وسيدى المهدى راكبين فى ظهر الشعب السودانى نحنا برضو ممكن نركبهم . كيف تقبلوا ان يقول المرغنى الكبير انه السبيل الى الله وكيف تقبلوا ان يقول المهدى اخبرنى سيد الوجود . اذا كنتم تقبلون بهذا فسيحكمكم الترابى والاسواء من الترابى مره اخرى .

    شوقى
                  

04-04-2008, 02:14 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الأستاذ أبراهيم يوسف في عزائه للبروفسر عبدالله الطيب

    رحيل العلامة الطيب هل يعني وضوح الرؤية وشجاعة المواقف ؟!

    ذلك العلم الفرد معلم السيرة النبوية المطهرة ولغة القرآن العظيم قد رحل عن دنيانا الفانية إلى رحاب اكرم الأكرمين والله المسئول أن يتقبله مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
    ولتعمق البر وفسر في معايشة ومعرفة السيرة ومعرفة التفسير وأسرار اللغة العربية أمكنه تبسيط كل ذلك بأسلوبه الشعبي المحبب حتى دخل صوته كل قرية وكل بيت وهكذا أصبح معلما للشعب إما في اللغة العربية فقد كان معلم العلماء وحجة علي الكافة في تفرد لا ينافس وهكذا وضع الدكتور مواهبه ومعارفه في خدمة شعبه وتعليم شعبه فكان ابنا بارا ومثقفا يلتزم مسئولية وأمانة الثقافة بصورة لا تخطر (لمثقفين ) قصارا هم طموحاتهم الشخصية ومع تعمقهم في التراث الإسلامي والتراث العربي فقد أخذ نصيبه الوافر من تراثه المباشر من نشأته الصوفية بين أهله السادة المجاذيب ومنهم فانه رغم الشهرة والنجومية قد كان جم التواضع ظاهر الزهد.
    ورغم أن الصحف والمنتديات تفيض هذه الأيام بمآثر فقيدنا العزيز الخالدة لكن مأثرته الكبرى تفرده بالجهر بكلمة الحق في وجه موجة الهوس التي كانت عاتية فأخر صت الكثيرين فقد جسد هو شجاعة الفكر في موقفه المتميز من محاكمة الأستاذ محمود وما لحق بالأستاذ محمود من ظلم وتشويه فألف قصيدة تتكون من 86 بيتا من الشعر كانت إنصافا ومناهضة للظلم ولتوضيح قامة الأستاذ محمود بدأها بقوله :

    قد شجاني مصابه محـــــــــمود مارق قيل وهو عندي شهيد
    ولقد رام أن يجدد محــــــــــمود فقد صار جرمه التجـــــديد
    وكان في عصر محكمة التفتيش هذا هو الضلال البعــــــــيد
    قتلته الأفكار في بلد الجــــــــهل الذي سيطرت عليه القيــود
    قتلوا الفكر يوم مقتله فالــــــفكر ميت البلاد الفـــــــــــــــقيد
    أن عندي حرية الرأي أمـــــــر يقتضيه الأيمان والتوحــــيد

    إلى أن يقول عن مشهد منصة تنفيذ الاغتيال :

    وأراهم من ثقره بسمة الساخر والحبل فوقه مـــــــــــــــمدود
    وعلي وجهه صفاء وإشــراق أمام الردي وديع جــــــــــليد








    هذه الرؤية لمقابلة الموت وآنت ( وديع جليد ) وبوجه صافي ومشرق لا يراها إلا صاحب ارث صوفي وشفافية وروح عبقرية لأنه بالشجاعة الجسدية وحدها لا يمكن لأحد أن يقابل الموت بوجه صافي مشرق وهو ( وديع ) ولكن الشجاعة الروحية شجاعة ( التوحيد ) تمكن صاحبها من أن يري يد الله الرحيم في الحدث ومن ثم يقابل الردي بوجه مشرق وهو هادي و (وديع ) وهذه هي روح موقف الأستاذ محمود التي لم يكتشفها ويعبر عنها إلا الرجل الصالح سلسل الصالحين فارس الرأي والكلمة .
    ودون ذلك فأن المحكمة العليا كانت قد أصدرت حكمها ببطلان محكمة الأستاذ محمود وذكرت أنها كانت محاكمة (عرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالأحكام القضائية ) علما بأن الدكتور قد نفذ إلى زيف المحاكمة المهزلة وجهر بذلك قبل سقوط نظام الظلم والقهر في مارس 1985 فقال :

    لم يراعوا فيه القوانين ظلما فهو قتل عمد وجرم أكيد

    وهكذا رغم تلبيس المحاكمة بلباس الدين زورا فأنها لم تنطلي علي العالم العلامة الذي كان مثالا في وضوح الرؤية وشجاعة المواقف بسلام عليه في الخالدين.

    إبراهيم يوسف
    2/7/2003
                  

04-04-2008, 02:15 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    عبد الله الطيب: صورة المثقف الأصيل
    د. النور حمد [email protected]

    تغشت قبر البروفسير الراحل عبدالله الطيب، سحائب الرحمة الهتون. ولكل رجل، وكل إمرأة، من آل الشيخ المجذوب، نقول ما قاله الشاعر، وهو يعزي عبد الله بن عباس، في وفاة والده العباس بن عبد المطلب:
    إصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية بعد صـبر الرأس
    خير من العبـاس أجـرك بعده، والله خيـر منك للعبـاس

    لقد مضى البروفيسير عبد الله الطيب للقاء رب رحيم. ويقيننا الذي لا يتطرق إليه الشك، أن الرجل قد ذهب إلى لقاء ربه، بصالح الأعمال. وهو قبل هذا وذاك، ممن أتوا ربهم، بقلب سليم. قال تعالى: ((يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم)). ومثل عبد الله الطيب لا يذرف عليه الدمع. فهو قد عاش حياة خصبة، عريضة، مثمرة، خلاقة. فهو المربي الذي تخرج على آيادية الآلاف من أبناء، وبنات السودانيين، بدءا بمعهد التربية، ببخت الرضا، وانتهاء بجامعة الخرطوم، وغيرها من الجامعات، داخل، وخارج السودان. ثم هو، إلى جانب ذلك، العالم اللغوي الضليع الذي، رفد المكتبة العربية، بروافد ثرة، في ضروب علوم اللغة، وآدابها. وهو إلى جانب كل أولئك، المفسر للقرآن، الذي نزل من أبراج المثقفين العاجية، ليلامس قلوب، وعقول، الأميين من أهل القرى، الذين كانوا يتحلقون بشغف، حول المذياع، ليستمعوا له، وهو يفسر، ما كان يقرأه الشيخ صديق أحمد حمدون، من آيات القرآن الكريم.

    لقد كان عليه الرحمة، عالما جليلا، ذا عقل فسيح، وقلب كبير، وشخصية، فريدة. فشخصيته، كانت كثيرة التنوع، شديدة التميز، قوية الجاذبية. ويقيني الذي لا يتطرق إليه الشك، أن الرجل ولي من أولياء الله، شأنه شأن كل أسلافه الصالحين. بل إن البروفيسر، عبد الله الطيب ليمثل، في نظري، تتويجا لكل تدين أسلافه، وعلومهم، في قمة جديدة، ما سبق أن اتفقت، لتلك السلالة الصالحة.

    أتقن البروفيسر عبد الله الطيب، علوم الدين، واللغة العربية، والتاريخ الإسلامي. وبمثل ذلك القدر، أتقن معرفة الحضارة الغربية، وآدابها. فهو الذي يحدثك عن كيتس، وييتس، وإليوت، بنفس الدفق، والفخامة، التي يحدثك بها عن المعري، وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبي، وأبي نواس. وبهذا المعنى، فعبد الله الطيب، ليس أديبا، وحسب، وإنما هو مفكر، عربي، مسلم، من الطراز الأول. لقد عرف الحضارة الغربية، معرفة كبيرة، وقد افاد منها إفادة كبيرة أيضا. غير أن معرفته بالثقافة الغربية، خصبت رويته لتراثه، وعمقت إيمانه، بالجوانب الإيجابية فيه. فهو واحد ممن لم تجرفهم فكرة الحداثة، المتجذرة في الفكرة العلمانية الغربية. وفي نفس الوقت، لم تحبسه معرفته بالتراث، في قماقم التراث، والجمود، والسقف العقلي، المرسوم سلفا. لقد كان وسطيا، وسطية الحبر المدرك، لدقائق الأمور، القادر على تشريح مكامن الإلتباسات. وبهذا فقد برء تمام البرء من وسطية التوفيقيين التعسفيين، الضحلة.

    البروفيسر الراحل، كان من أوائل السودانيين الذين تزوجوا من غربيات. وهو على رأس السودانيين الذين صمدت زيجاتهم، لعوادي الزمن، ولعوائق، تباين النسق العقلي، والإرث الثقافي. وفي هذه وحدها، دلالة كبيرة، على رحابة العقل، وكريم الخلق، وسعة القلب، وسلاسة المسلك، وطيب العشرة. لقد كان البروفيسر الراحل، تجسيدا فريدا، للمزج الواعي، بين قيم التراث، وقيم الحضارة الحديثة. وهو بهذا المعنى واحد من الطلائع الذين ركزوا أقدامهم على أرض ميعاد التواصل الإنساني، الفسيحة الممتدة، وراء تضاريس حواجز اللون، والعرق، والتباين الثقافي.

    وحين نقف في لحظة انتقاله، إنما نقف للعبرة، وللذكرة. فالرجل واحد من سلفنا الصالح. ولقد سمعت الأستاذ محمود محمد طه، يقول ذات مرة، إن معاوية محمد نور، والتجاني يوسف بشير، هم سلفنا الصالح. وقد وجه الأستاذ محمود، وقتها، الجمهوريين، بكتابة كتاب عنهما. وارجو أن يحقق الجمهوريون رغبة الأستاذ محمود، تلك، في يوم قريب. ولا شك عندي أن عبد الله الطيب، قد أصبح بانتقاله، واحدا من هؤلاء السلف الصالح. والذي فهمته، من حديث الأستاذ محمود، أن هؤلاء قد مثلوا أكثر من غيرهم، صورة المثقف الأصيل. وهو المثقف الذي يصبح، قولا، وفعلا، ضميرا لأمته.

    لقد أجمع السودانيون على احترام ثلاثة من مثقفينا، وهم البروفيسر عبد الله الطيب، والدكتور منصور خالد، والروائي الكبير، الطيب صالح. لقد كان كلا من البروفيسر عبد الله الطيب، والدكتور منصور خالد، الأجهر صوتا، في إدانة إغتيال الأستاذ محمود محمد طه. وأنا شخصيا، أميل إلى التعرف على قامة المثقف، بناء على موقفه من تلك الحادثة الظلامية، البشعة. فبمقدار الصدع بالرأي في شأن تلك الحادثة، تعلو عندي، قامة المثقف، وبمقدار استحيائه، وازوراره، تقصر عندي، قامته. لقد كان الدكتور منصور خالد، أول من صدع بالإدانة، عبر صحيفة القبس الكويتية. وليس ذلك بغريب على الدكتور، منصور خالد. ثم تلاه البروفيسر عبد الله الطيب، بقصيدته المعروفة ((قد شجانى مصابه محمود مارق قيل، وهو عندى شـهـيد)). ولقد عبر الروائي، الطيب صالح، فيما بلغنا، عن ندمه على السكوت، عقب إغتيال الأستاذ محمود. وهذا موقف طيب، يدل على يقظة في الضمير الثقافي، لدى صاحبه. الشاهد، أن هؤلاء النفر يعيدون رسم صورة المثقف الأصيل, وهي صورة نحن بحاجة إلى إعادة رسمها كل حين. ولعل إعادة رسم هذه الصورة، بجلاء، تكون أوجب واجبات، وقتنا الراهن. وإنه لمن حسن عناية الله بأمتنا، أن يكون كبار كتابنا، ومفكرينا، أصلاء، يعرفون مسؤولية الثقافة. ويمارسون استقلالا عن مؤسسات تدجين الوعي، والأخلاق، وإخضاعهما لسلطة الراكد، والراهن.

    الشاهد، أن البروفيسر عبد الله الطيب، لم يجامل محبيه، ومعجبيه الكثيرين، من قبائل السلف، ممن كانوا يظنون فيه رصيدا جاهز لهم. لقد فاجأهم بقصيدته المبينة، فس شأن إغتيال الأستاذ محمود محمد طه. وقد لامه بعض السلفيين على ذلك. دلل البروفيسر عبد الله الطيب، في استنكاره لإعدام الأستاذ محمود محمد طه، عن معدن المثقف الأصيل، الكامن في أعماق ذاته. كما دلل على وضوح رؤيته الدينية، وسعتها، وإنسانيتها، وصفائها. هذا هو شموخ المثقف، وهذه هي أخلاق المثقف الأصيل، التي بها يجتاز امتحانات الإبتزاز، والإرهاب، والتدليس باسم الدين.

    ألا رحم الله البروفيسر عبد الله الطيب، بقدر ما قدم لأمته. فقد كان انسانا فريدا، وراهبا قائما، آناء الليل، وأطراف النهار، في محاريب المعرفة، لم يعرف جسده الكلال، ولم تهمد لذهنه المتوقد جذوة. اللهم انزله منك منازل القرب، وبلغه عالي الدرجات، والمقامات، إنك سميع، قريب، مجيب.
                  

04-04-2008, 02:18 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الراحلان: حامد "جو" وبشير "حريشة" :
    نسمتان من وراء ما بعد الحداثة

    النـور حمـد


    حامد إبراهيم النجومي، وبشير محمد على، شخصان طغت على اسم أبويهما وجديهما الألقاب التي اكتسباها. لا أعرف لماذا سمي بشير محمد علي، ببشير حريشة، غير أنني أعرف لماذا سمي حامد إبراهيم، بحامد جو. اقترن لقب "جو" بحامد إبراهيم، عندما كنا طلابا بمدرسة حنتوب الثانوية، في النصف الثاني من الستينات. وقد كانت كلمة "جو"، شائعة بين طلاب حنتوب وقد اعتاد الطلاب على إطلاقها، على كل شخص يميل إلى المبالغة. سواء كان ذلك، في المظهر، أو فيما يقص ويحكي، من قصص وحكاوي. كما كانت كلمة "جو" تطلق أيضا، على كل من يميل إلى الاستعراض، ولفت النظر. وقد أطلقت على بعض لاعبي كرة القدم في حنتوب، وغيرهم من الطلبة المبرزين في الأنشطة، مما ارتبط أداؤهم بالميل للاستعراض. غير أن حامد جو كان الشخص الوحيد، الذي التصق اللقب باسمه، وظل ملازما له بصورة ثابتة. حدث ذلك، بالرغم من أن حامد جو، لم يكن مبرزا، في أي من الأنشطة المعروفة، إلا أنه ظل معروفا لكل طلاب حنتوب الثانوية، الذين يجاوز تعدادهم الألف والمائتين. كان حامد ميالا، بالفعل، لغريب الملبس، وغريب المسلك، وغريب الحديث. ويبدو أن ذلك هو ما جعله ملفتا للأنظار.



    ظللت أتأمل حياة أخي، وصديقي، حامد جو، منذ أن بلغني نبأ وفاته، قبل ثلاث سنوات، وأنا في أوهايو. لقد أحسست أخيرا، بأنني رغم صلة القربى، وصلة الصداقة الوثيقة التي ربطتني به، لعشرات السنين، ظللت لا أعرفه على الوجه الأتم. ويبدو لي الآن، أنني ربما أكون لا أزال، بحاجة لمزيد من الوقت، لأستكشف جوانب شخصيته المدهشة. ينتمي كلانا إلى أسرتين متوسطتي الحال، في حلة حمد الترابي. إلا

    أن حامد واجه اليتم، في سن مبكر. توفي والده، وهو لا يزال يافعا. أذكر يوم وفاة أبيه، في أوائل الستينات، وكأنها حدثت بالأمس. كنت مع بعض الصبية في حوش بيتهم. وكانت النسوة الثاكلات يتصايحن في باحة المنزل. وكان بعضهن ينحن وهن يطرقن بالعصي، على قرع طاف فوق طسوت بها ماء. وكانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها مثل ذلك المنظر النائح، الثاكل. كانت أجنحة الفجيعة ترفرف فوق سماء القرية، بشكل مخيف. أذكر أن الفضول الشديد، قادني، لكي أنظر من شباك الغرفة، التي ضمت جسد والده. رأيت جسد أبيه، ممدا على سرير، في صدر الغرفة، وهو مسجى بثوب أبيض. وكانت أيضا، تلك هي المرة الأولى، التي أرى فيها جسد ميت. وقد انطبع ذلك المشهد في نفسي لفترة طويلة.



    كنا على طرفي نقيض، من حيث الإحساس بالانتماء إلى أسرتين عاديتين، من أسر مزارعي مشروع الجزيرة. انتمائي إلى أسرة أب مزارع بمشروع الجزيرة، أورثني حالة من الانزواء، والانطواء، في المدارس الداخلية التي بدأت ارتيادها منذ سن التاسعة. ومن ذلك مثلا، تجنب الاحتكاك بأولاد الموظفين، وأولاد التجار الأغنياء، الذين ضمتني بهم الداخليات. كنت أحس بأنني غير مؤهل طبقيا لصداقتهم، وصحبتهم. أما حامد، فلم يخامر وعيه أبدا، أي إحساس بالدونية تجاههم. كان يخالط أبناء الموظفين والأغنياء، بعادية شديدة. وفي الحقيقة، كان يتصيد صداقاتهم. ظل يقتحم عالمهم، غير هياب ولا وجل، وينشئ الصداقات معهم، يمنة ويسرة. لم تكن به ذرة من مركب نقص. وأذكر كيف أنني، لم أكن أجرؤ على الخروج، مع أولاد الأغنياء، إلى السينما، في واد مدني، حتى وأنا في المرحلة الثانوية. أكثر من ذلك، لم أكن حتى لأصطحبهم إلى النادي، أو القهوة في داخلية حنتوب. كنت أصادق ممن هم على شاكلتي، من حيث الطبقة الاجتماعية. أما حامد، فكنت أراه يلبس البنطلونات والجاكيتات في الشتاء. كما كان يدخن، حوالي نادي الطلبة بالمدرسة. وكان أيضا، يرتاد صالات السينما، والمطاعم، ومحلات الحلوانية، في مدينة ود مدني المجاورة، مع أصدقائه، من أولاد التجار، والموظفين، بوتيرة ثابتة. في حين كان أمثالنا، من أولاد المزارعين، يظلون أحيانا قرابة الشهر بالداخلية، دون أن يعبروا نهر النيل الأزرق إلى مدينة ودمدني المجاورة. وذلك، بسبب ضيق ذات اليد. الشاهد أن صداقاته الواسعة، وجاذبيته، كفلتا له قدرة أوسع على الحركة. من يرى أسلوب عيشه، يحسب أن أباه تاجرا، أو مديرا، أو موظفا كبيرا ـ ذلك يوم أن كانت للموظفين في السودان دولة .
    كنت أرى في نمط سلوكه، تطفلا على عالم أولاد الأثرياء والميسورين. أو فيه، على الأقل، ظهور بمظهر غير حقيقي. غير أن الذي اتضح لي مؤخرا، أن حامدا كان مفطورا أصلا، على عدم الإيمان بالفوارق الطبقية. فهو لم يكن يدع لمن يريد أن يتميز بطبقته، فرصة للتميز بها. كان يتصرف بعفوية مدهشة، وبدون تعمل، أو عمد. كان كمن ألهمته السماء، أن الحياة مائدة كبيرة، لا يملك منها من يملك، سوى ما حازت أصابعه لحظة الأكل. كان لا يؤمن، حرفيا، بملكية العين، ويبدو أنه ظل يرى، أن الناس يرتفقون بالأشياء، مجرد ارتفاق. وذلك حين يحتاجونها. وعلى العكس منه، كنت أسلِّم لمن عندهم، بما عندهم. ولا أجرؤ على إزعاجهم. وكان حامد، لا يسلم لأحد بما يملك، وبما يدعي لنفسه. كان في داخله شيء مسيطر، يخبره أن كل هذه محض أكاذيب، ومحض زيف. فالناس عنده، ناس، وإن طالت عمائمهم. حاصل الأمر أنني اشتريت من أصحاب الجاه، والأغنياء، والمسيطرين، فكرتهم عن أنفسهم، وسلمت لهم بما أرادوا لأنفسهم. أما حامد، فلم يشتر شيئا من ذلك أبدا. والحق أنني، لا أزال حتى اليوم، أحس بالحرج، كلما ارتدت محلا تجاريا كبيرا، أو فندقا فخما. شيء بداخلي يزْوَرْ، ويتضاءل، ويقول لي، لا يصح أن تكون هنا. وكان حامد على العكس من ذلك تماما.



    في حلة حمد الترابي، وهي قرية تمثل في جملتها، أسرة ممتدة كبيرة، عرف حامد جو بعدم الاعتراف بالفواصل والحواجز، والملكيات. يبدأ رحلته من جنوب غربي حلة حمد، حيث يقع بيتهم، مرورا بالبيوت، بيتا بيتا. يسلم على الجميع، ويدخل المطابخ في البيوت على اختلافها. يذهب إلى الآنية، يكشف أغطيتها، وينتشل قطعة لحم، من هنا، أو قطعة خضار، من هناك. كان يأخذ مما يجد، دون أي إحساس بالحرج. يفعل ذلك، متى ما عن له. وقد سلم له الناس بذلك تسليما تاما، بل واستملحوه منه. لم أعرف شخصا، تم قبوله، بلا تحفظ، من الجميع، في حلة حمد، مثل حامد جو. ولم أر شخصا لا يفرق بين الناس، كبيرهم، وصغيرهم، غنيهم، وفقيرهم، ذكرهم، وأنثاهم، مثل حامد جو. وفي الحقيقة، فإن علاقة حامد جو بالجنس الآخر ظلت محل تأمل بالنسبة لي، طيلة حياتي. مثلا: كنت أنا، ولا أزال، أهاب الجمال البشري، وأنكسر أمامه. بالنسبة لي، يظل الجمال محاطا دائما بدائرة طاردة. لا أقوى على أن أخطو إلى داخلها. وكان حامد على العكس من ذلك تماما. فالدائرة الطاردة بالنسبة لي، كانت في حقه، دائرة جاذبة، وبشدة. كان يقترب كثيرا، ولا يحترق. باختصار، كانت لحامد قدرة غريبة على اقتحام، حواجز الاستبعاد، والإقصاء، بكل أشكالها وألوانها. يقوم بذلك، مدفوعا بإحساس فطري، لا تعمل، أو تعمد فيه. كان يؤمن عمليا، بأن له في كل شيء حق، وليس صدقة.



    من ناحية أخرى، لم أعرف أخا عامل أخواته على قدم المساواة، في حلة حمد، مثل حامد جو. لا أقول كان "متقدما" في نظرته للمرأة، وإنما أقول كان "طبيعيا". إن أكثر ما يُدهش في حامد، بساطة مسلكه، وحدسه الغريزي، وقدرة قواه الباطنية في النفاذ إلى ما هو صواب. لا شيوخ القرية، ولا كهولها، ولا نساءها، ولا رجالها، ولا كل التقاليد الموروثة، على ضخامتها، كانت بقادرة على طمس بصيرة حامد، أو التشويش عليه، بأي شكل من الأشكال، في الخيارات التي يختارها. كان ملهما في معرفة ما هو صواب في بنية مشروع التغيير الكلي. وكان، في ذات الوقت، قادرا على فعل الصواب. كان مقاتلا صلبا، ولم يكن عنيفا. لقد أشرف حامد، على تربية أخواته اللواتي يصغرنه ـ إذ كان أخوه الأكبر، مقيما في الخرطوم ـ وقد أصر على تعليمهن كلهن. وثابر على ذلك، رغم المعوقات الكثيرة، حتى أكملن تعليمهن العام، وتسنمن وظائف مختلفة. أعطاهن من حرية الحركة، وحرية الفعل، ما لم تتمتع به غيرهن. وقد أثمرت جهوده معهن أطيب الثمار. كان حامد لأخواته، أبا، وأخا، وصديقا، وسندا. وكن يحببنه بغير حدود. ويقيني أنهن فجعن بموته المبكر، أشد الفجيعة. لقد كان حامد روحا حرا، متصلا على نحو ما، بقلب الوجود الحي النابض، وبجوهره الأصيل الذي لا يلحق به الزيف. لم يشتر حامد قط، أيا من حبائل الاستبعاد، وحواجز الإقصاء، التي يبنيها حول أنفسهم، أهل السلطة، وأهل الثروة، وأهل الجاه. كانت له قدرة فطرية، لا تصدق على النفاذ إلى ما يجب أن تكون عليه الأمور. كان إنسانا جديدا بشكل لا يصدق.



    ربطت بيني وبين حامد، بالإضافة إلى صلة القرابة، صلة روحية من نوع غريب. لم نكن نتفق في أي موضوع فكري، أو سياسي، يجري نقاشه بيننا. ولم يؤثر ذلك أبدا على الرباط الروحي الذي ربطنا. أصبحت أنا جمهوريا، أرى الأشياء بعين جمهورية، وظل هو حامد جو. لا هو بماركسي، ولا هو بوجودي، ولا هو بأي شيء، غير حامد جو. لم يكن يقرأ بإمعان، ولا يهتم بذلك. يقرأ نتفا من هنا، وهناك، ويكوِّن آراءه باستقلال تام عن أي مؤثر خارجي. ذكر عنه حسن موسى، قولته التي شاعت وسط أصدقائه، وهي أنه ـ أي حامد جو ـ: "ضد الدين، وضد ماركس، وضد مشروع الجزيرة ذاتو". كان خارجا على أي قالب. وأظنه من النوع الذي لم يكن يفهم أبدا، لم كانت هناك قوالب أصلا؟. كان يكتب الشعر "على كيفه" وكنت أقول له، مؤمنا تماما بما أقول وقتها، أن هذا ليس بشعر. فالشعر له ضوابط، وقواعد وأصول. وللأسف لم أعد الآن، أذكر شيئا مما كان يكتب. ولعلني لو قرأت شيئا مما كان يكتب، اليوم، لربما غيرت رأيي. لم يكن حامد يرسم. ولم أعرف عنه اهتماما خاصا بالرسم، منذ أن كنا أطفالا. ورغم ذلك، التحق حامد جو بكلية الفنون الجميلة. وأصبح واحدا من التشكيليين، ومدرسا للرسم، بل وموجها فنيا، في مادة التربية الفنية، بمحافظة الجزيرة، في نهاية الأمر.



    حين التحقت بكلية الفنون، في مطلع السبعينات، كان هو مدرسا بالمدارس الابتدائية. وكان يزورني كثيرا، في الكلية. وعن طريقي، تعرف على أصدقائي، ومنهم، حسن موسى، ومحمود عمر، وآدم الصافي، وبدرالدين حامد، وخلف الله عبود، ودار السلام عبد الرحيم، وبديعة الحويرص، وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم. أعجبه الجو الذي كنا نعيشه آنذاك في كلية الفنون. فقرر فجأة، الالتحاق بها. هكذا قرر حامد. أحس بأن ذلك المكان المسمى بكلية الفنون يناسبه. لقد كان يبني أموره على الحدس. فقلبه هو الذي يخبره. وحين يخبره قلبه بشيء، لا يلتفت إلى متحدث آخر. قلت له أن فكرته في التقديم لكلية الفنون، فكرة جنونية، بل وسيريالية مثل سائر أموره الأخرى. فهو لم يكن يمارس الرسم أبدا، ولم أعرف له اهتماما به. غير أن حامدا أحب تلك المكان، وأحب أولئك القوم. أصر عل خياره، وعمل له. اقتنى حامد الألوان، والأدوات، وصار يعمل بجد، ويطلعني على أعماله. ولم أكن أصدق أنه جاد فيما انتوى. لقد كنت، وللأسف، أفكر في أمر التحاقه بكلية الفنون، بعقلية مؤسسية، استبعادية. وكان هو يفكر في الأمر بطريقته الخاصة، التي لم تعرف يوما الحواجز، والأطر، ولم تعترف، ولم تستسلم في أي وقت من الأوقات، لشروط الاستبعاد. وبالفعل، التحق حامد جو، بكلية الفنون، رغم أنفي، وأنف أي أبي بكر. كان فيه رفض فطري لفكرة الأندية المقفولة، والأراضي الحكر. كان في كل أموره، لا يخضع للقالب ولا للمنهج. وكنت آخذ عليه تجاهله لتجارب الغير، وإصراره على إعادة اختراع العجلة بنفسه. غير أن ما ظهر لي من شأنه مؤخرا، يدل على أنه كان شاعرا، على نحو ما، بأنه لا يملك فسحة كافية من الزمن، يبددها في التنقيب فيما فعل الآخرون. وقد ظهر بالفعل، أنه كان زائرا عابرا قصير الزيارة.

    بعد موته، أحسست بأنه كان شخصا غريبا على هذه الحياة. بدأ لي، مثل من جرى إرساله من المستقبل، ليرسم لنا بعضا من صورة المستقبل. وليقدم نموذجا لإنسان جديد، لا يزال يُمتَخَض في رحم الغيب. إنسان تحرر من الانكسار أمام الاستعلاء باللون، وبالجنس، وبالطبقة، وبالتحصيل المعرفي، ومن أي قهر تمنحه أية ميزة، يمكن أن يتميز بها بشر على آخر. كان إنسانا لا يسلم للناس بالامتيازات التي يمنحونها لأنفسهم. يفرض على الغني نفسه، حتى يقبل الغني أن يشاركه في ما عنده. ويفرض نفسه على صاحب الجاه، والسلطة، حتى ينسى صاحب الجاه والسلطة، وضعيته. ويقترب من الجميلات، حتى لا تبقى لسطوة جمالهن هيبة. ويناقش من يزعم أنه ملم بموضوعه، بندية تامة، وبغير أي شعور بالانكسار، أو الدونية. كان حامد أعمى، من أي النواحي أتيته، في رؤية الفروق. وكانت له قدرة فطرية، لا فلسفة فيها، ولا تعقيد، تمكنه دائما من النفاذ إلى جوهر الأمور. لا يحفل إطلاقا، بالطرق المطروقة. ولا يسلم للناس بما تواضعوا عليه. ولذلك فقد عرف حامد، كيف يتواصل مع قلوب الناس مباشرة، وبلا مطولات. ظل يعيش ما يقتنع به، ولا يحفل برأي الغير، ولا غرو، أن أحبه كل من عرفه. في حلة حمد، أحبه من هم في سنه، ومن هم أكبر من بعقود، ومن هم أصغر منه بكثير. يستوي في ذلك الرجال والنساء. المتعلمون منهم والأميون. حتى أطفال حلة حمد، كانوا متعلقين تعلقا غريبا بحامد جو. لقد كان مقبولا من الجميع، بصورة يحسد عليها.



    حين توفي حامد جو، لم أكن قد رأيته لما يقارب العشر سنوات. غير أنه كان معي في حلي وترحالي. كان أقرب الناس إلي في حلة حمد. وأحبهم إلي، وكنت أقرب الناس إليه، وأحبهم إليه. ظل كثير الأسفار، وكنت لا أحب أسفاره الكثيرة تلك. فمن ناحية، كان يخامرني شعور بأنه سيموت في حادث مرور، وذلك بسبب إدمانه ركوب المركبات. ومن ناحية ثانية، كنت أكره أسفاره، بسبب يخصني. فقد مررت بفترات من الوحشة الداخلية القاتلة. كان ذلك، في بدايات العشرينات من عمري، أوقبلها بقليل. في تلك الفترة، كنت أعاني كثيرا، من إحساس مدمر، بالوحشة، وبالخواء. إحساس يشبه حالة انتظارٍ لكارثة وشيكة الوقوع. ذلك الإحساس، هو الذي قادني، لاحقا، إلى أحضان التصوف، وإلى عالم الأستاذ محمود محمد طه. كان مجرد وجود حامد جو، في حلة حمد، واحدا من البلاسم التي تشفيني، من تلك الحالات المفزعة. غير أن حامدا، لا يبقى في حلة حمد كثيرا. أكون معه بالليل، ولا يقول لي أنه مسافر. ثم يجيئني في الصباح، حاملا حقيبته، ويسألني، عندك "طرادة؟" (خمسة وعشرون قرشا). ويقول: أنا ماشي الخرطوم، أو مدني، أو الحصاحيصا، أو سقط لقط ـ أي مكان ـ يغيب أياما، أظل أترقب خلالها الباصات العائدة، علها تأتي به. يذهب حامد ببهجة القرية، حين يذهب. ويعود بها حين يعود. كنت أجد فيه ملاذا روحيا، من نفسي، حين تواجهني بالأسئلة المفزعة. أحتمي من مخاوفي بمرحه، وانغماسه العفوي في الحياة، وبأخذه للأشياء ببساطة. أحتمي بوجوده حولي، وطريقة عيشه، من عقلي الفزع، ومن نفسي المستوحشة. كان مطمئنا بشكل غريب. حتى أنني أصبحت أومن أنه مطلع على سر ما، ليس لي إليه من سبيل. كان بالنسبة لأزماتي الوجودية، حلا مجسدا، يمشي على رجلين. كان جوابا عمليا، لحالات الشعور بالعبث، التي كانت تفسد علي متعة العيش. فأنا مدين له بسلامة عقلي ما حييت. كان يسخر من أسئلتي، ومن تشاؤمي، ومن انشغالي عن العيش بالتفكير. يأخذ حامد، حياته لحظة بلحظة. لا يتحسر على ما فاته، ولا يدع التطلع لما سوف يأتي، يذهله، عن جمال لحظته الراهنة. كانت له قدرة على نفخ الحياة في العدم. تصبح حلة حمد، بالنسبة لي، من غيره، قاعا صفصفا، وخرائب ينعق فيها البوم. وجوده حولي كان يحل كبريات معضلاتي. لا أحتاج لأكثر من رؤيته، أو وجوده من حولي، لتذهب عني المخاوف الوجودية، والحزن، والوحشة. لقد كان متصلا بالجوهر، ومدودا من الجوهر مددا عجيبا. وأهم من ذلك كله، كان قادرا على أن يعدي بحاله غيره.



    لم أكتشف التشابه بين الراحلين المقيمين، حامد جو، وبشير حريشة، إلا مؤخرا. وقد قادني موت كليهما في حادثتي مرور مؤلمتين، إلى تتبع قرائن الشبه بينهما. وغني عن القول ابتداء، أن التشابه، قد أفضى بكليهما، إلى كلية الفنون. معرفتي ببشير حريشة، تمت بعد التحاقي بكلية الفنون، فهو كردفاني، قدم إلى كلية الفنون، من خورطقت الثانوية. ويبدو أنه كان مشهورا في خورطقت، مثل شهرة حامد جو في حنتوب. وقد توطدت صلتي ببشير عقب تخرجه من كلية الفنون. وذلك بعد أن انضم إلى حركة الإخوان الجمهوريين. أما حامد جو، فهو قريبي، كما ورد. نشأنا في قرية واحدة. وتقاسمنا طفولة قروية مشتركة. وتدرجنا في المراحل الدراسية من المرحلة الابتدائية، وحتى حنتوب الثانوية. كان حامد يسبقني بسنتين في كل المراحل الدراسية. وقد كان بحكم السن صديقا لشقيقي الأكبر مضوي. ثم قامت بين الاثنين جفوة في المرحلة الثانوية. وعقب تخرجهما من الثانوي، ذهب مضوي إلى الخارج، والتحق حامد بسلك التدريس في المدارس الابتدائية السودانية. وقويت صداقتي بحامد بعد ذلك. ويبدو أن كلا من مضوي وحامد، اكتشفا مبكرا، أنه لا يوجد كثير يجمع بينهما.



    لم يلتق حامد جو، ببشير حريشة في كلية الفنون. فقد تخرج بشير حريشة من كلية الفنون عام 1971. والتحق حامد جو بكلية الفنون، عند منتصف السبعينات. وصل حامد جو إلى كلية الفنون، عقب تخرجي منها، عام 1974. ولذلك لم يسعدني الحظ بزمالته حين كان طالبا فيها. فقد عملت عقب تخرجي مدرسا للفنون بخورطقت الثانوية، لخمس سنين. في تلك الأثناء، صال حامد جو، وجال في كلية الفنون، وصار من الناشطين السياسيين في حركة الطلاب الديمقراطيين. وأظنه صار من قيادات اتحاد طلاب كلية الفنون. ولذلك، لم تبخل عليه قوى أمن نميري باختطاف، واعتقال، وإيداع بسجن "دبك" المشهور. لقد ارتبطت بكل من حامد وبشير رباطا قويا. حامد كان بالنسبة لي، مثل أخ شقيق. أما بشير، فقد ضمتني معه حركة الإخوان الجمهوريين. عملنا بها سويا، حتى إعدام الأستاذ محمود محمد طه، في 18 يناير من عام 1985. وتفرقت بنا السبل بعدها. ذهبت أنا إلى خارج السودان عام 1988. وانتهى بشير، إلى العمل مع الهلال الأحمر. تخرج بشير حريشة، من قسم طباعة المنسوجات بكلية الفنون. غير أنه عمل بمكتب النشر، في كل من الخرطوم، وجوبا. في فترة إقامته بجوبا، أتقن بشير بعض لغات الجنوبيين. ثم عاد، والتحق بالتدريس، وذهب إلى كادقلي الثانوية. بشير يعرف أشياء كثيرة مختلفة. لم يحصر نفسه في تخصص بعينه. يرسم، ويدرس، ويتحدث لغات مختلفة، ويمارس الطب البلدي، وكل فنون البصارة. كان عارفا بالتشريح، من عظام وعضلات. وكثيرا ما أمسك بذراعي، وشرح لي، أين تبتدئ هذه العضلة، وأين تنتهي، وما أسمها، وأي إصبع تتحكم فيه. ولعل ذلك هو ما قاده ليعمل في نهاية الأمر مع الهلال الأحمر. أقوى ما في شخصية بشير، مهاراته في مجال العلاقات العامة. بشير وحامد يشبهان بعضهما، شبها حسيا. قاماتهما متشابهة. ولون بشرتيهما متشابه. وتجمع بينهما كثير من الصفات المشتركة. أميزها، الطيبة التي لا تعرف حدودا. بالإضافة إلى مسالمة ووداعة مدهشتين. كانا خاليين تماما من أي نزعات عدوانية. كما أن لكليهما، أيضا، قدرات فائقة في الدخول على الناس، وكسب ودهم. غير أن بشير يمتاز على حامد، بكونه أكثر تنظيما، وأكثر منهجية. شخصيتاهما ضاقتا على القوالب، وتمردتا عليها. تخرج بشير من كلية الفنون ليكون مصمما للأقمشة، فطاف على طائفة من المهن، وانتهى به الأمر موظفا لدى الهلال الأحمر، بل ومن أكفأ، وأنشط، وأميز موظفيه!



    رأيت بشير حريشة، لأول مرة، عام 1971 بداخلية الحلة الجديدة، التابعة لمعهد الكليات التكنولوجية. وقد كان يسكنها، بعض من طلاب كلية الفنون. رأيته في غرفة مجاورة لغرفتي، يرقص رقصة "الجيرك" أو "الهورس"، لم أعد أذكر بالضبط. المهم، واحدة من الرقصات الغربية، التي كانت فاشية في الأوساط المدينية الخرطومية، آنذاك. استرعى انتباهي، منذ أول وهلة، بقوامه القصير، وأنفه الأقنى، وحركات رقصه المتوافقة، التي دلت على حس موسيقي سليم، وروح طليق أيضا. انطبع مشهد رقصه في ذهني، وظللت أرقبه، من بعيد، في الكلية بإعجاب، غير أنني لم أتعرف عليه عن كثب. لقد كان هو في السنة الرابعة، وكنت في السنة الأولى. ثم ما لبث بشير، بعد التخرج، أن انضم للحركة الجمهورية، حيث تعارفنا عن قرب. ولا أزال أذكر يوم سفر بشير إلى جوبا، ومعه خلف الله عبود، ومحمد الحاج، في عام 1973، على ما أذكر، بعد أن تم نقلهم، إلى مكتب النشر بجوبا. أذكر أنني، كنت في وداعهم، في مطار الخرطوم، مع زملائي بكلية الفنون، حسن موسى، ومحمود عمر، وربما بدرالدين حامد، والمرحوم، آدم الصافي. أقلعت بهم طائرة ألـ "فوكرز فريندشب"، المروحية، التابعة لسودانير. وكان ذلك عند الظهر. ولا أزال أذكر، أن حسن موسى، قد علق على شكل الطائرة بقوله، أنها "تشبه الكديسة الحامل". في المساء عرفنا أن الطائرة قد ضلت طريقها. (ما أردت من هذا القول أن حسن موسى "عينو حارة". كل ما في الأمر أن تشبيه حسن للطائرة استرعى انتباهي، وهذا ما جعله عالقا بذهني لقرابة الثلاثين عاما). المهم، فُقدت الطائرة، وظل أمر من بها مجهولا، لأسابيع. وأخيرا جاءت الأنباء، أنها سقطت بهم في الغابة، بعد أن ضلت، ونفذ وقودها. نجا ثلاثتهم من تلك الحادثة، غير أن حركة أنانيا "2 " التي كانت تحارب الحكومة السودانية في أدغال الجنوب، أسرتهم. وبعد مفاوضات، جرى تسلميهم للصليب الأحمر، ثم للحكومة السودانية. وقد قطعوا في تلك الفترة مئات الأميال، سيرا على الأقدام، وسط الغابات الاستوائية، حتى تمزقت ملابسهم, وأضحت أسمالا بالية. نجا بشير، مع رفقائه، من تلك الحادثة الفظيعة، بكل تعقيداتها، ثم مات لاحقا، في حادث سير بمدينة الأبيض! ونجا حامد جو، رغم أسفاره الكثيرة، على شاحنات، وبصات، وحافلات، وبكاسي، وكاروات السودان الهرمة، التي تسير بلا ضابط، أو رابط. وقد ظل يسافر عليها، بشكل مكثف، لعشرات السنين. غير أن المنية وافته، هو الآخر، في حادث سير في الجماهيرية الليبية.



    كانا شخصين قلقين، مسفارين لا يستقر لهما قرار. صوفيان، فنانان، بل ودرويشان مجذوبان، أرادا عجن الزمان والمكان، والتهامهما في لقمة واحدة. في دخيلة كل واحد منهما إحساس بقصر الأجل، عبر عن نفسه، في حمى التنقل، التي ما برحتهما أبدا. كان بشير مثل حامد تماما، من حيث الرغبة في التنقل. كان كلاهما يبحث عن شيء ما، بحثا مضنيا. لا أدري ما هو. الأسباب التي كانا يقدمانها للسفر عادة، وللحركة الكثيرة، وللتنقل الذي لا يهدأ، لم تكن دائما، مقنعة. لقد كانت، في أغلب الأحيان عللا أكثر منها أسبابا. لم يكونا يملكان أمرهما في ذلك المنحى. كانا مثل من حكم عليه بالتنقل. ولربما شابه تعلقهما بالتنقل بين الأمكنة، بعضا من حالات الإدمان. وفي موتهما في حادثتي مرور إشارة، إلى إمكانية أن يقود تشابه المسلك، إلى تشابه الوقائع، وربما تشابه المصائر.



    عمل بشير بكادقلي الثانوية، مدرسا للفنون في نهايات السبعينات. كان يزورنا بمدينة الأبيض. وأذكر أننا كنا نأخذه، عقب كل زيارة، إلى موقف عربات كادقلي، في وسط مدينة الأبيض. نرفع شنطته على اللوري. ونلتفت فجأة فلا نجده. إذ تبتلعه أزقة السوق. نذهب في طلبه، وحين نعود، نجد أن اللوري قد سافر بشنطتة، ويلحق بشير شنطته، على ظهر لوري آخر. تكرر لنا ذلك معه، أكثر من مرة. كما روى عنه، بعض من سافروا معه، من الإخوان الجمهوريين، على خط قطار الغرب، أنه كان ينزل في المحطات التي يقف فيها القطار لفترات طويلة، مثل محطة الرهد. ثم يذهب في قضاء مختلف شؤونه، وما أكثرها. ثم يتحرك القطار، ويظهر هو في اللحظات البالغة الحرج، ليدرك القطار. وقد شوهد مرة، وهو يركض ركضا عنيفا، ليدرك بالكاد، آخر عربات القطار.



    ظل الأستاذ محمود محمد طه، يحتفي احتفاء غير عادي، بطلاب كلية الفنون. ولم أكن، وقتها، مدركا تماما لسر ذلك الاحتفاء. وبمرور الزمن بدأت قطع المعضلة تتجمع عندي. لقد رأى الأستاذ محمود نماذج من طلبة الفنون، الذين كانوا يرتادون داره في صحبة التشكيليين الجمهوريين. وكان كثيرا ما يقول لي: "طلبة كلية الفنون عجيبين بالحيل" أو "طلبة كلية الفنون أحرار". وبالطبع، ففي مؤسسات التعليم الأخرى، كثيرون ممن هم على شاكلة أولئك الذين لفتوا، نظر الأستاذ محمود إلى كلية الفنون. غير أن تأمل حيوات أشخاص رحلوا عنا، مثل، سالم موسى، وصديق النقر، وبشير حريشة، وحامد جو، وعمر خيري، وأسامة عبد الرحيم، وآدم الصافي، وربيع، وغيرهم، مما لا يزالون على قيد الحياة، يقود إلى ضرورة النظر بعين الاعتبار، لما يمكن أن تهبه مجالات الفنون، من قدرة على النفاذ إلى الجوهر، وسط ممارسيها. لقد اشترك كل الذين ورد ذكرهم قبل قليل، في ميزة رئيسة واحدة، وهي أنهم مثلوا نماذج لإنسان جديد، لا يزال يتخلق في رحم الغيب. لقد كانوا جميعا، "روحانيين"، في تقديري المتواضع. وقد وضعت كلمة "روحانيين" بين مزدوجتين، حتى لا يجرى ربطها بالمدلول الشائع، والمبتذل للكلمة اليوم. "الروحانية" المقصودة هنا، هي النفاذ إلى جوهر الأشياء. أو قل الكلف بالمعنى، ثم العيش ببساطة، نتيجة لذلك الاكتشاف السحري، ونتيجة لاستشراف مبصر لتخوم المعنى. وهذا يعني، ضمن ما يعني، المقدرة على العيش، خارج نطاق الزيف السائد. لقد عاش كل هؤلاء خارج المؤسسات بجميع أشكالها. تمردوا عليها، وحملوا صلبانهم، حتى قضوا. وعلى ذات الصليب، مات قبلهم، معاوية محمد نور، والتجاني يوسف بشير. لم يفهم كل هؤلاء سببا للحواجز المصطنعة. لقد كانوا نماذج، جسدت ما ينبغي أن تكون عليه عقول الناس، وقلوبهم، يوم تنقشع غشاوات الزيف، وتنهار مؤسسات الاستبعاد والإقصاء.



    كتب الأستاذ محمود محمد طه: ((الإنسان الحر، هو الذي يفكر كما يريد، ويقول، كما يفكر، ويعمل كما يقول. ثم لا تكون عاقبة فكره، وقوله، وعمله، إلا خيرا وبرا بالأحياء والأشياء)). كما كتب عن المجتمع الحر قائلا، هو المجتمع، ((الذي لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة)). التفكير الحر، والقول الحر، والفعل الحر، تميز بهن الراحلان المقيمان، حامد جو، وبشير حريشة. وقد كانا خيرين، ومسالمين، وبارين بأهلهما. قادهما كلفهما بالحرية إلى كلية الفنون. عاشا بحرية، بقدر ما أتاح لهما الظرف. أسعدا كثيرا من الناس، وأضفيا حيوية على كل حياة، تماست مع حياتيهما الخصبتين. ثم مات كلاهما ميتة عنيفة. وتركانا أمام فك معضلة الموت المبكر، الفاشية وسط المبدعين السودانيين. لقد كانا من الطلائع، في المسيرة العملية للبحث عن المعنى، ورائدين في قافلة البحث، عن المجتمع الحر، التي طال سيرها. ذلك المجتمع الذي جرى وصفه بأنه، ((لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة)). حامد جو، وبشير حريشة، نسمتان من وراء ما بعد الحداثة. و"ما وراء ما بعد الحداثة"، يجب أن يتميز في نظري، على "ما بعد الحداثة"، بكونه ليس مجرد سفسطات صفوية، وأنما عمل دؤوب في تكثيف الوعي الإنساني، والفعل الإنساني، لمحو الحواجز المصطنعة، وتفكيك ميكنزمات الإستبعاد، وتذويب قوى التسلط الغاشمة، المرتكزة أساسا على حيازة المال، والسلطة، والجاه، والمعرفة. وقد أسهم الراحلان عمليا، في ذلك التفكيك، بقدر معتبر.



    لا أستطيع تصور حلة حمد الترابي، من غير حامد جو، ولا أستطيع تصور الوسط الجمهوري من غير بشير حريشة. ظل حامد جو، قاسما مشتركا، في كل أصناف المركبات الغادية الرائحة، في منطقة ود الترابي. لقد ظل حامد جو روحا ساريا فيها. فحامد بعض من نسائم الحقول في الغيط. وبعض من ماء الترع الجاري. و بعض من الخضرة الريانة على أشجار الجميز واللبخ، والصفصاف، الجالسة على رؤوس القناطر. وهو كل ثرثرات أهلنا، وسط حوائطهم الطينية، التي ضمنوها أشواقهم لعالم أكثر رحابة. وسيبقى حامد روحا مرفرفا فوق تلكم البقاع، حارسا للأمل وللرجاء. أما بشير حريشة فقد كان حلية على جيد المجتمع الجمهوري. كان روحا طليقا، أعيى جسده، حتى أفناه. كان ضد المكوث، وضد المكان، وضد القرار. كان كثيف الحضور، حتى في حالات غيابه. ألا رحم الله حامد جو، وبشير حريشة، بقدر ما قدما في حياتيهما القصيرتين العامرتين المثمرتين. لقد كانا فنانين مرهفين. قماشتهما وجه الأرض بما وسعت. ومادتهما، حيوات من عرفوا من الناس. أما فضاؤهما التشكيلي، فهو الجهات الأربع. ضاقا بالقيود، وبالقوالب، وبسجني الزمان والمكان، فعبرا إلى الضفة الأخرى من نهر الوجود. لقد كانا واصلين واردين غارفين من بحار المعنى، وأصيلين لم يعرف الزيف إلى نفسيهما الأبيتين سبيلا.

    الكويت - 1999




    http://www.sudaneseonline.com/a20.htm
                  

04-04-2008, 02:19 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عمر خيري :

    عاقل وحيد في خضم من المجانين
    النور حمد



    ((ن والقلم وما يسطرون* ما أنت بنعمة ربك بمجنون* وإن لك لأجرا غير ممنون* وإنك لعلى خلق عظيم))

    صدق الله العظيم

    كتب حسن موسى، في ورقته التي قدمها، أمام ندوة الثقافة والتنمية التي نظمها مركز الدراسات السودانية في القاهرة مؤخرا:



    ((فالحداثة في تعريفها الابتدائي، تتلخص في السعي الواعي الحتمي المتقدم نحو مجتمع الوفرة، والرفاه المادي، والروحي، لكل الناس، بدون فرز. وهو أمر ممكن اليوم، لو قبل القابضون على مفاتيح السلطة، والثروة إعادة توزيعها بالعدل بين الناس !!! وأصر على علامات التعجب، لآن هذه الفكرة البسيطة، فكرة العدل، صارت اليوم في زمن ما بعد الحداثة (بوست مدرنزم)، صارت فكرة تثير العجب في خواطر الجميع، المستبعَدين، والمستبعِدين معا! وربما كانت قيمة حداثتنا المرتجلة، من واقع المباصرة البراغماتية الآنية، تتلخص في قدرتها على الطعن في مبدأ الحداثة الغربية الإستبعادية، ونقدها، وتقويمها، بحيث تتأهل لاستيعابنا جميعا، شرقيين كنا أم غربيين، على شروط العدل، والحرية((.. انتهى نص حسن موسى



    وأريد أن أخرج بحديث حسن موسى الشيق، والمبصر في آن معا، من السياق الذي وضعه فيه، وهو سياق تقويم الحداثة الغربية الإستبعادية. إلى سياق آخر، مرتبط بالسياق الذي كتب فيه حسن موسى. ويتعلق بما أسماه الأستاذ محمود محمد طه، في أدبياته، بـ "عقل المعاش"، و"عقل المعاد". وذلك مبحث من المباحث البكر، الشيقة، التي طرقها الأستاذ محمود، وتحتاج إلى زورات. ليس هذا مجالها. المهم، سيطرة عقل المعاش، على الطور الراهن، من بني البشر، هو الذي جعل كبار فطاحلة، وجهابذة، وأحبار، ما بعد الحداثة، يستغربون، من فكرة العدل البسيطة، التي أشار إليها حسن موسى. وهي فكرة، تندرج في حيز البداهات الابتدائية. غير أن تكريس الرأسمالية للأنانية، وتشويهها للطبيعة البشرية، وما غرسته في خلق الله، من عدم المبالاة بمصائر الآخرين. إضافة على عدم القدرة، على رؤية الحقيقة البسيطة، المتمثلة في أن سعادتنا الشخصية، مرتبطة، شرطيا، لدى التحليل الحاذق، بسعادة الآخرين. كل هذه، وكثير غيرها، مما لا يتسع المجال لذكره، جعلت من فكرة العدل البسيطة، والبديهية، فكرة جد مستغربة، بل، ومخيفة، حتى لدى الأكثرية، المتعلمة، ممن يسعدهم أن يُحسبوا، ويُحشروا، في زمرة المستنيرين.



    وربما سأل سائل، ما علاقة هذا كله، بالتشكيلي الراحل، عمر خيري؟ والجواب هو، أن عمر خيري قام بنسف عقل معاشه، منذ زمان طويل، وأراح نفسه، مما يرهق به الناس، عادة، أنفسهم، وبلا طائل. جرى تأويل الأستاذ محمود، للآية: (( ويسألونك عن الجبال، قل ينسفها ربي نسفا)) أن الجبال، هي عقول المعاش. وقال الأستاذ محمود، أن عقل المعاش، عقل جبان، وخائف، وحريص. أما عقل المعاد فعلى عكسه تماما. المهم، في الأمر، أن تحقيق العدل ينتظر، ظهور نسل جديد من البشر. ولن تقوم بنسف عقول المعاش شركات مقاولات بالطبع. وإنما سينسف كل واحد منا، عقل معاشه، بنفسه. فنسف عقول المعاش، متنبأ به، ومبشر به، ولا مناص من حدوثه، في المستقبل. حينذاك، يدخل الناس عهد إنسانيتهم. وحينذاك، تصبح الاشتراكية، والمساواة الاجتماعية، أمرا بديهيا. ولربما عجب الناس حينئذ، كيف أن قرونا طويلة مضت، قبل أن يتوصلوا إلى تجسيد مثل تلك الحقيقة البسيطة. وهي أن العدل، مطلوب إنسانيا، وأنه ممكن التحقيق. ولن يتم على حساب أحد. فهو شرط، من شروط اكتمال إنسانيتنا. سيعجب الناس وقتها، كيف أنهم عجزوا من تجسيد تلك الحقيقة البسيطة، لقرون، وقرون، وهم الذين غزوا الفضاء، ونشروا "الإنترنت"، وقهروا الزمان، والمكان.



    الشاهد، أن عمر خيري، قام بنسف عقل معاشه، بنفسه. وكان بذلك، واحدا من رواد هذا الفن المستقبلي الرفيع. ونسفه لعقل معاشه، هو الذي فتح عالمه الداخلي، على تلكم الرحاب الفسيحة المدهشة، التي نراها في تصاويره. أخرج عمر خيري نفسه، من قبضة الزمان والمكان، فهما ليسا سوى بعض من تجسيدات، وإسقاطات عقل المعاش. وبذلك، تمكن عمر خيري، من أن يعيش، حرا، كريما، موفور الكرامة. مثل عمر خيرى، لا يُحزن لموته، ولا يُبكى على قبره. فهو قد عرف كيف يتصل بحقيقة الوجود الأصيلة الخفية ،الواحدة. تلك الحقيقة البسيطة الناصعة، التي جهلها كثير من أدعياء المعرفة. اطمأن عمر خيري إلى قلب الوجود الحي، النابض، وركن إليه، وسكن. وذلك ما جعل ريشته تسيل إبداعا، لا تأتأة فيه، ولا توقف، ولا فترات استجمام. وهذا هو الذي جعله، مستغنيا عن كل ما يزيد عن "قنينة حبر شيني، ولوحة أبلكاش، وسندوتش" كما تفضل عبد الله بولا بوصفه.



    لقد أنجز، عمر خيري، كل ما أراد إنجازه في هذا الحياة. ونحن عندما نحزن عليه، ونبكيه، إنما نبكي خيباتنا الشخصية، ليس إلا. الرسومات التي خلفها عمر خيري، تساوي من حيث الكمية، إنتاج مائة منا. أما من حيث النوع، فذاك شأن آخر. أنا شخصيا لا يسرح خيالي، ولا ترتفع ذبذبة روحي، أمام أي عمل فني، بمثل ما يحدث لي، وأنا أتأمل أعمال عمر خيري المدهشة. أعمال عمر خيري، تخاطب وعي المشاهد، بلغة بالغة القوة. هي تحملك إلى داخل تلافيفها المبهجة، قسرا. وعندي أن سر قوتها، يكمن في إمتاعها، وبساطتها. في لوحاته، النابضة، الموحية، يفرض عليك عمر خيري، عالمه، ورؤيته. فيخرجك من عالمك، ورؤيتك. ولا تملك، إلا أن تستسلم له. وهل يستبى النفوس مؤثرٌ، مثل متعة ثرة يغريك، ويغويك بها، خيال مجنح فسيح متصل، اتصالا عضويا، بمنابع الأنس والمسرة ؟ أما أصالة عمر خيري، فهي تتحدث عن نفسها. وأنا شخصيا، لم أعرف فنانا سودانيا واحدا، يضاهي عمر خيري أصالة في طرائقه، ومعالجاته.



    هل عاش عمر خيري زمنا كزمننا؟ أو هل ضمته أماكن، مثل التي تضمنا، وتحتوينا، وتقيدنا؟ لا أظن ذلك أبدا. لقد عاش عمر خيري عمرا، أطول من عمر نوح، إذا نحن حسبنا العمر بالكيفية التي يعاش بها، وليس بعدد السنوات. وما أظن أن عمر خيري كان سيهتم، لو تبنت أعماله كبريات متاحف العالم، وكبريات دور العرض فيه. خرج عمر خيري عن التأطير كلية، وتحرر تماما من القوالب التي تصيغ فيها، مثل تلك المؤسسات الربحية، طالبي الجاه عندها. ولسوف تصل أعمال عمر خيري إلى تلك المؤسسات، يوما ما، وسيلمع اسمه. غير أن ذلك كله، يبقى في نهاية الأمر، من الحطام الذي تخطته روح عمر خيري السامقة. "فالصقر يعلو وحده، وتلوذ بالسفح الرخم".



    قرأت ردود عمر خيري على الإستبيان الذي نشره حسن موسى، في جهنم العدد الماضي. جاء في الإستبيان في مجال المهنة، سؤال عن أي مهن أخرى شغلها؟ وملأ عمر خيري الخانة المعطاة لهذا السؤال بقوله: مستقبلا سوف أشغل مكانا قديما، التزم به ويلتزم بي عما قريب. وحين ملأ خانة السؤال، ما إذا كان قد تلقى تدريبا نظاميا في الرسم، وأين؟ أجاب بقوله: درست في كليات كثيرة، دراسات أكاديمية وافية. كما قمت بنفس الدور في التدريس العام. ثم ذكر من الكليات التي درس بها، كلية الملك جورج، بإنجلترا، واسكنككر، وقال، أن مناهج الكلية متشعبة، ومتقدمة بخلاف نظيراتها. المعروف أن عمر خيري، لم يخرج من السودان، ولم يدرس في كلية خارج السودان. غير أنني أصدق عمر خيري، في كل ما قاله. فمن قال، أن الأمور لا تتم، إلا بالطرق التي اعتدنا عليها؟



    لا فرق بين رسومات عمر خيري، وحديثه الذي كتبه في ذلك الإستبيان. وتلك واحدة، من علامات صدقه، وأصالته. يتحدث عمر خيري، بنفس الأسلوب الذي يرسم به، ويرسم بنفس الأسلوب الذي يتحدث به. كنت أزوره، مع حسن موسى ومحمود عمر بأستديو التلوين، الخاص بطلاب السنة الرابعة، بكلية الفنون بدعوات ملحاحة، كريمة، من الأخ، خلف الله عبود ـ وقد أشار حسن موسى، إلى تلك الزيارات، في عدد جهنم الماضي ـ لم أحظ بسماع عمر خيري يتحدث، إلا قليلا جدا، ولم يكن حديثه فيها كلها، موجها إلي، وإنما إلى طرف ثالث. لقد وقفت خلف ظهره، مرات كثيرة، أتفرج عليه، وهو يرسم عوالمه المدهشة، ولم يتسن لي شرف الحديث، إليه مباشرة أبدا. والحق أنني ما أحسست يوما واحدا، أنني بحاجة، إلى التحدث معه. ما كان يردني منه من خلال لوحاته، كان أكثر من كاف، لشفاء رغبتي الأكيدة، في التواصل معه.



    عمر خيري، من أعقل الناس الذين عرفتهم في حياتي. فهو قد عرف الدور الذي سيلعبه في هذا الحياة. عرف ذلك من وقت مبكر. وقد التزم ذلك الدور، أصرم ما يكون الالتزام. لم يسع إلى أي وظيفة حكومية، أو غير حكومية. ولم يمارس القلق الذي نمارسه، نطًا من مهنة لمهنة، ومن مكان لآخر. لم يغادر مدينتيه، الخرطوم، وأمدرمان، وعالمه الفسيح، الذي خلقه لنفسه فيهما، إلا وهو محمولا إلى القبر. ظل على التزامه، وعلى العهد الذي قطعه على نفسه. عاش راهبا في محراب فنه. لم يأخذ من الدنيا، سوى "زاد الراكب"، كما يقول المتصوفة. ومما يجدر ذكره في شأن عمر خيري، أنه، مع غزارة الإنتاج، والانغماس الدائم في وسط مواد الرسم، ومعداته، ظل على الدوام، نظيفا، أنيقا، حليقا، وكأنه موظف في بنك. عاش عمر خيري حياة، خصبة، طويلة، عريضة، عميقة. وظل مصدرا ثرا، يهب البهجة، والأنس للكثيرين. وما أغلى الأنس، في هذا الزمان الموحش. غرس عمر خيري راية الإبداع، ثم حرسها، متفيئًا ظلها، وظل على نسكه ذاك، حتى أخذ صاحب الوديعة وديعته. فسلام على عمر خيري في الخالدين.



    http://www.sudaneseonline.com/a19.htm
    _________________
                  

04-04-2008, 02:22 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    التقليد الشرعي والحداثة
    التاريخ: Tuesday, April 29
    الموضوع: دراسات وبحوث
    نظرة نقدية لطرح الدكتور، عبد الله علي إبراهيم:
    التقـليـد الشـرعي والحـداثة
    النور حمد
    نظرة نقدية لطرح الدكتور، عبد الله علي إبراهيم:
    التقـليـد الشـرعي والحـداثة
    النور حمد

    واضح أن الصديق، الدكتور، عبد الله علي إبراهيم، يطور، وبدأب شديد، طروحة في شأن علاقة الدين بالدولة، في السودان. وقد تبدو طروحته هذه، جديدة للبعض، بحكم المسعى النقدي الذي ينتظمها، وهو مسعى يستلهم تيارات ما بعد الحداثة. يحاول مسعى الدكتور عبدالله، النقدي، في مبحثه هذا، تلمس السمات الحداثية، في ممارسات مؤسسة تقليدية، هي مؤسسة القضاء الشرعي السودانية. وغاية المسعى فيما يبدو، هو شق طريق وسط بين مقاربات التيار الإسلاموي السوداني، الداعي إلى دولة دينية، والذي وصل إلى السلطة بالفعل، تحت هذه الراية، وبين تيارات العلمانيين التي تدعو للفصل القاسي بين الدين والدولة. وأول ما أبدأ به هو أن المنحى النقدي، للطروحة، ليس منحى جديدا، وإن استلهم نقد ما بعد الحداثة، الموجه ضد أفكار حقبة الحداثة. فطرح، الدكتور، مسبوق في الفضاء السوداني، بطرح، أكثر عمقا، وأكثر تماسكا، ورد في المقاربات المتعددة التي ضمتها أعمال الأستاذ محمود محمد طه، التي دعت للجمع المبصر، بين خير ما جاء في الفكر الوضعي، وخير ما جاء في الفكر الديني، وفق منظور ديني أصيل، خال من أية سمة، من سمات التوفيقية التعسفية، كما أسماها صادق جلال العظم. ومقاربات الأستاذ محمود، عمرها الآن، أكثر من نصف قرن! جاء في كتيب (السفر الأول) الذي أصدره الجزب الجمهوري، بزعامة الأستاذ محمود محمد طه، عام 1945، مايلي:

    ((إن الحزب الجمهوري لا يسعى إلى الإستقلال كغاية في ذاته، و إنما يطلبه لأنه وسيلة إلى الحرية.. وهي التي ستكفل للفرد الجو الحر الذي يساعده عل إظهار المواهب الكمينة في صدره و راسه. ويؤمن الحزب الجمهوري، إيماناً لا حد له، بالسودان.. و يعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح، وغذاء الفكر، إذا آمن به أبناؤه، فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة، و مقوماته، بالإهطاع نحو الغرب، ونحو المدنية الغربية، في غير روية، ولا تفكير.. ورأي هذا الحزب في المدنية الغربية، هو أنها محاولة إنسانية نحو الكمال.. وهي ككل عمل إنساني خطير، مزاج بين الهدى و الضلال.. وهي لهذا، جمة الخير، جمة الشر.. وشرها أكبر من خيرها.. وهي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها، و بريقها، و زيفها، عن مجال الخير فيها، ومظان الرشد منها.. ويرى هذا الحزب: أننا ما ينبغي أن نتقي هذه المدنية، بكل سبيل، كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق .. ولا ينبغي أن نروج لها، بكل سبيل، و نعتنقها، كما يريد بعض المفتونين، المتطرفين، من أبناء الشرق.. وإنما ينبغي أن نتدبرها، وأن ندرسها، وأن نتمثل الصالح منها.. هذه المدنية تضل و تخطئ، من حيث تنعدم فيها معايير القيم، وتنحط فيها إعتبارات الأفكار المجردة.. فليس شئ لديها ببالغ فتيلاً إذا لم يكن ذا نفع مادي، يخضع لنظام العدد، والرصد.. فهي مدنية مادية، صناعية، آلية، وقد أعلنت إفلاسها، وعجزها، عن إسعاد الإنسان، لأنها كفرت بالله، وبالإنسان.. ويعتقد الحزب الجمهوري أن الشرق، عامة، والسودان، خاصة، يمكنهما أن يضيفا عنصراً إلى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة إليه، و ذلك هو العنصر الروحي)).. انتهى.

    الشاهد أن الدعوة للجمع بين منجزات الحداثة، وجوهر دعوة الدين، أمر افترعه الأستاذ محمود، منذ ذلك الزمان المبكر. وليس أكبر همي هنا، أن أثبت للأستاذ محمود فضل السبق، في هذا المضمار الهام. فذلك أمر تثبته كتاباته المنشورة على الناس، منذ ذلك الزمان المبكر. ولكن أكبر همي هو، أن أنبه إلى الخلل الأكاديمي المتمثل في تجاهل الباحثين، لفكر الأستاذ محمود. وهو ما لمحته بالفعل في الخطوط العريضة لميحث الدكتور الفاضل، عبد الله علي إبراهيم، مما نشره على الناس مؤخرا. والنص الذي أثبته أعلاه، من كتيب (السفر الأول) للأستاذ محمود محمد طه، يمثل بعضا من كتابات الأستاذ محمود محمد طه، الباكرة. وقد حرصت على تثبيته لأدلل فقط، على سبق الأستاذ محمود غيره من المفكرين، في هذا المنحى. وإلا، فإن عمقا أكبر، وتأسيسا معرفيا، ودينيا، أعمق قد جاء لاحقا في كتاباته التي تلت، ومنها،(قل هذه سبيلي1952)، ثم كتابه (الإسلام، 1960)، ثم كتاب (رسالة الصلاة، 1966)، ثم كتاب، (الرسالة الثانية من الإسلام من الإسلام، 1967)، وما تلاهما في مطلع عقد السبعينات، مثل كتاب (تطوير شريعة الأحوال الشخصية، 1972)، و(الثورة الثقافية، 1972). وحقيقة الأمر، أن الأستاذ محمود، قد سبق تيار ما بعد الحداثة الغربي في توجيه نقد مبصر لأفكار حقبة الحداثة التي توزعت بين الفضاءين الغربيين: الليبرالي، والماركسي. ولي تحت الإعداد دراسة مقارنة، توثق لهذا السبق. وأرجو ان ترى النور قريبا.

    القفز على نقاط الخلاف الجوهرية:

    بدا لي أن طروحة الدكتور عبد الله، مشوبة بشيء من الغموض. وأنها، لا تفصح كثيرا، عن مقاصدها النهائية، بالقدر الذي ينتظره منها المهتمون. وقد شاركني هذا الرأي، اصدقاء آخرون، ممن يتابعون كل ما يصدر من قلم الدكتور. ورغم أنني من مشجعي المقاربات التي تحفر في مناطق المركب، من الجذور المشتركة، والتوجهات المشتركة، بين أهل البلد الواحد، من أجل تقريب وجهات النظر، وردم الهوات، غير الضرورية، غير أنني لا أستسيغ المقاربات التي، تقفز حول الخلافات الجوهرية، دون أن تمسح أرضيتها، مسحا وافيا، شافيا. وهذا هو ما قادني، إلى مناقشة طروحة الدكتور الفاضل عبد الله علي إبراهيم، وامتحانها، وفق هذا المنظور. أعني، منظور المسح الوافي لأرضية الخلاف، حول مسألة التجديد في الفكر الإسلامي، والقانون الإسلامي. وأظنني لمحت في طروحة الدكتور، تغافلا عن بعض الحقائق المهمة. فالدكتور، يستخدم شواهد التاريخ، القريب، وما تشير به إليه حركة الواقع المتحول، وما تسمح به هذه الحركة، من استنباط للدلالات. وأعنى هنا، تحديدا، منشورات القضاء الشرعي، التي ربما رآها الدكتور الفاضل، متجهة نحو التوسيع لحريات النساء. غير أن تلك الشواهد، ليست من الجوهرية، بحيث يمكننا أن نقول، أنها كانت سائرة لبلوغ غايتها، في تمام التحرير. وفي تقديري، أن المساحات التي أتاحها للنساء، هنا، وهناك، ما أسماه الدكتور بـ ((التقليد الشرعي)) قد جاءت عرضا. ولا أعتقد أنها جاءت نتيجة لبنية مفهومية، متماسكة، وخطة، ومنهجية واضحة. وهذا هو ما عرضها للإنتكاس، كما لاحظ الدكتور نفسه. وسوف أقف عند ذلك لاحقا.

    إرتكز فكر الحداثة، بشكل رئيس، على فيزياء نيوتن، وعلى الفلسفة الوضعية لإيمانويل كانط، وما تفرع من كل أولئك، لاحقا من تيارات دعمت التوجهات العلمانية، البراغماتية. غير أن فكر الحداثة، الذي ظل يحرك السياسة الدولية، منذ فجر الثورة الصناعية، قد انشطر على نفسه، في القرن التاسع عشر، بظهور الدارونية، وصنوها المصاقب لها، الفكر الماركسي، اللينيني. وما لبث أن انقسم العالم، جراء ذلك، إلى معسكرين، إثنين. ثم، ما أن جنحت شمس القرن الماضي، نحو الغروب، حتى انهارت التجربة الشيوعية، برمتها، وعادت الأمور، مرة ثانية، إلى أصولها التي انطلقت منها أبتداء. ولكن في ثوب جديد، جعل أكثرية أهل الكوكب، يقفون، إزاء الصورة الجديدة، الأكثر تركيبا، وتعقيدا، موقفا سمته الرئيسة، الحيرة.

    تيارات الفكر الحداثي، وذراعها القوية المتمثلة في المد الرأسمالي، أعطت ثقافة أوربا، عبر القرون الأربعة المنصرمة، موضع المركز، في ثقافة العالم. وموضع المركز، هذا، أخذته أوروبا، من بقية العالم، عنوة، وبحد السلاح. ولكن لابد أن نشير هنا، إلى أن الثقافات الأخرى، قد إزورت بدورها، هي الأخرى، حين أصابها الإنبهار بانجازات الغرب، الباهرة، مما جعلها، تقبل، ولو مؤقتا، مكانة الدونية، والهامشية.

    وصمت المركزية الأوربية، المزهوة بانجازات النهضة العلمية، والتقنية، ثقافات القارات الأخرى بالتخلف، دافعة إياها، صوب الهامش، وصوب رفوف المتحفيات الإثنوغرافية. ومن تلك المركزية الأوربية، انطلقت، في البدء، ألة الرأسمال، لتملك معظم أجزاء العالم، بقوة السلاح الناري. وقد حدث ذلك، في فترة وجيزة جدا. ومن ثم بدأ الغرب عمله في إلحاق الثقافات المحلية، بالمركزية الأوربية. وقد أحدثت الهجمة الإستعمارية في القرن التاسع عشر، تحولات سريعة. تغيرت بها أنماط الإقتصاد، في بقاع كثيرة من الكوكب. وحدثت، أيضا، الكثير من التحولات الإجتماعية. كما شاعت أنماط التعليم الغربية في كل مجتمعات العالم تقريبا. وأنتشرت لغات المركز، الأوربي، في بقاع العالم المختلفة. ومعلوم أن اللغة حين تنتقل، تنقل معها أيضا الكثير من السمات الذهنية، لموطنها الأم، الذي وفدت منه. وبناء عليه، حدث رواج كبير، من الناحيتين النظرية، والعملية، للنظرة الغربية للكون، وللحياة. وكانت النتيجة أن اهتزت كثير من المورثات، وأنتج ذلك علاقات جيوسياسية، جديدة، شديدة التركيب، شديدة التعقيد. والحالة السودانية الراهنة، التي يعمل فيها الدكتور مبضع نقده، الآن، واحدة من حالات متعددة. ولكن الدكتور عبدالله، لم يعط مقاربات الأستاذ محمود وهي تعالج، كل ما تقدم، ما تستحقه، من نظر، ومن نقد. فهو قد أكتفى في شأنها، بقليل من الإشارات السالبة المبتسرة. وهذه سمة اتسم بها الأكادميون العرب، حين يعالجون الأفكار الدينية المثيرة للجدل.

    التجاهل الأكاديمي لفكر الأستاذ محمود محمد طه!

    في المقدمة التي تشرفت بكتابتها، مع الأستاذة أسماء محمود محمد طه، لكتاب (نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد، محمود محمد طه) والتي صدرت طبعته الأولى، العام الماضي عن المركز الثقافي العربي ببيروت، ودار قرطاس بالكويت، نعينا على الأكاديميا العربية، تجاهلها لفكر الأستاذ محمود محمد طه، وهو فكر منشور منذ أكثر من نصف قرن. وأشرنا إلى أنها أكاديميا، مدجنة، ومسيسة دينيا، وليست مطلقة الصراح، فيما يتعلق بحرية البحث العلمي، خاصة ما يتعلق بمسألة التجديد الديني. والأكاديميا التي لا تلزم نفسها بالحياد العلمي الصارم، والأمانة العلمية، أكاديميا لا تستحق إسمها. أقول هذا، وفي ذهني الإشارات المبتسرة التي وردت عن الدكتور، لفكر الأستاذ محمود في مبحثه هذا. وهي إشارات لم تخل، على ابتسارها الشديد، من نغمة سلبية. كتب الدكتور في عرض طروحته، هذه الفقرة.

    ((إن زمان القبول «الفطري» بالثنائية المتباغضة للحداثة والتقليد قد شارف نهايته. فهذه الثنائية الآن قيد النظر الدقيق والمراجعة. فقد تأسف نقاد حديثون كيف لم يطل النقد والتمحيص إنتاج هذين المفهومين واستثمارنا المعرفي فيهما. فأنت تجد مثلاً من يبرر تجاهل الشريعة في بلورة القوانين الاستعمارية، الموصوفة بالحداثة، بأنها «متخلفة» من حيث سُلم العصرنة. ويتغاضى مثل هذا التبرير الحداثي عن حزازات المستعمرين وشوكتهم اللتين كانتا لهما القدح المعلى في تبخيس الشريعة وازدرائها كمصدر محتمل للقانون الاستعماري الحداثي)).. انتهى.

    فما أسماه الدكتور عبد الله، ((الثنائية المتباغضة للحداثة والتقليد)) واقع حقيقي، وسببها لا ينصب حصريا، في موقف العلمانيين، حين تمسكوا بفكر الحداثة الأوروبية، وتنصلوا عن تراثهم المعرفي، والثقافي. وإنما سببه أيضا، ضيق تلك الشريعة، نفسها، عن استيعاب طاقة الواقع الحداثي. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يقف جمود المؤسسة الدينية الإسلامية السلفية، وتخندقها في خندق القديم، والإصرار عليه، رغم مجافاته لمنطق العقل الحديث. فـالقول بأن الشريعة الموروثة، منذ القرن السابع، ((متخلفة)) بإزاء المشكلات المستجدة، ليس قولا منكرا، كما يشتم من رأي الدكتور. فهو قول لا يقال، حين يقال، خاصة من جانب الجمهوريين، بغرض إزدرائها والزراية بها. وإنما لتقرير حقيقة بسيطة، غاية البساطة! وهي أن كثيرا من صور الشريعة السلفية لم تعد صالحة، فعلا. والجمهوريون حين قالوا بذلك القول، قالوه من منطلق فهمهم أن في القرآن مستوى آخر، أكبر من الشريعة، وهو ما أشار إليه الأستاذ محمود بضرورة التفريق، بين ((الأصول))، و((الفروع))، وبين، ((الشريعة))، و((الدين))، وبين ((الشريعة)) و((السنة)).

    وبالطبع، فإن هذا لا ينفي أن بعض العلمانيين حين قالوا بـ ((تخلف)) الشريعة، إنما قالوه، للزراية بها. وهي زراية تفرعت من الزراية بالدين، من حيث هو. غير أنني أحب، أن أقرر، ما قرره الأستاذ محمود محمد طه، من قبل، ومن دون أدنى مورابة، أن كثيرا من صور الشريعة الإسلامية التي بين أيدينا، مما جرى تشريعها لمجتمعات القرن السابع الميلادي، وما تلاها، لاتصلح للتطبيق اليوم. وأخص بالذكر، شريعة الأحوال الشخصية، التي بين أيدينا الآن. ولسوف لن ينفتح لنا طريق إلى نهضة حقيقية، إلا إذا امتلكنا الشجاعة الكافية، لنقرر ما أثبته الواقع العملي، من قصور بعض صور الشريعة الإسلامية. ومثل هذا التقرير، مهم، غاية الأهمية. فبغيره، لا يمكن لنا، أن نمضي في سبيلنا إلى أصول القرآن، لنشرع منها، لمجتمعاتنا المعاصرة، وفق ما يناسب طاقتها، ويناسب حاجتها.

    الشاهد أن الشريعة القائمة على فروع القرآن ـ كما يسميها الأستاذ محمود محمد طه ـ لايجدي معها الترقيع الذي يدعو له الدكتور عبد الله، في معنى ما أشار إليه من أن له ثقة في ((تدريب))، و((ذوق)) القضاة الشرعيين. والسبب هو أن تلك الشريعة قد قامت على نصوص محكمة، لا مجال للإجتهاد معها. وهي نصوص لم تكفل الحقوق الدستورية، كما نفهمها اليوم، وهو أمر اقتضته ضرورات الواقع، وقتها. وقد شمل عدم كفلها للحقوق الدستورية، كلا من الرجال والنساء. وإن كان عدم كفالتها للحقوق الدستورية، لجنس النساء، قد كان أكبر، من عدم كفلها للرجال، وذلك بسبب حكم الوقت الماضي. وقد وردت الإشارات، والعبارات باستفاضة، فيما كتبه الأستاذ محمود، في تبيين أن ما حصل عليه الرجال، والنساء، من شريعة القرن السابع الميلادي، قد كان كبيرا، وبما لايقاس، مقارنا بما كان عليه حالهم، في حقبة ما قبل الإسلام .

    ولكي نضع الموضوع في إطاره التشريعي، لابد أن نشير إلى أن نصوص الشريعة الموروثة، تقول بجهاد الكافر، حتى يسلم: يقول تعالى: ((فإذا انسخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، وأحصروهم، وأقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا، واقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم)). ومن ذلك جاء حديث النبي الكريم الذي يقول فيه: ((أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا ألا لا إله إلا الله، وان محمد رسول الله)). ومن تلك جاء حكم الردة: ((من بدل دينه فأقتلوه)). ومنها جاء قتل تارك الصلاة أيضا. كما أن نصوص الشريعة المحكمة تقول بقتال أهل الذمة، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون. قال تعالى: ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية، عن يد، وهم صاغرون)). وقد فسر ابن كثير لفظة ((صاغرون)) بـ ((ذليلون حقيرون)). وجاء في الحديث النبوي: ((إذا لقيتم اليهود والنصارى، فلا تبدأوهم بالسلام، وأضطروهم إلى أضيق الطريق)). وليراجع الدكتور الفاضل عهد سيدنا عمر بن الخطاب لآل إيليا، عقب فتح بيت المقدس، وما جاء فيه من شروط مهينة، بلغت حد إلزامهم بجز النواصي. الشاهد أن الشريعة الموروثة، منذ القرن السابع غير قابلة للترقيع. وهذا هو ما أنفق الأستاذ محمود محمد طه، عمره كله في توضيحه.

    أما في جانب حقوق المرأة، فلا أدري ماذا كان في وسع ((التقليد الشرعي)) الذي يتحدث عنه الدكتور أن يفعل. وإلى أي مدى سوف يصل ((التقليد الشرعي)) في محاولاته تلك للترقيع؟ فالنص المحكم يقول: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان، ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى))؟ فعلى أي شيء أستند الفقهاء، الذين جعلوا المرأة قاضية، في حين أن الشريعة الموروثة منذ القرن السابع الميلادي، لا تعطيها حتى حق الشهادة بمفردها. وأنا لا اعتراض لدي أن تعطى المرأة حق أن تكون قاضية، ولكن إعطاءها ذلك الحق بالخروج على نص محكم، يجعل ذلك الحق عرضة للنقض في أي وقت. لأن تأسيسه تجاهل سلطة النص، منذ البداية. ولقد تفضل الدكتور الفاضل نفسه، بأن قال، إن الإنقاذ رجعت بحقوق المرأة إلى الوراء. والسبب هو أن منحها حق القضاء لم يتم على تأسيس ديني، واضح، وإنما تم بخروج، غير منهجي، على سلطة النص. والذين جاءوا، من أهل الإنقاذ، ورجعوا بمكتسبات المرأة السودانية، الوراء، في مسار أشبه بمسار طالبان، إنما فعلوا ذلك مسنودين بسلطة النصوص القواطع، وبتجربة التطبيق الإسلامي، في الماضي!

    ولابد من الشارة هنا، إلى أن الفضاء الإسلامي، فضاء واسع. فحين رأى فقهاء الشرع في السودان، جعل المرأة قاضية، رفض فقهاء دول الجوار، حتى إعطاءها حق التقدم لنيل رخصة قيادة سيارة! كما منعوا اختلاطها بالرجال في الحياة العامة، والأماكن العامة، ومنعوه حتى في مدرجات الجامعات. كما رفضوا لها السفر بمفردها، وضربوا عليها العباءة والبرقع. وحصروا عملها في أضيق نطاق ممكن، وفي مهن محددة جدا. وما من شك أن من يرفضون الإفساح للمرأة في بساط الحياة الحديثة، ليسوا قوما يتجنون بغير حق، وإنما هم فقهاء يستندون على النصوص القاطعة، وهم أيضا، تسندهم معرفة راسخة بأحكام الشرع، كما كان عليه الحال، في صدر الإسلام، وما تلا من قرون. ولذلك فمثل هؤلاء، لن يروا فيما قام به القضاء الشرعي السوداني، حين أجاز قضاء المرأة، إلا خروجا على نصوص الشرع. وسيكون عملهم، من ثم، مراجعة أهل السودان، حتى يفيئوا إلى أمر الله، وينزلوا عند أحكام شرعه!

    مأزق قيد النص من محمد عبده إلى الدكتور الترابي:

    نعود إلى أصل الحداثة الإسلامية، الذي تكرم الدكتور عبدالله، بنسبته إلى الشيخ، محمد عبده، لنقارنه بمنهج الأستاذ محمود محمد طه، للبعث الإسلامي. فمحمد عبده شأنه شأن غيره، من رواد النهضة الدينية الحديثة، مثل جمال الدين الأفغاني، ورشيد رضا، وسيد أحمد خان، وغيرهم. والسمة الأساسية التي تجمع بين كل هؤلاء، هي الإلتفاف حول سلطة النصوص الصريحة. فهم لم يروا الرؤية التي رآها الأستاذ محمود، وهي الإنتقال من نص فرعي خدم غرضه، حتى استنفده، إلى نص أصلي، ظل مدخرا، حتى يحين وقته، وقد حان وقته. وقد سلك الدكتور الترابي مسلك رواد النهضة، هذا، في التوفيق بين ما طرحه الواقع الحداثي، وبين أحكام الإسلام، دون الإشارة، إلى الكيفية المنهجية، لتخطي، عقبة النص المحكم. وهذا هو عين ما جعل الدكتور الترابي، عرضة للتكفير، من جانب بعض غلاة النصوصيين. والدكتور عبد الله، لا يفعل الآن شيئا مغايرا لما قام به الدكتور حسن الترابي. فهو الآخر، يتحاشى مواجهة النصوص. وأحب أن ألفت نظر الدكتور الفاضل، وهو كثيرا ما جنح للتشنيع بالعلمانيين، أنه، نفسه، ينحو منحى علمانيا، حين يتجنب كليا، إيراد النصوص. وهذا ما أشتهر به الدكتور حسن الترابي، في مقارباته الكتابية، وأحاديثه الخطابية.

    قيد الإجتهاد في إطار الشريعة:

    مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أن الفقه الذي تبع تشريع الرسالة الأولى ((رسالة الفروع)) قد قام أساسا على أن الإجتهاد لا يكون، إلا فيما ليس فيه نص. وفكرة الإجتهاد نفسها، يحكمها نص الحديث النبوي، لسيدنا معاذ بن جبل، حين سأله النبي صلى الله عليه وسلم، بم يحكم الناس، وقد كان معاذ في طريقه، لولاية المسلمين في اليمن. فقال معاذ: (( أحكم بكتاب الله)). فقال له النبي الكريم: ((فإن لم تجد؟)). فقال معاذ: ((فبسنة رسول الله)). فقال له النبي الكريم: ((فإن لم تجد؟)). فقال معاذ: ((أعمل رأيي ولا آلو)). فقال النبي الكريم: ((الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله، إلى ما يرضي الله، ورسوله)). ولذلك فكل الفقه الإسلامي، إنما قام على هذا الحديث، وهو أن الإجتهاد مسموح به فقط، حين لا يكون هناك نص من الكتاب، أو السنة. ولاحق لأحد، أبدا، في الإجتهاد حين يكون هناك نص قطعي الدلالة. وهذا هو ما جعل دولا أسلامية، بعينها، لا تعطي المرأة حقوقها، إستنادا على نصوص الشريعة، القطعية الدلالة. ولذلك فإن أفكار طالبان، على مجافاتها الشنيعة لقيم الحداثة، تجد أصداء واسعة، عند ملايين المسلمين، في أرجاء المعمورة. وحين همت جماعة طالبان بتحطيم تمثال بوذا، فعلوا ذلك، وهم مستندين على نصوص شرعية، معروفة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صور صورة يعذبه الله حتى ينفخ فيها الروح، وما هو بنافخ فيها أبدا)). وكقوله لعائشة: ((يا عائشة، أتدرين من أشد الناس عذابا يوم القيامة؟)) قالت: ((الله ورسوله أعلم)). قال: ((المصورون)). وقد أرسلت كل من السعودية، وقطر، ودول خليجية أخرى، فيما أوردته أجهزة الإعلام، وفودا من العلماء، بناء على طلب تقدمت به جهات أجنبية كانت مشفقة على مصير التماثيل. وطلبوا من تلك الوفود مناقشة جماعة طالبان، لإثنائهم عما انتووا فعله بالتماثيل. ولكن فقهاء طالبان النصوصيين، حجوهم بنصوص، الشريعة، القواطع، وبالتطبيق العملي مما قام به النبي الكريم، من تكسير للأصنام. وعاد العلماء المبعوثون، يجرجرون أذيال الخيبة، وتم تدمير التماثيل.

    الشاهد هو: حين يوجد النص، لا يستمع أحد لفقيه، مهما كان شأنه، دع عنك أي فرد آخر. والمخرج الذكي، والأكثر عملية، وفعالية، من هذا المأزق التاريخي، هو ما جاء به الأستاذ محمود، حين دعا إلى الإنتقال من نصوص القرآن المدني، إلى نصوص القرآن المكي. فالحقوق الأساسية لا وجود لها في أحكام الشريعة، وإنما هي موجودة فقط، في أصول القرآن. وحين نبعث أصول القرآن نكون قد بنينا النقلة على سند نصي، يباعد بين الحقوق الأساسية، وكفالة الحريات العامة، وبين التشكك في دينيتها، وإلهيتها، ووصمها بالعلمانية. وهذه نقطة جوهرية يتغافل عنها المترددون في الأخذ بمنهج الأستاذ محمود محمد طه.

    بين مرجعية النص ومرجعية رأي الفرد:

    عُرف عن الدكتور حسن الترابي أنه يجتهد، لكي يجعل الشريعة قادرة على استيعاب طاقات الحياة الحديثة، ومستجيبة لحاجاتها. وهو يفعل ذلك لكي يُكسب ما يقوم به على الصعيد السياسي، صفة (الدينية). فهي الصفة التي راهن عليها منذ أن بدأ العمل السياسي. وكذلك، حتى لا يُتهم بالتنكر للشعارات التي جمع الناس حولها، منذ الستينات. غير أن الدكتور الترابي، يفعل ذلك بتغافل تام، لنصوص الشريعة. وهو يفعل ذلك، مثله مثل كثيرين غيره، ممن ينتهجون منهج التجديد، المتجاهل لسلطة النص. وهذا المنهج، يُظهر الدكتور الترابي، أراد أم أبى، كمن يقول للناس: أنا مرجعية، دينية، ومن حقي أن آتي من الأحكام، بما يخالف نصوص الشريعة، وأن على الناس أن يأخذوا ما أقول به، حتى وإن خالف ظاهر النص، ما دام ما أقول به، يحل إشكالية تناقض نصوص الشريعة مع بنية الواقع المعاصر. ولذلك فقد كتب الترابي في تشجيع ممارسة الفنون، من رسم، وتلوين، وتصوير، ونحت، ورقص، وغيرها، مما لم تشجع عليه الشريعة، أصلا. وتجاهل في ذلك، سلطة النصوص، كما تجاهل، في نفس الوقت، منهج الأستاذ محمود محمد طه، الذي سبقه إلى مسالة التجديد، بسنوات عديدة. تجاهل الترابي طرح الأستاذ محمود، ومنهجه، وكأنهما لم يكونا أصلا! ولكن أنظر إلى أين انتهى الأمر بالترابي. فها هو قد أُخرج من الساحة كليا! أعني، ساحة التجديد الديني، وساحة الفعل السياسي الذي يستمد شرعيته من مرتكزات دينية. وكما هو واضح، فإن الذين أخرجوا الترابي، من اللعبة، لم يكونوا خصومه، وما أكثرهم. وإنما أخرجه من اللعبة، أقرب تلاميذه إليه!! ورجعت كل اجتهادات الترابي، إلى نقطة الصفر، مرة أخرى. والسبب هو تجاهل سلطة النص. بل ذهب تلاميذ الترابي في شأن شيخهم، مذهبا بعيدا، فقالوا، بأنه سوف يتسبب في فتنة، إن هم أطلقوا سراحه!! الشاهد هنا، أن أي اجتهاد يتغافل مواجهة النصوص، ويتجاهل ضرورة تأسيس قيم الحداثة، على سلطة النص المقدس، اجتهاد مقضي عليه بالردة، وبالسقوط كرة أخرى، في بئر السلف العميقة.

    أنا لآ أريد أن أقول أنه لا يمكن أبدا الإجتهاد إلا على الدرب الذي طرقه الأستاذ محمود ـ رغم أن ذلك قول صحيح، في تقديري الشخصي ـ ولكن دعني أقول، إن مخرج الأستاذ محمود يمثل أكثر المخارج تماسكا، من سلطة النص المحكم منذ القرن السابع. فمخرجه بالخروج من النص الفرعي، لتحكيم النص الأصلي يتيح ، دون غيره، لمن يريد الإجتهاد، أن ينتقل من سلطة نص مقدس، إلى سلطة نص مقدس آخر، لا إلى سلطة فرد. وقد عالج سمات التماسك في منهج الأستاذ محمود، في مسألة تطوير التشريع، الكاتب عبد الله بولا، معالجة، اتسمت بالإدراك العميق، وبالرصانة المنهجية، وذلك في العدد الرابع من مجلة "رواق عربي"، فليراجع في موضعه.

    ما يفعله الرافضون لمنهج الأستاذ محمود، هو أنهم ينقلون السلطة، النابعة من النص المقدس، إلى مرجعية، هي ليست أكثر من أرائهم الشخصية، كمجتهدين أعطوا أنفسهم حق الإجتهاد ضد سلطة النص المقدس. غير أن الواقع يقول، إن سلطة النص المقدس، على سواد الناس، أكبر من أي سلطة أخرى. وفي تقديري الشخصي، أن المسلمين سوف يشرقون، ويغربون، ولكنهم لن يجدوا، في نهاية المطاف، مخرجا، أسلس، وأضبط، وأشمل، وأكثر حبلا بالوعود الإنسانية، من المخرج الذي رسمه الأستاذ محمود محمد طه. وما أكثر ما سمعت الأستاذ محمود يتمثل أبيات إبن الفارض، حين تبلغه أنباء الاعتراضات على فكره، فيردد قائلا:

    وعن مذهبي، لما استحبوا العمى على الهدي، حسـدا من عند أنفسهم، ضـلُّوا
    فهم في السـُّرى، لم يبرحوا من مكانهم، وما ظعنوا في السـير عنه، وقد كَلُّوا

    ودعونا، على ضوء ما شرحنا أعلاه، نقرأ ما كتبه الدكتور عبد الله، في تقدمة طروحته:

    ((أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان أرد الشريعة الي مطلبها الحق أن تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين. ولست أرى في مطلبها هذا بأساً او ظلماً لغير المسلمين. فهي عندي مما يسع التشريع الوطني العام ويهش له متى خلا دعاتها من نازعة "الوطنية الاسلامية" وبذلوا سماحتها للوطن لايفرقون بين أهله متوسلين الى ذلك بحرفة القانون عارضين اجتهادهم من خلال مؤسسات التشريع بالدولة. ولست ادعي علماً فيما يجد غير انني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وماتلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. وهي ما اسميه "التقليد الشرعي السوداني، (1898-1983).)) ..انتهى.

    فالجمهوريون لا اعتراض لديهم في أن تكون قيم الدين، ملهما للقوانين، ما دامت تلك القوانين دستورية، ولا تفرق بين الناس على اساس الدين، أو اللون، أو الأصل العرقي، أو الجنس (رجل وإمرأة) وهو ما يسمى هذه الأيام، بـ (الجندر). غير أن الدكتور عبد الله، بحاجة إلى أن يفصح عما يعني حين يقول: ((أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان أرد الشريعة الي مطلبها الحق أن تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين)). فقد قال نفس هذا الحديث أناس كثيرون قبله، ولم يجئينا من ذلك في السابق، غير التكفير، والقتل، والإستتابة، والجلد، وقطع أطراف المعوزين، من البسطاء الذين قذف بهم الهامش المهمل، إلى قلب مدينة أخطبوطية لا رحمة فيها! فما الجديد، فيما يقول به الدكتور، وماهي تفاصيله، وما هي أسانيده؟

    أما قوله الدكتور: ((... أنني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وماتلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. وهي ما أسميه "التقليد الشرعي السوداني"))، يظل قولا لا يخلو من تفكير بالرغبات، ومن شيء من الرومانسية الدينية. فما هو سند الدكتور على ((ذوق)) القضاة الشرعيين، و((حسن تدريبهم)) مما رأيناه في تاريخنا القريب على أرض الواقع؟ ؟ فهل سمع الدكتور عبد الله، أن القضاة الشرعيين، قد وقفوا، مثلا، ضد قوانين سبتمبر؟ وهل سمع أنهم وقفوا، ضد الحكم على الأستاذ محمود محمد طه بالردة، والذي أصدرته ـ وللمفارقة ـ المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم عام 1968؟ فعن أي ((حسن تدريب))، وعن أي ((ذوق)) يتحدث الدكتور؟ ثم هل سمع الدكتور استنكارا، منسوبا للقضاة الشرعيين، لمأساة إعدام الأستاذ محمود محمد طه، عام 1985. وهل في وسع الدكتور أن يرينا موقفا واحدا، بارزا، للقضاة الشرعيين، ضد سلطة الإنقاذ الحالية، وكل صور التخبط، وطل التجاوزات التي روعت بها أهل السودان.

    لم يشر الدكتور عبد الله، في طروحته، إلى الفكر الجمهوري ـ صاحب أكبر اسهام في قضية تطوير التشريع، ورسم صورة الدولة الإسلامية المستقبلية ـ إلا بصورة مبتسرة. وهو حين أشار إليه، إنما أشار لكي ينحي عليه باللائمة، فيما نشب من صراع بين الجمهوريين، وبين القضاة الشرعيين، وسائر الجهات السلفية، عبر عقود، الستينات، والسبعينات، والثمانينات، من القرن الماضي. ولنأتي فيما يلي، لنفحص هذه التهمة، ونرى إن كان هناك ما يؤيدها فعلا، من الوقائع التاريخية، لتاريخ لا يزال من عايشوا أحداثه المؤسفة، أحياء يرزقون.

    كتب الدكتور الفاضل:

    ((ومن جهة أخرى تحاشى الفكر الجمهوري هذا التقليد الشرعي مع أن أصلهما واحد وهو الحداثة الاسلامية التي ركنها وحجتها الامام محمد عبده. وزاد الفكر الجمهوري في جفائه لهذا التقليد الشرعي بجعله هدفاً لحملات نقد وتنقيص. وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة و الوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو اساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية. فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن. ويكفي أن تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبدالرحمن المهدي لكي تتشكك في صواب هذه الذائعة عن أولئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه، عليه الرحمة، في 1968 إسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة وأطوارها وبمنطويات النفوس.)) .. انتهى.

    النص أعلاه، مما قاله الدكتور عبدالله، لا يخلو من نبرة تحامل على الأستاذ محمود والجمهوريين. ورغم أن الدكتور قد قال: (وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة والوعاظ في المساجد من أذى وترويع)، إلا أنه، رغم ذلك، مال أكثر إلى الإنحاء باللائمة، جهة الجمهوريين. وأرجع الدكتور جذور تلك الخصومة، إلى أيام الحركة الوطنية، قائلا: ((فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والأعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن)). وعبارة، ((من ظنوا في أنفسهم مجاهدة الإستعمار من أمثال المرحوم محمود)) عبارة مشحونة. ومن يقرأها، يشتم فيها غمزا، من طرف خفي. فالأستاذ محمود لم يظن بنفسه، مجرد ظن، وإنما كان بالفعل، مجاهدا حقيقيا من أجل الإستقلال. بل، هو أول سجين سياسي، في حقبة مناهضة الإستعمار الإنجليزي. ولا يغير في ذلك شيئا، كون أن كتب التاريخ السودانية، التي بين أيدينا، الآن، لم تشر إلى ذلك، إلا لواذا. فالتاريخ، على كل حال، سجل تتم مراجعته، وإعادة كتابته، كل يوم. جاء في صحيفة (الرأي العام) عدد يوم 3/6/ 1946، ما يلي:

    مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس امس امام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام، لايشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات. أو يودع السجن لمدة سنة اذا رفض ذلك..

    والذي حدث فعلا، ان الأستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن. وقد اقتيد من مكانه ذاك الى سجن كوبر. ولا اعتراض لدي، أن يقوم بخلد الدكتور، عبدالله، أن النضال عن طريق تبادل المنشورات مع الإنجليز، ربما كان السبيل الأفضل للسودانيين، لنيل استقلالهم. وهذه نقطة يمكن أن تكون محل جدل، وتظل المقاربات فيها، متجددة، ومتغيرة، كل يوم. وعموما فإن رجحان أي من الإتجاهين، لا يكون بغير النظر، في النتائج العملية، التي تمخض عنها إستقلالنا. وهي نتائج بلغت بنا حد المآسي الكبرى. فقد انتهى بنا استقلالنا إلى فقر منقطع النظير، وإلى ريف خاو على عروشه، هجره أهلوه، وإلى عاصمة تضخمت حتى صارت كابوسا مزعجا. ثم إلى هجرة مأساوية، إلأى خارج البلاد، قوامها العلماء، والمهنيون، استهدفت كل أركان الأرض. ثم ها هو قطرنا، لا يميزه، ولا يصفه وصف، مثل كونه يسقط كل يوم في مستنقعات العزلة المعرفية، والوجدانية، عن بقية العالم، حتى غدا لا يمت إلى البنية الكوكبية المتشكلة الآن، إلا بأوهى الصلات.

    في تقديري، أن المتعلمين الأوائل، لم يكونوا بالوعي السياسي الكافي، لإدارة شأن خطير، كشأن الإستقلال. كما لم يكونو، أيضا،ا بالقامة الأخلاقية التي تمكنهم من رؤية المخاطر، حين تهافتهوا على الولاء لزعماء الطوائف. فهم قد عجزوا عن مغالبة بريق المناصب، ودعة الكراسي الإنجليزية التي كانت على وشك أن تشغر، وقتها. ودعنا فقط، نقارن استقلالنا باستقلال الهند، وتطورنا الديمقراطي، بتطور وثبات ديمقراطية الهند. وهي قد سبقتنا إلى الإستقلال، بسنوات قليلة جدا. ويقيني، لو أن مثقفينا الأوائل، كانوا على شاكلة الأستاذ محمود، وما قدمه طيلة حياته، من نموذج خلقي نادر للقيادة، الفكرية، والسياسية، لربما أخذ مسار الأحداث لحقبة ما بعد الإستقلال منحى أفضل! قال الأستاذ محمود، في التنبيه إلى ضرورة التركيز على معنى الإستقلال آنذاك: ((فقد يخرج الانجليز غدا، ثم لانجد أنفسنا أحرارا، ولا مستقلين، وانما متخبطين في فوضى مالها من قرار)). وكان يقول إن الاستقلال ليس: ((استبدال الانجليز بانجليز في أسلاخ سودانيين))..

    فحين اتجه الأستاذ محمود، إلى مواجهة الإنجليز، عن طريق تحريك الشارع، فعل ذلك لأنه لم يستسغ ما شرع فيه المؤتمر من تبادل للمذكرات، مع الإدارة الإنجليزية. وهناك أدب كثير، مثبت، في هذه المسألة. ومن ذلك الأدب، ما جاء في كتيب السفر الأول الذي أخرجه الجمهوريون، عام1945 ، حين كتب الأستاذ محمود:

    ((وإنعدام الذهن المفكر تفكيراً حراً دقيقاً هو الذي طوع للمؤتمر يوم ولدت فيه الحركة السياسية ـ وهي قد ولدت ميته ـ أن يعتقد أن كتابة مذكرة للحكومة تكفي لكسب الحرية، حتى لكأن الحرية بضاعة تطلب من الخارج، ويُعلن بها الزبائن بعد وصولها، حتى تكون مفاجأة، ودهشة.. ولو أن جميع الأحزاب القائمة الآن إستطاعت أن تفكر تفكيراً دقيقاً لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية التي جعلت الجهاد في سبيل الحرية ضرباً من العبث المزري))..انتهى.

    كما تحدث الأستاذ محمود عن إهمال المؤتمر توعية الشعب، في نفس الكتيب قائلا:

    ((لماذا، عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر، إتجهت إلى الحكومة تقدم لها المذكرات تلو المذكرات ولم تتجه إلى الشعب، تجمعه، و تنيره، وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولا، ثم جاءت مبادؤها أخيرا ؟؟)) .. إنتهى

    وتحدث الأستاذ عن مسألة التعليم، ونبه إلى خطورة عدم الأخذ، منذ البداية، بسياسة تعليمية تنموية راشدة، فقال:

    ((ولسائل أن يسأل لماذا لم يسر المؤتمر في التعليم الأهلي على هدى سياسة تعليمية موضوعية، منظور فيها إلى حاجة البلاد كلها، في المستقبل القريب، والبعيد؟ .... فلو كان المؤتمر موجهاً توجيهاً فاهماً لعلم أن ترك العناية بنوع التعليم خطأ موبق، لا يدانيه إلا ترك العناية بالتعليم نفسه.. ولأيقن أن سياسة (سر كما تشاء) هذه المتبعة في التعليم الأهلي سيكون لها سود العواقب في مستقبل هذه البلاد. فإن نوع التعليم الذي نراه اليوم لن يفلح إلا في خلق البطالة، و تنفير النشئ من الأرياف، و تحقير العمل الشاق في نفوسهم.)) .. انتهى.

    وتحدث الأستاذ محمود عن معاناة الشعب الإقتصادية، فقال في (السفر الأول) أيضا:

    ((من ألزم واجباتنا أن نهيئ لأخلافنا حياة ترتفع عن حياة السوائم والأنعام. فإن هذه الحياة التي نحياها نحن اليوم ـ هذه الحياة التي تستغرق مطالب المعدات والأجساد كل جهادها، و كل كدها، لهي حياة لا يغبط عليها حي حيا .. فإن نحن رضيناها لإخلافنا من بعدنا إنا إذن لخاسرون)) .. انتهى.

    والطريف أن هذه الصورة التي رسمها الأستاذ لعيش السودانيين، آنذاك، قد تفاقمت، وبشكل غريب، بدل أن تتناقص. كان من الممكن للحركة الوطنية أن تعمل منذ حقبة الإستعمار، على وضع البلاد في الطريق الصحيح، في السياسة، والإقتصاد، والصحة، والتعليم، إلخ. الشاهد فيما تقدم، أن الأستاذ محمود قد كان صاحب رؤية واضحة، منذ البداية. ورؤيته هذه هي التي قادته لمواجهة الإنجليز، حين فضل الإتجاه إلى تحريك الشعب على الإرتماء تحت عباءة الطائفية، التي تقصي وتقرب، من يلتصق بها، بمقدار ما يظهر من ولاء، وطاعة، وانصياع. الشاهد، أن الأستاذ محمود كان يستحق إشارات، أفضل من الإشارات السالبة التي خصه بها الدكتور عبد الله في مبحثه، هذا. خاصة وأن الأستاذ محمود، قد ضرب نموذجا للمثقف الملتزم جانب الشعب، لا يضاهيه نموذج آخر. أما أفكاره، فلا مجال لتجنبها بحثيا. اللهم إلا إن تخلينا عن أسس، وقواعد، وأخلاقيات البحث العلمي. خاصة في مبحث يعنى بمسألة التقليد والحداثة، كالذي يبحث فيه الدكتور عبد الله، الآن.

    حقيقة الصراع مع القضاة الشرعيين:

    أما الإتهام الموجه، للقضاة الشرعيين، على وجه الخصوص، بعوانة الإستعمار، فلم يكن محض تجنٍ. فقد أغدق الإنجليز على القضاة الشرعيين، بما أسموه وقتها (كساوي الشرف). وقد كانوا يستميلونهم ويخطبون كامل ولائهم، مثلما فعلوا مع زعماء الطوائف الذين أغدقوا عليهم من أراضي الشعب، وحولوهم، في رمشة عين، من سلالة لصوفية فقراء، إلى إقطاعيين عظام. وقد كان القضاة الشرعيون في حل، تماما، عن التعاون مع الإنجليز الذين حصروا عملهم، في جانب الأحوال الشخصية، وحدها، وهمشوا دورهم، وجعلوهم تحت سلطة القضاة المدنيين. غير أن القضاة الشرعيين، شأنهم شأن كثير من الأفندية، في حقبة الحركة الوطنية، عجزوا عن مقاومة بريق المناصب، والإمتيازات الوظيفية، والوجاهة التي يمنحها القرب من الإدارة الإنجليزية. وعموما فإن التصاق من يسمون بـ (رجال الدين) المسلمين بالحكام شأن قديم. فقد عرف التاريخ الإسلامي، نماذج مستفيضة، لممالأة من يسمون بعلماء الدين، وقضاة الشريعة، لأهل السلطان. وقد كان هناك الكثير، والكثير جدا، من الفتاوى التي أصدرها من يسمون بـ (رجال الدين) لخدمة الحكام، عبر التاريخ الإسلامي. أما في تاريخ السودان القريب، فالدكتور نفسه، هو الذي كتب، (الصراع بين المهدي، والعلماء). ورغم أنني ممن يتحفظون كثيرا، على الثورة المهدية، ومفاهيمها، وما لحق بها من ادب اتسم بالتمجيد، والإبتعاد عن النقد، إلا أنني أتحفظ أيضا على نزاهة، و(شرعية) دوافع (العلماء)، الذين أفتوا للحكومة التركية، ضد المهدي. وعضدوا موقف حاكم الخرطوم، وقتها، غردون باشا، مفندين دعاوي المهدية. وعموما، فقد أثبت الجمهوريون بالوثائق، ما يرمون به رجال الدين المسلمين، في كتاب أسموه، (الدين ورجال الدين، عبر السنين). وخلاصة القول، إن الجمهوريين، لم يرموا القضاة الشرعيين، ومن يسمون عندنا، برجال الدين، رجما بالغيب، وإنما بالوثائق، وتحليل الوثائق. وقبل أن أختم حديثي حول رأي الجمهوريين في القضاة الشرعيين، أحب أن أذكر الدكتور عبد الله، أن القضاة الشرعيين قد رفعوا في منتصف السبعينات قضية قذف ضد الأستاذ محمود وبعض الجمهوريين. تولاها عنهم القاضي الشرعي، إبراهيم جاد الله. وقد استمرت جلسات تلك المحاكمة لفترة من الزمن. وقد نقل الجمهوريون وقائعها على الشعب السوداني، في حينه، في كتيبات أصدروا تباعا. وحين إتضح للقضاة الشرعيين، من مجريات المحاكمة، أن تهمة القذف التي تقدموا بها، قد تم تفنيدها، عن طريق إثبات كل ما قاله الجمهوريون عنهم، أمام المحكمة، بالوثائق، والوقائع التاريخية، لم يجدوا غير أن ينسحبوا من القضية، ويتنازلوا عن المضي فيها.

    لقد وقف الأستاذ محمود منذ البداية ضد ثنائيتين، وهما: ثنائية القضاء: (مدني) و(شرعي)، وثنائية التعليم: (ديني)، و(مدني). وهذا في حد ذاته مبحث كبير، يمكن من خلاله النفاذ إلى عمق رؤية الأستاذ محمود لمستقبل الفضاء الإسلامي. وقف الأستاذ محمود محمد طه، ضد التخصص في الدين. وقال إن ظاهرة رجال الدين، التي نراهاالآن، واحدة من علامات انحطاط المسلمين. وهي ظاهرة وافدة على الإسلام، من التقاليد الدينية الكهنوتية، اليهيودية، والمسيحية. وقال إن صدر الإسلام لم يعرف ظاهرة (رجال الدين). وعلى كل مسلم، ومسلمة أن يكونا (رجل، وإمرأة دين) ـ إن صح التعبير ـ. ولا مجال هنا لشرح هذه الرؤية الثورية، ولكنها رؤية جديرة بالتأمل، المتروي.

    جاء في (السفر الأول)، 1945، ما يلي:

    ((لا يرى الحزب الجمهوري أن يكون هناك تعليم ديني و تعليم مدني كل في منطقة منعزلة عن الأخرى .. ولا يرى أن يكون للرجل أخلاق في المصلى وأخرى غيرها في الحانوت أو الشوارع ، وإنما يرى أن يتعلم كل الناس أمور دينهم وأمور معاشهم، ثم يضطربون في ميدان الحياة بأجسام خفيفة وأرواح قوية، وقلوب ترجو لله وقاراً)) .. انتهى.

    وكذلك الشأن مع القضاء الشرعي. فالأستاذ محمود قد كان ضد أن يكون هناك قضاء شرعي، في جهة، وآخر مدني، في جهة أخرى. وقبول القضاة الشرعيين، تولي ذلك الدور الذي رسمه لهم الإنجليز، يدل على كونهم لم يروا في تلك الوضعية الهامشية، بأسا، من الأساس. ومسألة الشوكة، وسلطة المستعمر، التي أشار إليها الدكتور، عبد الله، ليعطي القضاة الشرعيين، عذرا، لا تعطيهم عذرا كافيا، في حقيقة الأمر. وما أظن أن الإدارة البريطانية كانت سوف تجبر أحدا على وظيفة لا يريدها.

    وزر الخصومة:

    السياق اللغوي، الذي أورد فيه الدكتور إشارته إلى الجمهوريين، ونقدهم للقضاة الشرعيين، ربما أوحى للقراء بأن الجمهوريين شركاء، في وزر تلك الخصومة. وربما يشتم القارئ، من إشارة الدكتور، أن وزر الجمهوريين، ربما كان الأكبر! والمعروف أن أميز ما ميز حركة الأستاذ محمود، وتلاميذه الجمهوريين، هو أسلوب اللاعنف الذي اتسمت به حركتهم، دون سواها من الحركات. والدكتور الفاضل، يعرف، أن الأستاذ محمود قد ظل يدعو لفكرته، في الفترة ما بين 1950، وحتى بداية الستينات، بهدوء شديد، وسط مجاميع المثقفين. كما أن الأستاذ محمود، قد كان، أيضا، جم النشاط، في مجال الكتابة إلى الصحف. غير أن حادثة فصل أربعة من الطلاب الجمهوريين، من معهد أم درمان العلمي، في أوائل الستينات، بحجة إعتناقهم لأفكار الأستاذ محمود، هي التي أطلقت شرارة المواجهة، بين الأستاذ محمود، وبين جموع السلفيين، من قضاة شرعيين، وأئمة مساجد، ووعاظ، ومعلمين لمادة التربية الإسلامية. ثم تصعدت المواجهة بعد ذلك حين أصبح القضاة الشرعيون جزءا من الجسم الإسلاموي العريض الذي تمثل في مظلة جبهة الميثاق الإسلامي، التي وسع سوحها، الدكتور، حسن الترابي، في حقبة الستينات.

    وبعد أن تعرض الطلاب الجمهوريين، بمعهد أمردمان العلمي، للسخرية، والهزء المسرف، من قبل شيخ المعهد، طلب الأستاذ محمود من شيخ المعهد، آنذاك، الشيخ، محمد المبارك عبد الله، أن يناظره في أي مكان، وزمان يشاء، ووسط أي جمهور يختار. والذي دفع بالأستاذ محمود لطلب المناظرة، هو إسراف شيخ المعهد، في مضايقة أولئك الطلبة، والهزء بهم، والسخرية منهم. وقد ذكر الأستاذ محمود، للشيخ محمد المبارك، إنه هو ـ أي الأستاذ محمود ـ صاحب تلك الأفكار، التي أخذ الشيخ بسببها، يهزأ من طلبته، ويسخر منهم على الملأ. قال الأستاذ محمود لشيخ المعهد، إن تلك الأفكار هي أفكاره، وأنه هو الأقدر على الدفاع عنها، وليس الطلبة. ولذلك، فمن الأولى، أن يناظر صاحبها، حولها، بدل أن يعرض الطلاب، لكل تلك الضغوط. قبل الشيخ، بادئ الأمر، بالمناظرة، ولكنه سرعان ما عاد ورفضها. ثم بدأ، بعد ذلك، التشويش المنظم، على أفكار الأستاذ محمود، في الصحف، وفي المساجد، وسارت تلك الحملة شوطها، سنينا، حتى بلغ الأمر، حد محاكمة الأستاذ محمود بالردة، في سنة 1968. وقد جرت محاكمة الأستاذ محمود بالردة، في قضية حسبة، تقدم بها الشيخان، الأمين داؤود محمد، وحسين محمد زكي، وقد شهد فيها، ضد الأستاذ محمود، بالرأي، كل من الشيخ على طالب الله، وعطية محمد سعيد، والزبير عبد المحمود، وشوقي الأسد. والشاهد هنا، أن القضاء الشرعي، اختار أن يتوج حملة التشويش التي بدأت منذ بداية الستينات، بالقيام بالنيابة عن كل السلفيين، بمهمة إسكات صوت الأستاذ محمود محمد طه. وهذا باختصار شديد، هو القضاء الشرعي، الذي يريد الدكتور إنصافه في طروحته، التي نحن بصددها. وكوننا اليوم نراجع مفهوم المركزية الثقافية الأوربية، على ضوء فكر ما بعد الحداثة، لا يعني أن نرتد إلى الوراء، مدافعين عن قضاء عمل في أعلى سلطاته على نقض أهم مكتسباتنا الدستورية، وهما حرية الإعتقاد، وحرية التعبير عنه. وخلاصة القول، في هذا الجانب، أن القضاة الشرعيين، هم الذين فجروا في خصومتهم للفكرة الجمهورية، مدفوعين، كشأنهم دائما، ببعض السياسيين الذين كانوا يتسترون من خلفهم.

    السلفيون قبيلة واحدة:

    فيما أعلم، أن الدكتور عبدااله، أحد معاصري حادثة طالب معهد المعلمين العالي، ومن شهود ما تمخض منها ككيد مدبر بلغ درجة حل الجزب الشيوعي السوداني، وطرد نوابه المنتخبين، من البرلمان. ثم ما كان من أمر الهجوم المسلح على دار الحزب الشيوعي السوداني، آنذاك. ولا بد أنه قد شهد، دور الأستاذ محمود المشهود، في إخماد تلك الفتنة. ومواجهة مؤامرة تعديل الدستور، لإخراج نواب الحزب الشيوعي المنتخبين من البرلمان. ولابد من الإشارة هنا، إلى أن بعض قادة ما كان يسمى في الماضي، بـ (جبهة الميثاق الإسلامي) قد اعترفوا مؤخرا، بالإستغلال المتعمد، لحادثة طالب معهد المعلمين، ومن على صفحات الصحف السيارة. فالدكتور أحد شهود كل ذلك التهريج السياسي، وكل تلك العجلة المريبة لتمرير، ما سمي وقتها، بالدستور الإسلامي، الذي بلغ أن أجازته الجمعية التأسيسية، في مرحلة القراءة الأولى. أفلا يدل كل ذلك، على أن نسخة الفهم الديني التي كانت تتقدم حثيثا، وقتها، لجمع السلطتين الدينية، والزمنية، في يد واحدة، لا تمت بصلة للصورة التي يحاول الدكتور رسمها لها الآن، في هذه الطروحة؟ لقد أطلق القضاة الشرعيون ضربة البداية لتداعيات التردي، في جحور المفاهيم القروسطية، والتي لا نزال نعاني من تداعياتها أشد المعاناة، وحتى يومنا هذا. ونرجو من القراء مراجعة ما كتبه الأستاذ محمود عن تلكم الأيام في كتبه: (الدستور الإسلامي، نعم، ولا)، و(زعيم جبهة الميثاق، في ميزان: ـ(1)الثقافة الغربية، (2)الإسلام)، و(بيننا وبين محكمة الردة). وذلك على العنوان التالي، في شبكة المعلومات الدولية: http://http://www.alfikra.org.

    القضاء الشرعي، قضاء مسيس، سلفيا، بحكم التعليم الذي يتلقاه القضاة الشرعيون. ولكي يكون المرء حداثيا، يلزمه، قدر من التعليم المدني، ومن دراسة متعمقة لتاريخ الحضارات، ومن الفلسفات الإنسانية في العصور المختلفة، ومن الجغرافيا الإقتصادية، وغيرها من العلوم الإنسانية، مما يحرص على توفيره أي نظام تعليمي، عصري، متوازن. غير أن ما توفر لرجال الدين، والقضاة الشرعيين، لم يكن، حتى لوقت قريب جدا، تعليما متوازنا. ونسخة من ذلك التعليم، غير المتوازن، تقوم به الآن، ما تسمى بـ (المدرسة) ـ وهي مؤسسة أشبه بالخلوة ـ في باكستان، وأفغانستان. هذا النوع من التعليم، هو الوالد الشرعي، للجمود العقيدي، وللعنف السياسي. وخلاصة القول، أنه لا فكاك للتقليد الذي يتحدث عنه الدكتور، من قبضة الجمود. أما الشذرات التاريخية، التي يجمعها الدكتور عبد الله، هنا وهناك، من سجلات القضاء الشرعي، في السودان، كالسماح بوجود قاضيات شرعيات، وبعض المنشورات التي أجرت بعض الإصلاحات، التي ألحقت بقانون الأحوال الشخصية، في النصف الأول من القرن العشرين، والعقود الثلاثة التي تلته، لا تكفي لخلق مسار، عتيد، لتقليد شرعي يستهدف الحداثة. وحتى حين واجه القضاة الشرعيون، مسألة (بيت الطاعة)،وهو حكم مبني على أية القوامة، التي تقول: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، وأهحجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا)). حين حاول القضاة التصدي للشكاوى العديدة التي تسبب فيها حكم (بيت الطاعة)، لم يواجهوا أصل المشكلة، وإنما فقط، أوقفوا تنفيذ إعادة المرأة إلى بيت زوجها (بيت الطاعة) قسرا، عن طريق الشرطة، وقد كان ذلك هو أسلوب تنفيذ ذلك الحكم. لكن رغم أن المرأة قد أصبحت لا تساق مخفورة بواسطة الشرطة، إلى بيت رجل لا تود العيش معه، فهي تظل، والحالة تلك، تحت رحمة الحاجة الإقتصادية التي قد تجبرها للعودة، راغمة. فالزوجة التي لا تنصاع لحكم (بيت الطاعة)، تفقد نفقتها. هذا إضافة إلى أنها سوف تبقى معلقة، لأنها لن تستطيع الحصول على الطلاق، لتتزوج بآخر! في حين أنه من حق زوجها الإقتران بأخرى! فلمصلحة من يريد الدكتور عبد الله، إطالة عمر هذه (المرمطة) التاريخية لجنس النساء، حين يحرص على إعادة تلميع مثل هذه العقليات القروسطية؟ ما نحن بحاجة، إلى عمله الآن هو مواجهة المفاهيم، التي يحملها القضاة الشرعيون، مما لا يزال مسلطا على رقابنا، حتى يوم الناس هذا. ومنها قانون الردة الذي لا يزال جالسا (بسلامته) وسط قوانين السودان، دون غيره من أقطار الأرض.

    تقرأ المادة (26)، من القانون، كالآتي:

    1- يعد مرتكباً جريمة الردّة كل مسلم يروج للخروج على ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة.
    2- يستتاب من يرتكب جريمة الردّة ويمهل مدّة تقررها المحكمة فإذأ أصر على ردته يعاقب بالإعدام.

    وبناء على هذه المادة، تمت مؤخرا استتابة القاضي السابق، النيل عبد القادر أبو قرون.

    خاتمة:

    ما أريد أن ألفت إليه نظر الدكتور الفاضل، أن القضاة الشرعيين، ربما حلا لهم، أحيانا، أن يتخففوا قليلا، من قيود الشريعة الصارمة. غير أنهم، لا يفعلون ذلك، إلا حين تكون الرياح مواتية، والظرف مهيأ، كأن يكونوا تحت ظل حكم كالحكم الإنجليزي، أو تحت العهود الوطنية الديمقراطية. ففي مثل تلك الظروف، تخبو حدة الخطاب الديني، ويصبح مجاراة الحداثة مطلوبا. ولكن حين تعلو حدة الخطاب الديني، ويحمومي سوقه، فسرعان ما يرجعون إلى قماقمهم (القروسطية). وقد تكرم الدكتور بنفسه، بالإشارة، إلى ما فعلته الإنقاذ من نقض أنكاث، لمكتسبات المرأة السودانية، فهل يا ترى، رأى القضاة الشرعيين، يهبون لنجدتها؟

    هذه مساهمة نقدية متواضعة، مني، اقدمها للدكتور، الفاضل، عبد الله علي إبراهيم، ليستصحب منها، ما يراه مناسبا، وهو يطور طروحته. وأحب أن أنبهه، إلى أن إغفال إسهام الأستاذ محمود، أو الإكتفاء بالإشارات المبتسرة لفكره، في هذا الباب، سوف تضران كثيرا، بمصداقية طرحه، وأمانته العلمية، خاصة وهو يفحص السياق التاريخي السوداني (1898 - 1983). فالطروحة، سوف لن تخلو، والحالة تلك، من عرج علمي، سوف يلم بها، لامحالة، نتيجة للتجاهل المتعمد لطرح الأستاذ محمود. أما فيما يخص شكل الدولة الذي نريده، ونحن نتطلع إلى أن تضع الحرب أوزارها في السودان، في القريب العاجل، ويعود السلام، مرة أخرى، فهو، على أقل تقدير، خرطوم علمانية. وسوف نظل متمسكين بـ (علمانية الخرطوم)، حتى يصبح البديل الديني، الذي لا يظلم أحدا، ولا يتغول على حرية أحد، واقعا متحققا في أفقنا المعرفي، والسياسي. وسوف لن نجازف، قبل ذلك، أبدا، بتسليم رقابنا، وحرياتنا، للقضاة الشرعيين، و((تقليدهم)) الذي عرفناه، وعركناه، وخبرناه، جيدا.

    وختاما، فهذه نظرة نقدية إبتدائية، أملتها الملاحظات التي خص بها الدكتور الجمهوريين، في معرض تعريفه بالخطوط العامة لطروحته. وأتطلع لكي أقرأ طروحة الدكتور في شكلها النهائي، المكتمل، قريبا. هذا، وللدكتور الفاضل، وافر المحبة، وكثير التجلة، والتقدير.



    http://www.mafhoum.com/press5/144C32.htm
    _________________
                  

04-04-2008, 02:31 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من صحيفة الأضواء:
    ====
    شجاعة فكرية مطلوبة

    لم يتهيب بروفيسور عبد الله احمد النعيم ولم يترد د فى طرح رؤيته بكل تجرد وفى شجاعة نادرة هى سمة اساسية للمثقف الواثق من اطروحاته وموضوعيتها، وفى مواجهة موجات الغوغائية واستثارة العواطف الطاغية هذه الأيام على ساحتنا الوطنية والتى بلغت حد بزوغ جماعات ظلامية تستبيح دماء الناس وتهدرها علناً و تنشر بياناتها مصحوبة بحوافز مالية عبر صحيفة حكومية، رغم هذا يجهر البروف النعيم برأيه واضحاً وصريحاً منادياً بضرورة فصل الدين عن الدولة باعتبار انه لا فرصة للسلام ولا للتغيير فى ظل الدولة الدينية «الايام 21 يونيو 2003م».

    ثم يعود بروفيسور النعيم الى طرح اكثر جرأة فى ندوة تم تنظيمها بدار اتحاد المحامين أمسية الجمعة 20 يونيو ، عندما اوضح بصورة قاطعة «ان جوهر الشريعة يتعارض مع جوهر فكرة حقوق الانسان» لأن الشريعة تقوم اصلاً على مبدأ التمايز بحسب الوضع الاجتماعي فهنالك حقوق كفلتها الشريعة للرجل واخرى للمرأة ، وثالثة للمستأمن وغيره، بينما لا يتمتع الوثنيون مثلاً بأي حقوق ولا حتى اى شخصية قانونية، مما يعني ان حوالى ربع سكان السودان هم فى «عداد» من هم بلا حقوق اصلاً!!

    ثم مضى للتأكيد ان الفكرة الجوهرية فى حقوق الانسان تقوم على مبدأ المساواة منذ منصة التأسيس بإعتبار «الانسان» كفرد له قيمته بغض النظر عن جنسه او دينه او عرقه او ثقافته.

    ولم ينس البروف ان يدعم اطروحاته بأنها انما تفتح مجالاً للحوار دون «وثوقية» وقطعيات، متهماً من يدعون بأنهم مع «الشريعة ومع حقوق الانسان» بأنهم يمارسون الخداع ، واشاد بمن يزعم بأنه «مع الشريعة» دون ان يدعى ايمانه بحقوق الانسان على الاقل لأنه صادق فيما قال رغم بطلان زعمه.

    ان اطروحات البروفيسور عبد الله، وهو المختص فى مجالات حقوق الانسان والقانون تحتاج الى مناقشة عميقة والى ادارة حوار جاد وموضوعى حولها، فعبر عملية الحوار وتبادل الآراء والآفكار والنقاش الحر الموضوعى وبعيداً عن اجواء إستنارة العواطف وترديد الهتافات والشعارات الفارغة، ستصل بلادنا الى بر الامان اما بغير ذلك فان سكة المستقبل الوطنى تبدو قاتمة وكالحة.
                  

04-04-2008, 02:35 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من مذكرات الحاج وراق
    ===
    تنازع بين تديني والشيوعية

    عند دخولي الجامعة كنت مهيأ ان اكون منضويا تحت الحزب الجمهوري وقابلت زعيمه الاستاذ محمود محمد طه وكان الفكر الجمهوري لي جاذب لكن موقف الحزب من نظام مايو ابعدني من ذلك الفكر اذ ان موقفي من مايو كان قاطعا ونهائىا .. وانا مازلت في اولي جامعة وفي اول يوم من شهر سبتمبر عام 1979م كنت شاهدا لتظاهرة طلابية واثار انتباهي الموقف الذي اوردته في الحلقة الماضية وصمود تلك الطالبة آمال جبر الله امام العتاد وقوة الشرطة والامن وسألت من يكونون هؤلاء الذين وراء التظاهرة فاجابوني انهم ناس الجبهة الديمقراطية .


    !!!!!!!!!!!!!للنقاش !!دخلت الي الحزب الشيوعي قفزا بالزانة
                  

04-04-2008, 02:37 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نداء:18 يناير يوم حقوق الانسان فى الوطن العربى

    هذا العنوان ليس من عندى وانما هو قرار اتخذته المنظمة العربية لحقوق الانسان فى اجتماعها التاريخى الذى عقدتة فى الخرطوم اثناء شهر نوفمبر 1986 .وهو تاريخى لانه اول اجتماع لتلك المنظمة ينعقد فوق ارض عربية على الرغم من انها تعنى اساسا بحقوق مواطنيها.ومن المعروف ان تلك المنظمة لم تجد بقعة فوق الارض العربية لتعقد عليها اجتماعها التاسيسى فاضطرت لعقده على الاراضى القبرصية!! فالشكر كله لشعب السودان العظيم ولانتفاضته المجيدة التى منحته هذا الشرف ولكن للاسف لمنظمة لا تستحقها! اقول لا تستحقها ليس تجنيا على تلك المنظمة ولكن انطلاقا من استهانتها بحقوق الانسان السودانى وبشعب السودان على اطلاقه.دليلى على ذلك الاتى:
    لقد كان السودان كله يحتفل فى ذلك الوقت بالقرار التاريخى الذى اصدرته المحكمة العليا الموقرة والذى الغت فيه حكم الاعدام الصادر فى حق الشيد محمود محمد طه باعتباره حكما باطلا وردت به الاعتبار لشهيد الفكر باقرارها بطلان كل ما صدر عن تلك المحكمة المهزلة من حيثيات.عقد هذا الاحتفال المهيب فى دار اتحاد الكتاب السودانيين بالمقرن و شرفه مجلس امناء المنظمة المذكوره بالاضافة الى السيد ايان مارتن الامين العام السابق لمنظمة العفو الدولية و المرحوم الدكتور عزالدين على عامر,طيب الله ثراه,نائب الدائره .وقد شرفنى اتحاد الكتاب بتقديم الاحتفال بتلك المناسبة الجليلة.
    وفى اطار هذا الاحتفال اتخذت المنظمة ذلك القرار القاضى باعتبار يوم 18 ياناير من كل عام يوما لحقوق الانسان فى الوطن العربى احتفءا بشهيد الفكر و تكريما له.هل تدرى ان المنظمة لم تلتزم بتنفيذ ذلك القرار ولو لمرة واحدة طيلة هذه السنوات. فهل يا ترى ان هذا التقصير,بل العجز,كان من جانبنا ام من جانب المنظمه ام الاثنين معا؟؟!!اعتقد ان التقصير هو مسؤؤلية الطرفين ولكنى الوم انفسنا بصورة اكبر انطلاقا من المثل القائل"ما ضاع حقا وراه مطالب".لذلك فاننى اهيب بجميع الاخوة والاخوات,واخص منهم الجمهوريين,وذلك للعمل على احياء هذا القرار وتنفيذه ابتداء من العام القادم الذى يصادف الذكرى الثامنة عشر لشهيد الفكر وذلك من خلال اتخاذ الخطوات التاليه:
    -تكوين لجنة قومية تنحصر مهمتها فى تنفيذ هذه المهمه
    -الاتصال بالامانة العامة للمنظمة و استفسارها عن الاسباب التى دعتها لعدم الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس امنائها
    -فى حالة اعتذار المنظمة عن هذا الخطا الفادح والشنيع ووعدها بتنفيذ ذلك القرار ابتداء من العام القادم والاعوام التى تليه ليصبح سياسة ملزمة لقيادة المنظمة يكون بذلك قد كفى الله المؤمنين شر القتال
    -فى حالة تنصل المنظمة من هذا القرار فيتوجب على اللجنة المقترحة مواصلة الضغط على المنظمة الى ان تستجيب لهذا المطلب المشروع و ذلك من خلال التنسيق مع المنظمة السودانية لحقوق الانسان و المنظمات الشبيهة لها اقليميا وعالميا او من خلال حملة توقيع تشمل قادة الفكر و الراى من مختلف ارجاء العالم.اننى على قناعة تامة بان عقولكم ستتفتح عن عشرات الاساليب و الوسائل التى سيتم من خلالها الضغط على هذه المنظمة الى ان تذعن لارادتنا المسنودة بالوقائع ,والحق وعزة النفس و مكانة و موقع الشهيد,ليس فى نفوسنا جميعافحسب وانما فى تاريخ السودان الحديث.هل يا ترى لو كان الشهيد ينتمى لاى جنسية عربية اخرى كنا اضطررنا لكتابة هذا النداء؟؟!!


    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...ard=2&msg=1063190916
                  

04-04-2008, 02:41 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    حضور النساء لعقودات الزيجات وتزييف الحقائق
    عبد الله عثمان/واشنطن
    [email protected]

    نقلا عن سودانيل
    [/align:ac3aa35a06]

    للأستاذ محمود محمد طه قولة مأثورة هي "ان الاعلام والأقلام عند غير أهلها اليوم"، تذكرت ذلك وأنا أطالع مقالا منقولا عن جريدة الخرطوم في صفحة السودانيين علي الشبكة العالمية sudaneseonline ، للكاتب مصطفي أبو العزائم الذي نقل وصفا لزواج كريمة الدكتور الترابي، أشتمل وصفه علي الطرقات التي ضاقت بسيارات راكبيها، واجراءات العقد حتي غناء الفنانة "حواء الطقطاقة"، بحضور الشيخ حسن الفاتح قريب الله!! كل هذا اللبن!! سمك، تمر هندي الذي تم في منزل شيخ داعية أسلامي لم يستوقفني كثيرا مثلما أستوقفني حقا حديث الكاتب عن حضور المرأة لأول مرة – ربما في تاريخ السودان الاجتماعي للزيجات!! أحترت وقلت لو كان هذا الصحفي يعلم أن الحقيقة غير ذلك، ثم هو أخفاها، فتلك مصيبة، وان لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم!! ان الثابت في الأمر أن الأستاذ محمود محمد طه كان قد أجري عقد قران بالموردة في مطلع سبيعينات القرن المنصرم وأخرج كتبيا بأسم "خطوة نحو الزواج في الاسلام" بتاريخ يناير 1971، ومنذ ذلك التاريخ تمت مئات الزيجات المباركات وقد كان حضور العروس وصديقاتها وأهلها من النساء من أساسيات تلك العقودات التي شهدتها كثير من مدن السودان المختلفة وحظيت الخرطوم منها بنصيب كبير. ليس هذا هو الخبر ولكن الخبر أن كثيرا من فقهاء السلطان – وأعيذ الكاتب أن يكون أحدهم- قد أنكروا علينا ذلك نكرانا مبينا- ففي مطلع عام 1974 تمت لنا زيجة مباركة بحي دردق بمدينة ودمدني، فقام فقهاء المدينة من شاكلة الشيخ حسن عبدالعزيز حمومة وعبدالرحمن عبد السلام وغيرهما بهجوم مخل بكل منطق علينا، ومن أساسيات هجومهم – حضور النساء للعقد!! وفي كوستي كان الأمر أغرب اذ رفع فقهاء المدينة وتجارها!! عريضة لرئيس الجمهورية بصورة للمحافظ وقضاة المدينة يستنكرون فيها زيجتان تمتا للجمهوريين بحي السكة حديد بكوستي في أخريات العام 1973 – راجع كتاب قضايا كوستي للأستاذ سعيد الطيب شايب يوليو 1975 – صفحة 30 وما بعدها- وظل الأمر كذلك والناس وبخاصة الفقهاء ينكرون علينا ذلك، وقد كان ديدنا، كما عرف الناس عنا، أن نقارعهم الحجة بالحجة فأخرجت الأخوات الجمهوريات كتيبا بعنوان "كيف ولماذا خرجت المرأة الجمهورية" ليؤسس من الدين الحنيف لخروج المرأة، ولكن ما زال فقهاء السلطان يفتئتون علينا ويحسبون ذلك كفرا مبينا!! حتي خروج نساءنا لتشييع موتانا بالذكر المفرد "الله الله الله" حتي المقابر كان ولا يزال يعد منكرا من المنكرات عند أولئك الفقهاء ومن لف لفهم!! وقد وصل الأمر بأحدهم أن يتقول علينا في المساجد بودمدني عقب رحيل عزيزنا الراحل عبد الرحمن أحمد عساكر،كما ورد بكتابنا "تعلموا كيف تجهزون موتاكم الصادر في مايو عام 1978 " ومن المؤسف حقاً أن تنطلق هذه الشائعات من بعض (( رجال الدين)) بالمدينة، ومنها ما قاله أحدهم بأحد المساجد (( وقد بلغني ممن أثق فيه أن المتوفى لم يغسله الجمهوريون الغسل الشرعي، ولم يكفنوه الكفن الشرعي كما لم يصلّوا عليه صلاة الجنازة الشرعية، وأن نعشه قد حمل على عواتق البنات إلى المقابر..))!! وتدور سائر الإشاعات الأخرى على هذا النحو من السفه والاسفاف الذي لا نرى خيراً في متابعته..
    راجع الكتب المذكورة علي www.alfikra.org
    ولعل نفس الأمر ينطبق علي حديثنا عن الضحية وأنها ليست واجبة لا علي الأغنياء ولا علي الفقراء الذي اصدرنا عنه منشورا بتاريخ 7/11/1978 ثم أعقبناه بكتاب يبين في جلاء عدم وجوب الضحية، ذلك عندما كان الخروف بجنيهات قد لا تتعدي الخمس، وكان وقتها الناس يتندرون ويتضاحكون علينا ويرموننا بالويل والثبور وعظائم الأمور ولكن عندا صار الخروف بالآف الجنيهات، كثر الحديث عن ديك ابن عباس ويكاد فضيلة المفتي يأتي بذلك الديك للتلفزيون كل عام عندما يحين موعد الأضحية ويبارك للسيد رئيس الجمهورية حدبه علي "اقامة سنة النبي بالتضحية عن فقراء أمته"!! نفس هؤلاء الفقهاء الذين كان ينعون ذلك علي رجل بسيط يسكن بيت الجالوص في أطراف الثورة، ولكنهم لا يستنكرونه علي أصحاب السلطان!!
    ثم لا يزال السؤال يواجه دكتور الترابي وحسن الفاتح قريب الله وأضرابهم من الفقهاء: من أين لكم بالمرأة تسفر لغير ضرورة وتخرج أمام الرجال – حتي حواء الطقطاقة – ودونكم آية "وقرن في بيوتكن"؟؟؟؟
                  

04-04-2008, 02:45 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    في شأن جيل الصدى أو أهل البصائر في الحركة الاتحادية
    حسن بابكر الحاج: ربًّ شمسٍ غربت و البدر عنها يخبرّ
    بابكر فيصل بابكر
    [email protected]
    [/align:b2dff51016]
    البدر ها هنا أقوال وافعال كسرت حاجز الزمان وهتكت ستور الحجب لتجسد مثالاً من الأمثلة النادرة لاجيال الصدى، وهى الأجيال التي اشاح عنها التاريخ بوجهه ولم تجد حظها اللائق من الدراسة والبحث. واليوم نكتب عن احد رجالات الحزب الوطني الاتحادي، ليس بغرض التاريخ الشخصى ولكن بهدف الدراسة لرمز وطني مثل انموذجاً يحتذى في القضايا المبدئية اضافة لتفرد الرؤية في موضوعها اصبحت الهم الشاغل لاجيال اليوم: الديمقراطية، الوطنية، الدولة المدنية، التنمية. وعسانا نرد بعض دين لهؤلاء الرجال الأماجد فهذا جميل يذكر لكل من ولى وترك فينا مايربطنا بهذا البلد الامين

    النشأة
    ولد حسن بابكر الحاج بأرض الشايقية (مروي شرق) في العام1913 وكان والده من كبار خلفاء السيد علي الميرغني وقد توفى وهو مازال طفلاً صغيراً حيث تربى على يد والدته التي تحملت عبء التنشئة بالكامل، وقد درس مراحله التعليمية المختلفة بمروي وعطبرة ثم التحق بكلية غردون قسم الهندسة في العام1929، تتلمذ في كلية غردون على يد السيد اسماعيل الازهري، وعمل بعد تخرجه في العام 1933 مهندساً بالسكة حديد عطبرة، ترك العمل الحكومي واتجه للعمل الخاص حيث طاف العديد من مدن السودان.خاض غمار المعركة الوطنية منذ سنوات الدراسة بكلية غردون وحتى وفاته في العام 1975.

    حسن بابكر والحركة الوطنية:
    يذكر صديقه ورفيق دربه مكي المنا (اول رئيس لاتحاد طلاب كلية غردون) انه في ذات يوم وهم وقوف في طابور الصباح بالكلية خرج حسن بابكر وقرأ عليهم مكتوباً يحرض الاهالي على عدم دفع الطلب للحكومة. والطلب هو مكس أوضريبة كان يدفع للحكومة عن النخيل والارض الزراعية، وذكر في مكتوبه انه مادام الحكومة لاتقدم خدمات للاهالي مقابل الطلب فلماذا يدفعونه؟ كانت تلك تجربة جريئة لم يتعود عليها طلاب كلية غردون ونمت عن وعي مبكر بهموم الناس وقضاياها وهى القضايا التي دافع عنها طوال مسيرته في العمل السياسي العام، كان عضواً في اتحاد طلاب كلية غردون أبان اضرابه الشهير في العام1931، وبعد تخرجه من الكلية وكانت الحركة الوطنية قد تبلورت بشكلها الواضح بعد قيام مؤتمر الخريجين في العام1938 كون حسن بابكر فرع مؤتمر الخريجين في مدينة عطبرة، وكان من زملائه المقربين عبدالله شداد وعبداللطيف حاج بكري ومكي المنا ، ومحمود محمد طه ، وقد قاده وعيه الوطني بقضايا البلاد الى اتخاذ موقف يعتبر غريباً في ذلك الوقت اذ تقدم ومعه رفاقه باستقالات جماعية من الخدمة مما حدا بالأنجليز الى تقديمهم للمحاكمة واجبارهم على مواصلة العمل حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي تلك الاثناء قاد الحملات المناهضة للجمعية التشريعية وكان يخرج في رأس التظاهرات الداعية لمقاطعتها، وبعد انتقاله الى مدينة كسلا قاد مظاهرات الجلاء في العام 1955م. ثم رحل الى سنار وكون فرع الحزب الوطني الاتحادي مع رفاقه عبدالوهاب الشيخ، وميرغني فزع وعبداللطيف الفادني، وعقب وقوع انقلاب نوفمبر1958 قاطع كل مؤسساته ولم يشارك فيها على اي مستوى من المستويات،وكان من المؤسسين لجبهة الهيئات في مدينة سنار ابان ثورة اكتوبر حيث ترشح في الأنتخابات التي تلتها واصبح عضواً في البرلمان عن دائرة مروي الوسطى.

    حسن بابكر وقضية التنمية:
    من المآخذ التي تحسب خصماً على جيل الآباء من رواد الحركة الوطنية السودانية انهم لم يعطوا كثير اهتمام للوجه الآخر للاستقلال السياسي وهو الوجه الاقتصادي والاجتماعي (التنمية) وفي ذلك دار جدل كثير حول ترتيب الأولويات، اذ رأى الفريق الغالب ضرورة التركيز على انجاز الاستقلال السياسي ومن ثم الألتفات الى الوجوه الأخرى، ولذلك لم يطوروا برامج مفصلة لكيفية العمل في حقبة مابعد الاستقلال. واذا كان ذلك كذلك على صعيد الأحزاب إلا ان هناك افراداً كان هاجسهم الاول هو قضية التنمية في السودان، نذكر منهم على سبيل المثال ميرغني حمزة واهتمامه بقضية الري والشريف حسين الهندي وانشغاله بالاصلاح الزراعي ومحمد عبد الجواد ووعيه المبكر بالأتصالات (الاقمار الصناعية).
    لقد اختار حسن بابكر بعد استقالته من الخدمة الاتجاه للعمل المرتبط بالتنمية فانتقل للعمل بغرب السودان حيث ااشرف على توسيع تردة الرهد وبناء خزان رشاد بمناطق جبال النوبة، ثم انتقل للاشراف على العمل الهندسي لكل المشاريع الزراعية على ضفاف النيل الازرق والحفائر جنوب النيل الأزرق كما قام بتخطيط جميع مشاريع الدالي والمزموم وتبني قيام اكثر من خمسين جمعية تعاونية للمزارعين في تلك المناطق. وكان عمله الاكثر تميزاً وآثارة للاعجاب هو عمل المسح الهندسي لكل المنطقة التي ستغمرها المياه جنوب خزان خشم القربة على ضفتي نهر عطبرة وحتى الحدود الاثيوبية.
    ان ترك العمل في دولاب الخدمة المدنية والاتجاه للعمل التنموي في تلك المناطق الوعرة ينم عن وعي مبكر وبصيرة نافذة بتأسيس البنيات الاساسية التي ستنهض عليها عملية التنمية في المستقبل، وهى الهاجس الذي جعله يقف في طليعة ابناء جيله الافذاذ،وقد جاءته الشهادة من البريطاني دونالدهولي في كتابه الموسوم (Tracks in the deserts of Sudan) حيث تطرق بالذكر لحسن بابكر الحاج وقال انه من النابهين الذين يمتلكون رؤية سابقة لأوانها.
    إن هاجس التنمية اصبح هماً يساور كل افراد المجتمع السوداني الذي يعيش اكثر من 95% من سكانه تحت خط الفقر(المستوى الذي لايستطيع الفرد دونه توفير حاجة الغذاء والكساء والعلاج والسكن)، في بلد تجرى في جسده سبعة انهار عظيمة وتزين ظاهر ارضه ملايين الافدنة الصالحة للزراعة ويكتظ باطنها بالوان من الثروة المعدنية على راسها السائل الاسود كما تمرح في وديانها وسهولها ملايين الرؤوس من الثروة الحيوانية.
    لقد تشعب مفهوم التنمية في عالم اليوم وصارت العبارة الكلاسيكية في كل ادبياتها تقول : الانسان هو غاية التنمية ووسيلتها كما اصبحت تربط ربطاً وثيقاً بقضايا البيئة فيما عرف بالتنمية المستدامة(sustainable development) لقد عبر حسن بابكر عن هموم جيله في الاهتمام بمشاكل الزراعة والري، وقد توجب على الحزب الاتحادي الديمقراطي اليوم طرق باب التنمية في برامجه عبر الاهتمام بانسان السودان في تعليمه وعلاجه وسكنه الصحي ومياه شربه الصالحة، وكذلك رعاية ارضه الزراعية وحمايتها من زحف الصحراء واخطار التلوث، ومعلوم ان كل ذلك لايتأتى الا عبر الكادر المؤهل والمدرب والواعي بأهداف العمل العام.
    حسن بابكر والدولة المدنية:
    في مطلع ستينات القرن الماضي بدأت جرثومة الاسلام السياسي تتسلل الي هيئات التشريع والمحاكم، وفي ذلك الوقت اصدرت محكمة شرعية حكماً بالردة على الاستاذ محمود محمد طه، وقد وقف الاخوان المسلمون مدافعون عن ذلك الحكم وقد كان رأي اهل السودان جميعاً في ذلك الحكم يومذاك اقرب الى رأي المهندس الشجاع حسن بابكر، صديق محمود وصفي اسماعيل الازهرى، ابرق حسن بابكر لزعيمه الازهرى عندما أدانت محكمة شرعية لاتملك صلاحية للحكم الاستاذ محمود بالارتداد، ابرق يقول"اللهم ان كان محموداً مرتدا ًفأنا ثاني المرتدين"( 1) لقد صدر هذا القول عن عالم بصير بما سيؤول اليه حال البلاد اذا ما اقحم الدين في امر السياسة (بهذه الطريقة) واذا ماتحولت المحاكم الى ميادين لمحاكمة العقائد والافكار وتصفية الخصومات السياسية، وهو أمر بائن يشهد عليه تاريخ الاسلام منذ زمان الحلاج وابن رشد وحتى زمان الشيخ علي عبدالرازق ونصر حامد ابوزيد .
    لقد أدى إقحام الدين في امر السياسة الى مضاعفات سالبة اضيفت الى احوال البلاد المأزومة اصلا في ما يخص امر المواطنة والوحدة الوطنية وما يرتبط بقضية الحرب والسلام منذ ان طبق جعفر النميري قوانينه السبتمبرية العجيبة، واسلام اهل السودان في اساسه اسلام متسامح تزينه قيم التصوف في الزهد والتقشف والقدوة الحسنة، وهو اسلام الحقيقة الذي لايركن الى المظاهر والشكليات، هكذا كان منذ ان قدم مع قوافل التجار والمبشرين من اهل الله الذين اقاموا صروحه الراسخة بطول البلاد وعرضها.
    ان سؤال الدولة المدنية يقف اليوم في مقدمة الاسئلة التي تحتاج الى اجابة لاتحتمل المناورة وتتطلب كثيراً من الوضوح والالتزام المبدئي خاصة من جانب الأحزاب الكبيرة وفي مقدمتها الحزب الاتحادي الديمقراطي. لقد قال جيل حسن بابكر قوله الفصل في هذا الشأن وحكموا السودان واهله بما يحفظ للناس حرياتهم وللدين قدسيته كان ذلك شأن الحكم منذ الاستقلال وحتى ظهور التيارات المتطرفة الغربية على اسلام اهل السودان ،كانت مواقف جيل حسن بابكر واضحة حيال ما أسماه الاخوان المسلمون بالدستور الاسلامي ومن ذلك ما قاله الشيخ علي عبدالرحمن الامين الضرير القاضي الشرعي ورئيس حزب الشعب الديمقراطي عندما ارتفعت الاصوات المنادية بالدستورالاسلامي، قال بأن ليس في الاسلام شيء يسمى بالدستور الاسلامي فدستور المسلمين هو القرآن بل ان كلمة دستور نفسها كلمة فارسية ولم يرد شعار الدستور الاسلامي في برنامج أي من الاحزاب وعلى رأسها الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة منذ الاستقلال وحتى انتشار حمى الاسلام السياسي في اخريات ستينات القرن الماضي.

    حسن بابكر وقضية الديمقراطية:
    في النصف الثاني من العقد السابع من القرن الماضي واجهت الديمقراطية في السودان امتحاناً عسيراً كان -ضمن أسباب أخرى- سبباً مباشراً في ضياعها وذهابها بانقلاب عسكري تم في الخامس والعشرين من مايو 1969.تلك كانت هي قضية حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان. والقصة معروف مبتدأها وخبرها.ففي ندوة سياسية بمعهد المعلمين العالي وقف طالب يدعى "شوقي" وقال إنه شيوعي ثم تحدث عن حادثة الافك مسيئاً الى بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) فالتقط الأخوان المسلمون القفاز وصعَّدوا حملة ميدانية وإعلامية مطالبين بحل الحزب الشيوعي السوداني وتم لهم ما أرادوا بعد أن استمالوا نواب الحزب الوطني وحزب الأمة في البرلمان.
    وفي تلك الأجواء المشحونة بصرعات العاطفة وهيجان المشاعر الغاضبة كان صوت العقل خافتاً ورؤى البصيرة النافذة والبصر الحديد مقصورة على أولى العزم من الرجال: حسن بابكر الحاج،وقف وكأني به يستدعى يائية أحمد محمد صالح الخالدة:

    أخلفتِ يا حسناءَ وعدي وجَفْوتني ومنعتِ رغدي
    فينوسُ يا رمزَ الجمالِ ومُتعةِ الايامِ عندي
    لما جلوَّك على الملأْ وتخيّروا الخطَّاب بعدي
    هُرِعوا إليك ضِعَافهم وبقيتُ مثلَ السيفِ وحدي

    وقف حسن بابكر الحاج مثل السيف وحده، ومعه رفيق دربه الصالح المحمود "صالح محمود اسماعيل" واعترضوا على اقتراح حل الحزب الشيوعي وكتب بعدها مقالته الشهيرة "أين وقفتُ؟":
    (وقفتُ بالأمس في الجمعية التأسيسية ضد قرار تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي لا دفاعاً عن الشيوعية ولكن دفاعاً عن الوطني الاتحادي وجماهيره وقفت بجانب أساتذة الجامعات وهم منارات العلم وطلابها رجال الغد المشرق، وقفت بجانب الصحافيين والمحامين وهم الذين دافعوا عن حرية هذا البلد المنكوب في أحلك الظروف، وقفت بجانب العمال والمزارعين والكادحين الذين وقفوا في الماضي وسيقفون في المستقبل دفاعاً عن حقهم في الحياة وهو حق هذا الشعب، وقفت بجانب الموظفين وهم الطبقة المستنيرة في هذا القطر ولا يستطيع مكابر أن ينكر دورهم العظيم في معركة الحرية الاولى ومعركة الحرية الثانية وسيقفون في معركة الحرية القادمة. وقفت بالأمس بجانب كل من له ضمير في هذا البلد وخارج السودان، وقفت بجانب كل من نظر الى مستقبل هذا البلد بعقل لم تطمسه الأغراض وتحول بينه وبين الرؤية الصادقة، وقفت مع كل هؤلاء لكي لا أسجل في تاريخ حياتي أني كنت يوماً حرباً على الحرية والديمقراطية) "الأيام".
    إن كلمات حسن بابكر في شأن موقفه من قضية تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي تنم عن إيمان عميق لدى هذا المثقف الليبرالي بقضية الديمقراطية و لا يمكننا تقدير مدى التزامه المبدئي بشعار "الحرية لنا ولسوانا" إلا بقراءة موقفه في سياقه التاريخي الذي اعتملت فيه وفي مناخه أسباب كثيرة تجعل من اليسير إشهار سيف التكفير في وجه كل من وقف ضد مشروع السلام السياسي الأحادي النظرة والاتجاه، ومن جانب أخر فقد كان هذا الموقف سباحة ضد التيار الغالب والمنفعل عاطفياً بقضية كشفت مدى هشاشة تمسك كثير من القيادات بمبدأ الديمقراطية.

    أهل البصائر والعمل السياسي العام:
    جاء في المعجم الكبير الصادر عن مجمع اللغة العربية ان البصيرة تعني قوة الادراك والفطنة او قوة الطلب المدركة أو نور القلب الذي به يستبصر ويقال: فراسة ذات بصيرة وذات بصائر أي صادقة، والشاهد والرقيب والحجة والبرهان والاستبصار في الشئ وتدبره. وتعقد بعض المعاجم آصرة بين التبصر والتأمل ففي نظرها أن التأمل يعزز التبصر بمعنى انه لا يجيئ إلا ثمرة له.
    والناظر في أحوال أحزابنا منذ الاستقلال يجد أنها في كثير من الأحيان لا تركن لآراء ذوي البصائر من الرجال أو لا توكل لهم كثيراً من المهام الكبيرة، فهي تتجه في الغالب الأعم صوب القادرين على تهييج الجماهير وتوجيهها نحو الأهداف "الديماغوجيين".
    فالأحزاب تستند على الآنى والمتعجَّل والسطحي بدلاً عن ثاقب النظر والمتأني والعميق، ويجادل البعض بأن هذه قضية اجتماعية ملازمة للمجتمعات المتخلفة لأن جماهيرها تتأثر بالعاطفة والشعار، وفي ظني أن القيادة تلعب دوراً كبيراً وتتحمل مسؤولية أكبر في اختيار كلا النوعين من الرجال لتسند إليهم المهام الكبيرة. وعندما بدأت في كتابة سلسلة المقالات عن جيل الصدى أو أهل البصائر ازداد يقيني بأن اهمال أمثال هؤلاء الرجال لا يؤدي في خاتمة المطاف إلاّ الى تراجع أداء الأحزاب والعمل السياسي بصفة عامة، وإذا نظرنا في مثال حسن بابكر لوجدنا ان الحزب الوطني الاتحادي لم يستثمر جهد هذا الرجل بالطريقة المثلى، فهو المهندس صاحب الفكر التنموي الواضح ورجل المبادئ الذي وقف مثل الشمعة في هوج الرياح ،وهو كذلك المثقف الموسوعي الذي كان يلقي المحاضرات في علم الفلك "Astronomy" وهو إن شئنا المصلح الاجتماعي الذي حارب العادات الضارة مثل الخفاض الفرعوني وزوَّج بناته بمهر لا يزيد عن الجنيه الواحد، كل ذلك لم يشفع له ولم يجعل القيادة تنتبه إليه بل سعت في مراحل سياسية أخرى الى اقصائه حين ساندت سليمان دقق في انتخابات 1968 واسقطت حسن بابكر في دائرة مروي.
                  

04-04-2008, 02:48 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أبو بكر القاضي ـــ سلاح «التكفير» ضد مشروع التجديد
    From Qatari Watan
    سلاح (التكفير) هو تلك الحيلة السخيفة التي استخدمها الطغاة والمستبدون عبر التاريخ والى اليوم ضد كل من اتى بالجديد ودعا الى اصلاح الاوضاع القائمة‚ وقد اتهم الانبياء والرسل جميعا بالكفر والقرآن حافل بقصص الانبياء مع اقوامهم‚ وبعد فتح مكة وانتصار الاسلام استمر مشروع التكفير على يد الخوارج ولاحقا رصد تاريخ الدولة الاسلامية حالات اخرى من التكفير ممثلة في قصة الحلاج والسهروردي‚ ولعل اكبر المظالم في التاريخ البشري باسم التكفير كانت محاكم التفتيش في العصور الوسطى الاوروبية الكاثوليكية‚ كانوا يفتحون الصدور فعلا لا مجازا بحثا عن الايمان !! واستعير كلمات المفكر المصري الدكتور غالي شكري الراحل المقيم وهو يدافع عن الدكتور نصر حامد ابو زيد ابان محنته في مصر‚ حيث يتحدث غالي شكري عن التكفير في عمود الظلام بقوله: انها سميت بالعصور المظلمة لانها اطفأت شموع العلم والفكر والمعرفة حتى ان الكنيسة لم تتورع عن احراق برونو ــ العالم الفذ حيا وان تحكم على غاليليو بالاقامة الجبرية في بيته حتى فقد البصر ومات‚ وبالطبع كانت الكنيسة على خطأ في العلم والدين معا بينما كان العلماء والمفكرون هم شهداء المعرفة الصحيحة بمقياس زمانهم‚ في روسيا عندما تحولت الماركسية الى سلطة وعقيدة للدولة والمجتمع كان كل من يختلف مع رأي الحزب يعتبر كافرا وملعونا ومرتدا‚ كان جوركي احد كبار المؤمنين وأحد اقرب المقربين الى لينين ومع ذلك كان مصيره النفي بايطاليا‚ وكان ماياكوفسكي شاعر الثورة هو الذي انتحر وكان ايمري ناجي في المجر ودويتشيك في تشيكوسلوفاكيا من الذين كفروا بعبادة الفرد والحزب الواحد فكان نصيب الاول الاعدام والآخر المنفى‚ كانت تهمة التحريفية والمراجعة ترادف الكفر‚ واستعير مرة اخرى عبارات الدكتور غالي شكري في وصف عهد ستالين حيث قتل آلاف (الرفاق) وشردوا واصابهم الجنون وقد تم وصفهم بالكفرة التحريفيين واولهم تروتسكي الذي اختار المنفى البعيد ولكنهم طاردوه حتى طالوه برصاصة واحدة‚ وكان كهنة الماركسية واحبارها من جدانوف الى سوسلوف بمثابة المفتي الذي تحال اليه اوراق الكفرة فيوقع على اعدامهم ويقدم الحيثيات الايديولوجية الكفيلة بطمأنة الضمير العام الى ان المجتمع تخلص من (الاشرار) الى الابد وان العقيدة ستظل كما كانت منذ البدء نقية وطاهرة من التلوث !! ان جوهر فكرة التكفير عبر العصور واحد هو التعصب والرؤيا الاحادية: انا او نحن الصواب المطلق وغيري او غيرنا الخطأ المطلق انا ونحن البداية والنهاية وغيري او غيرنا سحابة عابرة‚ انا او نحن الدولة والشعب والعقيدة وغيري او غيرنا المنحرفون الكفرة والملاحدة الزنادقة ! في الخمس الاخير من القرن العشرين برزت جماعة التكفير والهجرة في مصر بقيادة شكري مصطفى وقد استمدت مشروعها التكفيري من نظرية تكفير المجتمع والدولة المستمدة من (معالم في الطريق) لسيد قطب وجاهلية القرن العشرين لمحمد قطب‚ وخلاصة فكرة التكفير هي الدعوة (للحاكمية) والمجتمع جاهلي لابد من اعادة اسلمته بالعنف‚ وقد تجلى مشروع التكفير في القرن الواحد وعشرين في مشروع القاعدة بقيادة الشيخ اسامة بن لادن والدكتور ايمن الظواهري في 11 سبتمبر 2001 حين قاموا بضرب اماكن رمزية في اميركا ترمز الى كبرياء الولايات المتحدة كقوة احادية عظمى في العالم‚ هذه المقدمة ضرورية جدا للرد على الشيخ ابراهيم الطقي على مقاله بتاريخ 9/10/2003 بعنوان (من هذا المستنقع تضلع ابو بكر القاضي) ويشير بعبارة المستنقع الى (الفكر الجمهوري) وفي السطور التالية اتقدم بالرد على الشيخ ابراهيم الطقي‚ اعتذار للجمهوريين: في البداية اعلن امام القراء الكرام عن اعتذاري للاخوان الجمهوريين في اي مكان في بقاع المعمورة لما لحقهم بسببي من اهانة وتجريح على يد وقلم الشيخ الطقي‚ كما اعلن عن مسؤوليتي الاخلاقية عن كل ما اصابهم بسبب حواراتي مع الشيخ الطقي‚ ولعله يشفع لي اني كنت امارس حقوقي كانسان في التعبير عن افكاري وضميري‚ هذه الحرية التي مارستها في دولة قطر وفقا لمكرمة أميرية تجسدت لاحقا في المواد 47 و48 من الدستور الدائم لدولة قطر بعد ان ترسخت دولة قطر في ضمير الامة العربية بل والعالم اجمع بانها دولة الرأي والرأي الآخر وصارت قناة الجزيرة مدرسة في الاعلام الحر‚ وسمع العالم وشاهد لاول مرة الرأي المعارض في الوطن العربي من خلال الجزيرة وكانت دولة قطر من اوائل الدول العربية التي شطبت وزارة الاعلام والرقابة على الصحف‚ واعلن هنا تمسكي بكل قيمة ايجابية تعلمتها من الفكرة‚ لن اتخلى عن مبدأ (الحرية لنا ولسوانا) وقس على ذلك‚ ومن جهة اخرى فاني لا احمل اي جمهوري مسؤولية افكاري واطروحاتي التي اكتبها باسمي وتحت مسؤوليتي الشخصية ومن حق اي جمهوري ان يتبرأ من جميع ما اكتبه وذلك لسبب بسيط هو انني لم انسق مع اي جمهوري او غيره في كتابة افكاري التي اتحمل مسؤوليتها لوحدي ودون غيري‚ الشيخ الطقي يؤيد المستبد جعفر غيري في الاغتيال السياسي للمفكرين: لقد احتفى الشيخ الطقي بقوانين سبتمبر 1983 والتي بموجبها تمت محاكمة الجمهوريين واعدام الاستاذ محمود بتاريخ 18/1/1985 ويجب ان نبين الوقائع التالية: 1- لقد تم الغاء حكم محاكم تفتيش الضمير النميرية المذكور بواسطة المحكمة العليا بعد انتفاضة ابريل 1985 التي (خلع) فيها الشعب السوداني حكم النميري وقد اعلن عمر عبدالعاطي النائب العام الشهير في عهد الحكم الانتقالي في حكومة د‚الجزولي دفع الله ان وزارة العدل لن تدافع عن حكم صدر في محاكمة سياسية وان حكومة الجزولي دفع الله لن تكرس حكم السفاح الهارب (آنذاك) جعفر نميري‚ فوافق النائب العام على طلبات الطاعنين والطالبين (لحماية حق دستوري) فصدر حكم المحكمة العليا الدائرة الدستورية بالغاء حكم المكاشفي طه الكياشي وحكم النميري والغت قرار مصادرة منزله وكتبه‚‚ الخ‚ 2- لقد تعمد الشيخ الطقي اغفال الاشارة الى حكم المحكمة العليا بابطال حكم ردة الاستاذ محمود واعادة اعتباره لانه لا يعترف بالمحكمة العليا (الا اذا كان هذا الحكم لمصلحته) وهذا شأن سدنة الاستبداد فالقضاء العادل الحر المستقل والاستبداد نقيضان‚ الشيخ الطقي (يتأسف) للسماح للجمهوريين بتشكيل حزب ابدى الشيخ الطقي اسفه الى ان مولانا محمد احمد سالم مسجل الاحزاب قد وافق على تسجيل الحزب الجمهوري‚ ماذا يريد اذن ان يفعله الجمهوريون؟ ان الطريق البديل للعمل الحزبي الشرعي هو العمل السري المرتبط عادة بالعنف والانقلابات‚ واذا كان الشيخ الطقي يرفض السماح للجمهوريين بتكوين حزب شرعي فما هو موقفه من الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي والحزب الناصري والاحزاب الجنوبية والحزب القومي برئاسة الاب قلب عباس غبوشي؟ اجزم ان مذهب الشيخ الطقي لا يسمح لكل هذه الاحزاب بالعمل او البقاء الا بعد التوبة ودفع الجزية بالنسبة للنصارى واكون سعيدا لو ينفي شيخ الطقي ذلك‚ الشيخ الطقي يكفر الجميع ارجو ان يكون مفهوما ان الشيخ الطقي لا يكفر الجمهوريين وحدهم وانما يكفر الانصار والختمية والسمانية والقادرية والتجانية باختصار كل الصوفية الذين رمز اليهم في ذات مقالة موضوع التعقيب بابن عربي الشيخ الاكبر وابن الفارض‚ ان الشيخ الطقي ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تكون له اي سلطة ليقوم بتحطيم قبة الامام المهدي وقبة السيد علي الميرغني في بحري وقبة سيدي الحسن في كسلا وقس على ذلك لان كل هؤلاء في نظره (قبوريون)‚ ولكن الشيخ الطقي لا يجرؤ على مواجهتهم لانهم مسلحون‚ والشيخ الطقي يفلح في اقامة الحسبة ضد الجمهوريين ولكنه لن يجرؤ على اقامتها ضد الشيوعيين وبقية اليساريين والانصار لانهم جميعا يدافعون عن انفسهم بقوة السلاح ولهم كوادر امنية مدربة لحماية قياداتهم‚ فالشيخ الطقي ينطبق عليه المثل: (يخاف‚ ولا يستحي) والذين استحوا ماتوا‚ فهو يجرؤ على الجمهوريين وحدهم لانهم لا يعرفون العنف والتدريب على السلاح‚ لهذه الاسباب نرفض الدولة الدينية: 1- ان اغتيال الاستاذ محمود باسم الشريعة الاسلامية كان اكبر جريمة ووصمة عار على السودان‚ فاذا كان مقتل غردون على ايدي دراويش المهدي عام 1885 قد استوجب استعمار السودان 55 سنة فان اغتيال المفكر محمود محمد طه يبرر استعمار السودان 50 سنة اخرى في القرن الواحد وعشرين لمدة ثلاثة اجيال يعاد فيها صياغة الانسان السوداني بعقيدة جديدة من شاكلة عقيد الجيش السوداني الجديد في ظل السودان الجديد ما رأي شيخ الطقي في هذه العقيدة؟ 2- ان قتل المفكر محمود واحراق 100 صنف من كتبه كان عملا ارهابيا بكل المقاييس‚ 3- قبل الجمهوريين تعرض الحزب الشيوعي السوداني عام 1965 لارهاب تكفيري بحل الحزب وطرد نوابه من البرلمان‚ 4- بعد الجمهوريين تعرض مسجد شيخ ابو زيد محمد حمزة لارهاب تكفيري استهدف شيخ ابو زيد قتل فيه الاطفال وجمهور المصلين‚ 5- بعد الجمهوريين تعرض الشيخ النيل ابو قرون للاستتابة في عهد الانقاذ فاعلن توبته على الملأ !! وهذا عمل ارهابي بكل المقاييس‚ 6- لهذه الاسباب نطالب بدولة (المواطنة) وفصل وابعاد (رجال الدين) عن الدولة وندعو الى تجديد الفكر الديني‚
                  

04-04-2008, 03:01 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    فى الرد على مقال للدكتور عبدالله على ابراهيم (نشر بالرأى العام16 سبتمبر 2003) عن محاولات الأزهرى لأسلمة الدولة كتب د. ياسر الشريف
    ====
    لقد كان للرئيس إسماعيل الأزهري، سامحه الله وغفر له ورحمه، اليد الطولى في تتابع الأحداث التي قادت إلى مهزلة محكمة الردة.. وقد جاء ذلك في مقدمة وخاتمة كتاب: "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين"..
    جاء في المقدمة:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    "وأنيبوا إلى ربكم، وأسلموا له، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة، وأنتم لا تشعرون.."
    صدق الله العظيم
    مقدمة
    "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" هو عنوان المحاضرة التي أثارت كثيرا من اللغط ثم تصاعدت إلى مهزلة محكمة الردة.. تلك المهزلة التي ستذهب في التاريخ مثلا من أسوأ الأمثلة التي أثرت حتى عن عهود التأخر، والتخلف الفكري..
    ولقد أقيمت هذه المحاضرة في ثمانية أماكن، وسجلت على أشرطة في جميع هذه الأماكن.. أقيمت في الجامعة، لأول مرة، وذلك في يوم 7/9/1968، ثم بعد ذلك بشهرين، أقيمت في معهد المعلمين العالي.. وذلك يوم 11/11/68، ثم في دار الحزب الجمهوري، بالموردة يوم 14/11/68، ثم أقيمت بمعهد شمبات الزراعي، ثم بالكلية المهنية، ثم بالمعهد الفني "الداخليات" ثم، عندما طلب نادي السكة الحديد بالخرطوم إقامتها عنده، اعترض المحافظ بناء على توصية كمندان بوليس السكة الحديد لسبب لا يزال مجهولا لدينا..
    ثم، في خلال أيام مهرجان الفكر السياسي، بمناسبة عيد الفطر المبارك بمدني، أقيمت بدار الحزب الجمهوري، وأقيمت بنادي موظفي الأبحاث الزراعية بمدني..
    [..]
    وفي ختام السفر سنورد جميع المحاولات التي قامت بها السلطات، للحجر على حرية رأي الحزب الجمهوري، استجابة لرغبة رجال نصبوا أنفسهم أوصياء على الإسلام، وعلى الشعب، وهم، أنفسهم، في أشد الحاجة إلى الأوصياء..
    إن الحزب الجمهوري لعلى ثقة بدعوته، وعلى يقين بربه، وهو سيمضي في سبيله غير هيّاب، ولا وجل.. فإن أقض ذلك مضاجع أقوام فلا نامت أعين الجبناء.
    .
    ===
    وفي الخاتمة جاء:

    وآخرون
    وقبل صحيفة "الرأي العام" تورط في الخطأ، والعجلة، رجال آخرون، فحاولوا أن يوقفوا إلقاء هذه المحاضرة بمعهد المعلمين العالي، وذلك يوم الإثنين 11/11/1968، فقد ورد في "الرأي العام"، عدد يوم 13/11 أن السيد اسماعيل الأزهري "أصدر أمرا بمنع تقديم الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري في محاضرة بمعهد المعلمين العالي دعت لها الجبهة الاشتراكية الديمقراطية: وكان عنوانها "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" على أساس أنها يمكن أن تستفز مشاعر بعض المواطنين..
    طلب عميد المعهد بالإنابة من الجبهة إلغاء الندوة، إلا أن اللجنة التنفيذية للجبهة أصرت على أن تقدم المحاضرة في موعدها ووصلت بعض قوات الأمن.. إلا أنها لم تتدخل لفض الندوة، التي لم يحدث خلالها ما يعكر صفو الأمن" انتهى خبر "الرأي العام" ولقد بلغني أن أحد محرريها كان حاضرا تلك الليلة.. وأحب أن أضيف هنا أن المحاضرة استقبلت بحماس، وباحترام، حتى من الذين يعارضون فكرة الحزب الجمهوري، وهي مسجلة برمتها ــ نص المحاضرة ونقاش من اشتركوا في النقاش ــ وإنما لم يتدخل البوليس لفض الندوة، وقد حضر في عربتين مستعدا لذلك لأنه لم يجد ما يوجب التدخل..
    ثم أن "الرأي العام" نشرت تصحيحا في يوم 14/11/1968 تحت عنوان "أزهري ينفي علمه بمحاضرة محمود محمد طه، ــ والتربية والتعليم تقول بأن قاضي القضاة خاطب الأزهري بشأنها" وقد جاء في ذلك التصحيح الآتي:
    "جاءنا من القصر الجمهوري أن السيد الرئيس إسماعيل الأزهري ينفي جملة وتفصيلا أنه تدخل في موضوع محاضرة الأستاذ محمود محمد طه بمعهد المعلمين العالي، ويؤكد أنه ليست له علاقة من قريب، ولا من بعيد بهذا الأمر، وأنه لم يسمع بالمحاضرة إلا من الخبر الذي أوردته "الرأي العام" أمس..
    "وبنفس الوقت جاءنا من وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أية تعليمات لمنع المحاضرة المذكورة وكل الذي حدث هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة، بصورة لوزارة التربية والتعليم وسلطات الأمن، ينصح فيها بعدم تقديم المحاضرة خشية أن يكون فيها ما يثير المسلمين..
    "وتقول الوزارة أنها اتصلت من جانبها دون إيعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لإبلاغ الطلاب مقدمي الندوة، باحتمال إثارة الأمن."
    وتمضي "الرأي العام" فتقول بعد هذا: "ونود أن نؤكد أن العميد بالإنابة قد اجتمع بالطلاب، وأبلغهم اعتراض الرئيس الأزهري على المحاضرة، وطلب منهم إلغاءها، وأنهم قد أصروا على تقديمها، وقدموها بالفعل.." هذا نص التصحيح الذي أوردته "الرأي العام" في صفحتها السابعة يوم 14/11 وفي يوم 15/11 كتبت "الرأي العام" تقول تحت باب "كلمة" الآتي:ــ
    "حول نفي القصر لمنع محاضرة محمود محمد طه..
    "فهمت بعض الجهات نشرنا لنفي القصر الجمهوري لخبر منع محاضرة محمود محمد طه على الصفحة السابعة فهما غير صحيح، نعيد بعده نشر النص الكامل للخطابين اللذين وصلانا من القصر، ومن وزارة الإعلام، راجين أن يحقق السيد عميد معهد المعلمين في تفاصيل خبرنا، الذي قيل لنا أن ما جاء فيه قد دار بين السيد العميد ومندوبي الطلبة قبل المحاضرة..
    "السيد رئيس جريدة "الرأي العام" الغراء.. تحية طيبة..
    بالإشارة إلى الخبر المنشور في جريدتكم بتاريخ اليوم الأربعاء 13/11/1968. في الصفحة الأولى، تحت عنوان ــ أزهري يمنع محاضرة، وطلاب معههد المعلمين يصرون على تقديمها ــ أرجو أن أخطركم بأن السيد الرئيس إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة الموقر، قد كلفني بأن أنفي هذا الخبر جملة وتفصيلا، فسيادته لم يتدخل في هذا الموضوع، لا من قريب، ولا من بعيد، ولا علاقة له به البتة، بل أنه لم يسمع عن هذه المحاضرة، ولم يقرأ عنها إلا من خلال الخبر الذي صاغته جريدتكم عنها. أرجو نشر هذا التوضيح في نفس المكان الذي نشرتم فيه الخبر المشار إليه وشكرا..
    حسين محمد كمال
    ع/رئيس الديوان
    "السيد رئيس تحرير جريدة "الرأي العام" الغراء
    نرجو التكرم بنشر البيان أدناه، الصادر من وزارة التربية والتعليم، في عددكم ليوم غد الخميس 14/11/1968، وشكرا
    "نشرت صحيفة "الرأي العام" بعددها الصادر صباح اليوم 13/11/1968: خبرا بعنوان ــ أزهري يمنع محاضرة، وطلاب معهد المعلمين يصرون على تقديمها ــ
    "تؤكد وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر اية تعليمات لمنع المحاضرة كما ورد في الخبر الذي نشرته "الرأي العام" وكل الذي حدث، هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة بصورة لوزارة التربية والتعليم وسلطات الأمن ينصح فيها تقديم المحاضرة خشية أن يكون بها ما يثير المسلمين..
    "وقد اتصلت وزارة التربية والتعليم من جانبها دون إيعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لإبلاغ مقدمي الندوة باحتمال إثارة الأمن، نسبة لأن العنوان هو ــ الإسلام برسالته الأولى، لا يصلح لإنسانية القرن العشرين ــ "ومن هنا يتضح أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أمرا، ولم يتصل بأية جهة لوقف المحاضرة"
    عثمان محمد نصر
    ع/ وكيل وزارة الإعلام والشئون الاجتماعية


    قاضي القضاة
    لقد ظهر من الأخبار التي ورد ذكرها أن قاضي القضاة كان يسعى سعيا حثيثا لإثارة السلطات ضد الحزب الجمهوري، وكان يتوكأ على نقطة الأمن، ويظهر الحرص على الأمن، وذلك لعلمه أن المسئولين يكونون عادة حساسين عندما يذكر الأمن..
    ولقد أثار سلف قاضي القضاة حكومة العساكر ضد الحزب الجمهوري عام 1960، حتى حملوها على منع محاضرات الحزب الجمهوري، وكانو هم، كخلفهم الحاضر، لا يتكلمون باسم الدين. وإنما يتكلمون باسم الأمن، والإشفاق على الأمن.. وحين منعت حكومة العساكر الحزب الجمهوري من إقامة المحاضرات في الأماكن العامة، لم تستطع أن تمنعه من إقامة الندوات المفتوحة في المنازل الخاصة، ولكنها جندت من رجال السلك السري من يراقبون هذه الندوات.. وكانت الأخبار ترفع بأن ما يقال في هذه الندوات العامرة، الكبيرة، لا يهدد الأمن، ولا يثير الشغب، بل أن الشعب، في مختلف طبقاته ومستوياته ليجد فيها المتعة، ويستقبلها بالرضا، أو الاقتناع، أو الاحترام، أو الإفحام. ولكن على التحقيق ليس بالشغب.. وعندما اقتنعت حكومة العساكر بأن دعوى إثارة الأمن دعوى لا أساس لها، أفرجت عن محاضرات الحزب الجمهوري وذلك حوالي عام 1963..
    هل نحتاج لأن نذكّر السيد قاضي القضاة أن يهتم بأمر الدين ويترك أمر الأمن لرجال فرغوا أنفسهم له؟ وهم به أعلم منه؟ فإن كان السيد قاضي القضاة لا قدرة له، من المستوى العلمي، بمواجهة دعوة الحزب الجمهوري.. وهو ما عليه الأمر، فإنا ننصحه بأن يفتح ذهنه لهذه الدعوة، لأنها هي الإسلام، ولا إسلام إلا إياها.. فإنها هي الناطقة عن المصحف اليوم.. فإن لم تكن بقاضي القضاة حاجة إلى الإسلام فلا يقف بين الشعب وبين المعين الصافي الذي يدعو إليه الحزب الجمهوري..
    هذا والله المسئول أن يهدينا ويهدي بنا إنه أكرم مسئول وأسرع مجيب وخير هاد..

    ====
    تعليق:
    الملاحظ أن محكمة الردة التي كانت مبيتة ضد الأستاذ محمود محمد طه قد قامت بعد أربعة أيام من محاضرة معهد المعلمين العالي، أي في 18 نوفمبر 1968.. وقد اجتهدت السلطة التنفيذية، ابتداء من مجلس السيادة ورئيسه، إلى وزارتي التربية والتعليم والإعلام والشئون الاجتماعية، ألا يظهر أي دور لها كطرف في محاولة منع المحاضرة.. وقد ظهر فيما بعد أن بعض الدول مثل السعودية ومصر قد كان لهما دور، بواسطة الأزهر وعلماء الجامعة الإسلامية، في تدبير محاولات إسكات الحزب الجمهوري..
                  

04-04-2008, 03:05 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نحن أفق بعيـــد

    بقلم الطيب صالح

    حين أعدم الرئيس السابق جعفر محمد نميري ، الرجل الهرم محمود محمد طه رحمه الله ، كلمتني " باربرا براي " في الدوحة من باريس ، آخر الليل . كان صوتها على التلفون غاضبا حادا ، أقرب إلى الصراخ ، وذلك أمر لم أعهده منهـا ، فهي عادة هادئة رقيقة مهذبة . قالت لي :

    " ألا تنوى أن تفعل شيئا ؟ "
    " أفعل شيئا بخصوص ماذا ؟ "
    " ألم تسمع الأخبار ؟ ألم تسمع بأن رئيسكم الهمجي قد أعدم رجلا في الثمانين من عمره ؟ أنه أمر مخجل حقا ، من يصدق أن هذا يحدث في هذا العصر ؟ " .

    صمت وتركتها تسترسل فماذا أقول لها . لم تهدأ ثائرتها بل أن غضبها ازداد قوة وهي تمضي في الكلام . وحين يطول صمتي تقول لي بعنف :

    " هل أنت هناك ؟ هل تسمعني ؟ "
    " نعم يا باربرا ، أنا هنا وأسمعك جيدا "
    " إذا لماذا لا تفعل شيئا ؟ "
    قلت لها متضاحكا لعلني أعيدها إلى هدوئها :
    " الآن ؟ في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟ " .
    لم تستجب لمحاولتي ، وقال لي بصوت أكثر غضبا :
    " أنني كنت أتحدث منذ لحظات مع البيت الأبيض في واشنطن . طلبت محادثة الرئيس ريجان . طبعا أنكروا أنه موجود . كلمي أحد مساعديه . قلت له كل ما خطر على بالي . قلت له أن دم هذا الرجل المسكين معلق في رقبتكم " .

    سألتها متغابيا :
    " ولكن ما دخل الرئيس ريجان بمقتل محمود محمد طه ؟ " .
    " لا تكن غبيا . هل تظن أنهم ما كانوا يستطيعون انقاذه لو أرادوا ؟ هل يستطيع نميري أن يرفض لهم طلبا ، أليسوا هم الذين جاءوا به وهم الذين يساعدونه على البقاء في الحكم ؟ " .
    " وماذا قال لك مساعد الرئيس ؟ " .

    " ماذا يمكن أن يقول لي ؟ أحد هؤلاء الشبان التافهين الذين يسمونهم تجاوزا مساعدي رئيس . كل عملهم أنهم يحملون حقائبه ويتراكضون حوله . لم يظهر عليه أنه فهم ما أقول وأظنه لا يعلم أين السودان ومن هو نميري أو محمود محمد طه . أخذ اسمي وعنواني وتلفوني ووعد بأن ينقل احتجاجي للرئيس . بعد أن انتهت المكالمة طلبتك فورا " .

    قلت لها متضاحكا مرة أخرى :

    " أنه لشرف عظيم أن تضعيني في كفة مع رئيس أكبر دولة في العالم . أنا الموظف الغلبان في منظمة اليونسكو " .

    تحول سخطها من الرئيس الأمريكي إلى اليونسكو ، فهي تكره المؤسسات البيروقراطية من حيث هي . فقد استقالت من هيئة الإذاعة البريطانية وتعاونت فترة قصيرة من منظمة اليونسكو ثم رفضت التعامل معها :

    " متى تستقيل من هذه المنظمة الجوفاء وتتفرغ لما هو أهم ؟ " .
    " وما هو الأهم ؟ " .
    " ألا تعرف إلى الآن ما هو الأهم ؟ "

    بلى ، أنا أعرف ما هو الأهم في نظر " باربرا براي " وفي نظري أن أيضا . ولكن من يطعم الزوجة والعيال ، ويدفع أقساط المدارس والجامعات ؟ كل هذه الأشياء الصغيرة ، أم الكبيرة ، التي تكبل الإنسان بقيود يشتد وثاقها يوما بعد يوم ، وتجعله يصمت حين يجب عليه أن يصرخ ، ويذعن حين يتحتم عليه أن يرفض . " باربرا براي " لا تأبه لذلك . لقد استقالت من هيئة الإذاعة البريطانية منذ ثلاثين عاما وهي في قمة النجاح ، وليس عندها مصدر دخل . غامرت وحملت طفلتيها وجاءت إلى باريس . استأجرت شقة صغيرة في الحي اللاتيني قريبا من " بوليفار سان ميشيل " وعلى مرمى حجر من نهر الـ " سين " ، ما تزال تعيش فيها إلى اليوم . رفضت بتاتا أن تشترى بيتا أو شقة بالأقساط كما يفعل الناس . " منسي " وأنا حاولنا إقناعها ولكنها قالت أنها لا تحب أن تمتلك أي شئ ، وتحب أن تفارق الدنيا وليس وراءها شئ . أخذت تعيش من كتاباتها في النقد للصحف الفرنسية والإنجليزية ، فهي ناقدة متمكنة لها نفوذ وصيت ، وتترجم من الفرنسية إلى الإنجليزية ، وكثيرون يعتبرونها أحسن مترجم في هذا المجال . وقد ترجمت جميع روايات الكاتبة الفرنسية الشهيرة " مارجريت دورا " ، لا حبا في المال ولكن لأن الكاتبة صديقتها . وحين يضيق بها الحال ، تكتب " سيناريوهات " للسينما ، فهي تحتقر السينما ، ولا تعتبرها شكلا فنيا محترما . وكان بوسعها أن تجمع مالا وفيرا من كل هذا الجهد ، ولكنها لا تحسن تدبير المال ولا تأبه له ، وتقع دائما فريسة لطمع الناشرين وخداعهم .


    دائما تجعلني أحس بالخجل من نفسي ، هذه السيدة العجيبة . لا تنتمي لحزب ، وليس عندها أي مطمح ، وتعطى الحياة أكثر ما تأخذ منها . كأنها تحمل على عاتقها هموم الإنسانية بأسرها ، إذا وقع زلزال في الجزائر أو فيضان في السودان أو مجاعة في أثيوبيا ، يعصر الألم قلبها ، كأنها مسؤولة شخصيا عما حدث . ولا تكتفى بذلك بل تجمع التوقيعات وترسل الاحتجاجات . تؤيد كفاح الشعب الفلسطيني وتكره النظام العنصري في جنوب أفريقيا ، وتمقت التسلط والقهر حيثما يكون . وأنا لا أشك أنها تحس مأساة جنوب السودان أكثر مما يحسها جون قرنق وبقية هؤلاء الزعماء النجباء ، الأذكياء الأغبياء . " باربرا براي " تؤمن كما جاء في القرآن الكريم أن من قتل نفسا واحدة بغير حق ، فكأنما قتل الناس جميعا ، وهؤلاء عندهم أن يموت مليون ، لا شئ ، في سبيل أن يصبح الواحد منهم زعيما .

    في تلك الليلة شعرت بخجل عميق . قلت لها ، وأنا أعلم أن كلامي أعوج وحجتي جوفاء :

    " أنت تعلمين أننا حين ندخل اليونسكو ، كما في كل المنظمات الدولية ، نقسم يمينا أن نكون محايدين ولا نتدخل في شؤون الدول الأعضاء في المنظمة " .

    " كلام فارغ " .

    أطارت النوم من عيني ، وقضيت الليل مسهدا أضرب أخماسا فـي أسـداس .. وذلك أضعف الإيمان *


    _______________________________
    * حكي الطيب صالح في برانامج - خليك بالبيت - بالفضائية اللبنانية
    انه هم بنشر مقال احتجاجا الا انه تراجع في اللحظات
    الاخيرة تحت الحاح احد اصدقائه،لتعارض ذلك مع اليمين التي اداها
    لليونسكو. وقال انه ندم ندما شديدا فيما علي عدم نشر المقال
                  

04-04-2008, 03:14 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    سلام السودان بعد عشرين سنة من "هذا أو الطوفان"!
    عن سودانايل الاربعاء 24 ديسمبر 2003
    أبو بكر القاضي
    [email protected]

    ليس لمحاكم الدنيا كلها سلطة او اختصاص بمحاكمة "مفكر" على صحة او خطأ افكاره مادام هذا المفكر يطرح افكاره ويدعو لها بالتي هي احسن ويستخدم الاساليب والوسائل السلمية للتعبير عن افكاره‚ هذا ما توصلت اليه الانسانية منذ الثورة الفرنسية وبعد مآسي الحربين العالميتين في النصف الاول من القرن الماضي وقد ضمنت الانسانية تجاربها الثرة بعد مآسي محاكم تفتيش الضمير في الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 والمواثيق اللاحقة‚ ان الجهة الوحيدة التي لها الحق في الحكم على فكر معين او برنامج حزب معين هي انسان الشارع العادي (من رجل او امرأة) هو الناخب صاحب الصوت في الانتخابات‚ واقرب مثال لذلك ما جرى في الانتخابات التركية الاخيرة التي فاز فيها حزب العدالة ــ الاسلامي التوجه بقيادة رجب طيب اردوغان‚ لقد خاض هذه الانتخابات احزاب كثيرة حكم عليها الشعب التركي بالاعدام السياسي واعلن زعماؤها اعتزال السياسة وبقي بالبرلمان حزبان فقط هما اللذان قرر الناخب التركي منحهما الثقة والفرصة لحكم البلاد وجلس لهما بالمرصاد ينتظر الانتخابات القادمة للحساب العسير‚ هذه هي الديمقراطية "حكم الشعب" وهي تجربة انسانية حققت من خلالها شعوب كثيرة حريتها ورفاهيتها‚ فنحن كشعوب عربية احق بها واهلها‚ ونطالب بوش وباول بالضغط على حكامنا لاعتمادها كاسلوب للحكم‚ عشرون سنة على منشور "هذا أو الطوفان" يصادف اليوم مرور عشرين سنة بالتمام على صدور منشور "هذا او الطوفان" الذي اصدره "الجمهوريون" في السودان يوم 25 ديسمبر 1984 مطالبين نظام مايو ــ النميري ــ بالغاء قوانين سبتمبر 1983 وحل مشكلة الجنوب حلا عادلا من اجل ايقاف نزيف الحرب الدائرة في جنوب السودان‚ لقد قام نظام جعفر نميري الذي فقد شرعية بقائه واستمراريته بمجرد اجهاضه لانجازه الاساسي وهو سلام اتفاقية اديس ابابا عام 1972 قام نظام نميري بمحاكمة الاستاذ محمود طه واربعة من تلاميذه الجمهوريين بسبب اصدارهم لهذا المنشور‚ وقد تمت محاكمتهم امام محكمة جنايات ام درمان رقم 4 تحت المواد 27 (1) و96 ط ك و و105 عقوبات والمادة 20 (1) من قانون امن الدولة والمادة الثالثة من قانون اصول الاحكام القضائية لعام 1983 وقد حكمت عليهم المحكمة بالاعدام جميعا بتاريخ 8/1/1985 وجاء منطوق الحكم كالتالي: الاعدام شنقا حتى الموت وان يكون لهم الحق في التوبة والرجوع عن دعوتهم الى ما قبل تنفيذ الحكم‚ وترفع الاوراق الى محكمة الاستئناف للفحص والتأييد‚ ثم قامت محكمة الاستئناف بنظر ملف القضية وكانت برئاسة الدكتور المكاشفي طه الكباشي وقامت باجراء محاكمة جديدة دون استدعاء المتهمين والسماح لهم بالدفاع عن انفسهم او اعادة ملف القضية الى محكمة اول درجة لتعيد محاكمتهم طبقا للتهم الجديدة التي اضافتها محكمة الاستئناف‚ وبتاريخ 15/1/1985 اصدرت محكمة الاستئناف حكمها بالاعدام على المفكر محمود طه وحرمته من حق الاستتابة وحكمت على تلاميذه الاربعة ايضا بالاعدام مع الاستتابة وحكمت بحرق كتبه ومصادرتها‚ وقد قام جعفر نميري بتأييد هذا الحكم في مرافعة تليفزيونية امام الجمهور كان القصد منها استعراض القوة وادخال الرهبة في الصدور وتكريس اذلال الشعب باسم الدين ! وتم تنفيذ حكم الاعدام صباح الجمعة صباح 18 يناير 1985 ! محاكمة الجمهوريين كانت تصفية حسابات سياسية يعنيني ــ بمناسبة مرور 20 سنة على هذه المحاكمة السياسية ــ ان ابين للقارئ ان محاكمة الجمهوريين في عهد المستبد جعفر نميري كانت محاكمة سياسية استخدم فيها النميري قضاة السلطان وعلماء السلطان من اجل تثبيت اركان حكمه‚ ويهمني كما يهم القارئ تأكيد ان كل المفكرين واصحاب الرأي عرضة لمثل هذه المحاكمة السياسية التي لا علاقة لها بدين الله السمح المتسامح‚ واكبر دليل على ذلك هو ان الذين اعانوا على هذه المحاكمة الجائرة انفسهم تعرضوا لاحقا للاتهام بالردة والاستتابة واعلنوا توبتهم علنا وانا انتهز هذه الفرصة لاعلن ادانتي لما لحقهم من استتابة خاصة واني اعلم انهم لم يتوبوا عن معتقداتهم ولم يتخلوا عنها لان القناعة لا تترك بالاكراه وانما بالاقناع والحوار‚ ومن هنا كانت وجاهة وعلمية "لا اكراه في الدين"‚ لسنا هنا بصدد مناقشة صحة او عدم صحة الفكرة الجمهورية وانما نحن هنا بصدد اثبات اصدار حقوقهم الاساسية في حرية الفكر والضمير والديانة وحرية الرأي والتعبير والاعلام والاتصال‚ وهي مسائل تخص الجميع والتاريخ يقول ان كل من يفرط فيها سوف يتعرض للامتحان بشأنها‚ نحن الآن توقيع اتفاقيات السلام امام سودان جديد وكل الافكار والاحزاب في السودان في حالة اعادة تشكل من اجل عقيدة جديدة لسودان جديد فاليسار السوداني كله في حالة اعادة تشكل والاحزاب التقليدية كذلك والحركة الاسلامية السودانية كذلك‚ المجتمع الجمهوري يغلي الآن وهو ايضا في حالة اعادة بناء وتشكل بعد موات دام عشرين سنة‚ ان افضل من يقيم اي حركة فكرية وسياسية هم الاشخاص الذين خاضوا هذه التجربة من الداخل لان معرفتهم محيطة بالعام والخاص والسري والعلني‚ فعندما تعود الديمقراطية وتنصرف الاحزاب عن الانشغال باسقاط النظام سوف تتفرغ الاحزاب لمناقشة افكارها وبرامجها واعادة صياغة افكارها وقتها - ان طال العمر - لكل حادث حديث‚ المحكمة العليا تؤكد ان محكمة المكاشفي تجاوزت كل قيم العدالة وقد جاء حكم المحكمة العليا برئاسة رئيس القضاء محمد ميرغني مبروك في حكمها الدستوري الذي قضى في منطوقه بـ "اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف" واعاد للجمهوريين اعتبارهم لكونه صادرا من اعلى سلطة قضائية في السودان‚ جاء في حيثيات هذا الحكم على صفحة (19) من الحكم المنشور على "سي‚دي" السوابق القضائية السودانية الصادر عن الهيئة القضائية: ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيرا في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثا ومتعارفا عليه او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة وانطوى عليه دستور 1973 (الملغى) رغم ما يحيط به من جدل‚ وجاء على صفحة 18 من حيثيات ذات الحكم ما يلي: على ان محكمة الاستئناف وفيما نوهنا به اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان "يستحيل معه الوصول الى حكم عادل" تسنده الوقائع الثابتة وفقا لمقتضيات القانون ويبين ذلك جليا مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت: ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهمها جديدا للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم‚‚ الخ‚ وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سندا لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانوني العقوبات وامن الدولة وادى الى تحريكها صدور منشور محرر في عبارات واضحة لا تقبل كثيرا من التأويل‚ لقد توصلت المحكمة العليا الى كبد الحقيقة حين قررت ان الحكم قد خضع لمعايير سياسية لا شأن لها بالاحكام القضائية حيث قالت على ص17 ما يلي: (على انه يجمل القول ومهما كانت اوجه الرأي فيما يتعلق بتلك العيوب وانه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتجهت نهجا غير مألوف واسلوبا يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان الى عدالة حكمها امرا غير ميسور وعرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالاحكام القضائية) انتهى‚ وتجدر الاشارة الى رد النائب العام المدون بمحضر جلسة 17/4/1986 كان كالتالي: ان النائب العام يقر بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون ويرى انها اجهاض كامل للعدالة والقانون ولذلك فانه لا يرغب في الدفاع عن تلك المحاكمة‚ وبهذا الاقرار فقد برأ عمر العاطي ساحة حكومة الجزولي دفع الله من اي مسؤولية تجاه المحاكمة الظالمة التي يبوء بمسؤوليتها نظام نميري وسدنته في زمن الهوس الديني وعهد الظلم‚ اخلص من كل ما تقدم الى الآتي: اولا: مرحبا بسلام السودان القائم على العدل في اقتسام السلطة والثروة والمساواة بغض النظر عن العنصر او اللون او الدين‚ ثانيا: لقد دفع الاستاذ محمود طه حياته من اجل السلام والوحدة حين اصدر منشور "هذا او الطوفان" قبل عشرين عاما‚ ولنا العبرة جميعا في هذه المحاكمة السياسية الظالمة‚ ثالثا: ان سلاح "التكفير" هو اكبر سلاح يهدد الانسانية جمعاء لانه يمنع التعايش والاعتراف بالآخر في مجتمع كوكبي وهو بذلك اخطر من اسلحة الدمار الشامل‚ اقول للتجمع ولقرنق ولباول وبوش نريد سلاما مصحوبا بالديمقراطية وحقوق الانسان كما هي في المواثيق الدولية‚
                  

04-04-2008, 03:18 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الشــاعـر صــديق ضــرار
    طائر الصــــدى

    طائر الصدى عند العرب هو ذلك الطائر الذى يأتى الموتورَ فيصرخ فيه ويفزِّعه كل ليلة
    ولا يتركه حتى يأخذ بثأره وقيل أنه ( البوم )
    وهذه القصيدة كتبت عندما اغتالت الطغمة الشرسة شهيد
    الفكر الأستاذ محمود محمد طه ووقف وحده ، سوى من أبنائه الجمهوريين الوادعين . فذكرت أبادماك ( تجمع الكتاب والفنانين السودانيين ) الذى تكون عندما شعر الكتاب والفنانون بعد الإعتداء الآثم الذى قام به تنظيم جبهة الميثاق الإسلامى على احتفال جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم
    كما وقد كانت جبهة الميثاق قد إجتهدت لاستصدار حكم من المحكمة الشرعية بردة الأستاذ محمود محمد طه . فما كان من الكتاب والفنانين إلا التجمع لحماية أنفسهم وحماية الفكر من هذه المغولية . ولى عودة فى مقال آخر عن هذا الموضوع .
    المهم أنى ومن منطلق هذه الخلفية كان هاجسى فى هذه القصيدة رد المظلمة والثأر
    للشهيد والدفاع المستميت عن حملة هذا الفكر البريىء / المنحاز
    صديق ضرار
    طـــــائـر الصــــــــــــــــدى

    كلما دلفت الى الميناء بارجة
    أقول الأصدقاء أتوْا
    من المدن المؤازرة البعيدة
    وبأجمل سيدات الأرض قد عادوا
    ذات العيون المشرقات ،
    تميس قامتُها المديدة .
    تلك التى :
    كانت ضفائرها
    ـ أرجوحة للبدر
    جبنها للشمس مرآة
    ونحرها
    نهرا تصدّفه ورودا
    قد حلَّ منذ رحيلها محلٌ
    وأصبحت القصيدة
    حزناً تكفأ ساكناً
    وأفقدنى الصمودا
    * *
    كلما دلفت إلى الميناء
    بارجة جديدة
    أقول الأصدقاء بها ،
    متحفظاً أدنو قبالتها
    بخطىً محاذرة وئيدة
    وأمد سواعد الأشواق ،
    منتظرا بشاشتها الودودة .
    متى اقتربت
    استدارت لترجمنى ذخيرتها
    وتمد فى الإبحار بعد أن
    أفرغ جوفُها النارى زخات حقودة .
    تمضى وتتركنى وحيدا
    فأنام مختنقاً
    وفى عظمى من الحمى
    ما يذيب العظم ـ إن كان معدنه حديدا
    ويجيئنى فى الحلم
    هذا الطائر الليلىُّ
    يحمل لى وعيده
    : ـ " الطفلة التى كانت
    بقرب الساحل الرملىِّ
    تلعب بالحصى
    وبالصدف المدنّف ،
    كيف تركتها :
    ليخطفها القراصنة اللئام ؟
    كيف بدونها قد عدت ؟
    دون أن تردّ غائلة الِعدا ؟
    وتعيد للشطئان طفلتَها الوليدة ؟
    : ـ من كانت تدين لها الشموس بشاشة ،
    ويضحك القمر الجميل على محيَّاها ،
    وتخصب فى مراعيها الفصول ،
    وترتع الأحلام هانئة ،
    ويتصلُّ الذى :
    ما بين دائرة الحجاب المستحيلِ ،
    وبين عودتها الحميدة .
    : ـ كيف تركتها
    لتلفظها الموانىء كلها ؟
    كيف تركتها ؟
    فغدت مفزَّعةً شريدة "

    صديق ضرار 3 فبراير 1985
                  

04-04-2008, 03:23 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    from sudaneseonline.com
    ====

    في ذكرى الأستاذ محمود محمد طه
    احمد ضحية
    مستقبل لا السودان بين ملاك الحقيقة المطلقة والقلق السياسي
    • هذه الورقة ليست دراسة لفكر الأستاذ محمود محمد طه بقدر ما هي مقاربة لبعض أفكاره الأساسية التي طرحها في سفره الأول سنة 1945 ومقارنتها باللحظة الحرجة الراهنة التي تعيشها بلادنا مع إضاءة ابرز جوانب هذه اللحظة بتعقيداتها الاثنية والثافية والفكرية والأساسية ولذلك هي ورقة سياسية ذات طابع فكرى تعبيرا عن الوفاء لهذا المفكر الاسلامى رائد التنوير الديني الشهيد محمود محمد طه في الذكرى العشرين لإعدامه فقد مثل فكر الشيخ طه علامة فارقة في تاريخ الإسلام في السودان _الإسلام كايدولوجيا _إذ لم يكن الأستاذ مثل رجال الدين الآخرين بتفكيره العقلاني في معالجة قضايا التجديد وحسه النهضوى العالي في الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع في السودان والعالم العربي والاسلامى . بما مثل هذا النوع من التفكير الذي انطوى على قيم المحبة والتسامح والمواطنة والإخاء الانسانى محددا وإطارا عاما تحرك فيه الأستاذ طارحا فكره وحزبه الجمهوري كبديل لطروحات القوى السياسية (الطائفية:الصحوة الإسلامية ,الجمهورية الإسلامية ,كما عند الأمة والاتحادي والمشروع الحضاري كما عند الجبهة الاسلاميةومشاريع القوى الأخرى) فمنذ العام 1945 عندما أصدر الأستاذ محمود محمد طه كتابه( السفر الأول ) اهتم بمعالجة قضايا التجديد الديني وتحديد مهام الحركة السياسية والفكرية لتحرير السودان من براثن الحكم الثنائي الانجليزى المصري في سبيل بناء جمهورية ديموقراطية حرة سودانية تسع السودانيين جميعهم بمختلف أعراقهم وتبايناتهم
    • لقد مر على السفر الأول منذ ا1945حتى اليوم ما يزيد عن النصف قرن من الزمان بثمانية سنوات ومع ذلك لا تزال القضايا التي اشر عليها الاشتاذ محمود محمد طه ماثلة لم تحسم لقصر نظر مخططي مشاريع النهضة في السودان الاملر الذي أدى إلى فشلهم وعجزهم عن إعطاء الاستقلال معناه الحقيقي الأمر الذي أل بالسودان ألان إلى مستقبل غامض يصعب التكهن بمجرياته فعملية السلام التي لا زالت مفاوضاتها تجرى حتى ألان بعد حرب دامت أكثر من 20 عاما ما خفي من مواثيقها واتفاقياتها السرية سواء كان بين طرفي الصراع : الحكومة كممثل للمركز أو شمال السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان كممثل للجنوب أو تلك التي بين الحكومة والجوار الاقليمى من جهة أو أميركا من جهة أخرى ؟! المخفي أكثر مما هو معلن وهو ما يجعل الأمر غامضا احتمالات انفجار بؤر أخرى للصراع تبقى ماثلة والتشرزم والانقسامات كذلك !
    • فمنذ ميلاد الدولة في السودان بمفهومها الحديث في بدايات القرن الماضي وحتى 1983لم يكن التباين الديني يعد هاجسا يؤرق مضجع الحركات الدينية التقليدية (الطوائف والحركات الصوفية )فالبناءان الاجتماعية للمجتمعات السودانية استطاعت استيعاب الإسلام كدين داخلها دون إن يلغى هذا الدين الجديد القوانين الأساسية التي تتحكم في هذه البني الاجتماعية بمعنى إن العادات والتقاليد والأعراف تعايشت مع هذا الدين وحاورته فأنتج هذا الحوار نموذجا إسلاميا متصالحا مع إنسان السودان .. كان هذا النموذج هو الملهم للأستاذ محمود كتنويري يدرك خطورة جماعات وحركات الإسلام السياسي على مستقبل البلاد ووحدتها ومستقبل الإسلام نفسه نتيجة لاستخدامها الخاطىء للقيم الرمزية والمعنوية لتأكيد سيطرتها وهيمنتها فهذه القيم الرمزية المعنوية ترتبط بنظام كامل من المعارف وفقا لتصور هذه الجماعات والحركات للإسلام وعندما تفشل في فى فرض هيمنتها بواسطة هذه القيم تلجا لآليات القمع المادي وتمارس التكفير وإهدار الدم والاغتيال والإعدام الخ ...خاصة أنها في السودان ظلت مسنودة باليات السلطة التي مكنتها في 1966 من طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان ومثل ذلك انتهاكا للدستور ولإرادة ناخبيهم من جماهير الشعب !!وفى 1984مضت هذه القوى خطوة أخرى بتكفيرها للأستاذ محمود وإهدار دمه ومن ثم إعدامه في 18 يناير إلى جانب تكفير وإهدار دم الكثيرين حتى ألان !!.منذ وقت مبكر أخذت هذه الجماعات المتناثرة بالأفكار الشيعية وأفكار حسن البنا في مصر تتغلغل في الحركات الدينية التقليدية ( الطوائف والحركات الصوفية ) وتحاول إعادة لنتاجها وفقا لمعايير الاستلام البياني الراديكالي .. وكانت تلك هي نقطة الانطلاق الأساسية للأستاذ محمود في سفره الاساسى : (الرسالة الثانية للإسلام ) . وعلى الرغم من المجهودان الجبارة التي بذلها اليسار السوداني والقوى الديموقراطية الاخرى الأخرى في نقل المجتمعات السودانية من مرحلة الطائفة والقبيلة إلا إن الأداة الأساسية : ( المنهج الجدلي العلمي ) لم تكن تكفى وحدها فى صلب متناقضات بلاد مثل السودان لم تعرف الايدولوجيا بمعناها السياسي والخدمي جيدا ولا تزال كل حياتها تنهض في الماورائيات وميثولوجيا الأرزاق !فالمجتمعات في السودان لم يكتمل انتقالها من مرحلة القبيلة أو الطائفة تماما ومن هنا كانت تلزم تلك الفترة أدوات أخرى إلى جانب المناهج العلمية للحفر عميقا في الوعي الاجتماعي العام وبتطويع هذا المنهج للعمل في واقع مثل واقع السودان المليء بالمتناقضات ومن داخل الخطاب الديني المهيمن على الوعي العام نفسه ولذلك شكلت مجودات الأستاذ محمود بفكرة الجمهوري في فضح جماعات الإسلام السياسي وطبقة رجال الدين خطرا حقيقيا على الإسلام السياى الأمر الذي أدى إلى تأمر الأخوان المسلمين ( جبهة الميثاق ) مع نظام السفاح نميرى واغتيالها فى18/1/1984 لأكبر شعلة نور أعادت قراءة الإسلام في السودان بصورة تجعل تعايش الأديان الاخرى معة أمرا ممكنا
    • كان الأستاذ محمود يرى إن المغزى و المعنى الحقيقي للاستقلال يكمن في التخطيط لة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وهو ما كان يميز الجمهوريين عن الأحزاب الطائفية التي لم تطرح برنامجا للتعمير والإصلاح وإنما كانت واجهات سياسية تتصارع فيما بينها على السلطة من اجل توسيع النفوذ الطائفي انتبة الأستاذ محمود لما فات على اذاهان منظري فكر النهضة في السودان بادراك إن الثقافة الإسلامية العربية لها دور تاريخي في السودان يجب إن تلعبة لكنها فشلت في لعب هذا الدور على الرغم من أنها الثقافة السائدة بفضل امتلاكها لآليات القوى المادية والمعنوية واليات إنتاج هزة القوى ومن هنا كان نظيرة لدولة موضوعية تضعف الانقسامات والشرزم كا محاولة لايقاف تنازل هذة الثقافة عن دورها التاريخي وانهماكها في الهيمنة مع عجز وسايلها عن الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع ما أدى إلى أزمة الهوية واستقرار الحكم والتنمية
    • قامت الفكرة الجمهورية في الحرية حرية الراى كا مبدأ أصيل في الإسلام ( الدين ) تم الانقلاب علية منذ العهد الاموى ليرسى بعد ذلك العباسين دعائم دولة ثيوقراطية استمرت في إشكال الدول التالية لها في المجال الثقافي الاسلامى العربي بحيث أصبح الإطار التشريعي لدعاة الدولة الدينية منذ ما بعد الكلونيالية مستمدا من جزورة العباسية والشيعية التي ينهل منها ويستمد قوتة لتكون نتيجة ذلك في السودان إصدار الديكتاتور نميرى لقوانين سبتمبر 1983 الشهيرة التي قضت بإعدام الأستاذ محمود محمد طة بعد مصادرة حرية الفكرية وسجنة وتكفير واتهامة بالردة وإهدار دمة هو ومن معة من الأخوان الجمهوريين وتقتيل وقطع ايدى وأرجل عشرات الإلف من السودانيين باسم تحكيم شرع الله وتطبيق الحدود وعلى الرغم من انقضاء عهد النميرى إلا إن قوانين سبتمبر استمرت في جوهرها كا إطار مرجعي قاد إلى اعتلا الجبهة الإسلامية في 1989 لسدة الحكم اثر انقلابها على الحكومة الديمقراطية التي فشلت في الإتيان بإطار تشريعي بديل ومنذ 1989 وحتى ألان ظلت الجبهة الإسلامية تحاول بناء الواقع الافتراضي للإسلام ( الإسلام كما تتصور في ذهنها ) بإزاحة الواقع الحى المعاش للمجتمعات في السودان وإحلال هذا الواقع الفتراضى محلة فأعلنت الجهاد على غير المسلمين في الجنوب وجبال النوبة واشرعت السودان لأوسع حرب دينية يمكن تصورها وقد حذر الأستاذ محمود منذ الأربعينيات من هذا الخطر القادم وقتها ولم تعر الحركة السياسية الأمر اهتما إلى إن بدأ يتحقق عمليا منذ 1983 كان الأستاذ محمود يؤكد على الدوام إن الله خلق الإنسان حرا على الفطرة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولكم دينكم ولى دين .فذكرفانما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر , ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأ نت تكهرة الناس حتى يكونو مؤمنين , قل امنوا بة آو لاتومنوا .. فالإنسان لا يواجهة مسئولية أعمالة الدنيوية إلا بعد الموت يوم الحساب والعقاب فالله لم ينيب عنة احد ليعاقب الناس بدلا عنة ومشكلة الإنابة عن الله في وعى الإسلام السياسي من اخطر المشكلات إذ يتداخل فدى وعى هزة الجماعات ما هو زمني نسبى بما هو روحي مطلق إذ لا تستطيع الفصل بين السلطة الزمنية النسبية التي مجال اشتغالها المجتمع ومؤسسات الدولة في إطار تلبية الحاجات الماثلة لهز المجتمع إلى جانب غياب مفهوم الوطن عن ذهنهم فهو وطن معنوي كما أثبتت تجربة الجبهة الإسلامية منذ لخاص بها الذي لاتفق فية مع الآخرين إلا على الأركان الخمسة ؟ ما يجعل الأمر شبيها باسلا مات عدة وذلك لنهوض الإسلام كا دين في التأويل بحيث يتم تاويلة وفقا للمرجعيات المعرفية للشخص الموؤل ووفقا للزمن والمكان والظروف النفسية التي يعيش فيها هذا الشخص إلى جانب تكوين الثقافي وتجاربة الاجتماعية فكل هذة إلا شياء توتر في تاويلة وقد انتة الأستاذ محمود لهذا الأمر منذ وقت مبكر فجعل الواقع محور اهتمام للدرجة التي اخذ يستخدم فيها اللغة العربية السودانية التقى تفهما كل مستويات الوعي في السودان في طرحة لوجهة نظرة في مختلف القضايا المعقدة والشايكة مثل العلاقة بإسرائيل فهو أول من قال بسلام والمصالحة معها وضرورة التوصل إلى صيغة تعايش بين الفلسطينيين واليهود الخ ... ومن هنا كان واضحا أن مرجعية المعرفية الأساسية هي الواقع وما ينطوي علية هذا الواقع من ثقافات ومعارف ولذلك جاء استخدام للعربية السودانية لما تحمل من معارف ولقدرتها على النفاذ إلى الوجدان الثقافي في السودان وبوسطة هذة اللغة حاول إزاحة المفاهيم المتناقضة التي زرعتها وتحاول زراعتها جماعات وحركات الإسلام السياسي في السودان وإحلال مفاهيم الجمهوريين الإسلامية الديمقراطية الاشتراكية التي تنادى بمساواة المرآة بالرجل وتنبة إلى ضرورة مراجعة قانون الأحوال الشخصية الذي ينتقص من حقوق المرآة وقد عمل الأستاذ محمود والأخوان الجمهوريين باجتهاد في ما يشبة عملية الحفر في البنية الاجتماعية لإحلال مفاهيم الفكر الجمهوري التقدمية محل السلبي من العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات الخ ..
    • إن إدراك الأستاذ محمود محمد طة لحق الاختلاف وحرية الراى واحترام الراى الأخر والتعددية في وقت لم يعرف فتة السودان سوى الاستبداد وقهر الراى الأخر وتاكيدة للحرية كا مبدأ يرتكز علية الفكر الجمهوري (ندعو أول ما ندعو إلى شئ أكثر ولا اقل من إعمال الفكر الحر وليظنن احد إن النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر ولا يظنن احد إن الحياة نفسها يمكن إن تكون منتجة بغير الفكر الحر 1) وهكذا شكل مفهوم الحرية أساسا وقاعدة ينهض فيها الإسلام ( وأنزلنا أليك الذكر لتبين للناس ما انزل أليهم ولعلهم يتفكرون 2 ) هذا الأيمان بالحرية لامس الوجدان الثقافي للسودانيين ووجد قبولا لم يجدة غيرة من الأفكار فمنذ أربعينيات القرن الماضي وحتى ثمانينيات شهد الفكر الجمهوري تحولاتة الكبرى بتحولة إلى حزب واسع القاعدة وبانتشار وسطة الطبقة الوسطي ما اشر على تهديد بالغ لجماعة الأخوان المسلمين والجماعات الأخرى المتطرفة التي خرجت من عباءتها لقد ركز الأستاذ محمود محمد طة على تبيان الجانب المشرق في الإسلام ولم يفعل مثل الجماعات الراديكالية بتقديم الإسلام كدين قمع وعنف وقتل وقطع با لخلا ف ... بحيث تصبح صورة الله في أذهان المسلمين صورة مخيفة مرعبة تطاردهم حتى في الأحلام فقد عمد الأستاذ محمود محمد طة إلى فهم تربوي يعلى من قيمة الضمير الانسانى والتسامح والسلام وهو ما ظل السودانيين بحاجة الية للتصالح مع أنفسهم ومع واقع التباين الديني والتعدد الثقافي والتنوع الاثنى الذي تميز بة السودان حيث لايمكن اكراة احد على شئ في مثل هذا الواقع ناهيك عن الاكراة في الدين ومثل ما يقول د/ احمد صبحي ( أنهم يعطون دين الله وجها قبيحا متشددا دمويا متحجرا متأخرا يسهمون في إبعاد أغلبية الناس عنة ... ولأنهم الأعداء الحقيقيين لدين الله تعالى فان الله تعالى شرع القتال والجهاد ضدهم وشرع الجهاد والقتال لا لإرغام الناس على دخول الإسلام وإنما لتقرير حق الناس في الأيمان أو في الكفر وفى رفع وصاية الكهنوت عليهم والكهنوت هم أولئك الذين يدعون التكلم باسم الله ويتحكمون باسمة في عقول الناس وأفكارهم حاربهم الإسلام بالجهاد وتشريع القتال ولكن افلح الكهنوت العباسي والشيعي في قلب المفاهيم وتحريف الإسلام عن مواضيع 3 ) مقاومة هذا الكهنوت في السودان ظل شاغلا لفكر الأستاذ محمود محمد طة إلى إن نجح هذا الكهنوت في اعدامة في 18/1/1984 ليكون أول شهيد لأجل المبادى والأفكار التي قال بها ومن قبل ذات الجماعة التي كرست جل وقتة لدحض أفكارها وتبيان خطرها على الدين والمجتمع ووحدة البلاد
    • لقد حرص الجمهوريون على عدم تسمية اسمهم بالسلام حتى لا يختلط اسمهم باسم الدعوات المنسوبة إلى الإسلام ك (الأخوان المسلمين ) وما شابة ( والأخوان الجمهوريين بذلك طلائع الأمة الإسلامية المرتقبة التي يبشرون بمجيئها ويمهدون لهذا المجئ بإقامتهم الإسلام في أنفسهم وبدعوة الناس الية فعمل الأخوان الجمهوريين اليوم إنما هو ليكونوا غدا الأخوان وليكونوا المسلمين فان هذين الاثنين هما اللذان سوف يطبقان عليهم يومئذ غير إن دعوتهم وهى إلى الإسلام سوف يتاذن الله بشيوعها
    سوف يتاذن الله بشيوعها في كل بقعة من بقاع هذا الكوكب فيدخل الناس فيها أفواجا ويومئذ فلن تميز بين الناس العقيدة ولا العنصر ذلك بان هذا الكوكب سوف تحكمه حكومة عالمية واحدة تخضع لها سائر الدول فلا يكون التمييز بين الناس إلا على أساس أقاليمهم وتصير البشرية إلى الإنسانية حيث الوحدة التي في إطارها تنمو وتزدهر الخصائص الأصيلة لكل إقليم 5) لقد كان الأستاذ محمود ذا نظرة ثاقبة لمال البشرية فما طرحه في العام 1945باستقراءه لواقع الحال والعولمة لم تتشكل وقتها بعد كمفهوم ثقافي اجتماعي يؤكد بعد النظر والقدرة العلمية العالية على امتلاك قوانين الواقع هذه القدرة هىما ظلت تخيف الحركات الظلامية المعادية للإنسان ولذلك كان الإنسان والبعد الانسانى الكوني في الفكر الجمهوري هو محور اهتمام الأستاذ محمود فالفكر الجمهوري ينظر إلى إن الأصول الأساسية المشتركة بين الناس كافة هي العقل والقلب أو ما يعرف بالمواهب الطبيعية ولذلك نهض هذا الفكر في تنمية المواهب الطبيعية لا مصادرتها بتصورات مسبقة باسم الإسلام ومن هنا كان منهج الأستاذ محمود مع إتباعه وخصومه هو الحوار أراد بذلك تعميق الحوار كقيمة إنسانية رفيعة تجابه الاستبداد والتسلط باسم امتلاك الحقيقة المطلقة فكان يستمع إلى كل خصم بصبر ويرد عليه بموضوعية ومنطق مترابط حكيم ولا يستنكف الجلوس لساعات طوال للرد على سائل في مسالة اشتبهت عليه وبذات السماحة يجلس إلى الأخوان الجمهوريين فقيمة الحوار عند الأستاذ محمود محمد طه مكملة لمبدأ الحرية في الراى والتفكير فدون هذه القيمة وهذا المبدأ يصبح العقل الانسانى جامدا أسيرا لفتاوى واجتهادات عصور الانحطاط والظلام والله تعالى كرر في كتابه المقدس : أفلا تعقلون .. وجعلناكم شعوبا وقبائل .. وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .. قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا .. وجادلهم بالتي هي أحسن .. ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ..فقد كان احتكام الأستاذ محمود للعقل الانسانى فبالعقل نستدل على وجود الله وآياته في الكون والعقل هو منبع الحكمة ومغامرات هذا العقل هي التي تقف خلف الفتوحات الإنسانية في كل العصور مرورا بالتكنلوجيا والتقنية المدهشة التي نستمتع باستخدامها ألان سواء في مجال الاتصالات لو الأعلام او غيرها من فتوحات ولذلك خاطب الله العقل للتمييز بين الخير والشر فالأديان كلها في جوهرها دعوة للحق والعدل والخير والجمال هذا العقل الذي احتفى به الاستاد محمود ظلت حركات وجماعات الاستلام السياسي تعمل دوما على مصادرته بما تحاول فرضه من وصاية وبادعائها امتلاك الحقيقة المطلقة وسعيها لاحتكار الدين دون اعتبار إلى أن الاختلاف اصل ولازمة للحرية والحوار لقد كان الأستاذ محمود منذ سبعينيات القرن الماضي المطلوب رقم واحد على قائمة التكفير وإهدار الدم في السودان ومن قبل بعض دول المنطقة التي لعبت دورا اقتصاديا كبيرا في تمويل حركات وجماعات الإسلام السياسي في السودان إلى جانب ممارستها لتأثيرات سيئة أسهمت بفعالية في الاختناق الوطني ةوالازمة الوطنية الشاملة فالحركة السياسية أصلا ولدت شائهة منذ مؤتمر الخريجين ما جعلها تتجه للحكومة الكولونيالية بمطالبها دون أن تتوجه لهذا الشعب الذي مارست عليه تأثيرا سيئا بان عمقت من التطابق بين مفهوم الهوية والدين وعجزت عن تقديم طروحات تجيب على اسئلة المستقبل فانفجرت مشكلة الجنوب وتعقدت وعبر الأستاذ محمود محمد طه عن ذلك بقوله (لماذا قامت عندنا الأحزاب أولا ثم جاءت مبادئها أخيرا ولماذا جاءت هذه المبادىء حين جاءت مختلفة في الوسائل مختلفة في الغايات ولماذا يحدث تحور وتطور في مبادىء هذه الأحزاب بكل هذه السرعة ثم لماذا تضل هذه الأحزاب المساومة في مبادئها 6)فقد هزمت القوى السياسية في المركز (الخرطوم )الثقافة الإسلامية العربية بعدم طرحها للأسئلة الصحيحة للنهضة في السودان باعتقاداتهم في فراديس مفقودة : الدستور الاسلامى , الصحوة الإسلامية والجمهورية الإسلامية ,ودولة الخلافة ولم يفتح الله عليهم منذ فجر الاستقلال بابتكار آليات للقطيعة مع أدوات إنتاج المعرفة السائدة التي أودت بالسودان إلى ما أودت به فعجز عن حل مشكل مثل الهويةعلى سبيل المثال باعتباره ظل على الدوام الأس في ألازمة الوطنية الشاملة )انطلاقا من الواقع المادي شديد التعقيد للسودان كبلاد ذات واقع متنوع ثقافيا ومتباين اثنيا ومتعدد دينيا على الرغم من إن السودان هو الدولة رقم 6 من حيث الموارد على مستوى العالم وقبل الأخيرة من حيث التنمية وفقا لتقارير الأمم المتحدة الإنمائية ويقول الأستاذ محمود (العناية بالوحدة القومية ونرمى بذلك إلى خلق سودان يؤمن بذاتية متميزة ومصير واحد وذلك بإزالة الفوارق الوضعية من اجتماعية وسياسية وربط أجزاء القطر شماله بجنوبه وشرقه وغربه حتى يصبح كتلة سياسية متحدة الإغراض متحدة المنافع متحدة الإحساس 7) وبالطبع كان يحول بين أنجاز هذا التصور نظرة العقل السياسي الاسلاموعربى في السودان كعقل مركزي للثقافات الطرفية التي ينظر إليها كموضوعات للتعريب والاسلمة ومشاريع للاستشهاد الدائم بدلا عن النظر لهذه الثقافات كذوات من حقها الإسهام في صياغة المعنى الاجتماعي العام للحياة في السودان الأمر الذي ترتب عليه حرب الجنوب \الشمال والشمال \دار فور والشمال \جبال النوبة الخ ...نتيجة لإحساس هذه الثقافات بنفسها ووعيها بزاتها ورفضها لان تكون موضوعا لمشروعات المركز فقد فشل المركز فدى تحقيق أدنى حد من الحياة العادلة وهو ما نبه إليه الأستاذ محمود فقد كان يطمح غلى تحقيق تصوره (تمكين الفرد من ناحيته الإنتاجية والمعيشية حتى يتمكن من استغلال موارد بلاده الزراعية والصناعية بان شاء جمعيات تعاونية لهذا الغرض وإنشاء نقابات توجه العمال 8) لقد قال الأستاذ محمود بذلك في وقت لم تنشا فيه بعد الحركة النقابية إذ اهتم لشان الفلاح قبل قيام اتحادات المزارعين ودعي للاشتراكية الديموقراطية وحرية المرآة وتطوير التشريع الاسلامى وتطوير شريعة الأحوال الشخصية والموقف الواضح من التعليم الديني ( هو الذي يخرج من يعرفون بطبقة رجال الدين صوروا الدين بسوء تمثيلهم له صورا شوها ... ومعاركنا مع رجال الدين هي معارك مبدئية 9)كل هذه الأمور جعلته مستهدفا من قبل الإسلاميين في المنطقة والسودان لأنه عمل على نزع القناع الذي يختبىء خلفه هؤلاء الاسلامويين وعمد إلى تعميم الوعي بالإسلام كدين يدعو إلى الحرية والتعايش والسلام ( والمدهش إن الله تعالى لم يستنكف أن يسجل أراء خصومه مع أن أرائهم لا تستحق إن تكون أراء إنما هي سباب وتطاول وسؤ أدب فاليهود قالوا إن يد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وفرعون قال انه لا يعلم تلاها للمصريين غير فرعون وانه ربهم الاعلا لو كان من الممكن إن يصادر الله تعالى هذه الأقوال فلا نعلم عنها شيئا وبعضها قيل في عصور سحيقة قبل نزول القران ولولا القران ما علمنا عنها شيئا ومصادرة الكتب والمؤلفات هي الهواية المفضلة للكهنوت الديني والسياسي 10) لقد عمدت جماعات الإسلام السياسي في السودان على رأسها طليعتها المتقدمة الجبهة الإسلامية على مصادرة الفكر الجمهوري باستخدام كافة وسائل الاتصال الجماهيري الممكنة لتشويه الفكر الجمهوري ولف انشوطة الردة والتكفير حول عنق الأستاذ محمود محمد طه واستطاعت الهيمنة إلى حد كبير على الوعي العام بواسطة هذه الوسائل تمهيدا لإعدامه الذي تم في 18يناير 1984فوضعت جماعات الإسلام السياسي الأساس التاريخي في السودان لأدب التكفير وإهدار الدم ليتمظهر في عهدا لجبهة الإسلامية منذ 89 في إشكال عدة ابتداء بإحداث الثورة الحارة الأولى التي قتل فيها احد المتطرفين الذين ينتمون إلى جماعة التكفير والهجرة أكثر من عشرين مصليا بمسجد الحارة الأولى امدرمان الثورة في مستهل التسعينيات وفى خواتيم التسعينيات تكرر ذات الحدث بصورة بشعة من قبل المدعو عباس الدسيس المنتمى لذات الجماعة وفى هذا العام 2003 تم تكفير 10 من المواطنين السودانيين وإهدار دمهم والإعلان عن مبلغ 2 مليون جنيه مقابل قتلهم من قبل جماعة متطرفة أسمت نفسها بكتائب الفرقان هذا غير حملات التكفير وإهدار الدم التي ظلت تتم للطلاب العلمانيين في الجامعات السودانية منذ العام 1990 وهكذا استطاعت الجبهة الإسلامية لا إعدام الأستاذ محمود فقط بل ذهبت إلى ابعد من ذلك بزرعها القنابل الموقوتة منذ اعتلائها سدة الحكم تتمثل هذه القنابل في جماعات وحركات الإسلام السياسي الراديكالية إذ فتحت الجبهة الإسلامية منذ 1989 الحدود السودانية إمام المتطرفين الإسلاميين في كل العالم الاسلامى ليجدوا في السودان مكانا ملائما لممارسة أنشطتهم الإجرامية المعادية لحقوق الإنسان والتي أولها حق الحياة بسلام وامن فالوطن لدى هذه الجماعات والحركات وطن معنوي فضفاض أكثر منه تجسيدا لحدود جغرافية معلومة ووطن هؤلاء الاسلامويين هو أينما يوجد مسلمين دون أدنى اعتبار لمفهوم الدولة وما يطرحه هذا المفهوم خاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية والحدود والمواطنة والاجنبى والصديق والشقيق والمشترك الثقافي والانسانى الخ ...لقد كان الأستاذ محمود محمد طه يرى كل هذه المتناقضات منذ أربعينيات القرن الماضي قبل تصاعدها بعقود عدة ولذلك كانت اولويات أجندة عمل حزبه الجمهوري محاربة القوى الظلامية ممثلة في الأخوان المسلمين وأرصدتهم المتأخرة (القوى الطائفية والأنظمة الرجعية مثل نظام نميرى أو البشير ) لتكون النتيجة الراهنة وضع السودان ألان أمام احتمالات مخيفة : 1\ انتصار الاسلاموعربية (الايدولوجيا ). 2 \ أو انتصار ما ينطوي عليه المشروع المعلن لقرنق (ما ينطوي عليه وليس ما هو معلن )؟؟ 3\ انتصار المشروع الاميركى بتحويل السودان لدولة أشبه بمصر أو إمارات وممالك الخليج ... فكل ما اشرنا إليه ليس هو المطلوب بعد كل هذه السنوات الطويلة وعذاباتها المريرة وقمعها الماساوى وحربها الضروس فالمطلوب هو إسهام الجميع في صنع معنى مشترك للحياة في وطن واحد دون استعلاء مجموعة على أخرى أو هيمنة مجموعة على أخرى وبناء دولة سودانية ديموقراطية قوية تحكمها المواطنة والإخاء وذكرى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه في سبيل السودان الديموقراطي الموحد دعوة لتتأمل القوى السياسية ذاتها وحالها ومالها حتى لا يتسع مدى المليشيات ونعود إلى المربع الأول
    هوامش :
    1\ محمود محمد طه . السفر الأول . منشورات الأخوان الجمهوريين . ط أولى 1945 ص : 3
    2\السابق ....................................................................ص:4
    3\نفسه.........................................................................ص:5
    4\ المنظمة المصرية لحقوق الإنسان . حرية الراى والعقيدة .مجموعة أبحاث ......ص: 93
    5\ محمود محمد طه . السفر الأول.............................................ص :6
    6\ السابق....................................................................ص : 8
    7\ نفسه ....................................................................ص: 11
    8\نفسه .....................................................................ص :12
    9\نفسه .....................................................................ص:15
    10\المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ...........................................ص 50
                  

04-04-2008, 03:28 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    د. النور حمد
    يصادف الثامن عشر من يناير الجاري، من عام 2004 ، مرور الذكرى التاسعة عشرة، لإعدام المفكر الإسلامي السوداني، الأستاذ محمود محمد طه. وإعدام المفكرين التجديديين، في التاريخ الإسلامي، ليس أمرا جديدا. فلقد ظلت تهمة الزندقة، والخروج على إجماع المسلمين، هي التهمة المفضلة لدى القابضين على أزمة السلطة، والثروة، للقضاء على كل مفكر، وكل فكرة تعمل على تحريك الراكد، وعلى تنوير الناس بإنسانيتهم، وبحقوقهم المسلوبة. جرى ذلك، للحسين بن المنصور، المعروف بالحلاج، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). ولقد كان الحلاج، من المتصوفة الذين لم يكتفوا بالصلاة، وبالتسبيح، وبتشقيق المعاني، وحسب، وإنما اتجه للحديث عن تفشي المظالم، وعن غرق الحكام في الترف، وإهمالهم شؤون العامة. حاول الحلاج نصرة المظلومين، من غمار الناس، فأزعج ذلك أهل السلطة، والثروة، في تلك الحقبة، فدبروا له تلك المحاكمة التي قضت بصلبه. ومع ذلك، نجحت السلطات، في تاليب العامة، وفي حشدهم، واستخدامهم ضده، رغم أنه لم يصدع بآرائه، إلا لنصرة أولئك العامة، هادفا إلى استرداد حقوقهم، وكرامتهم الإنسانية المضيعة.

    جاء في مسرحية الحلاج، للشاعر الراحل، صلاح عبد الصبور.

    صفونا صفا صفاً
    الأجهر صوتا، والأطول،
    وضعوه في الصف الأول
    ذو الصوت الخافت والمتواني،
    وضعوه في الصف الثاني،
    أعطوا كلا منا دينارا من ذهبٍ قاني
    براقاً لم تمسسه كفْ
    قالوا صيحوا: زنديقٌ كافرْ
    صحنا: زنديقٌ كافرْ
    قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
    صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا

    نفس هذا المشهد، وأعني مشهد هتاف العامة، في وجه مفكر محكوم عليه بالإعدام، تكرر بعد قرابة الألف، ومائة عام، تقريبا، في سجن كوبر بالخرطوم، في يوم 18 يناير 1985! وقد وثقت بالقلم، لمشهد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود محمد طه، الصحفية الأمريكية، جوديث ميللر، وأشارت إلى صدمتها عند سماع من هتفوا (تحيا العدالة)، أو (أخذت العدالة مجراها)، في ذلك اليوم الأسود، من تاريخ السودان المعاصر. كانت ميللر، وقتها، مسؤولة عن مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة. وقد جاءت إلى الخرطوم بقصد تغطية الحدث. وبالفعل، فقد أرسلت ميللر، تقريرها الذي أعدته عن حادثة التفيذ، إلى صحيفتها في نيويورك، وتم نشره في صبيحة يوم 19 يناير، 1985. وفي عام 1996 أخرجت جوديث ميللر كتابا، أسمته (لله تسعة وتسعون إسما) God has Ninety Nine Names ناقشت فيه الحركات الإسلامية، في العالم العربي، والإسلامي. وقد كرست الجزء الأول من الكتاب، لحادثة التنفيذ التي جرت في حق الأستاذ محمود محمد طه، في سجن كوبر، في العاشرة من صبيحة يوم الجمعة، 1985، والتي كانت أحد شهود العيان لها.

    جاء في وصف ميللر، للحادثة، في كتابها (لله تسعة وتسعون إسماً)، ما نصه:

    ((كان صباحا مثاليا. بعد سويعات، تصبح الخرطوم خانقة. ولكن عند السادسة من صباح 18 يناير من عام 1985 كان الهواء صافيا. وكانت السماء قد لبست بالفعل زرقة حمام السباحة.

    في غرفتي بفندق الهيلتون، كان الصوت الوحيد، هو صوت مكيف الهواء، ذي العشرين سنة، وهو يضخ هواء محتمل السخونة. شربت قهوتي، وقرأت جريدة الصباح، محاولة ألا أفكر فيما سيحدث. لقد رأيت وقمت بأشياء كثيرة، بوصفي رئيسة مكتب صحيفة نيويورك "تايمز" بالقاهرة. كما شهدت أحداثا مروعة عديدة منذ رحلتي الأولى إلى الإقليم في عام 1971، وأنا لم أزل طالبة حديثة السن. غير أني، لم أغطي حادثة تنفيذ حكم بالإعدام.

    بعد ساعة خرجت في طريقي إلى سجن كوبر. ساحة سجن كوبر مستطيلة الشكل، وبحجم ميدان لكرة القدم. عندما وصلت برفقة جمال محي الدين، مدير مكتب مجلة "تايمز" بمصر، كانت ثلاثة أرباع تلك الساحة ممتلئة بالناس. كنت ألبس جلبابا أبيضا فضفاضا، وغطاء للرأس، لئلا يكتشف حراس السجن أنني شخص أجنبي. لوح لنا الشرطي بيده إيذانا لنا بدخول موقف السيارات. فعل ذلك، من غير أن يلقي حتى بنظرة ثانية نحوي في المقعد الخلفي. علما بأن المقعد الخلفي هو المكان الطبيعي، لوجود امرأة في سيارة، في الشرق الأوسط. خفضت رأسي بينما سرنا أنا وجمال ببطء، وسط الحشد، نحو قلب ساحة السجن، لنجد مكانا للجلوس على الأرض الرملية.

    كانت المشنقة في الجانب البعيد من الساحة. مرتفعة نوعا ما، غير أنها أقل في الارتفاع من حوائط السجن المبنية من الحجر الرملي. كان المشهد في كوبر مرحا. لا شئ هناك يشبه الصور المتجهمة التي رأيتها للسجون الأمريكية حيث يحتشد أصدقاء وأقارب المحكوم عليهم بالإعدام، خارج الأسوار، وسط المتظاهرين المعترضين الذين يحملون الشموع في الليل.

    يبدو أنني كنت المرأة الوحيدة في الساحة. وبدا أن كثيرا من الحاضرين، الذين يقدرون ببضع مئات، يعرفون بعضهم البعض. ظلوا يحيون بعضهم البعض، بتحية الإسلام التقليدية " السلام عليكم" ويجيء الرد مرات ومرات "وعليكم السلام". الرجال ذوو البشرات الداكنة، في عمائمهم التي يبلغ ارتفاعها القدم، وجلابيبهم البيضاء الفضفاضة، يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، حول حالة الطقس، بشائر محصول تلك السنة، والحرب التي لا تنتهي في جنوب السودان. ورويدا رويدا، جلس كل واحد على الرمل، تحت وهج الشمس، التي بدأت حرارتها تزداد قسوة مع كل دقيقة تمر. كان الموعد المعلن لتنفيذ الحكم هو الساعة العاشرة.

    قبل الزمن المحدد بقليل، قيد محمود محمد طه إلى الساحة. الرجل المحكوم عليه والذي كانت يداه مربوطتان خلف ظهره، بدأ لي أقل حجما مما كنت أتوقع. ومن المكان الذي كنت أجلس فيه، وبينما كان الحراس يسرعون به إلى الساحة، بدا لي أصغر من عمره البالغ ستة وسبعين عاما. سار مرفوع الرأس، وألقى نظرة سريعة على الحشد. عندما رآه الحاضرون، انتصب كثيرون منهم واقفين على أقدامهم، وطفقوا يومئون ويلوحون بقبضات أيديهم نحوه. ولوح قليلون منهم بالمصاحف في الهواء.

    تمكنت فقط من التقاط لمحة خاطفة من وجه طه، قبل أن يضع الحارس الذي قام بالتنفيذ، كيسا ملونا على رأسه وجسده. ولن أنسي ما حييت، التعبير المرتسم على وجهه. كانت عيونه متحدية، وفمه صارما، ولم تبد عليه مطلقا، أية علامة من علامات الخوف. بدأ الحشد في الهتاف، بينما كان مجندان سودانيان يلبسان زيا رملي اللون، يضعان عقدة الحبل على المكان المفترض أن تكون فيه رقبة محمود طه. ورغم أن ضجيج الحشد قد ابتلع أصوات الجنديين، إلا أنه بدا وكأنهما كانا يصيحان ضده. فجأة تراجع الحراس للوراء، ثم سُحبت أرضية المنصة. فاشتد الحبل، واهتز الغطاء الموضوع على جسد طه في الهواء. اشتعل الهدير في الساحة "الله أكبر". وتكثف الهتاف عندما بدأ الحشد في تكرار الهتاف بشكل جماعي، "الإسلام هو الحل". الرجال الذين امتلأوا حماسة، عانقوا وقبَّلوا بعضهم البعض. أحد الرجال الذين كانوا بجانبي صرخ، "أخذت العدالة مجراها"، ثم جثا على ركبتيه، ووضع جبهته على الرمل وتمتم بصلاة إسلامية. الحالة الاحتفالية التي جرت من حولي، صعقتني، وأصابتني بالغثيان. جذبت جمال من كم قميصه، محاولة أن أشعره بأنه يتعين علينا مغادرة المكان، فقد كنت بالفعل، عاجزة عن النطق. في حالة التوتر العصبي التي اعترتني لابد أنني قد قمت لا شعوريا بسحب الغطاء الذي كان يغطي رأسي، فانحرف عن موضعه. استشعر جمال الخطر، وجذب الغطاء على ناصيتيْ شعري اللتين انكشفتا، ودفعني بحزم صوب المخرج. وبينما كنا نشق طريقنا صوب البوابة الحديدية الثقيلة، بدأت الرمال في الثوران والارتفاع في شكل سحابة برتقالية نتيجة لجرجرة الحشد لأقدامهم على الأرض الترابية. عند وصولي للمدخل، لويت عنقي لألقي نظرة أخيرة على المشنقة. كان الكيس، وجسد طه لا يزالان متدليان على الحبل. فتساءلت في نفسي، متى سينزلونه؟.

    لدى كثير من السودانيين الذين هللوا لإعدامه في ذلك اليوم، فإن طه قد اقترف أسوأ جريمة يمكن أن ترتكب. لقد أدين بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، "قانون المسلمين المقدس" والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري. من وحي الموقف، أحسست، أنا أيضا، أن طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية، وإنما بسبب من نقصهم هم)) .. إنتهى نص ميللر. (ص. ص.11 –12)

    التهليل لإعدام أي إنسان، بغض النظر عن جريرته، سلوك قوي الدلالة، على سيطرة الروح الهمجية والبربرية، على وعي من يتحمس له، ويقوم به. وقد مر الغرب بتجارب مماثلة لهذه التجارب، في مسار تطوره الوئيد، نحو الديمقراطية، وترسيخ حكم القانون، ودولة الحقوق، والمواطنة. فمشهد العامة الذين تحشدهم السلطات، وتعبئهم ضد المفكرين، والعلماء، فيتوافون على ساحات التنفيذ، مستمتعين بإعدام الأبرياء، مهللين له، مشهد قد كان شائعا، في أوروبا القرون الوسطى. ولقد عرفت المناطق الوسطى من أوروبا، حتى بداية القرن السابع عشر، محاكم الساحرات، وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر، بل وحرقهن في أتون المحارق، وهن حيات. كما ظلت أنجلترا، تمارس محاكمة المخالفين للعقيدة الدينية السائدة، حتى القرن السابع عشر. وقد تعرض وليام بن، الذي هاجر في عام 1682 ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الأب المؤسس لولاية بنسلفانيا، إلى المحاكمات، والسجن، بسبب إنتمائه إلى طائفة الكويكرز. وطائفة الكويكرز، طائفة دينية، مسالمة، لا يؤمن أتباعها بالعنف، وبالحرب. وهي طائفة تدعو إلى الإخاء، والمساواة، وكفالة الحريات. غير أن الكويكرز تعرضوا لمحاكمات مستمرة من جانب السلطات الكنسية الإنجليزية، حتى إضطروا إلى الهجرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المضايقات. ولعل أكثر ما اثار حفيظة رجال الدين الإنجليز على الكويكرز، قولهم بضرورة خروج رجال الدين من بين الله، وبين الناس. ومعروف أن الكويكرز ليس لهم قساوسة مثل بقية الطوائف المسيحية.

    لاحقت الكويكرز المحاكمات، في أمريكا التي هربوا إليها. فقد حوكموا في أمريكا، وعذبوا، وسجنوا. وتم منعهم من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وقد وصل الأمر بسلطات نيو إنجلند، حد محاكمة قبطان أي سفينة تأتي إلى السواحل الأمريكية، بواحد من طائفة الكويكرز. والطريف أن أمريكا التي منعتهم من دخول أراضيها، بادئ الأمر، بل وقامت بشنق بعضهم، أسست فيما بعد، أهم سمات دستورها، وقوانينها على فكر الكويكرز. ويعتبر ويليام بن، الذي ورد ذكره قبل قليل، أحد الآباء المؤسسين للحريات الدينية في التاريخ الأمريكي. وقد أعتبرت الوثيقة التي كتبها ويليام بن، وحملت عبارة: ((ليس هناك رجال يملكون التخويل، أو السلطة، حتى يتحكموا في ضمائر الناس، في الأمور الدينية))، أول تأكيد واضح، في التاريخ الأمريكي، على هيمنة (القانون الأساس)، على كل قانون آخر، يمكن أن تتم إجازته.

    كان الشعار الملازم للأستاذ محمود محمد طه، طوال حركته الفكرية، هو شعار: ((الحرية لنا، ولسوانا)). وقد قال الأستاذ محمود أيضا، في هذا المنحى، ( ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، فضمان الحرية، هو دوام سهر كل فرد عليها)). وقد انصبت كثير من كتابات الأستاذ محمود محمود على نقد ظاهرة رجال الدين، وأنها ظاهرة دخيلة على الفضاء الإسلامي. فهي، كما يرى الأستاذ محمود، ظاهرة ذات جذور يهوديمسيحية. وقد انتقلت إلى الفضاء الإسلامي، حين تحولت الدولة الإسلامية إلى مملكة، وأصبحت لرجال الدين وظائف في بلاط الملوك، الغرض منها الحفاظ على الأوضاع السائدة، وإعطاء تلك الأوضاع سندا دينيا. وما من شك، أن تهديد افكار الأستاذ محمود لهذا الكهنوت الدخيل الذي ظل مستمرا منذ العصر الأموي، هو الذي قاد رجال الدين عندنا، إلى السعي الدؤوب لإعدامه.

    أردت أن أشير، بكل ما تقدم، في قصة الكويكرز، ومحاكماتهم، إلى أن التاريخ الإنساني، متشابه. ونحن لا نزال نعيش، بهذا المعنى، في المرحلة الأدني في مسار حركة نمو الوعي. خاصة، فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في قضايا الخلاف الديني، وقضايا الحرية، والدستور، والحقوق. نحن لا نزال في المنطقة التي خرجت منها أوروبا، وخرجت منها أمريكا، قبل ثلاثة قرون تقريبا. ولابد أن ترسى بنا السفينة، في مجال كيفية التعامل مع قضايا الخلاف الديني، وكيفية إدارة الخلاف الفكري، في نفس المرسى الذي رسوا فيه هم قبلنا، بنحو قرنين، أو ثلاثة. ولا يعني هذا أنه لا فكاك لنا من أن يكون الغرب، مرجعيتنا في كل شيء. وإنما يعني فقط، أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي. مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها.

    هناك إتجاه، وسط بعض الناشطين الإسلامويين لكي يجعلوا من قضية الحقوق، قضية نسبية، تأخذ مرجعيتها، من المحيط الثقافي الخاص بالجماعة البشرية المعينة. وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا: ليس هناك مقياس عالمي موحد لحقوق الإنسان. ولذلك، لا يحق لبقية العالم أن يحشر أنفه في شؤوننا، فيما يتعلق بقضايا الحقوق. وكل هذه الإلتواءات التي يمارسها الناشطون الإسلامويون، القصد، الأول، والأخير منها، هو تكريس حالة مصادرة الحقوق القائمة في الفضاء العربسلامي. وهذه النسبية، التي تبدو مثل،(نسبية بلا ضفاف)، يمكن أن تجعل ـ على سبيل المثال ـ من استخدام القانون لمنع النساء، من قيادة السيارات، في بلد مثل السعودية، عملا مبررا، دستوريا، وقانونيا. كما يمكن، أيضا، أن تجعل من قتل الناس، بسبب أرائهم عملاً مبرراً أيضا!.

    نعم، هناك اختلافات فيما يتعلق ببعض الحقوق، بين ثقافة وأخرى. فقضايا مثل الإجهاض، والمثلية الجنسية، والزواج من نفس الجنس، (الجندر) على سبيل المثال، ستظل قضايا خلافية. وهي محل خلاف شديد، حتى في داخل الفضاء الغربي نفسه. غير أن الحقوق الأساسية، التي لا يكون الدستور دستوراً، إلا إذا تضمنها، تبقى أمرا عالميا، لا خلاف عليه. وحقيقة الأمر، فإن الإعتراضات على (عالمية) حقوق الإنسان، لا تاتي عادة، إلا من جانب البلدان العربية، والإسلامية، التي هي صاحبة أسوأ سجل في حقوق الإنسان!

    من الحقوق الأساسية التي لا خلاف عليها، (عالميا) حرية الإعتقاد، وحق التعبير عن الرأي، والدعوة للمعتقد، وحق التنظيم، وحق اختيار الحاكم، وحق عزله. قال أبو العلاء المعري، قبل قرون، وقرون:


    مُلَّ المقام، فكم أعاشر أمةًً، أمرت بغير صلاحها، أمراؤها
    ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوا مصالحَها، وهم أجراؤها

    فضرورة أن يكون للناس الحق، في انتخاب من يلي أمورهم، وحقهم في عزله، متى ما حاد عن خدمة مصالحهم، ليست مسألة غربية بحتة. كما أن حرية الضمير، والمعتقد، أمور كفلها القرآن أصلا، ولم يتركها لأهواء القابضين، على أزمَّة السلطة، والثروة. فقد جاء في القرآن الكريم: ((فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)). وجاء أيضا: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي)). وقبل هذا وذاك فالبداهة تقول، ليس من حق كائن من كان، أن يدعي أن الله قد منحه، تخويلاً بأن يقرر في صحة وبطلان عقائد الناس، إلى الحد الذي يمكنه به إهدار دمهم، وتجويز قتلهم. نعم، لم يجري تطبيق عملي للآيات التي سبق ذكرها، في الحيز العملي، عبر التاريخ الإسلامي. فالتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال، قد أقر الرق، الذي وجده ممارسا، كما أمر بقتل المرتد، بل وقتل تارك الصلاة. غير أن التاريخ الإسلامي، مشابه لتاريخ بقية الأديان الأخرى، على ظهر الكوكب. فالغرب المسيحي، لم يعرف كفالة الحقوق، إلا قبل قرنين، أو ثلاثة، فقط، كما تقدم. غير أن الغرب، تجاوز تلك المرحلة. وبقينا نحن فيها. وأسوأ من ذلك، أننا بدل أن نفهم الإطار التاريخي للحقوق، ونفهم من ثم ضرورة التطوير، أصبحنا ندافع عن قيم القرون الوسطى، وما قبلها.

    من أميز ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، هو التفريق بين أصول القرآن، التي تكفل الحقوق الأساسية، ولكن لم يتم تطبيقها في الماضي، وبين فروع القرآن التي لم تكفل كل الحقوق، وتم تطبيقها في الماضي كمرحلة إعداد نحو الأصول. ودعوة الأستاذ محمود، التي سوف لن يجد المسلمون منصرفا عنها، فيما أرى، إنما تؤكد على ضرورة نسخ الفروع، التي كانت محكمة منذ القرن السابع، وإحكام الأصول التي كانت منسوخة منذ القرن السابع.

    وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.

    الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، في نظر الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث التي الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف.
                  

04-04-2008, 03:29 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    (ترجمة عن الفرنسية)
    مجلة جون أفريك Jeune Afrique
    بتأريخ 22 مايو 1985 م
    مقال بقلم هنري كودريه
    [/align:8dd64d4c6e]

    شهادة
    أتاحت اِقامة شهور عديدة فى الخرطوم للكاتب أن يعيش فى شبه صداقة حميمة مع محمود محمد طه ، رئيس الأخوان الجمهوريين العبقرى ، الذى أعدم شنقا فى 18 يناير ،عن 77 عاما ، بأمر من الدكتاتور المخلوع جعفر نميرى ( أنظر ج . أ العدد 1256)

    محمود محمد طه كما عرفته
    اِن أول ما يسترعى الاِنتباه فى شخصه ذلك الجمع بين ألطف صور التواضع ، وبين قوة لا تلين .. يرتدى ببساطة شديدة لباسا قطنيا أبيض مألوفا ، ويلبس فوق سرواله الخفيف المتدلى على الساقين قميصا يصل الى ركبتيه ، ويترك الساعدين مكشوفين . حليق الرأس ، وتغطيه الطاقية الاِسلامية المعروفة .. حينما يغادر مكتبه يلتف بثوب قطنى خفيف ، ينحدر من الكتف الأيسر الى الفخذ الأيمن ، تاركا الصفحة اليمنى مكشوفة ، ومارا على الكتف الأيسر ثانية ، ثم الرقبة ، ليتدلى على الصدر بذيل غليظ ..
    ثيابه الخفيفة تكشف عن جسم قوى ذى أطراف عاضلة ، قصير القامة ، متين البنية ، يعطى اِنطباعا نادرا من الحيوية بقبضة يده القوية لدى المصافحة ، ونظرته الثابتة التى يخفف من نفاذها ابتسامة بشوشة تنير الوجه كل حين. هيئته التى تتسم بالهدوء والاِطمئنان تخفى اِستعدادا دائما للحركة والنشاط . كان الأستاذ يجود بنفسه فى منتهى البساطة . أثناء الوجبات يحرص على ألا ينقص شئ أمام أحد ، يوزع الأطباق ويسكب الماء بنفسه لغسل أيدى ضيوفه.. وأثناء الاجتماعا ت يتخذ مكانا فى مدخل القاعة على مقعد لا يتميز عن المقاعد الأخرى ، ويهتم بأن ينقل كرسّيا أو وسادة ليقدمها الى المتأخرين فى الوصول لحضور الاِجتماع..
    كان أبعد من أن يلعب دور راهب بوذى فيستأثر بالكلام . لا يتدخل فى الاِجتماعات العامة لا ليوجه المناقشات فى الخط الصحيح للنقاش ، ويشجع على الحوار والتباحث . هو مرشد وليس عقائديا ، رجل عمل وليس منظّرا . تلاميذه وأصدقاؤه يدعونه " الأستاذ " وهو لقب ترجمته الحرفية ، التى تعنى " المعلم "، لا تحمل المفاهيم المركبة من الاحترام الودي ومقتضيات العلمانية.

    ماركس وإنجلز كالغزالي
    لم يكن محمود محمد طه قد خرج من طبقة " رجال الدين" ..هو مهندس فى الرى ، كان على اِثر اِعتقاله لمدة عامين بسبب معارضته للاِنجليز، قد بدأ عملا فى الاصلاح الدينى والاجتماعى منذ بداية الخمسينات . مدرسته الدينية والقانونية الوحيدة كانت تلك الفترة الطويلة من الاعتكاف ، التى عرف كيف يستغلها ، لينقطع الى التفكير والتأمل الصوفى. أساتذته لم يلتق بهم فى أى مؤسسة رسمية وانما التحق بمدرستهم كرجل عصامى ، وفى بحث فردى حثيث عن أسلوب جديد ..
    على الصعيد الصوفى تأمل طويلا فى القرآن ، وعكف على الممارسة الصوفية (" صلاة الثلث الأخير من الليل" وهى عزيزة عند كبار الصوفية المسلمين ، وقد غدت واحدة من الممارسات المفضلة لتلاميذه ) .
    وعلى الصعيد الفكرى وجه أبحاثه فى اِتجاهين : دراسة كبار المفكرين فى الاِسلام ، الأكثر منهم تقليدية كالغزالى ، أو الأكثر تجديدا مثل اِبن عربى ، مرورا بأكثرهم سموقا كالحلاج ، ذى الأثر المحسوس فى فكرة الصلاة والصيام والحج عند محمود محمد طه .. أيضا دراسة التيارات الفلسفية المعاصرة دراسة كافية ، للرجوع حتى لأعمال كبار الفلاسفة ( رأيت فى أحد الأيام على طاولة عمله ترجمة انجليزية لكتاب " بؤس الفلسفة " لكارل ماركس ، وكذلك كتاب "ديالكتيك الطبيعة " لفريدريك انجلز " ) .
    على الصعيد الاجتماعى تفرغ محمود محمد طه لاعداد أتباعه ، جاعلا منهم مجتمعا مهيئا ليكون مكانا لانبثاق نظام اِجتماعى جديد . كما أنّه لم يترفع عن النزول الى حلبة السياسة ، فأسّس حزبا يدعى " الحزب الجمهوري " ، هذا الاسم الذى ظل مرتبطا بأتباعه حتى بعد حل الحزب.
    كان جم النشاط . ألّف حوالى 38 كتابا وكتيبا صغيرا ، وهذه ليست قائمة كاملة ، لأنها تتوقف عند شهر سبتمبر 1979 ، تاريخ مرورى الأخير بالخرطوم . منها كتب كبيرة ، مطبوعة، تتجاوز المائتي صفحة .. ومنها منشورات مستنسخة تتراوح بين ثلاثين وأربعين صفحة ، وهذه بمثابة عروض متتابعة لفكرة ، أو منشورات تتناول الأحداث المتجددة .
    وهذا ، بصورة موجزة ، نظام محمود محمد طه الذى نجده معروضا فى كتاب " الرسالة الثانية من الأسلام " وهو كتاب من 166 صفحة ، صدر فى عام 1967 ، وطبع عدة مرات منذ ذلك الحين .

    رسائل الاسلام
    اِن الدين ، أساسا ، واحد وهذه الوحدة اِنبثقت عن الأصل الاِلهى للكون والاِنسان ، ولكّن الانسان بسبب الاِستعمال السيئ لحريته قد وقع فى جهل منعه عن مشاهدة الأصل الاِلهى لوجوده وللكون. ومنذ ذلك الوقت ، كانت الأديان المختلفة التي تعاقبت على وجه الأرض مراحل لاسترداد هذه المعرفة ، وهذه الحرية الأساسية ، من الجهل ، ومن الخوف ، و العنف . فالاسلام هو المرحلة الأخيرة من هذا الاِسترداد ، ولكن ليس بالشكل الذي ظل معاشا حتى ايامنا هذه ، والذي لم يكن غير " الرسالة الأولى من الاسلام " .
    ان الاسلام الحقيقى والأخير ، هو " الرسالة الثانية " التي دعا إليها محمد في مكة ، والتي كانت قد نسخت مؤقتا بتعاليم المدينة . ففي الواقع ، عندما بدأ محمد فى نشر رسالته ، دعا إلى الدين الكامل ، الذي يرتكز على مسؤولية وعقل أعضائه ويدعو إلى حريتهم. ولكنه أضطر بعد الهجرة من مكة إلى المدينة ، ولأسباب تعليمية، أن ينزل إلى مستوى تخلف النمو الثقافي والديني في ذلك العهد . فدعا، من ثمّ ، إلى دين يدعو إلى الإيمان ، أكثر منه إلى العلم، وإلى قانون يقوم على الإكراه ، أكثر من الادراك المسؤول .
    لقد ظل المسلمون يعيشون في مستوى هذه الرسالة الأولى حتى الآن. ولكن منذ اليوم ، ونظرا للتقدم الذي حققته الاِنسانية ، حان الوقت للاِنتقال الى الرسالة الثانية . وينبغي الآن الانتقال من القانون الأول ( الشريعة ) التى قامت في المدينة على فروع الدين ، من أجل اِقرار القانون الثاني الذي يتوافق مع الاِسلام الكامل ، ويستلهم "أصول" الدين ، تلك التي غرسها محمد في مكّة. من هنا تأتي محاولة بعض المفكرين المسلمين ، ومن بينهم محمود محمد طه ، ايجاد اِسلام أكثر " نقاءً " ، وأكثر "تديناً " من الإسلام الذي كان أكثر سياسة فى المدينة .
    وبالتالي، ليس في التشريع الجديد جهاد ، ولا رق ، ولا رأسمالية ، ولا عدم مساواة بين الرجل والمرأة ، ولا تعدد فى الزوجات ، ولا طلاق ، ولا لبس حجاب ، ولا فصل بين الجنسين ( هذه هى تقريباعناوين الفصل المتعلق بالتشريع في الرسالة الثانية من الاِسلام ). اِذن ، بينما كان الإسلام ، فى بداياته ، أقرب إلى اليهودية في تشدّدها (( العين بالعين ، والسن بالسن )) ، فإنه في هذا الوقت يكون أقرب إلى الروحانية المسيحية (( من صفعك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر )) ، بيد أنّه يضيف إلى المسيحية عقلانية كبرى ، حيث يهتم ، على العكس منها ، بالأوضاع الواقعية ، الأخلاقية والاِجتماعية ، والتي هي بمثابة سلّم يساعده ، هو وحده ، على الوصول إلى قمّة الحرية والحب الكاملين .
    هذه العقلانية في الإسلام ، في رسالته الثانية ، تبدو أخيرا في التنظيم الاِجتماعي الذي تقيمه . فالمجتمع الإسلامي الصحيح يوحّد في آن معا بين الاشتراكية والرأسمالية . الاشتراكية لأنه يكفل الحاجات المادية للجميع ، فى مساواة . والرأسمالية ، لأنه يتيح الحرية لكل فرد أن يسلك كما يريد وفقا لما تمليه عليه مسؤوليته .

    مهدويون مع محمود!
    ومحمود محمد طه، بسبب موقفه الرافض للشريعة ودعوته إلى تشريع جديد ، حكمت عليه محكمة دينية بأنه مرتد . ولكن هذا الحكم لم يخرجه من المجتمع . وقد تسنى لي مشاهدة البرهان على ذلك أكثر من مرة ، لا سيما أثناء عقد زواج بين اثنين من تلاميذه ، حسب مراسيم وضعها هو . فمع أنّ أغلبية المدعوّين إلى حفل الزفاف كانوا من المسلمين التقليديين ، فاِنى لم ألحظ علامة معارضة من جانب هؤلاء ، كما أنّ الاحتفال قد تميز بخطبة تناولت العلاقات بين الرجل والمرأة في الرسالة الثانية من الإسلام.
    وحتى وإن كانت غالبية المسلمين السودانيين تنظر إليه كمبتدع ، فإن هناك أكثر من واحد ، وليس من الدون ، لا يخشى إعلان قبوله لأفكار محمود محمد طه ، مثل حفيدة المهدي التي ( شهدتها ) تعبر علانية عن انتمائها لأفكار الأستاذ محمود ، فى حضور أسرتها المجتمعة ، وهي من القطاع التقليدى في حزب الأنصار ، دون أن تجد الأسرة ما تقوله في هذا الصدد – إسم الأنصار في السودان يطلق على الذين ساندوا المهدي في نهاية القرن التاسع عشر ، وعلى الذين انحدروا منهم ، وبعبارة أخرى هؤلاء هم المهدويون .

    فى بيت الأخوان
    ولكن ، وبصورة أكثر مودة من دائرة هؤلاء المتعاطفين ، قلّ تعاطفهم أو كثر ، هناك دائرة التلاميذ ، التي لا يمكن خارجها التقدير الحقيقي لخصوبة منهجه وعمله الإصلاحي . هؤلاء التلاميذ يمثلون الذرية الروحية لهذا الرجل ، الذي كان قبل كل شئ ملهما ومرشدا . هؤلاء " الأخوان والأخوات " كما يسمون أنفسهم هم بصفة عامة قد جاءوا من أوساط على درجة كافية من الثقافة ، وينتشرون بوجه خاص بين الجامعيين والموظفين . وانتماؤهم الى الحركة يتطلب جهدا مزدوجاً من التحول الفردي ، وحياة النضال في المجتمع .
    بعض هولاء الرجال وهؤلاء النساء يعيشون قبل زواجهم فترة خلوة ( عاما أو عامين وأحيانا أكثر ) في منزل من " منازل الأخوان ". في سنة 1973 كان يوجد ثلاثة من هذه المنازل في الخرطوم ، وكذلك في ثلاث مدن أخرى في السودان ، حيث يعيش الرجال والنساء وقتا من " التبتل " ، وذلك يعنى الانقطاع عن العالم ، والتفرغ لله ، ويتضمن بصورة خاصة العفة الجنسية ، حيث يسكنون فى منازل منفصلة ولكنها على مقربة من بعضها لبعض ، لتيسير اللقاءات .

    مخلص حتى النهاية
    في وسط هذه المجموعات يتدرب الأفراد على معيشة قيم " الرسالة الثانية من الإسلام " ، بأداء الصلاة الفردية والجماعية ، وخاصة في " الثلث الأخير من الليل "، كعادة الصوفية وأصحاب الطرق ، و باقتسام ما يملكون ، بدفع جزء من مرتباتهم لسد احتياجات الجماعة . ويتدرب الأفراد كذلك على معيشة تلك القيم بالعمل الاجتماعى ، في مجال التوعية ، مثل تنظيم اجتماعات للفكر ، والمناقشات ، وتوزيع مؤلفات الأستاذ محمود في الطرقات . ولقد شرح لي ذات مرة وظيفة هذه المنازل فقال : "إنها عن طريق التبتل تمكّن من ترقية المجتمع بشكل لولبي متصاعد ، ويأخذ في الاتساع ، حيث يمارس الفرد العبادة خلال الليل ، ويمارس العمل الاجتماعي خلال النهار . وهذا هو المكان المثالي لإعداد مجتمع جديد ".
    هكذا ، كان محمود محمد طه ، صادقا مع نفسه ، فكان أن ملك من الكرامة والشجاعة ليبقى مخلصا لاِلتزاماته حتى النهاية . في لحظة تقديمه للاعدام صليت من أجله . محمود ، أخو المصلوب ، أخي !

    هنرى كودريه الذي يعمل الآن في أبيدجان ( ساحل العاج ) والذي كان قبلها مدرّسا للغة العربية في تشاد ، كان يتردد كثيرا على محمود محمد طه في الفترة ما بين يونيو 1973 ويناير 1974 ، عندما كان يقيم في الخرطوم متفرغا لبحث حول التيارات الدينية في الإسلام السوداني . وبهذه الصفة كان محمود محمد طه يستقبله في مرات عديدة ، حيث يجد دائما بابه مفتوحا في المنزل " المتواضع جدا " الذي كان يسكن فيه " غاندي السوداني " في حي الثورة بأم درمان . احتفظ هنري كودريه بذكرى مثيرة لتلك اللحظات . والسطور المنشورة هنا مقتطفات من نص كُتب لنشرة " اللقاء الإسلامي المسيحي " ( التي تصدر في أبيدجان) ، عدد أبريل – مايو 1985

    أنجمينا فى الرابع عشر من أكتوبر 1985
    بشير عيسى بكّار
                  

04-04-2008, 03:36 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أوردت صحيفة الأيام ، عدد الأربعاء 14 أبريل 2004 ، المقال التالي :
    * بريد حواء * دعوة عملية لتطويرها
    * قوانين الأحوال الشخصية وسيلة للحياة وليست غاية
    أرسلت الأستاذة زهور حسين أحمد ، مشكورة ، (لأجندة حواة) قصاصة سبق نشرها بصحيفة الخرطوم ، 16 مارس 1989 ، تضمنت عقد زواج بين الأستاذة بتول مختار محمد طه ، والأستاذ عماد الدين علي إدريس ، قام على أسس جديدة ، تؤسس لعلاقة ديمقراطية بين المرأة والرجل ، نعيد نشرها والمساعي تجري لطرح نموذج لوثيقة الزواج :
     بمناسبة يوم المرأة العالمي
     بتول مختار محمد طه
     دعوة عملية لتطوير قوانين الأحوال الشخصية
     قوانين الأحوال الشخصية وسيلة للحياة وليست غاية
    إن العقد الذي جرى بين الأستاذة بتول مختار محمد طه والأستاذ عماد الدين علي إدريس ، بالخرطوم بحري ، يعتبر فتحاً جديداً لقضية المرأة .. فقد قام العقد على أساس الحقوق والواجبات المتكافئة بينهما .. والجديد في الأمر أن هذا أول عقد يقوم على أصل فكرة الأستاذ محمود محمد طه في تطوير شريعة الأحوال الشخصية لتكون أدخل في الدين ، وأوفى بقيم الحضارة ، وقامة المرأة المعاصرة ، وهي متضمنة في كتاب ( تطوير شريعة الأحوال الشخصية ) والذي على هداه تم هذا العقد
    أولاً : نص العقد على أن الزوجين شريكين متكافئين في الحقوق الواجبات ، ليس بينهما وصي الآخر ، ومن هذا المنطلق فالدخول في هذه العلاقة هو خيارهما الشخصي ، وكذلك حق التقرير في الخروج منها فهو حق مشترك بينهما يمارسه من شاء منهما بالضوابط المنصوص عليها في العقد ، وأهمها دخول الحكمين
    ومن أبرز بنود هذا العقد أن ليس هناك تعدد في هذه الشراكة ، فمن أوكد المعاني المتفق عليها بينهما أن كلاهما هو الزوج الأوحد للآخر ، وإذا اقتضت الضرورة التعدد لا يتم وكأنه حق يمتاز به الزوج ، وإنما هو تشريع ضرورة يخضع للضوابط التي هي الآن خلقية وملزمة للزوج ومنصوص عليها في العقد
    حتى دخل الأسرة فإنه شراكة بينهما ، وإذا اضطرت ظروف الأسرة الزوجة للتفرغ لرعاية شئونها فإن إنفاق الزوج عليها لا يعتبر منة وإنما هو حق ، أنظر كتاب تطوير شريعة الاحوال الشخصية صفحة 67 ، وقد تسامى هذا العقد عندما لم يقدر للزوجة ثمن مادي ، فلم يدفع الزوج مهر مادي للزوجة ، بل اكتفت بأن يكون زوجها هو مهرها ، وهي مهره ، فإن القيمة المادية ، مهما ارتفعت ، لا تجعل للحر ثمن
    تم هذا العقد في حفل ديني مبسط ، بالخرطوم بحري ، قدمت فيه الشربات وقد وقع الزوجان والشهود على العقد وبحضور ضيوفهما حيث لم يكن هناك وكلاء ينوبان عنهما ، وإنما باشرا العقد بنفسيهما .. والأستاذة بتول والأستاذ عماد إذ يطبقان هذا العقد ، وبالصورة التي حدد معالمها الأستاذ محمود محمد طه ، يرفعانه شاهداً ودليلاً على واقعية الفكرة الجمهورية وصلاحيتها لحل مشكلات الإنسان المعاصر ، وبالتحديد المرأة المعاصرة التي تتطلع للحرية والكرامة ولا تجد لهما سبيلاً وسط ضوضاء المادة وقيود الجهل والخرافة
    فمن خلال هذه التجربة العملية فإن قوانين الأحوال الشخصية لا تطور نفسها ولا يقوم بتطويرها الرجال وحدهم ، فإن من أوجب واجبات النساء أن ينهضن بقضية تغيير هذه القوانين ، ويلتزمن بهذا المستوى المحدد من التطبيق ، وعندها ستطور هذه القوانين تلقائياً ، فقوانين الأحوال الشخصية تؤثر على حياتنا اليومية ، والفهم الصحيح يقول إن القوانين في خدمة الحياة وليست قيداً لها والحياة لا تنفك متطورة وليست جامدة على صورة واحدة ، وما ينقصنا نحن النساء هو الفهم الشامل المتحرك الذي يواكب هذا التطور ، فنقص الفهم هذا صرفنا لننشغل بالقشور دون اللباب ، فأصبحنا لا نقدر أنفسنا حق قدرها وقابلنا الحياة بالوضع التقليدي القديم حتى أخذنا نباع ونشترى فهزمنا قضيتنا وقضية الحرية بأنفسنا ، وقد أراد الأستاذ محمود أن يوقظ فينا روح الحرية والكرامة حين قال في كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية صفحة 93 : ( أعلمن أن كرامة إحداكن بيدها فإن هانت عليها كرامتها فلن تجد مكرماً لا من الزوج ولا من الأخ ولا من الأب .. قال شاعرهم :
    إن أنت لم تعرف لنفسك حقها هوانا بها كانت على الناس أهون
    وقال الآخر : من يهن يسهل الهوان عليه ، ما لجرح بميت إيلام ) انتهى
    وأخيراً أرجو أن تكون هذه نافذة جديدة وبارقة أمل للخروج من قيود الهوان والوصاية .. انتهى نص المقال
                  

04-04-2008, 03:38 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قصة لسان الدين الخطيب الذي هرب من قدر الله إلى قدر الله
    جريدة الصحافة

    انقر علي اللنك ووقع لاطلاق سراح لسان الدين الخطيب

    http://www.arabconference.org/petitions/petitions.php?id=5

    *************************************************

    لسان الدين الخطيب محمد خير.. شاب سوداني في اواخر الثلاثينات من عمره.. وضاح المحيا.. ودمث الخلق والمعشر.. عفيف اليد واللسان.. مقبل على الحياة بطلاقة وحيوية.. باحث دائماً عن الحقيقة، لم توهن عزيمته او تفتر همته عن ذلك.. صادع بما يعتقد انه صحيح مهما كانت عواقبه.. شخصيته هذه قادته لان يلج حقل العمل العام من منصة حركة الاخوان الجمهوريين اولاً في الثمانينات، ثم الحزب الشيوعي.. واخيراً حركة القوى الجديدة الديمقراطية «حق» وهو من المؤسسين لها.. غير ان حيوية وهمة لسان الدين لم تقف على السودان فحسب. ولكنها تدفقت خيراً وبراً بالمستضعفين من حولنا، حيث ظل مناصراً بقوة للثورة الاريترية. ومنافحاً بجلد عن حق الشعب الاريتري في تقرير مصيره. ووظف في سبيل قناعاته تلك جل طاقاته ومواهبه المتدفقة والمتجددة في مجال تخصصه في المسرح وفي مضمار العطاء السياسي بشكل عام.

    شخصية لسان الدين القلقة والمتمردة هذه، كان لابد ان تضعه في مواجهة صدامية مع حكومة الانقاذ وهي تصل الى دست الحكم في السودان، فنال نصيبه من الاعتقال عدة مرات في بداياتها. وعانى ما عانى، خاصة ان داء السكري تمكن من جسده الذي تصدق به من اجل ان يعيش غيره حياة كريمة، كما انه مصاب كذلك بدوالٍ في القدمين، الامر الذي الزمه سرير المستشفى عدة مرات بالسودان.. المهم ان لسان غادر السودان بعد ان ضاق عليه بما رحب في اكتوبر 1995م. وانخرط في نشاط معارض لحكومة الانقاذ منذ ذلك التاريخ.. وظلت اخباره تتواتر من حين لآخر لاهله واصدقائه من اسمرا.. ولكن فجأة انقطعت السيرة.. فما الذي جرى للشاب الطلق لسان الدين الخطيب.. هذا ما يحكيه لنا رهط من أسرته: الدكتورة اماني محمد خير، شقيقته وعبد الحليم محمد خلف الله خاله وعوض الكريم السيد الحاج جده. والاستاذ الحاج وراق رئيس حركة القوى الجديدة الديمقراطية «حق» التي ينتمي لها لسان الدين الخطيب.. فالى فصول الحكاية..

    منشورات في قارعة الطريق:

    قبل سفر لسان الدين الخطيب الى اريتريا وفي اواخر عام 1994م. وحكومة الانقاذ في اوج جبروتها، لم يثن ذلك لسان الدين عن ان يصدع ويقف الموقف الذي يراه صحيحاً، لذا كان ناشطاً في معارضة النظام بالسبل الممكنة.. وذات يوم من ايام عام 1994م كان لسان الدين يقود دراجة نارية في احد شوارع الخرطوم.. وفجأة اصطدمت به سيارة في الشارع، فسقط ارضاً وتبعثرت محتويات الحقيبة التي كانت معه.. وتطايرت المنشورات المناوئة لنظام الانقاذ.. وكان طبيعيا في ذلك الوقت ان تتحول القضية من قضية مرور الى قضية أمن دولة اودت بلسان الدين الى غياهب معتقلات الانقاذ.. ومكث لسان الدين اكثر من ثلاثة اشهر في المعتقل، قضى منها شهراً طريح الفراش بمستشفى ام درمان بسبب داء السكري ودوالي الرجلين.. ولم يكن ذلك اول اعتقال للسان الدين ولا آخر اعتقال.. وربما لم يكن هذا ما جعله يقرر مغادرة بلاد ضاقت به وضاق هو بحكامها.

    موسم الهجرة إلى اسمرا:

    وعزم لسان الدين على الرحيل. وقد كان عام 1995م هو موسم الهجرة الى اسمرا، حيث شدت المعارضة السودانية رحالها الى هناك بعد الخصومة التي نشبت بين النظام الحاكم في اريتريا وحكومة الانقاذ.. ولما كان لسان الدين شخصاً معروفاً لدى اجهزة الامن، كان لابد له من غطاء ليخرج به.. وكان هذا الغطاء موجوداً حيث ان له صلات قوية بالثورة الاريترية، فبعد وصول نظام الدرق للحكم في اثيوبيا بخلفيته الماركسية، بدأت قبائل اليسار تتلجلج في موقفها الداعم للثورة الاريترية، بالرغم من ان اغلب قادة الثورة كانوا ذوي منطلقات ماركسية معروفة، الا ان لسان الدين ظل على موقفه الثابت حيالها، بانها ثورة من اجل الحرية. واحتفظ باعمق الوشائج والصلات مع كوادرها.. وفي عام 1995م جاءته دعوة كمسرحي من وزارة الثقافة والاعلام الاريترية للمشاركة في ورشة عمل برفقة جمعية الشباب الاريتري.. ربما قدر ان هذه هي الفرصة المثلى له كيما يتحرر من قيد الانقاذ.. والاسرة من جانبها حمدت الله على فكرة خروجه لما كانت تراه من عنت ومعاناة يلاقيها لسان الدين في مقارعته لنظام الانقاذ وهو يعاني من دائي السكري ودوالي الرجلين.. فكان ان قرر بعد وصوله لاسمرا ان يقيم هناك.

    وانخرط لسان الدين بكل طاقته وحيويته التي عرف بها في نشاط المعارضة السودانية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي في اسمرا.. وكانت رسائله تأتي منقطعة للاسرة بالخرطوم كل عشرة اشهر خطاب او رسالة شفاهية مع احد القادمين من هناك.. وسوء العلاقات بين السودان واريتريا وتخلف وسائل الاتصال في دولة حديثة الاستقلال كاريتريا، اسهم في هذا الجفاء. ولكن رغم تباعد زمن الرسائل المكتوبة والشفاهية كانت الاسرة مطمئنة على سلامة وصحة ابنها لسان الدين.

    ولما كان لسان الدين باحثاً دائماً عن ما يقتنع به انه الحقيقة، خرج من صفوف الحزب الشيوعي السوداني وانضم لحركة «حق». وظل مواصلاً نشاطه المعارض ضد حكومة الانقاذ.. ولكن قبل قرابة العامين انقطعت رسائل لسان الدين الخطيب. وحتى المعلومات الشفاهية عنه التي كانت ترد الى اسرته وتطمئنهم عليه توقفت. وكان آخر ما وصل الاسرة من ابنها شريط كاسيت مسجل بصوته يطمئنهم فيه على صحته واوضاعه هناك.. ولكن ترى ما الخطب بعد ذاك؟!

    نسيم كندا يأتي بالخير:

    أسرة لسان الدين واصدقاؤه هنا ينهشهم القلق على صحته واخباره التي انقطعت، اتصل الاستاذ ثروت سوار الذهب وهو سوداني يقيم بكندا وعضو في حركة «حق» بالاستاذ الحاج وراق قبل حوالي اربعة عشرة يوماً. وذكر له انه اتصل مصادفة باحد اصدقائه باسمرا وسأله عن لسان الدين الذي كانت اخباره مقطوعة ايضاً عن افراد حركة «حق»، فعلم ثروت من صديقه ذاك ان لسان الدين معتقل في غياهب السجون الاريترية. وذلك إثر ضلوعه في ملابسات الصراع السياسي الذي نشب داخل صفوف الجبهة الشعبية الحاكمة في اريتريا. وقاد لانشقاق مجموعة من القادة التاريخيين للجبهة في ما عرف بمجموعة الـ «15» والتي كانت تطالب الرئيس افورقي باجراء اصلاحات سياسية في البلاد. وتدعو لمساءلته عقب الحرب ضد اثيوبيا والهزيمة النكراء التي منيت بها اريتريا. وكان لسان الدين الخطيب لما له من صلات ووشائج تاريخية بالثورة الاريترية طرفاً في ذلك الصراع، حيث انحاز لمجموعة الـ «15».. وافاد ذلك الشخص انه معتقل في ظل ظروف صحية بالغة السوء، إثر هذه المعلومة تحرك الأستاذ الحاج وراق وتم نشر الخبر في صحيفة «الصحافة» الصادرة يوم 17 مارس الجاري.. ووقع الخبر على أسرة لسان الدين كالصاعقة.

    الحرية لنا ولسوانا:

    ولسان الدين كان اجرى عمليتين في السودان لازالة دوالي الرجلين. وتعلم الاسرة مقدار المعاناة التي عاناها لسان الدين ابان ظروف اعتقاله المتكرر هنا في السودان.. ولا علم للاسرة ان للسان الدين نشاط معارض آخر خلاف نشاطه المعارض لنظام الانقاذ.. ولكنهم كانوا على يقين بان روح لسان الدين الوثابة وتوقه الدائم للحرب وإقدامه على كل ما فيه خير الناس اياً كانوا، هو الذي يوقد جذوة الثورة في دواخله دائماً، الامر الذي يجعله دائم الصدام مع مطلق سلطة.

    واتصلت الاسرة باحد معارفها في اريتريا.. والاتصال اكد الخبر بان لسان الدين الخطيب معتقل في السجون الاريترية. وكان يتلقى العلاج من السكري باحد مستشفيات اسمرا. ولكن السلطات تمنع عنه الزيارة. وما يرد من أخبار عنه يحصل عليه من اصدقائه الاريتريين، وانه ظل معتقلاً منذ احد عشر شهراً.

    وأهال الخبر أسرة لسان الدين.. والدته المريضة ووالده المتقاعد بالمعاش واخواته الحرائر، فهو كبير الاسرة ومحبوب العائلة.. والقلق ينتاب الجميع وتحول منزل الاسرة الى سرداق عزاء.. وتدافع الاهل بالمواكب والمناكب من اطراف السودان المختلفة، للوقوف بجانب والدته ووالده واخواته.. وما يزيد الجزع انه لا معلومة دقيقة عن احواله الصحية، لان الجميع يعلمون انه مريض ودائم المعاناة من مرضه ذاك.. كما لا توجد ايضاً معلومات دقيقة عما اقترفه لسان الدين حتى يعتقل من قبل السلطات الاريترية التي استجار بها من رمضاء الانقاذ.. وهم فقط يعلمون تماماً ان ابنهم كان مؤمناً ايماناً قوياً بالقضية الاريترية ربما فاق ايمانه بقضية السودان.. لذا تراهم يستعجبون مما حدث.

    ولكن ما يستغرب له ان التجمع الوطني المعارض والذي كان لسان الدين الخطيب ناشطاً في صفوفه، لم يستثمر علاقاته بالنظام الاريتري ليتوسط لاطلاق سراحه، خاصة وانه سوداني.. والحاج وراق بدا ناقماً على ذلك. وقال انهم اي- التجمع- جبنوا حتى لمجرد ذكر معلومة اعتقال لسان الدين الخطيب في سجون اريتريا، لكن الاستاذ غازي سليمان رئيس المجموعة السودانية لحقوق الانسان كان حاضراً هذا الحديث، اجاب باختصار ان الحاج وراق رجل دبلوماسي يذوِّق الحديث. وقال انه يعزو ذلك الى ان اي شخص يناضل خارج حدود بلده يصبح في نهاية الامر بوقاًَ لسيده.. وهذا حال التجمع.

    مناشدات وأمل ورجاء:

    أسرة لسان الدين الخطيب ناشدت عبر «الصحافة» كل الجهات التي يمكن ان تسهم او تدعم فرصة اطلاق ابنها المعتقل في سجون اريتريا. وطالبتها ان تبذل معهم اقصى جهودها لاطلاق سراح الشاب وضاح المحيا دمث المعشر لسان الدين الخطيب، المواطن السوداني الذي يتهدد حياته الخطر نسبة لمرضه ومن اجل اسرة هو كبيرها الآن.. من اجل ام مكلومة ومريضة ووالد بالمعاش وشقيقات حرائر هو حامي حماهن.. واسرة ممتدة بطول وعرض السودان لسان الدين هو ريحانتها.. باسم كل هؤلاء يناشدون منظمات حقوق الانسان في الداخل والخارج. والجهات الرسمية في الداخل وخاصة وزارة الخارجية والحكومة الاريترية واللجنة الدولية للصليب الأحمر للتدخل من اجل انقاذ حياة ابنهم لسان الدين.. وهم يطلبون من السلطات الاريترية اذا كان ابنهم مخطئاً ان تبعده خارج اراضيها لانه مواطن سوداني.

    اما الأستاذ الحاج وراق رئيس حركة «حق»، فاشار الى ان مناشدته الاساسية موجهة للحكومة الاريترية وخاطبها قائلاً: اننا ظللنا اوفياء للثورة الاريترية. وتربطنا بها علاقات تاريخية. ولنا تقدير كبير جداً لها باعتبارها من اعظم ثورات القارة الافريقية، لذا لا نريد ان ننزلق بقضية لسان الدين هذه الى حافة عداء مع اريتريا. ولكننا في نفس الوقت لا يمكننا ان نتسامح او نتساهل في روح احد افرادنا.. نحن نطالب الحكومة الاريترية بأن تخرجنا من هذا الحرج، خاصة وان لسان الدين ليس طرفاً اصيلاً في الصراع السياسي الدائر في صفوف النظام الاريتري الحاكم. وعليها ان تتذكر انه سوداني في نهاية الامر. وتعمل على ابعاده عن اراضيها كاجراء مناسب على ما ترى انه اقترفه في حقها.

    غازي على الخط!!

    الأستاذ غازي سليمان رئيس المجموعة السودانية لحقوق الانسان. والذي اتصلت به اسرة لسان الدين الخطيب وسلمته مذكرة اوضحت فيها رغبتها في تدخل مجموعته لانقاذ حياة ابنها المعتقل رغم مرضه في السجون الاريترية.. وغازي يرى ان لسان الدين الخطيب ونتيجة نضالاته السابقة مع الشعب الاريتري من اجل تقرير مصيره، يعتبر عضواً اصيلاً في الثورة الاريترية.. وتأسف لاعتقاله. ورأى انه اعتقال سياسي لما عرف عن لسان الدين من عفة في اليد واللسان. واعرب عن أمله في ان يتمكن بصفته رئيساً للمجموعة السودانية لحقوق الانسان. وبصداقته التاريخية للشعب الاريتري، ان يتمكن من اطلاق سراحه باسرع فرصة ممكنة، الى جانب اطلاق سراح كل السودانيين المعتقلين لاسباب سياسية، كما يعمل هنا لاطلاق سراح الاريتريين المعتقلين لاسباب سياسية لدى حكومة السودان. وقال ان لديه المقدرة على مخاطبة الحكومة الاريترية مباشرة، لانه جزء لا يتجزأ من السلطة الاريترية، فهو صديق للرئيس افورقي ولكل المناضلين الاريتريين. وسيتصل بهم ويأمل الا يضطر لتصعيد القضية اكثر مما يقتضي الأمر

    *****************************************************
    انقر علي اللنك ووقع لاطلاق سراح لسان الدين الخطيب

    http://www.arabconference.org/petitions/petitions.php?id=5


    -------------------------------------------
    يمنى قوتة
                  

04-04-2008, 03:40 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    from sudaneseonline.com
    مسارب الضي

    مناشدة للرئيس اسياسي: حياة لسان الدين في خطر !!

    الحاج وراق

    * لسان الدين الخطيب معتقل منذ شهور لدى السلطات الإريترية. وهو شاب سوداني في اواخر الثلاثينات ، تنطبق عليه نماذج علم النفس الكلاسيكية عن انماط الشخصية: ممتليء الجسم كأنما يحاول جسده الامتزاج مع الفضاء الآخر، وكذلك شخصيته ، شخصية منبسطة تماما، تحتفي بالحياة وبالآخرين ، سمح المحيا لا تفارق وجهه الابتسامة، وسمح النفس، لا يعرف حدودا في العلاقة مع الآخر تفاعلا وعطاء.

    وهو مسرحي موهوب امتزج عنده نزوع الفنانين نحو الاكتشاف والتجريب بقلق الباحثين عن الحقيقة، فكان دوما يتساءل ويكتشف ويتجاوز، وفي بحثه الدؤوب هذا يكتب قناعاته بقلم الرصاص، فيمحو ويثبت، التحق باكرا بالحزب الشيوعي السوداني، ثم انتمى للفكر الجمهوري، ثم التحق بحركة "حق"..... وفي تقلبه الدائم بين الأفكار والمنظمات اكتسب انفتاح الذهن وسعة الوجدان، ومع قلقه المبدع الخلاق طور اعتقادا راسخا في القيم الإنسانية الاساسية، وعلى رأسها قيم الحرية والعدالة.

    وبهذه القيم كان نصيرا ثابتاً لحرب التحرير الاريترية في الثمانينات، ويومها عز النصير ، فكانت الثورة تقاتل نظام الدرق الاثيوبي ومعه بصورة مباشرة وغير مباشرة القوتين العظميين - الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الاميركية... وبدلا ان يكون ذلك مدعاة للجلجة التي اصابت الكثيرين وقتها فإن لسان الدين ازداد اعجابا بالثورة الاريترية ، اعجب بالعزيمة على الاستقلالية وجسارة الكفاح هكذا (واقف براك والهم عصف) ! والاستقلالية إنما تأسر الفحول، اولئك الذين لا يخشون التجريب ولا يخشون وحشة الدروب التي لم يسلكها احد من قبل ! وكذلك كان لسان الدين.

    * اعتقل في بداية عهد الانقاذ لأنه كان يوزع منشورات سرية في دراجته... وعلي خلفية هذا الحدث وعقابيله، وبسبب المناخ السائد حينها، ألهمته دعوة المعارضة للهجرة والالتحاق بمعسكرات العمل المسلح، فكان ان حط به الرحال في اسمرا منذ منتصف التسعينات. وهناك لم يفعل كما يفعل الآخرون: لم يمسك الخشب كما لم يمشِ حذرا لصق الحيطان، لم يتحول الى دجاجة مدجنة وانما ظل كما هو شخصية ناقدة مستقلة وعصية على التطويع.. وهو اول سوداني اسمعه ينتقد اسلوب قيادة السيد/ محمد عثمان الميرغني للتجمع بصورة صريحة ومباشرة، بل هو اول سوداني اسمعه يسمي السيد/ محمد عثمان بمحمد عثمان علي ! ورغم اني افضل مناداة الآخرين بالالقاب التي يحبونها، فإني لم أرَ في تجريد السيد/ محمد عثمان عن لقب السيادة وقاحة، فبحكم شخصية لسان الدين الناقدة من جانب ولكن المنفتحة والمحبة للآخرين، من الجانب الاخرين ، كان ذلك عندي تجليا لطاقة ابداعية ولقدرة على النقد الجذري والنهائي.. وما اشد حاجة مجتمعاتنا التقليدية لمثل هذه الطاقة !

    * والآن فإن حياة لسان الدين في خطر، يعاني من مرض السكري، ومن دوالي الرجلين، ومزيج هذين المرضين يمكن ان يؤدي الى (غرغرينة) ويشكل خطورة بالغة على الحياة، خصوصا مع ملابسات الاعتقال والذي امتد حتى الآن لما يقارب الاحد عشر شهرا !

    * وخطأ لسان الدين انه وكعادته في الاختلاط بالآخرين قد انغمس دون ادنى حذر في المجتمع الاريتري ، فصار جزءً من النسيج السياسي الاريتري يشاركهم احلامهم وهموهم وصراعاتهم، واذ افضت التطورات السياسية هناك إلى

    صراع في الجبهة الشعبية الحاكمة فقد اختار لسان الدين ان يكون في قلب الاحداث وطرفا في الرهانات ! وربما يكون ذلك خاطئا، ولكنه ناجم عن محبة للثورة الاريترية وعن تاريخ ممتد في مناصرتها والوفاء لها، والمآمول من الاخوة في القيادة الاريترية اذا لم يعودوا علي استعداد لنذكر اسهام لسان الدين في الثورة الاريترية ، فإنا نطالبهم على الاقل ان يتذكروا الحقيقة الاساسية الاخرى، وهي حقيقة انه سوداني. فاذا لم يكن مرغوبا انغماسه في السياسة الاريترية فالافضل بدلا من اعتقاله طرده خارج اريتريا !

    * قبل ثلاثة اعوام في احتفال حزب الامة بعودة نشاطه الى الداخل، والذي كرمت فيه القيادة الاريترية ، قابلني القائم بالاعمال الاريتري حينها الاستاذ/ حامد حمدت ! اندفع نحوي وحياني بحرارة بالغة قائلا بان الثورة الاريترية وفية ، وانهم لن ينسوا ابدا ان الحاج وراق وياسر عرمان وآخرين من عضوية الحزب الشيوعي حينها، قد ظلوا يعلنون تأييدهم للثورة الاريترية رغم ان الحزب الشيوعي كان قد بدأ يرتبك بعد وصول منقستو للحكم في اثيوبيا، واضاف حامد حمدت بأنهم يعتبروننا ظاهرة لافتة وانهم لا يمكن ان ينسوا مواقفنا تلك ...) وغض النظر عن مآل حامد حمدت الآن، وقد سمعت بأنه معتقل ايضا، فإني اعتبر شهادته والتزامه يعبران عن موقف الثورة الاريترية. . وإنني استثمر هذا الالتزام فأناشد الرئيس اسياسي افورقي ، لاطلاق سراح لسان الدين الخطيب، ولا ضير ان امر مع اطلاقه بطرده خارج اريتريا!

    * انني وبحكم صداقتي الشخصية والتزامي تجاه لسان الدين الخطيب فقد سلمت الامر الى الاستاذ/ غازي سليمان المحامي كرئيس للمجموعة السودانية لحقوق الانسان وبسبب علاقاته التاريخية والوثيقة باريتريا، واخطرت منظمة العفو الدولية، كما طلبت من الاستاذ/ حاج حمد التوسط، وها أنذا اختم كل ذلك بمناشدة مفتوحة للرئيس اسياسي، واؤكد اننا كديمقراطيين سودانيين ، مهما كان ارتباطنا التاريخي والوجداني بالثورة الاريترية، وتقديرنا للمصلحة الاستراتيجية في علاقة حسنة ووطيدة بن الشعبين السوداني والاريتري ، فإننا كذلك لا يمكن ان نتسامح اذا ذهبت الحكومة الاريترية في طريق (أكل) ابناء الثورة ومناصريها !
                  

04-04-2008, 03:43 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حقوق المرأة السودانية في ظل الشريعة الاسلامية
    المأزق والمخرج
    [/align:59587973cf]

    المقدمة:
    على الرغم من ان المرأة السودانية ، لم تتخلف عن الرجل ، في كافة معارك الحياة ، الا ان دورها قد كان ولا يزال ، محجماً ومقيداً ، بموروثات ثقيلة ، من العادات والتقاليد والدين .. ولقد كافحت رائدات النهضة النسوية ، في السودان ، في محاربة كثير من العادات البالية ، التي حطت من قيمة المرأة وقيدت حريتها، وبالرغم من قلة فرص التعليم ، ولجن ميدان الصراع السياسي ، ونجحن في انتزاع حق الترشيح والانتخاب ، وحق الاجر المتساوي للعمل المتساوي ، وغير ذلك من الحقوق المدنية والسياسية ..
    على ان المنطقة التي تغطيها المفاهيم الدينية، والتي تشمل مناحي واسعة من الحياة، لم تكن سهلة التجاوز، مثل تلك التي تفرضها التقاليد ، وانما ظلت عائقاً صعباًً تقاصرت دونه قامة الحركات النسوية في السودان ، وفي غيره من الدول العربية والاسلامية .. فحين نظرت رائدات الحركة النسوية السودانية للمشكلة ، وجدن انهن يحتجن الى مواجهة مؤسسات دينية عتيقة ، وجماعات اسلامية نشطة ، بالاضافة الى تراث ديني راسخ مقبول من العامة لمئات السنين .. فالخيارات جميعها صعبة . فاما مواجهة هذه المؤسسات الدينية ، وما يدعمها من رأي عام ، بان هذه الافكار والتشاريع الدينية ، تتناقض مع حقوق المرأة في نفسها كانسانة ، وفي المجتمع كمواطنة ، وهي مواجهة نتيجتها الاتهام بالكفر ، وما يترتب عليه من آثار ربما وصلت حد القتل . وأما محاولة قبول الفهم الاسلامي التقليدي ، وادعاء انه لا يتناقض مع حقوق المرأة ، كما زعمت الحركات النسوية الاسلامية ، في جميع انحاء العالم . وهذا منحى توفيقي مخالف للصدق ، ثم هو في النهاية ، لن يحقق للمرأة تجاوز المشاكل اليومية التي تعيشها ..
    ان المشكلة التي تواجه الحركات النسوية ، في جميع انحاء العالم العربي والاسلامي، هو ان جموع النساء ليست واعية بحقوقها ، وليست مستعدة بالمطالبة بشئ افهمن بالدين والعرف والتقاليد انه لا يجب المطالبة به ، فاذا جاءت الحركات النسوية تدعوهن لهذه المطالبة ، فانها تتهم من الحركات الاسلامية ، بانها حركات عميلة للغرب ، ومخالفة للدين والتقاليد .. ومن أمثلة ذلك ما حدث في مصر ، قبيل واثناء انعقاد مؤتمر المرأة العالمي الذي عقد في بيجين بالصين في سبتمبر عام 1995 ، فقد جاء في بيان اصدره المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الازهر (ومؤتمر بكين هذا يعد حلقة من سلسلة حلقات متصلة ترمي الى ابتداع نمط جديد من الحياة يتعارض مع القيم الدينية ويحطم الحواجز الاخلاقية والتقاليد الراسخة دون التفات الى هذه القيم والحواجز والتقاليد التي عصمت شعوباً ودولاً كثيرة من التردي في هوة الفساد والجنس والسقوط في حومة الاضطراب النفسي ومستنقع الاختلال الاخلاقي).[1] وفي مواجهة وثيقة المؤتمر التي نصت على حقوق المرأة وكرامتها، ودعت الى المساواة ، جاء من السعودية (طالب الشيخ صالح بن حميد امام وخطيب الحرم في خطبة الجمعة الماضية الدول الاسلامية وشعوبها وجمعياتها ومنظماتها الرسمية والشعبية ان تظهر الحق وتعلنه وان تفضح الوثيقة ومن وراءها وقال ان على علماء الاسلام ان يقوموا بمسؤوليتهم نحو توحيد الامة والذود عن حياض الدين وكرامة الانسان وان يعلنوا رفض كل قرارات ومقررات تخالف عقيدة الامة وتفسد اخلاقها وتبارز ربها بالمحاربة وليرتفع صوت الفضيلة على اصوات دعاة الاباحية الساقطة)[2].. واذا تجاوزنا المؤسسات بهذين المثلين ، فان افراد الجماعات الاسلامية ، قد هاجموا المؤتمر بلا موضوعية فكتب أحدهم (مؤتمر المرأة مشبوه مشبوه كل من يمتلك حساً دينياً ووعياً اخلاقيا أكد هذا ..)[3] ، واتهم آخر المؤتمر بانه (دعا اليه نفر لا يعرفون شيئاً اسمه العفة)[4] !!
    ومع مرور الزمن ، وظهور اجيال جديدة من النساء ، المتعلمات المهتمات ، بقضايا المرأة ، بدات المشاكل تطرح من جديد وبالحاح أكبر . واصبح الطرح اكثر جرأة نتيجة لتغير الواقع ، الذي زادت فيه مساهمة المرأة في الحياة بصورة ملحوظة ، بل وتفوقها على الرجل ، في كثير من المجالات ، ابرزها في تجربتنا السودانية نجاح الشابات باكبر من الشبان في امتحانات المدارس والجامعات . هذه الاجيال الجديدة ، تطرح تحدياً لرجال الدين ومؤسساته ، مثلما تتحدى الحركات النسوية التقليدية ، التي لم تستطع مواجهة المؤسسات الدينية بما يحقق التغيير المنشود .
    ان هذه الورقة تستهدف أمرين: اولهما التركيز على قوانين الشريعة الاسلامية ، التي تعطي المرأة الحديثة حقوقاً منقوصة ، اذا ما قورنت بحقوق الانسان كما نصت عليها الشرعية الدولية لحقوق الانسان . وهي تشمل حقوق المرأة المنقوصة بازاء الرجل من الناحية الانسانية ، وكشريكة له في الحياة . كما تشمل ايضاً حقوقها المنقوصة كمواطن في دولة حديثة ، يحكمها دستور ينبغي ان يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات. أما الامر الثاني فهو اقتراح مخرج من هذه الازمة . وهذا في رأيي يتمثل في الاخذ بنظرية تطوير الشريعة الاسلامية . وهي نظرية مؤسسة طرحها المفكر السوداني الاستاذ محمود محمد طه منذ مطلع الخمسينات .
                  

04-04-2008, 03:44 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    2
    حقوق المرأة في نفسها كأنسان:
    م تعتبر الشريعة الاسلامية ، عقد الزواج بين الرجل والمرأة ، عقد متكافئ ، بل اعتبرت الرجل الشريك صاحب الحقوق الراجحة ، ولهذا سخرت كل شروط العقد لمصلحته دون المرأة ، ولعل السبب في ذلك ، انها نظرت الى دور الرجل في ذلك المجتمع ووجدته أهم من دور المرأة .. وبناء على هذا الفهم ، وبوحي منه ، ظن الفقهاء الاوائل ان الزواج ما هو الا استمتاع الرجل جنسياً بالمرأة ، وكذلك عرفوه ، فقال المالكية (هو عقد على مجرد التلذذ بآدمية) وقال الشافعية (هو عقد يتضمن ملك الوطء بلفظ انكاح او تزوييج) وقال الحنفية (هو عقد المتعة قصداً)[5] !! وهكذا لم ينظر العقد كما عرفه الفقهاء للمرأة كشريكة ، ولا للعلاقة كرابطة انسانية تقوم على الحب والمودة والرحمة ..
    ولعل الجانب الاسوأ في هذا، هو ان الفقهاء حين عرفوا الزواج على اساس انه استمتاع الرجل جنسياً بالمرأة ، دفعهم ذلك ان يقرروا ان المرأة اذا مرضت ، واصبحت من ثم عاجزة عن القيام بدورها في الامتاع ، فان النفقة الشرعية عليها تصبح غير ملزمة للرجل ! والذين لا يرون هذا الراي ، وهم السادة الحنفية ، وحدهم، ويوجبون النفقة على الزوج حتى لو كانت الزوجة مريضة ، انما يشترطون حبسها في البيت باستمرار لتستحق هذا الانفاق !! فقد جاء في ذلك: (لكن الحنفية قالوا ان النفقة تجب نظير حبس الزوجة في منزل زوجها ولو لم تكن صالحة للاستمتاع).[6] وهكذا نرى ان المرأة اذا كانت مريضة لا يجوز الانفاق عليها عند سائر الفقهاء اصحاب المذاهب ، ما عدا الحنفية الذين اشترطوا الحبس ، بدلاً عن عدم المرض ، في مقابل الانفاق على الزوجة.
    ان اركان الزواج في الشريعة أربعة: الشاهدان ، والولي ، والمهر ، وخلو المحل . ومعلوم ان حكمة الشهود هي اشهار العلاقة في المجتمع لما يستتبعها مسؤوليات ، كما ان خلو المحل يعني الا تكون المرأة محرمة على الرجل بالنسب أو بالرضاع ..أما الاصرار على وجود رجل يتولى امر المرأة ، في اهم شئون حياتها ، وهو مباشرة عقد زواجها ، فانه يعني ان الشريعة ترى ان المرأة مهما كان حظها من التعليم ، أو التقوى ، أو الوضع الاجتماعي ، تظل قاصراً لا تستحق ان تلي أمور نفسها !! ولما كان أي رجل مهما كان مستواه ، يمكن ان يكون ولياً على اي إمرأة في عقدها ، فان هذا يعتبر تمييزاً لا يقوم الا على اساس الجنس من ذكورة وانوثة .
    وكماان اعتبار ان جنس الرجال ولياً، في عقد القرآن على جنس النساء ، يعطي الرجل بالضرورة فضيلة على المرأة ، فان المهر، الذي كان في الماضي يمثل ثمن شراء المرأة ، ودفعه بواسطة الرجل وحده ، يعطيه حق زائد في العلاقة المشتركة بين الطرفين .. ولتأكيد هذا المعنى ، قبل الفقهاء الاوائل ، ان يتم الزواج بصيغة تفيد البيع والشراء !! فقد وردت عن صيغة الزواج (أما الصيغة وهي عبارة عن ايجاب وقبول فانه يشترط فيها شروطاً كأن تكون بلفظ صريح أو كناية ... والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم الى أربعة أقسام ... القسم الثاني: وفي الانعقاد به خلاف ، والصحيح الانعقاد ، وهو ما كان بلفظ البيع والشراء . فلو قالت: بعت نفسي منك بكذا ناوية به الزواج وقبل فانه يصح ، ومثل ذلك اذا قالت: أسلمت لك نفسي في عشرين أردباً من القمح آخذها بعد شهر تريد الزواج فانه يصح . وكذا اذا قال: صالحتك على الألف التي علي لأبنتي يريد به الزواج ، وقال قبلت . فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض).[7]
    وحين يرى الفقهاء ، ان الاسلام أعطى المرأة حق قبول الزواج من رجل معين ، أو رفضه ، ودخول هذه العلاقة برضاها ، فانهم يرون انها لم تعط نفس الحق في الخروج من هذه الشراكة بالطلاق . وذلك لأنهم اجمعوا ان الطلاق حق في يد الرجل دون المرأة ، بدليل ان كل الآيات التي ذكرته نسبته الى الرجل ، كقوله تعالى (اذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف (البقرة 231) أو (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)(البقرة 230) أو (يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)(الطلاق 1) . وجاء في الفقه (ان الرجل هو الذي يملك الطلاق دون المرأة وذلك لأمرين أحدهما: ان الشريعة قد كلفت الرجل بالانفاق على المرأة واولادها ، وكلفته ان يبذل لها صداقاً .. وثانيهما ان المرأة مهما أوتيت من حكمة فانها سريعة التأثر بطبيعتها ، وليس لها من الجلد والصبر مثل ما للرجل ، فلو كان الطلاق بيدها فانها تستعمله أسوأ استعمال)[8]
    ولعل من أبلغ مآسي استئثار الرجل بالطلاق ، ما عرف في المجتمعات الاسلامية "ببيت الطاعة" .. فاذا طلبت المرأة الطلاق ، لسوء معاملة زوجها ، ورفض الزوج ذلك ، فاضطرت الى الهروب الى بيت أبيها ، فان المحكمة تقضي بارجاعها قسراً الى منزل الزوجية الذي هربت منه .. ولقد كانت احكام الطاعة تنفذ في مجتمعاتنا، بواسطة رجال الشرطة ، الذين يحملون الزوجة بالقوة في عربة الشرطة الى بيت زوجها حيث يرغمها على طاعته ومعاشرته دون رضاها !! ولشدة اعتراض الحركات النسوية ، في كثير من البلاد العربية والاسلامية ، وخاصة عندنا في السودان، على هذه الصورة المهينة ، فقد تم الغاء التنفيذ بواسطة الشرطة .. على ان التنفيذ كان يتم بصورة افظع ، وهي ترك الزوجة معلقة فلا هي زوجة ، ولا هي مطلقة ، مع ايقاف النفقة عليها، حتى ترضخ وتأتي الى بيت الزوجية منكسرة .. والسبب في ان الحكومات لم تستطع الغاء "بيت الطاعة" هو ان حكم الطاعة ، حكم يقوم على الشريعة، ويؤخذ مباشرة من قوله تعالى (فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً)(النساء34) ..
    ويمكن ان نتصور، بشاعة موضوع اجبار الزوجة على العيش مع شخص لا تحبه، اذا علمنا ان الشريعة اعطت هذا الشخص ، وهو الرجل، الحق في ضرب زوجته اذا لم تطعه ، وذلك بموجب آية القوامة من قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ان الله كان علياً كبيراً)(النساء 34). جاء في تفسير هذه الآية ("الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها اذا اعوجت . "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال افضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم "ما افلح قوم ولوا أمرهم إمرأة" رواه البخاري ، وكذا منصب القضاء . "وبما انفقوا من اموالهم" أي المهور والنفقات والكلف ، التي اوجبها الله عليهم في كتابه وسنة نبيه ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والافضال فناسب ان يكون قيماً عليها .. قال الحسن البصري: جاءت إمرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو ان زوجها لطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القصاص. فانزل الله عز وجل "الرجال قوامون على النساء" فرجعت المرأة بغير قصاص. "اللاتي تخافون نشوزهن" أي النساء اللاتي تتخوفون ان ينشزن على أزواجهن ، والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركه لأمره المعرضة عن المنفعة له ، فمتى ظهر له منها امارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فان الله اوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والافضال. قوله "واهجروهن غي المضاجع" قال علي بن طلحة عن ابن عباس: الهجر هو الا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره . وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة: ولا يكلمها ولا يحادثها. "واضربوهن" اذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم ان تضربوهن ضرباً غير مبرح).[9] وذهب جماعة منهم الامام الطبري، الى ان المرأة الناشز لا تبالي بهجر زوجها ، بمعنى اعراضه عنها، ولذلك رأوا ان معنى كلمة "واهجروهن" أي قيدوهن ، من هجر البعير اذا شده بالهجار، وهو القيد الذي يقيد به البعير حتى لا يهرب.[10] وجاء في الفقه (اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على جواز ضرب الزوجة اذا نشزت أو خالفت أمره أو ارتكبت فاحشة ، لقوله تعالى "واللاتي تخافون نشوزهن ..الآية" ضرباً مؤلماً غير مبرح فلا يكسر عضواً ولا يسيل دماً ، لقوله صلى الله عليه وسلم "استوصوا بالنساء خيراً" وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يسأل الرجل فيم ضرب إمرأته").[11]
    ومسألة الضرب هذه ، لم تكن مشكلة بالنسبة للفقهاء الاوائل في ذلك الوقت ، ولكنها ازعجت الحركات الاسلامية الحديثة ، خاصة في الستينات حين بدأت هذه الحركات تشعر بضرورة استقطاب النساء من اجل المنافسة في الصراع السياسي .. فاتجه بعض الفقهاء ، ومعلمي الدين في المدارس ، الى تبرير الضرب بانه ضرب بسيط ، وبعصاة صغيرة ، ومنهم من ذكر ان الضرب يتم بالمسواك ، الى غير ذلك من الاعذار الواهية ، التي أهملت جوهر القضية ، وهو الاهانة المترتبة على مجرد الضرب ، ومعاملة المرأة كطفلة مع انها يجب ان تعتبر شريك مساو في الحقوق والواجبات ..
    ولقد شعرت الحركات الاسلامية ، مؤخراً ، بضعف حجة الضرب (الناعم) هذه ، وحاول مفكري الاخوان المسلمين ، وهم طليعة حركات الاسلام السياسي ، ان يطرحوا حجة أخرى ، قدمها محمد قطب في كتابه "شبهات حول الاسلام" الذي كان في وقت ما مقرراً على طلاب المدارس الثانوية بالسودان .. وخلاصة تلك الحجة، ان الشريعة الاسلامية ، سمحت للرجل بضرب المرأة ، لان هنالك حالات انحراف نفسي ، لدى النساء لا ينفع معها الا الضرب !! أسمعه يقول (ويلاحظ ان الآية تدرجت في بيان وسائل التاديب حتى وصلت الى الضرب - غير المبرح - في نهاية المطاف لا بد من سلطة محلية تقوم بهذا التاديب هي سلطة الرجل المسؤول في النهاية عن أمر هذا البيت وتبعاته ، فاذا لم تفلح جميع الوسائل فإننا امام حالة من الجموح العنيف لا يصلح لها الا اجراء عنيف هو الضرب بغير قصد الايذاء وانما بقصد التاديب. لذا نص التشريع على انه ضرب غير مبرح. وهنا شبهة الاهانة لكبرياء المرأة والفظاظة في معاملتها، ولكن ينبغي ان نذكر ان السلاح الاحتياطي لا يستعمل الا حين تخفق كل الوسائل السلمية الاخرى ومن ناحية ثانية ان هنالك حالات انحراف نفسي لا تجدي معه الا هذه الوسيلة).[12] إن محاولة محمد قطب اقناع جموع النساء بهذا الوضع على اساس انه الوضع الطبيعي ، مجرد مخادعة لان الوضع يمثل حالة وصاية ظاهرة . فالرجل لديه السلطة في تحديد ان زوجته ناشز ، وهو جهة غير محايدة ، كما انه هو الذي يحدد العقوبة ويوقعها بنفسه . هذا مع ان الزوجة قد يكون لها رأي آخر ، وربما اعتقدت انها لم تخطئ اصلاً ولم تنشز ، ولكن رايها لا عبرة به ما دامت السلطة في يد الرجل بموجب آية القوامة ، وهذا سبب الاعتراض على القوامة نفسها .. (اما تبرير محمد قطب بان الضرب هو العلاج الذي قرره الاسلام بسبب وجود حالات انحراف نفسي لا يصلح معه الا الضرب ، فقول نكر ، يسئ الى الاسلام أكثر من اساءته للمرأة التي وقع عليها الضرب !! ولو كان لهذا الكاتب الاسلامي ، ادنى ورع لما قال ما قال. ذلك ان المرض النفسي لا يعالج في الاسلام بالضرب ، وانما يعالج بالرفق ، وطلب الاستشفاء لدى الطبيب المختص . ان الاستاذ محمد قطب ، في كتابه هذا ، شبهات حول الاسلام ، يزعم انه يرد على اعداء الاسلام من المستشرقين الذين يودون الطعن في الاسلام ، فاذا به يعطيهم حجة ، لم تخطر على بال احدهم ليطعنوا بها الاسلام مفادها ان الاسلام فرض على الرجل ضرب زوجته ، لان هنالك حالات انحراف نفسي ، لا يعرف له الاسلام علاجاُ غير ضرب المريض !! فالاسلام "بهذه الصورة" قد جاء بالضرب للمريض حين جاءت الاديان بالرحمة حتى للاصحاء !!).[13]
    ولعل من صور اذلال المرأة ، بالاضافة الى ما ذكرنا ، إعطاء الرجل حق التعدد .. فقد اتفق الفقهاء الاوائل ، على جواز ان يتزوج الرجل مثنى وثلاث ورباع إعتماداً على قوله تعالى (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ماملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا)(النساء 3) . وعلى خلاف بعض الاسلاميين المحدثين ، يرى الفقهاء الاوائل ان الغرض من التعدد هو استمتاع الرجل واظهار قوته الجنسية .. يقول القاضي عياض الفقيه المشهور (اما النكاح فمتفق فيه شرعاً وعادة فانه دليل الكمال وصحة الذكورية ، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمادح به سيرة ماضية ، واما في الشرع فسنة مأثورة ، وقد كان زهاد الصحابة رضي الله عنهم كثيري الزوجات والسراري وكثيري النكاح).[14] ويؤيد هذا الفهم جماعات اسلامية حديثة يرى بعض كتابها ان التعدد (ليس مشروطاً كما يقول بعض الناس بكون الزوجة الاولى لا تنجب أو مريضة او تحت ظروف إجتماعية قاهرة ، وانما هو مباح من الاصل فللمسلم أن يتزوج إثنين أوثلاثة أواربعة ما دام قادراً ويأنس من نفسه العدل ولا يقتصر الا اذا خشي الا يعدل لقوله تعالى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء.." الآية ، فالآية الكريمة تصرح بان وجوب الاقتصارعلى واحدة لا يكون الا في حالة خوف العدل فاذا تيقن المسلم انه سيعدل فليعدد ما دام قادراً ، وليس العدل المطلوب شيئاً مستحيلاً كما يزعم البعض في تفسيرهم قوله تعالى "ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة" (النساء 129) فقد قالوا ان العدل غير مستطاع وقد شرط التعدد على العدل واذن لا تعدد فهذا في الحقيقة فهم خاطئ فالعدل غير المستطاع الذي ذكرته هذه الآية هو العدل المطلق المادي والمعنوي من الحب والميل . أما العدل المطلوب في الآية الأولى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" الآية فهو العدل المادي وهذا في مقدور المسلم ان يحققه حين يسوي بين زوجاته في المأكل والملبس والمبيت على انه في حالة حبه لواحدة اكثر من الأخرى ، وهذا امر لا يملكه ، فقد نهاه الله ان يميل نهائياً الى التي تعلق بها قلبه فيترك الاخرى معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة).[15]
    ومن الحجج التي يسوقها مؤيدو التعدد (ان يكون الزوج عنده من القوة الجنسية ما لا يكتفي معه بزوجة واحدة وخاصة ان المرأة تمر بفترة الحيض والنفاس وهذه قد تطول عند بعض النساء وهو قادر ان يضم الى حوزته إمرأة ثانية بالحلال فهل نقول له لا تتزوج ثانية لان القوانين والعادات المخالفة للشرع لا تقبل بأكثر من واحدة فسندفعه الى الحرام واتخاذ الخليلات).[16]
    يلاحظ ان المفكرين الاسلاميين، المؤيدين لتعدد الزوجات ، لم يتطرقوا لمبلغ ما فيه من عدم المساواة ، أو ما يترتب عليه من مشاكل تنتج عن حياة الضرار .. ثم انهم لم يفكروا في في حجة الطاقة الجنسية الزائدة هذه ، لو اثارتها المرأة كيف يكون الرد عليها .. على ان الدين ينبغي ان يهذب النفوس لا ان يجاري شهواتها على حساب مصالح الابناء واستقرار الاسر.
    ومع ذلك ، فان وضع المرأة المعدد عليها ، أفضل من وضع الجواري اللاتي يعاشرهن الرجل دون عقد شرعي ، ودون عدد محدد ودون اي حقوق .. ونحن عندما نتحدث عن وضع الجواري ، الآن ، لا ننطلق من تهويم لا اساس له في الواقع السوداني ، وانما ننقد وضعاً ماثلاً ، حدث كاثر من آثار الحرب الجائرة بين الشمال والجنوب تحت حكومة الجبهة .. فلقد صورت هذه الحكومة الجاهلة المتطرفة ، الحرب على انها جهاد في سبيل الله ، ووظفت وسائل الاعلام ، لاشاعة هذا التضليل، وسلحت القبائل العربية ، في مناطق التماس بينها وبين القبائل الجنوبية، فاحرقوا القرى ، وقتلوا المواطنين البسطاء من غير المحاربين ، واسروا النساء ، واتخذوهم جواري ، وباعوا ابناءهم كعبيد ، مما حط من قدر السودان بين الامم ، ودمغه بتهمة اعادة الرق من كافة المنظمات العاملة في مجالات حقوق الانسان .. جاء في شهادة احدى الضحايا اللاتي اختطفن بواسطة قوات الدفاع الشعبي (ثم اخذنا الى "ابو مطارق" وفي الطريق تم اغتصابي بواسطة عدة أشخاص وقد تعرضت للضرب الشديد - زوجي بول يول قتل قبل عامين من اختطافي – تم اخذي من ابو مطارق بواسطة شخص اسمه على وكان يعاملني بقسوة شديدة يضربني ويقذف الاكل على الارض ويطلب مني اكله وكان على مرتبط بالزراعة في مكان بعيد من المنزل وكان يناديني "بنت الجانقي" وكان يطلب مني الصلاة وحين اذكر له اني لا اعرف يضربني ب "القنا" ... أصر سيدها على ان يقوم بطهارتها ليتزوجها وقد تم ذلك بعد ان تم تثبيتها على "العنقريب" بحضور زوجة سيدها وعدد آخر من النساء وقد تمت الطهارة دون بنج وكان الجرح ينزف لمدة أربعة أيام دون توقف وبالرغم من الألم والارهاق بسبب النزيف فقد اجبرت على العمل في اليوم التالي مباشرة وقد ضاجعها سيدها بعد ثلاثة اشهر من الطهارة).[17]
    وليست هذه الحادثة حدث منفرد ، وانما هي ظاهرة عامة يدفعها شعور ديني حتى ان المغتصب كان يأمر الضحية بالصلاة !! ولعل هذا اللبس لم يكن ليحدث لو لم يكن هنالك تضليل بان الحرب جهاد في سبيل الله ، وان من حق المجاهدين اخذ الاسرى من النساء كجواري ..
                  

04-04-2008, 03:45 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    3
    المرأة في المجتمع كمواطن:
    لم تعط الشريعة المرأة كمواطنة ، الحق في ان تصبح رئيساً للدولة ، أو مسئولاً كبيراً، في منصب يجعلها تتولى امر الرجال ، وذلك اعتماداً على آية القوامة التي اشرنا اليها آنفاً ، ولقد فهم الفقهاء الآية ، على ضوء الحديث النبوي الشريف (ما افلح قوم ولوا أمرهم إمرأة) ، وسار على هذا الفهم ، الفقهاء المحدثين ، وزعماء الحركات الاسلامية.. فقد كتب ابو الاعلى المودودي ، زعيم الجماعة الاسلامية في باكستان ("الرجال قوامون على النساء" – النساء 34 "ولن يفلح قوم ولوا امرهم إمرأة" رواه البخاري هذا النصان يقطعان بان المناصب الرئيسية في الدولة رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس شورى او ادارة مختلف مصالح الحكومة لا تفوض الى النساء . وبناء على ذلك فان مما يخالف النصوص الصريحة ان تننزل النساء تلك المنزلة في دستور الدولة الاسلامية أو يترك فيها مجال لذلك . وارتكاب تلك المخالفة لا يجوز البتة لدولة قد رضيت لنفسها التقيد بطاعة الله ورسوله).[18]
    وكما حرمت الشريعة المراة من رئاسة الدولة ، ومن المناصب العليا ، منعتها ايضاً من الشهادة ، ما عدا في الاموال .. قال تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وأمراتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى) جاء في تفسير الآية (وهذا انما يكون في الاموال وانما اقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المراة).[19] أما عن الشهادة في غير الاموال ف (يرى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والحرابة والقذف والبغي والزنا وشرب الخمر والسرقة والقصاص سواء كن منفردات او كثرن أو مع رجال واستندوا في ذلك الى حجج من المنقول والمعقول .
    المنقول: وهو ما يستخلص من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:
    1- الكتاب الحكيم: قوله تعالى (واستشهدوا ذوي عدل منكم)(الطلاق 2) وقوله عز وجل (ولولا جاءوا عليه باربعة شهداء)(النور 13) ويستدل من هذه الآيات اشتراط الذكورة في الشهداء دون الانوثة .
    2- السنة النبوية الشريفة: مارواه مالك عن الزهري انه قال: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده انه لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص (البخاري الجزء الاول ص 222).
    المعقول: استند الجمهور الى حجج مستخلصة من المعقول وذلك كما يلي:
    1- ان الحدود تدرأ بالشبهات فلا تثبت بحجة فيها شبهه ، وشهادة النساء شبهه لتطرق الضلال والنسيان اليها، لقوله تعالى (ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى) فالضلالة شبهه والحدود تسقط بالشبهات كما ان النبي وصفهن بنقصان العقل والدين).[20]
    فالمرأة اذن ليس لها الحق في الشهادة ، ما عدا في الاموال ، حيث تكون شهادتها منقوصة ، اذ تساوي نصف شهادة الرجل .. اكثر من ذلك ، لا تقبل شهادة المرأة المنقوصة هذه ، الا اذا كان معها رجل ، فكأن شهادتها لا تعتمد الا بسبب الرجل .
    فاذا كانت المرأة لايمكن ان تكون شاهدة ، فهي بالضرورة لا تكون قاضية تقيم شهادة الشهود ، بل ان من زعماء الحركات الاسلامية المعاصرة ، من يرى بانها لا يمكن ان تكون محامية ، ولا يمكن ان تعطى حتى حق الانتخاب !! يقول الامام حسن البنا مؤسس حركة الاخوان المسلمين (أما ما يريد دعاة التفرنج واصحاب الهوى من حقوق الانتخابات والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بان الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا اداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين).[21]
    وفي اتجاه الحد من حرية المرأة ، واختصار دورها في المجتمع ، فرضت عليها الشريعة الحجاب ، ومنعتها الاختلاط بالرجال خوف الفتنة ، التي قد تؤدي الى الخطيئة .. ولقد كان الاساس في الحجاب ، هو حبس المرأة في بيتها ، وعدم خروجها منه الا لضرورة قصوى .. ولقد اعتمد الفقهاء في أمر الحجاب على قوله تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً* وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى واقمن الصلاة واتين الزكاة واطعن الله ورسوله) (الاحزاب 32 -33) .. جاء في تفسير هذه الآية (هذه آداب أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهم في ذلك "وقرن في بيوتكن" أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة من الحوائج الشرعية كالصلاة في المسجد ... عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ان المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان واقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها" رواه الترمزي . "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" قال مجاهد: المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية ، وقال مقاتل: التبرج ان تلقي الخمار على راسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها).[22]
    يتضح من هذا ، ان الحجاب يعني في المكان الأول ، حبس المرأة في بيتها ، ومنعها من الخروج منه الا لضرورة شرعية .. وهو بهذا المعنى ، اذا نظر اليه في وقتنا الحاضر ، يمثل سجن مواطن برئ ، بسبب جريمة لم يرتكبها ، وانما يخشى عليه ان يقع فيها ، اذا اخرج من سجنه ، وهي هنا جريمة الزنا أو ما يشبهها من الفواحش. ومعلوم ان الزنا ، لا تمارسه المرأة وحدها ، وانما لا بد فيه من رجل ، ومع ذلك لم يحبس الرجل بالبيت لنفس السبب ..وذلك لان الرجل مظنة الرشد ، وهو يعتبر مسئول فلا يعاقب الا بعد ان يرتكب الجرم ، أما المرأة فهي مظنة الغواية ، وهي تعتبر قاصر ، ولهذا جعل الرجل وصياً عليها ، لأن القاصر لا يعطى الفرصة في الممارسة حماية له ، مما يتوقع من سوء تصرفه .. ثم ان الرجل عماد المجتمع ، فاذا حبس في البيت ، لن تقم الحياة اذ عليه تعتمد في العمل وفي الحروب ، التي من شأنها نشر الدين ، وحماية المرأة نفسها من عار السبي ..
    فاذا اضطرت المرأة للخروج من بيتها ، لضرورة شرعية ، كالصلاة او الحج او المرض ، فانه يجب عليها ان تخرج وعليها من الغطاء ، ما لايمكن معه تمييز شكلها، حتى لا تثير اي مشاعر في من يراها ، وتكون بذلك وكانها ما زالت محبوسة في بيتها .. جاء في تفسير قوله تعالى (ياايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً)(الاحزاب 59) (قال علي بن طلحة عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين اذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة).[23]
    فالحجاب بالثياب ، هو الحجاب في المكان الثاني ، حين يتعذر الحجاب في المكان الاول ، وهو البقاء في البيوت لضرورة شرعية .. فاذا صح هذا ، وهو صحيح دون ادنى ريب، فان الفتاة المؤمنة بالفكر السلفي ، تعتبر مفارقة للدين ، بمجرد خروجها من بيتها ، لغير ضرورة شرعية ، كأن تخرج للنزهة أو التسوق أو للمشاركة في حضور عمل سياسي، أو لمجرد زيارة بعض الاصدقاء .. الخ وذلك حتى لو لبست الحجاب الشرعي ، وغطت كل جسدها ، لانها برغم ذلك ، قد تجاوزت الامر الشرعي ، في قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) وهو اساس الحجاب ، دون ضرورة تبرر ذلك ، في نظر الفكر الذي تؤمن به.
                  

04-04-2008, 03:46 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    4
    المخرج
    إن مأزق الحركات النسوية في السودان ، هو انها تواجه بالاضافة الى سلطة القمع، سلطة دينية ، موروثة ، متمثلة في الفهم السلفي التقليدي للاسلام ، الذي شرحنا طرفاً منه أعلاه ، فاذا رفضت هذه الحركات القوانين الاسلامية ، التي تحط من قدر المرأة وتجعلها مواطن من الدرجة الثانية ، وشريك منقوص الحقوق في علاقة لا يستطيع الخروج منها، اذا لم يرد له الطرف الآخر ذلك ، قوبل هذا الرفض برد فعل فظيع يتجه الى التعريض بهذه الحركات النسوية ، واتهامها بالكفر والمروق والعمالة للغرب، كما حدث لبعض رائدات النهضة النسوية في مصر ..
    ولعل السبب في اتهام الحركات النسوية في العالم العربي الاسلامي، بالعمالة للغرب، هو ان هذه الحركات تقدم حلولاً تعتمد على المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، فيرفع الدعاة الاسلاميين اصواتهم ، باننا كمسلمين لن نترك ما قاله الله ورسوله ، لنتبع ما يقوله الغربيين الذين نعتبرهم كفاراً ..
    ان الاتجاه الذي يساعد على حل هذه المشكلة ، هو ان تتجه هذه الحركات الى منازعة الجماعات الاسلامية ، في الفهم الذي تقدمه على انه تفسير للنصوص ، وهناك تفسيرات اخرى غيره ، تنسجم مع مبادئ حقوق الانسان .. ثم تحاول هذه الحركات ان توظف منابرها ، لنشر الافكار المتقدمة من الدين ، والتي تملك القدرة على تقديم بديل عن الحركات الاسلامية ، وافكارها المتعارضة مع حقوق الانسان ..
    وفي سبيل المساهمة في دعم هذا الاتجاه ، ترى هذه الورقة ، ان البديل عن الفهم السلفي للاسلام، هو تطوير التشريع الاسلامي الذي فصله الاستاذ محمود في اكثر من ثلاثين كتاباً ..
    وجوهر هذه النظرية ، التي تحوي تفاصيل كثيرة لا تحتاج الورقة للتعرض لها ، هو ان قوانين الشريعة الاسلامية التي طبقت في القرن السابع الميلادي ، وقامت على هداها الدولة الاسلامية الاولى في المدينة ، لا يمكن ان تطبق اليوم . وذلك للخلف الشاسع ، بين حاجة وطاقة المجتمع الكوكبي المعاصر الهائلة ، وحاجه وطاقه مجتمع البشري ، والذي كان يمثله مجتمع الجزيرة العربية ، قبل نحو الف وخمسمائة عام. على اننا اذا تجاوزنا الشريعة ، التي جاءت مفصلة في القرآن المدني ، الى روح الاسلام كما عبر عنها القرآن المكي، فاننا نجد في الآيات المكية معاني محددة تخاطب الانسانية جمعاء ، بالقيم الثوابت التي يمكن ان يستمد منها تشريع انساني يصلح للبشرية المعاصرة . ولكن المشكلة التي تواجه الفقهاء ، هي ان القرآن المكي ، قد تم نسخه بالقرآن المدني ، الذي جاء بعده ، وقد فهموا من النسخ حسب آراء السلف ، انه الغاء نهائي لهذه الآيات المنسوخة. ولكن الفهم الذي طرحه الاستاذ محمود يعتبر النسخ ارجاء وليس الغاء . وهو في هذا يعتمد على أمرين: اولهما ان انزال تشاريع ثم الغاؤها امر يتناقض مع الحكمة الالهية ، وعلمها المسبق ، بواقع الحال ، قبل انزال ذلك التشريع . وثانيهما ان الآيات المنسوخة ارفع من الآيات الناسخة ، وكان عليها عمل النبي في خاصة نفسه ، فلا يمكن ان ينسخ ما هو أرفع بما هو أدنى ثم يظل النسخ سارياً الى الابد . لهذا خلص الاستاذ محمود ، الى ان سبب نسخ الآيات المكية ، في الماضي هو قصور المجتمع الجاهلي عن شاوها، فقد نزلت اولاً لتقيم الحجة على الناس ، وظل العمل بها ثلاثة عشر عاماً وهي تشكل معظم القرآن ، فلما اثبت القرشيون انهم دونها ، بما لاقوا به النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه من اعراض وعداء ، امر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة ، ونسخ القرآن المكي الذي كان يدعوا الى الاسماح والحرية ، واحكم القرآن المدني ، الذي يدعو الى الجهاد وكافة قوانين الشريعة .. فاذا صح هذا وهو صحيح ، فان التطور الذي حدث للمجتمع البشري ، والذي جعله يرسي قواعد ونظم للحرية ، والتعايش السلمي ، بين مختلف الاديان ، يوجب علينا بعث الآيات المنسوخة ، لاننا مطالبون باتباع الاحسن في قوله تعالى (واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان ياتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون)(الزمر 55) ، ولانها أيضاً الانسب لوقتنا ، والاقدر على الوفاء بحاجة مجتمعنا.. فالاحسن لمجتمعنا الحديث هو ان نبعث قوله تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (الكهف 29) فنتعايش بسلام بدلاً من ان نقاتل غير المسلمين بناء على قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة 5)
    على ان الدعوة الى تطوير الشريعة ، لا تعني ان الشريعة ليست طرفاً من الدين ، او انها لم تكن في الماضي صالحة ، وانما تعني ان الشريعة قد كانت في وقتها قفزة كبيرة ، وقد انتفع منها المجتمع البشري ، وتجاوز في ظلها أعرافاً جائرة ، كانت المرأة تدفن فيها حيّة ، فلم يكن من المعقول ولا المقبول ان يحقق ذلك التشريع المساواة التامة لها مع الرجل ..
    فاذا بعثت الآيات المنسوخة ، في حق المرأة ، تحققت المساواة اذ ان آية القوامة وما يترتب عليها من احكام تعطل ، ببعث آية المساواة من قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)(البقرة 228) ، كما ان الدستور يعتمد في المساواة بين المواطنين على قوله تعالى (ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عندالله اتقاكم ان الله عليم خبير)(الحجرات 13) حيث تستنبط من هذه الآية، القوانين التي تحقق المساواة ، رغم اختلاف الجنس من ذكورة وانوثة . وبناء على ذلك ، يمكن للمرأة ان تصبح رئيساً للدولة ، وقاضي وشاهد مساو في شهادته للرجل . كما يمكن ان تشارك في كافة المرافق وتتولى المهام القيادية ، وتشرف على غيرها من النساء والرجال ..
    أما في داخل البيت ، فان علاقة الزواج تقوم على التكافؤ ، فيلغى التعدد الا لضرورة ينص عليها في القانون ، كأن تكون الزوجة عقيم ، والزوج يريد الذرية ، او ان تكون مريضة مرض يمنعها من القيام بواجياتها الزوجية . وحتى في هذه الحالات تخير بين التعدد والطلاق . وذلك لأنها مشاركة تماماً في حق الطلاق . وتصبح المرأة مسئولة أمام القانون ، فلا يجوز للرجل ان يضربها ، أو يقهرها، وتسقط القوامة لان المجتمع الحاضر ، قد تجاوز اشراطها ، فقد قامت على الانفاق ، وعلى فضيلة الرجل البدنية في مجتمع غاب فيه القانون ، قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) وبسقوط القوامة يسقط كلما ترتب عليها من الحقوق الزائدة .
    ان واجب الحركات النسوية في السودان ، ان تنظر في هذا الفهم ، فهو مبذول في الكتب ، وان تصر عليه كواحد من الاراء ، التي يمكن ان توفق بين حقوق الانسان وبين الاسلام ، ولا تتردد في القول بان احكام الشريعة ، بالفهم السلفي ، قد بخست المرأة حقوقها ، وانها وهي تصرح بذلك ، لا تنسب الظلم لله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وانما تنسب عدم الفهم لرجال الدين ، الذين لم يلقوا بالاً لتطور المجتمع ، خلال الف وخمسمائة عام ، وعجزوا ان يستنبطوا له ما يناسبه من احكام الدين التي تتفق مع روح العصر .

    [1] - جريدة الوفد 25/8/1995
    [2] - جريدة المسلمون 1/9/1995
    [3] - محمود صادق –جريدة المسلمون 8/8/1995
    [4] - د. يوسف القرضاوي – جريدة الشعب 4/8/1995
    [5] - عبد الرحمن الجزيري: الفقه على المذاهب الاربعة ص 181
    [6]- المصدر نفسه ص 448 .
    [7] - المصدر السابق الجزء 4 ص 17-19 .
    [8] - المصدر السابق ص 327.
    [9] - تفسير ابن كثير- الجزء الأول ص 491-492
    [10] - تفسير الطبري –الجزء الثاني ص 298 .
    [11] - عبد الرحمن الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء 4 ص 65 .
    [12] - محمد قطب: شبهات حول الاسلام ص 129
    [13] - عمر القراي: الفكر الاسلامي وقضية المرأة ص 62
    [14] - القاضي عياض: الشفاء الجزء الاول ص87
    [15] - د. محمد عبد السلام: دراسات في الثقافة الاسلامية ص 283
    [16] - هاشم بن حامد الرفاعي: الكلمات في بيان محاسن تعددالزوجات ص32
    [17] - لمزيد من التفاصيل راجع الرق في السودان _ المنظمة السودانية لحقوق الانسان فبراير 2000
    [18] - ابو الاعلى المودودي: تدوين الدستور الاسلامي ص 57
    [19] - تفسير ابن كثير الجزء الأول ص335
    [20] - د. حسن الجندي: احكام المرأة في التشريع الجنائي الاسلامي ص 104 - 105
    [21] - حسن البنا: حديث الثلاثاء ص 370
    [22] - تفسير ابن كثير – الجزء الثالث ص 449
    [23] - المصدر السابق ص 575
    _________________
                  

04-04-2008, 03:48 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المقال منقول من سودانايل
    http://www.sudaneseonline.com/sudanile4.html

    دعوة إلى قيام "التحالف المدنى الديمقراطى"

    د. ابراهيم الكرسنى
    [email protected]

    إتسمت المرحلة السياسية التى أعقبت إنقلاب "الإنقاذ" وإستمرت حتى 25/5/2004 م بولادة تحالف سياسى عريق سمي بالتجمع الوطنى الديمقراطى.ضم هذا التحالف فى داخله جميع القوى السياسية التى عارضت الإنقلاب فيما عدا تنظيم الجبهة القومية الإسلامية،الذى دبر و نفذ الإنقلاب قاطعاً بذلك الطريق أمام إستمرارية و تطور المسيرة الديمقراطية فى البلاد.
    لقد تحمل التجمع الوطنى الديمقراطى عبء النضال ضد نظام الإنقاذ بكل ما تطلبه ذلك من تضحيات جسام على مستوى التنظيمات و القيادات على حد سواء.ولايسعنا فى هذا المجال إلا أن نحنى هاماتنا إجلالاً و إحتراماً لجميع شهداء النضال لإسترداد الديمقراطية وكذلك لكل من سجن أو عذب أو واجه إرهاب الدولة البوليسية بأشكاله وصفوفه المتعددة بكل جلد ورباطة جأش.إن نضالهم هذا لم بذهب سدى،بل كانت ثمرته المباشرة هي بداية مرحلة جديدة فى تاريخ السودان السياسى ستكون السمة المميزة لها هي تفكيك نظام الإنقاذ كما عرفناه وبداية مشواره الحتمى نحو التآكل والإندثار من على الخارطة السياسية السودانية نهائياً وإلى الأبد،وإن تم ذلك على نار هادئة!!
    لكن الملفت للإنتباه هو أن مسيرة التجمع الوطنى الديمقراطى قد إكتنفها العديد من المنعرجات،صعوداً وهبوطاً،أثناء عمره الذى جاء مطابقاً لعمر الإنقاذ.فقد ولد التجمع بعد الإنقلاب مباشرة ومن داخل سجن كوبر وباشر عمله بإمكانيات قليلة ولكن بهمة عالية وأنجز إنجازات ضخمة خلال تلك المسيرة كان أهمها وأشهرها مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية والتى بدأ بعدها العد التنازلى لرحلته حيث إتسمت مسيرته منذئذ بالخطايا الست التى أشرنا إليها فى مقالنا السابق بهذه الصحيفة.لقد كانت النتيجة المباشرة لتلك الخطايا هي انفراط عقد التجمع والتى بدأت بخروج حزب الأمة،أحد أكبر أحزاب التجمع وأكثرها نشاطاً،من الإطار التنظيمى للتجمع،وإستمرار الحركة الشعبية فى تفاوضها الإحادى مع نظام الإنقاذ،على الرغم من إصرار بقية أطراف التجمع على ضرورة توسيع قاعدة المشاركة،ولكن ثالثة الاثافي تمثلت فى توقيع السيد رئيس التجمع لإتفاق إطارى مع نظام الإنقاذ بمدينة جدة حتى دون موافقة المكتب التنفيذى للتجمع!!من هنا دخل التجمع مرحلة الموت السريرى التى توجت بموته الطبيعى فى 26/5/2004م بمنتجع نيفاشا الكينى حينما شكر السيد/رئيس الحركة الشعبية حتى حيوانات كينيا لمساهمتها فى تلطيف أجواء نيفاشا أثناء المحادثات دون أن ينبس ببنت شفة عن دور حلفائه أثناء المحادثات،حتى وإن كان ذلك في مستوى تلطيف الأجواء جراء زيارة السيد/رئيس التجمع لمنتجع نيفاشا!!
    ولدت "بروتوكولات" نيفاشا واقعاً سياسياً جديداً بالكامل.أكثر ما يميز هذا الواقع هو موت نظام الإنقاذ كما عهدناه وكذلك موت التجمع الوطنى الديمقراطى كما عهدناه فى ذات الوقت.لن يستطيع نكران هذا الواقع الماثل أمامنا سوى مكابر،الصفة الوحيدة المشتركة فيما بين قياداتنا السياسية الشائخة!!
    ماذا يعنى ولادة هذا الواقع الجديد؟يعنى هذا الواقع الجديد ببساطة إستحالة إستمرار صيغ التحالفات السياسية بالصورة التى ألفناها فى الماضى ووفق البرامج والرؤى المعروفة لديها لسبب بسيط كذلك ألا وهو عدم صلاحية تلك الرؤى والبرامج للواقع الجديد وكذلك إنتهاء فترة صلاحية القيادات السياسية التى صاغت تلك الرؤى و البرامج!!
    يرتكز السؤال المحورى التالى على هذه النتيجة المنطقية والسؤال هو:كيف ستتشكل التحالفات السياسية أثناء المرحلة الجديدة القادمة-مرحلة ما بعد "بروتوكولات" نيفاشا ؟ سنبدأ الإجابة عن هذا السؤال بإقرار حقيقة تبدو فى حكم البداهة وهي إستحالة قيام تحالفات سياسية دون توفر رؤى وبرامج حد ادنى مشتركة ومتفق عليها من قبل الأطراف المكونة للتحالف المعين.إذن ما هي الرؤى والبرامج التى ستتشكل وفقاً لها تحالفات المرحلة القادمة.بما أن البرامج السياسية تستند فى الاساس على الرؤى السياسية،فسيقتصر حديثنا فى هذا المقال على تحديد تلك الرؤى.
    هنالك فى تقديرى ثلاث رؤى ستسود الساحة السياسية خلال هذه المرحلة و هي:
    1. تأسيس وبناء دولة سودانية تستند إلى الديمقراطية،دولة الحقوق المدنية والعدالة الإجتماعية.
    2. تأسيس دولة دينية.
    3. تأسيس دولة بهياكل ديمقراطية الشكل شمولية المحتوى.
    الرؤية الأولى ستمثل طموحات و تطلعات جميع القوى الاجتماعية المناهضة لقيام دولة دينية فى السودان. أما الرؤية الثانية فستمثل تطلعات حميع القوى الإجتماعية الداعية إلى قيام دولة دينية والتى يمكن تصنيفها بتلك القوى المنساقة خلف الشعارات البراقة و الزائفة وتدعى بانها إسلامية ويأتى فى طليعة تلك القوى الجبهة الإسلامية القومية،بمختلف مسمياتها،وبالأخص الفئة الحاكمة الآن والتى, وياللمفارقة, ستعتبر الشريك الرئيسى للحركة الشعبية فى الحكم خلال المرحلة القادمة.أما الرؤية الثالثة فقد لمح لها السيد/ رئيس الحركة الشعبية فى كلمته بعد توقيع "البروتوكولات" حينما بشرنا بقيام تحالف جديد بين قوى التوجه الحضارى وقوى السودان الجديد (الذى يعنى الحركة الشعبية حتى إشعار آخر) والذى لن يتمخض عنه سوى ولادة دولة بهياكل ديمقراطية الشكل شمولية المحتوى.
    فى تقديرى إن محور الصراع السياسى أثناء المرحلة القادمة سيدور حول الرؤية الأولى حيث أن المقابل لها سيكون قيام الدولة الشمولية،سواء أخذت الصبغة الدينية أم لم تتخذها،فهي النقيض تماماً للدولة المدنية الديمقراطية حيث انها ستستند اسا إلى الرؤى الدينية ،حتى وإن نفت ذلك بهدف الدعاية السياسية الرخيصة.يصبح فى حكم المؤكد أن مسيرة السودان المستقبلية سيتمخض عنها تحالفان سياسيان رئيسيان وفقا لتلك الرؤى هما القوى الداعية لقيام الدولة المدنية وتلك الداعية لقيام الدولة الدينية. ستشكل الرؤية الأولى نقطة إرتكاز التحالف الأول وستشكل الرؤية الثانية نقطة إرتكاز التحالف الثانى.
    لعله من نافلة القول أنه يستحيل تصنيف الصراع السياسى بأبيض وأسود حيث أن مجرى الاحداث غالبا ما يتميز باخيلاط تلك الالوان. لذلك ستوجد حتماً بعض العناصر والفئات داخل كل من التحالفين تكون متذبذبة فى مواقفها صعوداً وهبوطاً وربما إنتقلت من تحالف إلى آخر وفق متطلبات الصراع السياسى نفسه وما يفرزه من مستجدات وكذلك وفقاً لرؤية كل فريق لقضايا المرحلة حيت تتميز الرؤية اثناء هذه المرحلة بالضبابية وعدم الوضوح فى العديد من جوانبها. إن التحالف الذى أتوقع ظهوره خلال المرحلة القادمة والذى أؤمن بجدواه و ضرورته وأدعو له،إن كان للسودان الديمقراطى الموحد من مستقبل, هو ذلك الذى يدعو لقيام دولة مدنية ديمقراطية تشكل العدالة الإجتماعية لحمتها وسداها, ويناهض بضراوة لا تعرف اللين أية دعوة لقيام دولة دينية فى السودان ، مهما إختلفت مسمياتها وأشكالها،ومنذ يوم ميلاده الأول.أننى أعتقد بأن القوى المستنيرة والتقدمية ستشكل أساس التحالف الجديد،أياً كان تعريفنا "للتقدمية" حيث أن المفاهيم نفسها قد أصابها الغموض والضبابية وتحتاج إلى جهد فكرى مكثف حتى يمكن إستجلائها لتعبر بحق عن مضامينها المقصودة!!
    لكن هذا التعريف لن يوصد الباب أمام الفئات الأخرى التى تتفق مع برنامج الحد الأدنى الذى ستقرره قوى التحالف الجديد حيث يوجد بعضها داخل أكثر القوى إلتزاماً بقيام الدولة الدينية التى غالباً ما يجذبها نحو التحالف الجديد دعوته إلى العدالة الإجتماعية التي تستغلها قيادات تحالف الدولة الدينية لتخدع بها هذه المجموعة وتوظفها لتحقيق مآربها الدنيوية البحتة.إن تجربة نظام الإنقاذ مؤهلة اكثر من غيرها لتأكيد هذه الحقيقة حيث انها تذخر بمثل هذه الفئات التى إنسلخت منذ العهد الباكر لنظام الإنقاذ ثم تواصلت فى الإنسلاخ عنه كلما إبتعد رويداً رويداً عن مبدأ العدالة الاجتماعية المحبب إلى قلب كل مسلم ومسلمة إلى أن إتضح للجميع عدى الفئة الطفيلية ذات المصلحة المباشرة فى بقاء النظام و إستمراره- ان دعوة دعوة التوجه الحضارى التى تبنتها الجبهة الاسلامية ما هى سوى كلمة حق أريد بها باطل!!

    أظهرت تجربة سنوات نظام الإنقاذ العجاف ومن واقع الصراع السياسى اليومى والإنقسامات التى طالت جميع الأحزاب السياسية بأن هنالك أقساماً لا يستهان بها من عضوية أحزاب الأمة والإتحاد الديمقراطى وحتى الجبهة الإسلامية القومية يمكن جذبها إلى هذا النوع من التحالف لأنها قد إكتوت بنيران الإنقاذ الحارقة ولأنها قد عانت أيما معاناة جراء سياسات النظام التى أفقرت الشعب والوطن ولأن معظمها أصبح لا يثق فى أطروحات نظام الإنقاذ وفادته مهما تحجج من حجج!!
    إذن فإن المرحلة القادمة تعتبر مرحلة فارقة فى تاريخ السودان السياسى بحق وحقيقة و ما على القوى الديمقراطية المستنيرة سوى أن تشمر عن سواعد الجد لخوض هذه المعركةحتى تتمكن من إلحاق الهزيمة الماحقة بكل القوى الداعية إلى قيام الدولة الدينية فى جميع أوجه الصراع السياسى والإجتماعى والثقافى والقانونى وحتى الدينى،وأخص هنا الإخوة الأفاضل الجمهوريين وأحثهم لأخذ زمام المبادرة لمواصلة معركتهم الفكرية ضد تلك القوى إعتقاداً منى بأنهم الفئة الوحيدة القادرة على تعرية تلك الفئات فكريا وتجريدها من جميع أسلحتها الفكرية الصدئة التى تستغلها لقهر وإذلال الشعب السودانى.
    إن قيام تحالف كهذا بكل ألوان الطيف سيكون فى وسعه وضع نهاية وإلى الأبد إلى أي دعوة لقيام دولة دينية فى السودان،مهما كان شكلها ومضمونها ،وسيشكل فى ذات الوقت ضمانة أساسية لخلق الدولة المدنية الديمقراطية التى يكون التسامح فيها بمثابة الروح والعدالة الإجتماعية بمثابة بنيانها المرصوص والسلام بمثابة "المونة" التى تربط بين أجزاء ذلك البنيان.
    من المؤكد استمرار الصراع مستقبلا داخل هذا التحالف الجديد بين المجموعة التى تؤمن بقيام الدولة المدنية الديمقراطية ولكن مصالحها الإقتصادية ستتضرر من تنفيذ برامج العدالة الإجتماعية وبين تلك التى تتناغم عندها الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وفقا لرؤيتها وواقعها المحدد.وهذا تناقض ثانوى فى تقديرى حيث أن أجواء الديمقراطية والسلام ستشكل المناخ الصالح والضمانة الحقيقية لرعاية مصالح جميع فئات المجتمع السودانى وفقاً لمبدئي تكافؤ الفرص وسيادة حكم القانون.لكن التناقض الرئيسى الذى سيميز هذه المرحلة هو بين تحالف قوى الدولة المدنية الديمقراطية وتحالف قوى الدولة الدينية. يقوم هذا التناقض بين مبدأ الديمقراطية والعدالة الإجتماعية الذى يدعو له التحالف الأول ومبدأ الدولة الشمولية والظلم الإجتماعى والتهميش الذى يدعو له التحالف الثانى.
    لذلك فإننى أدعو إلى قيام "التحالف المدنى الديمقراطى" من أجل:
    • عدم قيام دولة دينية فى السودان.
    • قيام الدولة المدنية فى جميع أركان الوطن.
    • بناء النظام الديمقراطى وترسيخه وتطويره.
    • تحقيق العدالة الإجتماعية.
    • تحقيق السلام والعدالة الإجتماعية بين جميع أبناء الوطن بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الموقع الجغرافى.
    كما أدعو كافة العناصر المستنيرة داخل الأحزاب الوطنية وكافة منظمات المجتمع المدنى والشخصيات الوطنية التى تؤمن بهذه الرؤية الإلتحام مع بعضها البعض حتى تتمكن من الإتفاق حول منهج محدد يمكنها من صياغة برامج علمية وواقعية بأسلوب ومفردات جديدة تتمكن من خلالها تغيير وجه الحياة الأساسية والإقتصادية والإجتماعية فى السودان نحو الأفضل وبصورة تتصف بالإستمرارية وإلى الأبد وذلك بالعمل الجاد الذى لايعرف الكلل او الملل من اجل خلق و ترسيخ ركائز الدولة المدنية القائمة على مبادئ العدل و المساوة واحترام حقوق الانسان فى السودان بغض النظر عن الدين او اللون او الجنس.
    10/5/2004م
                  

04-04-2008, 04:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وكان إنضمام الحزب الجمهوري بقيادة الشهيد محمود محمد طه الى هذه المعركة إضافة غير عادية و إيماناً برسالة الجمهوريين حول أن الحرية لنا ولسوانا وتصرفوا على هذا الأساس رغم عدائهم الفكري للحزب الشيوعي وكان ذلك من المواقف الكبيرة فعلاً والحقيقة الترجيح الذي قام به الحزب الجمهوري هو انضمامه، إنّ هذه قضية للديمقراطية فعلاً وليس قصة أجندة سياسية لحزب ما لانه لا يمكن أن يكون هناك إتفاق بين الحزب الجمهوري والحزب الشيوعي على أجندة سياسية إلاّ إذا كانت هذه الأجندة وطنية فعلاً وكلية مثل قضية الديمقراطية.. كانت معركة حل الحزب الشيوعي لها آثار بَعيدة جداً في ظهور هذه القوى الديمقراطية وكان لها آثار على كل المسيرة السياسية في السودان لاحقاً


    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1090920548
                  

04-04-2008, 04:08 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    حفر في الذاكرة

    محمد طه محمد احمد ما بين الجبل والنهر
    رحلة تفتيش في الدفاتر الخـاصة لرئيس تحـرير الوفاق
    نعم انا غير قابل لـلتحضـر وجسـمي يرفض حتي مكيفات الهـواء!!

    أجره / الطاهر حسن - ضياء بلال - جمال علي - الخرطوم الجديدة


    الطاهر: ماذا تعلّمت من الفكر الجمهوري غير الإحتجاج؟
    طه: الفكر الجمهوري به إضافة مُهمّة جداً ألا وهي تأكيده على فكرة العدالة الإجتماعية وحياة الجمهوريين، وحياة المهندس محمود محمد طه فيها الكثير من الزهد، محمود كان بيته من الجالوص.. وفيهم كثير من حياة الأشعريين.. ولولا بعض شطحات محمود محمد طه لاتّبعه كل السودانيين.. فهو قدوة في السلوك الإجتماعي..
    -هل أنت حزينٌ لإعدامه؟
    طه: (شوف دا سؤال خطير.. لكن أنا زي ما بتمنّى لنفسي الهداية وأنا مازلت بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، كذلك كنت أتمنى لمحمود الهداية.. وهذا ما قاله شيخ أبو زيد كذلك)!
    - الإجابة غامضة.. هل تعتقد أن إعدامه كان خطأً؟
    طه: (والله دا قرار محكمة وليس بوسعي التعليق)!
    - بناءً على الحيثيات التي أُعدم على اثرها.. وأنت قانوني ماذا تقول؟


    http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1090061683
                  

04-04-2008, 04:11 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    حزب (التحرير) وصيحات (التكفير)
    د. عمر القراى

    ان من أهم النتائج غير المباشرة لإتفاقية السلام ، انها اثارت حواراً واسعاً ، في الداخل وفي المهاجر. ولقد كشف هذا الحوار ، وسيكشف ، للشعب المستوى الحقيقي ، لمن يتصدرون باسمه ، دون مسؤولية ، مواقع القيادة، ويدعون دون كفاءة ، توجيه الرأي العام ، في هذه المرحلة الهامة من مراحل تاريخنا السياسي ..
    فلقد عبر بعض المسؤولين في الحكومة ، والمستشارين فيها ، في استحياء وتردد ، عن اصرارهم على شعاراتهم القديمة ، التي كانت السبب الاساسي ، فيما حاق بالبلاد من دمار. وكأن الاتفاق قد حدث على حين غرة ، فأوقعهم فيما لا يريدون ، أو كأنه تم بضغوط لا يملكون مقاومتها ، فاظهروا الرضا وابطنوا السخط !! فقد هاجم د. قطبي المهدي مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية د. قرنق في لقاء عام واصفاً له بانه ( يسعى لطمس الهوية العربية والاسلامية بدعم أجنبي ).[1] كما ذكر د. امين حسن عمر، عضو وفد الحكومة المفاوض ، ومسؤول الاذاعة والتلفزيون ان الحركة لن تحصل على حقائب بوزارات هامة كالدفاع والطاقة والداخلية ، لانه لم تتوفر لدى الحكومة ثقة تامة بالحركة!![2]
    على ان موقف اعضاء الجبهة على غرابته ، وما يمكن ان يسببه من تعويق للاتفاق ، مفهوم ومقدر ، وهو يتطلب من الجناح الذي تبنى الاتفاق ، المزيد من الجدّية ، في مواجهة الفصائل المناوءة ، التي تسعى الى التخذيل والتراجع ونقض العهود ، والتي تركت تفاصيل الاتفاقية خلف ظهرها ، وولت تصرخ بشعارات الهوس الديني ، وكأنها في برنامج (في ساحات الفداء ) سئ الذكر !!
    ولكن الموقف غير المفهوم ، هو موقف بعض المثقفين ، الذين صمتوا عن السياسة دهراً ، وضربوا عما كان يحدث من حرب ودمار صفحاً ، ولم يكتبوا عن فشل الحكومات المتعاقبة ، في ايقاف نزيف الدم ، ولا عن الفساد والقمع والمتاجرة باسم الدين ، وما آل اليه امر الوطن من تمزق بسبب سياسات حكومة الجبهة الرعناء .. ثم ظهروا فجأة ، الآن بعد توقيع اتفاقية السلام ، ينقدون الاتفاقية ، ويهاجمون رموز الحركة الشعبية ، من أمثال د. منصور خالد ، في محاولة يائسة لتشويه سمعة الرجل ، ومن وراءها موقفه الناصع ، كمثقف شمالي ، تجاوز كل اطر التخلف ، والتمزق وانحاز الى الحركة الشعبية ، من اجل سودان جديد ..
    ومجموعات أخرى من الجماعات والمؤسسات الاسلامية ، سقطت في مواقف ، تستدرالرثاء والشفقة لشدة ما تنوء به من التناقضات ، والالتواءات ، والتخبط .. فقد خرج علينا من يسمون انفسهم علماء السودان ، قبل فترة ببيان ركيك ، يوافق على مضض ، بان لا تطبق الشريعة على غير المسلمين بالعاصمة ، على ان لا يترنح احدهم اذا شرب الخمر !! وكأن الشريعة ، يمكن ان تقبل وجود الخمر ولكنها فقط ترفض الترنح !! وأسوأ من هؤلاء ، جماعة الوهابية التي وزعت بياناً ، تدعو فيه لقتال اعضاء الحركة الشعبية في الخرطوم ، بزعم ان افراد منهم خلعوا حجاب فتاة مسلمة !! وكأن الشريعة تقبل ايقاف ما كانوا يسمونه جهاداً بسبب اتفاقية السلام ، ولكنها تعلن الحرب على حركة كاملة اذا نزع ثلاثة مشتبه فيهم حجاب فتاة !!
    وفي اطار هذه الدعاوى المتخلفة ، المعلية من شأن التهوس ، والتعصب ، والعنف ، يجئ بيان حزب التحرير ليتوج هذا التخبط ، والجهل بالدين ، وبواقع الحياة ، في بلد كالسودان متعدد الاعراق والاعراف والمعتقدات والثقافات .
    يقول البيان ( وقعت الحكومة السودانية ومتمردو جنوب السودان بنيفاشا ليلية الخميس 27/5/2004 ثلاث اتفاقيات اطارية تتعلق بنسب تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية – بين الحكومة والمتمردين وبعض القوى السياسية – في المركز ومناطق الجنوب وجنوب النيل الازرق وجبال النوبة ، كما نصت الاتفاقيات على إعطاء منطقة ابيي حكماً ذاتياً يعقبه استفتاء يحدد هل تتبع للشمال أم الجنوب.
    ان فكرة تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية باقتسام مقاعد البرلمان والحقائب الوزاية فكرة غريبة عن المسلمين لا تمت الى الاسلام بصلة ، بل هي من افكار الحضارة الغربية ، حضارة فصل الدين عن الدولة ...) [3]
    فهل المشكلة هي تقسيم الحقائب ، أم ان وجود مبدأ فصل السلطات نفسه مرفوض لدى حزب التحرير لانه لم يطبق في الماضي ، بواسطة المسلمين الأوائل ؟ ألم يدع حزب لتحرير لاعادة نظام الخلافة ؟ بلى !! فقد جاء في نفس البيان ( لقد آن الاوان لتتطلعوا بحق الى الخلافة الراشدة وتدركوا انها خلاصكم وعزكم ونهضتكم ومنعتكم )[4] !! وليس في نظام الخلافة فصل للسلطات فالخليفة بيدة السلطة التنفيذية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التشريعية المقيدة بنصوص الكتاب والسنة . فاذا كان هذا الحزب الذي يسمي نفسه حزب ( التحرير) لا يؤمن بفصل السلطات ، ويفضل تكريس السلطة في فرد واحد ، فكيف يدعو الى الحرية ، ولمن سوف يحقق هذا (التحرير) المزعوم ؟!
    على ان حزب التحرير ينقصه الصدق ، وليس مع الكذب دين .. والا لماذا اعتبر حكومة البشير، بخير، ولم ير فيها ما يخالف الشريعة ، الا موافقتها على اقتسام مقاعد البرلمان ، والحقائب الوزارية مع الحركة الشعبية ؟ أليس في مجرد وجود برلمان يقوم بوضع تشاريع ، مفارقة للدين كما يفهمه حزب التحرير؟ ألم يقل حزب التحرير، في هذا البيان ، الذي بين أيدينا ( ان السلطة في الاسلام انما هي لتنفيذ الاحكام الشرعية على الناس لا لتشريع الاحكام لأن المشرع هو الله سبحانه وتعالى )[5] ؟! فإن التبست هذه على حزب التحرير، فهل يخفى عليه ان حكومة البشير جاءت بانقلاب ، واغتصبت السلطة بغير رضا الشعب ، فهي أذن لا تمثل حكومة الخلافة الراشدة التي يدعو اليها ؟ أم ترى ان حزب التحرير، لا يفرق بين الحاكم والخليفة ، فهو يعتبر كل حاكم خليفة ؟ ولذا قال ( أما سلطة تنفيذ الاحكام فهي مسئولية وامانة ... وهي شرعاً للأمة تخولها للحاكم أي الخليفة بعقد البيعة )[6] !!
    أن من اكبر المفارقات الدينية ، لحزب التحرير، انه يعتبر ان الخلافة الاسلامية مستمرة منذ عهد الخلفاء الراشدين ، وحتى الامبراطورية العثمانية !! ويرى ان القضاء على الدولة العثمانية ، قضاء على الخلافة الاسلامية . يقول عبد القديم زلوم ، أحد قادة حزب التحرير (وكانت انجلترا قد حاولت عن طريق عميلها عبد العزيز بن محمد بن سعود ضرب الدولة الاسلامية من الداخل وقد وجد الوهابية كيان داخل الدولة الاسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز فامدتهم انجلترا بالسلاح والمال واندفعوا على اساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الاسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة . أي رفعوا الجيش في وجه الخليفة ، وقاتلوا الجيش الاسلامي جيش امير المؤمنين بتحريض من الانجليز وامداد منهم ). [7]
    فعلى الرغم من تخلف الوهابية ، وفسادهم ، وعمالتهم للاستعمار، الا انهم لم يحاربوا خليفة المسلمين ولم يعترضوا على الخلافة الاسلامية ، وانما حاربوا الامبراطورية العثمانية ، التي لم تكن تمثل الا الاحتلال التركي الغاشم . فقد اوقفوا زحف الاتراك على جزيرة العرب ، التي كان الاتراك يريدون ان يسيطروا عليها ، من ضمن احتلالهم للدول العربية .. ولقد اتفق محمد بن سعود ومحمد ابن عبد الوهاب ، لنزع الجزيرة من الاتراك ، لا ليردوها لاصحابها ، وانما ليسيطروا عليها ، وقد خاضوا حروباً قتلوا فيها مئات المسلمين ، حتى ضموا الحجاز، وغيروا اسمه الى اسمهم ، اشارة الى انه من املاكهم ، فأصبح يعرف حتى اليوم بالسعودية ، نسبة الى آل سعود . فالحرب بين الوهابية والاتراك لا علاقة لها بالاسلام ، او الخلافة ، وانما هي نزاع على السلطة والنفوذ ، يدفعه الطمع وتوجهه المصلحة .
    وأمير المؤمنين ، الذي يأسى زعيم حزب التحرير على محاربته ، انما هو السلطان عبد الحميد العثماني ، الذي ورث الحكم مت آبائه ، واشتهر بالظلم والفساد ، حتى قال فيه الشاعر حافظ ابراهيم
    لا رعى الله عهدها من جدود كيف امسيت يا ابن عبد المجيد
    مشبع الحوت من لحوم البرايا ومجيع الجنود تحت البنود
    إن نظام الخلافة الاسلامية ، انتهى عملياً حين نازع معاوية ابن ابي سفيان ، على بن ابي طالب رضي الله عنه ثم انتصر عليه ، واخذ البيعة من بعده لابنه يزيد قبل وفاته ، وبذلك حول الامر الى ملك متوارث ، فرضه بالقوة ، مصداقاً للنبوة الكريمة ( الخلافة ثلاثون عاما ثم تصبح ملكاً عضوضا) . . واوصى معاوية يزيداً ، بان يقتل من يعتقد انهم لن يخضعوا له ، مثل الامام الحسين بن علي ، وعبد الله بن ابن الزبير. فجرد جيشاً ضخماً ، ذكر بعض المؤرخين بان عدده تجاوز العشرة آلاف ، اعترض الامام الحسين وهو في طريقه للعراق . ولم يكن مع الامام الحسين رضي الله عنه ، الا إثنين وسبعين رجلاً من آل البيت ، ومعهم النساء والاطفال . فحاصرهم جيش يزيد ، بقيادة عبيد الله بن زياد ومنعهم الماء ، وابى عليهم ان يرجعوا بالنساء والاطفال ، ثم هاجم الامام ومن معه واوسعوهم قتلا ، في ابشع مجزرة عرفها التاريخ الاسلامي بواقعة كربلاء . وبعد ان قتل آل البيت ، جزت رؤوسهم ، وفيها رأس الامام الحسين ، وحملت ليزيد في دمشق فالقى رأس الحسين على الارض ، واخذ يتلاعب به بقضيب كان في يده. وسبيت النساء وارسلن الى دمشق وفيهم زينب بنت فاطمة بنت رسول الله. [8]
    وحين سمع يزيد ، بان أهل المدينة خلعوا بيعته ، ارسل اليهم جيشاً ضخماً ، واوصى قائد جيشه مسلم بن عقبة بقوله (ادع القوم ثلاثاً فان اجابوك والا فقاتلهم فاذا ظهرت عليها فابحها ثلاثاً فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند فاذا مضت الثلاث فاكفف عن لناس) . ولقد نفذ القائد الوصية ، حين انتصر على أهل المدينة ، في واقعة الحرة ، فاستباح مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام . ولقد ذكر الرواة انه قتل فيها أربعة ألف مسلم ، واغتصبت الف فتاة مسلمة بكر. ولم يكتف قائد يزيد بذلك ، بل اخذ البيعة من اهل المدينة ، على انهم عبيد ليزيد ، يفعل فيهم ، وفي اموالهم، ونسائهم، ما يشاء . ورفض جماعةهذه البيعة المنكرة ، وقالوا بل نبايع على كتاب الله وسنة رسوله ، فضرب مسلم بن عقبة اعناقهم .[9] ويروي الرواة ن خبر واقعة الحرة ، عندما بلغ يزيداً أنشد يقول :
    ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
    حين حطت بقباء رحلها واستمر القتل في عبد الاشل[10]
    فهل يعتبر يزيد خليفة ، ويعتبر نظام حكمه ، من ضمن الخلافة الاسلامية ، بعد ان قتل المسلمين واستباح دماءهم ، واعراضهم ، وسبى بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ان انشد الشعر يعلن انه بهذه الواقعة ينتقم لمشركي مكة ، الذي هزموا في موقعة بدر ، ينتقم لهم من انصار النبي صلى الله عليه وسلم من الخزرج؟!
    ولقد أعقب يزيد عدداً من حكام بني امية ، اشتهروا بالفسوق ، ومعاقرة الخمر ، والمجون واقتناء الجواري والغلمان .[11] ومن هؤلاء الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي رمى المصحف بالنبال حتى مزقه وقال :
    تهدد كل جبار عنيد فها انا ذا جبار عنيد
    اذا وافيت ربك يوم حشر فقل يارب مزقني الوليد[12]
    وكان من صلح من بني أمية ، يفسد بعد ان يؤول له الامر . فانه قد روي عن جد الوليد ما ذكره ابن عائشة قال : أفضى الامر الى عبد الملك بن مروان ، والمصحف في حجره ، فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك. [13] وعبد الملك ، هو الذي كان من ولاته الحجاج بن يوسف ، الذي اشتهر بالظلم والعسف . ولم يستثن الرواة من بني امية الا عمر بن عبد العزيز الذي كان الوليد قد اعقبه فافسد ما اصلحه . فهل يعتبر حزب التحرير ان حكام بني أمية ، كانوا خلفاء مسلمين ، وان عهدهم يعتبر من ضمن الخلافة الاسلامية ، التي يتوجب على المسلمين احترامها؟ وحين يوزع بياناً في السودان في القرن الواحد والعشرين ، يدعو فيه الى عودة الخلافة ، الا تجعله هذه النماذج يتردد في هذه الدعوة ؟
    ولم يكن العباسيون احسن حالاً من بني أمية ، فكما بطش الامويون بآل البيت بطش بهم العباسيون . فقد اعتلى ابو العباس السفاح المنبر في اول خطبة له ، وقال انا السفاح المبيح !! وكان من اول قراراته ، كما ذكر الرواة ، ان أمر بنبش قبور بني أمية . فنبش قبر معاوية بن ابي سفيان ، فلم يجدوا فيه الا خيطاً مثل الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية ، فوجدوا فيه حطاماً كالرماد. ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا جمجمته . وكان لا يوجد الا العضو بعد العضو الا هشام بن عبد الملك ، فانه وجد صحيحاً لم يبل منه الا ارنبة انفه. فامر السفاح بضربه بالسياط ، وصلبه ، وحرقه ثم تذريته في الريح .[14] فهل هذا خليفة المسلمين أم انه سفاح كما سمّى نفسه ؟!
    ولقد اشتهر العباسيون بالمكايد ، والنزاع بين الخلفاء واتباعهم ، فكان الحاكم يوقع ببطانته فيقتلهم ، كما حدث من هارون الرشيد للبرامكة ، كما اشتد الصراع بين ابناء العرب وابناء الموالي ، فاضافوا الى الصراع السياسي ، السلطوي ، بعداً عنصرياً سيئاً .. ولم يخل عهد العباسيين من الفسق و الفجور ، فقد روي ان الخليفة المتوكل كان له اربعة الف جارية !![15]
    هذه نماذج لرجال ادعوا الخلافة ، واستغلوا الدين لاغراض نفوسهم ، فاذا كان حزب التحرير يوافق على فساد هذه الانظمة ، ولا يعتبرها خلافة اسلامية ، فما الذي يعصم الآن من تكرارها لو عادت الخلافة ؟ ألم يحدث الظلم والفشل ، في كافة محاولات تطبيق الشريعة في ايران ، وباكستان والسودان ، على عهد نميري ثم على عهد البشير ؟! أم ان حزب التحرير يزعم ان لدية من هم في قامة ابوبكر وعمر رضي الله عنهما ، حتى يعيد لنا الخلافة الراشدة ؟
    أما نحن ، فان اعتراضنا على نظام الخلافة ، اعتراض جوهري ، حتى لو كان هنالك من هم في قامة الاصحاب .. وذلك لان نظام الخلافة تشريع مرحلي ، ناسب البشرية في القرن السابع الميلادي ، ولكنه لا يناسب البشرية اليوم . فبينما تقوم الخلافة على فروع القرآن ، من قوله تعالي ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليط القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله) ، تقوم الديمقراطية على اصول القرآن ، من قوله تعالى ( فذكر انما انت مذكر * لست عليهم بمسيطر) .. فهذه الآية نهت النبي صلى الله عليه وسلم ، على كمال خلقه ، من السيطرة على الناس ، فدلت بانه ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين ، ولهذا فان واجب المسلمين ، هو ان ينشئوا النظام الذي يرفع السيطرة عن كل فرد وذلك لا يتأتى الا باشراك الناس في حكم انفسهم ، عبر مؤسسات تعبر عن مصالحهم ، الامر الذي لا يحقق الا بالديمقراطية .. والسبب في ان الديمقراطية من الاصول ، وان الخلافة من الفروع ، هو ان الديمقراطية اقرب الى تحقيق العدل ، بما تقلل من فرص التحيز، بتوزيع السلطات ، حيث ان الجماعة مظنة الرشد اكثر من الفرد .. وان توزيع السلطات يوازن بينها، وان الشعب صاحب المصلحة الحقيقية ، اقدر على رعاية مصلحته ، لو اعطي حق المشاركة في حكم نفسه بنفسه.
    كما انه في اصل النشأة ، فان الناس متساوون ، فلا يجوز ان يحكم فرد ، وتحرم الجماعة من حق المشاركة .. ان عدم اشراك الناس في حكم انفسهم ، ظلم لا يرضاه الله الا اذا كان المجتمع لا يطيق افضل منه ، ومن هنا نسخت الفروع التي تحوي الخلافة ، الاصول التي تحوي الديمقراطية في القرن السابع الميلادي ، حين كان المجتمع يقوم عرفه على الحروب ، ولم يتطلع بعد للسلام أو لحقوق الانسان ..
    ان الديمقراطية ، كمفهوم حديث ، لم تكن موجودة في الماضي ، وانما برزت ، وتطورت من تجارب الشعوب.. ولكنها من العرف الصالح ، ولقد دعانا القرآن الى اتباع العرف ، في قوله تعالى (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) .. ولقد ذكرنا حزب التحرير بالآية ( يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلاً ) .. ولكن طاعة الله والرسول ، لواتقنت ، وقبلت من الله لكانت لها ثمرة هي العلم ، على قاعدة (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) .. ومن العلم ، تجئ المعرفة بحقائق ديننا وبواقع حياتنا ، وبالقدرة على التوفيق بينهما ..
    ونحن حين ندعو الى آيات الاصول ، التي تحوي الديمقراطية ، نكون قداستجبنا الى الآية ، و رددنا الامر الى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن حياته قد كانت سمتاً عالياً ، من العزوف عن السيطرة على الاخرين ، ونسقاً رفيعاً من الزهد، والتواضع والعيش الكفاف.. وانما بالتربية على سنة النبي الكريم ، يجئ الفرد الديمقراطي ، الذي لا يضيق بمختلف الافكار، ومختلف انماط السلوك ، ومن اجل انجاب الفرد الحر، تمت الدعوة الى طريق محمد صلى الله عليه وسلم .. وهذه التربية هي ما يمكن ان يضيفه الاسلام ، لهيكل الديمقراطية الغربية ، فينفخ الروح في مؤسساتها ، ويحفظها من الزلل ، الذي تعاني منه اليوم ،رغم تقدمها على نظام الخلافة ..
    ان الدعوة الى اعادة نظام الخلافة الاسلامية اليوم ، دعوة جاهلة ومغرضة .. اما جهلها فيتمثل في عدم معرفتها بان الخلافة تناقض جوهر الدين ، ولا تناسب قامة العصر. واما غرضها فيتمثل في السعي للسيطرة على الناس ، باسم الدين ، واستغلالهم لتحقيق مصالح دنيوية ضيقة ، وارهابهم بالعقوبات الرادعة ،حتى يستكينوا وبستسلموا .. فاذا وضح هذا ، فان الواجب الديني اليوم ،هو رفض نظام الخلافة ، ومقاومة تطبيقه ، والدعوة الى الديمقراطية ، وهو لحسن التوفيق الواجب الانساني أيضاً..
    ومما يدل على ان حزب التحرير يعيش خارج العصر ، صيحات التكفير التي يطلقها هنا وهناك ، ومن ذلك مثلاً، قوله ( ان هذا الغرب الكافر في سعيه لتنفيذ مخططه انما يقوده حقده على الاسلام والمسلمين وادراكه انه ما من امة تستطيع ان تشدخ يافوخه فتقضي على باطله وتقصيه من حلبة الصراع الدولي وتطارده في عقر داره لتطهر الارض من باطله غيرهذه الامة الاسلامية )!!
    فأين هي امة الاسلام ؟ ومن هم عملاء الغرب واذنابه ومنفذي توجيهاته غير الزعماء العرب المسلمين ؟
    ان الاسلام غائب اليوم ، ولا وجود له الا في المصحف . ولقد ادركتنا النذارة النبوية (يوشك ان تداعى عليكم الامم كتداعي الاكلة على قصعتها ، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله . قال: بل انتم يومئذ كثيرولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم) !! ولهذا لا بد من بعث جديد ، ولا يكون هذا بصيحات التكفير، والتشنج ، وانما بالفهم الذي يستطيع ان يضمن جقوق الانسان ، لأن جوهر الدين هو تحقيق كرامة الانسان .. والشريعة الاسلامية ، كنظام سياسي ، لا تحقق كرامة الانسان اليوم ، لانها تقوم على الخلافة ، ولا بد من الديمقراطية لتوفر هذه الكرامة. والشريعة الاسلامية كنظام اقتصادي ، لا تحقق كرامة الانسان ، لانها تقوم على نظام الصدقة ، الذي عف عنه النبي صلى الله عليه وسلم ومنع عنه آل بيته فقال (الصدقة اوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد) !! وانما تتحق الكرامة بالاشتراكية ، حيث للمواطن حق لا صدقة . والشريعة كنظام اجتماعي لا تحقق كرامة الانسان ، لانها قامت على تفضيل المسلم على غير المسلم ، والرجل على المرأة ، ولا تتحقق الكرامة الا بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات ..
    لهذا دعا الاستاذ محمود محمد طه ، الى تطوير التشريع الاسلامي ، بالانتقال من فروع القرآن الى اصوله ، حتى ننتقل من نظام الخلافة الى الديمقراطية ، ومن الصدقة الى الاشتراكية ومن التمييز الى المساواة ، نزولاً عند قوله جل من قائل (واتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ريكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون) .. فاذا حققنا ارفع ما انزل لنا الله من ديننا ، واقمنا عليه نموذج دولتنا، فاننا لا نحتاج لان نكفر الغرب ، او نقاتله ، وانما نستطيع ان نغريه ليتبع النموذج الاكمل ، الذي لن يكون للبشرية جمعاء ، عنه مندوحة ..

    عمر القراي


    1 - جريدة البيان الاماراتية 8/6/2004
    2 - الشرق الاوسط 9/6/2004
    3 - بيان حزب التحرير بتاريخ 31 /5/2004
    4 - المصدر السابق .
    5 -المصدر السابق
    6 - المصدر السابق
    7 - عبد القديم زلوم : كيف هدمت الخلافة . اصدارات حزب التحرير 1963 .
    8 - طه حسين : الفتنة الكبرى 2 ص 240 .
    9 - راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي –الجزء الثاني ص 122 وما بعدها وتاريخ الطبري الجزء الثالث ص335 وما بعدها.
    10 - ابن كثير : البداية والنهاية –المجلد الرابع الجزء الثامن ص 235
    11 - راجع كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني .
    12 - راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 350 وماب عدها
    13 - المصدر السابق ص 217
    14 - راجع الكامل لابن الاثير
    15 - تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 349- 350
                  

04-04-2008, 03:54 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    مولد الحزب الجمهورى [/align:d716e81c6d]

    في لقائه مع مندوبي جريدة القبس الكويتية قال الأستاذ:
    الفكرة الجمهورية بدأت في منتصف الأربعينات - في أكتوبر عام 1945، وده بأرخ برضه بداية الأحزاب السياسية في الحركة الوطنية عندنا .. وقتها بطبيعة الحال البلد مستعمر والإنجليز والمصريين شركاء في لاستعمار .. والحركة الوطنية كانت قبل الأربعينات بتتحرك من داخل ما كان معروف بمؤتمر الخريجين العام ، نشأ في سنة 1938، واستمر .. لكن كانت الصراعات السياسية بتحتدم في داخل مؤتمر الخريجين العام أساساً حول قطبين: السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي المرغني، السيد علي المرغني زعيم الطائفة الختمية، والسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار. فكان الصراع داخل مؤتمر الخريجين للكسب لكراسي المؤتمر بتدور حول القطبين ديل .. وبعدين ، لملابسات الإنجليز هم الحفزوها بسرعة، الإنجليز ما كانوا بيعترفوا بأنه الخريجين يمكن أن يتكلموا في مصير البلد سياسياً .. وكان في سنة 1942 نشأ بين الحلفاء الخمسة الكبار ما سُمّي بوثيقة الأطلنطي وكانت بتعد الناس اللي تعاونوا مع الحلفاء في الحرب عندما تنتهي الحرب أن يكون عندهم حق تقرير مصيرهم .. فالسودانيين من داخل مؤتمر الخريجين طالبوا بالحق ده، والإنجليز رفضوا أن يسمعوا لمؤتمر الخريجين يتكلم في السياسة .. مؤتمر الخريجين مؤتمر موظفين دا ممكن يعمل في المسائل العامة، والسياسة يتكلموا عنها - مصير البلد يتكلموا عنه - الزعماء الطائفيين وزعماء العشائر .. فمن هنا نشأ الوضع السياسي خرجت الأحزاب من داخل المؤتمر وخلّوا المؤتمر ليكون للمسائل التعليمية والمسائل الإجتماعية زي ما كانوا الإنجليز عايزنه، لكن نشأت الأحزاب .. لما نشأت الأحزاب بس برزت من داخل مؤتمر الخريجين برضها حول القطبين ديل، وكان عندنا أحزاب إتحادية عديدة وأحزاب استقلالية .. طائفة الأنصار كانت بتطالب بأنه السودان يكون للسودانيين وطائفة الختمية بتطالب أن يكون في اتحاد مع مصر.. الاثنين مجمعين على أنه الاستقرار السياسي بجي عن طريق راس دستوري ملكي - يكون في ملك .. فالاتحادين عايزين تاج فاروق - السودان يكون عنده نوع من الاتحاد مع مصر تحت تاج الملك فاروق .. والاستقلالين كانوا بميلوا للانفصال من مصر لكن بيتهموا بأنهم عايزين يعملوا تاج محلّي زي تاج الأمير عبد الله في شرق الأردن تحت اشراف الإنجليز .. فكانوا اتحادين واستقلاليين بالصورة دي .. في الوقت داك نشأ الحزب الجمهوري يقول مافي داعي للملكية أصله، ما في داعي للتبعية لمصر ولا لبقاء الإنجليز وإنما المسألة ترجع إلى الشعب في حكم جمهوري عام، فنشأ الحزب الجمهوري .. وبعدين الحزب الجمهوري كانت برضه فلسفته تقوم على الإسلام، أنه الناس أمرهم ما بنصلح ولا في السودان ولا في الخارج إلا عن طريق الدين لأنه الأزمة العالمية أزمة أخلاق أزمة قيم، لكن على أن يُفهم الدين فهم يختلف عما يفهموه الأزهريين والرجال التقليديين.

    وفي لقاء طلاب معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية قال الأستاذ:
    قبل ما ينشأ الحزب الجمهورى أنا كانت عندى مقالات فى الصحف .. منها صدر مقال زى يقول: لماذا مصر ولماذا بريطانيا ؟ المقال دا لعله ، و بعض النشاط الأدبى فى الصحف المحلية ، لفت نظر بعض الأخوان المهتمين برضو بالسياسة ، الواحد يذكر منهم أمين مصطفى التنى .. فى يوم زارنى أمين مصطفى التنى وقال لى نحن لفيف من الشبان فكرنا فى إنشاء حزب جمهورى ووقع الإختيار عليك أن تكون معانا .. الفكرة جات من هنا .. أنا ما كانت عندى ، لكنها جات من أمين مصطفى التنى .. بعدين مشينا فى الدعوة الوجهوها لينا ، كنا قليلين .. اجتمعنا أول اجتماع فى المقرن .. الناس الأوائل فيهو ، فيهو بجانب أمين مصطفى التنى ، عبد القادر المرضى ومنصور عبد الحميد – ديل موجودين هسه – بعدين واحد من الأخوان زى مدة طويلة ما شفته ، محمود المغربى ، اسماعيل محمد بخيت *** موجود هسه ، افتكر هم ديل الإجتمعوا أول إجتماع فى المقرن .. أنا كنت بسكن فى الموردة ، قرروا الإجتماع التانى يكون فى بيتى أنا .. بعدين اجتمعنا الإجتماع التانى فوزعوا المناصب واختارونى أنا كان رئيس واختاروا عبد القادر المرضى سكرتير .. دى بداية نشأة الحزب والملابسات القامت حوله - حول نشأته .. من وقتها مشى ليتجه فى نفس الروح بتاع "لماذا مصر ولماذا بريطانيا" ، نحن حقه ندعو الى حكم جمهورى ، نحن المصريين مستعمرننا والإنجليز مستعمرننا .. المصريين طامعين ، نحن موافقين على أنه الخطر من المصريين أكبر لكن برضو الخطر من الإنجليز قايم .. فإذا نحن ندعو الى دعوة جمهورية ودى الدعوة العصرية البتناسب روح العصر وبتتجه للشعب لتوعيه وتحرره .. ومشت المسألة فى الإتجاه دا ..

    كتب الأستاذ مقالا فى الصحف اليومية بعنوان: (لماذا مصر؟ ولماذا بريطانيا؟).. كان ذلك قبل قيام الحزب الجمهورى .. وكان هذا الرأى جديدا على الساحة السودانية والإهتمامات السياسية وقد إستهوى لفيف من الشبان الذين رأوا فيه تعبيرا صادقا عما يضمرونه ولا يملكون التعبير عنه.. وقد قامت هذه الجماعة بدعوة الأستاذ محمود إلى التفاكر فى تنظيم سياسى يحمل ويعبر عن هذه الآراء.. وقد اقترح أمين مصطفي التني اسم الحزب الجمهورى.. وقد اختير الأستاذ رئيسا للحزب وعبد القادر المرضى سكرتيرا له وعضوية محمد المهدى مجذوب، ويوسف مصطفى التنى، ومنصور عبد الحميد، ومحمد فضل الصديق .. وقد أعلن عن ميلاد الحزب فى 24 أكتوبر عام 1945 بحدائق المقرن بالخرطوم. اتجه الحزب الجمهورى منذ البداية إلى العمل المعلن فى مخاطبة الشعب بغية توعيته بقضيته ثم ضرورة مواجهة المستعمر الإنجليزى.. فكان أسلوبا سياسيا ثائرا شجاعا مصادما لا يخشى فى الله لومة لائم.. وهو أسلوب اختلف عن سائر أساليب الأحزاب الأخرى .. ومع هذا الحماس كان الأسلوب موضوعيا فى الخطابة فى الأماكن العامة وفى المقاهى .. وفى بعض الصحف وتوزيع المنشورات على الشعب .. (من خطاب الأستاذ جلال)

    * بعد اعلان تفاصيل و اسماء لجنة الحزب علي الجرائد انضم له بسرعة أمين صديق خاصة بعد ان قرأ اسم الاستاذ في أول القائمة. و كانت حركة الحزب قوية و مواجهة و شجاعة وهي تختلف عن بقية الاحزاب التي كانت تهادن الاستعمار. (من وثيقة كوبر)

    في لقاء طلاب معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية قال الأستاذ:
    فكأنه الإستقلاليين ماشين مع الإنجليز فمافى مواجهة ، والإتحاديين مشوا مع المصريين وسلموهم القضية ومنتظرين هم يعملوا فيها شىء فى المفاوضات فمافى مواجهة .. أصبحنا نحن شاعرين بأنه الفكرة المطلوبة للحركة الوطنية نحن ماعندنا تفاصيلها ، هى الإسلام مبعوث من جديد .. المواجهة للإستعمار برضو دى الحركة الوطنية كانت فاقداها .. نحن قلنا فى فراغين: فراغ الفكرة وفراغ الحماس .. وقررنا بعد ما كتبنا السفر الأولانى أننا بنستطيع أن نملأ فراغ الحماس فى الوقت الحاضر ، وفيما بعد نشوف فى الفكرة نعمل شنو - فى تفاصيلها ، ماكانت عندنا .. وبقت مواجهتنا للإستعمار البريطانى عنيفة جدا الى حدود أسطورية يعنى .. كان الجمهورى – الأخ أمين صديق بالذات ، كان يجىء فى "سوق الموية" العندكم هسع بالصورة دى ويسحب ليهو طربيزة كبيرة ويطلع فيها ويخطب فى الناس .. كنا بنستفز الناس بالجنوب ، أنه الإنجليز نواياهم مبيتة بفصل الجنوب ولذلك جعلوا المؤتمر (المجلس) الإستشارى لشمال السودان ونواياهم كلها فى أنهم يفصلوه .. فدا كنا بنحمس بيهو الجماهير .. بعدين مسألة الخفاض الفرعونى برضو دا المؤتمر الإستشارى لشمال السودان كان مرر قانون فى الناحية دى .. فنحن شفنا النقطتين ديل حساستين جدا فكنا بنحمس بيهم الجماهير .. فكان أمين صديق يخطب بالصورة دى والبوليس يقيف يعاين ، عندهم تعليمات أنهم ما يتعرضو للجمهوريين ، ديل ناس قليلين ، ماعندهم سند ، ماعندهم أثر .. لعله إذا السلطة اتعرضت ليهم بالسجن يجعلوا بطولات وطنية منهم – أبطال وطنيين .. وكانوا يقولوا الكلام دا ..
    _________________
                  

04-04-2008, 03:57 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نشأة الأستاذ[/align:a12865fa55]
    * قبيلة الاستاذ الركابية. ترجع الي ركاب بن غلام الله بن عائد و هم أشراف حسينية جدهم القريب بالشمالية حسن ود بليل..
    * هاجروا الي اواسط السودان و أقام بعضهم في منطقة اربجي و هم قبيلة الصادقاب
    (ركابية أيضا يرجع أصلهم و نسبهم الي جدهم القريب محمد ود عبد الصادق و هو أول الاربعة الذين أخذوا الطريق القادري علي الشيخ تاج الدين البهاري..)
    * و اصل البعض الاخر من الركابية هجرتهم الي الغرب الي منطقة بارا بخاصة و منهم الدواليب ثم عادت اعداد منهم من الغرب الي منطقة الجزيرة ..رفاعة
    * ركابية رفاعة سكنوا الديم و كلهم اسرة واحدة جدهم الفضل و كانوا علي الطريق الختمي..
    * والد الاستاذ هو محمد طه مالك و كان يعمل بالزراعة في منطقة الهجيليج و بتجارة الجمال و بالمراكب علي النيل الازرق.. و قد عرف بالمروءة و الشجاعة..
    *تزوج والد الاستاذ من والدته من قرية من قري رفاعة يقال لها (سفيطه) و كان قد خطبها عند بعض اهلها و ذويها من أم درمان . عائلة الغول و هم بديرية دهمشية..
    * اسم والدة الاستاذ فاطمة بنت محمود و امها زينب بنت حمزه و قد عرفت السيده زينب بالتدين و حفظ القرآن و تجيد الشعر..
    * ولد الاستاذ سنة 1909 م (أكد الأستاذ على لطفي أن الأستاذ ولد بالهجيليج)
    يقول عن نفسه: [تقريبا أنا مولود سنة 1909]..سمته أمه فاطمة (محمودا) تيمنا باسم أبيها محمود.. وكان أبيه ينوى تسميته (عليا) فجاز اسم محمود على اسم علي..
    و في يوم سماية الاستاذ برفاعة حيث ولد بالديم قرأوا عليه المولد العثماني تيمنا و تبركا..
    * أشقاؤه هم : بتول، و كلتوم ، و مختار ، ثم أحمد محمد طه و هو أخوه من والده.
    * توفيت والدته و هم جميعا أطفال و قد كفلتهم مربيتهم الوالدة(رب جود) و قد كانت في ذلك الوقت في مقتبل عمرها و قد وهبتهم سني شبابها و رفضت كل من تقدم لزواجها و استمرت مع الاستاذ حتي توفيت بمنزله بالثورة عام 1982م
    * أيضا توفي والده و هم صغار ، مما جعلهم ينشأون وهم يتامي يعتمدون علي الله و علي أنفسهم ، و تعينهم مربيتهم (رب جود) و)كانت نشأتنا زي البروس) كما قال الاستاذ. (البروس: شجر ينمو و ينتشر بدون (تيراب))
    ولعل الأستاذ قد وصف فترة طفولته فى خطاب منه للأخ المرحوم عبد الرحمن تكتوك يقول فيه: [لقد كانت طفولتى كلها يتم.. توفيت والدتنا (عام 1915 كما جاء فى قراءة الأيام).. ثم بعد وقت توفى والدنا ونحن صغار.. وقد كنت أشعر بالحاجة إلى ركن شديد آوى إليه، فشعرت بالحاجة الشديدة إلى الله.. وشعرت بالحكمة من هذا اليتم المبكر.. وقد ساقنا هذا اليتم إلى الإعتماد على أنفسنا وإلى تقدير المسئولية منذ الصغر..]
    * كانت نشأة الاستاذ و طفولته بالهجيليج حيث زراعتهم و مرعي البهائم.
    كان الأخوة الأربعة الصغار يعملون فى الزراعة فى فصل الخريف.. ويعيشون فى هذا الوقت فى قرية الهجيليج.. ويستمر تفرغهم للزراعة حتى أوان الحصاد.. وقد يترتب على ذلك أن يذهب (محمود) إلى المدرسة ليلحق بأقرانه الذين قد قطعوا شوطا فى مقررات الدراسة ولكنه كان دائما هو المتقدم.. وكان الأستاذ يحفظ لهذه القرية كثيرا من قيم حياته (رغم أن ميلاده كان بالديم-رفاعة وطفولته ومراحل دراسته الأولى..) وقد خصّها ببعض وفود الأخوان التى تحمل الفكرة.. وقد توثقت علاقة أهل القرية بالجمهوريين وظلت هذه العلاقة محفوظة حتى اليوم فى حرز أمين..
    * دخل الاستاذ المدرسة الاولية بعد سن العاشرة و كان كثير التغيب عن الدراسة حتي الثانوي، حتي عند فتح المدرسة بعد العطلة لانه كان يكون مع اخوته في اعداد و انجاز بعض الاعمال الزراعية في وقتها..
    * قرأ الوسطي برفاعة ثم ارتحل الي العاصمة ليواصل دراسته بكلية غردون قسم الهندسة و كان قد سبق أن زار العاصمة و هو صغير مع جدته لامه في زيارة .
    كانت دراسة الأستاذ محمود فى مرحلتى الأولية والوسطى برفاعة وقد ذكر لى الأستاذ بابكر علي فى مناسبة جمعتنى به وهو من قرية "بانت" (تقع شرق رفاعة ومتاخمة لها) قال: [أنا زميل دراسة للأستاذ محمود محمد طه لفترة ثمانى سنوات فى المرحلتين الأولية والوسطى.. وكنت أجلس جواره فى الفصل طيلة هذه السنوات فكان هو النموذج المصغر للأستاذ محمود اليوم فى صدقه وشجاعته وتميزه على أقرانه، ذكاءا وشخصية].. وقد أطلعنى الأستاذ إبراهيم عبد الغفار (من الديم-رفاعة) على أوراق قديمة تحمل نتائج بعض المسابقات الرياضية.. فيها أسماء بعض الذين تعرفت عليهم.. وكان اسم الأستاذ محمود يتقدم هذه الأسماء.. كان هو (الأول) فى مسابقات الجري للمسافات الطويلة والقصيرة كذلك كما كان (الأول) فى مسابقات السباحة والعوم..
    * كانت رغبته دراسة القانون و لكن الاختيار جعله يعدل الي الهندسة..
    * عرف منذ نشأته بالشجاعة النادرة و الصدق و الوفاء العظيم لاصدقائه و أترابه و عرف بالنبوغ و الذكاء وسط اهله و زملائه في الدراسة.
    * دخل كلية غردون عام 1932 و خلال الاربعة أعوام شارك بتفوق في الليالي الادبية و النشاطات الرياضية (العدو و السباحة) و كان متفوقا في دراسته ..
    * وهو في الصف الثاني كتب مقالة بمجلة الكلية (رثاء وفاة صديق اسمه أبو طالب) قال في مقاله عنه: (كان و كأنه الانسان الكامل)
    * أيضا كتب مقاله عام 1935م عندما كان بالسنة الرابعة قسم الهندسة كلية غردون بعنوان )المهندسون في رحلاتهم لكسب روح التأمل و الدين و الايمان) يصف فيها رحلة مدرسية لمجموعة طلبة الهندسة فى رفقة الأستاذ الهمام إبراهيم أحمد وقد كانت الرحلة إلى جبل كررى لدراسة ميدانية.. وفى لحظة كان يشاهد فيها الأستاذ الجبل وقد امتدت أطرافه إلى مسافات بعيدة اعتملت فى جوانحه ذكرى أبطال كررى من السودانيين، وقد خرجوا لصد العدو الوافد على البلاد فانطلقوا من أسفل الجبل صوب العدو.. وكان الأستاذ يصور الجبل وقد امتدت أطرافه وكأنه فى محاولة لصد أبنائه من ملاقاة الموت.. [وما علم (الجبل) أن ذلك كان لأجل محتوم.. وأن لكل أجل كتاب].. وقد ظل الأستاذ يحفظ كثيرا من الود والوفاء لزملاء دراسته.. ومنهم الأستاذ أحمد حامد الفكى.. والأستاذ درديرى محمد عثمان وغيرهم وغيرهم.. ويحفظ كذلك الود الشديد لزملاء مهنته والذين رافقوه فى مواقع مختلفة للعمل..
    * تخرج الأستاذ فى كلية غردون –قسم الهندسة عام 1936..
    * بين عام 1936م و 1941م بدأ عمله بعطبرة بالسكة حديد. و بدات حركته الادبية الواسعة في نادي الخريجين. و كان طابعها التوعية و مواجهة
    و كان معه في ذلك الوقت ميرغني حمزه و كان أمين صديق محاسبا بالدامر يزور عطبرة من وقت لآخر ثم حلت لجنة النادي بلجنة جديدة رئيسها ميرغني حمزه و سكرتيرها الاستاذ و تجددت حركة النادي تماما - و فتح النادي لكل مواطني عطبرة..
    * ضاق الانجليز بالاستاذ فنقلوه بعد سنة واحدة الي خط بورتسودان كسلا القضارف سنار فظل يزور عطبرة كل شهر ثلاثة ايام يواصل فيها عمله بالنادي . و استمر مدة عمل الاستاذ بالحكومة موظفا و مهندسا أربعة سنوات فقط بنهاية 1941م.

    تزوج أمنا آمنة لطفى فى أوائل الأربعينات.. وأسرة شيخ لطفى عبدالله- أسرة عريقة النسب والدين- ترجع بجذورها إلى جدهم الشيخ محمد عبد الصادق ويلتقى الصادقاب والركابية فى جدهم الشيخ غلام الله بالشمالية ولعلاقة الدم هذه فهم يسكنون بلدا واحدا وحيا واحدا كان يسمى ديم (القريداب) ثم صار اسمه ديم لطفى.. وتظهر عظم علاقة الأستاذ مع زوجه أمنا آمنة لطفى.. فى وصيته فى أوائل الخمسينات.. حيث يقول جزء من الوصية: [زوجتى آمنة خليفتى فى أبنائى من بعد الله..] وكان "محمد" هو أول أبنائه.. وفى ليلة وضوعه (وقد كان ميلاده فى 15 مايو 1944) أقام الأستاذ فى تلك الليلة صلاة مناجاة لربه حتى الصباح مشاركة لزوجته أمنا آمنة فى أول وضوع لها.. وتلك المرة تؤرخ أول قيام وتهجد له.. ومنذ أن نشأ محمد ظهرت عليه سيماء الذكاء والنبوغ والفلاح وهو يترعرع فى بيئة لم يحظ بها غيره.. وفى عطلة المدرسة الأولية بعد امتحان الشهادة المتوسطة، غرق محمد فى النيل عند حى الديم وكان قد خرج إلى النيل مع بعض أقرانه.. وعندما بلغ الخبر والدته –أمنا آمنة قامت لتوها وجهزت ماءا ثم اغتسلت ولبست ثوبا أبيضا وجلست على سريرها فى حالة من الرضا.. ولم تنزل من عينها دمعة حتى اليوم رغم مرارة الفقد وغصته على أمه.. وصل الأستاذ رفاعة عندما وصله خبر محمد وبقى ومعه بعض أهله من الديم لثلاثة أيام على الشاطئ.. بعدها أعلن الأستاذ أن محمدا لن يخرج من النيل..
                  

04-04-2008, 04:03 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حكومة الجبهة .. ماذا تريد؟

    د. عمر القراى
    عندما قامت الجبهة القومية الاسلامية ، بانقلابها في 30 يونيو 1989، سمت نفسها حكومة الانقاذ الوطني ، واعلنت انها جاءت لتنقذ البلد من الوضع الاقتصادي المتردي ، واوضحت ان وسيلتها لتحقيق هذا الانقاذ ، هي البرنامج الحضاري الذي تعني به تطبيق الشريعة الاسلامية .. وحتى تحكم قبضتها عزلت كل من لم يكن من الموالين لها من الخدمة ، واستبدلتهم بكوادرها ، دون اعتبار للكفاءة ، مما زاد من تدهور الخدمة المدنية .. ثم اعتقلت كل من تتوقع انه مخالف لها ، او من معارضيها ، وسعت الى ارهابهم باساليب من التعذيب، في "بيوت الاشباح" ، لم يعهدها السودان من قبل ، كان بعض اعضائها قد تدرب عليها في ايران .. ولقد مات عدد من السودانيين الشرفاء ، تحت وطاة التعذيب ، واصابت الاعاقة عدداً اخر من الذين لم يقضى عليهم بالموت .. واتجهت حكومة الجبهة الى ارهاق كاهل المواطنين ، الذين شردوا من اعمالهم ، بالضرائب الباهظة ، وبالزكاة على ما لا تجب فيه الزكاة ، حتى تسيطر على كل الثروة من جهة ، وحتى تشغل الناس بالسعي خلف لقمة العيش ، عن اي تنظيم او تخطيط لعمل سياسي ، من الجهة الاخرى .. كما انها ركزت على ازاحة التجار من السوق ، بتعقيد الاجراءات عليهم ، وتسهيلها لمنافسيهم من كوادر الجبهة ، حتى سيطر على السوق أيفاع الجبهة، وارغم على الخروج منه ، كبار التجار والمستثمرين ، الذين ظلوا فيه، لفترات اكبر من اعمار اولئك الايفاع ..

    ولقد بلغ الشعب السوداني ، من الفقر والفاقة ، على يد حكومة الجبهة ، ما دفع الحرائر الى الانحراف ، ومع ذلك كان اعضاء الجبهة ، يبنون العمارات العالية ، ويركبون العربات الفارهه ، وكلما ازداد المواطنون جوعاً ، ازدادوا هم تخمة ، ووظفوا اموالهم للمزيد من إفساد الفقراء ، واستغلالهم ..
    ولقد تردى التعليم ، بفقد ابسط مقوماته (المدرس والكتاب) ، وعوضت حكومة الجبهة عن التردي في جامعة الخرطوم ، بانشاء عدد من الجامعات كأسماء بلا محتوى ولا امكانات .. أما قطاع الصحة ، فقد كان أسوأ من قطاع التعليم ، اذ اصبح المرض حتى لو كان مجرد ملاريا يعني الموت !! ولقد عجزت حكومة الجبهة ، عن ان توفر ابسط الادوية او العناية في مستشفى الخرطوم ، دع عنك الاقاليم .. ولقد نزح الاف المواطنين من الريف الى العاصمة لعدم وجود الحد الأدنى من الخدمات الأساسية في الاقاليم.

    ثم ان حكومة الجبهة ، وجهت كل صادرات السودان ، على محدوديتها ، لشراء السلاح ، وانشأت قوة مسلحة جديدة ، سمتها الدفاع الشعبي زودتها بالسلاح ، والعتاد ، لتدعم بها الجيش النظامي ، ظناًُ منها انها بذلك سوف تقضي على المعارضة المسلحة في الجنوب .. وبالاضافة الى الانفاق على اعضاء الجبهة ، من الوزراء والوكلاء والوجهاء والمسئولين السياسيين الذي تضخمت اعدادهم بسبب ارضاءات الكوادر ، زاد الصرف على أجهزة الامن ، باعتبارها أهم الاجهزة التي تحافظ على السلطة .. ثم صرفت اموال لا حد لها، على الحملة الاعلامية الضخمة ، التي قصد منها تعبئة الشعب في اتجاه الحرب ، وصاحب هذا التضليل المنظم، الذي اتجه الى غسيل مخ الشباب ، استغلال بشع للدين في حرب جائرة لا علاقة لها بالاسلام من قريب اوبعيد .. فقد قتل الآف المواطنين في الجنوب ، وفي جبال النوبة ، ونزح الملايين من قراهم ، واسترق بعضهم بواسطة القبائل العربية التي سلحتها الحكومة ، وضمتها الى الدفاع الشعبي ، مما اساء الى سمعة السودان حين اصبح ملفه من اسوأ الملفات لدى كافة المنظمات الدولية لحقوق الانسان ..

    وبعد سنوات من الفقر والقهر والفشل الذريع ، أدى المشروع الحضاري ، الذي كان يفترض ان يوحد السودانيين ، الى انقسام الجبهة على نفسها ، بين جماعة البشير وجماعة الترابي ، الذين انشغلوا بكيل التهم لبعضهم البعض (اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب) .. ووضح للشعب ، بعد هذه التجربة المريرة، الماثلة ، ان هذه الجماعة لا علاقة لها بالعدل والخير، الذي تبشر به الاديان ، وظهر انها مجموعة من السياسيين المنافقين ، يصطرعون على كراسي السلطة ، دون أي اعتبار للقيم أو الخلق أو الدين ..

    لقد كانت حكومة الجبهة ، تستر مخازيها، وفشلها المتكرر، بدعاوى تطبيق الشريعة الاسلامية ، وتصر على الحرب ، رغم الهزائم العسكرية المتلاحقة ، بحجة انها لن تترك فريضة الجهاد !! وكانت وسائل الاعلام ، مسخرة لدق طبول الحرب ، واذاعة اناشيدها ، ومن ذلك مثلاً :
    ليش ليش يا مجاهد ما تتقدم
    للحور والجنة تكسب تغنم
    لا تهاب الدانا ما تخشى لغم
    اعداء الله عايشين في وهم
    للغرب انصاعوا باعوا قيم[1]
    وبلغ التهوس والتضليل حداً ، بزعماء الجبهة ان يذيعوا من اجهزة الاعلام الرسمية، الاكاذيب الملفقة ، عن ان الاشجار كانت تكبر مع كوادر الجبهة ، وعن القرود التي كانت تفجر لهم الالغام!! وان يتقحموا المآتم ، ليوقفوا بكاء النساء ، على القتلى من ابنائهم ، بحجة ان اولئك القتلى شهداء، وانهم زفوا الى الحور العين ، فيجب ان يفرح اهلهم ولا يبكوا !!

    فماذا حدث لحكومة الجبهة الآن ؟ ولماذا تنازلت عن الجهاد ، ووقعت الاتفاقية العسكرية مع الجيش الشعبي لتحرير السودان ، والتي ينسحب ، بموجبها ، جيش "المجاهدين" ، من ارض "الاعداء" نهائياً ؟! بل لماذا رضيت ان تقاسم ثروة "المسلمين" ، مع "الكفار" ؟! واذا كان اعضاء الجبهة يصفون في قصيدتهم ، من انصاع للغرب ، بانهم اعداء الله ، فلمن ترى قد انصاعت حكومة الجبهة لتتنازل عما فقدت فيه دماء المئات من ابنائها؟! ولقد بلغ التخبط والفشل والتراجع ، بالجبهة ان اعلن مفكرها وعرابها ومرشدها د. الترابي ، ان الحرب التي كان يروج لها على انها جهاد ، ليست كذلك. وان (عرس الشهيد) و (الحور العين) وكل ما كان يمني به المضللين ، من الاغرار، الذين سيقوا الى اتون الحرب معصوبي الأعين ، انما كان مجرد كذب وتضليل، لأن الحرب نفسها ، لم تكن جهاداً وانما كانت مجرد نزاع سياسي ، مثلت حكومة الشمال الطرف الظالم فيه!!

    واذا كانت حكومة الجبهة، قد انصاعت للضغوط الاجنبية ، وللرأي العام العالمي ، للحد الذي جعلها تعطل احكام الشريعة في الجهاد ، فما معنى هذه الزوبعة المفتعلة ، في أمر تطبيق الشريعة في العاصمة القومية؟! واذا كانت حكومة الجبهة ، قد قبلت في اطار السودان الموحد ، ان تعفي المواطنين الجنوبيين ، في الجنوب ، من الشريعة فما الذي يمنعها ان تعفيهم عنها ، وهم في الشمال ؟! أليس الشمال والجنوب ، مسئولية الحاكم المسلم على السواء؟!
    لقد اقترحت الحركة الشعبية ، عدم تطبيق الشريعة في العاصمة القومية ، باعتبارها ممثلة لكافة المواطنين السودانيين . فرفضت الجبهة هذا الاقتراح ، واصرت على تطبيق الشريعة في العاصمة فعادت الحركة وقبلت تطبيق الشريعة في العاصمة ، ولكنها طالبت باستثاء غير المسلمين المقيمين في العاصمة، من هذا التطبيق فرفضت الجبهة هذا الاقتراح ، مصرة على تطبيق احكام الشريعة على اناس لا يؤمنون بها ، ولا يدينون بالاسلام ، بحجة انها لا تقبل بوجود قانونين في دولة واحدة !! أليس هناك بالضرورة قانونين ، بمجرد عدم تطبيق الشريعة في الجنوب؟! ماذا لو ذهب مواطن مسلم من الشمال ، وشرب الخمر في الجنوب ؟ فان لم تطبق عليه احكام الشريعة، اختلفت معاملته من نظيره ، الذي يرتكب نفس الجرم في الشمال مما يسقط المساواة بين المواطنين .. أما لو طبقت عليه احكام الشريعة لانه مسلم فهذا يعني ان اساس العقوبة شخصي وليس جغرافي ، فان كان ذلك كذلك، فلماذا لا يستثنى غير المسلمين ، من احكام الشريعة ، لعدم اسلامهم حتى لو كانوا في العاصمة؟

    هذا الاضطراب والتخبط ، هو ما تدخل به حكومة الجبهة المفاوضات الآن !! ولكن الشريعة كما نصت عليها النصوص ، وقام عليها تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت واضحة ، ولم تلق بالاً لمعتقدات غير المسلمين ، وانما حكمت فيهم الشريعة .. قال تعالى (وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) جاء في تفسير هذه الآية ( .. "فاحكم بينهم بما انزل الله" أي فاحكم يا محمد بين الناس عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم بما انزل الله اليك من هذا الكتاب العظيم ... "ولا تتبع أهواءهم" أي آراءهم التي اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما انزل الله على رسله ولهذا قال "ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق" أي لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به الى أهواء هؤلاء من الجهلة الاشقياء). [2] هذا هو حكم الشريعة الواضح ، فاذا كانت حكومة الجبهة متمسكة بالشريعة ، فعليها تطبيقها على المسلمين ، وغير المسلمين في الشمال والجنوب ، وان عجزت عن ذلك لاي سبب فلا داع للاصرار على الشريعة بعد ذلك .. اللهم الا اذا كانت الجبهة ، تريد القوانين الاسلامية ، لتقمع بها خصومها ، وتضلل الشعب ، بانها انما تطبق شرع الله فلا يمكن الاعتراض عليها ..
    ان تطبيق احكام دينية ، على شخص لا يؤمن بها ، وان ناسب الوصاية التي قامت عليها الشريعة في القرن السابع الميلادي ، الا انه مخالف لاصل الدين، حيث حرية المعتقد مكفولة لكل فرد .. قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، كما انه مخالف لكافة مواثيق حقوق الانسان ، ومكتسباته الحضارية الحديثة ، التي كفلت حرية العقيدة لكل مواطن .. فتطبيق الاسلام اليوم ، لا يمكن ان يقوم على الشريعة ، وما فشل حكومة الجبهة ، الا دليلاً على ما ظللنا نردد من زمن بعيد ، من ان تطبيق الاسلام لا يتاتى الا بتطوير التشريع ، بالانتقال من فروع القرآن الى أصوله ، وهو أمر مفصل في كتب الاستاذ محمود محمد طه فليراجع.

    ان ضعف الاحزاب التقليدية ، وعجزها ، هو الذي مد في عمر حكومة الجبهة الى هذا الوقت ، ولا تزال الجبهة ، تتلكأ في التوقيع على اتفاقية السلام ، رغم الضغوط الدولية عليها ، وتتذرع بالشريعة لظنها ان الاحزاب التقليدية ، لا تستطيع ان ترفض موضوع الشريعة ، ولا يستطيع قرنق بطبيعة الحال ، ان يرفض تطبيق الشريعة في الشمال ، نيابة عن الشماليين ، بينما الشماليون ، الذي وقعوا معه في اسمرا ، على فصل الدين عن الدولة ، قد لاذوا بالصمت ، حين اصبح التوقيع على الاتفاقية ، يتوقف على أمر الشريعة !!
    لقد أنى لهذه الاحزاب ، ان تقف موقفاً مشرفاً واحداً ، تنتصر به على ماضيها ، فترفض تطبيق الشريعة في الشمال ، بناء على تجربة الجبهة الفاشلة ، وتسمع هذا لكل العالم ، حتى تساعد في ضغط الجبهة ، للتنازل الاخير عن هذه الشعارات التي لا تعنيها ، الا بالقدر الذي يحفظ لها السيطرة على الحكم ، ويباعد بينها وبين مؤاخذتها على جرائمها ..
    ان المرحلة الانتقالية ، يجب الا تكون مرحلة قوانين الشريعة ، وانما مرحلة انقاذ السودان ، من عقابيل حكومة الانقاذ في النواحي الاقتصادية ، وفي التعليم ، وفي الخدمة المدنية ، وفي السياسة الخارجية ، على ان يوظف الاعلام ، لفتح المنابر الحرة ، ليتناقش الشعب في موضوع الشريعة وغيرها ، حتى يتبلور الراي العام الواعي ، الذي على هداه تتم الانتخابات ، في المرحلة القادمة.. وهذا هو الواجب الاساسي للحكومة الانتقالية: اصلاح الفساد الذي زرعته الجبهة ، واشعال الوعي الذي يعصم الشعب ، من تكرار التجارب الفاشلة .. وحتى يتاتى ذلك لا بد من الضغط على حكومة الجبهة للتنازل عن القوانين القمعية ، التي اسمتها زوراً وبهتاناً ، بالشريعة الاسلامية .

    عمر القراي

    -------

    1 - انظر صفحة اتحاد الطلاب السودانيين على العنوان http:/www.sudaneseonline.com/fonons3.htm
    2 - تفسير ابن كثير –الجزء الثاني ص63
                  

04-04-2008, 04:05 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

04-04-2008, 04:13 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المطمع المستخفي والعطف المستعلن[/align:48b8f67925]

    اتهم الكاتب (الاسلامي) المصري د. فهمي هويدى الحركة الشعبية لتحرير السودان بانها أداة في يد اسرائيل ، ونشر هذا الاتهام المغرض ، في جريدة الخليج الاماراتية ، الواسعة الانتشار بالوطن العربي ، في محاولة لاستعداء العرب بالتلويح لهم بتدخل اسرائيل التي يظهرون عداءها .. وهو في كل هذا لا ينطلق من الحرص على مصلحة السودان ، وانما تدفعه مصلحة مصر وتصوره المتوهم لمعاداة اسرائيل لها!! فالكاتب وهو يعترض على اتفاق السلام بدعوى مصلحة مصر، انما يصور مصلحة مصر ، وكانها تتحقق باستمرار الحرب، التي قتل فيها عشرات الآلاف ، ونزح بسببها الملايين ..
    يقول هويدى (النجاح الذي احرزته الحركة الانفصالية في جنوب السودان بتحولها الى شريك في حكم الخرطوم لا ينبغي ان ينسينا حقيقة مسكوتاً عليها هي ان تلك الحركة كانت منذ البداية اداة استخدمتها اسرائيل لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو: اضعاف مصر وتهديدها من الخلف ...)!! فهو يسمي الحركة الشعبية لتحرير السودان "الحركة الانفصالية" وكأن هذه الحركة دعت يوماً في ادبها المنشور او المذاع للانفصال ، او كأنها لم تحارب داخل فصائلها ، وتقاوم في الخارج ضد التيارات الانفصالية ، التي تزعمتها لردح من الزمان حركة الاسلام السياسي التي تتفق في كافة اطروحاتها مع الآراء التي يروج لها د. فهمي هويدي .. وحين يبخس هويدي الحركة الشعبية نضالها ، وحقها في المشاركة في السلطة ، يبرر ذلك بزعمه ان اسرائيل قد استخدمت الحركة الشعبية لتحقيق هدفها الاستراتيجي في اضعاف مصر!!
    وحتى يوهم الكاتب (الاسلامي) قراءه بان ما يشيعه من الاقاويل حقائق ، قال (وفي اطار تلك الاستراتيجية قامت عناصر من الموساد بفتح خطوط اتصال مع تلك الاقليات التي في المقدمة منها الاكراد في العراق والموارنة في لبنان والجنوبيين في السودان) ولم يحدثنا ما هي الخطوط التي فتحتها الموساد مع تلك الاقليات ، وكيف ومتى تم ذلك؟ وهل مطالبة هذه الاقليات بحقوقها ، ومقاومتها للحكومات التي حرمتها هذه الحقوق ، يعتبر تعاوناً مع الموساد؟ على ان الكاتب اخبرنا بانه اعتمد على كتاب كتبه اسرائيلي عنوانه "افريقيا كمدخل على السودان" يكشف عن اطماع اسرائيل في دول افريقية محيطة بالسودان ، نقل تفاصيله وكأنها حقائق ، دون ان يخبرنا لماذا صدق هذا الكاتب ، ما دام يعتقد ان اسرائيل ، هي العدو المتربص بمصر ، والذي يمكن ان يضلل بمختلف الوسائل ..
    ان تقرير د. فهمي هويدى بان كل ما قامت به الحركة الشعبية ، لا يعدو ان يكون ايعازاً من اسرائيل لتضرب مصر من الخلف ، لا ينم عن جهل الكاتب بالسودان ، وبما قدمه ابناؤه في الجنوب والشمال، من تضحيات وضحايا ، بقدر ما ينم عن جهله بمصر وما يحدث فيها .. فقد هزمت اسرائيل مصر عام 1967 هزيمة منكرة قضت بها على تطلعاتها لزعامة الامة العربية عن طريق القومية العربية ، ثم هزمتها مرة اخرى بمساعدة امريكا عام 1973 مما اضطر الرئيس السادات - رحمه الله - للسلام الذي فرض على مصر تطبيع علاقتها مع اسرائيل ، الى يومنا هذا .. فهل تحتاج اسرائيل ان تدخل الى مصر من الخلف بعد ان دخلت من الامام ، وصارت مصر تتلقى المعونات الامريكية ثمناً لصداقتها مع اسرائيل؟!
    ويحدثنا الكاتب المصري ، نقلاً عن الكتاب الاسرائيلي ، عن كيف ان اسرائيل انشأت مشاريع اقتصادية عديدة في اثيوبيا ويوغندا ، وكأنه يفترض ان هذه الدول ، كان ينبغي الا تتعامل مع اسرائيل لأن اسرائيل عدو للعرب!! فهل اثيوبيا ويوغندا دولاً عربية حتى ترفض مساعدات اسرائيل؟ أليس من السذاجة التي لا تليق بأي مفكر، ان نطالب الدول الافريقية بمقاطعة اسرائيل ، وان نصف تعاملها معها بالخيانة والعمالة ، بينما تقيم معظم الدول العربية وفي طليعتها مصر اوثق العلائق مع اسرائيل؟ ولقد ربط الكاتب بين مساعدات اسرائيل لهذه الدول وخاصة اثيوبيا ، وبين تعاون اثيوبيا مع الحركة الشعبية ، ليخلص الى نتيجة مفادها ان اسرائيل تساعد الحركة الشعبية من خلال اثيوبيا ، وان الجيش الشعبي لتحرير السودان ، لم يكن لينتصر في معاركه مع حكومات الشمال لولا العون الذي وجده من اسرائيل ..
    أكثر من ذلك ، فان الكاتب فهمي هويدي ، يقرر في عفوية لا يحسد عليها ، بان اسرائيل هي التي صورت للجنوبيين ان الصراع (مصيري بين شمال عربي مسلم وجنوب زنجي افريقي مسيحي) وهكذا يختصر هذا الكاتب المصري ، في غرور وتعالي ، نضال قطاع كبير من الشعب السوداني ، هو الاخوة الجنوبيون الذي شاركوا في هذه الحرب ، لعدة سنوات، لشعورهم بالظلم وحرصهم على الحرية والمساواة ، فيصوره بانه تم لمجرد ايحاء من اسرائيل!! يقول هذا وكأن حكومات السودان لم تخطئ حين اتخذت الحرب سبيلاً لحل مشكلة الجنوب ، او انها لم تظلم الاخوة الجنوبيين ، بدوافع من العنصرية ، ودوافع من الفهم الاسلامي السلفي المتخلف الذي يرزح تحته هويدي وامثاله من دعاة الاسلام السياسي، مهما تدثروا بدثار التحرر والحداثة .. والا فليحدثنا لماذا صمت حين كانت حكومة الجبهة الاسلامية ، تعلن الجهاد على المواطنين السودانيين في الجنوب ، فتحرق القرى الآمنة ، وتنشر الدمار والخراب؟! بل لماذا صمت حين قتل المسيحيون المصريون في قرية الكشح؟! لماذا سكت فهمي هويدي وامثاله، حين استعانت حكومة السودان ، ببعض الدول العربية ، في حربها ضد الجيش الشعبي ، وجاء ليحدثنا عن استعانة الجيش الشعبي باثيوبيا أو امريكا او اسرائيل؟!
    ان الكاتب المصري (الاسلامي) ينطلق من نفس فكر الجماعات الاسلامية ، التي تدعمها المؤسسات الاسلامية السلفية ، التي تضغط على السلطة في مصر ، وتمنعها من انصاف المسيحيين المصريين ، وايقاف الاعتداء عليهم واشراكهم في السلطة بمستوى وجودهم في الشارع المصري .. وهو يريد للجنوبيين ان يضطهدوا باسم العروبة والاسلام، مثل اقباط مصر ثم يصمتوا ولا يقاوموا!! فان رفضوا ذلك ، وقاوموا الظلم ، فلا بد ان تكون اسرائيل هي التي دفعتهم لذلك ، وساعدتهم على تنفيذه ، وهم لهذا اعداء للامة العربية والاسلامية التي تمثلها حكومات السودان في الشمال.. وكل هذه افتراضات مغلوطة ، تنضح بالغرض ، وتتسم بالسذاجة وقصر النظر السياسي . فلا حكومات السودان تمثل العروبة، ولا الحركات الاسلامية ودعاتها امثال هويدي تمثل الاسلام ، وانما هم في الحقيقة يشوهون الاسلام، حين يعرضونه بمستوى يقبل الظلم الذي حدث للجنوبيين في السودان ، ويحدث للمسيحيين بمصر .
    ثم يحدثنا الكاتب المصري ، معتمداً على ما اورده الكاتب الاسرائيلي ، بان الموساد اختبر د. جون قرنق وتبناه ولهذا حصل على منحة دراسية في امريكا!! فهل كل سوداني او مصري يحصل على منحة في امريكا ، لا بد ان يكون قد رشحه لها الموساد ، فهو من ثم بالضرورة عميل لاسرائيل؟! وهل زيارة قرنق لاسرائيل ، تعني انه عميل لاسرائيل؟ فكم مسؤولاً مصرياً زار اسرائيل؟ وهل هم جميعاً عملاء في رأي فهمي هويدي؟ ولقد زار د. قرنق مصر اكثر مما زار اسرائيل فهل يعني هذا انه عميل مصري؟!
    ان الشعب السوداني في الجنوب والشمال لا ينتظر من احد- دع عنك هذا الكاتب (الاسلامي)- ان يحدثه عن الزعيم الوطني الدكتور جون قرنق . فقد اختبرته كل القوى السياسية ، خلال سنوات طويلة ، فلم يغير مبادئه ولم يحد عن مصلحة شعبه ، ولقد حاولت معه حكومات الشمال ، شتى وسائل الاغراء والخداع، فلم تحركه من موقفه ولم تزده مقاومتها ، الا صلابة لشدة ايمانه بقضيته .. فهل هذا ما كانت تريده اسرائيل؟ وهل كل عملاء اسرائيل بهذا الولاء لقضايا شعبهم؟!
    لقد عبر الكاتب ، عن قلق وانزعاج قطاع كبير من المثقفين المصريين حين قال (ان اسرائيل هي التي اقنعت الجنوبيين بتعطيل تنفيذ مشروع قناة "جونجلي" الذي تضمن حفر قناة في منطقة اعالي النيل لنقل المياه الى مجرى جديد بين "جونجلي" وملكال لتخزين 5 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً ويفترض ان يسهم المشروع في انعاش منطقة الشمال والاقتصاد المصري ، قالت اسرائيل للجنوبيين انهم اولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم)!! ولعل الكاتب المصري لا يعرف ان د. جون قرنق ، هو آخر من يحتاج لمن يحدثه عن مشروع قناة جونقلي ، لانه قد كان مشروع رسالته للدكتوراه .. وان السودانيين في الشمال والجنوب ، يعرفون ان للمشروع ايجابيات ذكرها قرنق في دراسته القيمة ، ولكن له ايضاً سلبيات منها ان حفر القناة يحسر المياه، التي كانت تغطي مساحة واسعة ، تنتج العشب الذي يشكل المرعى الاساسي لقطعان كبيرة من الماشية ، تعتمد عليها القبائل في تلك المنطقة . فحفر القناة يقضي على هذا الغطاء النباتي الرعوي الهام ، ويؤثر على حياة القبائل التي ظلت تقيم بهذه المنطقة لآلاف السنين . ولكن الكاتب المصري لا يعنيه كل هذا ، ولا يهمه ان تموت الماشية ، او يتشرد رعاتها ، مادام حفر القناة سيؤدي الى انعاش الاقتصاد المصري!!
    ان مصر الآن تاخذ من مياه النيل حصة اكبر مما تستحق ، اعتماداً على اتفاقية مياه النيل لعام 1929 والتي ابرمت بين دولتي الحكم الثنائي ، بريطانيا ومصر، بينما كان السودان غائباً تحت الاستعمار. فبناء على هذه الاتفاقية ، تاخذ مصر حوالي 58 مليار متر مكعب ، وياخذ السودان حوالي 19 مليار متر مكعب ، بينما يجري معظم النيل في السودان . ولقد انتبهت دول حوض النيل ، مؤخراً ، لهذا الخلل ودعت الى اعادة النظر في الاتفاقية ، التي درجت الحكومات السودانية المتعاقبة على اغفال امرها خضوعاً للضغوط المصرية .. فاذا ارتفع صوت وطني ، في السودان ، بضرورة مراجعة هذه الاتفاقية الاستعمارية المجحفة ، فان هذا بطبيعة الحال لا يرضي الاطماع المصرية ، التي عبر عنها الكاتب فهمي هويدي ، واتهم بسببها دول حوض النيل ، مثل اثيوبيا ويوغندا بالعمالة لاسرائيل ..
    ان مقال الكاتب المصري ، على ما به من خواء وسطحية ، يعبر عن محتوى قديم ، يقوم على الوصاية ، ويخشى على مصالح مصر في السودان ، ويظهر التعاطف مع السودان ومصيره ، بينما يجهد نفسه دون طائل لاخفاء ان الدافع الاساسي ، هو حرص المصريين على ابقاء مصالحهم في السودان مصانة ، بسبب غفلة السودانيين ، وانشغالهم بحرب اهلية تستنزف مواردهم ، ووقتهم ، وطاقتهم ، وارواح ابنائهم ..
    في خطابه للرئيس محمد نجيب بتاريخ 18/8/1952 كتب الاستاذ محمود محمد طه (وشئ آخر نحب ان نشير اليه هو علاقة مصر بالسودان ، فانها قامت ، ولا تزال تقوم ، على فهم سيئ .. فان انت استقبلتها بعقل القوي تستطيع تبرأتها مما تتسم به الآن من المطمع المستخفي والعطف المستعلن ، فان السودانيين قوم يؤذيهم ان يطمع طامع فيما يحمون كما يؤذيهم ان يبالغ في العطف عليهم العاطفون)

    عمر القراي
                  

04-04-2008, 03:45 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مسارب الضي
    يوم الفصل!

    الحاج وراق

    نتيجة اخطاء طباعية اخلت بالمعانى، فإننا نعيد نشر المادة مرة اخرى ، مع اعتذارنا للقراء ولصاحب العمود.
    * شكك المفكر البارز د. عبد الله علي إبراهيم في أهداف الذين يحتفلون بذكرى 18 يناير 1985م، يوم اغتيال الأستاذ محمود محمد طه... وقد أمر باغتياله - كما هو معروف - جعفر نميري أيام لوثة الهوس الديني التي انتابته آخر أيام حكمه، وذلك بتحريض من السلفين - داخلياً وإقليمياً، وبتواطؤ ملحوظ من غالبية الإسلاميين، ومشاركة مباشرة من بعض أدعياء التصوف، وهم قطعاً أدعياء لأن التصوف مشتق من صفاء النفس فيدفع المؤمنين به إلى الرحمة والتسامح، أما أولئك من قساة القلوب وغلاظ الأكباد فإن صوفيتهم المدعاة إنما صوفية «أم قرون» - تنطح ولا تدر!
    شكك د. عبد الله في ان المحتفلين بالذكرى ربما يريدونها نكاية بالإسلاميين أو تكأة لمعارضة الإنقاذ، واستطيع ان أطمئن د. عبد الله ، وقد كنت طوال الثلاث مرات التي تم بها الاحتفال في السنوات الأخيرة عضواً باللجنة القومية المنظمة للمناسبة، أطمئنه بأن الذكرى وان تضمنت بعض ما يخشاه د. عبد الله فإن القائمين عليها ظلوا يريدون بها ماهو أجل وأعمق من ذلك.
    * كان الأستاذ/ محمود مثالاً للسلام، يوصي تلاميذه ألا يطأوا بأقدامهم على «النجيلة»!، وكانوا يلتزمون انصياعاً له واقتداء به، وفي ذلك أحد الأمثلة العديدة لفكرة الأستاذ القاضية بأن المسلم الحق ذاك الذي تسلم الأشياء والأحياء من إيذائه... لم يرفع سلاحاً قط، وفي مواجهة الأسلحة الكثيرة التي قعقعت في وجهه وعلى جسده وأجساد تلاميذه لم يجزِ السيئة بمثلها، بل ولم يلوث قلبه بالضغينة أو البغضاء، كان في سماحة ورضى يحيا قولة المسيح عليه السلام: «أحبوا أعداءكم، باركوا لأعينكم أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم...»!
    وأياً كانت الآراء التي دعا إليها الأستاذ/ محمود «غريبة» على الناس، فقد دعاهم إليها بسلام وفي حرية، لم يدبر إنقلاباً ولم يلهم عملاً مسلحاً، كما لم يدرب الاتباع أو يخزن السلاح، فقدم بذلك أنموذجاً صافياً للفكر، وبذا وضع سؤال الحرية بصورة صافية نقية لا يعتورها أدنى كدر، والسؤال هو: هل الحرية للآراء التي نوافق عليها وحدها، أم ان الموقف المبدئي يقتضي بأنها مطلوبة أكثر ما تكون مطلوبة إزاء الآراء التي تختلف معها؟!
    وهو ذاته السؤال - بصياغة أخرى - عن الموقف من إغتيال الأستاذ/ محمود... وتشكل الإجابة عليه حداً فاصلاً بين دعاة الديمقراطية والإستنارة من جانب، وبين سدنة الطغيان والظلامية من الجانب الآخر.
    وهكذا فإن الاحتفال بيوم 18 يناير إنما يعني الاحتفاء بحرية الضمير، بحرية التعبير، وبكلمة يعني الاحتفاء بالديمقراطية وحقوق الإنسان.. وبمقدار ما تتناقض هذه القيم مع الإسلاميين ومع الإنقاذ بمقدار ما يكتسب الاحتفال طابع النكاية بالإسلاميين والمعارضة للإنقاذ، وبمقدار ما يستشعر هؤلاء في المناسبة عملاً عدائياً موجهاً تجاههم!.
    * ولأن حرية الاعتقاد« الضمير» هي بداية كل حرية أخرى، فقد كانت الحد الفاصل بين الأزمنة القديمة والأزمنة الحديثة، بين أزمنة الكهنوت والطغيان والظلامية، وبين أزمنة المدنية والتحرر والاستنارة.. وبهذا المعنى فإن اغتيال الأستاذ/ محمود ، يشكل أهم أحداث القرن العشرين في السودان، والحد الفاصل بين زمنين، تماماً كما شكلت ابتسامة الموناليزا عنواناً لنهضة أوروبا، فإن ابتسامة الأستاذ/ محمود على منصة الإعدام، كما قلت وأكرر، ستظل عنواناً لحرية ونهضة وتمدن السودان!
    * وإضافة إلى مغزى الحرية فإن 18 يناير يتضمن كذلك مغزى السلام، وكلاهما هدفان مترابطان، حيث ان أهم مصادر العنف ذاك الذي تثيره الجماعات التي تود فرض قناعتها على الآخرين بالقسر والإكراه... وفي المحيط الإسلامي فإن جماعات الهوس الديني والإسلام السياسي إنما تحركها قناعة امتلاكها الحقيقة المطلقة، وقناعة ان الآخر المختلف إما غفل غر فتفرض عليه الوصاية وإما ضال أو زنديق أو كافر مرتد، ووسائل «هدايتها» لهؤلاء معروفة في ثنايا التاريخ الإنساني والسوداني. لقد قاد إدعاء الحق المطلق دوماً إلى الوسائل الشريرة ، قاد إلى الطغيان، وإلى تفتيش الضمائر ومحاكمة النوايا، وإلى حرق العلماء والمفكرين، وإلى المجازر والحروب الدينية!
    * وقد أكدت تجارب التاريخ قديماً وحديثاً بأنه إذا انفتح باب قتل الآخرين بدعوى ارتدادهم فإن هذا الباب سينفتح واسعاً وعلى مصراعيه، حيث كل جماعة دينية ترى في نفسها تجسيداً للعقيدة القويمة وفي الآخرين عنواناً لفسادها، وإذا كانت الوهابية- كمثال -محقة في موقفها من اغتيال الأستاذ/ محمود فإن الخليفي وعباس الباقر كذلك محقان في فتواهما التي كتبت بالرصاص عن الوهابية!
    وعباس الباقر والخليفي، رغم غلوائهما وقسوتهما، اللتان دفعتهما إلى فتح النار بدم بارد على المصلين من الأطفال والنساء، فإنهما ليسا نهاية المطاف، هناك الكثيرون الذين يرون فيهما «رخاوة» إزاء «الكافرين»!! مما يعني في التحليل النهائي ان تدور طاحونة الاغتيالات والدم بلا قرار وبلا نهاية!
    * وهكذا فإن 18 يناير بما هي دعوة للحرية ولقبول الآخر وللتسامح، فإنها في ذات الوقت دعوة للسلم الأهلي، للمنافسة السلمية بين المعتقدات والآراء المختلفة.. وبمقدار ما تكون هذه القيم عزيزة لدى كل سوداني، فإن ذكرى 18 يناير ستظل عزيزة بذات القدر!.
    http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=164&col_id=5&bk=1
                  

04-04-2008, 03:45 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ومع ذلك
    دار الشيخ أبي زيد الجعلي للمعرفة بمدينة عطبرة

    د. عبد الله علي ابراهيم

    طربت نفسي لخبر افتتاح دار المرحوم الشيخ أبي زيد محمد الأمين الجعلي للمعرفة بمدينة عطيرة خلال الإسبوع الماضي. وهي فكرة أطلعني عليها ابنه الصديق الكاتب محمد في آخر الثمانينات. فقد بات يعروه هم هذه الدار براً بالوالد. وقد أرادها صدقة جارية له في آخرته على جميل إحسانه في الناشئة العطبراوية الذين علمهم الدين والعربية بمدرسة عطبرة الأميرية من لدن تخرجه من المعهد العلمي في الثلاثينات. ونوهت بفكرة دار الشيخ في كتابات متفرقة لبيان الخير الذي يقع لنا من باب هذا الإستثمار الحسن في الوالدين. وكنت أقرن بها مكتبة البشير بامدرمان التي هي صدقة من إبنه ومشروع مكتبة بالنهود لذكرى المرحوم عبدالساتر تكفل بها إبنه وصديقنا العذب الدكتور علي عبدالساتر.
    عرفت الشيخ معلماً بالوسطى ولم أكن من بين خلصائه من الطلاب. فقد كنت مشوشاً فوق ماتطيق هدأته الغراء. وأذكر أنه تأخر يوماً علينا في الحصة وكان معزوماً لفطور في مناسبة حج المرحوم فريجون ناظر المدرسة الثانوية. ولما عاد كان مطلبي منه ان يأذن لي بالخروج من الفصل لتعاطي شربة ماء: فندي فندي فندي. وأستاء المرحوم وقال: «تركنا طيبات الرزق عند فريجون لأحضر للفصل لتروية عطشك. . . غور». ومع ذلك تحالف معي حين نهضت بالجمعية الدينية بالمدرسة وحررت جريدة حائطية إخترت لها إسم «البشير». وكنت أريد بذلك الكيد للجمعية الثقافية الرسمية التي لم تخترني المدرسة لعضويتها. ثم واصلت الكيد بعد ذلك بإصدار جريدة «الشعلة» الحائطية «المستقلة» مع شلة اصدقاء فيهم المرحوم صابر بحاري وفتحي فضل (وقد ذكرها فتحي بالخير في يوم قريب على صحيفة الفجر اللندنية). وأشرف عليها المرحوم سعد امير. ثم تجددت صلتي بالمرحوم في آخر السبعينات حين لزم السرير بالسكري بمنزل بنته بالثورة. وكنت أجده يقرأ «رياض الصالحين» كلما زرته في صحبة الدكتور علي سليمان فضل الله.
    وقد إرتفع المرحوم في نظري أضعافا مضاعفة حين قرات كتاب «من دقائق حقائق الدين» للمرحوم محمود محمد طه. فالكتاب عبارة عن خطاب رد فيه المرحوم على رسالة وصلته من شيخ ابي زيد. وقد كانا إجتمعا بعطبرة حين عمل محمود بالسكة الحديد في الثلاثينات وتواثقا بالمحبة. وواضح أن الشيخ قد إنزعج لما بلغه من تكفير محمود عام 1968 وخاف أن يكون صديقه قد أخذته شطحة صوفية فارق بها النص الشرعي. فكتب له الرسالة التالية في إرادة الخير له:
    الصديق القديم محمود أفندي محمد طه
    المحترم
    السلام عليكم ورحمة الله. وقع في يدي كتاب «العبادلة» للشيخ الكبير محي الدين بن عربي، رضي الله عنه، ورأيت في رسائلك أنك ترتضي قوله وتستدل به علماً سديداً. واليك أهدي كتابه هذا «العبادلة» لتطلع عليه إن لم يكن وصلك قبلاً. فإن وصل اليك فلله الحمد وإن كان مكرراً عندك فآسف أن ترده الي ولك الشكر. ولقد لقيت شخصية أتأكد أنها توصله اليك والله يجمعنا علي الحق ويبصرنا به إنه سميع مجيب ولك الشوق والسلام.
    ولم يكن المرحوم محمود قد إقتنى كتاب «العبادلة» وقال إنه لم يره من قبل ولم يسمع به. وأستأذن في الإحتفاظ به واضاف «فجزاك الله عن صديقك القديم كل الخير ولازلت وفياً بالأصدقاء، كثير البر بهم، وإن تقادم العهد بهم، كعهدي بك دائماً». ومع ذلك لم من تغب على المرحوم محمود « النكتة» البلاغية من هذه الهدية الموجهة وصارح شيخ أبازيد بذلك. فأبن العربي في مواضع عديدة من «العبادلة» يحذر السالكين طريق التصوف من تقديم الكشف على النص لأن الكشف الصحيح لا يأتي الإ موافقاً لظاهر الشريعة. وبادر المرحوم الى تطمين الشيخ الى أمرين أولهما «أني لم اضع ميزان الشرع من يدي، وثانيهما أني لم أبن شيئاً من أمري على كشف يخالف النص». ثم واصل المرحوم في نحو 70 صفحة يشرح لشيخ أبي زيد جلية دعوته المعروفة.
    يفوت علينا مثل صوت شيخ أبي زيد الوقور يدعو بالموعظة الحسنة بولاء للحق وللصداقة في حمى التكفير والتأثيم التي إكتنفت محموداً. فلقد أراد بصديقه وبالدين خيراً فتكفل بهدية من حر ماله كتاباً قد يهدي الي التي هي أقوم. ولم تكن له رمح من الرماح التي تكسرت على فكر وجسد المرحوم .
    وباسم مدينتي ومحبي الثقافة في بلدنا والداعين الي تحكيمها فيما اشتجر من أمرنا، اقول لمحمد أبوزيد والأسرة وللدوحة الجعلية قاطبة بارك الله فيكم وزادكم من نوامي البركة وسابغ الإحسان على صنيعكم الثقافي، ورحم الله شيخ أبا زيد وانزله منازل الصديقين والشهداء والعلماء
    http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=186&col_id=14&bk=1
                  

04-04-2008, 03:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    من اقاصي الدنيا
    الثقافة.. والإبداع المسلح!!

    محمد محمد خير

    عزيزي ود محمد خير..
    عوداً حميداً إلى شعب الفاءات الثلاثة.. الفول والفقر والفلس.. حضورك دائماً قدم خير اذ استقبلتك في المرة السابقة مباراة نيفاشا بين الوريثين «الشرعيين» للشعب المنكوب وهاهى المباراة الثانية ولما تنتهي الأولى بعد، فالميدان واسع وعريض «يشيل» كل المنتخبات الاميركي والانجليزي والالماني وحتى الاسرائيلي (يعني دافوري راسو عديل) وما زالت الكنكشة متواصلة ولعل آخرها اصرار الصقور على عدم قيام المؤتمر الدستوري الجامع الذي يدعو له متفرجو المساطب على مباراة نيفاشا.
    * دعني وبمناسبة عودتك وعودة الثقافة الى الخرطوم عاصمتها ان اهنئك واهنئ الشعب السوداني على الاكتشاف المذهل بأن السودان وبقرار من اللجنة التي انتخبت نفسها «على طريقة الاجماع السكوتي» دعوة أكثر من سبعمائة كاتب وأديب بعد تعيينهم كتاباً وأدباء ولا ادري ان كان ضمنهم كتاب «عرض الحالات» الذين يجلسون امام المحاكم بخطهم الجميل الذي تحسدهم عليه روشتات الدكاترة أم لا..!
    في السودان وبقرار شبه رسمي أكثر من سبعمائة أديب وكاتب- بعضهم أعيد تعيينه رغم حصوله على تأشيرة خروج من مكتب الهجرة إلى العالم الآخر، وبعضهم تم تعيينه أكثر من مرة وبعض ثالث أجريت على اسمه عملية صيانة وتعديل فمثلاً مصطفى سند رقم 345 في القائمة تحوّل بعد الصيانة الى مصطفى محمد سند رقم 374 في نفس القائمة وقد حز في نفسي كثيراً أن تتجاهل القائمة مبدعاً ظل يبدع في السودان لسبعة عشر عاماً أو أقل.. انه المشير جعفر نميري، أليس هو مؤلف الشريعة الاسلامية لماذا...؟ أليس هو الذي فعل البدع في العلماء والأدباء حتى هربوا تاركين له السودان ولاتحاده الاشتراكي؟
    إين اتحاد كتاب وادباء السودان يا أهل التمكين..؟
    إن كشوفات التعيين بواسطة اللجنة التي انتخبت نفسها إن دلت على شئ فإنما تدل على انها ليست مواكبة للحراك الثقافي والابداعي بدليل عدم تفريقها بين المبدع وبين الكاتب التقليدي من ناحية وبين كاتب عرض الحالات وكاتب الحجبات من الناحية الأخرى ، أضف الى ذلك تجاهل اللجنة لتعيين بعض الصحافيين المرموقين في حين انها عينت غيرهم.
    وعلى الرغم من أنني «وبلا إدّعاء» مدمن قراءة لأكثر الصحف اليومية والأسبوعية فان اسماء اكثر من 60% منهم لم اقرأ لأىٍّ منهم كتاباً أو مقالة أو رواية أو قصة أو قصيدة أو حتى نكتة من النكات التي ترد في ملحق الصحافة عدد الجمعة.
    الابداع يا حضرات السادة لايخرج من ملفات الوزارات ولكنه يتولد من الاحساس بالظلم، وأوجاع المطحونين وانين المسحوقين وصرخات الجياع وقوافل الفاقد التربوي، وجيوش العطالة التي هزمها الاحباط.
    وحين يصبح الإبداع قراراً حكومياً أو شبه حكومي فما على المبدعين حقاً الا ان ينصبوا صيوان المأتم ليتقبلوا العزاء في المرحومة الثقافة.
    الإبداع هو التسامي الى اعلى وليس الانحدار الى القاع.
    إن الحملان لاترتع في وادي الذئاب!!
    والطيور ولا تغرد داخل الاقفاص!!
    والورود لاتتفتح في الليالي المدلهمة!
    اتركوا الابواب والنوافذ مفتوحة على مصاريعها ليدخل الهواء الطلق من كل الاتجاهات ولا داعي للمواربة وتظليل الزجاج الذي يحجب الرؤية.
    وليأت كل مبدع إبداعه وكل كاتب كتابه بيمينه أو من وراء ظهره- ساعتها ستقرر الثقافة من الذي يصلى سعيراً ومن الذي ينقلب الى اهله مسروراً.
    أما أدباء وكتاب العطف الحكومي فلا يعدون أن يكونوا ابواقاً للسلطة ينتهي نهيقها بانتهاء مراسم الدفن.
    من الذي جرّع سقراطاً السم ...؟ ومن الذين أعدم محمود محمد طه..؟ ومن الذي فتح السجون لاصحاب الرأى الآخر في كل زمان ومكان..؟ و من الذي «سيّخ» الثقافة حتى فقدت «طيبتها» وبريقها ولمعانها...؟
    أفتونا يا أباطرة الثقافة المسيخة.
    فؤاد أحمد عبدالعظيم

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=508&col_id=15
    _________________
                  

04-04-2008, 03:47 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مكى أبوقرجة

    وما زال يحــــــــدجهم بنظــــرته فيرتعــــــدون
    «لا حجر أثمن من الرغبة في الثأر للبرئ
    لا سماء أسطع من صباح يسقط فيه الخونه
    لا سلام على الارض اذا اغتفرنا للجلادين»
    بول ايلوار...
    حين جئ به يحيط به حراسه يرسف في قيوده، مغمض العينين يسعى الى المشنقة بخطو ثابت وقامه منتصبه كان هناك حفنة من قضاة نكرات وقفوا لتوهم ليشهدوا تنفيذ حكم الاعدام فيه، اعتلى المنصة.. هدرت الجموع.. تعالى الهدير منبعثا من السجن كأنما كان يصدر من جهات الارض الاربع.. (لن ترتاح يا سفاح).. كشفوا الغطاء عن وجهه فنظر الى الجماهير المحتشده منذ الصباح الباكر ذات اليمين وذات اليسار وابتسم.. ومن ثم القى بنظرة على القضاة الواقفين في صف الى جانب المشنقة فطأطأوا رؤوسهم ونكسوها.. ما احتملوا نظرته تلك وهو راغب عن عالمهم الفاني الى رحاب الخلود.. طأطأوا رؤوسهم وارتجفوا وما رفعوها حتي الان.. ولا يعلم الا الله ماكان يدور بأخلادهم في تلك البرهة النادرة في تاريخ السودان.
    بعد خروجه من المعتقل مباشرة في 19 ديسمبر 1984 اي قبل شهر من اعدامه، اعلن الاستاذ محمود محمد طه موقفه بقوله: (نحن اخرجنا من المعتقلات لمؤامرة، نحن اخرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للاذلال والجوع بصورة محزنة، ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق، وكل ما يحتاج ان يقال اليه في نفسه قلنا له ومايو تعرف هذاالامر عنا ولذا اخرجتنا من المعتقلات لتسوقنا مرة اخرى، ليس لمعتقلات امن الدولة، وانما لمحاكم ناس المكاشفي، لكن نحن لن نصمت)...
    في ذلك الضحى الرمادي الشتائي الاغر القادم من ظلمات القرون الوسطى اقيمت مشنقة خصيصا في قلب العاصمة الخرطوم ليتم تنفيذ حكم الاعدام في واحد من اشرف واعظم المفكرين الاسلاميين المعاصرين..رجل ما عرف منذ نضارة الصبا الاّ بالخلق الكريم والذكر الحسن، يذكره اضرابه طلاب غردون القديمة في الثلاثينات ويقولون ان نسيجه كان مختلفا، وسلوكه كان نموذجا للآخرين.. ما عهدوا فيه نزقا ولا التواء.. وحينما تخرج وعمل مهندسا في مختلف انحاء الوطن، كان قدوة وملهما وقائدا وصديقا للفقراء والمساكين وابناء السبيل والدراويش العابرين.
    كنا نسمع عنه ونراه في طفولتنا بمدينة كوستي.. كان يتردد عليها حيث عمل لفترة من الزمن يخطط مشاريع القطن الواقعة جنوب المدينة.. التي صار يختلف اليها من وقت لآخر..حيث اكترى دارا في حي المرابيع كان مهوى لطلاب الحاجات والمساكين والباحثين عن تجديد ذواتهم بالدين والفكر.. ولا يزال الكثير من اهل المدينة يروون قصصا اغرب من الخيال عن كرمه وانفاقه وايثاره. الامر الذي كان يعبر عن دخيلة تحررت من الذاتي وسمت لمعات الدنيا وزخرفها .
    عاش الرجل عقودا من الزمن منسجما مع ذاته متوحدا.. بعد ان كدح في سبيل ذلك كدحا يقعد عنه الرجال حتى استطاع ان يقهر النفس وينفذ الى حقيقة الاشياء.. كان لا يفتأ يرتقي ويدعو الناس الى لباب الدين واقتفاء اثر الرسول صلى الله عليه وسلم.
    بدأ حياته زعيما سياسيا ثوريا منذ منتصف سنوات الاربعين، كانت الحركة الوطنية في طفولتها، يعوزها الفكر وتنقصها سبل الرشاد.. بدأت بالكيد والتنابذ وفجر كثيرون في ممارساتهم السياسية محاولات الانتصار لذواتهم.. فانبرى محمود يقدم نموذجه ويدعو للجمهورية..والتف حوله عدد من المثقفين.. كثير منهم ادباء وشعراء احبطتهم اساليب الاحزاب وصغارها..نذكر منهم محمد المهدي المجذوب ومنير صالح عبدالقادر، وامين صديق .. كان يملؤهم الحماس فيوزعون المنشورات السياسية ويخطبون في الاندية والتجمعات.. وما لبث الحال ان ادرك الاستاذ محمود اهمية التربية لتقديم النموذج الاكمل للانسان من خلال فهم متقدم للدين وممارسة نسيجها اخلاق النبوة بالاقتداء بها.
    طرح الاستاذ محمود محمد طه فكرا جديدا ما احوج البشرية اليه الآن في ليلها الداجي هذا.. في الايام التي سقط فيها مشروع الارهاب والمزايدات السياسية باسم الدين.
    قبل حوالي اسبوعين تابعت برنامج (مواجهة) الذي يقدمه تلفزيون ابوظبي.. الدكتور عبدالصبور شاهين والدكتور سيد القمني كانا ضيفي الحلقة.. منيت نفسي بلحظات من المتعة الفكرية ولكن آمالي خابت.. فقد كانت المواجهة اشبه بحوار الطرشان.. القضية كبيرة والاثنان يمثلان التيارين المتخاصمين الآن. وعبدالصبور شاهين مواقفه معروفة، خاصة فيما يتعلق بقضية الدكتور نصر حامد ابوزيد وما تمخض عن ذلك بموقف اقرب الى تكفير الرجل والحكم بالتفريق بينه وبين زوجته حتى اضطر الى الهروب من مصر للالتجاء الى اوروبا.. وسيد القمني يكتب الآن عن الاسلام في اطار ما يعرف بالتيارالعلماني.. تمنيت لو كان لديه علم بفكر الاستاذ محمود محمد طه او لو قرأ (الرسالة الثانية) ولخص حجته بالدعوة للاسلام الذي يتسق مع حاجة وتطورات البشرية وفكرها.. ليس ما كان مطروحا للخارجين من الجاهلية في اول القرن الهجري.. تلك الدعوة التي اذا استطاع المعلمون فهمها وطرحها لهرعت اليها الحضارة الغربية.. التي تذدري المسلمين في هذه الايام.. وما ارادوا بعدها بدلا.
    ما كنت بعيدا عن الجمهوريين.. في ايام تألق الفكرة وعنفوانها وحتى الآن.. فقد كان فيهم اصدقائي الخلصاءوجزء من عائلتنا.. ابناء عم اثيرون لدي.. كنت اختلف معهم واجد في الحوار معهم سعادة ما عليها مزيد.. وكنا نتبادل كثيرا من الاحترام والمودة والمشاعر الطيبة... تأسرني ارواحهم الجياشة وقلوبهم العامرة وسلوكهم الحميم ازاء الآخرين.. مروءتهم ونجدتهم واثر التقوى البادي على سيماهم..وقد حاول نفر منهم ان التحق بالركب والا يفوتني ذلك العرس الجليل.
    كانوا يتحركون كالنحل البري يقدمون الشهد.. شهد المعارف.. يطوفون المدن والقرى والبوادي يحملون الكتيبات التي تتضمن فكرهم ويخوضون مع الناس مساجلات تثري الحياة تعمر الوجدان.
    وقف الفكر الجمهوري ترياقا يدحر فكر المتأسلمين..واقام المنابر والاركان. وارسى تقاليد الحوار الديمقراطي في اوساط الجامعات والاماكن العامة.. وقدم متحدثين محاورين بارعين اتلفوا اعصاب مناوئيهم بالحجة تلو الحجة فكانوا يلجأون الى العنف حين يخسرون النقاش امام الحاضرين الساخرين ويتكشفون جاهلين بقضايا الفكر والدين.
    في بدايات تشكل وعينا واهتمامنا بقضايا وطننا كنا نغشى الندوات والمحاضرات.. يستهوينا النقاش..نحمل زادنا القليل من الفكر. وكنا به جد مزهوين .. نتردد على ندوات الجمهوريين واحيانا ندخل في حوار مع الاستاذ محمود محمد طه فنجد فيه روحا متسامحه وصدرا متسعا.. وكثيرا ما كان يردد قوله (نحن متفقون) مهما شجر الخلاف واستعر.. فقد كان فكره العميق ونظرته الشامله المحيطة يتجاوزان ماهو ثانوي فيرى ما لا نرى حيث تتوحد الرؤى في اتجاه خير الانسانية.. مرة كنا حضور ندوة له بمدينة كوستي واحتشد المهرجون المتفيقهون والمتنطعون يعارضون. كان من بينهم احد المدرسين.. قيل انه حائز الماجستير في اللغة العربية.. وكان ذا صلف وعجب بالنفس كبير..وقف يتحدث لا باسلوب الفضلاء والعلماء وانما بسلوك الباحث عن نصر رخيص امام مؤيديه. فحاول ان يقدح في علم الاستاذ محمود بالقرآن الكريم واراد ان يصحح ما ظنه فكره القاصر خطأ.. وعندما توقف عن حديثه الصاخب ذاك نهض الاستاذ محمود بهدوئه المتسامي يفند آراءه حتى تناول ادعاءاته بشأن اللغة..وتبحر في القول.. ما أراد بذلك ان يفحمه ولكن علمه برفض ما فاته معرفته في مجال تخصصه..فانفعل الحضور وصفقوا طويلا وطأطأ الادعياء رؤوسهم خجلا.
    مرت قبل أيام الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الاستاذ محمود.. سنوات ليست بالقليلة ولكنها لم تمح اثر الصدمة التي اصابت المثقفين بصفة خاصة وعامة الناس في السودان الذين عرفوا قدر تلك الشخصية التي ستبقى خالدة الى جانب شهداء الانسانية الذين سعوا نحو تفكيك عالم اكثر وعيا وعدلا واهتماما بمصير الانسان.. واحتفل كثير من المهتمين في كثير من مدن العالم بهذه الذكرى الاّ في الخرطوم حيث حالت السلطات دون ذلك.. لانه لا يزال يحدجهم بنظرته فيرتعدون.
    ليس لدينا ما نقدمه سوى ان ننشد مع صلاح احمد ابراهيم:
    ما انحنت قاماتنا من حمل أثقال الرزايا
    فلنا في حلك الاحوال مسرى وطرق
    فاذا جاء الردى كشر وجها مكفهرا
    عارضا فينا بسيف دموي ودرق
    ومغيرا بيد تحصدنا:
    لم نبد للموت ارتعادا او فرق
    نترك الدنيا وفي ذاكرة الدنيا لنا ذكرى وذكرى
    من فعال وخلق
    ولنا ارث من الحكمة والحلم وحب الكادحين
    وولاء حينما يكذب اهليه الأمين
    ولنا في خدمة الشعب عرق.

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147487030
                  

04-04-2008, 03:48 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    ومع ذلك
    من أين جاء هؤلاء السيد نورالدين منان؟

    د. عبد الله علي ابراهيم

    نقول في الترحم علي الميت «ولا تفتنا بعده». ولم يتمثل لي تمام هذا المعني كما تمثل لي وأنا أقرأ نعي الأستاذ نور الدين منان للمرحوم ابوسليم كواحد من عظماء النوبيين علي صفحات الانترنت. وبذكر النوبة واتت منان ذكرى راحل نوبي عظيم آخر من سدنة التراث السوداني، هو المرحوم نجم الدين محمد شريف مدير مصلحة الآثار الأسبق. وذكر منان له مظلمة ديوانية. فقد قال أن الدولة على عهد رئاسة الصادق لم تحسن اليه وأخرجته من منزل الحكومة. ولم ترع خدمته الباهرة ولا حالة ضعفه قعيداً على كرسي متحرك. ولما رأى أهله النوبة تشرده تضافروا وابتاعوا له منزلاً في الخرطوم. وقال منان أن جماعة من النوبة حذروا أبا سليم ضاحكين من أن يقع عليه ما وقع علي نجم الدين. وقال أن أبا سليم قنع بداره البسيطة بالشجرة.
    انزعجت لضيق أفق هذا الكاتب الذي ضاقت الدنيا عنده بما رحبت. وقد رحبت فعلاً برجال في قامة نجم الدين وابي سليم من ذوي الهمم الشماء. فقد كان كسبهم سودانياً تغذيه مواهب نوبية عتيقة، فالدنيا عند منان كسب أفندية من منازل و غيرها أو تعبئة سياسية على خطوط إثنية متي ما نقص هذا الكسب. وكان ابو سليم ونجم الدين رساليين في قول السيد الصادق المهدي. والرسالي نقيض الأفندي، لأنه قابض على جمر المعاني في حين لا يقبض الأفندي غير طوب المباني. ولو كان مبلغ همهما الدور والقصور لما عجزا. فقد بناها من دونهما رشداً وألقاً. فقد قال المرحوم محمد توفيق في حفل لتكريم نجم الدين بالنادي النوبي، أنه لم يقبل أن يقترض كسائر كبار موظفي جيله ليبني منزلاً، لأنه لم يرض أن يكون مديناً ليوم يخشى أن يلقى فيه الله قبل أن يسدد ما عليه. وكان بوسع أبي سليم ان يبني قصراً ولكنه رفض الهجرة التي تهافتت عروضها عليه من العالم. وكان يرد عليها بالشكر والاعتذار والحفظ في الفايل. فقد تعلقت قلوب هؤلاء بأمهات الأمور في حين يريد بعض ناعيهم أن يردوهم الى سفاسف المخصصات والبدلات والبير ديم.
    وقد وقع لنا من جنسهم نفر مميز هجر عادة الأفندية الراتبة الى مخاطرة فتح الطرق المبتكرة. ومنهم استاذنا عبد الخالق محجوب الذي لم يستوظف في حياته سوى أسابيع معلومات، أو حتي الترابي الذي كانت اول وظيفة له عمادة بالإنابة لكلية الحقوق، فهجرها ليبني الحركة الإسلامية أعوج عديل. وفيهم المرحوم محمود محمد طه الذي حياته عندي ربما كانت اميز من موته الذي أضحي نقطة تركيز بكاته. فقد مر طريق محمود افندي محمد طه للشهادة أولاً. وقبل كل شيء عبر حواري الثورة بام درمان التي سكنها معززاً بالصحبة والتربية الماجدة، قبل أن يرقي مرقي الموت البليغ.
    لقد تأذينا كلنا حين أساءت الدولة الي نجم الدين في ملابسات حملة جاهلة جائرة، إدعت العناية بالآثار الأسلامية. ولم نسمع لأبي سليم حرجاً في السكن. بل سمعت أن الدولة اقتطعت له ارضاً ليقيم عليها معهده للدراسات التاريخية. وسيكون من وهن الفكر أن نقحم نوبية نجم الدين لتفسير حمل الدولة له لإخلاء الدار بعد المعاش، فمثل هذا الأمر شائع. ويمكنني القول أنني ضحية من ضحايا هذه الممارسة، فقد كرهني رؤوسائي لأنني وقفت ادافع دون إخلاء أسرة صديق رحل الي رحاب الله من المنزل الحكومي قبل أن تستقر علي شئ بشأن خطوتها التالية. وضيق هؤلاء الرؤساء عليَّ كثيراً حتى فصلوني فتركت لهم البلد وهذه قصة اخرى. وقد علمت خلال هذه المعركة أن اكثر الناس نشاطاً لترحيل أسرة صديقي كان الشخص الذي وقع له المنزل وهذه أخلاق الأفندية. وقد بلغ بهم العنف في احتلال البيوت من بعد الموت او المعاش حداً قدمت معه الحكومة في ابريل 1977 لمجلس الشعب مشروع قانون سحب من المحاكم، حق النظر في استئنافات من أخلتهم مصالح الحكومة من البيوت. فقد كان من رأي الحكومة ان المحاكم بالها طويل. ولا صبر للأفندي وريث البيت عليها. وكان هذا القانون مصادماً للدستور ولكنها العجلة. . . تطير.
    مثل قول منان في تذكر أبي سليم هي الفتنة التي ندعو الله دائماً بعد موت عزيز أن ينجينا منها. واستغرب على ماركسي كمنان أن ينفخ نار الإثنية في شأن أدنى تفسير له الطبقة. ولا اعرف إنساناً كره اللت والعجن في مسائل الإثنية والنسوية بغير زاد سوى النيل من الأنقاذ مثل ابي سليم، فقد حضرت معه مؤتمر الدراسات الأفريقية في أميركا عام 1993م. وكان الرجل يهتز مثل «القصبة» وهو خارج من الجلسات التي يخوض فيها امثال منان في امور السياسة بغير علم. وكان يقول لي: «الإنقاذ ليست هي الوطن.. الوطن شئء أجمل وأبقى من الإنقاذ ومعارضيها».

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=199&col_id=14&bk=1
                  

04-04-2008, 03:49 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    صدي
    جيل الأمس هل هو جيل فاشل؟؟

    امال

    [email protected]

    لا شيء يسعد من يتعاطى هموم وآمال وأماني الحياة عبر الكلمة المكتوبة سوى تجاوب المتلقي.. تجاوب القاريء مع ما يخط يراعه.. وأنا دائماً اقول ان كلماتي تظل ميتة ولا تدب فيها الحياة إلا عندما تسبح في مياه عيون القراء.. لتهبها الحياة..
    قمة سعادتي تأتي عندما يتحول التجاوب إلى حركة تسعى عبر الهاتف أو الرسالة أو المداخلة.. عندما أثرت ما حرضتني عليه تلك القارئة التي ترى ان كل المشكلة في الحياة الاجتماعية هي الزواج.. وانداح الموضوع حتى وصل الى مسألة الشباب وما بين الاجيال.. هل هو صراع أم حوار؟ وهل نحن نوليه ما يستحق من اهتمام. وانتهى بسؤالي عن الكلمة ودورها.
    قد يقول بعضكم ان الناس في شنو و«صدى» في شنو بحكم ما يكتنف الحياة من موضوعات ترهق الذهن والعاطفة معاً.. حال السودان الذي اصبح مادة عجيبة للفضائيات وملطشة لكل قوى الطمع والاستكبار ونسوا تماماً بأن الذي اوصلنا لهذه المحطة الفاجعة هو عدم اهتمامنا بتفاصيل الحياة، والعمل على تغييرها.. ما يقارب نصف القرن ظللنا نتعاطى السياسة بمفهومها الضيق «السلطة ومكاسبها» لا للشعب وانما للذين يعتلون كراسيها.. تأملوا هذه المسيرة جيداً نرجع للموضوع لأنشر جزء من ردود الفعل التي اراحتني ومددت مساحات الأمل التي لا اجعلها تنعدم وان ضاقت كثيراً هذه الايام.
    نقرأ رسالة أتت من أبنائي، وكم أنا فرحة بذلك. وقعها عنهم أبو عبيدة حسن محمود قانون جامعة النيلين. قالوا فيها:-
    .. الموقرة جداً
    الأستاذة آمال عباس
    صباح الوطن
    إن كنا قد عزفنا عن قراءة الصحف لادراكنا التام أن مأساتنا أكبر من أي قول ولكن مقالات في عمودك «صدى» جعلتنا نحاول.. لا أن نرد ولكن لنبين جزء من آرائنا كجيل مستلب ومغيب حتى اشعار آخر.
    أستاذتنا
    لا نؤمن بنظرية المؤامرة ولكننا على يقين ان الحق يعلو دوماً وان ظللته غياهب الظلم.. لسنا فاقدي الاهلية ولا ناقصي الارادة.. ولكن الحياة في وطن الديناصورات قاعدتها البقاء للأقدم.
    جيل الأمس.. هل هو جيل فاشل؟
    هذا سؤال اشبه بسؤال الطفل للفرعون العاري ولعل عبارة جيل الأمس غير صحيحة تماماً فهو جيل الأمس واليوم وغداً.. قال الحق عز وجل «وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا اتحدثوهم بما فتح عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون» البقرة «76» صدق الله العظيم
    لا ننكر كلنا ان ستينات القرن الماضي كانت فترة استثنائية وزاهية ولم يكن ذلك لاجتهادكم الشخصي بل كان نتيجة وضع سياسي اقليمي ودولي نود ان نورد بعض الملحوظات تاركين تحليلها والاضافة عليها لفرصة اوسع.
    أولاً: نعني بجيل الستينات مواليد السودان في الفترة «1930 - 1949» تقريباً ولعل خطأ الاسم هنا واضح فأنتم جيل الثلاثينات والاربعينات.
    ثانياً: جيلكم الموقر هو أول جيل مارس عمليات الاقصاء السياسي تصفية وابعاداً وهو ما اتفق عليه في جميع المنظمات السياسية فأجبر المحجوب على الابتعاد ولا أملك جزماً لوفاة الأزهري لكنه لم يمت كما يموت البعير واعدم عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ والاستاذ محمود محمد طه.
    ثالثاً: جيلكم الموقر مصاب «اصابة جماعية» بالنوستولوجيا وحديثنا هنا يطول.
    رابعاً: لم يوثق جيلكم الموقر للحياة السودانية التي اقتحمها فشوه معالمها ثم ها هو الآن ينتظر غراباً ليدله كيف يوارى سؤآت ما ارتكب وكل ما لدينا الآن هو كتب شتائم وافتخارات.. وان كنتم تفتخرون بقراءتكم لكل كتب العالم فما هو مصير من كتم علماً لا علوما وحقائق وتواريخ.. كل ما نملكه الآن روايات شفهية عن فلان عن أبيه عن جده «الذي رمى الخواجة من حصانه».
    خامساً: نظرية التطور الطبيعي تخلق ظروفاً واحداثيات تجعل من البله والغفلة امكانية تحجر الزمن.
    سادساً: في غمرة اندفاع جيلكم الموقر لتبني مباديء والايمان بآراء ومعتقدات لم يثبت التاريخ والتجربة إلا فشلها.. نسيتم ان تعلمونا الديمقراطية والحرية واحترام الآخر نسيتم أم لعلكم لم تكونوا تدركون.. وكلا الاحتمالين كارثة.
    سابعاً: ان اصراركم على ان تعيشوا زمانكم وزمان الآخرين وزمان آخرين الآخرين واستيلاءكم على جميع امورنا بحجة الوصاية هو ما ندفع نحن الآن ثمنه استلاباً وانصرافية.. وقلة أدب.
    علّ الله يرحمنا جميعاً أستاذتي ويهب لنا ذريات نحسن تربيتها عملاً لا قولاً نترك لهم فرصة تدبير امورهم وحل مشاكلهم وأنا واثق ان ذلك الزمن لن يكون فيه ترابي ولا مهدي وهلم جرا .. ولك عذب الأمنيات.
    * انتهت رسالة أبنائي من جامعة النيلين أنا سعيدة وفخورة بها وفرحة بما فعلته «صدى» واتاحت الفرصة لنسمع.. ولا نضيق بما نسمع ونقرأ لأن في النهاية الحقيقة بنت الجدل وتعلو ولا يعلى عليها.. لكم مودتي واحترامي.. وفي انتظار المزيد من المداخلات.
    هذا مع تحياتي وشكري
    http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=346&col_id=1&bk=1
                  

04-04-2008, 03:50 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    اشياء صغيرة

    ذاك الرجل
    في الثامن عشر من يناير الماضي احتفلت القوى الحديثة بذكرى إعدام الأستاذ محمود محمد طه الثامنة عشرة. تناوله عدد كبير من الكتاب بين القبول والرفض لفكر محمود محمد طه. وفي رأيي واعتقادي الشخصي أن الأستاذ محمود محمد طه يصلح لأن يكون مصلحاً وثائراً اجتماعياً أكثر من كونه مرشداً دينياً.. وأنه كان يمكن أن يقود دفة هذا المجتمع بفهمه ووعيه به وبكل مشكلاته.. وليته أعتبر أمر الدين أمراً فردياً وخاصاً يختلف من شخص لآخر.. ذاك لأن آراءه في الفقه والتشريع، بالرغم من عمقها وقوتها، لا تصلح للتعميم والجمع.. وأكثر ما يعجبني في محمود محمد طه هو قوة موقفه وثباته على مبدئه دافعاً حياته ثمناً لهذا الموقف، الأمر الذي نفتقده في زعاماتنا وكبارنا، سواءً في مجال الفكر أو السياسة أو أي مجال آخر فالكبار في بلادي «صغار عند المواجهة». والحزب الذي أسسه محمود محمد طه «الإخوان الجمهوريون» حزب يقوم على كثير من التعاليم لمبادئ وقيم سامية، وأجمل ما فيه أنه يدعو أن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه والتصالح معها قبل أن يخرج للآخرين... لذا نجد الإخوان الجمهوريين في معظم الأحيان يتمتعون بأخلاق عالية والتزام تجاه المبادئ كبير، إلا أنهم دائماً ما يتعاملون بصفوية أو محدودية لا تتفق مع هذه القيم التي تؤهلهم لأن يقودوا المجتمع نحو الوعي والإدراك والصدق. فهم يمكن أن يكونوا «كالكناسين، أو المطهرين «puritanat» الذين بنوا أميركا اجتماعياً وعلموا الناس هناك كثيراً من السلوك الاجتماعي المتحضر.
    أيها الجمهوريون: ليس هناك إنسان مقدس ولا فكر مقدس.. اجعلوا ذكرى الأستاذ محمود محمد طه مناسبة لنقد وتطوير أفكاره والإضافة إليها بالتجديد والابتكار، فما كان في الستينيات مدهشاً لم يعد الآن كذلك، وما قيل قبل عشر سنوات يحتاج لكثير من الاجتهاد والإصلاح ليواكب الزمان، أليس هذا هو روح تفكير «الأستاذ»؟

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147487393
                  

04-04-2008, 03:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    دولة السودان الجديد والمنابر الحرة (1)

    عبد العزيز محمد بادي

    عجبت جداً وأنا اقرأ مقال السيد الطيب مصطفى تحت عنوان: «قبل أن يقتحم هولاكو السودان الجديد فاتحاً - احذروا حصان طروادة من شياطين الإنس» وذلك بصحيفة «الصحافة» بتاريخ 17 يونيو 2004 العدد «400». ومصدر عجبي أن تظل هذه الاوهام وهذه السخائم حية تسعى بين انسانية الألفية الثالثة وبكل هذه الجرأة وهذا الوضوح. والشيء الذي كنت اتوقعه الا تكون هذه الافكار سافرة بهذا المستوى. وبكل صدق كنت اظنها تتستر وتلبس الاقنعة لبث سمومها من خلالها، لكن ان تكون بهذا الوضوع وبعد ان اذاقت سنين الانقاذ العجاف الشعب السوداني الامرين وجعلت نهاره كليله. وبعد هذا الجهد الاقليمي والعالمي والذي وضع الشعب السوداني على عتبة السلام، يطل علينا السيد الطيب بهذا الطرح فهذا مصدر عجبي.
    * من هم المتشاكسون؟
    اقرأوا وتعجبوا من عجبه «ويا لها من بلاد عجيبة تلك التي يؤيد رئيسها فلسطين ويؤيد نائبه الأول اسرائيل، فهل بربكم من شركاء متشاكسين في التاريخ البشري أكبر من هذا؟» نعم يوجد في التاريخ البشري والقريب الماثل أمامنا من هم أكثر من ذلك «ناس الجبهة الاسلامية». وابلغ مثال على ذلك انهم وبعد ان استولوا على السلطة تحت ليل اسود واعلنوا انهم الانقاذيون والحامون حمى الأوطان والحافظون لدين العباد والـ... والـ... الكثيرة بدون عدد وبعد أن تمكنوا وهمشوا الآخرين، بدأ الهمس واللمز وقليلاً قليلاً بدأ المغطي والمستور يظهر، حتى كانت قرارات الرابع من رمضان العلنية الفاصلة التي تم بموجبها طلاق البينونة. وانقسم الاخوان إلى مؤتمرين وطني وشعبي، حيث الآن شيخ الجماعة بالسجن، هذه هي المشاكسة الحقيقية. والتي هي الثمرة المباشرة لهذه الافكار والتي بدأت تطل علينا من جديد، بعد ان تنفسنا الصعداء والسلام اصبح قاب قوسين أو ادنى، ثم لي أن اتساءل: هل يفهم السيد الطيب مصطفى اتفاقية مشاكوس وبروتكولاتها؟ وهل عندما تطبق هذه الاتفاقية الاطارية سيكون الفهم لمهام الرئيس والنائب الأول نفس الفهم في الانظمة الشمولية أو حتى في الأنظمة الديمقراطية؟ ببساطة شديدة اتفاقية مشاكوس ترمي لمعالجة مظالم قديمة وتضع أسسا لمستقبل جديد كل الجدة، يختلف عن الماضي لشعب ذي مصير مشترك في كثير من الصفات الحميدة والايجابيات التي تخدم قضايا الوحدة والتوحد. والتي هي مصير كل البشرية، إما أن تتم أو على البشرية السلام. وكما هو معلوم لا يمكن أن يعيش الجيران متشاكسين متحاربين، لأن العلم المادي ألغى الزمان والمكان أو يكاد.
    * مشاكوس واتفاقية الميرغني قرنق نوفمبر 1988م
    اجمع الكثيرون من أبناء الشعب السوداني شماله وجنوبه - عدا افراد الجبهة الاسلامية القومية - على ان انقلاب يونيو 89م قام خصيصاً لتقويض اتفاقية الميرغني - قرنق للسلام. والادلة والبراهين كثر. ويكفي في ذلك رفضهم لمباديء الايقاد 94 باديء الأمر. فماذا جنى الشعب السوداني من تقويض هذه الاتفاقية؟ وما هي النتيجة؟ غير هذه المآسي والفظاعات ودماء الشباب الذكية من الطرفين بما فيهم ابن السيد الطيب مصطفى تقبل الله الجميع قبولاً حسناً وجعلهم مهراً للفكر الواعي الرشيد وجبر الله كسرك أخي الطيب وجعل البركة فيك وأسرتك الكريمة وفينا جميعاً فإنها ضريبة التطور.
    أناشدك بالله أخي الطيب أن تضع اتفاقية الميرغني - قرنق ومشاكوس أمام عينيك وتجري المقارنة بينهما بذهن صافٍ أيهما استسلامي؟ لا أعني الاستسلام حسب تعبير «ناس الجبهة» لأني لا أرى استسلاماً لا في مشاكوس ولا في الاخرى، وانما هي معالجات لابد منها. ويمكن بالوعي والعمل الدؤوب تنميتها لنصل الى ما نصبو إليه ويصبو إليه العمالقة الثلاثة وهو اسعاد الانسان، الانسان بصرف النظر عن دينه، لونه، عرقه.
    أراك جد متشبثا بالسلطة وبما ساقته لكم من جاه وسلطان وصدق القائل:
    وكم صبرت عن لذة العيش أنفس ولم تصبر عن لذة النهي والأمر
    والدليل على ذلك دعوتك لانفصال الشمال عن الجنوب بعد اتفاقية مشاكوس وما سيترتب من جراء تطبيقها. نعم أنت تدعو لانفصال الشمال، عبر وسائل الاعلام المختلفة دونما سبب غير المعالجات التي تمت لايقاف نزيف الدم، تدعو لذلك دون ان تقدم أية معالجات لضمان وحدة الاقاليم الشمالية، متجاهلاً ما يجري في دارفور والشرق والوجود الاجنبي في جبال النوبة. أي شمال هذا الذي تدعو لانفصاله؟ أأنت تعني بالشمال أجزاء القطر السوداني بعد انفصال الجنوب؟ فأل الله ولا فألك يا أخي!! ومنذ متى كان يعنيكم ويهمكم استطلاع رأي الآخرين؟ من أنتم حتى تقروا وتستطلعوا؟؟؟ نعم إنه ديدنكم معشر الاقصائيين، غريبون أنتم!! وإلى متى تفهمون؟ وصدق أديبنا الطيب صالح حين قال: (من أين أتى هؤلاء؟) لا وألف لا.. والى هنا شكراً وكتر خيركم..
    أخي الطيب قبل أن أغادر هذه الفقرة ارجو أن اهمس في أذنك بأن من لا يؤمن بالآخر وبحق الآخر عدو لنفسه قبل الآخرين. ومصيره الانقراض، لأن البشرية سائرة وجادة في السير نحو السلام الذي لا يتم إلا بالوسائل الصحاح ومن أهمها الديمقراطية وقبول الآخر.
    ثم إن التواضع الفكري ناهيك عن التواضع ثمرة التدين، يقتضي بألا يكون الهم إدانة الآخرين ورميهم بما فيهم وما ليس فيهم. اقرأوا قول السيد الطيب مصطفى عن الاستاذ وراق «إن وراقاً لا يصدر في مساندته لقرنق عن اقتناع بديمقراطيته. وإنما عن عداء للمشروع الاسلامي والشريعة التي يعمل قرنق على اجتثاثها من خلال طرحه للسودان الجديد». من أين لك أن وراقاً ضد الاسلام؟ نعم إنه ضد الفهم المتخلف للاسلام. وإنه ضد الوصاية الدينية. وإنه ضد من يرون أن المخالف لرؤيتهم كافر مرتد ويجب أن يهمش. وأسوأ من ذلك انه ليس له الحق في الحياة.
    أما عن الشريعة السمحاء، فهذا أمر سيجد حظه عندما تقام المنابر الحرة. ويكفي ما سأشير إليه في الاسطر التي سترد لاحقاً، أما عن معارضة الدكتور قرنق لها، فيكفي انه ومن أجلها قوضت اتفاقية الميرغني - قرنق. وباسمها اعلن الجهاد وضلل البسطاء والابرياء وزج بهم في اتون حرب قضت على الاخضر واليابس، مما ازعج ضمير الانسانية ومنظمات حقوق الانسان العالمية والتي لا يختلف اثنان في انها هي المبادرة وهي الداقة لناقوس الخطر وهي الضاغطة على الحكومات المختلفة والمنظمات الاقليمية والعالمية، بأن هذه الحرب يجب أن تنتهي وبأسرع فرصة. فكان ما كان. وهي العين الحمراء التي اقنعت اخوتك بأن لابد من السلام. وهذا هو السبب الذي جعل السيد أمين المؤتمر الوطني يحذرك كما أوردت «لا أذيع سراً إن قلت إن أمينه العام قد عاتبني وحذرني كتابةً لإثنائي عن رأيي».
    ثم ألا يكون اعتناق الشباب الذكي للماركسية نتيجة لهذا الفهم المتخلف للاسلام. والاخطر من التخلف الفكري عدم الاستقامة ومفارقة القول للعمل الذي أصبح ديدن المسلمين يقولون ما لا يفعلون. وهم يرددون الآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» هو الغرور بعينه الصفة الشيطانية تعمي وقد اعمت الاسلامويين، مما جعلهم لا يرون إلا اخطاء الآخرين، أما اخطاؤهم فتبرر بفقه الضرورة.. آه... أما تكفي هذه القولات (خلوها مستورة - وخليناهم لي الله) دليلاً على ما ذهبت إليه؟؟ هذه القولات التي اصبحت سخرية وتندر هذا الشعب المغلوب على امره. والذي لازال السيد الطيب يريد من الحكومة (أن تتخذ موقفاً شجاعاً يعبر عن كرامة هذا الشعب) منذ متى كانت حكومتك هذه والتي تريدها تهمها كرامة هذا الشعب؟؟ تمهل أخي.. وتأمل في هذا الحديث النبوي الشريف (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) فقط تذكر كم من الاطفال حرموامن اللقمة البسيطة، بدون أي ذنب، جنوه غير أن عائليهم غير موالين واصحاب نظرة أخرى وان كانوا مسلمين.

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147492011&bk=1
                  

04-04-2008, 03:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    دول السودان الجديد والمنابر الحرة (2 ــ2)

    أيهما أقرب للاسلام.. النظام الديمقراطي أم النظام الشمولي؟
    الديمقراطية الليبرالية يمكن أن تكون صمام أمان للمتدينين الورعين، كوسيلة ناجحة للحكم ولادارة شؤون العباد، لأن المتدين الورع دائماً يضع الآية الكريمة (وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) نصب عينيه. وطالما أن التطور الفكري أوصل الانسانية لهذا النوع من الحكم - الحكم الدستوري المؤسسي القائم على فصل السلطات - فبتطبيقه يصبح المتدينون الورعون في مأمن من نفوسهم. وليس في مأمن من المعارضين بوسائل اجهزة الأمن ومنع الحريات واعلان حالة الطواريء.
    * منصور خالد عملاق يحتاجه الشعب السوداني العملاق فإلى متى يظل بعيداً بسبب الأقزام؟؟
    من خلال الاطروحات المقروءة والمسموعة المقدمة من العمالقة الثلاثة: د. قرنق، د. منصور خالد والأستاذ الحاج وراق، أصبح واضحاً أنهم يؤمنون بالديمقراطية وبحق الآخر مهما كان بعده وتخلفه، ان له كل الحق في ما يعتقد وان يعتنق ما يشاء على ألا يتعدى على حريات الآخرين.. والحقوق والحريات محفوظة ومصانة بالحكم الدستوري بواسطة القضاء المستقل وتحت أعين الشعب في وضح النهار بوسيلة اجهزته الحرة وعلى رأسها الصحافة.. أين السيد الطيب مصطفى من هذا وسنين حكمه (الانقاذ) لا تزال متشبثة تواصل اساليب الكبت والتضليل والاقصاء. ومن هنا اضم صوتي الى الاستاذة لبنى احمد حسين وأسأل من أغلق موقع الحركة الشعبية بالانترنت؟ ولماذا؟؟
    * فكرة السودان الجديد خطوة نحو انحسار الطوفان
    مرحباً بكم أيها الابطال، ابطال السودان الجديد، مرحباً بكم وأنتم تسعون سعياً حثيثاً لتأسيس الدولة التي تسع الجميع «كمائدة رمضان كل يأتي بما عنده» كما قال القائد قرنق.
    إن الضمان الحقيقي لقيام مثل هذه الدولة هو التوعية. والتوعية لا تتم إلا بالمنابر الحرة ليدلي كل بدلوه ويطرح فكره.
    وأول من أسس المنابر الحرة هو الأستاذ محمود محمد طه. ودعا الآخرين لذلك والحكومات لتشجيعها وتوفير سبل استقرارها. وذلك منذ سبعينات القرن الماضي. وعندما انحرف النميري عن مسار خط مايو الاول، حيث استغل الاسلامويون حبه للسلطة، أوحوا له ان بقاء ملكه وسلطانه في تطبيق الشريعة الاسلامية حسب رؤيتهم القاصرة للاسلام. وعندما نفذ النميري توصية ورغبة الإسلامويين واعلن قيام الشريعة التي عرفت في حينها بأنها قوانين بعيدة كل البعد عن الشريعة وسميت بقوانين سبتمبر 83م، انبرى الاستاذ محمود محمد طه معارضاً ومناهضاً لهذه القوانين في منشوره الشهير (هذا أو الطوفان) الذي جاء فيه «غايتان شريفتان وقفنا نحن الجمهوريون حياتنا حرصاً عليهما وصوناً لهما وهما الاسلام والسودان». ويمضي المنشور في فقراته «وجاءت قوانين سبتمبر 83 فشوهت الاسلام في نظر الاذكياء من شعبنا وفي نظر العالم. واساءت الى سمعة البلاد». ومن فقراته ايضاً «إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب. وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل التي أدت الى تفاقم مشكلة الجنوب». ومما جاء في الختام «نطالب بحقن الدماء في الجنوب واللجوء الى الحل السياسي والسلمي بدل الحل العسكري...» «نطالب باتاحة كل فرص التوعية والتربية لهذا الشعب..».
    وقد كانت هذه القوانين الفاصلة والدليل العملي على ما ذهب إليه مناضلو الحركة الشعبية، بأن الوحدة الوطنية لابد أن تقوم على العدالة الواضحة، وانه لا مكان بعد الآن للاستعلاء واقصاء الآخر. ومن هنا أصبح الأمل معقوداً على الوحدة الوطنية بهذين الاتجاهين. وقدم الاستاذ محمود محمد طه روحه فداء لهذا السودان:
    أيا سودان إذ ما النفس هانت
    أقدم للفدى روحي بنفسي
    وحمل أبطال الحركة الشعبية السلاح من أجل سودان العزة لكل اهل السودان «كل يأتي بما عنده».
    وذهب الأستاذ محمود محمد طه ليكمل مشواره الذي بدأه، فإنه لم ولن يتخلف. وان المعارف الدينية تقول ذلك. وانه حتى في كريم المعتقدات الكبار لا يتخلفون، فإنهم دائماً معنا استمعوا لهذه الصلاة الرفيعة «أنت يا الله، أيتها الأرواح في السماوات ومعهم أنتم أجدادنا داخل الأرض - لكم جميعاً أوجه كلمتي - ونحن لا نناديكم لشيء سييء وإنما لنطلب منكم الحياة».
    ولكي لا تذهبوا بعيداً رددوا مع سيدي محيى الدين ابن عربي «البحر السادر» هذه الأبيات:
    لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
    وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
    أدين بدين الحب أنىَّ توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني
    * قرنق رائد من رواد الوحدة الوطنية فلينصرن الله به دينه فإن فيه ما يشرف ويبعث الأمل
    نعم هي كذلك من غير أدنى ريب.. الوحدة الوطنية محفوظة ومرعية وان كره السلطويون الانفصاليون. وقد سمعت الاستاذ محمود محمد طه يقول عن د. قرنق: «قرنق يعمل من أجل الوحدة الوطنية» - العبارة من الذاكرة - وذلك إبان فكرة التكامل بين السودان ومصر. وقد اصدر الجمهوريون كتاباً عن التكامل جاء فيه تحت هذا العنوان الفرعي: المذهبية هي صمام الأمان «على انه ما ينبغي ان يغيب عن بالنا لحظة، أن الوحدة الداخلية في البلد الواحد والوحدة الثنائية والوحدة الاقليمية والوحدة العالمية، إنما الشرط لتحقيقها جميعاً ايجاد المذهبية التي تملك المقدرة على وحدة الفكر ووحدة الشعور بين الناس جميعاً، ذلك بأن الوحدة انما تبدأ بتوحيد داخلية كل فرد. وذلك بتحرير العقل والقلب من اثر الاوهام والاباطيل والمخاوف...» كذلك قال الاستاذ محمود محمد طه عن وحدة الشمال والجنوب.. «الوحدة بين جنوب السودان وشماله، وحدة مقضي عليها بالبقاء.. وكل محاولة لتفتيتها مقضي عليها بالفشل. وذلك لأن الجمهوريين قد حققوها في دواخلهم.. فهم مصدر ثراء لهذه الوحدة وإن كانوا خارج السلطة، حتى يتأذن الله لهم بالسلطة التي تمكنهم من توعية الشمال وتوعية الجنوب بالثورة الفكرية والثورة الثقافية.. والثورة الفكرية والثورة الثقافية ليست للشعب السوداني فحسب. وإنما هي للعالم اجمع».
    ويمكن أن تلتمس هذه الوحدة في الطرح العلمي والعملي الذي جاء في كتاب اسس دستور السودان في منتصف الخمسينات للأستاذ محمود محمد طه. وفي المنهاج الذي يعنى بتربية الانسان ويحرر مواهبه كما جاء في الفقرة عاليه من كتاب التكامل.
    ومعلوم أن الأستاذ محمود محمد طه يدعو لمدنية جديدة تخلف المدنية الغربية بشقيها الرأسمالي والماركسي. والتي اعلنت أفلاسها بلسان الحديد النار، بهذه الحروب الطواحن التي محقت الارزاق وازهقت الارواح. وقد ورد في الكتاب المذكور اعلاه تعريف لهذه المدنية «الفلسفة الاجتماعية التي تقوم عليها تلك المدنية الجديدة - ديمقراطية اشتراكية - تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادي، تأليفاً متناسقاً مبرأ على السواء من تفريط المادية الغربية التي جعلت سعي الانسانية موكولاً بمطالب المعدة والجسد وافراط الروحانية الشرقية التي اقامت فلسفتها على التحقير بكل جهد يرمي إلى تحسين الوجود المادي».
    * وراق في ميدان التوعية ينادي فهل من مجيب؟؟
    معذرة أخي الحاج وراق فإنك وآخرين قليلين وحدكم في ميدان التوعية في الشمال. ومن هنا اضم توجهاتي مع توجهاتك لله القدير بأن يجعل الاخوة الجمهوريين فاعلين، فإنه لا يعقل ولا يقبل ان تظل هذه المجموعة بعيدة عن ميدان التوعية، فإنهم تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه الذي اوقف حياته للسودان ولاسعاد الانسان. وانه صاحب المذهبية الرشيدة التي تجمع بين الديمقراطية والاشتراكية. والتي توفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة. وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة.. حيث تنتهي التفرقة بين الناس تماماً. وذلك لا يتم إلا بتطوير الشريعة الاسلامية. والتطوير انتقال من نص في القرآن كان محكما وصاحب وقته، الى نص آخر من القرآن ليفي حاجة انسان الالفية الثالثة. والذي اصبحت حاجته وطاقته الحرية. وألا تقع عليه وصاية من أحد - هذا يعني أن تجد دولة المواطنة سندها الديني - هذه المذهبية هي الترياق لكل الفهم السلفي المضلل الذي ساق المسلمين لهذه الفتنة الهوجاء، حتى اصبح مجرد ذكر الاسلام معضلة المعضلات في جميع انحاء العالم. والشعب السوداني الكريم شعب مفطور على التدين وحب الدين. ولا يمكن توعيته وتنميته إلا بالدين. ومخطيء من يعمل بغير ذلك، لأنه ببساطة سيترك الميدان للمضللين باسم الدين. وقد ظل الاستاذ محمود محمد طه ينبه المثقفين لهذه النقطة الجوهرية.
    أما انتم أيها الابطال.. أبطال الحركة الشعبية، فمرحباً بكم للمرة الثانية لنرفع رايتي «الحرية لنا ولسوانا» «وساووا السودانيين في الفقر إلى أن يتساووا في الغنى». وقد سمعتكم تقولون بذلك من خلال اذاعة «صوت الشعب» في منتصف التسعينات. وما عليكم إن جرحتم من هذا الفهم الهولاكي - اما ان يكون فكره وفهمه سائداً او يدعو لانفصال الشمال - لكن ارجو ان اطمئنه هو الآخر بألا غبار عليه. وانه سيحيا حياةً كريمةً في ظل دولة السودان الجديد. وأن له كل الحق في أن يقيم منبره في ظل دولة المنابر الحرة. ويطرح كل ما عنده من أفكار، بشرط الا يعملها في الظلام كما عملت في الـ 30 من يونيو 89م فهذه المرة محمية بفصيل لا يضلل باسم الاسلام. ومرعية وتحت نظر العالم - والعالم أصبح قرية - ولا وقت له لمعالجة الانظمة الشمولية الفاسدة. والأهم من ذلك كله مرعية ومحفوظة بوعي الشعب ولو بعد حين.

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147492043
                  

04-04-2008, 03:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مسارب الضي
    (جمع )سوء الفهم وسوء النية

    الحاج وراق

    * أثار التحقيق السياسي الذي حررته الصُحفية صباح أحمد بصحيفة (الصحافة) 24/4 عن حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية ردود فعل متباينة: فمن جهة أثار موجة من التفاؤل والأمل في أوساط واسعة من الديمقراطيين الذين ظلوا ولعقود يتحرقون شوقاً لمثل هذا المنبر العريض، ومن الجهة الاخرى إستثار عداونية المعسكر الراغب في استمرار تبعثر وشتات القوى الديمقراطية. ويشمل هذا المعسكر الأخير تنوعاً واسعاً من التنظيمات والمصالح والأفراد ـ يشمل سدنة الديكتاتورية الذين يخافون بروز مثل هذا المنبر الواسع الموحد باعتباره تهديداً محتملاً للديكتاتورية، ويشمل الدوائر المحافظة والتقليدية في المجال السياسي والتي ترى وعن حق أن مثل هذا المنبر يمكن أن يكسر حلقة مصالحها في دوران البلاد المفرغ الشرير بين طغم عسكرية استبدادية وبين حكومات مدنية عاجزة عن الايفاء بمتطلبات انهاض البلاد. كما يشمل هذا المعسكر المعادي دوائر في القوى الحديثة نفسها، والتي لأسباب عديدة ـ منها ضيق الآفق والاعتياد على واقع التبعثر الحالي اضافة الى تغليب الخاص على العام والنرجسية ورغبة استمرار الدوران على الذات المتضخمة توهماً ـ لهذه الأسباب وغيرها تصر هذه الدوائر على استمرار فتح (كناتينها) حتى وان عزّ الزبائن وصفصفت السلع!

    ومن مواقع هذه الدوائر المعادية برزت بعض الكتابات مؤخراً، وقد استندت على توظيف بعض الأخطاء في التحقيق السياسي المشار اليه، ولكنها استندت عليها بمنطق (المتحيّل تبكيهو القشة).
    لقد اشتمل التحقيق على أخطاء ، ولها مايبررها، حيث ان الكثير من ترتيبات توحيد حركة الحقوق ما تزال جارية، بما يعني ان أوضاع الحركة ما تزال في حالة سيولة، سواء من حيث الاحزاب المنضوية فيها أو فيما يتعلق بمناصبها القيادية. اضافة الى خطأ العنوان الذي اختارته الصُحفية صباح لتصدير مادتها : (حركة يسارية عريضة تتجاوز الحزب الشيوعي). وبالطبع لايملك قادة حركة الحقوق أن يفرضوا على أي صُحفي استنتاجاته الخاصة أو عناوينه المبنية على هذه الاستنتاجات. ولكن قيادة حركة الحقوق لم تصنف نفسها إلا كحركة ديمقراطية واجتماعية عريضة، وهى حركة لاتضمر موقفاً اقصائياً تجاه الحزب الشيوعي، ولا تخطط لمسيرتها كصدى أو كرد فعل على الحزب الشيوعي! بل إن قيادة حركة الحقوق ـ وهى ما تزال قيادة تمهيدية ـ اذ تود مخاطبة العديد من القوى السياسية الأخرى للإلتحاق بالمساعى الجارية وغير المكتملة بعد، فانها تضع الحزب الشيوعي ضمن هذه القوى التي تود الاتصال بها.

    * وعلى كلٍ فان الذين لايميزون بين عناوين المواد الصُحفية وبين مضمون تصريحات القيادات تحتها فانهم لايشكون من سوء الفهم وحسب وانما كذلك من أعراض سوء النية!

    * وتندرج في ذات السياق محاولة تصوير (حقوق) كجمعٍ لحق! والغرض من ذلك واضح: دق اسفين بين القوى المشكّلة للحركة والتحريض على (حق) بزعم أنها تسعى للسيطرة والتكويش! ويعرف كل من له علاقة حقيقية بالمساعي الجارية حالياً مقدار الافتراء في مثل هذا الزعم! ونضطر الى اذاعة بعض تفاصيل المداولات: اختصار اسم حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية الى كلمة (حقوق) لم يكن اقتراحاً من (حق) ولا من الحاج وراق، وانما اقتراح الاستاذ/ غازي سليمان! فساء ماتأفكون!.

    * تلك ردود الفعل الراغبة في التخريب، اما من مواقع التفاؤل والآمال فقد وردتني رسالة من الاستاذ/عبدالحميد عثمان أنشرها أدناه بنصها، وأشكره على ما فيها من كلمات لا أستحقها، وأتمنى أن تجلي ردودي على ما سبق بعض تساؤلاته الواردة في الرسالة :

    الاستاذ/ الحاج وراق

    كشفت جريدة (الصحافة) بتاريخ 24/4/2004م العدد 3916 عن ميلاد حركة يسارية عريضة تتجاوز الحزب الشيوعي تسمي حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية، وحقيقة هذا الهم ظل يؤرقني منذ وقت بعيد، وهو تجميع كل تنظيمات اليسار في وعاء واحد من غير إبعاد ومن غير تخصيص.

    أكتب لك شخصياً في هذا الخصوص لأني على يقين أنك من الذين يتوجع قلبهم يومياً على حال هذا البلد المنكوب بأيدي بعض ابنائه، وتريد لهذا البلد كل تقدم ونماء، ولقد ظللت ـ وما زلت ـ اتابع نشاطك باهتمام منذ خروجك من المخابئ،. ومن ثم تكوينك لتنظيم حق، وحقيقة لاأخفي اعجابي بطرحك العقلاني ولكن رغم ذلك لا أجد حرجاً في أن اقول رأياً مخالفاً لرأيك وقد فعلت ذلك عندما لمست دفوعاتك عن سلام نيروبي وهو أمر لم يمنعك ان تنشره كاملاً بجريدة الحرية (الموءودة)

    واليوم اكتب لك عن ميلاد حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية التي يشكل تنظيمكم حركة حق جزء منها، وحقيقة رغم احترامي لهذه التنظيمات الا انني اراها جميعاً تنظيمات بلا قاعدة جماهيرية عريضة، أقول ذلك رغم أني اعلم انه لاتوجد في بلادنا مكاتب استطلاع متخصصة لاستبيان الرأى العام حول مدى جماهيرية وشعبية تنظيم ما، ولكن مع (المباصرة) أكاد أجزم بذلك، وسبب آخر ان هذه التنظيمات ليس لها وجود وسط قطاعات الخدمة المدنية والقطاعات السكنية وهى تنظيمات نخبوية لأكاديميين ومثقفين. ولكن ذلك لايعيبها وآمل ان يكون ميلاد هذا التنظيم الوليد بداية حقيقية لتجميع كل التنظيمات اليسارية، ودعني أهمس في أذنك بصدق أن لاتتجاوزوا الحزب الشيوعي. وقبل ذلك أن تذهب الى اخيك صاحب حق الآخرى، وتذهبا الى ابيكما المختفي وتقولا له قولاً ليناً، ومن ثم تلتفت نحو إخوتك الآخرين من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه، اذا فعلت ذلك سوف تكسب كل أحزاب البعث (وتلا ترباع) الحزب الاتحادي الديمقراطي ونصف الأمة وربع احزاب الاتجاه الاسلامي مادامت الأهداف هى الدعوة الى السلام ، والتنمية المتوازنة، والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، ومطالب القوميات المهمشة، ويتم ذلك في اطار علماني.

    كلمة أخيرة أقولها لك صادقاً ولا أريد أن اقصم بها ظهرك، ولا أريد ان أقتلك، وهى أنني اعتقد ـ وما زلت ـ انك من القيادات الشابة التي لها تجارب سياسية عميقة ومقدرة، وقدرات فكرية عالية لتقود البلاد الى بر الأمان، فتقدم ـ ايها الأستاذ ـ الصفوف ودع عنك إيثار الآخرين، وآخرهم ذلك السياسي السبعيني الذي قدمته للأمريكان ووصفته لهم بأنه من الاسلاميين المعتدلين، نعم أعلم أنك تحبه ويحبه معك (الحلبة) نور الدين وسعد الدين فتقدم يا رجل ومعك كل التنظيمات التي ذكرت آنفاً، ولاتتركني يأكل الحزن فؤادي) .
    عبدالحميد عثمان محمد
    الارصاد الجوية

    http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=262&col_id=5&bk=1
                  

04-04-2008, 03:53 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    السياسة والثقافة
    الجمهوريون: نطح السياسة وشطح التربية
    تمر في الثامن عشر من هذا الشهر الذكرى العشرين لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه على يد نظام نميري الآفل في 1985م. وقد تعرض بعض تلاميذ الأستاذ المرحوم لشئ من افكاري عن الحركة الجمهورية. وافتقد احدهم مقالة عنها كنت نشرتها منذ عهد بعيد عن منزلة الفكرة الجمهورية بين الفكرتين: الاخوانية الاسلامية والشيوعية. وقد رأيت إعادة نشرها هنا فلربما انتفع بها الناس والخير أردنا.
    خلافاً للحركتين الشيوعية والإخوانية فإن حركة الجمهوريين، التي أسسها المرحوم الاستاذ محمود محمد طه (1916 ـ 1985م) في عام 1945م، قد أعادت ترتيب ادوار السياسة والثقافة فيها بصورة عكسية نوعاً ما لما حدث في الحركتين المذكورتين. فقد خرجت الحركتان، الشيوعية والاخوانية، الى النطح السياسي الجهادي بعد هزيمة عناصرهما الداعية الى التربية وأسبقية التكوين الثقافي على تقحم النشاط السياسي. ففي عام 1952م خرج المرحوم عوض عبد الرازق في قلة من الرفاق على الحزب الشيوعي بعد ان ظفر استاذنا عبد الخالق بالنصر في حلبة الصراع الذي دار بينهما. وكان رأي عوض ان يولي الحزب التربية البروليتارية كل عنايته قبل أن يطرق ابواب الجماهير الواسعة الأخرى. وكان رأي استاذنا عبد الخالق ان التربية والثقافة مما سيحصلهما الحزب وهو يعلم الجماهير ويتعلم من الجماهير. كما خرج الدكتور جعفر شيخ ادريس وصحبه في 1969م على الدكتور حسن الترابي، ذي النفر الغزير والصولة في حركة الاخوان المسلمين، حين رأى الترابي ان يغلب السياسة على التربية، خلافاً لأصول حركة الاخوان المسلمين منذ عهد الامام البنا.
    خلافاً للحركتين الشيوعية والاخوانية بدأت حركة الجمهوريين سياسية خالصة، ثم عادت لتجعل السياسة في المقام الثاني بعد التربية. بدأت الحركة الجمهورية في عام 1945م بين خريجين من المدارس العليا ذوي ميول جذرية شعبية جهادية. لم يستحسن هؤلاء الخريجون الجهاديون تواطؤ مؤتمرهم، مؤتمر الخريجين وشيعه المختلفة، مع طائفتي الانصار والختمية بشأن الممارسة السياسية. فقد حزَّ في نفوسهم أن ينكص مؤتمر الخريجين، الذي اقتحم السياسة لينقيها من نفوذ الطائفية، على عقبيه، ليسكن الى زعماء الطوائف، وكان الجمهوريون الرواد، في قول الاستاذ الكبير محجوب عمر باشري، في كتابه النادر «رواد الفكر السوداني» زاهدين في تجنيد علية القوم والتجار، لأن لهم مصلحة في بقاء الاستعمار. ولذا عمد الحزب الى اسلوب المحاضرة في الشوارع والمقاهي واماكن اجتماع العامة واصدار المنشورات كي يسلك طريقه الى الشعب من غير وكالة الطائفية.
    وبعد سجن المرحوم الأستاذ محمود محمد طه في 1946م، تحول الجمهوريون عن هذا العمل السياسي القح الى جهاد سياسي مُسقى بالتربية الهادئة. فقد خرج المرحوم الاستاذ محمود بعد عامين من السجن رجلاً آخر ذا رسالة وتبعات هداية على شريعة الاسلام وقبسه. وقال الاستاذ محجوب عمر باشري عن الاستاذ طه في هذا البرزخ:
    أطلق «محمود» لحيته وأرسل شعر رأسه. وقد صفت نفسه وأوضح لانصاره ان الحزب الجمهوري حزب له رسالة وهي رسالة الاسلام الحق. وان محموداً قد كلف بهذه الرسالة وليس هو رسولا، فرسالة الرسول هي علاقة بين الله والرسول لهدي البشر. ولكن رسالة محمود هي علاقة العبد بالعبد. وطلب منهم ان يقسموا الا يشركوا بالله. وان يؤمنوا به وان يهتدوا بالاسلام ولا يكذبوا ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يشربوا الخمر، ولا يرتكبوا فاحشة محبة على ذلك.
    وقد حدثني حبيبنا المرحوم الشاعر محمد المهدي المجذوب عن هذا الاجتماع الجمهوري. وكان الشاعر حاضراً فيه وكيف انه تنصل عن البيعة واحتفظ بالود.
    وعاد الاستاذ طه يزور اهله في رفاعة، ولم يحفل بالجمهرة في رفاعة التي اعدت لاستقباله استقبال الابطال الاحرار مقاومي الانجليز. والتمس بتركه في «خلوة» مع النفس والعقل قضى فيها عامين. ورجع الاستاذ الى الخرطوم ليبني الحركة التي عرفها اكثرنا برباطة جأش وصبر، يثير المسائل الشائكة المركزية غير هيَّاب حتى لقي ربه من فوق مشنقة بيد دولة نميري الظالمة.
    ولم تكن الفكرة الجمهورية محض تربية كتلك التي نراها في بعض طرق اهل الله الصوفية. فقد كانت مشغولة بالسياسة الوطنية انشغالاً مسؤولاً. ولكنها جعلت التربية رأس الامر، وشغل السياسي وغايته في وقت معاً. فقد كره الجمهوريون سياسة مؤتمر الخريجين ومشتقاته حين رأتها حركات وحيلا لا منهجية لها ولا وقار. وانصرف أكثر هم الاستاذ الى العناية بتربية الجماعة الجمهورية كرسل تغيير وفتح. فجعل لهم «مسيداً» بمدينة الثورة يجتمعون فيه ويتذاكرون ويتحاورون ويعدون عدة الروح والعقل لخوض حرب المستقبل، يتدربون على الجدل وعلى الافحام فيه وعلى الحوار والصبر عليه وعلى النشر والتوسعة فيه، حتى بلغت مطبوعاتهم أكثر من مائة عنوان، جرى طبع بعضها خمس مرات، وصدر من بعضها 30 ألف نسخة. ووفر كل هذا لهم رياضة فكرية مستفزة لما تواضع الناس عليه. فاذا إطمأن الناس مثلاً على أن هناك ثمة «مشكلة جنوب» أزعجوا الناس عن هذا الكسل الى ان المشكلة حقاً هي «مشكلة شمال» وهكذا دواليك. وهذا طرح فلسفي يسوق الناس من عادة التفكير وحيد الجانب، الى التفكير الخليط المزلزل. وبلغت التربية عند الجمهوريين حداً رتبوا به نظاماً ميسوراً للزواج على سنة النبي صلي الله عليه وسلم تأهل به نفر منهم.
    وهكذا تخلخلت التربية مسام السياسة عند الجمهوريين يعدون انفسهم ليوم الفتح السياسي الاكبر. ولكن كما أودى النطح الجهادي السياسي المفارق للثقافة الى كساد جم في الحركة الشيوعية والاخوانية، فإن اعلاء شأن التربية مطلقاً على حساب الكياسة السياسية واعتبارات الجهاد واستراتيجياته وتكتيكاته، أدى بالحركة الجمهورية الى شطح كثير من مثل الذي راج عن سقوط صلاة عن الاستاذ محمود. فعلى غرابة الفكرة على عامة المسلمين، إلا انها مما يتداوله الصوفية في اروقتهم الخاصة بجد وانجذاب من غير تصريح. وتكأكأ خصوم الحركة الجمهورية عليها من باب هذا الشطح، وحصروها سادين المنافذ عليها الى العامة من الناس، حتى قتلوا الاستاذ وسموه «الذبح العظيم». وأخمدوا جذوتها بين صفوة المتعلمين التي تحلقت بالاستاذ محمود دهراً طويلاً. وخرج الحزب الجمهوري من لعبة السياسة والتربية معاً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
    http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147494691
                  

04-04-2008, 03:54 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    صدي
    الإسلام والحوار الوطني (2)

    امال

    [email protected]


    * أواصل إعادة مقال بالعنوان اعلاه، كتبته في زاوية المرافئ الآمنة بمجلة الاشقاء في السابع والعشرين من سبتمبر 1988م.
    * ولكن حدثت المتغيرات وكثرت مناطق المد والجزر في مسار تجربة نظام مايو، مع المزايدات السياسية التي صحبت المصالحة الوطنية.
    * وكانت قوانين سبتمبر 1983م، التي أثارت حينها الكثير. وثار الجدل الهادف والحوار المتصل الذي كان سيأتي بنتائجه في اطار فهم واقع السودان لولا الاستغلال السياسي للقوانين من جهات عدة «الاخوان المسلمين»، من داخل النظام لتصفية خصومهم السياسيين «قضية محمود محمد طه».
    * المهم، ان قوانين سبتمبر 1983م، لانها جاءت خارج الحوار الوطني وخارج إطار الفهم لواقع السودان، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.. والقضية ليست هنا ولكنها في هذا المناخ المخيف الذي يقودنا اردنا ام لم نرد، الى قلب الانقسام الوطني، ويقود مجتمعنا الذي حولته ممارسات «الجبهة الوطنية» الى ترسانة مسلحة، الى مرحلة الحرب الأهلية ذات الأبعاد الطائفية والدينية.
    * اقول هذا وأنا اتابع حملة التعبئة الاعلامية والملصقات التي «كملت قماش الخرطوم» في زمان عزت فيه جرعة الدواء ولقمة الخبز، ناهيك عن جلابية الدبلان، الحملة التي يقودها طرف واحد من أطراف الوفاق الأربعة إن اعتبرنا بعض الجنوبيين من أطراف الوفاق. وهنا أريد أن أسوق تخوفاً كبيراً من نتائج الذي يدور تحت مظلة ارهاب ديني والغاء لكل صوت هادئ متمهل. ذلك لأن كل الانفعالات البشرية الغاضبة، يمكن تحكم العقل فيها ونزع فتيل الغضب وتهدئة صاحبها ودفعه الى التروي وإعمال الفكر. وهذه حقيقة علمية تنطبق على كل الانفعالات،الا حالات الانفعال الغاضب الذي يكون مرجعه العقيدة الدينية.
    * فالإنسان من الممكن ان يتسامح في اشياء كثيرة، الا أن يهان في عقيدته أو يتملكه الاحساس بأن عقيدته باتت مهددة بالخطر. ومن هنا، أكاد اجزم بأن ما يجري في انحاء متفرقة من العالم من اضطرابات واغتيالات، يختفي وراءه سياسيون محترفون، تخصصوا في عمليات الإثارة واستغلال العواطف الدينية وتوجيهها. تنفيذاً لسياسات معينة، يبتغون فرضها على الشعوب أو الحكومات.
    * أردت القول بأن قوانين سبتمبر 1983م البديلة أو «المبدولة»، اثارت الكثير من الخلاف وليس العيب في الاختلاف أو تعارض الاراء أو تصادم المصالح. فلا يوجد مجتمع بشرى يتفق فيه الناس اتفاقاً شاملاً يحقق انسجاماً كاملاً في الافكار والمشاعر.
    * ولكن الاختلاف الذي يثير الخوف ويخلق الرعب والارهاب، ويعرض أمن المواطن والوطن للخطر الحقيقي، هو الذي يتصاعد حتى ينسى الجميع في غمار تراشقاتهم واتهاماتهم إن هناك فوق كل اختلاف وخلاف، حاجة ماسة الى الترابط والتماسك لدفع الخوف وتحقيق الامان للجميع في وطنهم الواحد.. فالوطن للجميع، للمسلم وللمسيحي وللوثني.
    * فأين نحن من هذا الخوف... الخوف من أن يتمزق السودان؟. الخوف من أن ينفصل الجنوب؟. الخوف من أن نصبح سوقاً رائجة لتجار الأسلحة؟. الخوف من أن تنغرس سكين المسيحي في قلب المسلم، وسكين المسلم في قلب المسيحي؟.الخوف من أن تصبح أرضنا مقبرة لاحلامنا في بناء السودان الواحد المتوحد بجنوبه وشماله، شرقه وغربه؟. الخوف من الا نكون؟. هذه دعوة للخوف، علّنا ندرك هول ما نحن مساقون اليه باسم تحكيم شرع الله.
    هذا مع تحياتي وشكري

    http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=529&col_id=1
                  

04-04-2008, 03:55 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    للشعب ذاكرة وللناس أقلام والسن
    التـــــرابي.. من گـــان دستــــوره بلا ثقــوب فليـرمـــه بحجــــــر!!
    إعداد: علاء الدين بشير
    عقب الافراج عنه بعد حبس دام خمسة عشر شهراً حسوماً، خرج الدكتور حسن الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي، وهو اكثر حماساً للفعل السياسي المضاد تجاه تلامذته واشقائه بالأمس في المؤتمر الوطني الحاكم ونظام الانقاذ. وفي الوقت نفسه اراد الترابي التشكيك في ترتيبات المرحلة القادمة وتقليل درجة الحفاوة بها لدى كثيرين، خاصة أن هناك لاعبا جديدا على الساحة هو الحركة الشعبية ينتظر الجميع ان يروا اداءه، وذلك حتى لا يخفت البريق منه كزعيم سياسي وروحي ذي اثر وخطر في حياة السودانيين، ولذلك عمد الترابي الى تصويب حزمة انتقادات لاذعة للدستور المنتظر اجازته من قبل البرلمان في الخرطوم ومجلس التحرير الوطني في رمبيك في غضون اليومين القادمين، والذي سيدشن الدخول في المرحلة القادمة ويرتب الحياة السياسية فيها، حيث وصف الدستور «بانه لا يعني شيئاً بالمرة» وانتقد وضع الحريات فيه ورأى أنها صودرت بموجب التشريعات التي ستسن لاحقاً، وركز على سلطات الرئيس الممنوحة له بموجب الدستور، وانتقد التمديد له لفترتين رئاسيتين عقب الاربع سنوات الاولى، خاصة انه سيكون اكمل بموجب دستور 98 فترتين سابقتين، وبدا ان الترابي يرفض الاحكام الانتقالية التي ترتبت عليها بعض بنود الدستور قبل اجراء الانتخابات، حيث انصبت كثير من انتقاداته على تلك الأوضاع التي يرى طرفا الاتفاق انها كانت ضرورية، لان ايقاف الحرب ترتب عليها. وركز الترابي على تجريد الدستور من اية توجهات اسلامية احراجاً لحلفاء الامس وخصوم اليوم، مزاحمة لهم في ما تبقى من قواعد الاسلاميين وتأكيداً على انه صاحب المشروع الاسلامي وعرابه ومرجعيته، وذهب حد ان وصف الدستور بانه لا ديني.
    شكوك!!
    ورغم الحيوية التي أضفاها الترابي على الساحة السياسية بخروجه خلال الأيام الماضية، إلا ان كثيرين وخاصة خصومه لا يزالون لا يثقون في مقولاته، ويعتقدون انه مخاتل وبراغماتي من الطراز الاول، بل أن بعضاً من هؤلاء يرون انه غير مؤهل بالمرة لانتقاد الدستور واوضاع الحريات، لسيرته السياسية الخالية من اية سدانة للحريات والحقوق، ويذهبون الى تحميله وزر الكبت والقمع الذي مارسته الانقاذ ضد خصومها، باعتباره من صاغ افكارها وسياساتها وقوانينها وشكل مؤسساتها.
    شواهد تاريخية!!
    ويستدعى خصوم الترابي بعضاً من سير التاريخ لكشف مواقفه المناوئة للحريات والحقوق، وبالتركيز على واقعة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1966م، والتي كان وقتها عضواً بالجمعية التأسيسية ومستشاراً لمجلس السيادة. ومن موقعيه هذين كان ضالعاً في الأزمة الدستورية التي نشبت بواقعة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من قبل الشعب من البرلمان، وقد وضع الترابي «وكان وقتها ايضاً زعيماً لجبهة الميثاق الاسلامي»، كتاباً في ذلك الحين بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية» يناقش الازمة الناشبة، وحاول من خلاله ان يجد السند الفكري والقانوني «كفقيه دستوري» لقرار الحل الذي كان يمثل خرقاً واضحاً للدستور، بعد ان صدرت الفتوى بذلك. وتم تعديل الدستور حتى يتسنى ابتلاع القرار. وقد كتب الترابي في كتابه مدافعاً عن هذا التعديل الذي كان قد وجد اعتراضاً واسعاً من قادة الرأي والقانونيين، باعتباره مكيدة لمصادرة حق أساسي في الدستور لا يجوز مصادرته، بل أنه وفي الفقه الدستوري لا يمكن اجراء تعديل في باب الحقوق الأساسية، الا لمزيد من توسيع الحقوق وليس لمصادرتها، وتراه يقول في صفحة «16» من الكتاب:« وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص، على اساس ان هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل، ولا ما يسند الزعم بأن لفصل الحقوق الاساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول، فكلها تستوي في قوة مفعولها، وأيما قانوني تعلل بمجرد الاهمية النسبية لهذا الفصل او ذاك في تقديره الشخصي، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور، مغالط لا حجة له من القانون، ومعتبط يتجنى على القانون».
    وقد كانت المادة المعدلة في دستور السودان المؤقت لعام 1965م هي المادة 5 «2» وهي من المواد غير القابلة للتعديل، لأنها ضمن فصل الحقوق الاساسية الذي هو من اول ابواب الدستور، وكانت المادة تقول: «لجميع الاشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون»، و لا يستقيم الحديث عن الحكم الديمقراطي الا على أساس الديمقراطية المزيفة اذا اجري عليها تعديل صادر حرية التعبير عن الرأي لان ذلك يقوِّض الدستور تماماً.
    سيرة أخرى:
    وتابع الدكتور الترابي في كتابه ذاك مجافاته لقيم الحرية والتمسك بها وذلك في قوله:«ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور، لكان فصل الحريات من اضعفها لأنه يخضع للتشريع». وتؤشر هذه الجزئية لعدم مركزية الحريات في تفكير الترابي. وكان الأستاذ محمود محمد طه قد رد عليه في كتاب صدر رداً على كتاب الترابي بعنوان «زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان الثقافة الغربية - الثقافة الإسلامية» قال فيه:«فعبارة لأنه يخضع للتشريع» تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي ان تجهل في امر الحرية وفي امر التشريع.. واول هذه الامور ان الحرية لا تضار بالتشريع، وانما تزدهر بالتشريع، اللهم الا اذا كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق الذي يسمي نفسه ديمقراطية زوراً وبهتاناً».
    ويضيف: فعبارة «في حدود القانون» التي وردت في عجز المادة 5 «2» هي روح المادة.. لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها. وكل تشريع غير ذلك لا يسمى تشريعاً الا من قبيل تضليل الناس.. فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور، وهذا هو المعني بدستورية القوانين.. فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعاً دستورياً. انتهى.
    سلطات!!
    وبينما ينتقد الدكتور الترابي في الدستور الحالي وابان خلافه مع القصر، سلطات الرئيس الواسعة، فإنه يرى ان تؤول السلطات للبرلمان بشكل مطلق، بما يعني قيام ديكتاتورية نيابية، فانظره يقول في صفحة «3» من ذات كتابه: (واذا كانت نظريات القانون الدستوري «الوضعي» تعرف السيادة بأنها صفة السلطة المطلقة المنفردة التي تملك صلاحية شاملة ليس لمداها من حدود ولا لصاحبها من شريك، فهذه السلطة مودعة في الجمعية التأسيسية، وبحكم هذه غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق، لا تضاهيها هيئة أخرى ولا يراجعها رقيب، ولا يحدها ضابط قانوني)!! فهو يريد أن يجعل من البرلمان سلطة فوق القانون يتناسى مبدأ حكم القانون الذي هو عماد الدولة الديمقراطية.
    الدكتور الترابي هو أحد الفقهاء الدستوريين. وقد نال درجة الدكتوراة في القانون الدستوري من جامعة السوربون العريقة بفرنسا، وكانت رسالته بعنوان «حالات الطوارئ في الدستور» وقد ذهب البعض وبينهم الاكاديمي السوداني المقيم بفرنسا الدكتور حسن موسى، الى رد مواقف الترابي المتلجلجة ازاء الحريات الى رسالته في الدكتوراة والتي بحث فيها شرعية تعطيل أحكام الدستور ومصادرة الحقوق الأساسية فيه!!
    وقائع معاصرة:
    يقر الجميع بأن الدكتور الترابي هو من وضع دستور 1998م، وهو دستور أثار جدلاً كثيفاً حتى من قبل اللجنة التي كلفت باعداده. حيث انها وضعت مسودة دستور، وعندما دخلت القصر الرئاسي لإجازتها خرجت مختلفة اختلافاً جوهرياً عن اصلها المعد. ويقول مولانا خلف الله الرشيد رئيس اللجنة لـ «الصحافة» انه لا يمكن للجنة مكلفة بإعداد دستور أن تضع دستوراً يرضي السلطة ولذلك فإنها - اي السلطة - دائماً ما تتغول لإجراء التعديلات التي تراها. وأضاف انهم اصدروا بياناً عقب معرفتهم بالتعديلات الجوهرية التي اجريت على المسودة التي اعدتها لجنتهم، والتي تمت بموجبها مصادرة كل الحقوق والحريات الأساسية بموجب القوانين، والغاء الصلاحيات الواسعة التي كفلتها المسودة للولايات في اطار النظام الفيدرالي، وغيرها من التعديلات، ومع ان مولانا خلف الله الرشيد اوضح ان الترابي حمل الرئيس مسؤولية هذه التعديلات لاحقاً عقب المفاصلة بينهما، ولكن الرئيس ايضاً اتهمه هو بها، الا ان مولانا الرشيد يشير الى ان مذكرتهم التي كشفوا فيها حقيقة التعديلات التي أجريت على مسودتهم واحتجاجهم على ذلك لم تعرض على نواب البرلمان الذي كان الترابي رئيساً له في ذلك الوقت.
    ويرى كثيرون ان الترابي ضمن الدستور أفكاره وقناعاته بما جعله مغايراً لما هو متعارف عليه في الدساتير الديمقراطية من مبدأ الحاكمية لله، الى وضع الجيش كحامٍ للنظام الاسلامي، الأمر الذي يجعله فوق الدستور مثلما هو موجود في تركيا الآن، إضافة الى فكرة التوالي السياسي والتي حيرت كثيرين واعيتهم في فك طلاسمها، الى جانب تعيين ولاة الولايات وغيرها من الثقوب والمآخذ الكثيرة على ذلك الدستور ولكن الترابي عاد وقال في مؤتمره الصحفي الاخير :«لايعجبني الدستور السابق وكنت اريد ان اطوره»!!.
    للناس ألسن!
    انتقادات الترابي للدستور الحالي ووصفه بانه «لا يعني شيئاً بالمرة» بالتأكيد ستغضب طرفي اتفاقية السلام والدستور والذين ساهموا في اعداده، خاصة انه سخر من أن تعد لجنة الدستور!! ويقول د. لوكا بيونق عضو لجنة «7+7» التي أعدت مسودة الدستور التي انبنى عليها النقاش داخل مفوضية الدستور وعضو المفوضية عن الحركة الشعبية لـ «الصحافة» ان الدستور الحالي مبنى على اتفاقية السلام ودستور 98 الذي هو دستور الترابي نفسه، ورأى أن هذا الدستور هو حصيلة عشرة اعوام من التفاوض والجدل والحوار حول كيف يحكم السودان، بينما قال الرئيس المشترك للمفوضية د. عبد الله إدريس أن دستور 98م وضع في ساعات فقط. واعتبر د. لوكا تقييم الترابي للدستور بأنه لا يعني شيئاً بالمرة، رأياً شخصياً له ويجب أن يحترم، غير أنه قال إن تقييم الدستور بشكل حقيقي متروك للشعب، مؤكداً انه احتوى على وثيقة كاملة للحقوق، كما نصت عليها مواثيق حقوق الانسان الدولية.
    وبخصوص انتقادات الترابي لفترات الرئيس وسلطاته، رد د. لوكا هذا الامر إلى طبيعة الاتفاقية التي قامت على نظامين في دولة واحدة، نتيجة مواقف المؤتمر الوطني «الذي قال إن الترابي يوافقه عليها بالتأكيد» لقيام نظام حكم مدني في كل السودان، بالاضافة الى ان موقفهم التفاوضي كان يطالب برئاسة بالتناوب، ولكن رفض الأمر من قبل الحكومة، الامر الذي جعلهم يقبلون بهذه التسوية التي مكنت للرئيس لفترتين اضافيتين. واعتبر د. لوكا أن الترابي هو سبب هذه الأوضاع التي ينتقدها. وخلص الى انه طالما لا يوجد تداول للسلطة في الأحزاب، فلا بد ان ينسحب الامر علي الدولة.
    التجمع حذر!!
    لكن الأستاذ علي محمود حسنين رئيس وفد التجمع الوطني في مفوضية الدستور. لم يرد ان يبدي رأياً حول انتقادات الترابي للدستور الذي شاركوا في اعداده في ايامه الاخيرة، واعتبر انتقادات الترابي موقفاً سياسياً في اطار الصراع السياسي بين القوى السياسية المختلفة، ولكنه اكد انهم في التجمع يعترضون أيضاً على كثير من نصوص الدستور، والذي مرجعيته الأساسية هي اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركة، غير أنهم تعاملوا مع الامر الواقع حتى لا يبدون كمن يعترض على اتفاقية السلام. واكد حسنين انهم راضون عما انجزوه في الدستور الحالي خلال الايام الاربعة التي التحقوا فيها بمفوضية الدستور، والتي ادخلت اضافات حقيقية لصالح الحريات والتحول الديمقراطي، رغم اختلافهم في اشياء كثيرة وجوهرية مع الدستور، وعد ذلك من مبادئ الممارسة الديمقراطية وانه لا يتم اخذ كل ما يطلب.
    واتفق مولانا خلف الله الرشيد مع حسنين، في أن انتقادات الترابي للدستور رأيا سياسياً وليس قانونياً، لان الصراع السياسي في السودان يحتم عليه قول ذلك، ولكنه رأى أن هناك قصورا في جوانب كثيرة من الدستور الحالي، ردها الى ان الدستور يوضع بشروط الطرفين اصحاب الثقل السياسي، وهما الحكومة والحركة الشعبية. ودعا الترابي للتعامل مع الواقع كسياسي كما فعل التجمع.
    وبالتأكيد لا يمكن لأحد أن يحجر على الترابي إبداء آرائه في الدستور وفي الحريات، غير أن مسؤوليته تجاه الشعب تتطلب منه العودة الى الوراء قليلاً، لان لهذا الشعب ذاكرة ولن يقبل بضاعته مجاناً من غير ثمن، رغم ما دفعه من ثمن
    http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147497961&bk=1
    _________________

    نضروا وجهي بطيب السلام فالسلام مسجد القلب
                  

04-04-2008, 03:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الصحافة
    الأربعاء 3 أغسطس 2005 العدد 4369
    د. حيدر إبراهيم على
    كيف يصنع السودانيون أزماتهم
    ورغم وجود كتابات الأستاذ محمود محمد طه المجتهدة مثل الرسالة الثانية من الإسلام، القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى، الاّ ان الكتابات شبه المنشور أو البيان طغت على الجهد الفكر الجمهورى - إنتهى

    ---------------------
    گيف يصنع السودانيون أزماتهم؟ ـــ(1)
    د. حيدر إبراهيم علي
    تتميز بعض الشعوب والدول بقدرة محيرة على خلق الأزمات بنفسها ويصعب عليها الخروج إلا بنجدة العالم وبالتدخل الخارجي، والسبب في ذلك سوء تقدير الأمور والإدراك الخاطئ وبالتالي لا تتعامل مع المستقبل، أي ماذا يمكن أن يحدث غداً؟ وكيف تستطيع أن تخطط لما سيأتي؟ والسودان يقع ضمن الدول التي تتميز بصنع أزماتها ذاتياً ثم يصعب عليها الخروج منها. وتعرف الأزمة على أنها الفجوة بين الإمكانات والقدرات من جهة والواقع المنجز فعلياً ويسميها البعض بهدر الإمكانات. ويرى كاتب مثل مصطفى حجازي أن دول الأزمة عديمة القدرة على مقاومة الاستبداد والتخلف أي فقدان المناعة، لأنها عملية هدر الفكر والوعي والطاقات (كتاب الإنسان المهدور، بيروت المركز العربي، 2005). ويمثل السودان بامتياز حالة الهدر ونستخدم في اللغة العامية كلمة ممحوق يعني لديه قدرات كامنة كبيرة ولكن مردود أفعاله قليل. وللكلمة استخدامات عديدة، فالطعام الممحوق قد يكون كثيراً ولكن لا يكفي الناس. فالسودان لا تنقصه الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية ومع ذلك يقبع في أسفل سلم التطور والتنمية في العالم.
    كيف يمكن فهم هذه الظاهرة؟ وهل يشعر السودانيون بوجود أزمة وحين يقرون بوجودها كيف يفسرونها ويسببونها؟ هناك بداية نمطية للتفكير ترجع الأزمة إلى الاستعمار والمؤامرة والاستهداف وأن الغرب الاستعماري لن يسمح للدول العربية والإسلامية بالتقدم. وفي السودان مثال واضح وهو مشكلة الجنوب إذ يبدأ أي حديث أو تحليل للمشكلة بإرجاعها إلى قانون المناطق المعلقة أو المقفولة الذي سنه الحكم الثنائي منتصف عشرينات القرن الماضي ورغم مضي نصف قرن تقريباً على الاستقلال مازالت المسؤولية تلقى على الاستعمار. بالتأكيد الاستعمار هو السبب ومهمته أن يفرّق كي يسد Divide and Rule ولكن بعد جلاء المستعمر ورفع العلم ماذا فعل السودانيون لإزالة آثار الاستعمار وحل مشكلة الجنوب؟ بدأ السودانيون مبكراً في صنع أزمتهم المركزية والمستدامة في الجنوب من خلال الإهمال في منع حدوث تمرد أغسطس 1955 الذي قامت به الفرقة الاستوائية (راجع تقرير اللجنة الإدارية لأحداث الجنوب).
    ثم جاءت السودنة وهي عمل سياسي سوداني ظالمة للجنوبيين، ثم نقضت الأحزاب السودانية وعدها للجنوبيين بوضع خاص في حالة تصويتهم للاستقلال داخل البرلمان، ثم دمغ مطلب الفدريشن بأنه مطابق للانفصال وخيانة الوطن ولم يتم نقاشه بعلنية ووعي، وبعد كذلك كان الخيار صفراً أي القضاء على الجنوبيين المتمردين الحقيقيين والمحتملين، وكانت اتفاقية أديس أبابا بمباركة نظام شمولي يريد استدامة حكمه وجاءت عرجاء لأنها أعطت الجنوبيين فسحة اختيار ورحمت الشمال من المشاركة في السلطة، كانت «مكايدات» الأحزاب حين ماطل الصادق المهدي في تمرير اتفاقية الميرغني- قرنق 1988 كي يحرم غريمه من نقاط سياسية، وأخيراً كانت الإنقاذ تمثل الكارثة الكبرى حين حولت الحرب إلى جهاد مقدس وانتهت إلى اتفاقية من بين خياراتها الانفصال بعد ست سنوات. فقد وصلت بنا -وبتكلفة عالية- إلى نصف وطن، مهدد بأن يكون «لا وطن».
    هذا المثال الأكثر قوة في تأكيد قدرة السودانيين على صنع أزماتهم ليس هو الوحيد ولكن الأبرز الذي تنسب إليه أغلب المشكلات والأزمات. فالانقلابات تبرر نفسها بتقصير الحكومة المدنية في حسم مشكلة الجنوب، والحكومات المنتخبة ترجع فشلها في التنمية إلى استنزاف الحرب الأهلية في الجنوب لموارد البلاد. ولكن هل هذا مجرد تبرير للعجز والتأزم، وتكمن المعضلة أساساً في العقل السياسي أو الفكر السياسي الذي لم يوظف جيداً بقصد فهم الواقع السوداني. ويمكن القول دون مجازفة أن السودانيين رغم انغماسهم وانشغالهم في السياسة لم ينتجوا فكراً سياسياً أصيلاً يخاطب الواقع السوداني. فالسودانيون ظلوا حركيين وحزبيين وخطباء ولكن التفكير في السياسة بقصد إنتاج الأفكار أو التفكير في الأفكار لم يكن من بين الأولويات العقلية للسودانيين. وحتى ما يسمى بالأحزاب العقائدية كانت في أغلب الأحيان مستهلكة للأفكار وليست منتجة لها. ورغم الاهتمام بتكوين الأحزاب في الأربعينات من القرن الماضي ومع الزخم الحركي لمؤتمر الخريجين وحوار المعارك في اختيار لجانه الستينية، كان الضعف الفكري واضحاً في المؤلفات السياسية. فقد اختزلوا السياسة في الخطابة والحشد والمقالب أو فلنقل الدهاء حسب المصطلح العربي الكلاسيكي، وكان ذلك على حساب التأمل والعمق ثم الكتابة والتسجيل والتدوين. ويلاحظ أن القيادات التي حكمت السودان لم تكن في الأغلب تميل إلى الكتابة حتى أن الكثيرين لم يدونوا حتى مذكراتهم الشخصية. وهذا سبب غياب تراكم التجارب وما نسميه الدائرة الشريرة أو المفرغة في دوران الحكم في السودان حول نفسه أي انقلابات، انتفاضات وبرلمانات يعود إلى أهم خلل في صنع السودانيين لأزماتهم وهو غياب تراكم التجارب وهذا ما يسمى التاريخ. بل العكس يتكرر في السياسة السودانية -وكأنه فضيلة- القول بضرورة نسيان الماضي، هل هذا ممكن؟ أم مجرد وعظ بأن نكون متسامحين وغير «حاقدين»؟
    غاب المفكرون عن تحليل الواقع ولأن العقل العربي عموماً يعتمد على الشعر والنثر الجميل على حساب الفلسفة والفكر الذي يهتم بالأفكار وليس بالكلمات الجميلة، لذلك نلاحظ أن الشعراء والأدباء تقدموا على المفكرين المتخصصين والمحترفين. حتى محمد أحمد المحجوب، السياسي المميز ورئيس الوزراء الشهير، عرف أكثر بشعره وبكتابه «موت دنيا» (سيرة ذاتية وبذرة رواية) ولا يذكر الناس كتابه: «نحو الغد»، ولا حتى: «الحكومة المحلية في السودان». وقد حاولت مجموعات مثل الشيوعيين والبعثيين والأخوة الجمهوريين كسر هذه القاعدة والمساهمة في حركة تؤسس لفكر سياسي سوداني ولكن التنظيم والحركية والسياسوية الآنية استطاعت أن تستهلكهم تماماً. فعبد الخالق محجوب الذي كتب: «آفاق جديدة» عقب الاستقلال مباشرة وترجم العلم والأدب، ثم «الاشتراكية الإفريقية» لم نعرف له بعد ذلك كتباً باسمه الخاص بل من خلال الحزب. ورغم وجود كتابات الأستاذ محمود محمد طه المجتهدة مثل الرسالة الثانية من الإسلام، القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري، إلا أن الكتابات شبه المنشور أو البيان طغت على الجهد الفكر الجمهوري. واعتمدت الحركة الإسلامية على كتب الترابي.
    هناك افتراض أولي استهل به هذه السلسلة هو أن الأزمة السودانية هي أزمة الفكر أو غياب الفكر في الحياة السياسية خاصة وأن السياسة المباشرة هي العامل الحاسم للتغيير والتحول في مجتمعات العالم الثالث المتخلفة. ويلاحظ أن نهضة كل شعب تقوم على الالتفاف حول فكرة ملهمة ومقنعة ولكنها مرتبطة بحياة الناس وترى مستقبلهم مقدماً وتعمل له من الآن. فالفكر المصحوب بالعمل هو وسيلة النهضة والتقدم، لأنه أداة للإدراك المنهجي القادر على تفسير الظواهر موضوعياً. وهو هنا يلتقي مع العلم على الأقل في تتبع نفس مناهجه ولكنه يعتمد أكثر على مفاهيم في الفهم والتحليل. وبالمناسبة الخرافة والسحر أدوات لفهم العالم ولكنها ذات فرضيات وطرائق متناقضة تماماً، وكلاهما يبحث عن السببية. وهذا الشرط الأول للخطوات التالية، فعلى سبيل المثال أسباب المرض، لو توصل الشخص إلى أن سبب المرض هو العين أو الحسد، فسوف يتجه إلى الفكي أو الساحر. أما إذا رأى أن السبب وجود فيروس أو ميكروب معين، فسوف يذهب إلى الطبيب. والسؤال الآن هو كيف نحلل أو نفسر أسباب المشكلات التي تواجهنا في السودان؟ يبدو أننا أميل إلى التفسير غير العلمي والدليل بسيط هو استمرار العلل وبقاء التخلف. لذلك دعا كثير من المفكرين إلى تفسير العالم من خلال العالم نفسه أي دون إدخال عامل غيبي خارجي (أو ميتافزيقي). وفي علم الاجتماع يطلب من الباحث أن تفسر الظاهرة الاجتماعية بظاهرة اجتماعية أو ظواهر اجتماعية مثلها. فالفقر مثلاً ليس عقاباً إلهياً كما كان يفسره بعض رجال الدين، ولكنه نتيجة الاستغلال أو اللامساواة أو إهمال الإنتاج.
    يتميز السودان بالتسييس الفائض أو الزائد لكل القضايا والموضوعات، إذ قد تتعدى السياسة مجال ممارسة السلطة كي تحكم كل سلوك وتفكير الناس. إذ تحولت العلاقات الاجتماعية وموضوعات مجرد تجمع بشري أولى بل صارت دائرة انتخابية، والطريقة الصوفية لم تعد شكلاً للعبادة بل تحولت إلى حزب طائفي والأسرة الممتدة ليست مجرد تكافل اجتماعي في دائرة اتسعت بل هي مجموعة تتضامن سياسياً عند اتخاذ المواقف أو الصراع. وهنا قد نصل إلى بعض ملامح الأزمة المتمثلة في ضمور الفكر، يقول الجابري: «العقل السياسي -منذ أرسطو- يقوم على الاعتقاد وليس البرهان، وهو ليس عقل فرد بل عقل جماعة، إنه المنطق الذي يحركها كجماعة، ومعروف أن منطق الجماعة يتأسس لا على مقاييس معرفية بل على رموز مخيالية تؤسس الاعتقاد والإيمان» (العقل السياسي العربي، الدار البيضاء 1990، ص49) ويؤكد بقول لرينان (1823- 1892) المؤرخ الشهير: «نحن لا نستشهد إلا من أجل الأشياء التي ليس لنا عنها معرفة يقينية: فالناس يموتون من أجل ما يعتقدون وليس من أجل ما يعرفون». وهكذا يبتعد الناس - ومن بينهم السودانيون- عن التساؤل والمعرفة، خاصة ونحن الذين نقول: أن جنّا تعرفه خير من جنّ لا تعرفه.
    للمقال بقية


    http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147498362
                  

04-04-2008, 03:57 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    المربي عبد الرحمن عبد الله يروي قصصاً من كفاح جيل
    الأزهري دخَّن سيجارة نكاية في الإنجليز
    فتحنا (120) مدرسة أهلية في عام واحد
    أجراه: المحرر السياسي
    عنّت لي مقولة سمعتها أو قرأتها لا أذكر عن نعمة أن تكون معلماً وذلك لكثرة الطلاب الذين يتلقون العلم والتربية والتوجيه على يديك، وعندما تتفرق بهم السبل في شعاب الارض فانك ستجد التبجيل والتوقير اللائقين بك أينما حللت و(عترت) في احد منهم، او ان يسعى احدهم اليك حيث انت لتقديم فروض التبجيل ومحاولة سداد بعض دينه الذي على عنقه تجاهك والمتمثل في الانوار التي غشيت وعيه جراء العلم الذي بذلته له ومساهمتك في تشكيل شخصيته الحاضرة وباعتبارك أحد الأسباب الاساسية في النعمة التي هو عليها (أيَّاً كان شكلها ووزنها). أقول عنت لي هذه المقولة وانا ادلف الى غرفة مربي الأجيال الأستاذ عبد الرحمن عبد الله عبد العال، بمنزله العامر بالعمارات، شاهدت أحد تلاميذه الكثر وهو الاستاذ هاشم فتح الرحمن- نائب مدير مركز السودان القومي للغات (سلتى) هو ينحني أمامه بأدب الحيران مع شيخهم ويقبِّل يديه وكتفيه ثم يصافحه... قال لى هاشم إن الاستاذ عبد الرحمن عبد الله لعب دوراً مهماً في تشكيل شخصياتنا الحاضرة ولا يمكننا رد فضله علينا ما حيينا.. وأنا أحاوره أو أستمع إلى بعض من رواياته بالتعبير الصحيح وقفت على بعض من أفضال الرجل (المجاهد) على السودانيين جميعاً في الشمال والجنوب عبر سيرته في دروب التنوير والتعليم التي امتدت منذ تخرجه في كلية غردون عام 1936، مرورا بتبوئه منصب نائب وكيل وزارة التربية والتعليم في ستينيات القرن الماضي ثم الى ما بعد تقاعده عن العمل الحكومي..
    داخل كلية غردون
    اسمي عبد الرحمن عبد الله عبد العال، ولدت بمدينة دنقلا في 15/9 /1915، ودرست المرحة الأولية بدنقلا، والوسطى ببربر، ثم دخلت كلية غردون لأدرس الهندسة لأن درجاتي كانت عالية، لكن استاذي البروفيسور ثيوبولد أكتشف أن نظري ضعيف ولا استطيع رؤية ما يكتب على السبورة فأخذني من يدي الى طبيب العيون الانجليزي والذي كان يعاونه طبيب سوداني نسيت اسمه وهو اول طبيب عيون سوداني. كشف الطبيب على نظري وكتب في تقريره بأنني أعمى عديل كده، على الرغم من أن حالتي كانت قصر نظر، وتم التوصية لي بنظارة التي لم أخلعها منذ ذلك التاريخ، وتحويلي في الوقت نفسه من دراسة الهندسة الى دراسة الرياضيات التي تخصصت فيها الى جانب اللغة الانجليزية.
    زاملت في الدراسة بكلية غردون جمال محمد أحمد وبابكر عوض الله وحسن الطاهر زروق وصلاح الدين عبد الله والدرديري عثمان ونصر الدين السيد ومحمود محمد طه.. والأخير كان أكثرنا طهراً وشجاعة وجدية، لدرجة أننا لم نكن نستطيع التفوه بأي عبارات غير لائقة في حضوره.
    لم يكن مسموحاً بنشاط سياسي علني داخل الكلية غير ان بعض الأساتذة السودانيين بها كانوا يحرضون الطلبة سراً ضد الانجليز ويبثون بينهم الوعي بالاستعمار وحقائقه، بينما كان هناك اساتذة آخرون يحبون الانجليز ويتعاونون معهم.
    تخرّجت استاذاً للرياضيات وتم ابتعاثي الى انجلترا لنيل دبلوم في التربية من جامعة ليستر لمدة سنتين، عدت بعدها لأعمل استاذاً للرياضيات والانجليزي بكلية غردون وزاملت اسماعيل الأزهرى في التدريس بشعبة الرياضيات بالكلية رغم انه كان استاذاً لي فيها، وقد كانت هذه اول وظيفة لي في حياتي العملية.
    كان مدير كلية غردون وأساتذتها الانجليز من دهاقنة الاستعماريين وقد كانوا يمعنون في اضطهاد الأساتذة والطلاب السودانيين ويعدونهم مجموعة من الرعاع والهمج، واذكر ان مدير الكلية اصدر قراراً بمنع الأساتذة السودانيين من التدخين وخلع جاكتاتهم داخل الكلية، بينما كان ذلك مسموحاً به لرصفائهم من الانجليز، وعندما بلغ هذا القرار الزعيم اسماعيل الازهرى جاء في اليوم التالي لصدور القرار مشعلاً سيجارته وخالعاً لجاكيتته رغم أنه لم يكن يدخن اصلاً، وقال إنه فعل ذلك نكاية في الانجليز ولتشجيع السودانيين على التمرد ضد صلف المستعمرين.
    ايضاً صدر قرار آخر من مدير الكلية يلزم الاساتذة السودانيين بالوقوف وتحية زملائهم الانجليز لدى مرورهم من امامهم، وقد رفض بعض السودانيين تنفيذ هذا القرار، واذكر ان احدهم قال اذا اردنا تنفيذ هذا القرار (الا نلصق ايدينا على وشوشنا) من كثرة مرور الاساتذة الانجليز امامنا على مدار ساعات اليوم.
    لؤم الاستعمار
    ويواصل الاستاذ عبد الرحمن: لؤم الانجليز تجاه الشعب السوداني كان لا يوصف وهم عكس ما يحاول ان يصفهم به بعض السودانيين الآن، فمثلا مفتش مركز ام درمان، برمبل كان شخصية في غاية الاستبداد، وكان يردد دائما ان اغنام المقرن أكثر تمدنا من مواطني ام درمان، لأنها تفسح الطريق بمجرد سماعها بوق سيارته. لكن ما لم يكن يعلمه برمبل وراء ذلك هو ان مواطني ام درمان كانت جذوة الثورة المهدية لا تزال تتقد في دواخلهم لذلك كانت ام درمان توصف بأنها العاصمة الوطنية.
    ولكراهية مواطني ام درمان له، صرح ذات مرة بأنه سيورث ابنه ايضاً منصب مفتش مركز ام درمان، فهاجمه ابو الصحف، أحمد يوسف هاشم باربع مقالات نارية بعنوان (لن يصبح ابنك -أيضاً- سيداً علينا).
    ومن وقائع لؤم هذا المفتش الانجليزي برمبل ومظاهر الوحدة الوطنية لدى السودانيين في ذلك الوقت، انه اصر على اخذ قطعة ارض في ام درمان امام ميدان البوستة الشرقي كانت مملوكة لمواطن قبطي ليشيد عليها سينما، وتعويضه لها في مكان آخر، لكن الرجل رفض ذلك، وتضامن معه كل تجار سوق ام درمان ومواطني المدينة لكن برمبل لم يتنازل عن الارض ابداً، وتم تصعيد القضية عن طريق الحركة الوطنية الى اعلى سلطة لكن لم يجدوا الإنصاف فكتب الأزهرى تلغرافا إلى المفتش برمبل ختمه بقوله (اذا لم نجد العدل عند المفتش الانجليزى سنرفع شكوانا الى الله)، ولم يكن الانجليز يسمحون للسودانيين بمخاطبتهم بمثل تلك اللهجة، لذا رد برمبل على الأزهري واصفا إياه بأنه قليل ادب، وقام برفع شكوى ضده الى مدير كلية غردون، فرد عليه الأزهري ببرود: والله طلابي البدرسهم لا يعتقدون مثل اعتقادك بل يرون أنني مؤدب ولذلك قبلوا ان يتعلموا على يدي.
    اخذ برمبل الأرض بالقوة وبنى عليها السينما المشهورة باسمه، لكن مؤتمر الخريجين وجه عضويته بعدم دخولها وجمع ممثلي الحرفيين والتجار وغيرهم حتى يوجهوا عضويتهم بمقاطعة سينما برمبل وبالفعل تمت مقاطعة شاملة للسينما، فحتى الطلاب قاطعوها رغم أنها كانت تعرض بعض الافلام المقررة عليهم في مادة الأدب الانجليزي، ونتيجة للمقاطعة الشاملة، اضطر الانجليز لادخال المخمورين الذين يمرون ليلاً بعد ان يعطوا كل واحد منهم عشرين قرشاً مقابل ذلك، واخيراً اقتنعوا بأنهم فشلوا. بعد خروج الاستعمار اطلق السودانيون على سينما برمبل (السينما الوطنية) تخليدا لملحمة المقاطعة الوطنية لها.
    ملاحم في درب التنوير
    كان التصديق لاقامة مدرسة اهلية يأتي من الحاكم العام شخصياً بما يبين رغبة الانجليز في بقاء السودانيين على جهلهم ومحاربتهم لاي اتجاهات للوعي والتنوير. لم تكن هناك مدارس وسطى أهلية غير مدارس كمبوني التبشيرية، ورغم انها لم تكن تعمل على تنصير الطلاب علناً الا انها كانت تفعل ذلك بطرق أخرى حيث يطلب من الطلاب ان يؤدوا بعض الطقوس ذات الدلالة المسيحية، هذا الامر ازعج اولياء الامور والاهالي في ام درمان لذلك تداعوا من اجل تأسيس أول مدرسة اهلية وسطى في السودان هي مدرسة ام درمان الاهلية الوسطى التي تقع جوار منزل الزعيم الازهري حاليا، وقد كانت قصة تأسيسها عبارة عن ملحمة وطنية فقد تدافع مواطنو ام درمان للتبرع كلٌّ بما يملك في حماس طاغ، وكان على رأس المتبرعين التجار ومفتش المركز السوداني البك باشى نور، وكريمته التي جاءت وتبرعت بكل مصوغاتها من أجل تشييد المدرسة وبالفعل قامت المدرسة التي يراها الناس اليوم.
    بعد الأهلية قرر مؤتمر الخريجين ان يفتح مدرسة اهلية اخرى في القولد بالشمالية، وقد كانت سياسة الانجليز الا يفتحوا اي مدارس في دنقلا حرصا على علاقة الدناقلة بالمصريين. عندما تقرر تأسيس المدرسة شجعني الاستاذ محمود محمد طه لاذهب مديرا لها وقال لي اذهب وعلم اهلك. وبالفعل استقلت من كلية غردون وذهبت مديرا لمدرسة القولد الاهلية الوسطى في اوائل الاربعينيات من القرن الماضي، وقد شاركت في تشييدها من حجر اساسها وكنت احمل مع الطلاب والاساتذة والاهالي ما يتبرعون به من الحديد الاخشاب وجريد النخل والحجر والطوب والمونة ونردد جميعا النشيد الوطني الشهير (صرخة روت دمى)... (يصمت برهة ثم يقول: كان جهادا حقيقيا والله)، ومن فرحة المواطنين بالمدرسة كانوا يدعونني مع الأساتذة في بيونهم، وكان الناس يقولون في بيوت الافراح ان المدرسة ستهد بيوت الظلم، لم يكونوا يقولون الانجليز رغم انهم يعنونهم لان الانجليز كانوا قساة ضد اي اتجاه للتمرد على سلطانهم. واذكر اننا ذهبنا الى مفتش المركز الانجليزي بدنقلا لنطلب منه التصديق لنا بإقامة داخلية للطلاب بالمدينة فرفض ذلك وقال لنا (عاوزننا نفتح مدرسة عشان يعلم الدناقلة قلة الادب)! وفى اول امتحانات نجح كل الطلاب بالمدرسة.
    كانت مدرسة القولد اول مدرسة وسطى في كل السودان الشمالي من حلفا الى بربر حتى خروج الانجليز من البلاد وكانت في كل السودان في ذلك الوقت عشر مدارس وسطى فقط.
    بعض رموز المجتمع التقليدي في المدينة لم يكونوا سعداء بالمدرسة لانها ستهدد سلطتهم الاجتماعية واذكر ان احد هؤلاء وكان تاجرا من محاسيب الادارة الاهلية بدنقلا ويمت لي بصلة قرابة ولكنه كان يعاديني، دعا احد الاساتذة الانجليز من الذين بعثوا بهم الينا لمراقبة امتحانات الشهادة، فدعاه قريبي هذا في منزله، لكنى التمست من الأستاذ ألا يلبي الدعوة حتى لا يستغلها ذلك الرجل في تقوية نفوذه بين المواطنين البسطاء، فاصر الاستاذ على الذهاب فاضطررت لاستخدام سلطاتي كمدير وقلت له: إذا لبيت الدعوة فلن تدخل الى مدرستي بعدها. وبالفعل غير الاستاذ رأيه ولكنه (صراها) ليّ. فعندما تركت مدرسة القولد التي كنت مديرا لها، نقلت الى مدرسة وادي سيدنا الحكومية، فوجدت مستر بيكر هذا رئيساً لشعبة الرياضيات، ورغم انني كنت مديراً الا انه وبتواطؤ مع مدير المدرسة الانجليزي ايضا خفضني لأصبح استاذاً فقط، فواجهته بقوة وقلت له انني افضل منك في الرياضيات واكثر خبرة منك في التدريس. وقد خلق ذلك جفوة بيني وبينه لذلك عندما غادر البلاد اقام حفلا في بيته دعا له كل الاساتذة بشعبة الرياضيات ولكنه لم يدعون إليه.
    معارك في الأدغال
    ويواصل الاستاذ عبد الرحمن سرد قصص الملاحم: تم نقلي الى مدرسة رمبيك الثانوية نائبا للناظر الانجليزي، وكانت رمبيك هي المدرسة الثانويه الوحيدة في كل جنوب السودان، وكان ناظرها مستر كلايتون من عتاة الاستعماريين الانجليز الذين يعملون بدأب شديد على التفريق بين الاساتذة الشماليين والطلاب الجنوبيين، لذا فإنه كان حريصاً على سلبي سلطاتي، ذهبت الى هناك ترافقني زوجتي وكان هناك منزل مخصص لنائب الناظر لكن الانجليز سكنوا فيه احد الموظفين منهم. فذهبت ووضعت حقائبي امام المنزل واصررت على أن أنزل في المنزل المخصص لي وقلت لكلايتون الذي كان يعرف علاقتي الحميمة باسماعيل الازهري منذ ايام كلية غردون، اننى نائب ناظر حقيقي ولن اسمح لاحد بالعبث بسلطاتي لذا فانني اريد بيتي. فاضطر الرجل لاخراج الموظف الانجليزي من المنزل لانزل فيه، ولكنه اطلق اشاعة في المدرسة بأن الازهري ارسلني لاشتغل سياسة لا لاعمل معلماً، ورغم ان حديثه لم يكن صحيحا الا ان الاساتذة الانجليز حضروا اليَّ في مكتبي واخبروني بان آراء كلايتون لا تمثلهم وأنهم يعترفون بي نائباً للناظر.
    الحكومة كانت تمنح ميزانية التعليم في الجنوب للمبشرين المسيحيين وبالتالي لم تكن تضع ميزانية للتعليم في الجنوب ولم تفتح مدارس من اصله.
    خلقت علاقات حميمة جداً مع الطلاب الجنوبيين وخصوصا الدينكا منهم. وكنت دائما اقول لهم انكم احبابنا لأننا جميعا سودانيين بينما الانجليز هم اعداؤنا الحقيقيون لأنهم يستعمرون لبلادنا. ولانني كنت اول استاذ سوداني يدرس في رمبيك يحضر الطلاب الى منزله، كان الانجليز يتربصون بي ويحاولون ضرب الثقة التي بدأت تنشأ بيني والطلاب الجنوبيين... كان الانجليز يكرهون الدينكا لانهم كانوا قريبين جداً مني ويكرهون الاستعمار ويأتون الى منزلي في الاعياد والامسيات ويتناولون طعامهم معي وكنت انا اتناول فطوري معهم في السفر المخصصة للطلاب بينما لا يفعل الاساتذة الانجليز ذلك، وكنت اقول لهم ان اختلاف أعرافنا وألواننا وأدياننا لا ينفي حقيقة أننا مواطنون سودانيون، بل انني دخلت الكنيسة عدة مرات لحضور بعض المناسبات التي كنت ادعى لها وكان ذلك بمثابة تأكيد لهم بانه لكم دينكم ولي دين. الاساتذة الانجليز كانوا يدعون الطلاب الى منازلهم لتعاطي الويسكي والخمور الاخرى، لم اكن افعل ذلك ليس لانه حرام بالنسبة لي فحسب ولكن لان اللوائح التربويه تمنع ذلك.
    كراهية الانجليز للدينكا جعلتهم يقربون الإستوائيين اليهم والذين كانوا بطبعهم لا يحبون الشماليين، واذكر ان اضرابا حدث في المدرسة فوقف الطلاب من الدينكا معنا بينما وقف الاستوائيون مع الانجليز.
    كنت اسمع عن الزعيم الجنوبى سانتينو دينق الذي كان من مؤيدي الوطني الاتحادي ومناصري ازهري في الجنوب ولكنني لم اره من قبل، واذكر ان رجلا جنوبيا تبدو على سيماه المهابة حضر اليَّ ذات صباح وطلب مني ان اجمع له الطلاب لانه يريد أن يخاطبهم، ولاننى أردت أن أعرف اسمه دون أن أساله، قلت له إن ذلك يقتضي تقديم طلب كتابة إلى ناظر المدرسة الانجليزي وهو الذي يملك ان يقبل او يرفض وحتى لا يظن انني أسعى لتحريض الطلاب ضد الانجليز، وبالفعل كتب الطلب وذيله بتوقيعه وعرفت منه ان الرجل هو الزعيم سانتينو دينق... حملت الطلب الى الناظر مستر كلايتون فجاءه مهرولاً ومتودداً ليظهر له أنه يحترمه وقام بدعوته لتناول الإفطار معه، ولان دينق كان يكره الاستعمار اعتذر لكلايتون وقال له: سأتناول فطوري مع عبد الرحمن عبد الله، وقد كانت تلك صفعة قوية لكلايتون وكل الاستعماريين، ولم يكتف سانتينو بذلك بل طلب مني أن ادعوا من أشاء من الشماليين لتناول الافطار معنا. (بالله شفت رجالة سانتينو دى كيف؟).
    عين سانتينو دينق وزيراً في اول حكومة وطنية بعد السودنة، ولكن الازهري عاد وعزله من الوزارة في الحكومة التي اعقبت الجلاء بحجة ان تعليمه محدود، واذكر انني لم اغضب من الازهري يوماً كغضبي عليه يوم عزله سانتينو دينق من الوزارة لانني اعتبرت ذلك هزيمة لرجل مناضل ووحدوي وزعيم كبير في اهله مثل سانتينو.
    عدت الى الخرطوم من رمبيك وقد قتل الاستاذ الذي خلفني في منصب نائب الناظر قبل ان يستلم مهامه في احداث 1955، بينما نجت زوجته لان الطلاب حملوها واخفوها داخل الكنيسة. واذكر من طلابي الذين درستهم ابيل الير والبروفيسور ريتشارد حسن ساكت الذي صار طبيبا ثم مديرا لجامعة جوبا ووزيرا اقليميا في الجنوب بعد اتفاقية اديس ابابا.
    في معركة التحرر
    عينت مديرا لمدرسة لمدرسة عطبرة الثانوية في منتصف الخمسينيات، واذكر انني عندما وجدت ان الامهات هن الاكثر اهتماما بتعليم ابنائهن من الآباء وهن اللائي يفرحن بنجاحهم، قررت ان اقيم يوماً خاصاً للامهات على قرار يوم الآباء، وكان ذلك امرا صعبا في الخمسينيات، وحتى لا يقال انني عزمت النساء، طلبت من كل طالب ان يدعو امه باسمه لحضور يوم الامهات المفتوح بالمدرسة، وبعد ترتيب كل الامور داخل المدرسة واعداد البرنامج الترفيهي من تمثيل وغناء وشعر وتجارب علمية وغيره من قبل الطلاب، استدعيت فاطمة طالب وكانت مديرة لمدرسة البنات الوسطى وقلت لها ستكونين مديرة المدرسة في ذلك اليوم وطلبت منها ان تحضر معها معلمات المدرسة. وخرجت انا وكل المعلمين في ذلك اليوم بعد ان وضعنا بوليساً لحراسة المدرسة، وكنت خائفا من فشل ذلك اليوم، وان لا تتمكن الامهات من الحضور نتيجة لرفض الآباء، غير ان اليوم اصاب نجاحا منقطع النظير واحضرت كل ام جارتها لتريها ابنها وتفاخر به أمام الناس، وكان حدثا في تاريخ عطبرة، غير انني لم اتمكن من تكراره مرة اخرى في اي مكان عملت فيه.
    بعد سودنة الوظائف في وزارة المعارف نقلت ناظرا لمدرسة ام درمان الثانوية بنات وكنت اول سوداني يشغل منصب مديرا لمدرسة بنات لانو ناس فاطمة طالب كانوا لسه صغار، وكانت مهمة صعبة ان تدير مدرسة للبنات في مجتمع الخمسينيات، وقد قالوا لى ان هناك نائبة لي انجليزية ستتولى المهام بشكل اساسي بينما وجودي لمجرد رمزية السودنة غير انني كنت ارفض ان اكون مجرد ديكور، بالفعل ذهبت واستلمت اعبائي واستطعت ان اكسب ثقة البنات لدرجة انني كنت اتناول معهن الفطور ، ولم اترك للمدرسة الانجليزية الفرصة لتقاسمني صلاحياتي، بل انني حميت الطالبات من قسوتها تجاههن والناجمة عن انها كانت كبيرة السن وغير متزوجة.
    ثورة تعليمية
    ويواصل الاستاذ عبد الرحمن: كانت بيني وازهري مودة خاصة تعود الى انني درست على يديه وزاملته في التدريس، بعد الاستقلال كنت في عطبرة مديرا، استدعاني ازهري الى الخرطوم وقد جاء في برقية الاستدعاء التي وصلتني من وزارة المعارف ان الرئيس يطلبني في مهمة عاجلة. بالفعل ذهبت الى الخرطوم وجلست الى ازهري والمسؤولين بوزارة المعارف، قالوا لي نريد عمل ثورة تعليمية في البلاد، وصدر بعد ذلك القرار 703 الشهير والذي فتحنا بموجبه 120 مدرسة في عام واحد، وقد طلبنا في ذلك القرار من الاهالي ان يتبرعوا لبناء المدارس على ان تتولى الوزارة تعيين المعلمين، ولم يخب الشعب آمالنا فقد كانت استجابته كبيرة وجاء الناس بالأفواج للتبرع لمعركة التعليم، وكنت عينت مساعداً لوكيل المعارف للمدارس غير الحكومية، لذا فقد كانت مهمتي تنحصر في توفير المعلمين للمدارس الجديدة التي فتحت، ولما كانت الوزارة لا تمتلك العدد الكافي من المعلمين لمقابلة تلك الطفرة الكبيرة في التعليم، فقد اعملت جهدي في توفير العدد المطلوب من الشارع، ففتحت الباب لتعيين كل من اكمل الوسطى ليصبح معلماً ابتدائيا، ومن اكمل الثانوي ليصبح معلماً في الوسطى وهكذا.
    واذكر انه بعد ثورة اكتوبر جئ بزيادة أرباب وزيراً للمعارف فحول كل المدارس الاهلية التي فتحناها الى مدارس حكومية بجرة قلم، وقد كان ذلك قراراً شجاعاً وحكيماً منه.
    سألت اخيراً الاستاذ عبد الرحمن عبد الله عن بعض طلابه مِنْ مَنْ برزوا في الحياة العامة بعد هذا العمر المديد في دروب التنوير، فقال لي انهم كثر من بينهم البروفيسور الراحل عبد الله الطيب والذي درسته بمدرسة بربر رغم اننا كنا متقاربين في العمر، والبروفيسور اسماعيل (الزعيم) مدير جامعة الجزيرة، والبروفيسور صلاح الدين أحمد محمد، وهو عالم رياضيات نال جائزة عالميه قريباً في أميركا، والبروفيسور علي محمد خير في كلية العلوم بجامعة الخرطوم، وبروفيسور جبارة في جامعة الخرطوم ايضا، والوزير الأسبق للزراعة بروفيسور أحمد علي قنيف، ووالى الجزيرة الحالي الفريق اول عبد الرحمن سر الختم، والوزير الحالي عبد الباسط سبدرات، والقيادي الاتحادي تاج السر محمد صالح.

    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508090&bk=1
    __
                  

04-04-2008, 03:57 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عودة إلى الحوار العجيب !! (1 )
    د. عمر القراي
    (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ، فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) صدق الله العظيم
    لم يحتمل د. محمد وقيع الله ، تعليقي على الجزء الأول من الحوار، الذي أجراه معه الصحفي صلاح شعيب ، فخرج عن وقاره ، وجنح إلى الاساءة ، ظناً منه انه بهذه الطريقة سيحافظ على المكانة العالية التي حاول ان يظهر بها حين ادعى انه يقيم الفكر الجمهوري !! ورغم انه قد اخبرنا في ذلك الحوار، ان ما منعه ان يدخل في تنظيم الاتجاه الاسلامي ، رغم إيمانه بفكرتهم ، واعتقاده بأن مشروعهم الحضاري مازال قائماً ، وناجحاً ، انه سريع الاحتدام ، والاصطدام ، مع من يختلف معه في الرأي ، الا انني لم اتوقع ان يبلغ به الغضب ، حداً يجعله يعجز حتى عن ذكر أسمي ، فيصفني ب ( الشخص) و( مجادلي هذا ) و( مجادلي المتحامل) و ( الانسان المجادل ) الى غير ذلك من الالفاظ !! ولقد ذكرني هذا السلوك بالاطفال ، حين يتشاجرون في الحواري ، فيضرب أحدهم زميله ، وحين يسأل الطفل المضروب عن من ضربه ، لا يذكر اسمه وإنما يشير إليه باكياً ظناً منه إن ذكر اسمه مصالحة له !!
    بهذا العجز عن السيطرة على سورة الغضب ، أسرع د. محمد وقيع الله ليرد على تعليقي السابق ، دون ان يتأنى ، أويمهل نفسه ، وزاد من أزمة وقيع الله ، ان بعض قراء (سودانيزاونلاين) وافقوا على نقدي له ، ففوجئ بأن هناك من يدرك مفارقاته العديدة ، من غير الجمهوريين ، فضاق صدره ، وانشغل بالهجوم والمهاترة ، عن لب الموضوع ، فجاء تعقيبه بالاضافة الى السطحية المعهودة ، والافتراءات غير المثبتة ، يطفح بكثير من الاساءات للاستاذ محمود محمد طه ، وللفكرة الجمهورية ، ولشخصي .. وهذا ما لا استطيع ان اجاريه فيه ، لأن كل انسان إنما ينفق مما عنده !!
    الادعاء :
    لقد ادعى وقيع الله ، في المقابلة ان الاستاذ محمود ، قد كان متحاملاً ، ومحرفاً ، ومعادياً للاسلام ، لأنه انكر الصلاة ، والصيام ، والحج، فطلبنا منه البينة .. وكنا نظن انه فهم ان المطلوب منه ، ليثبت صدق ادعائه ، ان يورد لنا من كتب الاستاذ محمود ، ما يؤيد هذه الاتهامات .. وبدلاً من ذلك ، أخذ يكرر نفس مزاعمه ، وكأن تكرارها سيقنع القراء بصحتها ، أسمعه يقول (لقد استنكر مجادلي هذا اني هجمت على شيخه وقلت انه متحامل على الاسلام ولم ابين" كيف كان الاستاذ محمود متحاملاً أو محرفاً او معادياً للاسلام ". ولو قرأ مجادلي هذا قولي بوعي كامل لاستنبط الحيثيات التي بنيت عليها القول ، فإني قلت ان محموداً عمل على تقويض اركان الاسلام وهدم دعائمه الكبرى فانكر الصلاة والصيام والزكاة والحج، فهل من تحامل او تحريف او عداء للاسلام أشد من هذا أو أسوأ ؟) !!
    فهل مجرد قول وقيع الله ، بأن الاستاذ قد انكر دعائم الاسلام ، يعتبر حيثيات يمكن ان يطلقها في الهواء ، ثم يقرر على اساسها ، بأن الاستاذ محمود معادٍ للاسلام ؟! أم ان هذه الدعاوى تحتاج الى اثبات من كتب الاستاذ محمود ، لتصبح بعد ذلك ، حيثيات تناقش ، فتقبل او ترفض ، على اساس الفهم ؟! ان الحقيقة هي ان الاستاذ محمود قد شرح الصلاة ، ودعا لها ، وكتب عنها ، بمستوى رفيع لم يوفق اليه غيره ، وشرح الصيام ، ودعا له ، ولم ينكر الحج ، بل نبه لانحراف الناس به ، عن مضامينه الحقيقية ، ولم ينكر الزكاة ، بل دعا الى ارفع مستوياتها ، في زكاة العفو التي كان عليها عمل النبي صلى الله عليه وسلم .. ولهذا فإن مهمة وقيع الله ، لإثبات غير ذلك ، مهمة نعتقد انها مستحيلة ، وهذا هو الذي جعله ينحرف منها لتكرار ما ذكره من قبل !!
    ويواصل وقيع الله ( لقد قلت هذا في الحوار الصحفي عرضاً وقبل ذلك قلته مستفيضاً في إطار البحث الذي نشرته (الصحافة) قبل شهور عن الفكر الجمهوري، ونشرته بعض المواقع الالكترونية مشكورة نقلاً عنها، وعلق عليه بعض الافاضل وغيرهم ، ولا استبعد ان يكون مجادلي هذا قد اطلع عليه ثم عجز عن مقارعته الحجة بالحجة مكتفياً بملاحقة ظواهر الألفاظ والعبارات في هذا الحوار الصحفي العفوي الذي اجراه معي الاستاذ شعيب في نهاية يوم عمل صاخب...) !!
    أما انا فقد قرأت حلقتين ، مما اسماه وقيع الله بحثاً ، ولم اجد فيه أي شئ من مقومات البحث ، وانما هي اتهامات وافتراءات ، تقوم على سوء الفهم ، وسوء التخريج ، ساقها بلا دليل ، كما فعل في مقاله هذا .. ولقد نشرت في جريدة رأي الشعب ، ولقد وعدوا بنشر اربع حلقات ، ولكنهم توقفوا عن النشر، فلم اعثر على بقية المقالات ، التي كنت انوي التعقيب عليها .. فلماذا لم يقتطف لنا وقيع الله ، هنا ، ما يدعم به زعمه ، ان كان في ذلك البحث ، إضافة- على ما أورد في المقابلة - يثبت بها ان الاستاذ محمود ، قد قال ما نسبه اليه ؟! لم يفعل ذلك لأن الحوار قد كان عفوياً و ( في نهاية يوم عمل صاخب ) !! أما كان من الممكن ان يعتذر بأنه متعب ، فيؤجل اللقاء ، بدلاً من ان يدخل فيه ويضطر الى إلقاء التهم جزافاً ، وهو عاجز عن اقامة الدليل عليها ؟!
    الجد والهزل :
    لقد زعم د. محمد وقيع الله ، في المقابلة ، انه يختلف مع كل ما كتب الاستاذ محمود ، ولا يتفق معه ، الا في (حروف الجر والنصب والتسكين) !! ولعله جنح الى تلك المبالغة المفرطة ، من باب الاستهزاء ، والهزل .. ولكن أمر الدين كله جد ، ولا مكان فيه للهزل . ومهما ساق وقيع الله ، من مبررات ، فإن حديثه ذاك ، اما ان يكون حقا ، او ان يكون كاذباً فيه ، وليس للكذب في الدين تبرير يسوغه ، وان كان الهزل والمبالغة . ولقد اوردت له نصاً من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو ( عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلادي ، اشرقت شمس مدنية جديدة بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية . ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب ، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق ، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها ، من الناحية النظرية على الأقل ، غداة أنزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر ، وهي قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)" وسألته ان كان يختلف مع كل ما ورد في هذا النص ما عدا (حروف الجر والنصب والتسكين) ..
    ولو كان وقيع الله صادقاً ، لوقف عند هذا النص ، ولاعترف دون مكابرة ، بأنه كان يقصد انه يخالف ما ورد في كتب الاستاذ محمود ، ويقصد بذلك مجمل الأفكار، ولا يعني ما قاله بالتحديد ، من انه لا يقبل من كتب الاستاذ الا (حروف الجر والنصب والتسكين) .. ولما احتاج بعد ذلك ، الى هذه المرافعة الطويلة الفاشلة ، التي يبدأها باستثناء جديد ، لم يذكره قبلاً ، وهو الآيات القرآنية .. ثم يختم حديثه ، بأن قوله هذا من باب المجاز، الذي اتى به لمعرفته باللغة العربية ، التي يتهمني بالجهل بها ، وهو يظن ان المعرفة باللغة ، تعطيه الحق في هذا


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508097&bk=1
                  

04-04-2008, 03:58 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    عودة الى الحوار العجيب !! (2)
    الجد والهزل :
    لقد زعم د. محمد وقيع الله ، في المقابلة ، انه يختلف مع كل ما كتب الاستاذ محمود ، ولا يتفق معه ، الا في (حروف الجر والنصب والتسكين) !! ولعله جنح الى تلك المبالغة المفرطة ، من باب الاستهزاء ، والهزل .. ولكن أمر الدين كله جد ، ولا مكان فيه للهزل . ومهما ساق وقيع الله ، من مبررات ، فان حديثه ذاك ، اما ان يكون حق ، او ان يكون كاذباً فيه ، وليس للكذب في الدين تبرير يسوغه ، وان كان الهزل والمبالغة . ولقد اوردت له نصاً من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو ( عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلادي ، اشرقت شمس مدنية جديدة بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية . ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب ، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق ، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها ، من الناحية النظرية على الأقل ، غداة أنزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر ، وهي قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" ) وسألته ان كان يختلف مع كل ما ورد في هذا النص ما عدا (حروف الجر والنصب والتسكين) ..
    ولو كان وقيع الله صادقاً ، لوقف عند هذا النص ، ولاعترف دون مكابرة ، بانه كان يقصد انه يخالف ما ورد في كتب الاستاذ محمود ، ويقصد بذلك مجمل الأفكار، ولا يعني ما قاله بالتحديد ، من انه لا يقبل من كتب الاستاذ الا (حروف الجر والنصب والتسكين) .. ولما احتاج بعد ذلك ، الى هذه المرافعة الطويلة الفاشلة ، التي يبدأها باستتثناء جديد ، لم يذكره قبلاً ، وهو الآيات القرآنية .. ثم يختم حديثه ، بان قوله هذا من باب المجاز، الذي اتى به لمعرفته باللغة العربية ، التي يتهمني بالجهل بها ، وهو يظن ان المعرفة باللغة ، تعطيه الحق في هذا التصريح الذي ينطوي على الكذب !
    يقول د. محمد وقيع الله ( وعلى مجادلي هذا الا يندهش اذا اجبته باني بعد ان اخرج الآية الكريمة التي في النص فاني اختلف مع النص على الجملة والتفصيل ) !! لماذا يختلف مع هذا النص جملة وتفصيلاً ؟! يقول ( لأني اقرأ هذا النص المحمودي الخبيث على ضوء مجمل قراءاتي للفكر الجمهوري الذي قرأت فيه اكثر من سبعة وعشرين كتاباً والعبارة المفتاحية التي تدعوني لكي ارفض هذا النص على علاته هي قول محمود محمد طه الاحتراسي : ان المدنية الاسلامية كانت متفوقة من الناحية النظرية على الاقل. فهذه العبارة تفترض بل تتضمن ان هناك رسالتان من دين الاسلام...) !!
    لقد حمل وقيع الله النص ما لا يحتمله ، وفهم منه ان المدنية الاسلامية ، تفوقت نظرياً فقط ، ولم تتفوق عملياً ، لأن التفوق العملي ، سيتم للرسالة الثانية !! هذا ، مع أن النص ، قد كان يتحدث عن القرن السابع الميلادي ، وهو وقت الرسالة الاولى فقط . ان ما قصده النص ، بعبارة من "الناحية النظرية" ، هو ان التفوق على الفرس والروم ، قد تم نظرياً بمجرد نزول الآية ، لأنها آخر ما نزل من القرآن ، وبها اكتمل نزوله ، وهو المشار اليه ببزوغ شمس المدنية الجديدة ، التي فاقت الفرس والروم .. ولكن التفوق العملي ، لم يحدث بمجرد اكتمال نزول القرآن ، وانما جرى في الزمن ، في بقية القرن السابع ، وما تلته من قرون . ومهما يكن من امر المعاني المستكنة ، في هذه العبارة ، فان وقيع الله ، لم يقل انه يخالف كل ما كتب الاستاذ، اعتماداً على تأويله للمعاني الخفية فيه ، وانما قصد انه يخالفه في الظاهر، ولهذا ضرب المثل على ما يوافقه فيه ، وهي ( حروف الجر والنصب والتسكين )، وهي أمور ظاهرة ، لا تحتمل تأويل ..
    يقول وقيع الله ( فهذه العبارة تفترض بل تتضمن ان هناك رسالتان من دين الاسلام ، اولاهما تلك التي كانت في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته والتابعين الأكرمين ، وهي في نظر محمود رسالة الاسلام السلفية القاصرة القائمة على القرآن المدني الذي لا تصلح احكامه لانسانية القرن العشرين . واما الرسالة الثانية فهي رسالة المؤمنين والاخوان الجمهوريين التي جاء بها محمود في السودان ، والتي كان من المقرر ان تتجلى وتستعلن عند مقرن النيلين بالخرطوم قبل موت محمود النهائي ، وهي التي استشهد صاحبها لصحتها ، بقول الله تعالى ، في القرآن المكي ، سنسمه على الخرطوم ...) !!
    لقد حاورت كثير، من خصوم الفكرة الجمهورية ، ومعارضيها، ولكني لم اسمع من أحدهم ، ان الرسالة الثانية ، هي رسالة المؤمنين والاخوان الجمهوريين .. أو ان صاحبها استدل على صحتها ، بالآية سنسمه على الخرطوم ، يقصد به مقرن النيلين !! فمن أين جاء وقيع الله بهذه الترهات ؟! إن من يقرأ كتاب الرسالة الثانية فقط ، يعلم ان عبارة الرسالة الأولى مقصود بها الشريعة ، التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وان الرسالة الثانية هي سنته . فاذا زعم وقيع الله ، بانه قرأ سبعة وعشرين كتاباً ، من كتب الفكرة ، فسيكون هذا المعنى قد مر عليه عدة مرات ، فلماذا اخفاه عن القراء ليصل لغرضه المبيت في تشويه الفكرة ؟!
    الردّة والديمقراطية
    لقد أخذنا على وقيع الله ، التشدق بالديمقراطية ، والدعوة الى محاكاة الغرب ، في استجلاب مؤسساتها ، مع ايمانه بالردّة .. ثم انه في مقاله هذا ، يتهمني بالوصاية عليه ، وعلى الآخرين ، ويستنكر ذلك ، ولا يشعر بأي تناقض في كل هذه المسائل ، ثم يغضب حين نصفه ، بان في عقله ، مناطق مختلفة لاشياء متضاربة متناقضة !! فاذا كنت تنفر من مجرد فرض وصاية فكرية عليك ، او على غيرك ، باعتبار انك شخص حر، وتتأذى من ان يفرض عليك أحد وصايته ، فلماذا تفرض وصاية على من بدل دينه ، تبلغ حد مصادرة حياته ؟! أليست القناعة الدينية قناعة فكرية ، من حق المواطن في النظام الديمقراطي أن يتبناها ، أو يغيرها متى شاء ؟! أليست كل مواثيق حقوق الإنسان ، تعطي الحق في حرية الإعتقاد ، وترفض اجبار أي شخص ، على البقاء في معتقد يريد ان يغيره ؟! ومن هنا ، من ان حق الاعتقاد حق اصيل من حقوق الانسان ، وان الديمقراطية لازمة لا تنفك عنها ، فان أي حديث يدعي الديمقراطية ويؤمن بالردّة ، انما هو هراء باطل ، لا يقول به عاقل ..
    أما من الناحية الدينية ، فان الردّة لا مكان لها في أصل الإسلام .. ولكن وقيع الله لا يدرك ذلك ، ولهذا يقول ( لقد حلا لهذا الانسان الجدلي المنافح عن ضلال الشيخ وردته ان يأخذ آية من القرآن الكريم ويستشهد بها على اباحة الكفر وصحته ويتجاهل غيرها من النصوص المحكمة التي تمنع الكفر وتشجبه وتحاربه ) !!
    والحق انه ليس هناك آية تقول بصحة الكفر- كما زعم وقيع الله في الفقرة أعلاه - ولكن هناك آيات تعطي حق الكفر، وتمنع اجبار الكافرين على الايمان، تقديساً للحرية الانسانية ، ومنها قوله تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) !! وقوله (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) !! وقوله ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) !! وقوله ( فذكر انما انت مذكر* لست عليهم بمسيطر) !! وهناك آيات أخرى ، تصادر حق الحياة ، بسبب الكفر، فلا تعطي فرصة للكافرين في الحياة ، اذا لم يدخلوا في الدين ، وبذلك تهدر الحرية الانسانية ، ومنها قوله تعالى ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) وقوله ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فان الله بما يعملون بصير) وقوله ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) وقوله ( ياايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) ، وغيرها كثير ..
    إن وجود هذه الآيات ، التي تبدو لدى النظر السطحي متناقضة ، لا يواجهني .. لانني أؤمن بان القرآن مستويين ، وان الآيات التي اعطت الحرية ، وانسجمت بذلك مع حقوق الانسان ، هي آيات أصول .. وان الآيات التي لم تعط الحرية ، وتصادرالحياة بسبب الكفر، آيات فروع .. وان آيات الفروع ، قد ناسبت القرن السابع الميلادي ، والقرون التي تلته مما هي مثله.. وان آيات الاصول ، التي اعطت الحرية ، انما تناسب عصرنا الحاضر .. ولكن السؤال الذي يواجه وقيع الله ، وامثاله من السلفيين ، هو كيف يفسرون هذا التناقض؟! وهل لديهم مخرج غير فكرة المستويين ، وهي الفكرة الاساسية ، التي أتى بها الرجل الذي تجنى عليه جهلاً ، واتهمه بالردّة ؟!
    واذا كان وقيع الله ، يرفض هذا الفهم ، ويزعم انه يطبق القرآن كله ، والاحاديث النبوية كلها ، دون اعتبار لاختلاف العصر، الذي يبرر الانتقال من الفروع الى الأصول ، فلماذا لم يبدأ بقتل من جاوره من النصارى ، في دار الحرب التي يقيم بها ، حتى يعطوا الجزية ، إمتثالاً لامر الله تبارك وتعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )؟! لماذا لم يقاتل عبدة الاوثان ، من اصحاب الديانات الشرقية ، القريبين منه ، نزولاً عند قوله تعالى ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة )؟! ولماذا لم يطبق حديث ( من راى منكم منكراً فليغيره بيده ..الخ ) ، فيحطم أول بار، يجده أمامه ؟!
    فإذا ظهر لوقيع الله ، عجزه عن تطبيق هذا المستوى من الدين ، فليكف عن ادعائه ، حتى لا يحيق به المقت الإلهي ، الذي ورد في قوله (ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ) !!
    يقول وقيع الله عني ( نقرأ له ما يكتبه في مواجهة خصم له من المسلمين وهو البروفسير خالد المبارك فيستشهد في حقه بقول الله تعالى " ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ". فهذه الآية الكريمة التي نزلت في حق الكفار ، بل شر أنواع الكفار على الاطلاق ،لا يجوز ان يخاطب بها الا الكفار، ولا يجوز ان يخاطب بها المسلمون على الاطلاق) !! ولأن وقيع الله يأخذ المسائل كمسلمات مطلقة ،دون التعمق فيها ، فانه يطالبني بالاعتذار، لايراد الآية في مقال الرد على د. خالد المبارك .. فهل القول بان الآية آنزلت في حق الكفار، حقيقة مطلقة ، ام انه رأي بعض المفسرين ، حين رأى غيرهم ، غير ذلك ؟! جاء في التفسير (وقيل المراد بهؤلاء نفر من بني عبد الدار من قريش روي عن ابن عباس واختاره ابن جرير وقال محمد ابن إسحق هم المنافقون) (تفسير ابن كثير ?الجزء الثاني ص 284-285) .. وحتى اذا كانت الآية قد نزلت في حق الكفار، فما الذي يمنع ان تذكر في حق شخص مسلم ، اذا كان يشبههم في صفة الإعراض عن الحق، بعد أن يبين له ؟!
    وما دام وقيع الله يثني على نفسه كثيراً ، بانه يعرف لغة الضاد ، ويحدثنا محاوره الصحفي ، انه يدرس في قسم الدراسات الاسلامية ، فليعلم ان الكفر نفسه ، يمكن ان يوصف به المسلم ، لأنه لا يعني ، دائماً ، انكار الله ، او الخروج على تعاليم الدين .. وانما يعني في الاساس ، اخفاء الحقيقة ، ولما كان وجود الله ووحدانيته ، اكبر الحقائق ، فان اخفاءهما او انكارهما ، اعتبر اصطلاحاً كفراً.. ويتفاوت الكفر، بعد ذلك ، حسب الحقيقة التي غطاها الكافر، حتى يصل الى مجرد عدم شكر النعمة ، فهو وان كان كفراً فانه لا يخرج صاحبه من الملة.. ومن ذلك قوله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله ومن شكرفانما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد ) وقوله ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خيرفلن يكفروه والله عليم بالمتقين ) .. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النساء المسلمات ، ( انكن تكفرن العشير... ) !! فاذا وضح ذلك ، فإننا قد نفتتح حديثنا ، بآية ترد فيها كلمة " الكافرين" ، في مناقشة شخص مسلم ، إذا أخفى حقيقة ، أو جحد نعمة ، ما كان له ان يتناساها


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508158&bk=1
    ___________
                  

04-04-2008, 03:59 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الرد( الجمهوري) العجيب!
    محمد وقيع الله أحمد
    لم يخب ظني حين حملت ( الصحافة) الغراء اعلانا يقول بان شخصا من اتباع الفكر الجمهوري سيرد على ما جرى على لساني في اللقاء الصحفي الذي اداره الصحفي البارع الاستاذ صلاح شعيب. توقعت حينها- وصدق حدسي- ان يكرر هذا الشخص في رده كل ما طفق يقوله في ردوده التي جاء بها على غيري ممن مسوا محمود محمد طه بنقد خفيف او كثيف. لم اتوقع ان يقول هذا الشخص شيئا لم يقله في الحلقات الممجوجة الطويلة التي رد بها على الصادق المهدي والأخرى التي رد بها على البروفسور عبد الله على ابراهيم، والبروفسور خالد المبارك، والدكتور غازي صلاح الدين وعلماء آخرين. فهذا الشخص لا يكلف خاطره بسوى تكرار العبارات والمقولات القلائل التي يحفظها ويتهافت بعضها على بعض في غير طائل ولا يزيد عليها شيئا كأنه توقف عن التعلم او كأنما رأى ان من خيانة عهد التلمذة ان يتعرف على شيئ جديد في هذه الدنيا بعد أن فارقها محمود. ولا غرو ففي ظن هذا الشخص أنه لا يوجد ثمة علم سوى العلم اللدني الذي اتى به محمود محمد طه وكل الصيد في جوف الفرا!!
    مسوِّغات الرفض التام:
    وقد عاب علي هذا الشخص ان ارفض فكر محمود برمته كما يقبله هو برمته. واورد عبارة طويلة من مقولات شيخه تحداني ان كنت جاداً ان ارفضها على علاتها (او سوى ما فيها من حروف الجر والنصب والتسكين كما قلت!) والعبارة التي جاء بها يتحداني هي:" عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلادي، اشرقت شمس مدنية جديدة، بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية. ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها، من الناحية النظرية على الاقل غداة انزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر، وهى قوله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناًً". وقد تساءل مجادلي بعد ان اورد هذا النص قائلا:" فهل يختلف وقيع الله مع كل ما ورد في هذا النص أم يتفق مع بعض ما ورد فيه بخلاف حروف الجر والتسكين والنصب؟!"
    وعلى مجادلي هذا الا يندهش اذا اجبته باني بعد ان اخرج الآية الكريمة التي في هذا النص، فاني اختلف مع النص على الجملة والتفصيل، وذلك لاني اقرا هذه النص المحمودي الخبيث على ضوء مجمل قراءاتي للفكر الجمهوري ( الذي قرأت فيه اكثر من سبعة وعشرين كتابا). والعبارة المفتاحية التي تدعوني لكي ارفض هذا النص على علاته هي قول محمود محمد طه الاحتراسي ان المدنية الاسلامية كانت متفوقة: " من الناحية النظرية على الاقل". فهذه العبارة تفترض بل تتضمن ان هناك رسالتان من دين الاسلام ، اولاهما تلك التي كانت في عهد الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وعهد صحابته والتابعين الاكرمين، وهي في نظر محمود رسالة الاسلام السلفية القاصرة القائمة على القرآن المدني الذي لا تصلح احكامه لانسانية القرن العشرين. واما الرسالة الثانية فهي رسالة المؤمنين والاخوان الجمهوريين التي جاء بها محمود في السودان والتي كان من المقرر ان تتجلى وتستعلن عند مقرن النيلين بالخرطوم، قبل موت محمود النهائي، وهي التي استشهد صاحبها لصحتها بقول الله تعالى في القرآن المكي: " سنسمه على الخرطوم"، وهي الرسالة الخاتمة التي كانت ستصلح - كما قال - لما بقي من القرن العشرين، ولما بعده كما يجادلنا تابعه هذا الآن.
    وبعد هذا فارجو ان يتقبل مجادلي هذا رفضي الكامل لهذا النص الذي انتخبه بعناية بالغة من فكر شيخه محمود، وعليه ألا يرفع حواجبه من الدهشة لأني تخلصت من الفخ الذي نصبه لي فيه فإني لم اكن لأغفل عن ان النص يحتوي على آية كريمة من قول الله تعالى فاتورط في رفضها من ضمن ما ارفض من قول محمود. ثم اضيف لمجادلي سببا اخر سوغ لى رفض النص بكامله حيث لم يحسن صاحبه استخدام المصطلحات، فـ (التمدن)، وهو المصطلح الذي استخدمه، يعني الجانب المادي من التطور الاجتماعي، وبالتالي فانه قد حصر بقوله هذا رسالة الاسلام وانجازه التاريخي في هذا الجانب المادي القاصر من جوانب الرقي الاجتماعي، ولو استخدم محمود مصطلح (التحضر) لاصاب، لان التحضر يعني الجانب الثقافي والروحي والعقدي في التطور الاجتماعي، وهنا- وكما هو معلوم- يكمن لب لباب الاسلام، فالمسلم الحق، الذي يستلهم الإسلام بشكل حي غلاب، هو انسان متحضر حتى ولوعاش في بيئة مقفرة من كل أسباب التمدن والرفاه الاقتصادي.
    ثم اني لا اعدم سببا آخر أكشف به عن تناقض هذا النص وتهافته، فبينما يشهر صاحبه رفضه الصريح الدائم للقرآن المدني، فانه هنا قد سَهَا سهوة جبارة كبرى هنا حيث استشهد على دعواه بقرآن مدني، بل هو باتفاق علماء المسلمين من بعض آخر ما نزل من الذكر الحكيم!
    وقد استنكر مجادلي هذا اني هجمت على شيخه وقلت انه متحامل على الاسلام ولم ابين:" كيف كان الاستاذ محمود متحاملاً او محرفاً، او معادياً للاسلام". ولو قرأ مجادلي هذا قولي بوعي كامل لاستنبط الحيثيات التي بنيت عليها القول، فاني قد قلت ان محمودا عمل على تقويض أركان الاسلام وهدم دعائمه الكبرى، فانكر الصلاة والصيام والزكاة والحج، فهل من تحامل او تحريف او عداء للإسلام اشد من هذا او اسوأ؟! لقد قلت هذا في الحوارالصحفي عرضا، وقبل ذلك قلته مستفيضا في اطار البحث الذي نشرته بـ ( الصحافة) قبل شهور عن الفكر الجمهوري ونشرته بعض المواقع الإلكترونية مشكورة نقلا عنها، وعلق عليه بعض الافاضل وغيرهم، ولا استبعد ان يكون مجادلي هذا قد اطلع عليه ثم عجز عن مقارعته الحجة بالحجة مكتفيا بملاحقة ظواهر الالفاظ والعبارات في هذا الحوار الصحفي العفوي الذي اجراه معي الاستاذ شعيب في نهاية يوم عمل صاخب، ومع ذلك فانه قد عجز عن نقد شيئ في الحوار ولم يفصح الا عن جهله بلغة الضاد وعجزه عن فهم تصريفاتها واشاراتها واحتمالاتها ومجازاتها، ولم يلزم نفسه بما يلزم من ضرورة التحلي بالأريحية والتخلي عن الحرفية الظاهرية والتعنت والتعبط حتى يتأتى له الفهم الصحيح لما يقال في لغة الضاد في إطاره وسياقه الصحيح، وإلا لما فهم من قولي انني اختلف مع محمود في كل شيء كتبه " فيما عدا حروف الجر والتسكين والنصب!"، اني آخذ نفسي عندما اقرأ افكار محمود بعدِّ كلماته وحروفه، واختبارها فرادى منفصلة، واشغل فكري بفرز ما اقبله وما ارفضه من تلك الكلمات والحروف!!
    انصاف محمود اختياراً:
    ثم لا اجد دليلا على ان مجادلي هذا لا يقرأ بوعي كاف اكثر من ايراده لحيثية استخدمتها للدلالة على عداء محمود للإسلام وقيامه باستخدامها ضدي، فقال :" فاذا كان الأستاذ محمود محمد طه قد اقام فكرته على رفض اركان الاسلام، وتقويض شرائعه ونبذ القرآن المدني، فلماذا وصفه وقيع الله بأنه مفكر عميق وكبير وذلك حيث قال: (اعتقد ان محموداً كان من كبار المتأملين المفكرين في السودان، وكان يعيش احلاماً كبيرة وخطيرة، وهذه هى التي صنعت منه مفكراً كبيراً)؟! نعم لقد قلت ذلك وهو صحيح. فالانسان قد يكون مفكراً عميقا وصاحب افكار كبيرة، ويكون مع ذلك معاديا للإسلام. وهذا القول نفسه يمكنني ان اردده عن مستشرقين كبار قضوا حياتهم في الكيد للإسلام ومحاولة هدمه من امثال ديفيد صمويل مارغليوث، وإغناز غولزيهر، ورتشارد هل، وجوزيف شاخت، ولويس ماسينيون، وباتريشيا كرين، ومايكل كوك، وجون وانسبورا وغيرهم من دهاقنة هذه الطائفة الماكرة التي تفانت في الكيد لهذا الدين تماما مثلما تفانى في الكيد له ولآخر لمحة من عمره زعيم الجمهوريين.
    لقد قلت إن محمود محمد طه مفكر تأملي كبير بهذا المعنى، وبمعنى عام أيضاً، فهو مفكر كبير بأي مقياس من مقاييس الفلسفة والفكر، ولا ينكر هذا الا الجهلة المتعصبون، ولست منهم بحمد الله. ولقد قلت ما قلته في شأن شجاعته وثباته منطلقاً من ركن الانصاف الخلقي، وهو خلقي وطبعي، ولم يضطرني أحد الى هذا القول كما ظن مجادلي ذو العنت الشديد هذا، فقد دفع به ذلك العنت الشديد لكي يقول:" :" ولقد كان الصحافي المحاور منصفاً حين سأل وقيع الله عن ايجابيات الاستاذ محمود، فاضطره ليقول: (كان محمود ثابت الجأش في المحكمة وحتى في قتله كان ثابتاً) وحتى يقلل من هذه الايجابية التي اضطر اضطراراً لذكرها، واصل قائلاً (كثير من الخارجين على الاسلام بدوافع الجذب والشطح والايمان بالاشياء الغامضة، واجهوا مصيرهم بمثل هذا الثبات والابتسام.. والحلاج صلى ركعتين قبل قتله، وهناك آخرون صدقوا مع انفسهم ولكن الصدق لا يعني الصحة والصواب). . واقول لمجادلي هذا انني لم اقل هذا القول اضطرا را ولم يرغمني على قوله الأستاذ صلاح شعيب، فقد سبق ان قلته وقلت ما هو اكثر منه بصدد انصاف محمود في البحث الذي كتبته عن الفكر الجمهوري، ولم يكن حينها يسألني الأستاذ شعيب ولا يسألني غيره، ولقد قلت كل هذا وقلت ما هو اكثر منه عندما اتيح لي ان احاضر عن محمود محمد طه خمس مرات في أمريكا، ولم يجبرني احد على قول ما قلت!! والحق أنني استطيع ان ارفض افكار محمود محمد طه وانتقدها أشد النقد، ولكن لا يمنعني ذلك من ان اعترف له بالشجاعة والثبات على المبدأ (ولا أعترف بها لبقية تلاميذه وأتباعه الذين جبنوا وتراجعوا عن اقوالهم وهربوا ومنهم زعيم الحزب الحالي وبعض من يحسنون الجدال الآن). و هذا كله فرع من طبع النصفة والعدل الذي أتحلى به، بحمد الله، وهو طبع يعجز عن فهمه مجادلي هذا - وما كان له ان يفهمه - ولذا جاز له أن يظن أن المحاور الصحفي الماهر صلاح شعيب قد اضطرني للاعتراف بقول الحق!
    مجادلي والتكفير:
    وبدهي أني إذا انصفت محموداً في هذا الجانب، فإني أقول الحق وحسب، ولا يعني ذلك تزكية لمحمود محمد طه ولا نفياً لعدائه للإسلام. ولا اتردد بعد ذلك في القول إن الذي يعادي الإسلام بعد ان كان من اهله، مثل محمود محمد طه، هوشخص مرتد بلا خلاف الا من جانب هواة الخلاف، ولذلك لا اجد مبررا إلا من جانب حب الخلاف لكي يستنكر على مجادلي هذا ان اطلق على شيخه نعت الردة عن الاسلام ويقول:" ولو كان وقيع الله يفهم الاسلام، لعلم ان الاسلام في اصوله ليست فيه ردة، لأنه اعطى حرية الاعتقاد، قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)!! وللعلم ان الاسلام في هذا المستوى الرفيع يتفق مع مواثيق حقوق الانسان.. وان هذا هو المستوى الوحيد الذي يمكن ان تتحقق به الديمقراطية التي حدثنا عنها وهو لا يدرك كنهها؟!"
    لقد حلا لهذا الانسان الجدلي المنافح عن ضلال الشيخ وردته ان يأخذ آية من القرآن الكريم ويستشهد بها على اباحة الكفر وصحته ويتجاهل غيرها من النصوص المحكمة التي تمنع الكفر وتشجبه وتحاربه ومنها قول الله تعالى:" وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، ومنها قول الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم:" من بدَّل دينه فاقتلوه" وهذا النص يشير إلى التبديل بدين الإسلام ديناً آخر. نقول هذا منعا للالتباس على صاحبنا هذا المجادل الذي لا يفهم من عبارات الضاد الا ظواهرها ودلالاتها السطحية المطلقة ولا يدرك شيئاً في احتمالات التقييد والتخصيص بمقتضى الاطار والسياق العام!
    وأما تعريف الردة فهو الذي ورد في حديث مسلم:"التارك لدينه المفارق للجماعة" فهو تعريف ينطبق على الشخص المخالف والمشاقق والمحارب للرسول وللإسلام ولجماعة المسلمين والخارج على مواثيق الامة والناصرلأعدائها عليها، وهذا واقع أمر شبيه بما يسمى في الثقافة العلمانية المعاصرة بـ (الخيانة العظمى) والتي يحاكم مرتكبوها بالاعدام في كثير من قوانين البلاد النصرانية العريقة في الديمقراطية.
    وليس الإسلام وحده هو الدين الذي يتفرد بمنع الردة وعقاب مرتكبيها، فتراث الديانتين اليهودية والنصرانية ملئ بالنصوص على حكم الردة بأشد مما ورد في الإسلام. يقول سفر سفر التثنية إن الرب يقول:" وَإِذَا أَضَلَّكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ، أَوْ زَوْجَتُكَ الْمَحْبُوبَةُ، أَوْ صَدِيقُكَ الْحَمِيمُ قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَنَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى غَرِيبَةً عَنْكَ وَعَنْ آبَائِكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى الْمُحِيطَةِ بِكَ أَوِ الْبَعِيدَةِ عَنْكَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاهَا، فَلاَ تَسْتَجِبْ لَهُ وَلاَ تُصْغِ إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْفِقْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَتَرََّأفْ بِهِ، وَلاَ تَتَسَتَّرْ عَلَيْهِ. بَلْ حَتْماً تَقْتُلُهُ. كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ قَاتِلِيهِ، ثُمَّ يَعْقُبُكَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ. ارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ" . وما يزال النصارى وقد عشنا بينهم دهرا وخبرناهم عن قرب يكفرون بعضهم بعضا وتؤمن كل طائفة منهم أنها على الهدى والحق المستبين وان من سواهم يسدر في ضلال مبين.
    وإذا قربنا الشقة وجئنا إلى صاحبنا المجادل هذا فإنا نقرأ له ما يكتبه في مواجهة خصم له من المسلمين، وهو البروفسور خالد المبارك، فيستشهد في حقه بقول الله تعالى :"إن شرّ الدَّوابِّ عند اللهِ الصُّمُّ البكمُ الذين لا يعقِلون. ولو علِم اللهُ فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوْا وهم مُعرضُون" . فهذه الآية الكريمة التي نزلت في حق الكفار، بل شرِّ انواع الكفار على الإطلاق، لا يجوز أن يخاطب بها إلا الكفار، ولا يجوز أن يخاطب بها المسلمون على الإطلاق. ولكن مجادلنا الجمهوري المشتط يستخدمها استخداما معيبا خطيرا بحق احد المسلمين، هو البروفسور المبارك، فهل يمكن أن يعدُّ المخاطب بهذه الآية من قبل هذا الجمهوري حاد الطباع مسلما ام لا ؟! ان كانت الاجابة بالايجاب فقد وقع المحظور وسقط هذا الجمهوري هاوي الجدال فيما ينهى عنه من التكفير والحكم على الاخرين بالردة عن الاسلام، وان كانت اجابته سلبا فليعترف معها، وبمقتضاها، وعلى رؤوس الاشهاد، بانه قد أخطأ في استخدام هذه الاية استخداما مجانباً للحكمة والحصافة وهدي العقل المعافى السليم، وليعتذر ويقل إنه ما ساق تلك الاية في هذا المنحى المنحرف الخاطئ الا بضغط من التوتر ولظى الخصومة الفاجرة التي لا تهدي إلى الرشد ولا إلى صراط مستقيم.
    الحرية له لا لسواه!
    وهذا اعتذار منه لا نرجوه فهذا الشخص الجمهوري التابع لمحمود محمد طه، لا يزال ساعيا أبداً في الهجوم الحاد على خصومه والإساءة اليهم، ومحاولة فرض (وصايته) الفكرية عليهم وعلى الجميع، ولا يحتمل أدنى خلاف في الرأي، ولا يؤمن بأن الحرية حق مشاع ( له ولسواه ). ولدى هذا الجمهوري طائفة من النعوت الشنعاء البشعة التي لا يتردد في وصم كل من يختلف معه في رأي- أي رأي- بها. فهذا الذي يخالفه اما أن يكون جاهلا، أوسطحياً ، أو متناقضا، أو في ذهنه مناطق متفرقة لاشياء كثيرة متنافرة، أو أنه يعاني من انفصام وازدواج في التفكير، أو أنه شخص لا قيمة لفكره ولما يقول. وهذه الفاظ جارحة يطلقها بهدف الإرهاب الأدبي والتمهيد لفرض (الوصاية) على الغير. ولا ريب فشيخ هذا الفتى هو محمود محمد طه القائل عن الشعب السوداني بجملته: " إن هذا الشعب يحتاج الى وصاية على أن تكون وصاية مخلصة رشيدة ". ولا ريب أن سائر من يرد عليهم في مقالاته الصحفية الصاخبة المتوترة، نمثل في نظر هذا الجمهوري التابع، مجرد أفراد قلائل من جملة هذا الشعب السوداني الذي يحتاج إلى (الوصاية) المخلصة الرشيدة. اما هو ? على قلة علمه وشأنه - فإنه ولا ريب - ولا عجب - (الوصي) الذي لا يسمح لنا بأن نعتقد أو نفكر أو نقول إلا بما يشاء لنا ونسكت عما لا يريد!
    التحريض ضد الأنصار!
    ولذلك انكر علي قولي عن شيخه إنه كان يتآمر مع عصابة مايو ضد الأنصار وقال:" وحين ذكر الصحافي ان هناك من يقول بأن محاكمة الاستاذ محمود كانت عملاً سياسياً اجاب وقيع الله (قد يكون.. لكن هو ايضاً لم يكن بريئاً من التآمر السياسي ضد خصومه. وقد تآمر مع حكومة نميري والشيوعيين ضد الانصار، وايد ببيانات كثيرة ضرب الانصار يوم ضربوا في الجزيرة ابا عام 1970م..) ولم يخبرنا وقيع الله كيف تآمر الاستاذ مع حكومة نميري ضد الانصار؟! او ماذا جاء في احد البيانات التي قال انها كثيرة؟!" .. ويا لشقاء مجادلي هذا فهاهو يطلب بنفسه مني الآن أن أتكلم، وها قد حان الحين لأخبره الخبر اليقين. فقد ظل حزبه الجمهوري يؤيد الحكم الشيوعي المايوي ويشيد بقيامه بسحق الأنصار الشرفاء.
    وفي هذا يقول محمود محمد طه مشيدا بالنظام المايوي -:" ان النظام الحاضريجد تبريره الكافي في انه منذ البداية سار في اتجاه تصفية الطائفية بصورة لم يسبق لها مثيل في العهود السابقة ولا يمكن لهذا الشعب أن يدخل عهد كرامته ومن ثم ديمقراطيته الا اذا تخلص من النفوذ الطائفي، و ليست الطائفية تنظيما فحسب وانما عقيدة .. و لا تحارب العقيدة بالسلاح وان حورب التنظيم بالسلاح. وانما يجب أن يسير مع السلاح الذي أضعف التنظيم "الطائفي" نشر الوعي بالدعوة الى الاسلام الصحيح"... قال محمود محمد طه هذا القول النُّكر المستنكر في حواره مع عبد الله جلاب. وفي ذلك الحوار نفسه قال:" إن هذا العهد قد قوض نظام الأحزاب الفاسدة ، وهو قد ضرب الطائفية ضربة كسرت شوكتها ولكنها لم تقتلع جذورها". إن هذا هو قول محمود محمد طه بنصه وفصه أدلى به للصحفي المايوي عبد الله جلاب في يوم الاثنين 11-12-1972م. وكما هو واضح فإن صاحب القول لا ينكر في هذا النص استخدام السلاح ضد الأنصار، بل إنه يقر ذلك ويؤيده، ويبدو وكأنه يحرض على المزيد من استخدامه.
    والآن فماهو هذا السلاح الذي استخدم ضد الأنصار، ولم يعترض محمود على استخدامه بل أقره ووافق عليه وبدا كأنه يحرض على المزيد منه حتى يكتمل كسر الكيان الأنصاري عسكرياً و يتم اقتلاعه تماماً من جذوره العقائدية الغائرة؟؟ إنه ليس سوى سلاح الطيران الرهيب الذي اجتلب من الخارج وتم به حصد الألوف المؤلفة من جماهيرالأنصار الأطهار، وهدم به مسجدهم الجامع العامر المسمى بمسجد الكون بالجزيرة أبا، و هشم بوابل قصفه قصر امامهم الإمام الهادي المهدي، ذلكم الزعيم الوطني الديني الكبير الذي نهض يقاوم المد اليساري الباغي حتى قتل دون ذلك فيما نحسبها شهادة كريمة له رحمه الله تعالى.
    إن في هذا الكلام الموثق الذي ننقله عن عبد الله جلاب والذي هو موجود حتى الآن - ونرجو أن يظل موجودا ابدا- بالموقع الإلكتروني للحزب الجمهوري، لرد كاف على مجادلي هذا الذي كتب بـ (الصحافة ) يرد علي وينكر قولي بأن محمود محمد طه كان يؤيد ضرب الأنصار بالجزيرة أبا. ومن أسف فإن هذا الشخص الذي ينعي عليَّ جهلي وقلة اطلاعي على مصادر الحزب الجمهوري لا يدري هو نفسه شيئا عن وجود هذه المقابلة الصحفية الدامغة والمدمرة على الموقع الإلكتروني لحزبه. وبهذه المناسبة فأرجو ان يكون في إيرادي لهذا النص على صفحات (الصحافة) الغراء رد مباشر كذلك على من علقوا على حواري مع الأستاذ صلاح شعيب على المواقع الإلكترونية، وقاموا بالرد النافي على من سألوا عن صحة قولي ان زعيم الجمهوريين لم يكن بريئا من الناحية السياسية وانه حرض ببياناته واقواله على ضرب الانصار، وزعم هؤلاء النفاة ان ما قلت انه موجود على صفحات الانترنيت من هذه الاقوال غير موجود فيها لدى التحقيق.
    وفي الحق فاني قد حزنت كثيرا لدى قراءتي لتعليقهم ذاك، لاني كنت أظن ان هذا الشباب الطالع الذي يكتب هذا الكلام على شبكة العنكبوت ادرى مني بما هو موجود على تلك الشبكة او غير موجود. ولقد قلت لنفسي على إثر ذلك اني لا ألزم نفسي باحضار هذا النص لهؤلاء الشباب من مصدره - وهوالموقع الإلكتروني للحزب الجمهوري!- طالما اني ارشدتهم إلى طريق الوصول اليه. ولكني اكتشفت بأني قد اسأت التقدير بلا ريب، فهذا شخص جمهوري كبير يقول إنه يحمل شهادة دكتوراه ( في علم لا ادري ماهو)، ويزعم انه على صلة بمناهج النظر والبحث والتحقيق، ثم لا يدري بعد ذلك شيئا عن وجود هذا النص من عدمه في أدبيات الحزب الذي ينتمي اليه!!
    الفرق بين القيم والآليات :
    وضعف مجادلي هذا في مناهج النظر والتحليل هو الذي اورده موارد العطب والخلل الفكري في نقده إياي. فهو لا يستطيع ان يفرق ما بين (القيم المثالية) و(الآليات العملية). ولذلك لم يفهم من قولي ان المسلمين لا يحتاجون الى استيراد قيم سياسية غربية، وانه لا مانع في الوقت نفسه من أن يسترشدوا ويستفيدوا من آليات التجارب العملية في الديمقراطية الغربية الا على انه قول مضطرب متناقض، ذلك مع اني ضربت الامثلة الواضحة لنوعية التجارب التي اقصدها بالآليات التطبيقية البحتة كمراكز البحوث، واللجان البرلمانية في الكونغرس ومجلس العموم، وأساليب التدريس بمدارس التعليم العام في البلاد الغربية، ونحو ذلك، فهل هذه (قيم مثالية) ام هي (آليات تطبيقية)؟!
    إن هذه بلا أدنى ريب أو خلط مجرد آليات تطبيقية تنّزل بها المثل الديمقراطية إلى أرض الواقع المعاش.إن هذا هو الأمر على جليته برمته، واذا استطاع مجادلي ان يفهمه فهما سطحيا او عميقا، فسيفهم حينئذ ان كلامي لا يتناقض. أما ان كان محتاجا الى مثال آخر ليفهم، فليتدبر إذن هذا المثال الاوضح مما سلف، فهو ادنى للفهم. ان من آليات تطبيق الديمقراطية وسائل متعددة تستخدم لاحصاء الاصوات، فقد تحصى الأصوات الكترونيا، او يدويا، وقد تحصى بالوقوف، أو التصفيق، او برفع الاصوات. وكل هذه الوسائل سائغة ومناسبة ويستخدم كل منها في الوقت الملائم. فهل اذا استوردنا وسائل احصائية كهذه لاحصاء الاصوات من الغرب نكون قد استوردنا قيما سياسية من الغرب؟؟
    قد يجوز هذا الفهم عند من يقول عني:" وحين سأله المحاور بناءً على حديثه السابق (هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسية؟) اجاب بقوله (لا اعتقد.. من جانب آخر اعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته).. ولعله قبل ان يسجل الصحافي هذا الاجابة الواضحة التي فحواها اننا لا نحتاج لاستيراد الديمقراطية من الغرب، وانما يجب ان نتمثل الشورى القديمة ونتفهمها، اذا بوقيع الله يفاجئه بقوله (لكن لا مانع من الاستزادة بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب، خاصة الولايات المتحدة الاميركية.. وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقية حية وقوية وناضجة وشريفة..)!!
    ومع ان هذا الإنسان الجدلي قد دل بقوله هذا أنه لا يحسن فهم الفرق بين (القيم) و(الآليات) الا انه يعود ليفقهنا في مثل الشورى والديمقراطية وقيمهما قائلا:" (فالشورى ليست نظام حكم، وانما هى ميكانيكية مساعدة لنظام الخلافة، تلطفه، وتهذبه حتى لا يصبح دكتاتورية سافرة، بل يكون نظام وصاية الفرد الرشيد على القصر.. فالخليفة الحاكم يختار مجموعة ممن حوله سماها الفقهاء مؤخراً (أهل الحل والعقد) يشاورهم في امور الدولة فيستأنس برأيهم، ولكنه يملك ان يخالفهم، فليست المشاورة بملزمة.. فبالرغم من الشورى يظل نظام الخلافة حكم فرد، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية.. وآية الشورى من الكتاب قوله تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين".
    ويقول مجادلي هذا عن الآية الشريفة إنها غير ملزمة فهي بالتالي لا تعني الديمقراطية او الحرية او الشورى. ولا ندري لماذا يريد ان يلزمنا بفهمه هذا القائل ان هذه الآية ليست ملزمة ، فاننا نفضل بدلا من الأخذ برأيه غير الملزم هذا أن نأخذ برأي الإمام السيوطي، رحمه الله، الذي استدل على الزامية الشورى بما أخرجه ابن مردويه عن علي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال: "مشاورة أهل الرأي، ثم اتباعهم". ونفضل ان نأخذ أيضاً برأي الامام النهضوي الأكبرمحمد عبده، رحمه الله، الذي حدثنا مليا عن مضار الاستبداد ثم قال: " إن الشريعة ... توجب تقييد الحاكم بالسنة والقانون، ومن البديهي الواضح أن نصوص الشريعة لا تقيّد الحاكم بنفسها، فإنها ليست إلا عـبارة عن معاني أحكام مرسومة في أذهان أرباب الشريعة وعلمائها، أو مدلولاً عليها بنقوش مرقومة في الكتب، ولا يكفي في تقيُّد الحاكم بها مجرد علمه بأصولها، بل لا بد في ذلك من وجود أناس يتحققون بمعـانيها، ويظهرون بمظاهرها، فيقومونه عند انحرافه عنها، ويحضونه على ملازمتها، ويحثونه على السير في طريقها، ومن أجل ذلك دعا سيدنا عمر، رضي الله عنه، الناس في خطبته إلى تقويم ما عساه يكون منه من الاعوجاج في تنفيذ أحكام الشريعة، ... وقال تعالى: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون". إذ لا يخفى أن هذه الآية الشريفة عامة في دعوة الملوك وغيرهم، على معنى أن تلك الأمة، أي الطائفة من المسلمين، تدعو الملوك وغيرهم إلى الخير، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، ليقوم بها الدين، ولا يخرج أحد عن حدِّه، حاكماً كان أو محكوماً».
    فهذا رأي تحليلي وظيفي قيم نظر إلى مهام الأمة على هذا الصعيد وحصرها في ثلاث: أولها تكوين الآراء الصائبة، وثانيها بذلها للحكام عبر الشورى، وثالثها إلزام الحكام بالرأي الشوري الغالب، وقد رأى هذا الإمام الحكيم الملهم في الآية التي استشهد بها دلالة على الشورى، أنها آكد في دلالة من آية الشورى التي أشار اليها مجادلنا من قبل. وعلى الجملة فإن رأي الامام محمد عبده الذي نأخذ به وندين به أقيم بكثير وأقوم من رأي محمود محمد طه شديد التحامل والعداء لدين الله، وبالتأكيد فإنه أقيم بكثير وأقوم من رأي تابع محمود هذا الذي لا يستحي ولا يتورع عن ان يصف حكم الخلفاء الراشدين بأنه حكم ثيوقراطي وانه:" حكم فرد، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية" ، و يزعم ان سيدنا أبا بكر الصديق وسائر الخلفاء الراشدين لم ينتخبوا انتخابا حرا من قبل الناس.
    ولو كان لهذا الشخص الجدلي الذي يبتسر القول ابتسارا أدنى معرفة بتاريخ الإمام الطبري الذي سجل وقائع الشورى الأولى، لعرف أن تجربة السقيفة قد أدت إلى اختيار اختيار الصديق خليفة عن طريق الصفوة والجمهور معاً، إذ اتفقت صفوة الصحابة الكرام على اختيار أبي بكر، رضي الله عنه، ثم عرض هذا الاختيار على عامة الناس فوافقوا عليه. وهذا ما يمكن أن يسمى بالانتخاب على مرحلتين، وربما كانت تجربة السقيفة رائدة بهذا المقتضى على ما يعرف في الأنظمة الديمقراطية الحديثة بنظام الانتخاب على مرحلتين. مرحلة الانتخابات الأولية Pri
    maries ومرحلة الانتخاب العام General Election، وهي
    التجربة المعمول بها في الديمقراطية الأمريكية الآن.
    ولو راجع مجادلنا هذا أي تاريخ موثوق لعلم ان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوا من الصديق، رضي الله عنه، وهو على فراش الموت ان يرشح لهم شخصا للخلافة، فرشح لهم عمر ولم يفرضه عليهم، ولو راجع هذا المشاغب على تاريخ الشورى وتجربتها مرجعا حسنا في التاريخ لكان قد عرف ان أن العملية الانتخابية التي أتت بسيدنا عثمان، رضي الله عنه، إلى الحكم قد استغرقت المسلمين جميعاً بالمدينة، سواء أكانوا من النخبة أو العامة. وأن عملية الانتخاب المبدئي كانت سرية، وربما كانت الحكمة في اتخاذ الغطاء السري لها هو منع احتكاك أصحاب الآراء ببعضهم بعضاً في هذه المرحلة التمهيدية الحرجة. ولكان قد عرف أن العهد قد أخذ على المرشحين جميعا باحترام دستور الدولة، وهو القرآن والسنة. وأن العهد قد أخذ أيضاً عليهم باحترام النظام السياسي المستقر، وهو ما عبَّر عنه عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، بقوله : " وسنة صاحبيك من قبلك ". ولعرف أيضاً أن عهداً آخر قد أخذ على المرشحين باحترام المشروعية السياسية، أي ما تُسفر عنه العملية الانتخابية، وأن اختيارعبد الرحمن بن عوف لسيدنا عثمان، رضي الله عنهما، لم يتولد عن رأيه الشخصي الصِّرف، وإنما من أغلبية الأصوات التي استقرأها، وعضَّد ذلك الاختيار رفض سيدنا علي، رضي الله عنه، لأحد شروط تولي الخلافة، كما حددها ابن عوف، رضي الله عنهما. إن هذا جانب مضئ من تاريخ الشورى يجهله هذا الذي يتطاول على هذا المفهوم الشوري القيمي الإسلامي العظيم ويفضل عليه المفهوم الديمقراطي الغربي الذي لسنا نقف ضده عندما يطبق في بلاده ولكنا نعلن بملء الفم أنا- من الناحية القيمية ? لا نحتاج اليه لأننا نملك ما هو أفضل منه بكثير.
    الجانب الشخصي في الموضوع:
    ويبقى بعد ذلك الجانب الشخصي في الموضوع، وهو اقل الجوانب قيمة واهمية، ولولا ان طاب لمجادلنا الخوض فيه باسهاب لما شغلنا به قراء (الصحافة) الكرام، وإنا لن نشغلهم به كثيرا على أية حال. فمجادلي يتهمني بأني قد هبطت بمستوى الحوار بصورة مؤسفة واني في اكثر من مرة لم افهم مجرد السؤال :" فحين سأله الصحافي: (حينما فكرت الانقاذ في ذلك- يعني الانقلاب- كانت تستند على مرجعية دينية، أم مرجعية ديمقراطية؟) اجاب (ماذا تعني بذلك؟!) وحين قال له الصحافي (لكن الآلية التي كان يعتمد عليها الصادق المهدي ديمقراطية) اجاب (ماذا تعني؟) و ظن مجادلي أني عندما أسأل بلفظة ماذا تعني؟ لا أفهم شيئاً في السؤال. ولم يفهم هذا الشخص المعاظل بالألفاظ أن هذا الأسلوب يستخدم فنياً ومنهجياً في سياقات لغة الحوارالصحفي وغير الصحفي وذلك حتى تتحدد المصطلحات بصورة جيدة وينضبط السؤال على نحو حدي جامع مانع وتأتي الإجابة من ثم مفصلة على قدر السؤال. ولو كان مجادلي من أهل الانصاف لأتى بالمثال التالي من الحوار الصحفي الذي اجراه معي الأستاذ صلاح شعيب: فقد سألني الأستاذ شعيب كالتالي: ان الظروف الاجتماعية في السودان صعبة جدا، فماذا تقول؟ و حينها سألته ماذا تعني بالظروف الاجتماعية ؟ فأجا بـ: أعني بها ظروف المعاش. وبذلك اتضح انه يعني بالظروف الاجتماعية معنى ضيقاً، وهو المعنى الاقتصادي دون غيره من الجوانب الاجتماعية الكثيرة، ولذلك فقد كان حسنا ان اسأله هذا السؤال الاستيضاحي ولم اكن غبيا كما ظن هذا المتغابي عن الحق!
    وقد شاء مجادلي المتحامل أن يفهم من قولي اني اتفادى العمل التنظيمي الجماعي في الحركة الإسلامية لأنه يعرضني للمشاكل وللاحتكاك بالآخرين، إني شخص حاد الطباع وسيئ الأخلاق، واستنتج كذلك أني مدرس يحتد مع طلابه ويسيئ إليهم. وإزاء ذلك فإني على رهان مع هذا الإنسان الجدلي المتعنت فأدعوه لكي يذهب ويسأل عني طلابي أجمعين، وعددهم وفير جدا بحمد الله، وبينهم اليوم بحمد الله، بروفسورات وعمداء في الكليات، فإن وجد فيهم واحدا فقط لا أكثر يقول بأني قد أسأته أو خاشنته أو أحجمت عن معاونته يوما ما، فإني سأقبل شهادته هذه المفردة وكأنها شهادة صادرة ضدي من الجميع.
    وأما محاولة هذا الجمهوري الجامد أن يلزمني بالعمل التنظيمي في الحركة الإسلامية فهي محاولة متطفلة حقا، إذ لا يحق له أن يفرض (وصايته) علي، خاصة لما كان أمري لا يعنيه من قريب أو بعيد. وأما عن قوله إني عندما لا انتظم في داخل الحركة الإسلامية فإني سأجد نفسي في خلاف فكري معها، فمن قال له إني لا أختلف مع الحركة الإسلامية؟! فالحركة الإسلامية ليست صنما يعبد كالحزب الجمهوري.


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507498&bk=1
                  

04-04-2008, 04:00 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الحــــوار العجيـــــب
    د. عمر القراى
    (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) صدق الله العظيم.
    * اطلعت على حوار في صحيفة «الصحافة» الغراء العدد «4802» بتاريخ 19 اكتوبر 2006م، اجراه الصحافي صلاح شعيب، مع شخص قال عنه (الدكتور محمد وقيع الله استاذ جامعي يدرس في الولايات المتحدة وهو مفكر اسلامي وباحث يساهم في الحياة العامة باوراق ودراسات معمقة وكتابات سياسية وفكرية في القضايا المعاصرة والشؤون السيايسة) على ان هذا الحوار لم يعكس شيئاً مما ذكره الصحافي في مقدمته تلك. بل قدم لنا شهادة رجل، على نفسه، بأنه يؤمن بفكر الحركة الاسلامية، ولا ينتمي لها تنظيمياً، لأنه سريع الغضب، ويصادم كل من يخالفه الرأي!! ثم هو يرى ان الحركة الاسلامية السودانية، الآن صاحبة الشأن الاعلى، وانها لم تحد عن مسارها، وان مشروعها الحضاري، مازال قائماً!! فلما سئل عن ما حققه المشروع الحضاري في الواقع، تذرع بغيابه عن البلاد، سبباً لعدم معرفته بما يجري!! وهو يرى ايضاً ان الحركة الاسلامية ليست لها كيانات تنظيمية، كما كانت في الماضي، وانها ذابت في السلطة، بل يرى المسلمين جميعاً خرجوا من حلبة الحضارة والتاريخ!! ثم هو يترك مفارقة المسلمين جانباً، ليحدثنا عن عظمة اميركا وديمقراطيتها، وحريتها، ومع كل اعجابه بالحرية والديمقراطية، ودعوته لنا، لنستلهمها من الغرب، لا ينسى ان يكفِّر الاستاذ محمود محمد طه ويقول بأنه شخص غير مسلم ومرتد، دون ان يورد من كتب الفكرة ما نسبه اليها!! هذا بالرغم من انه قد سئل عن دراسة كان قد كتبها حول الفكر الجمهوري.
    انتماؤه للحركة الاسلامية ورأيه فيها:
    * في الإجابة على السؤال (ما هى علاقتك بالحركة الاسلامية...) يقول د. وقيع الله (علاقتي بالحركة الاسلامية ثقافية وليست تنظيمية.. وفي هذا السياق كنت ومازلت ارى نفسي موجوداً في داخل الحركة الاسلامية، وفي ذات الوقت ارى نفسي خارجها)!! وحين سأل الاستاذ صلاح شعيب (هذا الحديث يعطي انطباعاً بانك غير منظم داخل الحركة الاسلامية، ونحن نعرف ان المنتمي للحركة الاسلامية هو منظم فيها، هل نفهم انك تجمع خصوصية الانتماء واللا إنتماء للحركة؟) أجاب (أنا لست منظماً في داخل الحركة الاسلامية، وانني ايضاً غير منتظم في أي إطار آخر اجتماعي رسمي أو غير رسمي، وحياتي محورها النشاط والعمل والانتاج الدائم الدائب. وانا اؤمن بالانتاج فقط ولا اؤمن بالاطر الاجرائية.. وفي حالتي الخاصة الاجراءات الضيقة معوقة لعملي ايما تعويق، لذلك اصطدم بالناس الذين يعملون معي. ودائماً ما اعمل عملاً انفرادياً، ولا احب ان التقي في تعاون أو تنظيم او تنسيق مع أي شخص. وهذه ميزة يعرفها كل من يعرفني).
    نحن هنا، امام رجل، يظن انه يتفق مع الحركة الاسلامية فكرياً، ولكنه يرفض فكرة ان ينتظم داخلها، ولا يدرك ان هذا في حد ذاته، خلاف فكري بينه وبينها. ذلك ان الحركة الاسلامية تعتمد على مرجعية دينية، قررت بناءً عليها انشاء التنظيم الذي يقوم على العمل الجماعي، قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) فاذا كان د. وقيع الله لا يؤمن بالاطار التنظيمي، كما قال فهذا خلاف فكري واضح بينه وبين الحركة الاسلامية وان لم يشعر به. ثم ان صاحبنا يقول (لا أحب ان التقي في تعاون او تنظيم او تنسيق مع أي شخص وهذه ميزة) فأين يذهب به ذلك عن قوله تعالى (وتعانوا على البر والتقوى)؟! وهل حقاً ان نفوره من التعاون والتنسيق والعمل الجماعي المنظم ميزة ام انها مشكلة؟! ليس من حيث مفارقتها الدينية فحسب، بل من حيث بعدها عن الاسلوب العلمي في المجال الاكاديمي الذي قال إن فيه جل نشاطه (الدائم الدائب)؟!
    ولماذا لا يريد هذا الدكتور ان يعمل مع مجموعة في تنسيق او تنظيم؟! اسمعه يقول في تبرير هذا السلوك العجيب (وانا سريع الاحتدام والاصطدام مع الشخص الذي يختلف معي في الفكر والرأي.. لذلك احب ان اعمل دائماً على انفراد كامل حتى في مجال عملي المهني وهو التدريس) اليست هذه حماقة، شهد بها وقيع الله على نفسه دون موجب؟! ألم يسمع بالقول (ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)؟! وما ذنب هؤلاء الطلاب، الذين تقتضي دراستهم ان يعملوا في شكل مجموعات، وفرق ويفرض عليهم المنهج العلمي نفسه ان يختلفوا مع بعضهم ومع استاذهم؟! ما ذنبهم ان يكون استاذهم من الضيق، بحيث يصادمهم، ان هم اختلفوا معه في الرأي؟!
    إن د. محمد وقيع الله يعاني من مشكلة خطيرة وعصية على العلاج، وهو لن يتجاوزها اذا ظل مشغولاً عنها بنقد الآخرين، ولو انه يقبل منا مساعدة لاقترحنا عليه ان يتبع المنهاج النبوي في ترويض النفس والسيطرة على بداواة الطبع، حتى يتقبل الرأي المعارض في محبة وسعة.
    يقول وقيع الله عن الحركة الاسلامية (وفي الوقت الحالي اعتقد ان الحركة الاسلامية اصبحت تضع الاجندة والمبادرات للعمل السياسي السوداني عامة، هذا الامر يجري منذ عقد ونصف من الزمان تقريباً، فالحركة الاسلامية السودانية هى صاحبة الشأن الاعلى والجميع يصدرون عن ردود فعل لما تفعله الحركة الاسلامية)!!
    ولم يخبرنا عن أية حركة اسلامية يتكلم. هل يقصد المؤتمر الشعبي ام المؤتمر الوطني؟ فإن كان يقصد المؤتمر الشعبي فهو بعيد عن السلطة ولا يتولى المبادرات، وإنما ركز عمله على نقد الجناح الآخر من الحركة الاسلامية الذي يسيطر على الحكومة، واعتبره المسؤول عن الفشل والفساد والصراعات الاقليمية!! وان كان وقيع الله يقصد المؤتمر الوطني الذي يقود الحكومة، فإنه يواجه مشاكل عديدة في الداخل والخارج، وتعوزه الحيلة في ان يقدم مبادرة تخرج البلاد مما ورطها فيه.. ثم هو أيضاً يعاني الآن من انقسامات وصراعات لمحاور قوى تمنعه من أية مبادرة نافعة.. ألا يكفي هذه الحركة الاسلامية مفارقة لجوهر الاسلام، ان يصف مرشدها تلاميذه بالفساد والانحراف عن قيم الدين والانشغال بالكراسي؟! لا يكفيها مفارقة ان يصف التلاميذ مرشدهم وشيخهم بالكفر والمروق؟!
    وبعد كل هذا نسأل وقيع الله هل حادت الحركة الاسلامية عن مسارها فيجيب (لا لم يحدث ذلك.. مضت الحركة الاسلامية في مسارها القديم قدماً)!! هل كان مسارها القديم مليئاً بكل هذه الانقسامات والخلافات الحاضرة، أم ان وقيع الله يضحي بالتزام الصدق ليخفي واقع الحركة الاسلامية المزري؟!
    ومع إعجاب د. وقيع الله بالحركة الاسلامية وظنه انها اكثر فعالية من كل التنظيمات الاخرى، وانها لم تحد عن مسارها، يرى انها لا تملك كيانات تنظيمية!! ويجري الحوار هكذا:
    (س: وهل قدمت مشروعاً نقدياً للحركة الاسلامية يبين قصورها مثلاً؟
    ج: هذا لم يحدث، ولا اعتقد ان لدى الحركة الاسلامية السودانية كيانات تنظيمية كما كانت في الماضي.
    س: كيف؟
    ج: عدم وجود الشيء لا يحتاج الى برهان، والشيء الموجود هو الذي يحتاج الى برهان، فاذا كان تنظيمهم معدوماً او غير موجود او غير مشاهد فهذا لا يحتاج الى برهان، ولا اعتقد ان لديهم مثل تلك التنظيمات الفاعلة في الماضي، انهم مشغولون بالدولة اكثر من أي شيء آخر).
    فوقيع الله اذاً لم ينقد الحركة الاسلامية لأنها ليست لديها كيانات تنظيمية، وما دام تنظيم الحركة الاسلامية معدوماً او غير موجود فهذا امر لا يحتاج الي برهان، وهو لهذا السبب- حسب رأي وقيع الله- لا يستحق ان ينقد لعدم وجود التنظيمات الفاعلة في الماضي، ولأن اعضاء الحركة الاسلامية اصبحوا مشغولين بالدولة اكثر من أي شيء آخر.
    إن هذه العبارة مليئة بالتناقضات لدرجة ان القاريء ليظن ان المحاور شخصان لا شخص واحد. واول الاسئلة التي تواجه هذا التناقض، كيف لا يكون للحركة كيان تنظيمي ويكون تنظيمها معدوماً، ثم تكون اكثر الحركات فعالية في الساحة؟! واذا كانت الحركة لا تملك تنظيماً فلماذا لم يدفع وقيع الله بذلك حين سئل عن انضمامه للحركة الاسلامية؟! لماذا لم يقل انه لم يدخل في تنظيم الحركة الاسلامية لأن الحركة لا تنظيم لها؟!
    ولقد كان السؤال اساساً عن نقد وقيع الله للحركة الاسلامية، فهل كونها ليست لديها كيانات تنظيمية عذر لعدم نقدها، ام انه سبب كافٍ لنقدها؟! وحين سُئل وقيع الله هل حادت الحركة الاسلامية عن مسارها نفى ذلك بشدة، وقال انها مازالت على نفس مسارها القديم ولقد اخبرنا وقيع الله نفسه ان الحركة الاسلامية كانت لديها (التنظيمات الفاعلة في الماضي) فهل حقاً لم يحيدوا عن مسارهم حين تخلوا عن كل ذلك واصبح (تنظيمهم معدوماً او غير موجود أو غير مشاهد) كما قال؟!
    وبعد كل هذا سئل وقيع الله (هل لا تزال الحركة الاسلامية على ثوابتها؟) فأجاب (نعم)!! وحين سُئل هل مازال المشروع الحضاري للدولة السودانية قائماً أجاب (نعم مازال قائماً ومتقدماً للامام..)!! وحين سُئل عن الذي حققه المشروع الحضاري اجاب بقوله (انا لست موجوداً في السودان منذ ستة عشر عاماً حتى اقدم اجابة علمية صحيحة)، فاذا كان غياب وقيع الله عن البلد لا يمكنه من الحكم على ما حققه المشروع الحضاري، فكيف استطاع رغم هذا الغياب ان يقرر ان نفس هذا المشروع (مازال قائماً ومتقدماً للامام)؟!
    ولأن وقيع الله وافق على بعض مثالب الحركة الاسلامية وقال عنها (ولكن يمكن القول ان الكثير من افرادها قد تنكبت بهم السبل وضلوا سواء السبيل).. وإن كان قد تناقض مع تقريره هذا وقال (وارى ان معظم أعضاء الحركة الاسلامية يستصحبون قيمهم الدينية الاسلامية وان كان القليلون قد اهملوا هذا الامر) فإن الصحافي المحاور سأله سؤالاً مباشراً ومحدداً هو (ما دور القيم الاسلامية في مكافحة هذه المثالب والعيوب؟) فكانت اجابة الدكتور (لست ادري ان كنت استطيع ان اجيب على هذا السؤال)!!
    فاذا كان وقيع الله لا يعرف دور القيم الاسلامية، في معالجة عيوب السلوك ومفارقات الاخلاق، فماذا يعرف عن الاسلام؟! وهل جهله بقيم الاسلام واثرها على تقويم سلوك الافراد يمنحه القدرة على تقييم الحركات الاسلامية ومدى مفارقتها حتى يثني عليها كما فعل في هذا المقال؟! وهل من اعترف بجهله بدور الاسلام في تقويم الاخلاق يستطيع ان ينصب نفسه ناقداً لفكرة عميقة ومؤسسة كالفكرة الجمهورية لو كان صادقاً حين قال عن نفسه (لا اريد ان القي الكلام على عواهنة واكون مسؤولاً عنه امام الله سبحانه وتعالى)؟!
    إعجابه بأميركا:
    * وفي اجابة على سؤال الصحافي المحاور (ولماذا بعد هذه السنين الطويلة منذ مجيء الاسلام تظل احوال المسلمين متخلفة على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية؟) اجاب وقيع الله (المسلمون خرجوا من حلبة الحضارة والتاريخ منذ زمن مديد، وبتعبير الدكتور محمد اقبال رحمه الله، فإنهم سقطوا من مكان عال جداً، والذي يسقط من مكان عالٍ لا ينهض إلا بعد زمن طويل يداوي فيه كسوره والجراح..) ولقد نسي وقيع الله في غمرة حماسه ونقده للمسلمين انه كان قد حدثنا قبل قليل، عن عظمة الحركة الاسلامية السودانية وثباتها على مبادئها وتأثيرها الكبير الذي ما نشاط الآخرين إلا ردة فعل له. فهل هذه الحركة جزء من هؤلاء المسلمين الذين سقطوا من علٍ؟!
    وحين سأله المحاور بناءً على حديثه السابق (هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسوية؟) اجاب بقوله (لا اعتقد.. من جانب آخر اعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته).. ولعله قبل ان يسجل الصحافي هذا الاجابة الواضحة التي فحواها اننا لا نحتاج لاستيراد الديمقراطية من الغرب، وانما يجب ان نتمثل الشورى القديمة ونتفهمها، اذا بوقيع الله يفاجئه بقوله (لكن لا مانع من الاستزادة بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب، خاصة الولايات المتحدة الاميركية.. وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقية حية وقوية وناضجة وشريفة..)!!
    نحن هنا امام جهل مزودج، جهل بالفرق بين الديمقراطية والشورى من ناحية، وجهل بتزييف الولايات المتحدة الاميركية للديمقراطية من ناحية اخرى. فوقيع الله يظن انه يمكن ان يطبق الشورى ثم يزيد عليها الديمقراطية الغربية في نفس الوقت.
    والحق ان الشورى والديمقراطية نقيضان.. (فالشورى ليست نظام حكم، وانما هى ميكانيكية مساعدة لنظام الخلافة، تلطفه، وتهذبه حتى لا يصبح دكتاتورية سافرة، بل يكون نظام وصاية الفرد الرشيد على القصر.. فالخليفة الحاكم يختار مجموعة ممن حوله سماها الفقهاء مؤخراً (أهل الحل والعقد) يشاورهم في امور الدولة فيستأنس برأيهم، ولكنه يملك ان يخالفهم، فليست المشاورة بملزمة.. فبالرغم من الشورى يظل نظام الخلافة حكم فرد، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية.. وآية الشورى من الكتاب قوله تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين» جاء في تفسير هذه الآية (يعني فتجاوز يا محمد عن اتباعك واصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي، ما نالك من اذاهم ومكروه في نفسك، واستغفر لهم وادع ربك لهم بالمغفرة.. وقوله وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله، امر الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم ان يشاور اصحابه في الامور، وهو يأتيه الوحي من السماء لأنه اطيب لانفس القوم.. حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن اسحق وشاورهم في الامر أي لتريهم انك تسمع منهم وتستعين بهم، وان كنت عنهم غنياً تؤلفهم بذلك على دينهم.. وأما قوله فإذا عزمت فتوكل على الله فإنه يعني اذا صح عزمك تثبيتنا اياك وتسديدنا لك في ما نابك وحزبك من امر دينك ودنياك، فامض لما امرناك به على ما امرناك به، وافق ذلك آراء اصحابك وما اشاروا به عليك او خالفها، وتوكل في ما تأتي من امورك وتدع وتحاور او تزاول على ربك فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم..).
    ( ولقد كان النبي الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم، يشاور اصحابه ثم يوافقهم كثيراً ويخالفهم احياناً، فقد نزل عند رأيهم في غزوة احد، وخالفهم حين قبل شروط صلح الحديبية، وكان في كل ذلك يربيهم تربية الاحرار، يشعرهم بقيمتهم وكرامتهم ويؤهلهم بقاعدة التربية الفردية للديمقراطية التي لم يحن حينها في ذلك الوقت.. ولقد حاول الاصحاب ما وسعهم الوسع ان يسيروا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقامت الخلافة الراشدة كحكم فرد تدعمه سلطة دينية، وهو ما يعرف الآن بالنظام الثيوقراطي.. فلم يحدث ان تم لخليفة انتخاب.. فأبو بكر الصديق رضى الله عنه اختاروه يوم السقيفة على خلاف بين المهاجرين والانصار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قدمه حين كان مريضاً فصلى بالناس فقال بعضهم (رضيه رسول الله لديننا افلا نرضاه نحن لدنيانا؟!).. ولم يشارك كل أهل المدينة في اختيار ابي بكر، ولم تشارك فيه الامصار، ومع ذلك بايع كثير من الناس ابا بكر بعد ان اصبح خليفة، ولقد مارس ابو بكر الشورى تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فشاور اصحابه في قتال مانعي الزكاة فأشاروا عليه بعدم القتال، فخالفهم وقال (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)!! ولو كان حاكم المسلمين ملزماً برأي الاغلبية لما قامت حروب الردة.. ولم يعط ابو بكر الناس الفرصة التي اعطاهم لها النبي صلى الله عليه وسلم، بل جعل عليهم عمر بن الخطاب وامرهم ان يسمعوا له ويطيعوا).
    ولا شك في أن الولايات المتحدة الاميركية بها تجربة متقدمة في محاولة تطبيق الديمقراطية، ولكنها ليست (ممارسة حقيقية) كما قرر وقيع الله، وإنما هى ممارسة مزيفة، والسبب في ذلك هو ان الرأسمالية تجهض الديمقراطية، فما دام المال بيد قلة وان الكثرة تكدح، وتشقى لتزيد من ثراء هؤلاء الافراد المسيطرين على وسائل ومصادر الانتاج، فإن الشخص المتوهم بأنه حر، ليس كذلك وانما مستعبد للرأسمال. هنا تصبح الانتخابات والمؤسسات الديمقراطية جميعها بما في ذلك الاعلام أدوات في يد الرأسمالي ليدعم بها نفوذه وسيطرته. والرأسمالية لا تهتم بالإنسان وانما تهتم بالربح، ومن اجل ذلك تشيع الغلاء. وكأثر لذلك تضطر الى رفع الاجور ومن ثم تكلفة الانتاج ليتصاعد التخضم مرة اخرى، وتسعى الشركات الكبرى عابرة القارات الى تهريب رأس المال الى دول اخرى حيث العمالة رخيصة، مما يخلق المزيد من العطالة.. وهكذا يتأزم الوضع بصورة لا يمكن تجاوزها إلا بتحول الرأسمالية الى امبريالية بسيطرتها على دول اخرى واخذ مصادرها دون مقابل.. وفي وقتنا الحاضر اصبح مثل هذا النموذج ماثلاً.. فقد خاضت اميركا حرباً ضد العراق زعمت انها قامت بها كرد على عدوان الارهاب الذي استهدف مواطنيها، ولأن صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل يهدد بها امنها.. وبعد ان انتهت الحرب، ومات الآلاف من العراقيين والمئات من الاميركيين والبريطانيين، صرح مسؤولون في قمة الادارة الاميركية بأن صدام حسين لا علاقة له باحداث سبتمبر 11، وانه لم يكن يملك اسلحة دمار شامل!! وواضح ان الغرض من حرب العراق هو مصالح الشركات الضخمة التي يملكها من يؤثرون في القرار، والتي تريد ان تحصل على البترول، بلا مقابل، وتمتلك عطاءات اعادة تعمير العراق بعد تحطيمه، وتحل الازمة الاقتصادية التي خلقتها الرأسمالية ولو بمخالفة مبادئ الديمقراطية.
    وحين لاحظ الصحافي المحاور ان وقيع الله معجب اشد الاعجاب بتجربة الغرب، وانه اشاد باميركا وببريطانيا ودعانا الى ان ( نستهدي بآليات ترشيد العمل الديمقراطي كمراكز البحوث ونظام اللجان البرلمانية في الكونغرس او في مجلس العموم البريطاني)!! سأله (ولكن هذه القيم التي تتحدث عنها انت وفق مرجعية علمانية؟) فأجاب الدكتور (لا ليست علمانية، كما ان العلمانية ليست كلها ضرر)!! وهكذا يتحول د. محمد وقيع الله العالم الى المغالطة،. ويقرر دون تردد أن النظام الاميركي الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة وعدم تدريس الدين في المدارس ويعتمد على المادية في سائر نظمه، ليس علمانياً!! ومعلوم ان العلمانية ليست كلها ضرر، ولكن ضررها اكبر من نفعها، وهذا ما تحاشى وقيع الله ان يقف عنده فيثبته، أو ينفيه.
    نقده للفكر الجمهوري:
    * سأل الصحافي (نشرت بحثاً قبل فترة عن الاستاذ محمود محمد طه ولكنه اثار جدلاً كبيراً) فقال وقيع الله (اعتقد ان محموداً كان من كبار المتأملين المفكرين في السودان، وكان يعيش احلاماً كبيرة وخطيرة، وهذه هى التي صنعت منه مفكراً كبيراً، اقول هذا رغم انني اختلف معه في كل شيء كتبه، فيما عدا حروف الجر والتسكين والنصب)!!
    فهل حقاً يختلف د. محمد وقيع الله مع الاستاذ محمود في كل شيء كتبه ماعدا حروف الجر والتسكين والنصب، أم ان هذا ضرب من المبالغة المفارقة للصدق، والتي ان جازت في القصص والحكايات لا يمكن ان تقبل في النقد العلمي للافكار؟! وحتى يضع وقيع الله يده بنفسه على مبلغ الخلل في عبارته تلك، نورد له هنا نصاً من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام، فقد جاء في صفحة «17» (عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلاد، اشرقت شمس مدينة جديدة، بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية. ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها، من الناحية النظرية على الاقل غداة انزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر، وهى قوله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً)، فهل يختلف وقيع الله مع كل ما ورد في هذا النص أم يتفق مع بعض ما ورد فيه بخلاف حروف الجر والتسكين والنصب؟!
    وحين سأله الصحافي المحاور (ولكن الا ترى ان تفكير محمود كان عميقاً في كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام؟) أجاب بقوله (كان فكره عميقاً ولكنه كان متحاملاً على الاسلام الذي نعرفه ويعرفه سائر الناس. وأنا شخصياً أعد نفسي مدافعاً عن الاسلام واتحفز لمهاجمة من يهاجمونه اياً كانوا، ورسالتي الشخصية في الحياة هى الدعوة الى الاسلام، وانا حساس تجاه أي انسان يمس ثوابت الاسلام أو يعمل على تحريف الاسلام او يعادي الاسلام مهما يكن متفوقاً ثقافياً، ولا أقبل المساس بكلام الله سبحانه وتعالى او سنة نبيه صلى الله عليه وسلم)!
    ولم يذكر لنا هذا الباحث الجامعي، كيف كان الاستاذ محمود متحاملاً او محرفاً، او معادياً للاسلام.. وانشغل عن ذلك- رغم القائه التهم جزافاً- ليحدثنا عن نفسه، وكيف انه متحفز وحساس، ومتأهب للدفاع عن الاسلام!! والحق ان الاسلام لا يحتاج الى من يدافع عنه، وإنما يحتاج المسلمون الى ان يفهموه لينصروه في انفسهم، ثم يبشروا به البشرية جمعاء، وهذا ما يجدر بوقيع الله ان يؤهل نفسه فيه إن كان هذا الامر يعنيه حقاً، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه!!
    ولما رأى الصحافي المحاور أن وقيع الله متحامل دون موجب قال (لماذا لا تنظر لمحمود محمد طه كمجتهد اكثر من انه يمس ثوابت الاسلام؟) فأجاب وقيع الله (لا.. لم يكن محمود مجتهداً في اطار الاسلام، وانما اتى بشيء جديد مختلف عن الاسلام)!! وواصل قائلاً (محمود محمد طه بدأ اجتهاده بتقويض الصلاة وهى عمود الاسلام الاكبر. ورفض الحج، وانكر شرعية الزكاة، وغير شرع الاحوال الشخصية، ونادى بالغاء سلطة القرآن المدني لأنه مليء بالتشريعات، ودعا للاكتفاء بالقرآن المكي حيث تقل التشريعات، فهذا كله لا يمكن ان يعد تجديداً، وانما هو شيء يستهدف صميم الاسلام)!! ولقد حق للصحافي المحاور ان يستغرب لهذه الاكاذيب ويقول (هل كل ما ذكرت موجود في كتب «الرسالة الثانية»؟) فلم يتردد وقيع الله، بل تمادى في القاء القول على عواهنة قائلاً (نعم هذا هو اقل ما في كتاب الرسالة الثانية الذي يقوم على أي القرآن المكي فقط، ومحمود لم يعترف بالقرآن المدني، فهو بالتالي خارج عن الاسلام.. وهو في اعتقادي واعتقاد الكثيرين شخص غير مسلم)!!
    فاذا كان الأستاذ محمود محمد طه قد اقام فكرته على رفض اركان الاسلام، وتقويض شرائعه ونبذ القرآن المدني، فلماذا وصفه وقيع الله بأنه مفكر عميق وكبير وذلك حيث قال (اعتقد ان محموداً كان من كبار المتأملين المفكرين في السودان، وكان يعيش احلاماً كبيرة وخطيرة، وهذه هى التي صنعت منه مفكراً كبيراً)؟!
    إن ما ردده وقيع الله هنا من أكاذيب وجهالات لا تتعلق بالفكرة الجمهورية ولا تعتمد على مصادرها، وإنما هى شائعات كنا نسمعها من البسطاء والسذج، من رواد حلقات الوعظ، وكنا نعذرهم لعلمنا بأنهم مضللون، وانهم لا يستطيعون التأكد من مصادر الفكرة.. اما ان يكرر نفس هذه الاقاويل شخص يزعم بأنه مفكر، ومثقف وباحث واستاذ جامعي، يفترض ان يتثبت ويتحقق، فهو ما لا يقبل بأية حال من الاحوال.
    إن وقيع الله يعاني من التناقض والازدواجية في التفكير، لأن في ذهنه مناطق متفرقة لاشياء كثيرة متنافرة.. فهو يعيش في اميركا ويعجب بديمقراطيتها ويدعونا لاستلهامها. وفي جانب آخر من عقله يعيش في جبة فقهاء القرون السالفة.. ولهذا لم يلتقط ان جوهر هذه الديمقراطية اعتبارها لحقوق الانسان، وان من اهم ما اتفقت عليه مواثيق حقوق الانسان حرية الاعتقاد، وإلا لكان قد شعر بمبلغ التناقض الذي يرزح تحته حين دعا للديمقراطية، ثم قال عن الاستاذ محمود (هو مرتد طبعاً هذه هى الردة بعينها)!!
    ولو كان وقيع الله يفهم الاسلام، لعلم ان الاسلام في اصوله ليست فيه ردة، لأنه اعطى حرية الاعتقاد، قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)!! ولعلم ان الاسلام في هذا المستوى الرفيع يتفق مع مواثيق حقوق الانسان.. وان هذا هو المستوى الوحيد الذي يمكن ان تتحقق به الديمقراطية التي حدثنا عنها وهو لا يدرك كنهها؟!
    وحين رأى الصحافي المحاور ان وقيع الله يكفر الاستاذ محمود، ولا يجرؤ على تكفير الترابي سأله (طيب انت قلت ان الترابي لا يستحق ان يقام عليه الحد، أليست هذه ازدواجية معايير ان محمود كان يفكر ويجتهد والترابي يفعل الشيء نفسه الآن؟) فأجاب (محمود لم يكن مجتهداً، والترابي نفسه في تجديفاته الاخيرة لا يعد مجتهداً، واكثر ما قاله اخيراً قالته الفرق الغالية قديماً، وبعضه موجود في تراث محمود محمد طه)!! فاذا سلمنا، جدلاً بأن ما قاله الترابي مأخوذ من تراث الأستاذ محمود، فلماذا لم يحكم عليه بما حكم به على الاستاذ محمود؟! الا يدل هذا الموقف الذي وصفه الصحافي الحصيف على عدم صدق، ومن ثم عدم الحرص على الاسلام؟!
    ولقد كان الصحافي المحاور منصفاً حين سأل وقيع الله عن ايجابيات الاستاذ محمود، فاضطره ليقول (كان محمود ثابت الجأش في المحكمة وحتى في قتله كان ثابتاً) وحتى يقلل من هذه الايجابية التي اضطر اضطراراً لذكرها، واصل قائلاً (كثير من الخارجين على الاسلام بدوافع الجذب والشطح والايمان بالاشياء الغامضة، واجهوا مصيرهم بمثل هذا الثبات والابتسام.. والحلاج صلى ركعتين قبل قتله، وهناك آخرون صدقوا مع انفسهم ولكن الصدق لا يعني الصحة والصواب)!! ويكفي ان شهد وقيع الله للاستاذ محمود بالثبات على المبدأ حتى الموت، وبمواجهة الموت بالابتسامة وبالصدق مع نفسه.. وكلها صفات لن يجد لها اثراً في زعماء الحركة الاسلامية، التي يؤمن بها ويخشى ان يتنظم في تنظيمها حتى لا يتحمل مسؤولية فكره وعمله!!
    وحين ذكر الصحافي ان هناك من يقول بأن محاكمة الاستاذ محمود كانت عملاً سياسياً اجاب وقيع الله (قد يكون.. لكن هو ايضاً لم يكن بريئاً من التآمر السياسي ضد خصومه. وقد تآمر مع حكومة نميري والشيوعيين ضد الانصار، وايد ببيانات كثيرة ضرب الانصار يوم ضربوا في الجزيرة ابا عام 1970م..) ولم يخبرنا وقيع الله كيف تآمر الاستاذ مع حكومة نميري ضد الانصار؟! او ماذا جاء في احد البيانات التي قال انها كثيرة؟! وهل اخراج البيانات وتوزيعها في الشارع سواء أكانت مؤيدة او معارضة لموقف من مواقف الحكومة يمكن ان يعتبر تآمراً؟!
    وحين ذكر الصحافي أن هنالك من يقول بأن القضاة الذين حاكموا الاستاذ لم يكونوا مؤهلين، قال وقيع الله (القضاة الذين حاكموا محمود كانوا مؤهلين بلا شك، وبعضهم كانوا يحملون درجات اكاديمية عليا، والعلامة هنري رياض الذي راجع الحكم هو من كبار فقهاء القانون في السودان) وكل هذا تخطيط وتشويش لا يجوز في حق باحث يفترض ان يتأكد من كل ما يكتب قبل ان ينشره على الناس.
    فالقضاة لم يكونوا مؤهلين، لأنهم لم يدرسوا القانون، وانما درس بعضهم الشريعة والفقه، ثم انهم عينوا سياسياً، وليس من قبل مجلس القضاء العالي. ولقد ذكر الاستاذ محمود ذلك في المحكمة وسجله القاضي بيده. ولم يكن هنري رياض عضواً في المحكمة الابتدائية التي حكمت على الاستاذ، وكان قاضيها المهلاوي، او محكمة الاستئناف التي ايدت الحكم عام 1985م وكان قاضيها المكاشفي، وانما كان عضواً في المحكمة العليا التي ابطلت ذلك الحكم في عام 1986م، ولقد اتفقت المحكمة العليا مع ما قرره الاستاذ من ان قضاة محكمة الموضوع كانوا غير مؤهلين ولهذا اتوا بحكم مخالف لكل قيم العدالة، جاء في قرار المحكمة العليا (ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم، فقد تجاوز كل قيم العدالة، سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه، أو ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة، او انطوى عليه دستور 1973م الملغي رغم ما يحيط به من جدل، ففي المقام الاول اخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها- او لاية محكمة اخرى- توجيه تهمة الردة)!!
    خاتمة:
    * لقد كان من الممكن متابعة المزيد من مفارقات هذا الحوار العجيب، فهو لا يزال ينضح بالتناقض والتضارب.. ولكن فيما ذكر، ما يكفي لتأكيد ما اردت اظهاره، عن مستوى خصوم الفكرة الذي يتصدون لها بغير كفاءة. ولابد لي من الاشادة بالروح العالية والصبر الفريد الذي تحلى به الصحافي صلاح شعيب وهو يدير هذا الحوار العجيب، فلقد حاول جهده أن يجعل من محاوره شخصاً موضوعياً يبرر ما قدمه به من انه استاذ جامعي يدرس في اميركا!! ثم انه سعى باسئلة محددة، وشاملة للموضوعات التي اثارها حتى يضمن للقارئ عملاً ممتعاً ومتكاملاً، لولا ان محاوره قد هبط بمستوى الحوار بصورة مؤسفة، بل انه في اكثر من مرة لم يفهم مجرد السؤال!! فحين سأله الصحافي (حينما فكرت الانقاذ في ذلك- يعني الانقلاب- كانت تستند على مرجعية دينية، أم مرجعية ديمقراطية؟) اجاب (ماذا تعني بذلك؟!) وحين قال له الصحافي (لكن الآلية التي كان يعتمد عليها الصادق المهدي ديمقراطية) اجاب (ماذا تعني؟)!!
    فاذا كان السؤال البسيط المباشر يحتاج الى ان يشرح لهذا العالم الباحث، فإن ذلك بطبيعة الحال، يجعل مهمة الصحافي المحاور شاقة ومرهقة، وما كان للأستاذ صلاح شعيب ان يحتملها ويساوق الاسئلة خلالها، لو لم يكن صحافياً متمرساً. والشكر موصول لصحيفة «الصحافة» الغراء التي نشرت هذا الحوار، فعرفنا من خلاله د. محمد وقيع الله، فقد قال السادة الصوفية (المرء مطوي تحت لسانه فتحدثوا تُعرفوا)!!


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507359&bk=1
                  

04-04-2008, 04:00 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الدكتور محمد وقيع الله في حوار فكري وسياسي مع «الصحافة»:
    إذا سقطت الدولــة ستعـــــود الحركـــةـ الإسلاميــــة لسابــــق وضعـــــها
    مفهوم الثورة لا ينطبق على مايو والإنقاذ..!!
    الدكتور محمد وقيع الله استاذ جامعى يدرس فى الولايات المتحدة، وهو مفكر اسلامى وباحث يساهم فى الحياة العامة باوراق ودراسات معمقة، وكتابات سياسية وفكرية فى القضايا المعاصرة والشؤون السياسية، كما يساهم عبر المنابر والمنتديات بافكار جريئة.«الصحافة» جلست اليه وطرحت عليه قضايا عدة.. وفيما يلى نص الحوار:
    حاورهبواشنطن: صلاح شعيب
    * ما هي علاقتك بالحركة الاسلامية، وما هي المحطات البارزة في درب الحركة الاسلامية السودانية الحديثة؟
    - علاقتي بالحركة الاسلامية ثقافية وليست تنظيمية، لقد كانت فيما يسمى عادة بالنشاط الموازي، أي النشاط غير التنظيمي وغير السياسي. وفي هذا السياق كنت ومازلت ارى نفسي موجوداً في داخل الحركة الاسلامية، وفي ذات الوقت ارى نفسي خارجها. وهذا توصيف قد يصعب على بعض الناس تصوره ولكنه الحق.
    وبعبارة أخرى يمكن أن أقول إنني جزء من العمل الثقافي الاسلامي العام المعلن. وإنني غير موجود في الاعمال التنفيذية والشورية، ولا اتلقى اوامر او محاسبة من أحد، ولا أجد تقويماً من احد، إنما انا منطلق في عملي الإسلامي أؤديه بانسجام مع أي عمل إسلامي صالح فيما أرى، وذلك منذ أن كنت في الحادية عشرة من عمري.
    أما عن الشق الثاني من السؤال وهو عن المحطات البارزة التي شكلت تأثير الحركة الاسلامية على مجمل النشاط السياسي السوداني.. فقد كان طابع هذا التأثير عقائدياً على الاقل حتى الآن.. بمعنى أن السياسة في السودان قد ارتبطت بالإسلام ارتباطاً قوياً جداً، وصاغت الاحزاب السياسية الاخرى التقليدية لإحياء الجانب الوراثي في كياناتها، وهو جانب إسلامي. وأضحت هذه الأحزاب تجاري الحركة الاسلامية في هذا الجانب، خاصة حزب الامة على يد الصادق المهدي، وأما الاحزاب العلمانية الخالصة كالحزب الشيوعي فأمست تخاف من مهاجمة الاسلام، وتأدبت معه بفعل سطوة الحركة الاسلامية فكريا وثقافيا. وأحزاب أخرى حاولت أن تعمل مناورات على الاسلام وتتبنى بعض الشعارات الاسلامية، فهذه تأثيرات بارزة للحركة الاسلامية السودانية على الأحزاب السودانية. وفي الوقت الحالي اعتقد أن الحركة الاسلامية أصبحت تضع الاجندة والمبادرات للعمل السياسي السوداني عامة، هذا الأمر يجري منذ عقد ونصف من الزمان تقريبا، فالحركة الاسلامية السودانية هي صاحبة الشأن الاعلى والجميع يصدرون ردود فعل لما تفعله الحركة الاسلامية، وقلما يبتدرون عملا إلا كرد فعل على اعمال الحركة الاسلامية التي أعتقد أن تأثيرها قوي جدا إن لم يكن ساحقاً على الحركة السياسية السودانية.
    * هذا الحديث يعطي انطباعا بأنك غير منظم داخل الحركة الاسلامية، ونحن نعرف أن المنتمي للحركة الاسلامية هو منظم فيها، هل نفهم انك تجمع خصوصية الانتماء واللا انتماء للحركة؟
    - أنا لست منتظما في داخل الحركة الاسلامية، وإنني أيضا غير منتظم في اي اطار آخراجتماعي رسمي او غير رسمي، وحياتي محورها النشاط والعمل والانتاج الدائم الدائب. وأنا أؤمن بالانتاج فقط ، ولا أؤمن بالاطرالاجرائية. وفي حالتي الخاصة الاجراءات الضيقة معوقة لعملي أيما تعويق، لذلك أصطدم بالناس الذين يعملون معي. ودائما ما أعمل عملاً انفراديا، ولا أحب ان التقي في تعاون أو تنظيم أو تنسيق مع أي شخص. وهذه ميزة يعرفها كل من يعرفني جيداً، فبهذا المعنى لم أكن في انتظام بالحركة الاسلامية بمعناها الواسع ولا في عداء او شقاق او معها.
    * في هذا الخصوص هل يمكنك ان تكون جزءاً من حركات الاسلام السياسي، ويمكنك أن تساعد قاعدة حزب الامة او الجمهوريين وتتناغم ادوارك مع اهدافهم الاسلامية؟
    - أدواري لا يمكن أن تتسق مع ادوارالجمهوريين ولا ادوار حزب الامة، بل حتى في الحركة الاسلامية لا تتسق مع أدوار ومزاجات بعض الناس. وأنا سريع الاحتدام والاصطدام مع الشخص الذي يختلف معي في الفكر والرأي.. لذلك أحب أن أعمل دائما على انفراد كامل حتى في مجال عملي المهني، وهو التدريس، ولا أحب أن اكون رئيس قسم اكاديمي، ولا مسؤولاً عنه، ولا عميداً، وأحب أن أبقى دائماً كمدرس مسؤول امام تلاميذي فقط.
    * وفقا لما تقول هل دخلت في صدامات داخل الحركة الاسلامية؟
    - لا لم يحدث ذلك. ولم توجد مبررات لحدوثه.
    * ولكن ما الذي يمنعك ان تكون مؤثرا داخل الحركة الاسلامية بحيث تدفع بعمل الوحدة الفكرية للحزب، ولماذا لا يكون دورك فاعلا في اطرها العامة؟
    هذا يتناقض مع طبيعتي كما اسلفت القول، إذ انني لا أحب العمل اليومي المنظم الاجرائي الرتيب، بالاضافة الى انه يعرضني الى سوء الفهم والصدامات والاحباطات، ولهذا اهتم بالعمل الثقافي والتعليمي، واكتفي بهذا الدور وهو ليس بالدور اليسير.
    * وهل قبلك الاسلاميون بهذه الشروط؟
    - كيف لا يقبلون؟! إنه ليس لشخص منهم سلطان عليَّ. لقد كان عليهم ان يقبلوني على علاتي. وهم سلفا يعرفون انني اعمل للاسلام بلا مزايدات ولا تطرف ولا حسابات شخصية، فقبلونني كما انا في الحقيقة، ولم يفرض احد منهم عليَّ شيئا، بل لا يستطيع احد منهم ان يفرض عليَّ شيئاً.
    * هذا يعني إنه بالامكان ان توجه انتقادات داخل الحركة الاسلامية لخطابها او مسارها الحركي؟
    - طبعا. هذا جانب من العمل الثقافي، ومهمة المثقف - ان جاز لي ان أحشر نفسي في هذه الطائفة - ان يعمل الاشياء التي لا يعملها الشخص الذي ينفذ الاعمال اليومية، وفي هذا المجال يستطيع المثقف ان يسهم اسهاما نافعا حتى ولو كان مقيما في برج عاجي. فعمل المثقف هو أن يتكلم وينتقد ويشير ويقدم الاقتراحات العملية التي تهديها اليه لحظات التأمل والتجلي. وأستطيع أن أقول في هذا المنحى أن ركون بعض المثقفين السودانيين والصحافيين منهم خاصة وكتاب الأعمدة على الأخص، إلى النقد الجارف وادمان انتقاد الآخرين نقداً سلبياً مدمرا، وانتقاص جهود الخصوم لا يمثل عملاًً طيباً، ولا يفيد البلاد بشئ. والأجدى من ذلك النظر المتوازن والحديث عن جانبي الكوب الفارغ منهما والملئ..!!
    * وهل قدمت مشروعا نقديا للحركة الاسلامية يبين قصورها مثلا ؟
    - هذا لم يحدث، ولا أعتقد ان لدى الحركة الاسلامية السودانية كيانات تنظيمية كما كانت في الماضي.
    * كيف؟
    - عدم وجود الشئ لا يحتاج الى برهان. والشئ الموجود هو الذي يحتاج الى برهان، فاذا كان تنظيمهم معدوما او غير موجود أو غير مشاهد فهذا لايحتاج الى برهان. ولا أعتقد ان لديهم مثل تلك التنظيمات الفاعلة في الماضي. انهم مشغولون بالدولة اكثر من أي شئ آخر.
    * إذن هل تقصد ان الحركة الاسلامية اختبأت في الدولة؟
    - نعم.. لقد ذابت فيها.
    * وإذا سقطت الدولة؟
    - تعود الحركة الاسلامية الي شئ شبيه بوضعيتها السابقة وتبدأ من وضعية متخلفة جدا.
    * هل حادت الحركة الاسلامية عن مسارها؟
    - لا لم يحدث ذلك.. مضت الحركة الاسلامية في مسارها القديم قدما، وقطعت اشواطا طويلة جدا في الاتجاه المقصود، لكن يمكن القول إن الكثير من افرادها قد تنكبت بهم السبل وضلوا سواء الطريق.
    * هل ماتزال الحركة على ثوابتها؟
    - نعم.
    * إذن نسأل عن ثورة الانقاذ كما سميت؟
    - الاسم غير مهم أبداً. ليس مهما إن يُقال إنها انقلاب او ثورة. والحرص على تحقيق هذه الناحية يأتي من المكايدات السياسية.
    * بهذا المستوي هل يمكن أن نقول ثورة مايو مثلا؟
    - كان منصور خالد بعد انقلابه على نميري وخصومته معه يقول ثورة مايو. هذه التسميات لا غضاضة في استخدامها.
    * هل يعني ان مايو لا ينطبق عليها مفهوم ثورة؟
    - بالتعريف العلمي ليست كلها ثورات.
    * حتى الانقاذ؟
    - حتى الانقاذ.. لأن الثورة بتعريفها العلمي هي الانقضاض التام على القديم وتحطيمه، وبناء شئ جديد ناجح مختلف اختلافا جذريا عنه، وكلها بهذا المعنى ليست ثورات.
    * إنما هي انقلابات؟
    - نعم انقلابات او تحولات او تغيرات في النظام السياسي الفوقي.
    * إذن ماذا كان دافع الحركة الإسلامية من الانقلاب؟
    - الدافع الاول كان أمنيا، وهذا امر له شقان، الاول هو الحفاظ على امن الحركة الاسلامية نفسها، لانها كانت مستهدفة من قبل الجيش والقوي الخارجية وبعض القوى الداخلية. والثاني هو الحفاظ على امن الوطن نفسه لانه كان مستهدفا من حركة التمرد. وقد كان على رأس البلاد آنها شخص ضعيف متردد لم يكن يبالي ان يمزق البلد أو يضيعها. وكان لابد للحركة الاسلامية ان تستلم السلطة.. وكانت هذه تقديرات الحركة الاسلامية لانتزاع السلطة منهم، لا لحب السلطة ولكن للحفاظ على امن البلد من التمزق. واعتقد انهم نجحوا في الحفاظ على وحدة البلد وامنه حتى الآن. وما كان بإمكان أحد غيرهم من الفرقاء السياسيين أن يحافظ عليه مثلهم.
    * حينما فكرت الانقاذ في ذلك هل كانت تستند على مرجعية دينية أم مرجعية ديمقراطية؟
    - ماذا تعني بذ لك؟
    * كما تعلم ان الحركة الاسلامية كانت جزءا من العملية الديمقراطية وارتضت بالممارسة كعهد، ولكنها ارتدت عن هذا العهد، وخططت للانقلاب. أعني على اي اساس استند هذا الانقلاب؟
    - ينبغي ان يوجه هذا السؤال للجميع وليس للحركة الاسلامية وحدها، لان الفائز الاكبر في الانتخابات نفسه لم يكن ملتزما بالنظام الديمقراطي ولا بالفلسفة الديمقراطية.. وقد حاول لسنتين كاملتين ان يجيز في البرلمان تعديلات دستورية يحجم بها حرية الصحافة وحرية الاحزاب، وكان يعمل على شل سلطات البرلمان نفسه وتعطيل تكوين لجانه. والجيش ايضا لم يكن راضيا عن النظام الديمقراطي، والحزب الاتحادي كان يعمل علي تعويق شريكه في الحكم. وانت بلا ريب تذكر الاحتكاكات العبثية الكثيرة بين اهل الحكم، كتلك التي جرت بين ابي حريرة والصادق المهدي، هذا فيما كان البعثيون والشيوعيون يتربصون بالنظام، وكانت حركة التمرد واجنحة كثيرة لها خارجة عن النظام الديمقراطي. واذن فليست الحركة الاسلامية وحدها ينبغي ان تتهم هنا.
    * لكن الآلية التي كان يعتمد عليها الصادق المهدي ديمقراطية؟
    - ماذا تعني؟
    * أعني انه كان يعتمد على التفويض الديمقراطي في التعاطي مع شؤون الحكم؟
    - الصادق لم يكن ديمقراطيا في يوم من الايام بالمعنى الصحيح للكلمة، وهو مايزال غير ديمقراطي الهوى، انك لا تزال تري آلاف الناس يقبلون اياديه، فهل رأيت زعيما ديمقراطيا آخر في العالم يقبل الناس اياديه او يرضي هو بان يقبل الناس اياديه كما يفعل الصادق المهدي؟! انني اتمنى من هذا الشخص ان يمنع انصاره ان يقبلوا اياديه. وهذا الشخص عندما يرضى بأن يقبل الناس اياديه على اساس ديني لا يمكن ان يكون ديمقراطيا، فهل توافق على ذلك؟
    * هل تقصد ان الصادق ليس ديمقراطيا على الاطلاق؟
    - لا، ليس على الاطلاق، إنما ليس كاملا او صادقا في ديمقراطيته.
    * وهل ينطبق هذا على الحركة الاسلامية؟
    - نعم. وهي حركة اسلامية كما وصفت نفسها وليست ديمقراطية، ويصعب عليها ان تكون ديمقراطية.
    * وما هو السبب في ذلك؟
    - هذا سؤال جميل. والسبب في ذلك هو أن الثقافة السياسية للشعب السوداني ليست ديمقراطية، فيصعب على القادة وعلى الاحزاب والحكومات ان تكون ديمقراطية. فالسودانيون في عامتهم تربوا على الولاء الكامل أو شبه الكامل، سواء على مستوى الاسرة او المدرسة أو العمل، فالثقافة العامة للشعب هي ثقافة اتباعية. وفي وضع كهذا فحتى إذا اعطيت الانسان حرية الممارسة الديمقراطية فهو يميل للاتباع والطاعة العمياء أو شبه العمياء، وتأييد القادة بأسلوب حماسي لا عقلاني، ويستثمر القادة سواء في الحركة الاسلامية او غيرها جيدا في هذه الناحية.
    * وهل هذا يعود الى طبيعة الثقافة السودانية؟
    - هذه ليست طبيعة الثقافة السودانية وحدها. وإنما طبيعة الثقافة المتخلفة في السودان وغيره.
    * وما هو دور القيم الاسلامية في مكافحة هذه المثالب والعيوب؟
    - لست ادري ان كنت استطيع أن اجيب على هذا السؤال. ولكن القيم النظرية والشعارات العامة ليست بشئ كافٍ لاحداث النهضة. فمن الناحية النظرية إن نظام التعليم ينبغي ان يكون رأس الرمح في عملية النهضة والتقدم، ولكن من الناحية الواقعية نرى أن هذا النظام قائم هو الآخر على الاتباع والتلقين. إن مناهج التعليم لا تزال كما العهد بها مثالا مطلقا في السخافة والعقم . فهي لا تعطي للطالب ادنى فرصة لكي يفكر او يناقش او يعبر عن نفسه أو يطبق الكلام النظري على واقع محدد. والاستاذ يمثل سطوة مخيفة ومرعبة علي الطلاب، وهذا الامر عام في بيئاتنا الحياتية، فالسياسي نفسه لا يعترف بحريات الناس وحقوقهم ولا يحترمها، ومعظم قادة الاحزاب إنما هم حلقة أو شلة قديمة متقادمة لا ترضي بزحزحة نفوذها أو خلخلته، وهكذا فإلى حد كبير نرى أن الشعارات والقيم السياسية شئ والممارسة السياسية شئ آخر. وأما الحل أو المخرج من هذا الواقع فليس سهلاً ولا متاحاً للتو واللحظة. إننا نحتاج الى حلول تدريجية تنقلنا خطوة خطوة، ونحتاج إلى عشرات السنين حتى نصل الى تشرب هذه القيم الديمقراطية أو الشورية بالأحرى.
    * ولماذا بعد هذه السنين الطويلة منذ مجئ الاسلام تظل احوال المسلمين متخلفة على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية؟
    - المسلمون خرجوا من حلبة الحضارة والتاريخ منذ زمان مديد. وبتعبيرالدكتور محمد إقبال، رحمه الله، فإنهم قد سقطوا من مكان عالٍ جداً. والذي يسقط من مكان عالٍ لا ينهض إلا بعد زمن طويل يداوي فيه كسوره والجراح. وإذا كنا نتحدث عن الجانب السياسي ففيه أكثر الجراح والآلام. ولكن في الجانب التربوي والقيمي هنالك تفوق كبير على القيم الإنسانية وقيم الثقافة الغربية وآدابها واخلاقياتها.
    * هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسوية؟
    - لا اعتقد.. من جانب آخر أعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته. لكن لا مانع من الاستزادة بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية. وليس من واجبنا ان ننظر إلى أميركا على انها فقط مؤسسات سياسية في شكل الكونغرس والاحزاب، علينا أن نستلهم نماذج التدريس في المدارس ونتعلم من نظم التعليم الديمقراطي، وحكومات المدن والأحياء ومجالس الولايات. وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقية حية وقوية وناضجة وشريفة، كذلك يمكن ان نستهدي بآليات ترشيد العمل الديمقراطي كمراكز البحوث ونظام اللجان البرلمانية في الكونغرس أو في مجلس العموم البريطاني، فهذه الاشياء مهمة لتنمية العمل الديمقراطي، فالعمل الديمقراطي لا تقويه المناقشات والمجاذبات وخلافات في الرأي، وإنما تقويه الدراسات الناضجة التي تقدم الحلول القوية للمشاكل الملحة.
    * ولكن هذه القيم التي تتحدث عنها أتت وفق مرجعية علمانية؟
    - لا ليست علمانية. كما أن العلمانية ليست كلها ضرر. وهذه اشياء علمية وعالمية وكامنة في التراث الإسلامي وروح الإسلام ومقاصد التشريع. ومع أن المسلم مكلف بأن يستصحب أي شئ نافع في الحياة ، إلا أنه في هذه الحالة بالذات قد لا يحتاج إلى استصحاب أصلا، لان كل ذلك كامن في التراث الاسلامي إذا قرأناه قراءة ذكية وعميقة ومتقدمة، ولا سيما إذا كانت قراءة مقارنة مع التجارب الليبرالية الحية.
    * هل ما يزال المشروع الحضاري للدولة السودانية قائماً؟
    - نعم مازال قائما ومتقدما للامام فيما ارى من بعيد.
    * وماذا حقق على المستويين الاجتماعي والاقتصادي؟
    - انا لست موجودا في السودان منذ ستة عشر عاما حتى اقدم اجابة علمية صحيحة، واعتقد ان للمشروع تأثيرات كبيرة على الواقع السوداني الذي اذا قارنته من زاوية اسلامية بواقع ما قبل الانقاذ، سترى أن المجتمع كله تحول نحو الالتزام بالقيم الاسلامية، والمؤسسات كذلك متقدمة اي نحو الاسلام، وهذا قد لا يُعزى أثره إلى دولة الإنقاذ أو عناصر الحركة الإسلامية وحدهم، وإنما كذلك للتأثير السلفي لأنصار السنة وغيرهم، ولجهود الأفراد المسلمين المستقلين، وأداء المعلمين بالمدارس النظامية والمدارس القرآنية.
    * نشرت بحثا قبل فترة عن الاستاذ محمود محمد طه ولكنه اثار جدلا كبيرا؟
    - أعتقد أن محمودا كان من كبار المتأملين الفكريين في السودان، وكان يعيش أحلاما كبيرة خطيرة، وهذه هي التي صنعت منه مفكرا كبيرا. اقول هذا رغم انني اختلف معه في كل شئ كتبه فيما عدا حروف الجر والتسكين والنصب. وهذا الكلام ينطبق بالذات على كتابه التأسيسي ذي الاطار النظري المكين وهو الموسوم بـ «الرسالة الثانية من الاسلام»، ولا شك ان هناك مبدعين غيره أكثر إبداعاً منه مثل الدكتور عبد الله الطيب الذي هو من أعمق الناس وأكثرهم إنتاجاً وأشدهم إخلاصاً لقضية الفكر والثقافة، ومن أكثرالادباء والمفكرين مقبولية في الاوساط السودانية والعربية، وقد كتب بكثافة وأثر في أجيال من الطلاب وانتشر على مستوى العامة، ولكن اكثر الاوساط الفكرية لا تهتم به وتبذل اشد اهتماما اكبر بمحمود لانه يساعد البعض في مهمة تجاوز الشريعة.
    * لكن ألا ترى أن تفكير محمود كان عميقاً في كتاب «الرسالة الثانية من الإسلام»؟
    - كان فكره عميقاً، لكنه كان متحاملا اشد التحامل على الاسلام الذي نعرفه ويعرفه سائر الناس. وأنا شخصيا أعدُّ نفسي مدافعا عن الاسلام، واتحفز لمهاجمة من يهاجمونه أياً كانوا. ورسالتي الشخصية في الحياة هي الدعوة إلى الاسلام ، وأنا حساس تجاه أي إنسان يمس ثوابت الاسلام أو يعمل علي تحريف الاسلام أو يعادي الاسلام مهما يكن متفوقاً ثقافياً. ولا أقبل المساس بكلام الله سبحانه وتعالى او سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
    * لماذا لا تنظر لمحمود محمد طه كمجتهد أكثر من انه يمس ثوابت الاسلام؟
    - لا. لم يكن محمود مجتهدا في إطار الإسلام، وإنما أتي بشئ جديد مختلف عن الاسلام.
    * أليس في الاجتهاد مشروعية للخطأ والصواب؟
    - الاجتهاد عمل ايجابي غرضه التطوير لا التدمير. إنك لا تستطيع تجديد عمارة أو تطويرها بتقويض أعمدتها لأن البنيان كله سينهار. ومحمود محمد طه بدأ اجتهاده بتقويض الصلاة وهي عمود الاسلام الأكبر، ورفض الحج، وانكر شرعية الزكاة، وغير شرع الاحوال الشخصية، ونادى بالغاء سلطة القرآن المدني لأنه ملئ بالتشريعات، ودعا للاكتفاء بالقرآن المكي حيث تقل التشريعات، فهذا كله لا يمكن ان يعد تجديدا وانما هو شئ يستهدف صميم الإسلام.
    * هل كل ما ذكرت موجود في كتب «الرسالة الثانية»؟
    - نعم. هذا هو أقل ما في كتاب «الرسالة الثانية» الذي يقوم على آي القرآن المكي فقط. ومحمود لم يعترف بالقرآن المدني، فهو بالتالي خارج على الاسلام ، وهو في اعتقادي واعتقاد الكثيرين شخص غير مسلم.
    * لكن لايستحق عقوبة الردة؟
    -لا هو مرتد طبعاًً.. هذه هي الردة بعينها ولا توجد ردة اكبر منها. والانسان المسلم إذا أنكر معلوماًً من الدين بالضرورة ، فهو بالضرورة شخص مرتد.
    * لكن العلماء الذين ناقشوه مثل صلاح أبو اسماعيل وصلوا لطريق مسدود معه وإن لديه رؤية وفكرا؟
    - أعتقد أن هذه مجرد إشاعة. وأنا لا علم لي بمناقشة صلاح أبو اسماعيل بالذات. لكن أي عالم شرعي يستطيع بسهولة ان يستنتج ان محمود شخص مرتد.
    * طيب أنت قلت إن الترابي لا يستحق أن يُقام عليه الحد. أليست هذه ازدواجية معايير، إن محمود كان يفكر ويجتهد والترابي يفعل الشئ نفسه الان؟
    محمود لم يكن مجتهداً، والترابي نفسه في تجديفاته الاخيرة لا يعد مجتهدا، وأكثر ما قاله اخيرا قالته الفرق الغالية قديما، وبعضه موجود في تراث محمود محمد طه.
    * طيب ما هي إيجابيات محمود محمد طه؟
    - لقد شق طريقا في التأمل في الوسط الفكري السوداني الخامل. واستفاد في ذلك كثيرا من فتوحات محيي الدين ابن عربي. ولمحمود بعض المساهمات الاصلاحية المحدودة في الزواج الجماعي. وكان محمود ثابت الجأش في المحكمة، وحتي في قتله كان ثابتا. وعلى فكرة كثير من الخارجين عن الاسلام بدوافع الجذب والشطح والايمان بالاشياء الغامضة، واجهوا مصيرهم بمثل هذا الثبات والابتسام. والحلاج صلى ركعتين قبل قتله، وهناك آخرون صدقوا مع أنفسهم. ولكن الصدق لا يعني الصحة والصواب بالضرورة.
    * هناك أيضا من يرى أن الهدف من محاكمته كان سياسياً وليس دينياً ؟
    - قد يكون.. لكن هو أيضا لم يكن بريئاًً من التآمر السياسي ضد خصومه. وقد تآمر مع حكومة نميري والشيوعيين ضد الانصار، وأيد ببيانات كثيرة ضرب الانصار يوم ضربوا في الجزيزة أبا في عام1970م، وظل يردد تأييده لضربهم سنين عددا، ولو راجعت الموقع الالكتروني لحزبه لوجدت هذه الاقوال لا تزال مثبتة في ادبيات الحزب.
    * هناك حديث حول أن قضاته كانوا أقل تأهيلاً عنه؟
    - القاضي هو قاض ٍ . فأنا مثلا لو كنت بروفيسوراً وجاء أحد تلاميذي لمحاكمتي، فهل أقول إنني أشد تأهيلاً من القاضي.
    * لكن يا دكتور لابد أن يكون القاضي مؤهلا ً في النظر لهذه القضايا الدينية؟
    - القضاة الذين حاكموا محمود كانوا مؤهلين بلا شك، وبعضهم كانوا يحملون درجات أكاديمية عليا. والعلامة هنري رياض الذي راجع الحكم ، وهو من كبار فقهاء القانون في السودان، وكان قاضيا في المحكمة العليا، قال إن محاكمة محمود صحيحة من حيث الاجراءات القانونية، وقد كان هنري رياض من ضمن القضاة الأربعة الذين صوتوا أن المحكمة صحيحة في مقابل الخمسة الذين قالوا بعدم صحتها.
    * هناك حديث من البعض أن الصادق المهدي يعد مفكراًً أكثر منه سياسياً.. كيف تقومه أكاديمياً؟
    - لقد جمعت كما ضخما من نصوص الصادق المهدي، وأنا في سبيل اجراء بحث تحليلي نقدي شامل في مضامينها اهتداءً بمنهجية «تحليل محتوى» ولا أريد الآن أن أسبق النتائج، لكن انطباعي العام من قراءاتي لها يفيد بأن الصادق مجرد ملخص نصوص وليس مفكراًً كما يقال. بمعني ان الصادق لا يلتزم بنظرية معينة في المعرفة، ولا يملك أصولاً ثابتة للفكر، ولا يمتلك الصدق الذي كان لمحمود محمد طه مثلا. إنما هو يجمع نصوصاً من هنا وهناك بطريقة cut and paste غير الالكترونية. إن هناك خللاً منهجياً كبيراً في كتابات الصادق. ولا أريد أن أفيض في هذا الأمر الآن، ولكن هذه بعض نقاط التركيز في الدراسة الشاملة التي أتمنى أن أنجزها في المستقبل عنه. وعموماًً لا أعتقد أن الصادق مفكر، رغم إنه مشهور جدا بأنه مفكر أكثر منه سياسياًً.
    * هل تعني انه كاتب؟
    -نعم هو مثقف وكاتب متوسط أو فوق المتوسط؟
    * هل تعني إنه مسنود طائفياً؟
    - لا . هذا لا دخل له في الموضوع . هذا امر يتعلق بطبيعة الصادق المهدي الشخصية. إنه لا يملك الصبر الكافي لاتقان أي شئ يعمله. وهو يكتب مقالاته ودراساته بسرعة شديدة، ولا يربطها بمجمل أفكاره السابقة، ولا يؤسسها نظرياً، ولذلك لا تخفى على القارئ المدقق كثرة التعارضات في افكاره، كما تبدو له مظاهر العشوائية واضحة فيها، والفكرالجاد لا يحتمل العشوائية والتعارض. وبخصوص الصادق المهدي فإن الشخص القارئ البسيط يعتقد ان الصادق مفكر عميق لانه يطرق قضايا كثيرة، ولكن من يقرأ افكار الصادق بذهن فاحص يدرك جلية أمره.
    * يقول الكثيرون في الصراع الفكري بين جماعة صادق عبد الله عبد الماجد والترابي، أن جماعة صادق أكثر صدقا؟
    -الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، حفظه الله، من أكثر الناس الذين أحببتهم في السودان، والحبر يوسف نور الدائم ، حفظه الله، أستاذي في السنة الأولى بالجامعة الإسلامية، ودرسني تاريخ الفكر الإسلامي، لكن هذين الشيخين الجليلين لم يتمكنا من بناء حركة إسلامية قوية.
    * الدكتور عبد الله علي ابراهيم قال إنه عندما انهزم التيار التربوي داخل الحركة الاسلامية، قلت القيم الروحية والاخلاقية داخل الحركة؟
    - والله أنا بعيد عن السودان، ولم أقرأهذا القول المنسوب للبروفسور عبد الله علي ابراهيم في سياقه الذي قاله فيه حتى أفهمه على حقيقته وأقول فيه بشئ. ولكني من ناحية عامة اعلم أن البروفيسور عبد الله علي ابراهيم إنسان حصيف، ويقول كلامه باحتراز العلماء وجدهم.
    * إذن أسالك بصيغة أخرى عن الحالة التربوية.. ألا ترى أنها انتهت حين دخل الاسلاميون السلطة؟
    - الإسلاميون يحرصون على تربية أنفسهم وأولادهم تربية إسلامية صحيحة، بغض النظر عن وجود حركة إسلامية مننظمة من عدمه. والقول عن الحالة التربوية بأنها انتهت فيه مبالغة شديدة، حيث أن معدلات التربية الإسلامية في وسط السودانيين على مختلف مشاربهم عالية، وهي في علو وتنامٍ مستمر.
    * أنا أقصد على مستوى الدولة؟
    - على مستوى الدولة لا أستطيع أن أحكم . وارى أن معظم أعضاء الحركة الاسلامية يستصحبون قيمهم الدينية الإسلامية، وإن كان القليلون قد أهملوا هذا الأمر.
    * سؤالي يتجه بالأساس إلى توظيف الاسلاميين للدعم العربي والاسلامي الاقتصادي لصالح ثرائهم وتورطهم في مسألة الغلاء؟
    - طبعاً هذا يحتاج لتدقيق وتمحيص وتحقيق، فأنا لا أريد أن ألقي الكلام على عواهنه وأكون مسؤولا عنه أمام الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا أستطيع أن أعلق على هذا الموضوع.
    * لكن أنت كباحث إسلامي تحتاج للبحث عن هذه الاتهامات ومعرفة الخطأ والصواب في الممارسة السياسية للاسلاميين. ألم تسمع بمحاولات تخزين العيش لبنك فيصل الذي يديره إسلاميون مؤثرون في الحركة؟
    - في مسألة تخزين العيش أتذكر أن هذا الاتهام قال به الفاتح بشارة وكان حاكما لكردفان ايام نميري، فرفع البنك قضية ضده واضطر لسحب كلامه، وبنك فيصل هو بنك اقتصادي وليس هو الحركة الاسلامية.
    * فلنأتِ إلى الدولة التي يسيطر عليها الاسلاميون حالياً.. ألا تري أن الفساد الذي أحدثه الاسلاميون في كل مناحي العمل العام ليس خافياً على أحد؟
    - الفساد موجود في أي بلد، هو أمر مستنكر، ولا أحد يدافع عن الفساد، والمهم ألا يبالغ الناس في الحديث عن الفساد، لأن ذلك يعطي مشروعية للفساد في النهاية، ويخفف من وقعه المنكر على القلوب، ولو انبرى البعض لمواجهة الفساد قانونيا لأرعب بذلك المفسدين ولو بنحو جزئي، ولطامن من جرأتهم الفادحة على ارتكاب الاعمال والبيوع الفاسدة والمفسدة. والفساد حتى لو حدث حتى من أخي - لا سمح الله - فهو عمل غير صحيح ولا استطيع ان ادافع عنه، لكني في الوقت نفسه لا استطيع ان ابالغ واعمم وألقي الكلام بصورة جزافية في اتهام الناس بالفساد. وفي كل الأحوال ينبغي أن يُقال إن الفساد موجود في كل مكان في العالم، وأن لنا من ذلك بعض النصيب.
    * ولكن محاسبة الانقاذ تتم بالمعيار الاسلامي، لانها طرحت نفسها هكذا ثم أتت بأهل الثقة؟
    - لكن الاسلام نفسه لا يمنع أن تأتي بأهل الثقة ليكونوا عوناً لك لا عليك.
    * لكن ليس على حساب العدالة؟
    - ما خلاص، إذا هم تجاوزوا العدالة فهم على خطأ. ولكني لا أستطيع التأكد مما إذا كانوا قد تجاوزوا العدالة أم لا، لكن من حيث المبدأ هذا الفساد موجود في كل العالم، وموجود في السودان من قديم، ولم تأتِ به الإنقاذ


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507172&bk=1
                  

04-04-2008, 04:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    على ضوء المساءلة العامة
    الحــــــزب الشيـــوعي في الميـــــزان
    صلاح شعيب
    الكتابة عن اليسار مشكلة، وعن الحزب الشيوعي تساوي مشكلات عدة، والسبب بسيط: هو أن المراجع التي تناولت اليسار قليلة ومتناثرة وفي أحيان كثيرة تأخذ طابع المذكرات، وما كتب عن الحزب الشيوعي من نقد كان معظمه أميل للتشفي أو الهجوم المدمر الذي لم يأت في كثير من محبة، هذا الأمر تم من قبل الذين كانوا يعتقدون فيه وفي إيمانه بالقضايا التي تبناها تاريخياً ثم خرجوا عن الحزب نادمين أو مغبونين «صلاح أحمد إبراهيم، أحمد سليمان، عبدالله علي ابراهيم، بقادي، الخاتم عدلان، وراق وآخرون»، أما باقي نقدة الحزب فقد جاءت مشاريعهم بعد التقاعد نتاج كتابة خصوم من إسلاميين وغير إسلاميين، هؤلاء الذين لم ينظروا للتجربة الماركسية في السودان ضمن رؤى موضوعية ترتبط بالظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والاقليمية التي كفلت الوجود القدري للحزب، كما أن بعضاً من الخصوم إشتطوا في نقده ولم يروا في الحزب إلا مسألة من قبيل الإلحاد والتفسخ كما أرادوا بذلك لحرقه ولم يفتشوا بشفافية على جهة الأخطاء الموضوعية أو المنافع الأيديلوجية الماركسية التي يتبناها الحزب وأثرها على النسيج المجتمعي السوداني، أو حتى أثرها على الدائرة الحضارية التي نستند عليها في كثير من رؤانا الفكرية والثقافية.
    هناك مشكلة أخرى تواجه النقاد حين يتناولون أمراً يخص الحزب وهي الحساسية العالية للأفراد الشيوعيين تجاه الانتقادات التي تواجه الحزب وربما يعود ذلك إلى نوع من غياب الأنتلجنسيا اليسارية عن تأسيس خطابات ناقدة، وذلك بقناعة أن النقد هو سبيل الأنتلجنسيا وغيرهم لمراجعة تجاربهم في إنزال مفاهيم تقدم وعدالة اجتماعية وشؤون للديمقراطية والتنوير الفكري أو الثقافي. وقد يتجاوز هذا الغياب في التفاكر الذهني ليشمل طبيعة المجتمع السوداني المجبول على النفسية المتسامحة حتى تجاه ما هو عام.
    إلى ذلك فإن طبيعة التكوين الداخلي للحزب كان حرمت المهتمين من متابعة حصاد النقد الذاتي الذي هو مفهوم -بطريقة ما- لضرورات العمل السري، بيد أن المرء ليستغرب كيف أن تجربة الحركة الإسلامية مثلاً، وخصوصاً قبل وبعد ما سمي «بالمفاصلة التاريخية» شهدت ولا تزال إجراءات نقدية صارمة نهض بها أكابر الشخصيات التاريخية في الحركة وبعضٌ من رموز الجيل الثاني، وكان يمكن أن تظل تلك الإجراءات داخلية أو حبيسة الصدور، ولكنها في خاتم المطاف خرجت إلى فضاء العمل السياسي العام من دون أن يخرج أصحابها أو يتنصلوا عن الحفاظ على مسافة ممكنة لترميم الجسم العام للحركة الإسلامية، وفي ذهني الآن مذكرة العشرة التي حوت أدباً سياسياً للخلاف في ظروف بالغة الحرج بالنسبة للحركة آنذاك، وكذلك يتذكر المرء محاولات الدكتور عبدالوهاب الأفندي والطيب زين العابدين وعمار محمد آدم والمرحوم محمد طه محمد أحمد ومحجوب عروة وعثمان ميرغني وغيرهم من من بقيت كتاباتهم إجتهادات جريئة للحفاظ على جوهر الحركة الإسلامية رغم فداحة الأعباء وعظم النائبات.
    وصحيح أن محاولات الإسلاميين للجهر بالحوار بينهم عجلت بها إنحرافات السلطة التي تماهى الحزب فيها ولكنها مثلت -المحاولات- في الواقع إنفراجاً للضغط السياسي على الحركة الإسلامية على الرغم من إنشطارها، وفي ذهني أيضاً أن هذا الإنشطار يمثل جزءاً لانشطارات حزبية عايشتها كل الفاعليات السياسية ولكن لم تستثمرها للبحث عن الدوافع الحقيقة له كما استثمرته الحركة الإسلامية. ونعود لهذا الانشطار فيما بعد.
    ولكن في خاتم المطاف إن الاسلاميين إلتفوا حول إنشطارهم رغم بعض الجراحات المرة وظلوا يتغازلون بإمكانية معالجتها ولا يستبعد المرء رغم مراراتهم إنهم سوف يجدون في التصالح سبباً لوجودهم البارز في الساحة السياسية السودانية، وربما رأوا أن لا أحد يمكن أن يستغني عن آخر منهم إذ أن مستقبل العمل السياسي القادم، إذا تم تجاوز معضلات دارفور والجنوب والشرق، يفترض اتحادهم، وخصوصاً بعد تواتر أنباء بأن هذا الشهر قد يشهد تقارباً بين الجناحين المتصارعين على خلفية تصريح البشير بقوله إن كل الأشياء واردة حين سؤل مرة عن توحيد حزبي المؤتمر الوطني والشعبي ضمن تنازلات هنا وهناك ووفق رؤى إستراتيجية عن مستقبل العمل السياسي الإسلامي.
    نعم إن المرء ليستغرب وعي الحركة الإسلامية بأهمية النقد المكشوف أكثر مما هو حادث في الحزب الشيوعي السوداني الذي أصبح أبناؤه الذين استحقوا وضعيتهم السياسية عبره يحاولون في نقدهم له كما لو أنهم يضربون كعبة الحج السياسي السابقة بالمنجنيق، ليس هذا فحسب وإنما يلجأ بعضهم إلى حافة «اليمين الخصم» إنضماماً أو مهادنة أو مغازلة، هذا الأمر حدث لأحمد سليمان الذي بقي مشروعه السياسي، فيما بعد، الإنتقام من كل إرثه وإرث الحزب، حتى أن خبراته السياسية تم توظيفها ضمن التيار اليميني ولا ينسى القراء الكرام التقارب السياسي والفكري الذي تم بين الشاعر صلاح أحمد ابراهيم والنظام، وهو الشاعر نفسه -الله يرحمه- الذي وصل به الطلاق البائن مع فكر اليسار والحزب الشيوعي إلى أن يهجوا المرحوم الزعيم عبدالخالق محجوب بقصيدة وصفته بكل ما هو مشين، وفي هذا الإطار يتذكر البعض مقالاته الساخنة التي بادل بها الراحل عمر مصطفى المكي والتي حفلت بما لا يدخل في شرف الخصومة السياسية، وهناك عبدالله عبيد ومحمد سعيد معروف اللذان إنتهيا إلى أدوات طيعة للإسلاميين وكذلك ميرغني حسن علي الذي صار يغرد كما يغرد شنان! أما عبدالله علي ابراهيم فقد بدت مقالاته تبطن «عداءً فناناً» للحزب والقوى التقدمية وتجاهلاً مشكوكاً فيه لأخطاء اليمين السوداني والذي هو الآن بيده مفاتيح ومغاليق الأزمة، وربما يكاد المرء أن يقول إن الدكتور إبراهيم وهو المعتبر من أكثر اليساريين علماً ونقداً ومسرحاً يبدو الآن في ممارسة الردة عن تاريخه، متجاوزاً القضايا الفصل ومتعمداً الكتابة حول إسقاطات الأشياء أكثر من سبر غور العوامل التي أدت إليها، وذلك بأسلوب أدبي راقٍ ، ولقد كان الإعتقاد أن عبدالله بما اكتسب من ريادة وذائقة نقديتين هو الأكثر تأهيلاً في الكتابة عن شؤون الحزب الشيوعي والتجربة اليسارية في السودان عموماً، وذلك بما يفيد الأجيال الراهنة والقادمة بما ذهب خطأ في مشوار التحديث والتنوير الفكري والثقافي، ولكن يبدو أنه لم يمتح من بئر مؤسسة بنقدة حميمين بالحزب واليسار معاً وكل ما سعى إليه أنه أعاد إنتاج مذكرات أحمد سليمان ومعروف ويس عمر الإمام، وفي معمة الحديث عن تنكر أبناء الحزب فإننا لا ننسى الأستاذ أحمد علي بقادي الذي وجد في كتابة المذكرات الصحفية مجالاً لتأكيد ما فعل وليس لنقد ما فعل الآخرون، والآخرون إذا كانوا هم تقويم الحزب يتجاوزهم التأريخ الشخصي.
    طبعاً، هناك بعض رموز للشيوعية السودانية مِنْ مَنْ لاذوا بالصمت لحسابات شخصية أو لحساسية نقد كل ما هو مرتبط بالحزب أو لاعتبارات اجتماعية ونفسية، وفي تقديري أن الشيوعيين عموماً لا يحفلون بالنقد أيَّاً كان خصوصاً حين يرتبط بزميل سابق، كما دلت تجربة الخاتم، ومن جهة ثانية إن طبيعة العمل التنظيمي كما قلت تستدعي سرية النقد إذا كان داخلاً في الحاجة للإصلاح التنظيمي، أما الشيوعيون الملتزمون بعضويتهم فلا مجال أمامهم لنقد الحزب علنياً وإلا فإن ذلك يعد خرقاً لللائحة، وربما هذه واحدة من الأسباب التي أدت إلى أن يتعرض الحزب في السنين الأخيرة إلى إنشقاق مجموعة متميزة من كوادره بقيادة الخاتم عدلان ووراق وهشام عمر الأمين واللذين رأوا أن الحق معهما لتكوين «حق» وفيما بعد اختلفوا بمرارة، ومضى كلٌّ إلى حال سبيله، صار الخاتم رئيساً لقسم الترجمة بصحيفة «الشرق الأوسط»، غير متحرج من كون أن الصحيفة مدعومة من اليمين الوهابي الذي لا تستطيع نقده وهو اليمين المصنف عالمياً ضمن اليمينيات الداعمة للإرهاب والعاملة ضد حركة التاريخ نحو التقدم الإنساني، أما الحاج وراق فلا يجد شكوكاً في التعاون إن لم يكن التحالف السياسي مع قوى سياسية، دعامتها اليمين الطائفي، وربما تقوده -وراق- أفكاره الجريئة للتضامن مع إسلاميين منشقين ومستثمرين لناحية بلورة مشروع إعلامي طموح مثل «الوسائط» وبغير ذلك فإن وراقاً لا يعدم وخز اليسار والحزب رمزياً عبر مقالاته السابقة من دون أن يفيد الحركة السياسية السودانية بمشروع سفر نقدي حول تجربته مع الحزب الشيوعي، هذا لو إن كتب عن ما ذهب خطأ في التجربة التي أفنى جزءاً من عمره فيها، ولكن أنى لوراق أن يأتي بما لم يستطعه الأوائل، فإرث الأنتلجنسيا اليسارية لم يقدر بعد على فتح الأوراق القديمة ونقدها على ضوء محاولة موضوعية وحميمة للتدارس، فالحساسية من الفقد الاجتماعي للأصدقاء الذي ارتبط بهم واردة برغم أن النقد لا يعني بالضرورة إفساد الود كما نعلم.
    إن العلاقات المميزة التي نماها الأستاذ وراق داخل الحقل الصحفي كان يمكن أن تساعده في فتح ملف اليسار أو الحزب الشيوعي وذلك بإستضافة رموز عاملة وصامتة أمثال كمال الجزولي وفاروق كدودة ومحجوب شريف وابوبكر الأمين ومحمد عوض كبلو وكبج وغيرهم، ولكن عوَّل وراق على حقيقة الإبتعاد عن الهم والغناء له بمقالاته، كما أن التجربة لم تتح له الإستناد على هامش المناورة أو المبادرة السياسية للأعضاء إلا إذا كانت هذه المبادرة تتخذ نشاطاً آخر مثل نشاطات الشعراء والأدباء والفنانين والذين دائما ما يبهرون القاعدة التائقة للتغيير بمبادراتهم الرائعة «وفي الأمثلة» كمال الجزولي حين يقتحم فضاء الصحف الممولة إسلامياً ليكتب درراً من الدراسات والمقالات ومصطفى سيد أحمد حين يتعاون مع الشاعر عبدالقادر الكتيابي ذي الميول الإسلامية، وبشرى الفاضل حين لا يرى حرجاً في المشاركة في مهرجانات ثقافية في الداخل التسعيني لتمرير فكرته التقدمية وابوعركي البخيت حين لا يلتزم التعاون مع كثير من شعراء الحزب مثل إلتزامه في التعاون مع الشاعر هاشم صديق ووردي حين لا يجد حرجاً في الإلتقاء بقيادات إسلاموية ويكرم عبرهم.
    كل هذه المواقف تجعلنا نطرح أسئلة من شاكلة هل إن «السياسي الفنان» أكثر إستلهاماً وثقة في ذاته من السياسي الملتزم باللائحة التي صممت على ألا تمسها «الحداثة أو التحديث».. الحداثة نفسها التي ألهمت الفنان ولا يستطيع أحد محاسبته أو التشكيك في أنه المتخاذل.. أو الخوان الكفور؟ وهل يتأخر السياسي دائماً عن فتح شرفات التجديد، وهل استطاع الفنان السياسي الإلتفات إلى أهمية التجديد والاستجابة إلى التحولات الداخلية والخارجية وأن يعبر عنهما أكثر مما فعل نديمه السياسي..؟
    إن المشكلة التي تعاني منها تيارات اليسار الإشتراكي عموماً في منطقتنا العربية والإسلامية خصوصاً تتمثل في كساد المرجعية التي ينطلق منها الآن في مقارعة إشكالات الحاضر ومراجعة المتراكم الماضوي، وبالحق إنه لم يسع رغم ذلك الكساد، إلى إستلهام أفكار عملية جديدة تستوعب عناصر ملهمة في التفكير من الوسط ويسار الوسط ويسار اليمين والمستقلين والليبراليين والذين هم أيضاً عناصر مشتغلة على ضوء مفاهيم العقلانية ومبدأ التنوير عند النظر إلى الواقع الإجتماعي لنشله من بؤرة التخلف، بل ويقاسمون اليسار الإشتراكي خطوط التفكير والعمل التقدمي، ولقد كان متوقعاً في الحزب الشيوعي أن يشكل قفزة نوعية في زيادة عضويته ولملمة هذه الطاقات عبر تحالف سياسي عريض وجديد من شأنه، إذا تم التقعيد الفكري المتين، أن يحقق وثبات على مستوى العمل السياسي ويسهم فيما بعد في إنجاز مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتنمية الحضرية وتطوير بنى الأجهزة الحكومية والاهتمام بمشاكل الجماعات الإثنية وتجديد النظر في العلاقة بين دول العالم العربي وافريقيا ومراجعة مواقفنا تجاه العالم والإنسانية.. وفي الحقيقة أن هذه المفاهيم لم تعد مرهونة بكونك منتمياً للحزب الشيوعي أو عدمه، إنما صارت مفاهيم عالمية وهماً إنسانياً لا يتعارض مع فكر الإتجاه السياسي الذي تنتمي إليه.
    مضافاً إلى هذا أن واحدة من حزمة القضايا التي ترتبط في بلداننا بالتنمية الشاملة هي مسألة الموقف من توظيف الدين بالشكل الصحيح وبالطريقة التي يستحقها تأثيره المجتمعي، فالدين يلعب دوراً عظيماً في حيوات الشعوب، وما جاءت ظاهرات الإسلام السياسي، المعتدل والمتطرف فيها، إلا للفجوة الحادثة في أدبيات الأحزاب اليسارية. إذا أخضعنا الإسهام الفكري للحزب الشيوعي السوداني لدرس الدين تاريخياً وفقهياً ومعاملاتياً، فإننا لا نجد تفرغاً بحثياً أو أكاديمياً بذلته الوحدة الفكرية للحزب ليوازي عطاء التفرغ الذي أنتج مباحث مقدرة بأقلام محمود محمد طه ومحمد ابوالقاسم حاج حمد والصادق المهدي وعبدالله النعيم وحيدر ابراهيم، ونورد هؤلاء كمثال لما توصلوا إليه في أبحاثهم وليس إتفاقاً على ما طرحوه من تنظيرات حول الدين، وخارجياً ربما وجدنا جرأة محمد سعيد العشماوي -ومهدي عامل والطيب تزيني ونصر حامد ابوزيد وسيد القمني والعفيف الأخضر وحسن حنفي وغيرهم من المفكرين المنتظمين سياسياً أو الليبراليين منهم- وقد كان لها تأثيرها الإيجابي.
    إن تعامل الحزب الشيوعي مع مسألة الدين لم يتبعه تنوير خلاق عن دوره الإيجابي في الحفاظ على القيم وضبط المعاملات الإنسانية وتأثيره الضخم الذي أنتج هذه الأجيال الجديدة من الإسلاميين على النطاق الداخلي والخارجي، ولقد ظل تعامل الحزب مع الدين تعاملاً خاضعاً للفعل ورد الفعل واستطاع اليمين السوداني عموماً توظيف تجاهل الحزب للمسألة الدينية ودمغه بالالحاد والتفسخ في بيئة لا تزال تشكل الغيبيات أساس إيمانها وتقواها وموقفها نحو الخطأ والصواب.
    لقد كان جميلاً أن يسعى الأستاذ نقد حول البحث والتأليف، ومقدر جهده في كشف علاقات الرق التاريخية، ولكن ألا يهم بالنسبة للزعيم نقد، وهو المعروف بتدينه الشخصي، البحث في علاقات العلمانية والإسلام في هذه اللحظة التاريخية بإنعكاساتها المحلية والخارجية، حيث صار الدين محركاً أساسياً للجماهير ومستغلاً بكل ما وسع لتطويق رغباتها، ثم لماذا يظل اليسار السوداني عموماً متلقياً في مسائل التنظير الديني عبر وسائط اليمين السودانيين والعرب منهم أو حتى عبر رؤية اليساريين العرب أنفسهم في مسائل الدين.. ولماذا لا يوجد لدينا باحث شيوعي، ولو على سبيل العمل الأكاديمي، ليقدم جهداً علمياً رفيعاً في إمكانية فهم الدين معرفياً؟
    من جهة أخرى كان يحسب للحزب الشيوعي تأثيره القوي على المجالات الفكرية والأكاديمية والتربوية والثقافية والفنية والاعلامية والعسكرية ربما وكذلك تأثيره غير القابل للجدل وسط النقابات وأجهزة الخدمة العامة، ولا يزال الحزب يمارس بعض النشاطات في هذه المجالات رغم الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها الكوادر من قبل النظام سواء بالفصل التعسفي أو التشريد إلى الخارج، غير أن كل هذه المعطيات جديرة بالمراجعة لخلق البدائل الممكنة حتى يحتفظ الحزب بحيويته، فعلى جهة الخدمة العامة لا يشك عاقل إن الانقاذ كانت ولا تزال مارست إحلالا كادرياً يصعب تجاوزه، وعلى ناحية أخرى فإن كوادر الحزب قد هاجرت إلى الخارج ضمن هجرات ضخمة للكوادر اليسارية وأصبح للأسف أن رصيد هؤلاء الفكري مرتبطاً بظروف المعاش والاستقرار هناك.
    صحيح أن الحزب الشيوعي قد إجتهد ولا يزال وشأنه هو شأن أحزابنا الأخرى التي أخفقت في جانب بسبب الظروف التي تعرضت لها من الأنظمة الديكتاتورية، وما من شك إن الحزب كان لديه طموحات لخدمة جماهير الشعب، والموضوعية تحتم القول إن النضال الذي قدمه الحزب لم يقل عن نضال أي حزب آخر، كما لا يجهل للحزب ريادته في تبني القضايا الاجتماعية وعمق نظرته لجذور الصراع السوداني وصلابة المواقف تجاه الأنظمة الشمولية والتزامه جوانب التعريف بالعطاء الفكري الإنساني، غير أن هذا الموروث السياسي بحاجة إلى طاقات جديدة ومراجعات للفكرة والمسيرة تسمح بإنفتاح الحزب أمام الطاقات المتوثبة للعمل والتي لم تجد في أحزاب أخرى مجالاً للإبداع والمشاركة الفاعلة وتتوق الآن إلى ماعون سياسي حديث وأوسع فشلت بعض الأحزاب والاتجاهات التقليدية في خلقه وعليه غداً أن أعداداً هائلة من الجماهير والانتلجنسيا تبحث عن بديل لاسطورة اليمين واليسار الثابتة لأجل أن يمارس هذا البديل القطيعة مع مفهوم الحزب السياسي التقليدي ويتجه بالطاقات والمواهب إلى مجالات التفجير والنماء.
    ختاماً إذا جاءت هذه الكتابة عن الشيوعي السوداني ضمن مساءلة عامة مطلوبة لكل أقسامنا السياسية الملتزمة عملياً بدفع الوطن نحو ما نرغب فإن المرء لا يسعه إلا الأمل أن تثير هذه المساهمة المتواضعة والقاصرة عن الإحاطة الكاملة بأمر الحزب الشيوعي الاختلاف الخلاق أكثر من الاتفاق المستحيل، ذلك أن الاختلاف بحميميته ومراراته يفتح مجالاً للجدل والتأويل والتقصي، ألا يعني الاختلاف إنه عامل صحة ونذير رحمة أيضاً.

    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506926&bk=1
                  

04-04-2008, 04:02 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    محضر مشاهدات عابر للأطلسي 2-2
    الاحتفاء" بحولية" الخاتم تحت شعار أي عقل انطفأت جذوته؟
    نجم الدين محمد نصر الدين
    واتتنى الظروف ويسرت لى الاحوال فى طريق عودتى الى واشنطون رجوعا من الغرب الامريكى الاوسط، إدبارا إلى البلاد ان اكون حضورا فى هذه الاحتفائية وتلك الذكرى العامرة بالشذي الحافلة بالعبير، فالشكر لمن جعلوا هذا ممكنا كما درج المفكر النابه الخاتم على القول ، ولقد تولى العام وطفح زيادة لاشهر عددا ولكن وكما علمنا لاحقا إن ذاك التأجيل وهذا الارجاء قد حدث بفعل من إنتظار المؤلف الاول الذى جمع للمفكر الكبير عقب رحيله الفاجع المباغت فيما لم يتمكن هو من الوقوف والاطلاع عليه كوحدة وكتاب ، إذ انه حوى مجموعة مقالات صدرت منجمة متفرقة بما اوجب كتابتها من ظروف واسهمت فيه من أحداث ، ولقد تم اصدار هذا الكتاب وباقتراح ترافق مع الرحيل تقدم به المشرف على وصاحب موقع" سودانيز اون لاين" الاسفيرى المهندس بكرى ابو بكر، لكى يعين ريعه اسرة الراحل الاستاذ الخاتم على هناءة العيش عقب انقضاء اجل عائلهم وخروجه من دار الزوال والفناء هذه ، واحسب ان هذا المقصد قد تخلف الان اولا لانه قد تمت للكتاب طباعة فاخرة فخيمة انيقة بالقاهرة وتحت إشراف الناشر المتميز الشاعر الياس فتح الرحمن ، والكتاب مما سنفرد له بابا نتناوله فيه بتفصيل وافاضة سيما واننى قد فرغت لتوى من قراءته كلمة كلمة وفى نفسى شئ من حتى اوقل هى كاملة ، وسأسعى لافرد للكتابة عن الكتاب -إضاءة لمداخله وسيندرج اى حديث عنه الان فى مغالبة الكتابة حوله، والتى هى من المزاحمة واللحاح فى غاية ، سيما وان الراحل المقيم قد ذكر فى بعض لقاءات صحفية اجريت معه تم نشر جزء منها ، بأنه وافكاره وقومه وبرامجهم كانوا موضع حرب لاهوادة فيها وابعاد شديدين حيلولة دون نشر هذه الافكار وترويجها حتى على مستوى التجمع الوطنى الديمقراطى الذى سعى وبنجاح للمرة الاولى منذ انشائه فى عدم افراد اجنحته لضمهم محلقين مع بقية السرب ، معارضة للنظام املا فى القضاء على اركانه وقواعده مشاركة للاخرين هذا الشرف حد التفكير فى حمل السلاح قتالا الى جانب بقية القوات والفصائل ولكنه حيل بينهم و بين ما يشتهون بدعوى انهم محض إنشقاق عن الحزب الشيوعى السودانى وانهم ان فتحوا مثل هذا الباب لعجزنا عن سده اذ انه الباب" البجيب الريح" رغما عن اننا لم نعرف طوال حياتنا السياسية مثيلا لانقسام الاحزاب الذى حدث اخيرا حتى تحولت الى شظايا وافراد صمديين ، ولقد بح صوت الاستاذ الراحل الخاتم فى فلق هذا الفرق بين الانشقاق عن الاحزاب تحت رايات ومسميات مختلفة مع طفيف تعديل او تعديلات فى برامج الحزب، بدعوى إصلاح شأنه وحاله والخروج بطبعة منقحة عن افكاره ولا بأس من ان تكون مزيدة كما يقول بذلك الناشرون ، وبين مغادرة محطة هذا الحزب او ذاك نهائيا وابدال افكاره بأخرى نعتقد انها اكثر صلاحا لمعاشنا ، وحال دنيانا ورفاه شعبنا ورقيه وتقدمه ونهضته وتعديل سبل كسبه والاهتمام بصحته وبيئته، وتعليمه وتوفير كرامته وسؤدده وتحقيق آماله وطموحه فى الحياة الحرة الكريمة ، توسلا لهذا ببرامج واطروحات ورؤى غير تلك التى للحزب المتهم هذا المفارق لجماعته بالانفصال عنه تحقيقا لمطامع عجز عن بلوغها، والحال كما كان فى الحزب ، ولكن صيحاته هذه كانت صرخات تتردد اصداؤها فى واد سحيق الغور بعيده، وضرب من الطرق على الحديد البارد ونحت للصخر بالاظافر ، فكان وكما ذكر فى الكتاب والذى شكل لى مصدرا يتيما بجانب اوراق وفعاليات الاحتفالية التى كنت عليها من الشاهدين ، بأنه قد تم قصر النشاط على تكريس الترابط والتواصل بين هذه العضوية واقتصرت الادوار على المساهمات الفردية الفكرية و غيرها فى الحياة السودانية فى عمومها ، ولقد تميزت هذه الفترة بالكثير من الاسهامات الفكرية فيما هو مسطر فى الكتاب المكنون على الاقل بالنسبة للراحل المقيم ،وكان الامر سوف يكون غير ما هو عليه الان لو انه كانت هنالك مساجلات فكرية بالحسنى حول ما طرحه من افكار لم تلقَ الا الازراء والاهمال والتجاهل ، مما حدا به الى الاستقالة عن الحزب الشيوعى السودانى كما قامت بهذا التصويب فى مسيرته السيدة حرمه تيسير مصطفى، والتى هى بالنسبة له اكثر من شريكة حياة زوجية فهى فوق ذلك كما قال الراحل المقيم الاخر العقيد الدكتور جون قرنق دى مبيور اتيم، بولاية ايوا حين تقديمه للوفد المرافق له فى العام 2003 عند زيارته الشهيرة للولايات المتحدة الامريكية بمدينة "أأيمس " التى نال في جامعتها درجة الدكتوراة فى الاقتصاد الزراعى ، حيث اطروحته المقدمة لنيلها حينما وصف السيدة ربيكا بأنها وعلى حد تعبيره "أكثر من زوجة وانما هى شخص يشكل جزءا من الصيرورة السياسية بأكملها فى مسيرتهم ، ولقد صدق حدسه وصحت نبوءته ، فلولا ما اتسمت به من حكمة وبصيرة لسبح الكل فى حمامات دم عقب الرحيل الفاجع الاخر لد. جون . سعى الاستاذان بشير بكار ود. حيدر بدوى صادق، واللذان هما وحتى الانقاذ عضوان راتبان فى الحزب الجمهورى ومن تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه السالكين ، ولقد اعلنا انضمامهما للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان باعتبارهما الاكثر تلبية لاشواقهما فى رؤية الانقاذ وهى هاوية متداعية منطرح مشروعها الحضارى ، مشفعين ذلك بكل مؤكداته الى ان ظهرت حركة حق بعد تكوينها وصدور المانيفستو خاصتها عقب إستقالة مؤسسيها ، فلم يتردد الاستاذان فى السعى للحاق بمركبها كما اعلنا ذلك رغما عن خلافهما مع قائدها حول وسائل النضال لاسقاط نظام الجبهة والاكتفاء بالسلمى من مقارعة دون العسكرى حتى لحقا بالفصيل الاخر فى الداخل ، وظلت حبال الود بينهم وبينه موصولة رغم هذا الخلاف ولقد سعيا لتأكيد ذلك و للقول بأنه اى الخاتم ثالث ثلاثة فى تاريخ السودان الحديث من حيث الفاعلية وتوفير النموذج الملهم " بضم الميم" للمفكر السياسى الفذ المتفرد قائد ورائد التغيير فى حياتنا العقيمة، ولقد درجوا على إرتداء هذه القبعات الثلاث الواحدة تلو الاخرى او مجتمعات ، فى محاولة للمزواجة بين افكار الرجال الثلاثة تلبية لاشواقهم فى الحرية والكرامة الانسانية والعدل . ولقد تفضل زميل بجعل الخاتم رابع اربعة بعد ان اضاف الشهيد عبد الخالق محجوب الى هذه القائمة الباهية ، اقيمت الحولية بمدرسة متوسطة او ثانوية بالاكساندريا بولاية فيرجينيا بمنطقة واشنطون الكبرى، ولقد كان الحضور متواضعا اول الامر جريا على العادة السودانية الراسخة المرتبطة جينيا بأبناء شعبنا بتفاوت درجة الايغال فى ذلك من عدمه ، ونما طرديا مع تقلص زمن الاحتفال حتى شهد ذروته فى نصف الساعة الاخيرة، ولقد كان دقيقا وتلقائيا ومنضبطا على طول زمنه والذى لم ينقطع الا لمرتين غاية فى القصر لتناول بعض طعام او شراب وكما هو معلن ، فلقد سبق الدخول فى البرامج توزيع الكتاب ممهورا بتوقيع الاستاذة تيسير لمن قاموا بإقتناء نسخهم فى حضورها ، سواء كان الغلاف سميكا ام غير ذلك ، عقب ذلك دخل الكل قاعة كبيرة اديرت منها فعاليات هذا الاحتفال مستهلين له بفاكهته وهى قصيدة عصماء رصينة كان مضنون بها من قبل الشاعر الكبير كثيف الشاعرية شفيف الوجدان والروح ، المسكون بالايثار ونكران الذات ،عبد الله اخوى، صاحبى المتمم كيفى كما قال الشاعر الحاردلو ، واصفا صديقه ابراهيم فى قصيدته الشهيرة ولقد امتنع ليس عن ممانعة عن القبول حتى بإدراجه فى قبيلة الشعراء وهو إمامهم وذكر الحضور بأنه موسيقى بعيد كل البعد عن هذا العالم ، وكالعهد به يغشى الوغى ويعف عند المغنم. كانت القصيدة فتحا جديدا فى الشعر ، ولقد استحسنها كل من اصاب سمعه والقاه وهو شهيد طرف منها ، مصحوبة بطريقة الغاء عامرة بالدراية قائمة على كمال معرفة وان حاول صاحبها التستر على ذلك كله ، انه السيد عبد الله محمد عبدالله، الشهير بفلوت لبراعته وتفوقه فى عزفه بقدر عزوفه عن الاضواء وتواضعه الدائم المتصل، فكانت بمثابة فاتح الشهية كما يقول اهل الموائد ومن يحفلون بترتيب تقديم الطعام، اعقبتها كلمة للاستاذة تيسير مصطفى التى حضرت من لندن حيث تقيم وابناها خصيصا لتشارك فى هذه المناسبة، ولقد استهلت حديثها العامر بأنها آلت على نفسها وليست" النائحة كالثكلى" الا تفسح للدمع مكانا رغما عن العدمية وبرد الحياة وكل لواعج الفراق ، الا دمعة تغافلها وتهرب ، ولتجعل يوم الذكرى هذا إحتفالا به واحياءً مع هولاء المتحلقين المحتفلين، ولقد كان حديثها مزيجا من خواطر المشجون و"ويل للشجى من الخلى" كما تقول العرب،ومن ذاك مستلهم الامل مستعيضا عن الفقد الذى لاراد له بالعمل على جعل ما اوقف الفقيد حياته له ممكن الحدوث والتحقق سيرا فى ركابه ، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وهكذا وبهذا او ونحوه قد اخبرت . تعاقب على المنصة المتحدثون ومقدمو الاوراق بحسب ما تم اعلانه من جدول وترتيب فى تناول لبعض من افكار الراحل المحتفى به حول التغيير الذى نادى به حين آن اوانه وازف زمانه ، رغما عن المقاومة التى لقيتها دعوته هذه اول امرها وكيف ان هذا ثبتت ضرورته الان وهو على كل قيد الحدوث وعلى نار التكوين والتشكيل ، ولقد قدمت العديد من الاوراق وجرت مناقشات وسعى الجميع حقا لايجاد مكان للمفكر الراحل ولتبيين اوجه كل هذا باشتراك جميع الوان الطيف السياسى السودانى فى تجاوز نبيل حتى لحالة الخلاف الذى اضحى فكريا بينه وبين اعضاء الحزب الشيوعى السودانى ، الذين سما بعض منهم فوق هذه المخاصمة اللجوجة العاطلة عن إعمال الفكر والابحار الهادئ فى سبر غور ما شجر بين الناس من خلاف فكرى، هو دليل عافية اذا تم تجريد الامر من الانفعال والعاطفة ،,ولانصرف الجميع الى ما ينفع سيما وانه كما ذكر فلقد كان استعداده وجاهزيته عاليين لكى يتم إثراء وإغناء للحوار حتى يصير متأتيا لناشئة الشباب الاختيار الرشيد البصير، ولكن كسائر شؤون حياتنا فلقد كان الامر اقرب الى شعار النظام العالمى المدعى الركون اليه فى مكافحة الارهاب وهو من ليس معى فهو ضدى ،ما القطيع او القطيعة ، كما ذهب بذلك للقول الشا عر محمود درويش وهذه عموما بعض ملاحظات حول هذه الحولية والتى رأيت من الواجب علينا جميعا ان نعيش هذه الذكرى ونجعل ذلك سنة ، ونتذاكر الكتاب و ما سطره قلمه لكى نتلمس الاجابة للسؤال الذى شكل شعار المهرجان والذى يظل دوما حائرا وهو أى عقل حقا قد انطفأت جذوته ؟؟ و يجدر بى قبل مغادرة مقامى هذا ان انوه الى انه وإكمالا لجهد السيد مدير موقع سودانيز اون لاين الاسفيرى، المهندس بكرى ابو بكر ، فلقد تم تسجيل وقائع هذا الاحتفال كاملة، ويمكن الرجوع الى ذلك فى إرشيف الموقع بالشبكة العنكوبتية فى تاريخه من الارشيف بحسب ماهو مدون ومسجل ، سيما وانه كان حضورا واشرف هو شخصيا على هذا التدوين والتسجيل لمن اراد توثيقا ومضابط، كما واننا نأمل ان نرى ونشهد الاجزاء التى لم تتم طباعة لها من اعماله، ولقد سعت دار الخاتم عدلان للاستنارة لبسطها فى حياتنا فما احوجنا الى ذلك كله .


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506894&bk=1
                  

04-04-2008, 04:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    «محمود محمد طه» الفكرة الجمهورية.. الإسلام الجديد وعقاب المقصلة

    مع قليل من المبالغة؛ سيُعدّ السوداني محمود محمد طه - من زاويةِ المعرفة المنزوعة النهايات - من أشهر المجهولين في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، وبشيءٍ من المجازفة فإنه يكاد يكون من قلائل المفكرين الذين عنوا ببلورة أفكارهم على مقربةٍ لصيقةٍ من ساحات العمل. وإذا جرى التسامح مع المبالغة والمجازفة، فلابد أن يُصنّف طه في قائمة ‘’الإسلاميين’’ القلائل الذين نهجوا طريق التنظير لأفكارهم على هدى الإسلام. سيناقش كثيرون في ‘’إسلاميّته’’، وثمة منْ سيناقش في ‘’إسلامه’’ أيضاً، وفي كلا الحالين لن يُتاح للجميع أنْ يطمس الإنتاج الفكري الغزير الذي رفَد به طه أكثر من موقع من مواقع التجديد والنهوض الديني. مبكّراً حدّد في ‘’قل هذه سبيلي’’ بدايات الرؤية في العام ,1953 كان الإسلام حاضراً في قوّته المضمونية، إلا أن الصّيغة الهيكلية كانت مع كتاب ‘’الإسلام’’ الصّادر في العام .1960 ما كان يدعو إليه طه هو إسلام حقيقي، يعود بالناس إلى نهج الإسلام الأول. دعا إلى اعتماد الرسول محمد منهاجاً في السلوك الديني، ولكن وفق طريقة تأويلية لتطوير التشريع الإسلامي، فكانت دعوته للانتقال من الآيات المدنية، إلى الآيات المكية. إنه انتقال يُريد به محاكمة آيات الشريعة بآيات العقيدة، آيات التنظيم والعقود والحدود بآيات العدل والتضامن والمساواة الاجتماعية.
    رفضَ ما أسماه بالهوس الديني والاستخدام السياسوي للدين. كانَ حرباً لا هوادة فيها ضد كهنوتية رجال الدين، وهي تسمية دأب على مجّها مجّاً، واعتبرها وافدة على التحضّر الإسلامي. منذ البدء، جعل الحرية الشعار الأول، ونظرها عمودَ الدين ومفتاحه الحقيقي، ومنها نافح كلّ ما يتعارض معها وصولاً إلى ما يسميه بالمدنية الإسلامية، وانطلق من موضوع المرأة، ليبدأ في جسْر أول قنطرة في أعقد موضوعات الإصلاح الديني. من أصول الدين لا فروعه نجد الخلاص، وانكبّ يُعيد فلسفة الأصول بما يمنحها وظيفة الخلاص المفقودة. في احتدام الجدال الحامي بين التطرف والاعتدال، سيجده البعض نموذجاً لابد منه لإعادة الحيوية للاعتدال الديني، بما هو مطارحة فكرية وجرأة في نقد الموروث. في تلك الصّورة سيُعجب به باحثو الغرب، وسينظرون إلى حياته على أنها تنويعة لصيرورة المفكر الحر في بلد مسلم، كما هي صورة ‘’جاليلو’’ في حقبة الظلام الأوروبي. إنها نمذجة ستكبُر مع حكم الإعدام الذي طال طه في يناير 1985م وعمره يتجاوز السبعين. اُتهِم طه بالردّة. هكذا كان يروي حكم المقصلة. لقد وقفَ ضدّ تطبيق الشريعة الإسلامية في عهد النميري. لم يكن رافضاً للإسلام، كما تقول وثيقته. لقد قال في ‘’محكمة الردّة’’ أن جلاّديه جاؤوا بما فيه’’مخالفة للشريعة وللإسلام’’، وأفعالهم ‘’شوّهت الشريعة، وشوّهت الإسلام ونفّرت عنه’’. لقد كان الرجلُ، إذن، حريصاً على الإسلام، لا رافضا له، ولذلك سيخذله العلمانيون. يحضر فيه مالك بن نبي، وكلاهما مهندس وصاحب نهضة. يمرّ عليه علي شريعتي، حيث الإسلام النضالي والنفرة من رجال الدين. وعندما يُعدَم لا يتذكّره إلا الحلاّج، فقد خرجَ طه من ملئ فراغ الحماس إلى ملئ فراغ الفكر عندما عكفته السجون واعتكف في منزله سنوات، ليخرج بعدها مليئاً بالروح ومتشوّقاً بالمعاني حدّ العروج.

    http://alwaqt.com/art.php?aid=31456
                  

04-04-2008, 06:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    تعقيب على د. الأفندي
    حول أزمة الحركة الإسلامية
    عبد الوهاب عمر الفكي
    -------------------
    محمود محمد طه
    المتابع لكل ما يكتب الآن عن اشكالية الفكر الاسلامي المعاصر وتحديات المعاصرة او الحداثة، لا شك ان المتابع يحس بشعور مزدوج بين الغبطة لما يُثار من آراء جريئة وطرح لا يخلو من الجدة في التناول، وبين احساس بالقصور في فهم بعض اطروحات المفكرين المعاصرين، او تخريجها بما تهوى نفس الكاتب ليفهمها القارئ كما يريد هو «اي الكاتب» لا كما اراد لها صاحبها. بل وتبلغ الجرأة بالكاتب احياناً ان يأتي بقول وينسبه الى ذلك المفكر الذي لم يقله في كتاباته او محاضراته وندواته ولا حتى عند خاصته.
    ومما يؤسف له ان تجد من تعتقد انه يكتب بعمق لا يقرأ للآخرين، بذات العمق او بالشحذ الذهني الذي يكتب به. وهذا ما يوقع الكاتب في فخ الاستسهال لفهم مراد الرأي الآخر او الاستمساك بذهنية لم ترق الى مرتبة الحياد. حتى اولئك الذين كنا نظن انهم قد قفزوا فكرياً من عتبة «الشيخ» الى اعلى، لم تكن لقفزتهم القوة الطاردة للخروج من مدار العباءة. ولعل اصدق الامثلة على ما ذكرنا هو ما خطه قلم الاستاذ عبد الوهاب الافندي في مقاله عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الاسلامية المعاصرة «الصحافة» العدد «4626». وما ادهشني في هذا المقال الفقرة التي تحدث فيها عن الفكرة الجمهورية واستاذها محمود محمد طه، وذلك الطرح الذي اقل ما يمكن ان يوصف به انه بائس.
    وقبل ان استرسل عنَّ لي التذكير انني لا انتمي الى الفكرة الجمهورية، الا بقدر انتمائي لكل فكر حر يسعى جاداً لتحرير الانسان من آفة الخوف بكل اشكاله ومسمياته، وعلى رأس هذه الافكار «فكر محمد» عليه الصلاة والسلام.
    ولابد من التذكير ثانياً بأن الجمهوريين هم الاقدر على الرد في ما يلي فكرتهم من كتابات وآراء «كتب هذا المقال قبل نشر مقال د. القراى». وقد أورد الكاتب هذه الفقرة من مقاله «الحلول التي لجأ اليها معظم الاصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز على نصوص معينة دون اخرى وادعاء اولوياتها، ولعل الحل الجذري الابرز هو ذلك الذي لجأ اليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها «السنة» وما تفرع عنها من موروث اسلامي، والبدء من جديد في استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه اشكالين رئيسيين، الاول هو حين كنس التشريع الاسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم أحل محله رؤية تتطابق مائة بالمائة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الانسان، وهو تطابق حري بان يجعل اية دعوة من هذا النوع مشبوهة، والثاني ان مثل هذا الحل الجذري يحتاج الى دعوة بسند سماوي جديد، اي بمعنى آخر ان الامر يحتاج الى وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوة الجمهورية، وهو امر يجعلها مشبوهة اكثر، خاصة عند اهل الحداثة الذين تستهويهم دعوتها الاولى. ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي. الميتافزيقي» انتهى.
    وليجد القارئ العذر لايرادي الفقرة كاملة.
    وقبل التعقيب على ما جاء في هذه الفقرة لعل القارئ قد فطن إلى ما اعتور هذه الفقرة من اضطراب حتى في صياغة عباراتها خاصة في جزئها الاخير. وبفهمي المتواضع والمتواضع جداً وقراءتي المتعددة للفكرة الجمهورية، فلم يذكر الاستاذ محمود محمد طه او اي من تلاميذه ان الحل الجذري الابرز هو نسخ كل التشريع الاسلامي ومعها السنة.. بل انني قد فهمت من كتاباتهم وليست امامي الآن مراجع من كتبهم للاستشهاد بها نصاً.. ولكن في تلخيص ارجو ألا يكون مخلاً ان هنالك آيات اصول وهي الآيات المكية وهي مراد الدين في حقيقته، وعندما كان مجتمع القرن الرابع عشر اقل قامة من تطبيق تلك النصوص، فقد نسخت او انسئت الى ان تصبح البشرية قادرة على تطبيقها في مسار تطورها المضطرد نحو الكمال. ولتثبيت هذا الرأي اوردوا كثيراً من الامثلة يمكن الرجوع اليها في مظانها، ولا بأس ان نورد مثالاً او مثالين: فآية «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..» نسخت هذه الآية بآية السيف «فاقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم» لحاجة الدعوة آنذاك الى التمكين كما أن الجمهوريين يرون ان آية الشورى التي يعول عليها الاصوليون ليست آية ديمقراطية، وانما هي آية وصاية «وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله» بينما يرى الجمهوريون ان آية الديمقراطية هي «فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر» وما لم يقله الجمهوريون البتة نسخ السنة، بل ان دعوتهم في لحمتها وسداها تركز على الحياة في مستوى سنة النبي. وبما انني لا احبذ صيغ التحدي في المساجلات الفكرية، لكنني ارجو ان اطلب والح على عبد الوهاب الافندي ان يأتيني بدليل واحد على فريته ان الجمهوريين قرروا نسخ السنة تحديداً، وانبه الاستاذ الافندي الى ان الجمهوريين يفرقون في كتاباتهم بين السنة والشريعة.
    واطمئن الاستاذ عبد الوهاب الافندي بأنني سأسخر قلمي هذا في لعنة الجمهوريين ومن والاهم ومن شاورهم من امثالي. واؤكد له مجدداً ان الجمهوريين لم يدعوا الى استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولا ادري ما هي مقاييس او معايير التطابق مائة في المائة مع المنظور الغربي التي اعتمد عليها الكاتب، فالتطابق في الحريات وحقوق الانسان في الميثاق الدولي وبين الاسلام او اي تشريع سماوي آخر، لا يعني بالضرورة ان الفكرة الجمهورية تتبنى المنظور الغربي. ولنا ان نسأل الاستاذ الافندي عن رضاء «المنظور» الغربي عن الفكرة الجمهورية وهي تبقي على تشريع الجرائم الحدية كحد السرقة وحد القذف وغيرها من الحدود؟ وما خلصت اليه من قراءتي لحجتهم في ذلك: ان تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة والحرية الفردية المطلقة يجعل من المجتمع الاسلامي مجتمعاً يرتفع عن قاعدة الحدود ولا يحتاجها الا في نطاق تضيق حلقته كلما صعد المجتمع الى اعلى، بل ان من يطبق عليه الحد سيكون مدركاً وراضياً بل وسعيداً بذلك، ثم يستمر الكاتب في تضليل القارئ بالقول ان الاشكال الذي يواجه الجمهوريين في حلهم الجذري، هو حاجة هذا الحل الى وحي جديد ودين جديد ثم هو يخلط خلطاً مريباً بين الالهام والوحي، ثم يقرر في ختام فقرته ان ما تضمنته الدعوة يجعلها مشبوهة اكثر.. وما يدعو للدهشة ايضاً ان كاتباً بحجم عبد الوهاب الافندي يجنح نحو هذا التبسيط المخل والتشويه المتعمد في بضعة اسطر لفكرة لها من المؤلفات والندوات والمحاضرات والاتباع، ولفترة امتدت لاكثر من اربعة عقود او تزيد.
    خلاصة القول ان ازمة الحركة الاسلامية المعاصرة وفي السودان على وجه الخصوص، او لنقل ان احد اسباب هذه الازمة.. هو كسل مفكرين يرضون من غنيمة البحث بالتثاؤب وفضيلة الاتباع، بينما يحتاج الاسلام الى كثير سهر وبعد نظر واعمال فكر واستنباط حلول.
    أخيراً: أرجو من الأخ الافندي ان يقرأ للجمهوريين ثانياً وثالثاً ورابعاً ولا ضير في ذلك. فانا قد اعدت قراءة كتاب رسالة الصلاة لاكثر من ثماني مرات، عندما استشكل عليّ فهمه، ولم احس مطلقاً بقدح في قدراتي الذهنية على الفهم والاستيعاب، بقدر ما يجعلني استوثق من فهمي حتى لا اقع في ما وقع فيه الافندي، ليكتب مثل هذه الآراء الفجة والفطيرة في شأن يمس عقيدة المسلم وهو يلهث لايجاد حلول لمشكلات تخيم على صدره وتأخذ بخناقه.
    عبد الوهاب عمر الفكي



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147504594&bk=1
                  

04-04-2008, 11:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الانفصاليون: خطلُ الفكرة وتمزيق البلاد
    خالد أحمد بابكر
    [email protected]
    لـ (أحمد عبد المعطي حجازي) :
    هَمَجٌ رمتْ بهم الصحارى جنة المأوى
    تَهِرُّ كلابهم فيها وتجأرُ في المدى قُطْعَانهم
    يمشونَ في سُحبِ الجرادْ
    كأنَّ أوجُهَهُم لغربان
    وأعْينَهُم لذؤبان
    وأرجُلَهُم لثيران
    يدوسونَ البلادَ ويَزْرعُونَ خَرابَهُم
    في كلِ وادْ
    مضى زمانٌ على أهل السودان كانت المجاهرة في الدعوة للانفصال أو الترويج له بمنزلة الجرم، وإنْ بدا شيء من ذلك يُقابل باستهجان واسع وتذمر من الأكثرية التي كانت تنظر للوحدة الوطنية بعين الرضا، وتراها قيمة سامية لا ينبغي المساسُ بها والتجرؤ على لكز صرحها المنيع في نفوس السودانيين. فبالوحدة يكون صلاح البلد وأهله وتنتفي عوامل التشرذم المهددة للمصلحة العليا لإنسان هذه الأرض. لكننا عشنا حتى يوم الناس هذا، ورأينا كيف كرّس بعض الإسلامويين للانفصال، ليس بإبداء الرأي فحسب، بل شرعوا في إنشاء منابر التحريض الدعائي وبناء منصات الهجوم على الوحدة الوطنية. ماذا أصاب أهل السودان؟ الآن صحيفة بكاملها تنفثُ روائح الانفصال الكريهة كالتي تنبعثُ من ديدان التعفن (صحيفة انفصالية في ظل ما يُسمَّى بحكومة الوحدة الوطنية) يتولاها شماليون متأسلمون، وسلطان المدينة وعيونه، متغافلون!!
    لقد احتملَ أهل السودان ـ بكل تصنيفاتهم ـ مرارات الحرب سنين عددا، ودفعوا فاتورتها باهظة ومكلّفة، وصبروا على الأذى صبراً جدُّ جميل، يحدوهم أمل الوحدة ويتغشّاهم نسيمها بعد كل منعطف سياسي مرّوا عبره، يخرجون منه وهم أكثر إلحاحاً في تحقيق هذه الأمنية. وخلال تلك المنعطفات، كانت تُسمع من حين لآخر بعض الأصوات تنادي بالانفصال عبر الصحافة السودانية، لكنها كانت تمثلُ وجهةَ نظر أناسٍ بعينهم، ولا تمثل الموقفَ الرَّسميّ للأحزاب والتكوينات السياسية، وسرعان ما كانت تخبو.. فلماذا الآن بالذات يجري تصعيد الأمر وإعطائه حجماً ما كان ينبغي أن يكونَ عليه، والسماحُ لرهط من الإسلامويين باستصدار صحيفة تنادي بدعاوى بغيضة تسعى عبرها لتقطيع الوطن الكبير (بلحيل) على مقاس أيديولوجيتهم؟؟.. فالسودان أوسع من أن تستوعبه منظورات الأصوليين الانفصاليين.
    الأصولية الإسلاموية بضيق أفقها كفّرتْ كلَّ مَنْ خالفها الرأي، وراحت تدينُ بالجُرم المشهود كل مجتهد جَرُؤ على التفكير وتُهدر دماء الكتّاب. وليس بخافٍ ما جرى للأستاذ الحاج وراق من تهديدٍ ووعيدٍ بلغ بالتكفيريين مبلغاً عظيماً جعلهم يُهدرونَ دمَه!.. والأستاذ محمود محمد طه قتلته محكمة التفتيش النميرية بإيعازٍ من الظلاميين، في محاكمة ـ قال عنها الأستاذ المرحوم صلاح أحمد إبراهيم ـ تستنكف عن قِصَرها وتلفيقها العدالة الوضعية ناهيكَ عن عدالة الإسلام. وأمر القاضي (المهلاوي) بإحراق كتبه. ومن الكتّاب كذلك نصر حامد أبو زيد الذي صُودِر كتابه «الخطابُ والتأويل». وإدوارد سعيد الذي دافعَ عن الحقِّ الفلسطيني في أكثر مراكز الصهيونية ضراوة، ودافع عن الإسلام والحضارة الإسلامية (وهو المسيحي البروتستانتي) ما لم يدافعه مسلمو الغرب.. هو نفسه إدوارد سعيد الذي أهدر الأصوليون دمه في كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» للأصولي السعودي عوض القرني عام 1989م. إذن كيف للتكفيريين والمتزمتين ومن نحا نحوهم أنْ يقيموا وطناً يسع الجميع على اختلاف مشاربهم؟
    إنَّ ما يُقْدمُ عليه الآن الإسلامويون الانفصاليون هو مخططٌ يسعى لتمزيق البلاد وتقطيعها من أطرافها بدعاوى بائسة ممعنة في التضليل والمغالطة. وهم بذلك يزرعون بذور الفرقة بين أبناء البلد الواحد ويخدمون أجندات قد تكون دافعاً لاستهداف وحدة البلاد والعمل على خلخلة جسد هذه الأمة التي تعوّل على الوحدة بأكثر من الانفصال. وأنّ مثل هذه الدعاوى تنطلق من نظرة آحادية لا تخدم مصلحة أهل السودان على أية حال، ولا تعزز من اقتناص فرص الوحدة مستقبلاً. كما أنّ بعض الانتهازيين منهم استغلَّ (أحداث الاثنين) ليبرهن على هشاشة الوحدة بين الشمال والجنوب.
    كنتُ ومازلت أرى مصلحة السودانيين في وحدتهم وتصالحهم مع أنفسهم. وقد ذكرتُ قبل أكثر من عام أنّ خطاب السّاسة الشماليين في مؤتمر «المائدة المستديرة» عام 1965م كان متسامحاً على النقيض من موقف الجنوبيين.. حيث عرض السيد إسماعيل الأزهري تصور حزبه في خطاب ألقاه أمام المؤتمر، ورد فيه:" إننا نسعى جاهدين للالتقاء بإخواننا الجنوبيين حول نظام يوفر السعادة والرفاهية لنا جميعاً ويوطدُ أواصر المحبة والسلام بين مختلف أجزاء القطر. وسوف نقبل طواعية واختياراً بل بكثيرٍ من الغبطة والرضا أي وضع يبلغ بنا هذا الهدف، ولا يهم في كثير أو قليل أن يُسمّى ذلك النظام بالفيدرالية أو الحكم المحلي أو الحكم الإقليمي. ونحن كإفريقيين نعلمُ جيداً أنّ قرارات منظمة الوحدة الإفريقية تنادي بأنْ تُعلن الدول المنضوية تحت لوائها في تأكيدٍ وعزم أنَّها تحافظُ على الحدود التي ورثتها عندما نالت الاستقلال".
    إلا أنَّ الانفصالي الشمالي المتطرف ذي النزعة الطالبانية، والذي استبدّ به الرأي واشتطّ عن الحق، ما فتئ يتردّى وهو يتساءل متهكماً في كل محفل ومنتدى..."ما السبب الذي جعل السودان مليون ميل مربع؟ من قرر ذلك، ليسوا هم السودانيين"؟!. إنَّ هذا القول مع بؤسه وخطله البائن لا يَصْلُح أنْ يُتَّخَذ حُجة يُقيم عليها عتاة الانفصاليين الشماليين مزاعمهم وأهواءهم الذاتية. فأهل السودان لم يُقرروا ولم يُنصِّبوا دعاة الانفصال متحدثين بالوكالة عنهم. منْ الذي أقرّ هذه الدعاوى؟ ليسوا بالطبع أهل السودان، بل فئة من عاطلي الفكر تحاول النيل من استقرار ووحدة هذا النسيج البشري المتسامح بطبعه، والذي تربطه أواصر ووشائج وعلائق ضاربة في القدم منذ مملكة سنار الماجدة(1504 - 1821م)، والتي قامت على نهج سوداني استطاعت عبره توحيد أهل السودان داخل إطارها على أسس قوية وراسخة، جعلتها تستمر لعدة قرون.
    في ندوة (إشكالات البناء الوطني، رصد الصحافة 22 / 7 / 2004م)، قال زعيم الانفصاليين الإسلامويين الجدد الطيب مصطفى: " ظللنا نعالج الأمر معالجة عاطفية، لا نريد أن نتعامل مع الأمر بالعقل، نريد أن نتعامل تعاملاً هتافياً وعاطفياً كتبه شعراء (منقو قل لا عاش من يفصلنا) .. وظللنا نردد هذه الكلمات حتى ترسخت في وجداننا بشكل عاطفي قوي، غدونا أسرى له حتى الآن، ولا نريد مواجهة الحقيقة.. مواجهة الحقيقة تقتضي شيئاً واحداً، أن نتخلص من كل العواطف، من كل الثوابت" .
    هكذا يبدو الخطاب الانفصالي الإسلاموي في أردأ صوره، فهذا الحديث ليس غريباً على هؤلاء النفر من الإسلامويين الذين ساهموا في تصعيد مرارات الحرب وأضرموا النيران في الجسد السوداني إبان حقبة التمكين (التُّرابية) الطالبانية المتزمتة. هم أنفسهم الذين ساقوا الشباب والكهول إلى الأحراش للقتال تحت شعارات أصولية، وهو ما أسموه (جهاد الكفّار) . وعمدوا إلى فكرة (إعادة) صياغة الإنسان السوداني، وتفننوا وأبدعوا في (بيوت الأشباح) وممارسات الفصل القسري من الخدمة بدعوى الصالح العام، وأصبح الولاء للتنظيم يومئذٍ معياراً للوطنية والانتماء للوطن. والثوابت التي أراد الطيب مصطفى التخلص منها هي الثوابت الداعية للوحدة ـ التي ما يزال بعض أوفياء أهل السودان يُلْزِمون بها أنفسهم، وتنضح بها صدورهم.. هذه الثوابت الوحدوية هي التي تُكبِّل تفكير الزعيم الانفصالي ورهطه الذين ما برحوا يسيرون على خُطاه، حذوكَ النَّعْلَ بالنَّعْل، لكي يُعيدوا النظر في الخطأ التاريخي الذي ارتكبه (صُنّاع الاستقلال) حين اعترفوا بهذه الحدود التي حدّها (غيرهم) وجعلوا السودان بهذا الشكل المتناقض الذي استمرت الحرب فيه لنصف قرن ـ على حد تعبيره!!.
    هذا وأيم الحق قولٌ يدعو للعجب، إذ من فرط الزهو والتعالي (الفارغ) على أهل السودان، اتخذ الطيب مصطفى من ذاته مُخطِّطاً جديداً و(رسّاماً) لحدود السودان المقترحة في مخيلته، وهو بهذا يُنكر علينا حدودنا التي ورثناها وأقرها أهل الاستقلال الشوامخ، ويستعدي في جُرأة بالغة لا تكاد تصدر إلا عن نزق مهووس حين يصف السودان بـ (الشكل المتناقض) . ماذا يريد الطيب مصطفي؟ هل يريد من كل ذلك أن يَخْلُصَ إلى أنَّ هذا السودان بشكله الحالي لا يُعجبه؟ أم يود أنْ يُصمّم سوداناً ذا (سحنة واحدة) على طريقته، أم تراه يسعى لتجريم الذين ناضلوا من أجل استقلال ووحدة هذا البلد؟
    في السياق ذاته، يمضي في اجتراح أسئلته غير الوقورة وغير البريئة: هل فعلاً كانت هناك دراسة موضوعية ومنطقية لتجعل السودان بهذا الشكل، لم تكن هناك دراسة تراعي التجانس بين عناصره". ونحن بدورنا نناشده أن يمددنا بأنموذج لدراسة منطقية بحوزته تتحدث عن أي قطر مماثل للحالة السودانية. هذا الحديث عن التجانس (المزعوم) ينطوي على إهمالٍ فكريّ كبير لدى الذهن الانفصالي، وينبئ عن قصور جدُّ مزرٍ بمعرفة وأحوال الشعوب والتكوينات البشرية. فالأمم والمجتمعات الإنسانية ـ منذ عصور سحيقة ـ بمختلف عناصرها وسحناتها، قامت على من التعايش، ولم تقم على المزاعم والتأويلات والأقاويل والأباطيل المختلقة.
    هل كان الطيب مصطفى يرمي بالحديث عن الدراسات المنطقية إلى أنه كان ينبغي أنْ تُجرى دراسة لأهل السودان تجمع شمل العناصر المتجانسة في وطن واحد، وتبقى العناصر غير المتجانسة في رقعة أخرى تخصها؟ إنْ كان ذلك ما يعنيه حقاً فهي الكارثة.. إنَّ المرء ليأسف لهذا المنطق المنقوص الأرعن.. إنه منطق الاجتثاث والبتر وتفصيل الوطن على (قدر) مقاس فئة تجتاحها أفكار مجنونة ليست خاضعة لسلطة العقل والمنطق. وهم كأولئك الذين أبدع في وصفهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في مُفتتح هذه الكلمة.
    فاصلة
    قال محدثي: ماذا لو اختار الجنوبيون الانفصال بعد الفترة الانتقالية التي حددتها اتفاقية السلام وبعد الاستفتاء؟ قلت: إن اختاروه فهو حقهم، لكن أن يجرى تصعيد أمر الانفصال من قِبَل بعض الشماليين ـ وهم في هذه الفترة أحوج ما يكونون لثقافة التسامح وقبول الآخر ـ فهو ما لا ينبغي الصمت إزاءه.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147504391&bk=1
    _____
                  

04-05-2008, 00:10 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    عودة إلى مأزق الأفندي!!(1ـ2)
    د. عمر القراي
    توقع بعض القراء، الذين تابعوا مقالي السابق في الرد على د. الأفندي، ان يرد بمواجهة المسائل المحددة التي أثرتها في ذلك المقال.. فيعقِّب مثلاً، على ما ذكرته من جهله بالفكرة الجمهورية، ثم عدم تردده في الخوض فيها، واتهامها دون الرجوع لمصادرها، بأنها تدعو إلى دين جديد، وتدعي وحياً من الله!! أو ما أثرته عن ان د. الافندي يقع في مأزق، فهو يعارض د. الترابي، شيخه السابق، ويعارض الجناح الآخر من الحركة الاسلامية، ثم لا ينفي أنه ما زال في اطار الفكر الاسلامي، ثم هو لا يحدثنا عن رؤية جديدة، تختلف عن اجتهادات الترابي، التي هاجمها، أو آراء خصومه الذين كفَّروه، وتتفق مع الاسلام، ومع مفاهيم الحداثة الغربية التي يزعم انه عالم بها.
    لقد كان نقدي السابق، مؤسساً على ما كتب الافندي، فلم يترك لصادق مندوحة إلا الموافقة عليه، أو على أقل تقدير قبوله، وعدم التعقيب.. ولقد كنت لحسن ظني بالأفندي، اتوقع منه ذلك، ولكنه اخلف حسن ظني، فلم يواجه الموضوع كما تصوَّر بعض القراء، ولم يصمت كما توقعت أنا، وانما دار هنا وهناك، يباعد الامر ويقاربه، ويذكر اسمي على استحياء، وكأنه لم يكتب ليرد عليَّ، وينسب لي التناقض فيما لا تناقض فيه، وذلك ليبرر لنفسه وللقراء، انه قد رد على مقالي، وانه يتابع ما يكتب حول آرائه، ثم يجنح مرة اخرى للتعميم، ليؤكد أنه غير متأثر بنقدي له، ولا يود متابعته بالرد المفصل، الذي يوهم القراء بأنه يستطيعه ثم يزعم أننا لم نفهم القضية الاساسية، ويخبرنا انها ليست تكفير الترابي، ولا هي قضية حرية الرأي، ولا هي مأزقه هو، ويقفز بنا الى مسائل جديدة مثل جدلية الوحي والفكر الانساني ويدعي أنها هي الموضوع الاساسي للحوار!! ولو كان د. الافندي واثقاً من ثقافته الغربية، ومن فكره الاسلامي، لما اضطرب كل هذا الاضطراب، في قضايا بدهية، كان عدم المامه بها، كافياً ليحرمه من الكتابة فيها، لو كانت الكتابة، تقتضي اي قدر من المسؤولية العلمية أو الدينية.
    أسوأ المآزق ما لا يشعر به صاحبه
    يقول د. الأفندي (وبالتالي فإن تكرار الحديث بأن العبد الفقير إلى مولاه يواجه «محنة» أو «مأزقاً» بسبب التدهور الذي اصاب الحركة الاسلامية عامة والسودانية خصوصاً يعكس محنة ومأزق من فرضوا على نفسهم الأمية ويريدون كما كررت سابقاً للكاتب ان يكتب ثم يقرأ نيابة عنهم، وهو دور للأسف لا نملك الوقت ولا الرغبة في القيام به. فلسنا وكلاء عن من فرضوا على أنفسهم الأمية خاصة في عصر الانترنت الذي يكفي ان تجري البحث فيه عن اسم كاتب فترِدك آلاف الصفحات عما كتب وما كتب عنه بكل اللغات. ونحن ننصح هؤلاء الاخوة بمداواة أميتهم بشئ من القراءة أو أن يسألوا أهل الذكر كما يفعل الاميون الذين يحترمون انفسهم قبل أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم). هذا ما قاله الافندي، وهو ينضح بالغرور والادعاء، إذ يتهمنا بالأمية، وينصحنا بالقراءة، ويشرح لنا كيف نستعمل الانترنت كي نداوي اميتنا، أو نسأل أهل الذكر اذا لم نستطع استعمال الانترنت!! ولكن مع كل ذلك، عجز الافندي عجزاً بيِّناً، عن دفع الاتهام بأنه هو شخصياً يعيش في مأزق.. ليس بسبب التدهور الذي أصاب الحركة الاسلامية السودانية، وانما بسبب عجزه هو شخصياً، عن ان يتبنى رؤية جديدة، تمثل فكراً اسلامياً بديلاً، يخرجه من هذه الأزمة العامة، الى ما تطمئن به نفسه، ويصح به دينه.
    فلو أن الافندي عقَّب على حديثنا السابق عن مأزقه، بأنه لا يعاني أي مأزق، وانه خلافاً للترابي، وخلافاً لجماعة الانقاذ، منسجم مع افكاره، ولم يغيِّر مواقفه ومنطلقاته، وانه حين ادان هؤلاء، يملك الفهم الاسلامي الصحيح، البديل عن تطبيقاتهم الخاطئة، ودلل على ذلك من كتابته التي ذكر انها تسد الافق، لواجه الاتهام الذي رفعناه في وجهه. ولكن الافندي فضَّل أن يقف موقف المتفرج، في لعبة لا تعنيه، ينظر فيها من عل الى الحركة الاسلامية، التي تربى في كنفها، وهي تعاني من محنة انقسامها، وفشل شعاراتها، وتكفير مرشدها، وفساد حكامها.. وكأن مهمته في الحياة هي مجرد النقد، وكأنه لم يكن الى وقت قريب، يعمل مع حكومة الانقاذ، التي وصفها في مقاله بالظلم والفساد، ولم يكن متبعاً للترابي كشيخه وقائده.. إن الافندي يريد ان يمسح تاريخه بجرة قلم، ويلقي باللوم على اخوانه في الحركة الاسلامية، ويظل هو رغم حيرته، بمعزل وكأنه المفكر الذي لا يعاني من اي مشكلة.. أليس هذا في حد ذاته، انفصاماً غريباً، يحتاج صاحبه الى علاج، ينبغي ان يشغله عن نقد الآخرين؟!
    أما نحن فقد ركزنا على مأزق الافندي، لحرصنا عليه، لاننا نرى ان الافندي غاية في ذاته، وان واجبه الاساسي هو تدارك امر نفسه.. وذلك لان الاعتبار الديني الاول، هو اعتبار الانسان لنفسه، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون). وقال جلَّ من قائل (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه).. فلماذا يريد د. الافندي ان يسفه نفسه، ولا يحفل بمصيرها، ثم اذا ذكر بذلك يتطاول على من نصحوه، ويصفهم بالأمية؟!
    ولا عبرة لوصف الافندي لنا بالأمية، لأن فهمه لها فهماً سطحياً، فهو لا يعني اننا لا نستطيع القراءة والكتابة، وانما الأميه عنده مطابقة للجهل، وهذا هو الفهم الشائع، والسطحية دائماً، تأتي من اتباع الفهم الشائع.. والحق أن الأمية لا تعني الجهل، فقد كان أعلم الخلق وأكرمهم على الله أمي!! قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر).
    أما الاستاذ محمود محمد طه، فإنه حين رفع النبي صلى الله عليه وسلم، نموذجاً تتأسى به البشرية جمعاء، في كتابه (محمود محمد طه يدعو الى طريق محمد)، رفع الأمية، كقيمة ايجابية، فقال (والأمية تعني سلامة الفطرة من زغل التحصيل وتعقيد التفلسف والتنطع الذي يصاحب التعليم عادة).
    ما هي القضية الأساسية؟
    نحن نرى ان القضية الاساسية، هي ان الأفندي غير مؤهل لنقد الحركة الاسلامية.. لانه كان ولا يزال جزءاً منها، ولأنه في داخلها مضطرب الولاء والتفكير، ولأنه انتقد الترابي وانتقد جناح الانقاذ الحاكم، ثم لم يحدد رؤيته الاسلامية التي تختلف عنهما، ومن هنا تحدثنا عن مأزقه.. ولكن الأفندي لا يظن ان فكره، ومواقفه هي القضية الاساسية، بل يرى ان (القضية الاساسية التي اردنا معالجتها «وظللنا نعالجها من زوايا مختلفة لاكثر من اربعة قرون» هي المتعلقة بالفكر الاسلامي المعاصر، وهي انه فكر يستصحب الحداثة والعقلانية الاوربية المعاصرة في نظرته للتراث الاسلامي. والفرق بين الاسلاميين وخصومهم من العلمانيين هو ان الآخيرين يحاكمون التراث الحداثي الغربي. بينما يتخذ الاسلاميون موقف الدفاع عن التراث الاسلامي عبر محاولة المواءمة بينه وبين ما يصعب رده من مقتضيات الحداثة. ولكن موقف الاسلاميين الدفاعي يختلف أيضاً عن موقف التقليديين الذين يماثلونهم في بناء الخنادق الدفاعية في أن الحركات الاسلامية تحتضن بعض مظاهر الحداثة، بل تعتبر نتاجاً لها وترفض بعض توجهات التقليديين المحافظة).
    هذا وصف الافندي للقضية الاساسية، وهو وصف خاطئ، ولكننا لا نود ان نقف عنده الآن.. فلو اننا سلمنا جدلاً، بأن وصفه هذا صحيح، فهل قدَّم حلاً للحركات الاسلامية أو العلمانية؟ وهل وضَّح للقارئ ايهما افضل اتجاه تبني الحداثة ام اتجاه التعصب الذي يرفض الحداثة أم اتجاه العلمانيين؟ وهل أبان عن موقفه هو من هذه التيارات؟
    ان مثل هذا السرد القصصي، الذي يشبه الروايات الضعيفة، هو ما شغل به الافندي نفسه، خلال اربعة عقود، فلم يعطه وقتاً ليفكر في نفسه، ويهتم بمصيرها، واين يضعها بين هذه الجماعات المتباينة.
    اما الخطأ في هذا الوصف، فيجئ من ان الحركة الاسلامية، لم تختر الحداثة عن قناعة، ولم تستصحبها عن نظر متعمق، يدرك قيمتها، وانما اضطرت إليها اضطراراً، حماية لمصالحها في الكسب السياسي، الذي لا علاقة له بالدين.. فالترابي نفسه بدأ متشدداً، ولقد صرَّح حين طرح الدستور الاسلامي لأول مرة، بأن غير المسلم، لا يجوز له مجرد الترشيح، لمنصب رئيس الجمهورية، وكان هو من وضع مادة الردَة في القانون.. فاذا قال اليوم إنه ضد التكفير، وان غير المسلم يمكن ان يتزوَّج المسلمة، وعارض حكومة الانقاذ التي كان عرَّابها، فهل فعل ذلك لانه أراد ان يستصحب الحداثة، ام لانه يريد ان يصاحب مصلحته، التي لا علاقة لها بالدين؟!
    والافندي كنموذج آخر، بدأ مؤيداً لحكومة الانقاذ، وموظفاً فيها، ثم شعر بأن هناك هجمة عليها من الدول الغربية، التي تبنت مؤخراً اتجاه الهجوم على الارهاب والتشدد الاسلامي.. ولما كان يريد ان يظهر كمفكر وباحث، في جامعاتها، كان لا بد ان يركب موجة نقد التطرف الاسلامي.. وهو لا يمكن ان يقبل منه ذلك، الا اذا اثبت بنقد الحركة الاسلامية المكثف، انه لم يعد عضواً فيها، وهكذا فضَّل مصلحته الدنيوية على معتقده الديني!! والدليل على ان الافندي ليس مخلصاً للفكر الغربي الحديث، بل ليس ملماً به بالقدر الكافي، ما ظهر في مقاله عن فهمه للحرية، مما سنعرض له في موقعه.
    [email protected]



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503968&bk=1
                  

04-05-2008, 03:04 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    تعقيب على مقال الأفندي «عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة» 1ـ2
    مأزق الأفندي..!!
    في صحيفة «الصحافة» بتاريخ 25 -4-2006 ، كتب د. عبد الوهاب الافندي ، مقالاً على ضوء الضجة الاخيرة، التي اثيرت حول آراء د. الترابي .. ولقد انشغل د. الافندي، عن جوهر القضية، الذي ينبغي ان يركز عليه كل مثقف حر، مهتم بحرية الفكر، وبكرامة الانسان.. فبدلاً من مواجهة اتجاهات «التكفير» ، وادانة مصادرة الحق في التعبير، من حيث المبدأ، على انها اعتداء سافر على الحقوق الاساسية ، ثم هي مفارقة كبيرة ، لاصول الاسلام ، المتمثلة في قوله تعالى «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ترك د. الافندي كل هذا جانباً ، ليحدثنا عن الكتاب الذي شارك في اعداده «لفيف من الاكاديميين والمفكرين من مختلف انحاء العالم»، والذي كتب فيه فصلاً عن آراء الترابي .. لقد كان حرياً بدكتور الافندي، ان يدين الحملة الجائرة التي كفرت الترابي، وطالبته بالتراجع عن افكاره، قبل ان يحدثنا عن آرائه، و يسعى لتبريرها، او رفضها.
    أقول هذا، دون ان اغفل عن ان د. الترابي ، هو الذي اسس للاعتداء على حرية الفكر ، وحرية التعبير في هذا البلد .. وذلك منذ اثارته لقضية حل الحزب الشيوعي السوداني65م، ثم اخراجه للمسيرة المليونية ، تأييداً لقوانين سبتمبر 83م التي قطعت ايادي الفقراء ، بينما كانت حكومة نميري تعلن المجاعة !! ثم ضلوعه في مؤامرة اغتيال الاستاذ محمود محمد طه ، وتصريحه اكثر من مرة ، بان الاستاذ الشهيد يستحق القتل ، بسبب آرائه ، التي اعتبرها الترابي ردّة !! والترابي هو الذي كان قد افتى بان الردِّة الفكرية لا غبار عليها ، ثم هو الذي اعاد مادة الردة في القانون الجنائي !! وهو الذي كان عرَّاب حكومة الانقاذ ، الذي ساقها الى تبني الشعارات الاسلامية، التي سجنت بها خصومها في بيوت الاشباح ، وعذبتهم بسبب آرائهم ، ثم رفعت برعاية الترابي ، وتوجيهه ، شعار الجهاد، وقتلت اخواننا في جنوب السودان ، وفي جبال النوبة بنفس دعاوي التكفير .. ولقد بدل الترابي ، وغيَّر كثيراً في مواقفه وافكاره ، وما حديثه اليوم - حين ردت اليه بضاعته - عن حقه في حرية التعبير، الا ضرب من عدم الصدق.
    والاشياخ الذين هرعوا لتكفير الترابي، ليسوا افضل حالاً منه !! فقد كفروه لاباحته زواج المسلمة من الكتابي ، ورفضه لنزول المسيح ، لانه بذلك خالف نصوصاً من القرآن والحديث.. ولكنهم هم ايضاً ، كاعضاء في مجمع الفقه ، التابع لرئاسة الجمهورية ، قبلوا ان يكون نائب رئيس الجمهورية ، مسيحياً ، وان يكونوا تابعين له ، وموالين له ، فخالفوا بذلك قوله تعالى « يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين»!!
    ومهما يكن من امر الترابي وآرائه ، فإن د. الافندي لم يكن محدداً تجاهها، فتارة يبدو مدافعاً عنها ، وتارة يبدو ناقداً لها ، وبين هذه وتلك ، يضطرب ، ويتردد، ويحاول شرح معانٍ دينية عميقة ، بلا علم ، وبنفس منهج الجرأة الزائفة، الذي عابه علي الترابي .
    حديث الذبابة وحديث النخل:
    تعرض د. الافندي الى حديث الذبابة ، وتعليق الترابي المشهور عليه ، فقال «وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً بدأ برفض المنهج التقليدي وهو التشكيك في صحة الحديث وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم .... وحجة الترابي هي ان البخاري بشر غير معصوم ولا بد انه اخطأ فيما اسناد بعض ما اورده. ولكن حتى لو كان البخاري على حق في روايته فإن من المحتمل ان يكون الصحابي الذي نسب اليه الحديث قد أخطأ فيما نقل او لم يفهمه كما يجب، والصحابة ايضاً غير معصومين بل ان بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير، وحتى لو تجاوزنا عن هذا واثبتنا ان السند صحيح وان الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا ان نرفض المقولة النبوية اذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في امر الدين وهو القائل «انتم اعلم بشؤون دنياكم» كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح انها لم تكن صائبة» هذا ما قاله د. الأفندي يدفع به عن آراء د. الترابي، ويعلن صراحة، موافقته عليها !!
    فلماذا الحديث عن التحري عن صحة الحديث ، وعن صدق الصحابة ، اذا كنا ببساطة «يحق لنا ان نرفض المقولة النبوية اذا كانت تتعلق بشأن دنيوي» كما قرر د. الافندي؟! ان الدقة في التحقق والتحري، سببها انه يجب علينا ، بمقتضى الايمان ، ان نقبل بتسليم ، ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى في ذلك «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً» وما يشجر بيننا ، انما يتعلق بأمور الدنيا ، وليس امور الآخرة.. فالترابي قد خالف نص هذه الآية ومعناها ، وهو لم يقل بتضعيف الحديث، كما حاول د. الافندي ان يوهم القراء ، وانما قال «هذا امر طبي آخذ فيه برأي الطبيب الكافر ولا آخذ رأي النبي ولا اجد في ذلك حرجاً ولا اسأل عنه عالم دين» «راجع كتاب الصارم المسلول لأحمد مالك» .. فالترابي يرفض رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجد في نفسه حرجاً ، بينما انه لو قبله ، ووجد في نفسه حرجاً ، لاخرجه ذلك من الايمان، حسب ما نصت الآية !!
    والترابي في رفضه لحديث الذباب قد بنى على حديث النخل ، والافندي تابع له في ذلك .. فقد ورد في الحديث «ان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ، وجد الناس يلقحون النخل ، فقال: لو لم تلقحوه لأثمر . فلم يلقحوه ولم يثمر. فقالوا : يا رسول الله لم نلقحه ، ولم يثمر قال: اذهبوا فأنتم اعلم بشؤون دنياكم» .. فحين لم ينظر الترابي والافندي بعمق ، ظنوا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ ، بل ان الافندي قال في جرأة ، لا تدانيها غفلة ، الا جرأة الترابي «كما ورد في الحديث ، الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل ، وهي نصيحة اتضح انها لم تكن صائبة» !! والحق ان الافندي هو الذي أخطأ ، ولما لم يكن هنالك ادب ديني مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ورع يعصمه عن التورط في التهلكة ، فإنه لم يتردد في قول ما قال .. وخطأ د. الافندي يجئ من عدة وجوه:
    1- افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي عاش كل حياته ، في جزيرة العرب ، لا يعرف ان النخل يلقح ، مع ان هذه المعرفة ، متوفرة لأي اعرابي ، لمجرد معيشته هناك.
    2- أسوأ من ذلك !! افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم، يفتي في ما لا يعلم ، وهو بذلك يسلك في مستوى، دون ما طلب الله من المؤمنين ، في قوله تعالى «قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وان تقولوا على الله ما لا تعلمون» .. فهو عليه السلام ، لا يقول بما لا يعلم ، ولا يتحدث فيما لا يعنيه ، ولقد كان يسئل، فيصمت ، او يقول لا اعلم ، انتظاراً للوحي.
    3- لو كان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، في امر تلقيح النخل خطأ، لصححه الوحي ، وهذا مقتضى العصمة، فالمعصوم هو الذي اذا اخطأ صححه الوحي.
    ان الفهم الصحيح ، هو ان النخل لا يثمر بالتلقيح ، وانما يثمر باذن الله، وهذه الحقيقة هي مقتضى التوحيد .. ولقد قصد النبي الكريم ، ان يدعو الاصحاب ، الى مستوى رفيع من التوكل ، حين دعاهم لاسقاط الاسباب ، اعتماداً على الله ، وتوكلاً عليه ، فقال «لو لم تلقحوه لاثمر» ، لان الله في الحقيقة ، هو سبب الاثمار وليس التلقيح .. ولكن الاصحاب ، لم يحققوا هذا المستوى من التوكل ، فلم يثمر النخل .. ولهذا دعاهم مرة اخرى، الى الاسباب، حين قال «اذهبوا انتم اعلم بشؤون دنياكم» !! أي ان دنياكم دنيا اسباب ، ولهذا اذا لم تؤدوا الاسباب، سوف لن تجدوا نتائج، الا اذا ارتفعتم من الاسباب ، الى رب الاسباب.
    أما مريم ابنة عمران ، فإنها تركت الاسباب، ولم تلتفت اليها ، فتحقق لها ما تريد .. قال تعالى «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب» فهي لم تترك المحراب لتكسب رزقها ، فارسل الله لها رزقها في محرابها ، بلا حاجة لسبب!!
    ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم ان الاصحاب دون هذا المستوى الرفيع، من التحقيق ، ولكنه كان يشدهم اليه ، حتى يشمروا نحوه، ويحققوا منه اقداراً متفاوتة .. فقد ورد في الحديث انه صلى الله عليه وسلم قال «لا عدوى ولا طيرة» فقال اعرابي: يا رسول الله انا نرى البعير الاجرب يلحق بالقطيع فيحيل ما فيه من الابل جرباً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن اجرب اولها ؟!» فسكت الاعرابي . ففي الشريعة هناك امراض معدية، وواجب الاصحاء ان يجتهدوا في الابتعاد عن المرضى، ولكن في الحقيقة ان المرض بيد الله ، وانه ليس هناك عدوى!!
    حديث الافندي عن الفكرة الجمهورية يفتقر للصدق:
    يقول د. الافندي «ولعل الحل الجذري الابرز هو ذلك الذي لجأ اليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث اسلامي، والبدء من جديد في استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه اشكالين رئيسيين: الاول هو انه حين كنس التشريع الاسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، احل محله رؤية تتطابق مائة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الانسان. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج الى دعوى بسند سماوي جديد وتصريح الهي مباشر من الهام او نحوه. أي بمعنى آخر ان الامر يحتاج الى وحي جديد ودين جديد وهو تحديداً ما تضمنته الدعوى الجمهورية، وهو امر يجعلها مشبوهة اكثر، خاصة عند اهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الاولى، ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي الميتافيزيقي».
    ولو كان د. الافندي باحثاً جاداً ، او مفكراً مسؤولاً ، لما خاض في امر الفكر الجمهوري ، بهذه السطحية ، وهذه العفوية. ذلك لأن الفكرة مرصودة في كتبها ، ومسجلة على اشرطة ، وقد وضعت في صفحات الكترونية ، يطلع عليها من شاء ، من جميع انحاء العالم .. وكل من قرأ ولو كتابا واحدا للفكرة الجمهورية ، يعلم ان الاستاذ محمود، لم يقل مطلقاً بنسخ كل النصوص المدنية، ولم يقل بنسخ السنة، بل دعا الى بعث السنة .. وهو على التحقيق، لم يقل بـ «كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم» !! فهل يعارض الأفندي الفكرة، بأن ينسب اليها ما لم تقله، ام ان ما يليق به كباحث هو ان يرجع اليها في مظانها، ويناقشها فيما جاء في الكتب؟
    ولما كان د. الافندي لا يعتمد على الفكرة الجمهورية، ولا يورد ما يصدق دعواه من كتبها، فإن ما قرر انه اشكالية تواجهها ، لا يقوم الا في وهمه فقط .. فهو قد قال ان اشكالية الفكرة الجمهورية الاولى ، انها قدمت رؤية تتطابق مئة بالمئة ، مع المنظور الغربي الحديث ، في الحريات وحقوق الانسان .. وهذا غير صحيح !! فالفهم الغربي الحديث ، يوافق اصول القرآن ، التي دعت اليها الفكرة الجمهورية، اجمالاً.. ولكن هنالك خلاف جذري ، بين الفكرة وبين الفكر الغربي الحديث ، لا يتسع المجال لتفصيله. ولكن فحواه هو ان الفكرة الجمهورية ، حين دعت للحرية ، والديمقراطية ، طرحت منهاجاً اخلاقياً تربوياً، هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لتحقيق هذه القيم ، بينما الفكر الغربي لا يملك منهاجا ، ولا يهتم بالتربية الاخلاقية.
    والاشكالية الثانية ، حسب زعم د. الافندي ، ان الحل الجذري يحتاج الى وحي جديد، وهو ما تضمنته الفكرة الجمهورية، وجعلها مشبوهة !! فأين ذكرت الفكرة الجمهورية ، انها دين جديد ، وانها تحتاج الى وحي جديد ؟! ان ما زعمه د. الافندي ، عار تماماً من الصحة ، ومنذور الحظ من الصدق و الامانة العلمية ، ثم هو يتناقض تماماً ، مع ما ذكرت الفكرة في كتبها .. فهل كان د. الافندي يعرف ذلك ، ثم ادعى ما ادعى ليخفف وطء مفارقات الترابي ؟! أم ان د. الافندي لا يعرف شيئاً ، ويعتقد حقاً وصدقاً ، ان الفكرة الجمهورية تدعو الى دين جديد ؟! وهذا ان صح ، فإنه جهل فريد من نوعه ، لا يجاريه فيه ، غير وعاظ التكفير ، امثال عبد الحي يوسف ، الذي حين اورد نصوصاً من كتب الاستاذ ، اضطر لبترها ، تزويراً ، وتحريفاً ، وكذباً ، حتى يستطيع ان يخلص الى تكفير الاستاذ محمود والجمهوريين.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503451&bk=1
    _________________
                  

04-05-2008, 03:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    التُّرَابِى: حَرْبُ الفَتَاوَى!
    لست متيقناً تماماً من الفرق بين (مجمع الفقه الاسلامى) و(الرابطة الشرعيَّة للدعاة والعلماء) ، بل أقرُّ بأننى لم أجد فى نفسى دافعاً للوقوف على هذا الفرق ، فضلاً عن أننى أكاد أجزم ، ولطول عشرة المسلمين فى بلادنا مع هذه المسميات ، متعدِّدة الأسماء متحدة الجوهر ، بأن هذا الفرق لم يشغل ، ولو للحظة ، أحداً مِمَّن اطلع مؤخراً على البيانين الصادرين عن هذين الكيانين ، بقدر ما أهمَّهم دخول (المخاشنة) بين د. الترابى وحوارييه السابقين عمق اللحم الحىِّ!
    فرغم ما لهذه (المخاشنة) من سوابق ، إلا أنها تتجاوز هذه المرَّة ، بالنظر لمجمل الظروف المحيطة ، كلَّ خطوط (استواء) الذهن الشمولى المؤسَّسة ، افتراضاً ، على خبراته القبْليَّة ، حيث يسعى الكيانان ، فى ما يبدو ، لإنتاج ذات الملهاة المأساويَّة التى أفضت لإعدام الشهيد محمود محمد طه عام 1985م ، دَعْ الاعتداء على الشيوعيين عام 1965م ، وتكفير جماهير الأنصار عام 1970م ، وإهدار دماء كتاب وصحفيين وسياسيين وقضاة ومحامين مقابل عشرة مليون جنيه (للرأس الواحد!) فى مايو عام 2003م ، وتحريض السلطة على أحزاب وتنظيمات طلابيَّة ، وعلى كلِّ معتنقى الديمقراطية والاشتراكية والموالين للنصارى ، على حدِّ الفتوى ، فى يونيو عام 2003م ، وما سبق هاتين الواقعتين من تصاعد لثقافة العنف خلال تسعينات القرن المنصرم ، مِمَّا تمخض عن الاغتيالات الشهيرة للمصلين فى مساجد الجرافة ومدنى وأنصار السنة بأم درمان ، فضلاً عن اغتيال الفنان خوجلي عثمان ومحاولة اغتيال الفنان عبد القادر سالم ، وذلك بعد زهاء القرن من فتوى (مجلس العلماء) التى كانت قد باركت ، بذات الرؤية التكفيريَّة ، تنكيل الادارة الاستعماريَّة بالشيخ على ود عبد الكريم ، حتى لقد لاحظ باحث بريطانى أن (المجلس) منح ذلك التنكيل السياسى "بُعده الشرعى!" (تيم نبلوك ؛ صراع السلطة والثروة فى السودان ، 1990م).
    بيان (المجمع) يحوم ، حثيثاً ، حول (تكفير) بعض آراء (الشيخ) ، بوصفها ، على حدِّ تعبير فتواه ، "تصادم نصوص القرآن والسنة" ، فصاحبها بالتالى ".. يدخل فى زمرة من تنطبق عليهم الآية الكريمة: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" ، داعياً إياه إلى "التوبة إلى الله تعالى من القول عليه بغير علم ، وتضليل جماهير المسلمين" ، وموجباً على السلطة "التعامل معه بما يقضى الحق ويوقف الشرَّ والضرر" (الصحافة ، 20/4/2006م). أما فتوى (الرابطة) فتنصبُّ ، صراحة ، على تكفير (الشيخ) لذات الآراء ، ومطالبة رئيس الجمهوريَّة بمحاكمته ، أسوة ، كما قالت ، بما فعل النميرى مع محمود محمد طه ، لأنه "كافر مرتد يجب أن .. يعلن توبته على الملأ مفصَّلة ، ويتبرَّأ عن كلِّ ما صدر منه أمام طائفة من أهل العلم بحكم قوله تعالى: إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا" ، كما طالب بالحجر عليه وعلى كتبه ومقابلاته (السودانى ، 23/4/2006م).
    لقد سبق (لتخاشن) هؤلاء (الاخوة الأعداء) أن لامس حواف (الخطر) ، بصورة أو بأخرى ، وفى أكثر من مناسبة! فقد عَمَدَ كلاهما ، مثلاً ، إلى (تكفير) بعضهما البعض من خلال صراعهما (الدنيوى) على أسلاب السلطة فى عقابيل (مفاصلة رمضان) الشهيرة ، حيث اعتبر الترابى ، حينها ، أن إبعاده من الحكم ليس سوى ".. محاولة لإبعاد كلمة الاسلام وأصل الدين"! (الشارع السياسى ، 13/2/2000م). وآزره على الحاج ، أحد أقرب معاونيه ، واصفاً ذلك الاجراء بأنه ".. يمثل تمريراً لفصل الدين عن الدولة"! (الصحافة ، 6/1/2000م). ثم ما لبث الترابى أن هبَّ ، على خلفيَّة حديث منسوب إلى نائب رئيس الجمهورية ، وقتها ، حول إمكانيَّة القبول (بفصل الدين عن الدولة) من خلال التفاوض مع الحركة الشعبيَّة آنذاك ، واصفاً إياه بأنه "كفر ببعض الكتاب وإيمان ببعضه" (الصحافة ، 21/2/2000م). وذلك بالرغم من رأى الترابى القديم فى (التكفير) ، والمنشور ضمن حوار محمد الهاشمى الحامدى معه ، والذى استغرق كتاباً بأكمله ، حيث وصف نزعات (التكفير) بأنها ".. أمراض تصيب المسلمين كما أصابت قبلهم أهل الكتاب" ، ووصف (التكفيريين) بأنهم إما حفظوا الدين تقاليد ميتة ، أو يريدون أن يسكتوا هذا التديُّن الجديد الذى يؤذى مصالحهم ، أو يخدمون الغرب بضرب المسلم بأخيه. لكنه استبعد أن يكونوا ".. قوة ذات وزن تستحق أن نفرط فى طاقاتنا المحدودة .. للعناية بهم وبترهاتهم. دعهم يتحدثوا حديثهم" (حسن الترابى: آراؤه واجتهاداته فى الفكر والسياسة ، 1996م).
    ولم يكد ينقضى عام على ذلك حتى أبرم حزب الترابى نفسه مع الحركة الشعبية ، بجنيف فى 19/2/2001م ، مذكرة تفاهم نادى فيها بعقد اجتماعى جديد لا يسمح بالتمييز بين (المواطنين) على أساس (الدين) أو غيره. ومع أننا حمدنا للترابى ، وقتها ، إقراره الضمنى بأن (السياسة) طحن (دنيوىٌّ) محض ، تدور رحاه بين البشر على الأرض ، لا فى السماء ، إلا أننا لاحظنا أنه لم يتكبَّد عبء التأسيس المقنع لتغيير الفقه القديم الذى كان اجترحه بنفسه ضمن أطروحته عن (التدين بالسياسة) و(توبة الدولة إلى الدين) ، والتى تشكل الركيزة الأساسية لمشروع (التمكين) السلطوى الذى ما انفكت حركة الاسلام السياسى تجدُّ فى طلبه ، على كلا حالى وحدتها وشقاقها! فقد نَحَت المذكرة إلى جعل (المواطنة) هى المرجعيَّة. وهو منحى يقطع مع صمديات طرح الرجل السابق لمشروع (الدولة الدينية) المفارق للاسلام ، نصاً ومثالاً ، والمطابق ، بلا سند أو طائل ، بين (الوحدانيَّة) و(التوحيد) كمفهومين دينيَّين وبينهما كمفهومين سياسيَّين (راجع: الترابى ؛ خواطر فى الفقه السياسى ، ص 8 ـ 13) ، وهو الأمر الذى لا مندوحة من تبيينه. فبما أن (الوحدانيَّة) هى صفة الله سبحانه وتعالى ، وحقيقته العرفانيَّة القائمة فى ذات وجوده المطلق ، وأن (التوحيد) هو فعل التسليم من العباد بهذه الحقيقة ، فإن مدار الاختلاف فيهما محكوم بمعايير (الإيمان والكفر): "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". أما (السياسة) فهى تدبير العقل البشرى للمكان والمعاش والتساكن وسائر (أمور) الدنيا ، حيث تتنوع الرؤى ، وتتناظر المدارك ، ومدار الاختلاف فيها محكوم بمعايير (الصواب والخطأ) ، وهذا هو رأى الامام الغزالى والكثيرين غيره. ولو كان الأمر بخلاف ذلك ، لما اختلف الصحابة ، بالقطع ، حول اختيار الخليفة الأول يوم السقيفة ، ولما كان النبى (ص) قد تركه دون بيان ، وهو الذى تلا فى حجة الوداع: "اليوم أكملت لكم دينكم" ، ولما توفى تاركاً أمور الدنيا لمدارك الناس فى الحديث الشريف: "ما أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه ، أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به" ، ولما اختلف على وعائشة وهما متيقنان من أنهما إنما يختلفان فى أمور دنيويَّة وصفتها عائشة بأنها من سنخ "ما يكون بين المرأة وأحمائها" ، ولما اختلف الناس ، وفيهم صحابة مبشرون بالجنة ، مع عثمان إلى حدِّ قتله. وتلك ، فحسب ، بعض أمثلة لأسياف المسلمين وقد سُلت حول (الدولة) ، لا (الدين).
    الشاهد أنه ما أن صدرت تلك المذكرة حتى عَمَدَ على عثمان ، بدوره ، وقد كان الترابى استهدفه ، صراحة ، بصفة (الكفر ببعض الكتاب والايمان ببعضه) ، إلى ترجيح اشتمال المذكرة ، بين سطورها ، على مسألة (علاقة الدين بالدولة) التى تشكل ، على حدِّ تعبيره ، جزءاً من حملة الحركة ، فلا يعقل أن تتفق مع الشعبى ".. دون أن تكون قد توصلت إلى إجابة لهذه النقطة" ، مفسِّراً عدم بروزها ، علناً ، فى الاتفاق بأن ثمَّة ".. بنوداً أخرى لم يعلن عنها لأنها تثير أسئلة صعبة حول طبيعة التزام المؤتمر الشعبى نفسه بقضية علاقة الدين بالدولة" (الصحافة ، 23/2/2001م).
    وإذن ، فإن إحجام الترابى عن أىِّ تفسير مقنع ، فى إطار من النقد الذاتى المستقيم ، لإعادة تأسيسه معادلة (الحق والواجب) ، فى مذكرة التفاهم تلك ، على مبدأ (المواطنة) السياسى الدنيوى ، بدلاً من مفهومى (التوحيد) و(الوحدانيَّة) اللذين يتماهى لديهما (الدينى) مع (الدنيوى)، هو الذى فتح الباب على مصراعيه أمام خصومه لترويج سوء الظن (الدينى) به ، خالطين بين (الرأى) و(الكفر) ، وبين (الاختلاف السياسى) و(الخروج عن الملة). فقد أدانت (هيئة علماء السودان) المذكرة ، فى 22/2/2001م ، باعتبارها "فتنة وبغياً ومهدداً للشريعة .. ودعوة للحرب وإسقاط السلطة الاسلامية" ، وخلصت إلى وجوب "توجيه النصح والاستتابة .. للترابى حتى يثوب إلى أمر الله وأمر السلطان عمَّا اكتسبه من إثم" ، ودعت السلطة ".. لأخذ الباغين مأخذ الجد ، ومعاملتهم بالحزم والحسم ، حيث لا عدوان إلا على الظالمين" (المصدر). أما (المجلس الأعلى للحج والدعوة والأوقاف) فقد وصف الترابى ".. بالخروج عن الملة ، حيث أن موالاة الكفار من المحرمات التى تخرج مقترفها من الملة". ووجه أئمَّة المساجد والعلماء ".. بتبنى حملة لإرشاد المسلمين بتوضيح الجريمة التى ارتكبها" ، داعياً الدولة ".. لاتخاذ إجراءات قوية لردع الخارجين" (المصدر). وباسم (جماعة من العلماء) شنَّ محمد عبد الكريم وسليمان أبو نارو وعبد الحى يوسف وآخرون هجوماً عاصفاً على الترابى لتأييده حركة (طالبان) فى إثر واقعة 11 سبتمبر ، معتبرين موقفه ".. مزايدة .. وشنشنة فى المكر .. يبغونه عوجاً ويريدون أن يتخذوا بين الكفر والاسلام سبيلاً" ، مطالبين الشعبى بإعلان ".. البراءة من الترابى ومقولاته الإلحاديَّة" ، ومحذرين من اتباع كل ناعق ومارق ".. فالنجاء النجاء لمن أراد الله والدار الآخرة ". والآن ، وفى ذات السياق ، يصدر بيانا (المجمع) و(الرابطة) لإدانة (آراء) الترابى التى يراها (تجديداً) ويرونها (كفراً) ، مطالبَين باستتابته أو إقامة حد (الرِّدة) عليه.
    لكن ، وأيَّاً ما تكون حُجَّتهم ، فسوف يتعيَّن عليهم ، قبل أن يأملوا فى كسب ثقة الجمهور فى أنهم يصدرون ، بالفعل ، عن نيَّة خالصة لوجه الله تعالى ، لا لوجه السلطان ، أن يجيبوا على بضعة أسئلة تمسك برقاب بعضها ، نبرز منها أربعة تشغل هذا الجمهور على نحو مخصوص كالآتى:
    (1) كيف يمكن تفسير هذه (المصادفة) العجيبة التى تجعل فتاواهم لا تصدر ، قط ، إلا ضد من كانت له خصومة مع السلطة ، أيَّة سلطة ، منذ الحقبة الاستعماريَّة وحتى يوم الناس هذا؟!
    (2) وإذا كانوا يقولون بعظمة لسانهم إن الترابى ظلَّ منذ ستينات القرن الماضى ".. يردِّد أقوالاً شاذة ، وأفكاراً ضالة ، يفترى فيها الكذب على الله ورسوله (ص) .. وتصبُّ كلها فى معين واحد هو السعى إلى تبديل الدين" .. الخ ، فكيف يفسِّرون صمتهم عنه وصبرهم على (كفره) هذا لأكثر من أربعين سنة؟! أفلو كان ما يزال هو (شيخ) النظام الأكبر ، أكانوا سيجرؤون على (تكفيره) ، أم تراهم كانوا سيواصلون اللواذ بالصبر (الجميل) والصمت المطبق؟!
    (3) ثم أىُّ قضاء هذا الذى يريدون من رئيس الجمهوريَّة تقـديم الترابى إليه ، أسوة ، كما قالوا ، بما فعل النميرى مع محمود محمد طه؟! أهو نفس الحكم الذى قضت الدائرة الدستوريَّة للمحكمة العليا ، عام 1986م ، ببطلانه لمخالفته القانون والتقاليد القضائيَّة ، كون المحكمة التى قضت بإعدام الشهيد ، والتى أيَّدت الحكم فى مرحلة الاستئناف ، قد منحت نفسها سلطة فى التشريع ليست من اختصاصها أصلاً ، وسلبت المحكمة العليا صلاحياتها بلا أىِّ سند فى القانون أو المبادئ العامَّة للشرعيَّة ، علاوة على كونها قد اشتطت بإضافة تهمة جديدة لم يتم توجيهها فى مرحلة المحاكمة ، وبعدم سماعها رد المتهم قبل إدانته ، بالمفارقة للمبدأ الأزلى الذى تأخذ به كلُّ المجتمعات الانسانيَّة ، على اختلاف عناصرها وأديانها ، كقاعدة مقدَّسة من قواعد العدالة الطبيعيَّة ، فهى بذلك لم تغفل ، فحسب ، التقاليد القضائيَّة التى سادت هذه البلاد عبر السنين الطويلة ، بل وخالفت نصوص القانون الصريحة ، ناهيك عن كون ما صدر عن الرئيس السابق (النميرى) من استرسال ، عند تصديقه على ذلك الحكم المعيب أصلاً ، لا يعدو أن يكون محض تزيُّد لا أثر له ، بل وقد اكتفت المحكمة العليا بتقرير صدوره بالتغوُّل على السلطة القضائيَّة ، وبالافتقار إلى أىِّ سند فى القوانين والاعراف؟! (أنظر سابقة: أسماء محمود وعبد اللطيف عمر ضد حكومة جمهوريَّة السودان ، المجلة القضائيَّة لسنة 1986م ، ص 163). فأيَّة (أسوة سيئة) هذى التى يدفعون ، الآن ، رئيس الجمهوريَّة دفعاً كى يتأسَّى بها بعد صدور ذلك الحكم بعشرين سنة؟! وكيف ، إذن ، يصل التقاضى إلى ساحل تستقرُّ فيه الأحكام إذا كان القضاء يحكم والناس ماضون فى مصادمة هذا الحكم ، بلا مراجعة صحيحة ترسى قاعدة قانونيَّة بديلة أو نقد مرموق يؤسِّس لمرجعيَّة يؤبَّه بها؟! أوَلا ينطوى ذلك على استخفاف واستهانة وزراية فظة بالقضاء وسلطته وحكمه الصادر عن قممه الشوامخ بصفة نهائيَّة ، وفى أعلى مرحلة من مراحل إجراءاته؟!
    (4) أما المسألة الأخيرة التى لا مناص من أن تجابهها هذه الجماعات باستقامة تامَّة ، إذ لن يفيدها الازورار عنها بينما تواصل نشر (فتاواها التكفيريَّة) ، فهى ضرورة الابانة الشافية حول حقيقة فتواهم (بتكفير) جماهير الانصار فى أحداث الجزيرة أبا عام 1970م. فبعد أن وصفوا تلك الأحداث ".. بالفتنة المتدثرة بثوب الاسلام" ، قال (علماء السودان) بالحرف الواحد: "إن مبادئ مايو لا تخرج عن مبادئ الاسلام التى تقوم على العدل والاحسان ومحاربة الظلم والفساد ، لذلك فإن الوقوف بجانبها واجب دينى قبل أن يكون واجباً وطنياً ، والخروج عليها خروج على أمر الله ، ومخالفة صريحة لأهداف ومبادئ الاسلام!" (صحيفة الأيام ، 3/4/1970م). فهل كانت تلك (فتوى دينيَّة) لوجه الله سبحانه وتعالى ، فلا يكون للمسلمين ، جمهوراً وحكاماً ، أىَّ عذر بعدها فى عدم إيلاء (فتاوى) هذه الجماعات (الثقة) المطلوبة؟! أم تراها كانت محض (زلفى سياسيَّة) للنميرى ولنظام حكمه اليسارىِّ ، آنذاك ، فيصدق فيهم رأى الترابى المار ذكره بأنهم إنما يصدرون ، فحسب ، عن ضرب من (التديُّن) يبتغون به حماية (مصالحهم) ضد كلِّ ما يؤذيها ، فليسوا ، فى حقيقتهم ، ".. قوة ذات وزن تستحق أن نفرط فى طاقاتنا المحدودة .. للعناية بهم وبترهاتهم" (م. ا. الحامدى ؛ حسن الترابى: آراؤه واجتهاداته فى الفكر والسياسة ، 1996م).
    ولعلَّ الكثير يتوقف على إجابتهم الواضحة على هذا السؤال بالذات ، بما فى ذلك تثمين الجمهور للكيفيَّة التى سيتعامل بها الترابى ، قبولاً أو رفضـاً ، مع الدعوة التى وجهوها له ".. إلى مناظرة أمام الملأ فى أىِّ مكان وزمان يختار" (الرأى العام ، 23/4/2006م).



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503189&bk=1
    __________
                  

04-06-2008, 04:04 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مفاكرة الجمعة
    موت الثقافة وإنسانها الخاتم «2»
    الأفريقى عند الأوربيين: أهو حلقة بين القرد والإنسان؟
    الشيخ عمر الأمين احمد
    كنت أظن وانا أحاول فتح نوافذ علوم (الجغرافيا الثقافية) أنى قد توصلت منفرداً الى إحدى متروكات منظومة العلوم الأوربية ضمن تجافيها عن عملية الكشف عن حماقات جمة ووافرة، لا يود علماء التاريخ الأوروبى إزاحة ستار النسيان للكشف عن حقائقها، فظلت هذه الحماقات من التابوهات الكبيرة في المعرفة والفكر الأوربيين، (أنظر لما أقصده من مصطلح أوربا في المفاكرة الماضية).
    لكن ما أن زودنى الأخ الدكتور على محمد عثمان المحاضر بجامعة السودان بكتاب مهم ضمن دراسات التاريخ الأوروبى للبروفيسور «جورج كوبلر» ترجمة عبدالملك الناشف اصدار دار فرانكلين للنشر نيويورك 1965 بعنوان «الصورة في الزمن»، طرح فيه بقدر وافر من القوة والوضوح الباهرين وحدة زمنية جديدة أسماها «الساعة الثقافية» حتى أخذتنى تماماً سداد بياناتها الأساسية في تفاصيل حدود معروفة ضمن التحولات التاريخية في الفنون الأوروبية مثل الإنتقال من فترة كان يحتل فيها أسلوب تعبيرى (ctyle) واقعي أمسك بتلابيب تعبيرية عصر النهضة الأوربية مطلع القرن السادس عشر والقرن الذى يليه، ثم جاءت تعبيرية «إنطباعية» كحركة تالية، ثم جاءت بعدها مدرسة «تكعيبية»، ثم «سريالية» في حركة انتقالية لأساليب تعبيرية متنوعة منذ الثورة الفرنسية الى منتصف القرن العشرين، فتلك كلها فواصل بائنة الوضوح يمكن تقسيمها الى وحدات قياسية زمانية للفعل الثقافي، تزودنا بوقائعية لتاريخ راصد لتحولات شكلت إضاءات مهمة في تاريخ وجغرافيا الثقافة. فإذا أضفنا ما سبق أن توصل اليه البروفيسور «إريك قومبردج» الى إضاءات بروفيسور «كوبلر» فسنكتشف أن «بروف قومبردج»، لم يكن كما كنت أظن أنه وحيد وفريد عصره وهو يطرح نظرية السبق والتعاقب التاريخي في كتابه «قانون الإثبات التعاقبي» لملاحظة أن الفواصل التاريخية لا يسهل اخفاؤها، إذ تكمن في أي أثر تاريخي مادي تمثلات لمختلف أساليب التعبير الجمالية والمعرفية ويشمل ذلك بالطبع كوامن الحوادث التاريخية بما في ذلك مسكوتات عنها. فالجغرافيا الثقافية أو الساعة الثقافية أو قانون الإثبات التعاقبي فهذه كلها لا يضرها مجافاة الفكر والمعرفة الأوربية لأطروحاتها بفعل الحماقات التاريخية، بحسب أن فيها محفوظات تشير بوضوح ودون أدنى قدر من المواربة الى ما يخاف الأوربيون من طرحه صراحة. وتلك تحوي إشارات قوية، باطنية وظاهرية، الى دوران المعركة الطاحنة الأزلية التاريخية بين الحضارة والثقافة.
    لكن وباستئناسنا بمتلازمة التسامح المفهومي عند الدكتور الطيب حاج عطية مع تخوف مشروع من اختراق انساقنا الثقافية بفعل «آيديولوجيات كولينيالية» كما عبر عنها دكتور عطية فإن تخوفنا الوقوع داخل أطر مثل هذه الإختراقات المعروفة تجعلنا ذوي حساسية خاصة عن حيادية علمية في هذا الصراع الثقافي الحضاري الكبير الذي يحتاج الى كشاف خاص مصاحب، غرضه معرفة أمكنة الضعف التى يتم منها عادة هذا الإختراق اللعين من ناحية، وعلمنا بوجود جانٍ متخفٍ ومجني عليه غير ملم بحدود وأطر الجريمة الإختراقية من ناحية أخرى. فالجغرافيا الثقافية مكاناً والساعة الثقافية كتفصيل زماني للتحول المعرفي، إضافة الى تراكم تاريخي غير منظور في مخلفات «الثقافة المادية»، والتى يقولون بها كمصطلح لما صنعه البشر بأيديهم، فإن ذلك كله مما يعيننا الى تعيين مخارج من هذه الإشكالات لنظر متحرر منها.
    ولا أظن أن النظر القويم يستنكف أن يرى في الإنتظام الحضارى المتهم سرياناً ثقافياً يجري أسفل ما هو ظاهر ومعترف به من أطر الحداثة، في حين تمثل كل الصفات غير المواتية التى جعلت شقاً معتبراً من البشرية يتجافى عن الإنتظام الحضاري إعتصاماً خلف ثقافتهم، رغم أن مجاري الحضارة تجري كذلك بمياه حداثية معتبرة تحت جسور الثقافة، لذلك ففي مستوى من مستوياتها فهذه المعركة طبيعية ومنسجمة مع انسانية الإنسان، رآها كذلك دهاقنة المدرسة الكريستالية كالأستاذ محمد حامد شداد الذى قال بها في وجه الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بحسب أن الحداثة هي تحولات مقصود منها تقليل الجهد. وأظن أن الجهد عند الأستاذ شداد يوازي الضنك المصاحب للعمل وهذه نفسها مدخولة باختراق أن مثل هذا الخوف من الجهد في العمل انما هو من مخلفات القنانة الأوربية.
    إذاً فهذه الشجاعة في الإعتراف بالحق لا تبرر حسن النية، إذ أن الأزمة تعود مرة أخرى لتمسك بتلابيبنا المعرفية أن جلاء وبهاء ما نلاحظه في تخريجات البروفيسورين الجليلين « كوبلر وقومبردج» لا تعيننا كثيراً لثبات متمحور حول حسن النية المعرفية إذا ما قبلنا بصحة مقولة الإختراق المعرفي الكولينيالي حسب الدكتور عطية، حتى يتم التأكد من تحديد معرفي حاسم أكثر عمقاً من المحددات المصطلحية التي تصافقنا عليها في المفاكرة الماضية حول الثقافة والحضارة، فنرفدها بما تستحق من التطبيقية حتى نتوصل الى فرز واضح للعاملين الذاتى والموضوعي في الحضارة وفي الثقافة كليهما معاً. بدون ذلك فإن ضمانات التحرر من الأطر الإختراقية مستحيل إذ أنه يبدو أن أكثر ما يوضحه الكشاف الفاحص هو أن اختلاط ما هو ذاتي وموضوعي بين طرفي المقابلة هو من أكبر مستلزمات الإختراق. وأظن أن فرضية واضحة تقول إن المتهم الرئيسي في تهمة الإختراق هو بالذات من يسعى الى الخلط بين العاملين الذاتي والموضوعي بإثارته لغبار كثيف يؤدي الى عدم رؤية أي تمايز بينهما.
    لكن فهذه القضية متى ما تم وضعها في مسارها القويم للنظر فان مناظير كشافة معقدة كما هي «الجغرافيا الثقافية» أو«الساعة الثقافية» أو«تراكم الأسلوبية المتعاقب» لا تبدو أنها كشافات وحيدة بقدر ما بإمكان ما هو أقل تعقيداً منها مثل قانون الإثبات الجنائي البسيط ربما بإمكانه أن يقدم صحيفة اتهام واضحة بأدلة وبراهين على قفا من يشيل أن أهل هذا الفريق هم الذين «يلخبطون» أسس النظر العقلاني والمعرفي و الراصد التاريخي.
    وتلخيصاً نقول إن ما يتوجب علينا التركيز عليه هو تقويم تطبيقي غير تجريدي لأسس الإنتظام الحضاري وموجبات الثقافة المجتمعية برؤيتهما كل على حدة في عامليهما الذاتي والموضوعي من وقوع فعليهما على المجتمع. وذلك رغم أنف اعتراف سابق أن كلا البعدين -الحضاري أو الثقافي- ربما يكونان بصورة من الصور من المرغوبات فيهما للمجتمع.
    وبعودة الى علوم التاريخ فإن أزمة الإختراق هذه تشير الى أن بعض هذه الحضارات الباكرة موضوعة تحت النظر التاريخى الراصد وذلك بفضل وقوع تاريخها داخل حظيرة التسجيل الكتابى، لذلك فما تعتبره الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) حضارياً هو ما يقع تسجيل وقائعه التاريخية كتابة، فالكتابة عندها هى الفاصل ما بين الحضارة والبدائية، وذلك يخالف بالطبع ما خطه البروفيسور «كوبلر» في إقراره أن التاريخ انما هو فعل يتم بخيارات تتكامل فيها عوامل المكان والزمان والبيئة حيث يبين ما هو متوهم بأن فيه عوامل قطع وفصل حضاري فيه عدم معرفة كافية بحلول الساعة الثقافية، لذلك فأية ظاهرة مجتمعية عند «بروف كوبلر» هى نتاج لما كان قبلها دون قواطع أو مفصولات تاريخية، حتى ليصير ما يظن أنه عبقرية تاريخية هى فقط حالة تمثل عدم الإلمام بمدى كمون ظاهرة ما في أحشاء ما سبقها من ظواهر تنتظر لحظة ميلادها، فالكتابة نفسها كظاهرة مجتمعية مهمة لا تحتاج لوضعها كظاهرة متحفية بقدر ما تحتاج الى تنقيبية آثارية. وهذا هو نفسه عند البروفيسور قومبردج تعاقب تاريخي يحوي مضمور كسور رمزية صوتية توصيلية آلت الى هذا الشكل الذى يؤخذ متحفياً كمصمت جامد وكحامل وحيد فرد لبداية انطلاق الحضارة البشرية كما تقول الموسوعة البريطانية.
    وفق هذا المفهوم فحضارة كرمة وما تبعها من حضارة انتظمت حوض وادي النيل الأعلى والأوسط والأدنى لا تبحث بعيداً عن صورة وضعها «ويل ديورانت» في كتابه الموسوعي «قصة الحضارة» عن ما أسماه «تجمعات صائدى الأسماك على ضفاف الأنهار» كشريحة أولية لشكل مجتمع متحضر لاحق، إذ أن تلك صورة يصعب دعمها بشواهد متحفية مادية كما هي «دلتا نهرالنيل» التي يقول ببداية الحضارة فيها جل المؤرخين الأوربيين في محاولة لإلحاق الحضارة المصرية القديمة بأوربا كفرضية عاطلة عن ايجاد حتى ولا شاهد مادي واحد يمثل أثراً لا بد من تخلفه مهما كانت قلة وضعف ظهوره. وتتبدى هذه الحقيقة المرة بطعم العلقم على أماني وأحلام المؤرخين الأوربيين اعترف بها بصورة خجولة المؤرخ الأوربى الشهير «جورج تشايلدر» في كتابه «الشرق ما قبل التاريخ، الناشر بايو، باريس 1935 م» فوقع لقمة سائغة في فك «الشيخ انتا ديوب» المفترس الذى أخرج كتاباً فيه تتبع تحقيقي آثاري لا يمكن رد بيانات البرهنة لفرضياته بسهولة خاصة للأوربيين وبعض علماء المصريات الذين يقولون بإن الحضارة المصرية حضارة قام بها إنسان أبيض. فقد قال الشيخ ديوب تدعمه شواهد «الثقافة المادية» وشواهد التتابع الظاهراتى عند البروفيسورين «كوبلر وقومبردج» إن الحضارة المصرية أفريقية سمراء و سوداء ما زالت الى يومنا هذا تمتد وتتمدد شواهدها المادية في النحت والخزف وكافة المصنوعات والمصوغات اليدوية في أفريقيا السوداء والسمراء كليهما معاً في تضافر وتواقع مادي وثقافي تدعمه شواهد من وحدات لغوية سائدة تكاد تستند بعضها الى البعض، وشواهد آثرية ممتدة من صعيد مصر الى أرض الشلالات النوبية العليا الى مملكتي مروي ونبتة السودانيتين، وذلك من وفرة في هذه الشواهد بحيث أنها تخزي أي عين تبحث عن شواهد أخرى غير موجودة ولا معروفة ولا مرصودة كتابة بشواهد مادية لأي شكل من أشكال الإندياح الثقافي أو المادى بطريقة عكسية من أوربا الى أفريقيا، فأوربا قبل الحضارة البطلمية كانت أرضاً تقطنها مجموعات همجية بربرية لم تعرف أي شكل من أشكال التحضر، ذلك الذى جاء لاحقاً بفعل انتقال من الحضارة المصرية الى اليونان وروما. أنظر الشيخ انتا ديوب، الأصول الزنجية للحضارة المصرية، ترجمة حليم طوسون، دار العالم الثالث للنشر، 32 شارع صبرى علم القاهرة 1995م.
    لكن السؤال: من أين جاء هؤلاء؟ فهذا سؤال معرفة الأصول التاريخية وربما الحضارية. وهو سؤال غير مشكوك كون أن الإجابة عليه تمثل هاجساً معرفياً مهماً، فمن أين جئنا وما هى أصولنا... فهذه أسئلة لا أظن أنه ممكن أن يوجد من على ظهر هذه البسيطة من لا يلقيه على نفسه فرداً كان أم شعباً أم أمة. وهو سؤال الهوية، فلا يوجد أي آدمي إلا وتتملكه رغبة أن يقال إنه من أصول وضيئة. ولا نلاحظ غير فعاليات حداثية بعينها تحاول أن تطمس هذا السؤال الهويوي بغرض إحلال هوية عالمية جديدة تعتمد على صفة الفرد وصفة الشعوب من حيث الإنطلاق من واقع هويوى راهن يعتمد على فاعلية منتجة للإنسان المعاصر دون النظر الى أصوله، وذلك اتجاه سنتطرق الى فحصه فحصاً ظاهرياً متتبعين حلقات تسلسله وتعاقبه حتى نتبين هويته في ذات نفسه.
    لكن الشاهد أن الهوية الحضارية لا تكاد تنفصل أو تختلف كثير اختلاف عن الهوية الثقافية في ذلك التاريخ الباكر لنشوء المجتمع الإنسانى، لذلك فإننا لا نعدم تعاطفاً مع السيد «ويل ديورانت» أنه يود أن يقول بإن أوربا هي منشأ الحضارة البشرية، وبسبب ذلك تتلون كافة فرضياته شأنه في ذلك شأن إخوته من المؤرخين الأوربيين بهذا اللون الأبيض الفاقع الذى يشير في راهنه الى أهم صيغ التمدين والتحضر والحداثة. لكن لا يدعم كثيراً الفحص الظاهراتي القوي للظروف الذاتية والموضوعية في الحضارة الأوربية المعاصرة بأي منهج بحث حتى بما في ذلك مسكوتات عنها في قصة الحضارة كما هي عند «ويل ديورانت» مع اعتبار كافٍ لتخريجات علماء الأنثربولوجيا الأوربيين الذين كانوا الى عهد قريب يجادلون في تخريجات تعتبر أفريقيا هى مهد لإنسان ما زال قريباً من الحالة الحيوانية لا يزال يحتاج للكثير مما يؤهله ليصير انساناً متحضراً، وهذه تخريجات لم تهزمها معارف علمية أفريقية بقدر ما هزمتها حركات الفنون الأمريكية السوداء ستينات وسبعينات القرن الماضى أذكر مثالاً لها حملة غنائية قوية للمغني الزنجي الأمريكي «جيمس براون» الذى كان يقدم غناء فيه محمول ثقافة سلمية مضادة للعنصرية البيضاء آنذاك كأغنية يقول فيها: «قلها بملء فمك إنني زنجي وفخور بزنجيتي» وكان يقدم معها رقصة «الجيرك» التى تحتوي نفسها على مضمون جمالي جسدي زنجي يتطابق مع مفهوم القوة والجزالة والجمال كانت تقول: «الأسود هو الجمال» وما أسرع ما كان انسحاب الجمالية العنصرية الأوربية أمام ذلك المنطق الجمالي الباهر فاعترفت هوليود بتلك الفنون، وحاز الممثل الزنجي «سيدني بواتييه» على جائزة الأوسكار وأظنها على دور مثله أمام «بد سبنسر» عن مشكلة زواج الأسود من آنسة شابة بيضاء. ومن ثم فقد تم سحب والتستر على جريمة ارتكبت في حق الفتاة الأفريقية « سارتجي بارتمان» تلك الفضيحة العنصرية الأوربية بالغة السوء حيث، كانت «سارتجي» فتاة من المستعمرات الفرنسية من غرب أفريقيا اعتبرها علماء الأنثربولوجى الفرنسيين تمثل حالة بين القرد والإنسان فأخذوها معهم الى فرنسا وتم عرضها كما القرود في قفص عارية كما ولدتها أمها للنظارة الأوربيين كى يتثبتوا من علموية في «تصانيف عرقية» لحلقة الوصل ما بين القرود والإنسان المعاصر الذى يمثله الأوربى المتحضر من طرف ، ويقابله الزنجي الأفريقي من الطرف الآخر. أنظر دكتور حسن محمد موسى في محاضرة ألقاها بمركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان 2005م.
    لذلك فشواهد تطبيقية قوية لفرضيات المعرفية الأوربية تعيدنا الى مربع دكتور الطيب حاج عطية التحذيري من الخوف أنها مدخولة «بآيديولوجية كولونيالية»، أفترض هنا أنها لا تقوى للإرتفاع لمقام الفحص عن الظروف الذاتية لنشأة حضارية انسانية كظاهرة متوسطة ناقلة لموجبات الإجتماع البشرى الذى يلتصق في ظروفه الذاتية والموضوعية مع ثقافة إنسانية وضيئة منسجمة مع موجبات الفطرة البشرية السوية في تحققها بأسس الحق والخير والجمال. فالحضارة الأوربية ذات عطالة واضحة عن هذه المقومات درجة الزعم أن نشأتها وصيروتها كانت تستند الى تمرد ثقافي كبير لم يجد له مخرجاً من أزمة الرصد المعرفي سوى خلط أوراق النظر التاريخي والفكري المعرفي إثارة لغبار كثيف حتى لا يرى لا ذاتية ولا موضوعية في أي انتظام بشري أو تصافق إلا من خلال التجربة الأوربية التاريخية المتمردة الشوهاء، وذلك ما سأعمد الى فحصه الأسبوع القادم بمزيد من الشواهد التى تقعد الحضارة الأوربية في مكانها الصحيح وتوسمها بما فعلته مدخولاتها في منظومة الحياة البشرية. والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى ونعم النصير. «نواصل».



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503157&bk=1
                  

04-06-2008, 10:59 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    د. خالد المبارك.. وصراع الرؤى

    مطالبة أهل الشمال بإعادة تعريف ذواتهم أمرٌ فيه مغالاة
    خالد أحمد بابكر
    ما دايرين على الواجـب ثواب وعفارم
    وما كايسـين على حُـب المبادئ مغانم
    ما بنخاف وعيد في الحق ونخشى الظالم
    الجسـم إنْ سِلِمْ من السـنين ما سـالم
    (صلاح أحمد ابراهيم)
    الأكاديمي والأستاذ الجامعي والسياسي والمؤلف المسرحي الأديب النابه د. خالد المبارك مصطفى ينتمي لقلة من الانتلجنسيا السودانية التي تؤمن بالديمقراطية واستقلالية الفكر والتعبير، فلا قيمة لحرية الفكر بدون تعبير. هو مثال للمثقف الحقيقي الذي لا يتهافت على موائد السلاطين وينشد الشعر في المناسبات البهيجة.. لا يُجمّل قول السلطان إذا نطق بتافه القول ـ كما تفعل أبواق الأنظمة في كل زمان ومكان.. فهو ليس من مثقفي السلطة ـ وإن شارك فيها في وقت ما، إلا أنه ليس من الذين يصفون سوء الأوضاع وضيق حال الناس في معاشهم بأنه طبيعة التقدم.. لم يكن من الكتّاب الذين يرون أن على الكاتب أن يقول قولاً لا يوقظ نائماً ولا يزعج مستيقظاً.. هو على شاكلة المثقف الذي يحمل الحقيقة في وجه القوة.. هو من النوع الذي أشار إليه الكاتب البحريني جابر الأنصاري بقوله: المثقف هو من غادر حقل الاختصاص.
    كان مصادماً كبيراً لنظام الفريق عبود (1958ـ 1964م) حتى فُصِل من الجامعة.. له إلمام عريض بالأدب والسياسة، وقد ألّف فيهما العديد من الدراسات والمؤلفات.. لم تقف السياسة حاجزاً بينه وبين الأدب ـ كما فعلت بكثير من مثقفينا.. لذا فقد نجا من مقولة مولانا جلال الدين الرومي الذي وصف شأن بعض الأدباء الذين هجروا الأدب وتدافعوا بالمناكب متهافتين على السياسة بقوله: «ترك الوقحاء الأدب وأخذوا كالمتسولين يتخاطفون قطع اللحم». عمل مديراً لمعهد الموسيقى والمسرح على عهد مايو.. من مؤلفاته المسرحية «ريش النعام»، ومسرحية «رث الشلك» التي كتبها في نحو 1972م قبل تكوين الحركة الشعبية والتي تمثل ـ حسب اعتقادي ـ أنموذجاً للاهتمام الشمالي بثقافة أهل الجنوب السوداني، وتبطل الحجج والدعاوى القائلة بتجاهل الشماليين للثقافة الإفريقية المحلية.
    ظل طوال التسعينيات ساخطاً على سياسات النظام خاصة إبان فترة التجاوزات البشعة التي اقترفت وأسهمت في تصعيد مرارات الحرب الأهلية في ما عُرف بالأسلمة القهرية أو الجهاد الترابي ضد الجنوب. كما شهد بأم عينيه اجتياح الكويت من قبل النظام العراقي، فقد كان يومذاك أستاذاً بدولة الكويت التي غادرها مضطراً لبلاد الفرنجة. هنا يحضرني قوله الوقور بأنه عمل حارساً ليلياً في بريطانيا (وهو الأستاذ الجامعي) ليحفظ مكانته ككاتب وصاحب رأي.. وجاءت قولته هذه في معرض رده على الدكتور عمر القراي أحد منتقديه من الجمهوريين السودانيين (أتباع الأستاذ محمود محمد طه) حول رؤوس قضايا عديدة من بينها ملابسات ما سُمي بـ (ثورة رفاعة) التي قادها الأستاذ محمود محمد طه في الأربعينيات في شأن خفاض البنات. وقد رأى د. خالد المبارك أنّ محموداً وقف موقفاً متخلفاً ورجعياً في تلك الواقعة لإقراره خفاض البنات، بينما حثَّ الإنجليز الأهالي على محاربته.
    ومن المبارزات الشهيرة وصراعات الرؤى والتصورات ما دار خارج السودان من سجال بينه وبين الدكتور منصور خالد في الصحافة العربية. وكان د. خالد المبارك قد ذكر في الندوة التي أقيمت على شرفه بمركز عبد الكريم ميرغني (يناير 2003م) أن ما كتبه حول د. منصور خالد سيصدر في كتاب. وليس بخافٍ أن الدكتور منصور خالد هاجم كتّاباً بعينهم في اثنين من مؤلفاته هما: «النخبة السودانية وإدمان الفشل» و«جنوب السودان في المخيلة العربية». ولعل بعضهم قد تأذى أيما تأذٍ من تلك الكتابات التي سعى عبرها لمعركة ظل في غفلته يستفزهم إليها. ففي كتابه «النخبة السودانية ـ الجزء الثاني» تعرض للدكتور خالد المبارك والأديب الطيب صالح بشئ من السخرية والقسوة التي حملته على وصف الطيب صالح بأنه يرى نفسه (أوكتافثيو السودان) هكذا في سياق تهكمي. وسخر في إحدى مقالاته من الدكتور خالد المبارك حين أشار إليه بـ (مدير معهد التمثيل).
    لكنّ منصور خالد عاد بعد زمان مضى وبعد أن اختيرت رائعة الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» Season of Migration to the North ضمن مجموعة من أفضل الأعمال الأدبية عالمياً، ووضعت إلى جانب إلياذة هوميروس ـ مع ذلك ـ غاب الطيب صالح عن الاحتفال.. كتب منصور خالد كلمته الرصينة «الزين يغيب عن عرسه»، وفيها أجاد وأبان من ضروب البيان. وقد علّق الدكتور محمد إبراهيم الشوش بكلمة ساخرة على كلمة منصور خالد جاءت تحت عنوان «عودة الأديب لنبع إلهامه» وفيها يُعيب على منصور تركه الأدب والفكر ـ اللذين من خلالهما دخل المجال العام ـ وانشغاله بالسياسة.
    كتب د. خالد المبارك في (الرأي العام 19/8/ 2002م) يقول: «المعروف أن الدكتور منصور خالد استهدف المبدع الكبير الطيب صالح وآخرين منهم شخصي في مستهل الهجوم اللاذع على الثقافة العربية وعلى الكتّاب الملتزمين بها. تزامن ذلك الهجوم مع كتابات الدكتور فرانسيس دينق الذي خصّ شخصي بعدة فقرات في كتابه (صدام التصورات). وأصيب الطيب صالح بقدر كبير من التجريح في (أبحاث) شباب الحركة الشعبية في جمعية الدراسات السودانية في واشنطن».
    ما نحن بصدده هنا، هو تلك الفقرات التي خصّ بها البروفيسور فرانسيس دينق د. خالد المبارك في كتابه «صراع الرؤى» War of Visions أو (صدام التصورات) ـ كما سماه خالد.. وتتناول الفقرات المعنية قضية الهوية بشكل محوري وتفرعاتها في فقرة بعنوان (أبعاد التصورات The Dimensions of Visions ). وقد ذكر البروفيسور دينق أن معظم السودانيين غير منشغلين بتحليل هوياتهم أو بالطريقة التي تؤثر بها هذه الهويات على مكانتهم في المجتمع. ولكن، وحتى في ما يتعلق بهذا الأمر، ينبغي التفريق بين الشمال والجنوب ـ على حد تعبيره. ويعزو عدم اهتمام الشماليين بهذه القضية إلى أنها لا تؤثر سلباً على مكانتهم في المجتمع العربي الإسلامي الذي ينتمون إليه. بينما يدرك الجنوبيون أن هويتهم الإفريقية غير العربية وغير المسلمة في البيئة العربية الإسلامية في السودان، تشكل سبباً قوياً لوضعيتهم المتضررة.
    لكنه يذهب إلى القول بأنه لا يمكن له أن يجادل بصورة جازمة بأن الشماليين لا يهتمون بوعي بقضايا تتعلق بشأن هويتهم على ضوء الفجوة الواضحة بين نظرتهم الذاتية والحقائق المجافية ـ حسب قوله ـ التي لا تجعلهم يدركون أزمة الهوية على المستوى الفردي أو الوطني. لكنهم يعون ويعتزون بعروبتهم ودينهم الإسلامي، الأمر الذي يمنحهم شعوراً عميقاً بالتفوق النسبي الفردي والجماعي على أقرانهم من غير العرب وغير المسلمين. وهي الحقيقة التي تولد العداء والرفض عند غير العرب من السودانيين. لكن الأسوأ ـ كما يقول، هو أنهم أصبحوا أكثر وعياً بأن ما يعتقدونه عن ذواتهم، وما يبدون عليه حقيقة، وما يعتقده الآخرون عنهم ـ يعبِّر عن مفاهيم متباينة كثيراً.
    في سياق مماثل، هاجم فرانسيس دينق من أسماهم مستغليّ التعريف الثقافي للعروبة ـ الذين لا يرون وجود أزمة هوية لأن عروبة الشمال لا تتضمن تبايناً عرقياً، ولأن الاختلاف مع غير العرب يُعد أمراً ثقافياً. ولهذا فإن الاختلاف ليس بذلك القدر من العمق ليوصف بـ (الأزمة)..
    تحت عنوان (التوجه العربي ـ الإسلامي) يشير دينق لحديث الدكتور خالد المبارك ويصفه بتماسك آرائه ووضوحها، خاصة وأنها تركّز على طبيعة الهوية السودانية الشمالية المركبة. وقد رأى د. خالد المبارك أن الهوية الشمالية تجد القبول على حالها هذا. وأنه كسوداني شمالي لا يرى أية أزمة تخص الهوية. يقول: أرى ذاتي داخل الثقافة العربية الإسلامية.. وأنا في سلام ورضاء مع نفسي، لا أنكر أن دمي يحتوى على عنصر إفريقي زنجي أسود.. وأعلم بأنني لست عربياً على شاكلة السوري العربي، لكن لا إشكالية في ذلك ـ كما يحاول البعض تصوير الأمر. لا أسهر الليالي أفكر في ما إذا كنت عربياً أم إفريقياً، واعتقد بأنه قد حدث تمازج هائل وتداخلت كل الخصائص بطريقة جعلتني قانعاً بأني نتاج لتمازج عديد المشارب.
    إن المشكلة التي يراها الدكتور خالد المبارك ليست في التعارض بين النظرة الذاتية الشمالية والتعريف للهوية الوطنية ـ كما تَرِد في المطلب الجنوبي الداعي لإعادة الصياغة التي تشكك في تعريف الشماليين لذواتهم على أنهم عرب ـ بل تكمن المشكلة في ما يراه بوجه خاص من الإخوة الجنوبيين بابتعادهم عن وجهة النظر التي يتفق فيها معهم، يقول: أتفق معهم في نظرتهم للشريعة، وأتفق معهم حول عدم الوفاء بالوعود من جانب الشمال، وأتفق كذلك مع ضرورة إعادة توزيع الثروة والصناعة وكل شئ. أوافق على ذلك تماماً، لكنهم يذهبون خطوة أبعد ويقولون لكي يتحقق السلام، على الشماليين أن يعيدوا تعريف ذواتهم. واعتقد بأن هناك مغالاة لا أكثر، فقد ناضل الجنوبيون من أجل لغتهم وثقافتهم ودينهم، مسيحياً كان أم معتقدات وثنية.. أقبل كل ذلك عن طيب خاطر، لكنهم يأخذون ذلك كله ثم يقولون بأنه قد تبقى شئ آخر: ينبغي أن تُقروا بألا علاقة لكم بالعالم العربي!
    يعلّق فرانسيس دينق على كلام خالد المبارك بأن مطلب الجنوب ليس مطالبة الشماليين بالتخلي عن عروبتهم وإسلامهم، إنما المطلب هو عدم إبراز الإسلام والعروبة أعمدة للهوية الوطنية والتي على أساسها يجري تحديد مكانة الفرد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
    غير أني أقول، إن ما قال به فرانسيس دينق قد لا يمثل رأي الأكثرية المثقفة من الجنوبيين، لأن بعض المتشددين منهم وهم كثر لازالوا يعتقدون بأن على الشماليين ألاّ ينظروا شمالاً، بل عليهم أن يروا ما هو جنوب الصحراء. والحديث عن أعمدة الهوية الوطنية ينبغي أن يحترم خصوصية الثقافات، فلا العروبة ولا الإسلام يشكلان حائلاً دون اتفاق أهل السودان على شئ ما دام ذلك لا يتخطى جوهر الخصوصية لكل ثقافة.
    حملت الفقرة الأخيرة الخاصة بالدكتور خالد المبارك سؤالاً موجهاً له من قِبَل البروفيسور دينق عن الطريقة التي يفسر بها العملية التي دعّمت فيه عناصر الهوية العربية الإسلامية، وعما إذا كانت تلك العملية نتاج نظرة دونية للعناصر الإفريقية عرقياً وثقافياً ودينياً، وعما يشعر به حول حقيقة أنه يحمل مظاهر تدعو للنظر إليه بازدراء.. أجاب الدكتور خالد المبارك على ذلك بقوله: إذا ما نُظِر إلى جانب مني باحتقار فلن أقبل ذلك. أما إذا نظرتُ (أنا) لهذا الجانب باحتقار فإني بذلك أحتاج لعلاج نفسي. لكني اعتقد أن العديدين ـ حتى من بين أكثر المثقفين الجنوبيين استنارة ـ لا يدركون درجة وعي الشماليين بالعنصر الأفريقي في ذواتهم، وأرى بأن هناك رؤية غير واضحة فيما يختص بهذا الشأن.. ونحن أيضاً نعي بُعداً آخر يجهله إخواننا الجنوبيون، وهو وعي العنصر الأسود في البلدان العربية والإسلامية بأصلهم (الأسود). لقد كتب (الجاحظ): وهو من عظماء كتّاب العربية موسوعته (فخر السودان على البيضان)، وهي عن تفوق السود على البِيض. وكان الجاحظ نفسه ـ حسب بعض المصادر ـ ضارباً في السُمرة، لا يختلف كثيراً عن شكل السوداني الشمالي.
    فاصلة:
    ـ مفتتح هذه الكلمة مقاطع على طريقة شعر المسادير أو المربعات من ديوان الشاعر العظيم صلاح أحمد إبراهيم «محاكمة الشاعر للسلطان الجائر».. وهو أغلبه هجاء مر لجعفر النميري، لكن مع ذلك نضح الديوان بعظيم معاني الفروسية السودانية وقيمها الأصيلة المتمثلة في الموروث الشعبي (الأمثال) التي استفاد منها الشاعر ووظفها بعناية، يقول في بعض الأبيات:
    ما نخلي الضعيف في الحارة إلا نضافروا
    وما نجامل دجـل طوّل عليـنا أضـافرو
    وما نشرك نظام للشـعب إرهاب ضافروا
    إلا نعافرو.. ندفنـو في الفريق الحـافرو
    ـ قال لي أحدهم إن الغناء الغربي لا يهتم بالسياسة كما يحدث في بعض بلدان الشرق الأوسط. قلت له إن المغني الأمريكي الذائع ذي الأصول الجامايكية (بوب مارلي) له أغنية مسموعة تسمي Rat Race أي (سلالة الجرذان) يهجو فيها الساسة The Politicians والـ C. I. A، Central Intelligence Agency.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503047&bk=1
    _________________
                  

04-07-2008, 01:07 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة
    عبدالوهاب الأفندي
    بمحض المصادفة توافقت الضجة التي أثارها الشيخ الدكتور حسن الترابي بآرائه الأخيرة في قضايا خلافية في الفكر الإسلامي مع صدور كتاب عن الفكر الإسلامي الحديث كنت أحد المساهمين فيه بفصل عنوانه "حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة". محرر الكتاب المذكور (والذي يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد) هو الدكتور إبراهيم أبوربيعة، المحاضر في معهد هيرتفورد بالولايات المتحدة وعنوانه:
    The Blackwell Companion to Contemporary Islamic Thought
    ويتناول الكتاب الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه. وفي الفصل الذي قمت بإعداده تناولت بالتحديد الإنتقادات والجدل الذي أثارته اجتهادات الشيخ الترابي بدءاً من حكاية حديث الذبابة، وتشكيكه في صدقية بعض الصحابة وفي عصمة الأنبياء وموثوقية صحيح البخاري، وآرائه حول المرأة والردة وزواج المسلمة من الكتابي وغير ذلك. ومن الصعب بالطبع تلخيص كل ما ورد في ذلك النقاش الأكاديمي المفصل والمتعمق لمساهمات الشيخ الترابي وردود الفعل حولها في هذه العجالة، خاصة وأنها تعتبر تكملة لكتابين تناولت فيهما بشيء من التفصيل مساهمات الشيخ، هما "ثورة الترابي" (1991)، وكتاب "الثورة والإصلاح السياسي في السودان" (1995). ولكن يمكن هنا إعطاء بعض الإشارات التي تعين على فهم بعض الجدل الدائر حالياً حول اجتهادات الشيخ، وهو جدل قديم جديد تنبع أهمتيه من أنه لا يعبر عن الإشكاليات التي تطرحها آراء فرد، بغير ما هو انعكاس لأزمة تواجه كل محاولات إحياء الاجتهاد في العصر الحديث.
    فالضجة التي ثارت حول رفض الترابي لحديث الذبابة تجسد في جوانبها المختلفة أزمة أي محاولة لتحديث الفكر الإسلامي في وجه النظرة التقليدية السائدة. ذلك أن حديث الذبابة يمثل حالة نادرة من تعارض نصوص إسلامية معتمدة (في هذه الحالة حديث ورد في صحيح البخاري) مع اكتشافات قطعية خرج بها العلم الحديث. فهناك إجماع بين العلماء على أن الذبابة تنقل الأمراض فوق ما عرف بأنها تنقل القاذورات. وبالتالي فإن اتباع نصيحة الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بغمس الذبابة في الشراب الذي تقع فيه بدلاً من إخراجها تتناقض في ظاهرها مع صريح العلم، رغم أن الحديث المزعوم يقدم ما يشبه نظرية المضادات الحيوية بالقول بأن جسد الذبابة يحمل معه ما يشفي مما تحمله من أمراض. ولا بد من أن نذكر هنا أن الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث كان من أهم أسباب تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية على الحياة.
    الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلى تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ...)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلى مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها. وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً، بدأ برفض سلطة حديث الذبابة جملة وتفصيلاً، وتدرج إلى ذلك بعد أن بدأ بالمنهج التقليدي، وهو التشكيك في صحة الحديث، وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ماورد في صحيحي البخاري ومسلم (وهو موقف لا يشاركهم إياه الشيعة). وحجة الترابي هي أن البخاري بشر غير معصوم، ولا بد أنه أخطأ في إسناد بعض ما أورده. ولكن حتى لو كان البخاري على حق في روايته، فإن من المحتمل أن يكون الصحابي الذي نسب إليه الحديث قد أخطأ فيما نقل أو لم يفهمه كما يجب. والصحابة أيضاً ليسوا بمعصومين، بل إن بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير. وحتى لو تجاوزنا عن هذا وأثبتنا أن السند صحيح وأن الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا أن نرفض المقولة النبوية إذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين، وهو القائل "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة.
    من الواضح أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين هو التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب والعلمانيين من أبناء الإسلام، وهي انتقادات يستبطنها الإصلاحيون في أحيان كثيرة استبطانهم مبادئ مثل الإيمان بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ولهذا فإنهم يكونون في صراع مستمر مع أنصار النظرة التقليدية التي ترى أن الإسلام يجب أن يؤخذ كما هو. ومن السهل على الإسلاميين انتقاد ما يصفونه بأنه جمود تقليدي أو تفسير خاطئ للنصوص، أو غلبة موروثات غير إسلامية على فهم الدين. ولكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ.
    الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز على نصوص معينة دون أخرى، وادعاء أولويتها. ولعل الحل الجذري الأبرز هو ذلك الذي لجأ إليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر "نسخ" كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث إسلامي والبدء من جديد في استحداث تشريع إسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه إشكالين رئيسيين: الأول هو أنه حين كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، أحل محله رؤية تتطابق مائة بالمائة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الإنسان، وهو تطابق حري بأن يجعل أي دعوى من هذا النوع مشبوهة. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج إلى دعوى بسند سماوي جديد، وتصريح إلهي مباشر من إلهام أو نحوه. أي بمعنى آخر إن الأمر يحتاج إلى وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوى الجمهورية، وهو أمر يجعلها مشبوهة أكثر، خاصة عند أهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الأولى ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي-الميتافيزيقي.
    الشيخ الترابي اتهم من قبل خصومه بأنه يقارب في دعاواه الإصلاحية الشطحات الجمهورية، ولكن الترابي لم يدع وحياً جديداً وإنما استصحب دعوى الحداثة الأكبر (ودعوى قدامى فلاسفة المسلمين حتى ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً على أي سلطة أخرى دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. من هذا المنطلق استخدم الترابي الأدوات الفقهية التقليدية، مثل التعمق في البحوث اللغوية والتاريخية، ونقد النصوص ومحاولة قراءتها قراءة جديدة ترفض القراءات التقليدية التي تلبست كما يرى بمواريث تقليدية غير إسلامية، ترجع إلى حياة المجتمعات الإسلامية وقيمها السابقة على الإسلام. على سبيل المثال انتقد الترابي بشدة النزعة الأبوية في المجتمعات الإسلامية التقليدية وتغولها على حقوق المرأة، بحيث أصبحت شؤون المرأة تكاد تكون الجانب الوحيد من الفقة الإسلامي الذي يرفض فيه التقليديون (على غير ديدنهم) صريح النصوص التي تؤكد على حقوق المرأة بدعوى أن ما كان يصلح للمجتمع النبوي ومجتمع صدر الإسلام لم يعد يصلح للمجتمعات اللاحقة التي لا يمكن أن تضاهي في صفائها الأخلاقي تلك المجتمعات الطاهرة.
    الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين. فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو على الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون ب "نقد العقل الإسلامي"، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين لا بقاء له خارجه. وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتى وقت قريب إلى مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين، وإن كان يتوجه بكثير من خطابه إليهم وإلى الغرب. فقد اضطر مثلاً إلى التراجع عن معظم أقواله حول زواج المرأة من كتابي وحد الردة والتشكيك في البخاري والعصمة النبوية أمام انتقادات التقليديين العنيفة. وقبل ذلك كان قد نشر كتيبه عن المرأة في مطلع السبعينات باسم مستعار في أول الأمر.
    وقد أدى هذا بدوره إلى ازدواجية في الخطاب. فقد كان للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ"عوام الخلق". وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية تشبه إلى حد كبير ما انتقد الإمام أبوحامد الغزالي عن فلاسفة عصره الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين. وهذا بدوره سلب الحركة الإسلامية سلاحها الأمضى في وجه خصومها من العلمانيين، والمتمثل في قدرتها على تعبئة الجماهير وراء مواقفها بتوسل الشرعية الدينية. ولكن إذا كانت الحركة الإسلامية ترفض الموروث الديني كما هو فإنها تواجه نفس إشكال العلمانيين، بل إشكالاً أكبر، لأن العلمانيين على الأقل لا يتدخلون في أمور الدين ولا يسعون إلى تغيير عقائد الناس بل يكتفون بتجاهل الدين ومقولاته أو التظاهر نفاقاً بالقبول بها. وهناك شواهد كثيرة على أن العلماء التقليديين والجماهير الإسلامية تتقبل الإعراض عن الدين أكثر من تقبلها لما ترى أنه تحريف للدين أو تغيير له. ولهذا واجهت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي عزلة مزدوجة لأنها كانت تحارب العلمانيين والتقليديين في نفس الوقت.
    التوجه الجديد للصفوة المحيطة بالترابي كانت له انعكاسات عملية، منها التنكر لتقبل الحركة الإسلامية التقليدي للديمقراطية، لأن الاحتقار للجماهير، بما في ذلك الجماهير المتدينة، يستتبع بالضرورة رفض الديمقراطية كمنهج. وقد ولدت هذه النظرة كذلك استخفافاً بكثير من القيم المتمثلة في الصدق مع الناس أو احترام حقوق العباد، ولعلها كانت مسؤولة إلى حد كبير لما وقع من انتهاكات وتجاوزات ميزت عهد ثورة الإنقاذ تحت رعاية الترابي. وهي بلا شك مسؤولة عما وقع للترابي على يد تلاميذه الذين تعلموا منه الاستخفاف بالناس وبالقيم دون أن يكون لديهم ما كان له من العلم، فلم يجدوا بأساً في الإيقاع به وإنكار سابقته، لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم فوق كل شريعة وعرف. ولا نزال نسمع من بعضهم تصريحات يستخفون بها بالعباد أفراداً وأحزاباً وأمة، إضافة إلى ما نعلمه مما يتداولونه في مجالسهم ويتناجون به من آراء خلاصتها أنهم قادرون على حكم الشعب بالحديد والنار والكذب والنفاق وشراء الذمم، وأن الأمة بكل من فيها من شمال وجنوب وشرق وغرب ليس فيها فرد أو جماعة تستطيع تحديهم، وهو غرور أورد الترابي ما هو فيه، وسيكتشف تلاميذه قريباً أن شيخهم كان محظوظاً، لأن مصيرهم سيكون أسوأ بكثير.
    آراء الترابي الأخيرة وما ولدته من ردود أفعال لا يجب إذن أن ينظر إليها على أنها إشكالية فرد أو جماعة، وإنما هي ورطة أمة لم تعد تجد في تراثها ما يكفي لمواجهة الحداثة، ولكنها تتمسك بهذا التراث على علاته، وتقبل أن يزول هذا التراث جملة من أن يتعرض لتعديلات تضمن بقاءه. وهي أيضاً أزمة نخبة حديثة إما أنها أعرضت عن الإسلام إعراضاً أو أنها فشلت أخلاقياً وفكرياً في قيادة الأمة باتجاه إحياء الفكر الديني، فهي تتأرجح بين قيود التراث ومتاهات الخواء الأخلاقي الحداثي.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503048&bk=1
    __
                  

04-08-2008, 05:53 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مفاكرة الجمعة
    الشيخ عمر الأمين احمد
    ما كنت أظن ان تجبرنى الظروف فى يوم من الأيام على مناقشة أمر ختان الإناث لسبب بسيط، أن حياء طُبع عليه الرجل السودانى يدفعه بعيداً عن مجرد الاقتراب من هذا الحقل الشائك. وأتمثل بامتعاض أحسست أنه يتملك والدى الشيخ الأمين أحمد وهو يستمع الى خطبة منبرية يوم جمعة ما، أداها شاب مثقف جامعى التعليم، تطرق فيها الى مناقشة هذا الأمر من أعلى ذلك المنبر بعد خطبة الجمعة، معدداً مضار تلك الممارسة وضعف نسبتها الى السنة النبوية المطهرة تبعاً لضعف الحديث المروى فى شأنها.. وعندما أعدت التفكير فى امتعاض والدى ذاك، لاحظت أن ذلك الأمر لم يكن شأنه لوحده، بل هو شأن كل الرجال السودانيين التقليديين الذين يستفزهم مجرد طرح هذا الموضوع للمناقشة، فالرجل السودانى التقليدى لا يتدخل بأى شكل من الأشكال فى أمر ختان الإناث، فذلك شأن أنثوى متروك فيه أمر صناعة القرار وتنفيذه للشق النسائى من المجتمع. وما على الرجال إلا الطاعة واستجلاب ما يطلبه النساء لأجل مناسبتهن تلك. ولا يستطيع كائن من كان أن يدعي أن الرجل السودانى فلان الفلانى هو الذى أمر بختان ابنته، أو أصدر قراراً بهذا الصدد، إذ أنهم لا يطيقون حتى مجرد وروده كفكرة فى مخيلتهم، وفى اليوم الذى تجرى فيه هذه المراسيم، يهرب الرجال ويتخارجون من منازلهم مبكرين خوفاً من مجابهة إجرءات تلك المناسبة، و يتركون دورهم لتكون فى ذلك الوقت مستعمرة نسائية خالصة لا مكان للرجال فيها. لكن ومع ذلك فكل الرجال يكونون على قلب رجل واحد على أهبة الاستعداد للدفاع عن حقوق نسائهم فى ممارستهن تلك، ونتذكر فى هذا الصدد محاولة المستعمر الإنجليزى أن يتدخل فى هذا الشأن، فجابهته ثورة عارمة للدفاع عن تلك الحقوق النسائية. وقعت تلك الحادثة على بعد خمسة منازل من منزلنا الكائن بمدينة رفاعة، ورغم انى حينها لم أكن قد خرجت الى الحياة، إلا أننا كجيل، فقد عاصرنا جل من شارك فيها من الشيب و الشباب تحت قيادة الأستاذ محمود محمد طه الذى كان فى مقدمة الركب، ومعه كتفاً بكتف، جدى لوالدتى الشيخ الجليل الوقور الذى كان حينها شيخاً على سجادة السادة الصادقاب بمدينة رفاعة الشيخ على الشيخ أحمد قوى.
    وقد اتجه رجال تلك الانتفاضة الأماجد بعد تدمير (المركز= مركز البوليس + المجلس البلدى) الكائن فى طرف المدينة الشرقى تدميراً كاملاً، الى مطاردة (الإنقليز) عبوراً للنيل الأزرق الى (الحصاحيصا). وحكى من كان يستمع الى جدى الشيخ حينها أنه كان يصيح: (الإنقليز ديل نخليهم لغاية ما يخشوا في اي شي، والله أخير لينا الموت من كدى = هذا الموقف). وما أظن أن الشيخ أو الأستاذ الشهيد كانا يدافعان عن تلك الممارسة، بقدر ما كانا يدفعان أى تدخل فى شؤون نسائهن. فإذا كانوا هم انفسهم لا يتدخلون، فكيف بربك يقبلون بتدخل الأجنبى المستعمر؟
    ومما يجعلنى فى قناعة حول مسافة يأخذها الرجل السودانى التقليدى بعيداً عن التدخل فى تلك الممارسة، أنى لم أصادف طوال حياتى رجلاً يسأل رجلاً آخر عن (ختان ابنته)، وعلى أتم يقين أنه لو فعل، فستقوم قيامته فى تلك اللحظة، إذ يعدها الرجل المسؤول قصداً مباشراً مع سبق الإصرار على إهانته والتشنيع به والحط من قدره. ولكن من حق أى رجل أن يتبرم محتجاً من مسلك رجل آخر إذا قام بتأخير طهارة ابنائه الذكور. وذلك شأن رغم أن النساء لا يمتلكن حق التقرير فيه، إلا أنهن يمتلكن حق المشورة لدورهن الأصيل فى احتفالية الختان الذكورى المعلن عنها، والمحضورة درجة إقامة الولائم والمراقص. لذلك فالنساء يخرجن فائزات فى محصلة المسألة الطهارية على الرجال 2/1 لانفرادهن بالأولى وتعادلهن فى الثانية.
    و طهارة البنات شأنها شأن الولادة والزفاف، فتلك ممارسات فى المجتمع السودانى التقليدى كانت كلها شؤونا نسائية خالصة. فأربعون يوماً كانت هى فترة الولادة تمكثها المرأة، إما فى بيت أبيها برفقة أمها، خاصة (الثلاث ولادات الأولى) أو تصطحبها الى منزل زوجها في ما يلى من ولادات، وفى كلتا الحالتين فإنها تأخذ بيدها لوحدها صك ملكية حجرة ابنتها، فلا يدخلها أى شخص لا ترغب هى فى دخوله عليها، ويشمل ذلك بالطبع زوجها، وذلك من باب خصوصيات نسائية محترمة رجالياً ينصاعون لها دون تذمر.
    ومما سمعنا به ولم نشهده من نحو تلك الممارسات الاجتماعية، أن مراسم الزواج كانت تستمر أربعين يوماً كانت تنتهى بيوم الزفاف، وكان يتم (قطع الرحط) يوم (السبوع) تقلص على أيامنا الى يوم (التالتة)، وشهدنا فيه كيف كانت تقف المرأة لا يسترها إلا (رحط) وهو إزار مصنوع من جلد ماعز مدبوغ ومقطع الى خيوط طولية كثيرة و(مردفة) على بعضها البعض عرض الواحد منها 4 ملميترات بالتقريب. ويربط ذلك (الرحط) الى وسطها وينتهى طوله غالباً فى منتصف ساقها. وكل أمهاتنا وحبوباتنا رقصن به بأمر أمهاتهن وحبوباتهن. ويومها أيضاً كان كل الرجال من أهل العروس يختفون عن ساحة احتفال (قطع الرحط) ويفرون منه فرارهم من طاعون حل بديارهم. وكذلك يوم الزفاف الذى تقلص طوله على أيام صبانا من الأربعين الى الأسبوع، وفيه تخلى الساحة تماماً من الرجال من الفريقين، أهل العروس وأهل العريس، وكذلك الصبية الصغار والصبيات الصغيرات، وتستلم الساحة تماماً الحبوبات والأمهات كبار السن.
    وعلى أيامنا هذه وقد أتى مجتمع الحداثة على أخضر ويابس العادات والتقاليد والأعراف السودانية، إلا أنه لم يستطع أن يمحو تماماً ثقافة كامنة خلف تلك الممارسات، فظل الحياء يشوب طابع مواجهة أمر ختان البنات فى غالب أمره عند الرجال، لكننا ينبغى أن نحمد الله، ويحمده كذلك الأستاذ محمود محمد طه والمربى الجليل الشيخ على الشيخ أحمد قوى، إن كان قدر لهما أن يحضراه، أن حوارا لا دخل (للإنقليز) ولا الرجال فيه، إنما هو حوار خاص داخل البيت النسائى، وتقوم به أخوات كريمات، لا نشك فى رجاحة عقلهن ولا كريم معتقداتهن. لكن وبحسب طرق تبادل المعلومة والحوارعلى أيامنا هذه، فهو يجرى فى الهواء الطلق نقرأه ونستوعبه، فنستحسن حسنه ونستقبح قبيحه. لكن فلا أظن أنه بمقدورنا أن نقوم بغير دور الحجاز رغم ما يمكن أن يلقاه من (عكاز).
    ولا أعرف السيدة الجليلة الدكتورة آمنة عبد الرحمن التى قيل إنها على رأس جمعية محاربة العادات الضارة (اسم الدلع للطهور) ولا السيدة الجليلة الدكتورة ست البنات خالد التى تحارب ترك هذا العادة بتبنى أمر الفضيلة، حيث تدفع بأن هذه الحملة القصد منها الدعوة للفجور والرذيلة، ولكننى قرأت أكثر من مرة لسليلة الأكابر الأستاذة رباح كريمة السيد الإمام الصادق المهدى، وهى تدافع دفاع الفرسان ضد هذه العادة التى تراها ذميمة. وحقيقة الأمر فلم استطع أن أحدد موقفى تماماً، فلهؤلاء منطق وجيه ولأولئك منطق لا يقل وجاهة.
    وقد سألت من أثق فى أحكامه أن يفتينى فى هذا الأمر، فزادنى حيرة على حيرتى. فقال لى ـ ويا بشرى الأستاذة رباح: (إن كان استحسان المسلمين لأمر الخفاض بحسب ما هو مأثور عن المصطفى ــ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ــ فى قوله: (اخفضى ولا تنهكى) فذلك قول ينبغى أخذه بحذر، إذ أن الأمر لو كان مستحسناً فى السنة النبوية على هذا النحو، لورد لنا خبر عن خفض ابنته فاطمة الزهراء ــ عليها السلام ــ ذلك الأمر التى سكتت عنه السنة المشرفة كدليل على عدم حدوثه. كذلك فلم يرد على لسان السيدة عائشة أم المؤمنين التى تعد روايتها مرجعية يعتد بها فى الفقه النسائى).
    عموماً فهذه من الأمور التى أظن أن الشارع قد سكت عنها رحمةً بنا، ولم يرفضها المصطفى ـ عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ــ صراحة، وكذلك لم يأت بها كممارسة أو بشبيهة لها، فلا مندوحة من أن يكون حكمها هو الإباحة فعلاً أو تركاً. وأظن ظناً لا استطيع أن أرفعه لدرجة اليقين، أن فى ذلك الأمر امتحانا إلهياً خفياً أمره علينا لحكمة يعلمها (هو). وفوق كل ذلك، فمما لا بد من قوله إن أى عاقل لا بد أن يقول بحسن مقصد الأستاذة رباح والدكتورة ست البنات.
    وأقول فى الختام أنه يستحسن بنا نحن الرجال أن ننصرف عن هذا الأمر ونتركه لنسائنا، فهن قديرات أن يصلن به الى قرار صائب، فنؤيدهن وننصرهن إذا اجتمعن على هذا، أو اجتمعن على ذاك، فلا نتدخل إلا إذا تدخل (الإنقليز). وأظن أن ذلك يكفى الأخوات الكريمات، كى يحسنَّ سبك طبختهن دون أن يدخل الرجال أيديهم فى (حلة الطبيخ) (فيجوطوها) قبل أن تستوى.
    حاشية:
    نقبل تماما بما كتبه الأخ الكاتب سعد الدين ابراهيم حول قولى للدكتور لام أكول أن يبعد نفسه عن ناس (أمسك لى واقطع ليك)، واعترف بأننى دقة قديمة، وأن طريقة المسك والقطع قد صارت الى صورة لا نمتلك أدوات فهمها. وكأنى به يقول: ليس الخطأ فى المثل الذى صار: (أمسك لى وأقطع لنفسى) لكنه فى افهامنا غير المواكبة. ولم ينصحنا بكيفية المواكبة هذه، فهل فعل.
    والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى ونعم النصير.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502552&bk=1
                  

04-08-2008, 08:31 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48691

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    لك التحايا النواضر يا عزيزي عبد الله.. الله يقوِّيك..
                  

04-09-2008, 03:58 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ساعات مع الأستاذ محمود محمد طه
    بقلم عباس إدريس
    الدستور
    لقد سمعت بالأستاذ محمود محمد طه لأول مرة فى عام 1961 عندما جاء لمدينة عطبرة فى إطار جولة على الأقاليم اقام فيها عدة ندوات لتعريف الناس بدعوته
    فى عام 1980 شاءت الظروف أن أجتمع ببعض الأصدقاء ممن اعتنقوا الفكر الجمهورى ودار بيننا نقاش حاد انتهى بأن قدموا لى الدعوة لزيارة مقرهم بالثورة الحارة الأولىالأستاذ محمد الذى ولد فى عام 1911 تقريبا وتخرج مهندسا من كلية غردون 1936 كان قد انتهج نهجا دينيا متفردا وبدأ بترك الوظيفة الحكومية وتفرغ لمجاهدة الاستعمار البريطانى ودعوة المواطنين للتمسك بعاداتهم عن حياة الرفاه وتقليد الأجنبى الذى انحرف نحوه معظم زملائه من المثقفين.
    وقد كانت بداية الصدام مع السلطة الحاكمة عندما خرج الأستاذ فى مظاهرة ضدها عام 1946 احتجاجا على قرار الدولة بتحريم الطهارة للبنات وتم القبض على الأستاذ وأودع السجن

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-09-2008, 04:18 AM)

                  

04-09-2008, 03:59 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مريض بالحب ...علاجو الحب
    طارق الأمين
    ====
    واحب محمود محمد طه ـ
    والحرية واللا خوف من الاحزان
    =====
    بحب بالجد
    ومن غير حد
    أحب بالجملة والتقسيط
    أحب بالدور بدون فطفيط
    أحب من كسلا لي مليط
    أحب من حلفا لي توريت
    أحب من دون عذر واسباب
    وازيد كل ثانية في الاحباب
    أحب الجامعة والطلاب
    أحب الثانوي والكتاب
    أحب الوالي والارباب
    وأموت في كورة الشراب
    أها ما لكم.. شنو ليكم؟
    بحب الطالبات من جم
    وأشوفن زي بنات العم
    وأشوف فيهن ظرافة دم
    تخلي هوا الحياة أنعم
    تسوي على الجراح بلسم
    تزيد فرح الوطن الهم
    تخلي الحاقدين أرحم
    وتخلي الجيم ثري ابكم
    أها ما لكم.. شنو ليكم..
    بحب أنا مية في المية
    كل تنهيدة سودانية
    حتى الفول مع الطعمية
    هم العملو لي شخصية
    أحب ميدان ابو جنزير
    وأغاني خضر بشير والصير
    بحب عرمان وسلفاكير
    ومنكر في القبير.. ونكير
    أحب عمر البشير كمشير
    وأحب حسن الترابي كغير
    ومحمد صالحين وغدير
    وعوض الشكسبير كخطير
    وطه على البشير ككبير
    ام درمان وشارع كرري
    وشاطي أبروف.. سرير في سرير
    أحب العدل و«الحرية»
    والجبهة الديمقراطية
    بحب كل حاجة سودانية
    حتى لو افترضنا «غبية»
    بحب الصادق المهدي
    حفيد القبة والمهدي
    بريدو وليهو طال سهدي
    وضاع صبري وكمل جهدي
    أها مالكم.. شنو ليكم
    أحب تاريخنا أب ضجة
    وأريد المهدي وأبقرجة
    أحب العود والكمنجة
    والعسكري أب طبنجة
    أحب عون الشريف قاسم
    وبدري وبابكر وقاسم
    أحب الغنا والمراسم
    وبحلم بالخليل باسم
    وأحب ضل شجرة واقع في بياض
    جنحين حمامة بتنقد الحبة
    جمب سحلية مكتأبة
    وأتوه في بحر المحبة
    وأحب أولاد أبو قفطان وناس قطان وابو جبة
    وأحب ناس خوجلي العثمان حبة.. حبة
    أحب اولاد القماير واحب اصحاب الضماير
    والبنات أم خصلا مساير
    أحب كل قادة العشاير
    وأموت في البت أم ضفاير
    أحب ناس حوا الطقطاقة
    وأموت في وزارة الطاقة
    والباسبورت والبطاقة
    أحب شيخ المرغنية
    ومامون العجيمية
    أريد كل الافندية
    حتى البمشو كداري
    والما صرفو ماهية
    أها مالكم.. شنو ليكم
    أريد الويكة والدمعة
    وصورة النيمة في الترعة
    أحب لمة سوق الجمعة
    وأموت أنا في ندى القلعة
    أريد محجوب كبوشية
    وأحب سوق الحرامية
    وأحب معمورة منشية
    وأحب عاشة الفلاتية
    أحب أولاد حاج الماحي
    البيشعلو فرح الضواحي
    اللي بيهم طابت جراحي
    والبواصلو النمة صباحي
    وبرضو بعشق معتز صباحي
    أحب نادر واحب حوتة
    وجمال فرفور
    وبرضو عصام محمد نور
    وكل مغمور وكل مشهور
    وأغاني السيرة والطمبور
    بحب أنا كل سوداني
    يستريح في جوة وجداني
    المحبة الدايمة عنواني
    والبريد في العالم التاني
    أحب قدال.. احب حميد
    وكل الشعراء .. حتى الطيف
    ومحجوب الكلامو شريف
    ارقى شاعر واجمل ظريف
    لو بقرة عترت يوم في الجريف
    هو البساهر حد النزيف
    أنا بحب ناس بيت الامانة
    وناس علي ابو راس الفي السجانة
    لو مرة جات عصفورة زهجانة
    يعزموها غدا وبرتكانة
    وتاني ترجع.. تصدح معانا
    أنا بحب اهلي الفي الديوم
    البشوفو الدنيا باليوم
    هم رجال التقوى والصوم
    وهم قيامتنا الـ ح... تقوم
    بحب مجان
    احب لله .. بدون الكبرياء والجاه
    واحب الله..
    وأحب كل البحب الله
    واحب شكر الله خلف الله..
    وخليفة ولد حسن بله
    ولحدت حمزة عوض الله
    أحب الهيلاهوب .. وتيراب
    وكل الشعراء والكتاب
    دكتور مرتضى الغالي
    الاديب الشاب
    وعثمان ميرغني الكتاب
    البوني وزهير وحسين
    وحاج وراق
    وحتى البدعو للارهاب
    وأحب الكورة جندي نميري
    وهيثم مصطفى اللعاب
    أحب نقد.. وعلي عثمان
    والمسجون والسجان
    واحب محمود محمد طه ـ
    والحرية واللا خوف من الاحزان
    واحب الحاج عطا المنان
    والشيوعية والكيزان
    مادام كلو في السودان
    اها مالكم.. شنو ليكم؟
    أحب الطرق الصوفية
    واحب ناس شيخ الهدية
    واحزابنا اليسارية واحزابنا اليمينية
    وسجادة المكاشفية
    اها مالكم.. شنو ليكم؟
    بحب ديلا وبحب ديلاك
    منو البقدر/ يمنع قلبي بي قانون
    من حب مافي منو فكاك
    وشنو ليكم؟ بحب متمردي دارفور وحكاياتم
    واحب الجنجويد ذاتم
    اها مالكم؟ شنو ليكم؟
    أحب باقان وادوارد لينو
    والشهداء من الطرفين
    احب الماتو دبابين
    علي الفتاح وطه الماحي والباقين
    اها مالكم.. شنو ليكم؟
    أحب عبد العزيز خالد
    والدكتور منصور خالد
    والدكتور عمر خالد
    احب فاطمة وربيكا كمان
    كحب الوالدة والوالد
    اها مالكم؟ شنو ليكم؟
    احب الشوش
    وفيليب غبوش
    وعبد الناصر الطائف
    كمان بالذات
    محمد ود نعيم سعد الحلو البسمات
    وفايزة اختنا بت عمسيب
    في عيني لسه شباب ولسه بنات
    وأحب شمبات
    ومبارك حسن بركات
    احب الاب فيلو ثاوس
    وكل جنودنا الاشاوس
    والجامع والكنيسة.. واحب علوية وخميسة
    احب دكتور مهندس بروفسير
    عبد المنعم عطية
    صحي ما شفتو قبال دا
    ولا لاقتني كورساتو المكثفة بالالمانية
    بس عاجبني اسمو شديد
    وبكون زول عندو شخصية
    بهذا اعلن الحب الكبير
    بدون فترة انتقالية
    محبة اكيدة دايمة كمان
    محبة وطاقة ازلية
    وادعوكم جميعاً للمحبة بصورة رسمية
    بدون قانون.. وأي ظنون
    وافكار فارغة زي دي
    متين يكبر معانا الحب؟
    ويصبح حاجة عادية؟
    متين نعرف نحب الناس
    ونمسح ماضي الازية؟؟
    متين نعرف نعيش الحب
    بدون ادنى انتهازية؟
    متين ح تشيلني في عيونك
    واشيلك جوة عيني؟
    طارق الأمين


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502333&bk=1
    _________________

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 04-09-2008, 04:12 AM)

                  

04-09-2008, 05:15 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ليت شعري
    د. عبد اللطيف سعيد
    هكذا يفكِّر الأستاذ جمال البنا
    دعت صحيفة «الصحافة» كُتاب الاعمدة فيها لحضور لقاء تفاكري مع المفكر جمال البنا في ظهر الثلاثاء 14/2/2006 بدار الصحيفة، والاستاذ البنا اخ الامام حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر، وهو في تقديري قد تجاوز السبعين من عمره بقليل. وقد كان لقاءً تشكر الصحيفة على تنظيمه لما فتقه من افكار وردت في كلام الاستاذ البنا وفي التعقيبات التي تلت كلامه.
    دخل الاستاذ البنا مباشرة في موضوعه قائلاً إننا في العالم الاسلامي قد اغقلنا باب الاجتهاد منذ ألف سنة وذلك معناه اننا ادخلنا فكرنا في اجازة والحمد لله أننا الى الآن نمشي على رجلين، مشيراً الى انه كان الاولى والحال تلك ان نمشي على اربع كالدواب أو نزحف على بطوننا كالزواحف.
    وقال إن اغلاق باب الاجتهاد قد ولَّد طالبان.
    وقال ان الاحاديث الصحيحة الواردة عن الرسول نادرة بل هى كالشعرة البيضاء في الثور الاسود وأن الاحاديث النبوية قد اثقلها الوضع.
    ثم ذهب الى انه لا بد من إعادة تأسيس المنظومة الاسلامية من احاديث واحكام، ولا بد من فهم القرآن بدون الطبري وابن كثير، لان هذه التفاسير ملوثة بالخرافة والمذهبية والاسرائيليات.
    ثم قال إن السنة لم تدَّون طوال 150 سنة بعد النبي وان التدوين الذي بدأه عمر بن عبد العزيز في القرن الاول كان مداه قصيراً، وهو سنتان مدة حكم عمر بن عبد العزيز وبعدها هُجر التدوين طويلاً، وبذلك تشكك في صحة ما ورد من السنة بالمشافهة. مقللاً من قيمة صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص والمدونات المختلفة في هذه الفترة قبل عمر بن عبد العزيز، واستمر قائلاً انه لابد من تجريد البخاري للتضارب الحاصل به. وانه لابد ان تربط السنة بمعايير من القرآن الكريم (دون ان يوضح كيف؟) وشكك في صحة الحديث الذي يقول (من بدَّل دينه فاقتلوه) وقال إن تبديل الدين مسألة حرية تفكير وفي الحديث ارهاب واعتمد الفقهاء هذا الحديث دون احاديث اخرى اشد تواؤماً مع حرية التفكير.
    ثم قال إن الاسلام لم يفرض الحجاب، ولكن الحجاب هو الذي فُرض على الاسلام، وقال إن سبب فرض الحجاب هو أن الرسول لما تزوَّج بالسيدة (زينب بنت جحش) ولم يكن في حجرات زوجات الرسول أبواب، كان الناس يدخلون على الرسول بدون انقطاع وكان الراجل (يعني رسول الله! تأمَّل) يريد ان يخلو بزوجته الجديدة ولذلك فرض الحجاب. ثم إن جمال البنا انكر الناسخ والمنسوخ وقال إن الاقدمين لم يفهموا فحوى بعض الآيات ولذلك استعملوا سلاح الناسخ والمنسوخ لإلغائها.
    ثم هاجم الازهر والمعاهد الدينية خاصة المعاهد السعودية وقال إنها سبب البلاء.
    وانتهى بإثبات الشهادة لمحمود محمد طه وقال انه قد اخطأ في بعض افكاره الخاصة بتقسيم القرآن الى مكي ومدني، ولكنه كان شهيد الفكر لما أصر ألا يعترف بالمحكمة وقدَّم حياته فداءً لما يؤمن به من أفكار.
    نسبت أن أقول إن الاستاذ البنا قد القى محاضرة بتراء ما بدأها ببسملة ولا حمد لله تعالى ولا صلاة على رسول الله ولا حتى بسلام على الحاضرين!
    أتراه كان يرى أنه من الاجتهاد ترك البسملة والحمد والصلاة على الرسول والسلام على الصحافيين السودانيين؟



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147501545&bk=1
    _________________
                  

04-09-2008, 11:31 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مفاگـرة الجمعة
    الشيخ الدكتور والمرحومان حاج حمد ومحمود وصحيفة «الانتباهة»
    ثلاثة مواضيع نتطرق إليها فى مفاكرتنا لهذا اليوم وهي:
    أولا: حول عرضحال أهل العرفان على تخريجات الشيخ الدكتور، أحدث ما نشرناه في مفاكرة الأسبوع الماضي حول حديث دكتور الترابي عن عودة المسيح عليه السلام، ما أحدث وسط قراء هذه المفاكرة، فقسمهم الى قسمين:
    القسم الأول: أشاع وسطه الحديث راحة واضحة نقلها لى عدد مقدر ممن صادفته أو هاتفته تلفونيأ او هاتفنى. أما القسم الثاني فقد كان ملخص ما حاول أن يبثه ويوصله رسالة فحواها أن ما قدمته من حديث يوغر الصدور. و أن هذا ليس دأب أهل العرفان إذ يجتمع عادة حولهم الخلق ولا يتفرقون. فإذا صار أهل العرفان إلى تبنى موجبات الفرقة وصاروا هم أنفسهم مركز استقطاب لآرائهم، فقد الجامحون في الرأي آخر حصن وملاذ يمكنهم الرجوع إليه، وانطمس أمام ناظريهم معالم طريق العودة والإياب.
    وبمراجعتي للأمر رأيت أن ما قدمه القسم الثاني أكثر وجاهة، ورأيت أن ما كتبته فيه قدر لا يستهان به من فظاظة مقارنة مع لين جانب أهل العرفان، و فطنتهم التى تجعلهم دائما فى منأى من مواجهة مباشرة بالقول لأصحاب المفاسد القولية والفعلية، أن يقال لهم انتم كذا وكذا. وذلك خوفا أن تأخذهم عزة بالإثم، يكره العرفانيون أن يروا أنفسهم جزءاً من أزمتها، فيكونون قد ساهموا أن يكون الإجرام أكثر تعقيدا وتركيباً.
    لذلك فإنني اعتذر أشد الاعتذار عن فظاظة جاءت في مباشرة ذلك الخطاب، بما في ذلك نقل تفاكر ومحاورة خاصة، كان من المفترض أن تكون (مضمون بها على غير أهلها).
    الاعتذار كذلك أقدمه ثانية للقسم الأول من الذين يرون أن ما طرحته كان مفيداً. وأطمئنهم أن هذا الموضوع سيجد حظه من المناقشة ضمن أطروحات هذه المفاكرة، بعد تعديل أسلوب خطابها تركيزاً على القضايا وبعداً عن المواجهات المباشرة.
    ثانيا: ما بين العالمية الاسلامية الثانية والرسالة الثانية من الإسلام.
    أتحفنى الأخ أسامة سيد أحمد من أسرة الفقيد المفكر الاستراتيجي الضخم الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، طيب الله ثراه، بكتابي «العالمية الإسلامية الثانية»، «جدلية الإنسان والغيب والطبيعة». ولم أكد استلمها حتى أخذتني تماما إلى عوالمها الفكرية المدهشة لمفكرنا الراحل الضخم، فاحتلت مكاناً خالياً (سادة فرقة) فكرية كبيرة متممة لمقابل قوي ومتكافئ مع الرسالة الثانية من الإسلام لمفكرنا الراحل الضخم الشهيد الأستاذ محمود محمد طه طيب الله ثراهما. وأكثر ما استوقفني إضافة إلى عمق الأطروحتين الفكريتين، أن حواراً صامتاً يدور بينهما يشكل جدلية مهمة وقوية ترفد الفكر الإسلامي وتمده بعكازتين جديدتين قويتين تعينانه على النهوض. لكن مع ذلك فالأمر يحتاج الى معالجة، إذ أن الأطروحتين متقابلتان شكلاً ومضموناً، فالعالمية تعمد إلى استنطاق الجدل المعرفي العقلاني، ووسائلها تجريبية حسية في سبرها لغور جدلية الظاهرات الوجودية كواقع له فعله في التاريخ البشري الواسع مقروءاً مع نصوص التنزيل الحكيم.
    أما الرسالة الثانية فإنها شهادة لما وراء العقل المادى، تأنس بالحوار الداخلى (الباطنى) المقابل لهذا الفعل الظاهراتي التاريخي. وتعتمد الرسالة الثانية هي نفسها على نصوص التنزيل الحكيم.
    إعادة صياغة المنهج المعرفي الذي يتخذه المفكران الكبيران مع اعتبار لجدلية الأطروحتين، فذلك مقترح وجيه لإنتاج أطروحة متوسطة، قد تكون هي الأخرى إسهاما لا يقل ضخامة عنهما. بل وتحتوى على إمكانية تجاوزهما، خاصة إذا ما تم التوصل الى أن الأطروحتين تحتاجان الى بعضهما البعض. ونحن أكثر حاجة الى توحيد حقيقي بين القراءتين مع تعديل مقولة القراءتين في العالمية الإسلامية لتكون قراءة واحدة للعقل الظاهراتى، وتحويل اتجاه القراءة الثانية نحو العقل في حواره الداخلي (الباطني) وهو حوار عرفان مهم لا أظن أن الرجلين كانا سيرفضانه متى ما تم تحقيقه ووضعه بين أيديهما.
    عموماً فالمفكران قد قدما ما يستحق النظر إليه، والمضى به قدماً إلى الأمام بعد إجراء التصحيحات اللازمة فى تجديدية في القراءتين... وهذا وعد ينتظر الرجل المكلف الذي نرجو له أن يتقدم لأخذ زمام المبادرة.
    ثالثًا: مرحباً بـ «الانتباهة»..
    أظن أنه الآن قد اكتمل ناقص الساحة السياسية.. فبعد أن توقفت الحرب وهدأت قعقعة السلاح الناري في جنوب البلاد. فقد بدأت حربا جديدة ناعمة باردة في مظهرها يتحارب فيها أطرافها المتحاربة باستدعاء أقوى ما يمتلكون من أسلحة دفاعية فكرية وسياسية ومعرفية، وتلك ايجابية ذات بعد واحد. فالحكومة التى كانت طرفاً أصيلاً فى القتال، أصبحت ترى نفسها مسؤولة عن وحدة الوطن، فتقوم بتشييد خطابها متجاوزة أية مغالاة فى أطروحات القوى التي كانت تحاربها، ظناً منها أن ذلك مما يجعل الوحدة جاذبة. لكن فالملاحظ أن الطرف الآخر المعني لا يقدم خطاباً متكافئاً فيه عمل لإنجاز هذه الوحدة، وذلك بسبب افتراض سياسي ساذج أن الشمال كله كتلة واحدة تمثلها الحكومة، ينبغي أن يقدم مغريات جاذبة لهذه الوحدة تقنع الجنوبيين. لذلك فقد صار الجنوبيون ذوي شراهة لا تحدها حدود، علماً بأن فيهم أصلاً أصحاب رغبة طوباوية واهمة لدك حصون الثقافة الشمالية والاستيلاء عليها أو طردها عبر البحر الأحمر، وذلك من أجل إحلال ثقافة (أفريقية سوانوية) بدلها، أو على أقل تقدير حصرها في أضيق نطاق إذا ما تم الانفصال.
    لذلك يصبح صدور صحيفة «الانتباهة» ضروريا لتكملة ناقص الخطاب. فإذا حدث تكتل جنوبي أو حتى تكتل غرباوى أو شرقاوى. فلا يرعوى أهله عن أحلام لا تمت الى العقل الواقعى بصلة قريبة أو بعيدة، إلا بوجود تكتل مكافئ شمالي يضبط المقالعة السياسية الجارية الحالية، ويحول بينها وبين حلم مريض، أن يتحول السودان إلى (أندلس) أخرى في أفريقيا.
    لكن لابد لنا أن نتساءل: أليس هنالك من خطاب ثالث عاقل يسجل غياباً ملحوظاً؟ أقول: نعم فهنالك احتياج كبير إلى التعقل، لا أقول أن «الانتباهة» تجافيه، إذ أنها مجبرة على عملية جبر الكسر السياسي، فصوت العقل مغيب فعلاً، وغيبته ليست مصادفة اقتضتها ضرورة الصراع السياسي. فالفاعل يبدو كحمل سياسي وديع يتربص متنكراً في داخله ذئب عنصري جبان، لا يمكنه الظهور مواجهة كأن يبدو في قوة الأسد شجاعة ومواجهة من الأمام، لكنه يتحين ظروف ضعف خصمه، ويجهد نفسه عملاً على انتاج شروطها. وذلك للأسف ناتج عن شدة تحكم عنصرية بغيضة تشكل عنده حالة مرضية مزمنة مستعصية لا شفاء له منها.
    لذلك فلابد من الترحيب بـ «إلانتباهة» عسى أن تكون انتباهة عن غفلة كبيرة، وعملاً بجد واجتهاد على تجاوز موجباتها.
    والله من وراء القصد وعلى الله التوكل، انه نعم المولى ونعم المصير.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147501231&bk=1
    _
                  

04-10-2008, 01:18 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في ذكرى كبير الشهداء محمود محمد طه
    اعرف العالم الاستاذ محمود محمد طه عن كثب لأنه كان يجاورني بالمكتب بعمارة ابن عوف سليمان الشايقي بالسوق العربي الخرطوم لعقد من الزمان في اواخر الستينات من القرن الماضي..
    كان محمود جم التواضع.. عزيز النفس.. يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويحفظ معظم الاحاديث القدسية.. لا يتكبر ولا يتعالى.. بل يأكل الفول في الصباح مع مراسلة المكتب على الارض.. ويركب المواصلات العامة الى منزله بأم درمان الثورة الحارة الرابعة بالقرب من السينما في منزل متواضع من الدرجة الثالثة بجوار ابن عمنا المرحوم الفاضل حسين حمور.. وهو الذي كان في مقدوره إن أراد وهو من الرعيل الاول من المهندسين في السودان أن يكون من اصحاب الحول والطول.. ويتطاول في البنيان.. والحياة البذخية.. إلا انه كان متقشفاً في حياته اذ كرَّس نفسه للفكر الاسلامي والدعوة إليه.. واسس الحزب الجمهوري الاسلامي في منتصف الاربعينات، ولا يتوانى في نشر رأيه في نشرات وكتيبات عن قضايا الساعة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية.. والثقافية..
    وقد دخلت معه في مناقشات فكرية بطلب منه في صحيفة «السودان الجديد» وكان لا يمل ولا يكل ويستعد للحديث والدفاع عن رأيه.. وكان يهابه الاخوان المسلمون.. ويخشون فكره لأنه يتحدث بالادلة والبراهين الربانية والاحاديث النبوية..
    وذات مرة قال لي إنه مستعد للدخول في مناظرة عالمية مع الاصوليين الاسلاميين جميعهم بكافة نحلهم وفرقهم.. وتكون مكشوفة للرأي العام العالمي ليحكم له أو عليه.. وهو واثق من نفسه في التغلب عليهم من الرأي العام العالمي.
    كانت مناقشتي معه مفتوحة في جريدة «السودان الجديد» التي كان يرأس تحريرها ابو الصحف احمد يوسف هاشم.. ومن بعده فضل بشير.. ويقوم بإدارتها طه المجمر.. ولعلها تكون موجودة في دار الوثائق المركزية بالخرطوم العام 1968.. وكنت أدعو للقومية العربية الانسانية غير التعصبية ذات المضمون الديمقراطي والعدالة الاجتماعية في نطاق الوطن العربي والامة العربية من المحيط إلى الخليج من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية، وكان الاستاذ محمود يدعو من أجل الاسلامية العالمية.
    لم يعرف عنه في حياته الارهاب الفكري.. أو الفحش من القول أو المهاترة أو الاستفزاز.. أو اللجاج أو النفاق الاجتماعي أو التزلف للسلطة.. أو السكوت عن الباطل.. مما عجَّل بشنقه في عهد مايو الأسود تحت مظلة السفاح نميري وهو ابن الخامسة والسبعين من عمره.. بالرغم من أنه محرَّم في كل الشرائع العالمية على نطاق الكرة الارضية ان يشنق شخص فوق السبعين من عمره مهما كان جرمه مما يخالف القوانين الدولية وميثاق حقوق الانسان.. ويتعارض مع نص المادة 247 من قانون الاجراءات الجنائية لعام 1983 القانون الساري في ذلك الوقت.
    ولو اعترف الشهيد بواقعة المحكمة الماثل أمامها وسمح لي بالدفاع عنه.. لكسب من الوقت ما يمكن العالم بعدالة قضيته وطلب الافراج عنه فوراً.. إلا انه ذكر ان المحكمة غير مؤهلة لا فنياً ولا قانونياً لمحاكمته.. ومن ثم أبى ان يخاطب المحكمة وان يقدم ما يخفف الحكم عنه Mitication. وفي الحال اصدرت المحكمة حكمها بإعدامه شنقاً حتى الموت وارسلت حكمها الى محكمة الاستئناف التي شكلها الرئيس جعفر نميري وايَّدت الحكم فوراً.. ووافق عليه الرئيس فوراً..
    وكان هذا الحكم هو بداية النهاية لعهد الظلم والطغيان الذي اودى بالنظام السياسي كله في عهد الانتفاضة الباسلة العام 1985.
    تقع المشنقة داخل سجن كوبر في الغربيات على يد السجانين العتاة، ويسمى الشناق الذي شنق عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني من أوائل الخمسينات من القرن الماضي.. والشفيع أحمد الشيخ سكرتير اتحاد عمال السودان والوزير في عهد اكتوبر العام 1964م والحائز على جائزة لينين.. وجوزيف قرنق المحامي المثالي والجنوبي الانساني تحت مظلة العهد المايوي البغيض.
    إلا أن مشنقة محمود محمد طه نصبت في باحة السجن من الناحية الغربية كي يراها الخاصة من المسؤولين..
    وتلك أول ظاهرة في تاريخ السودان الحديث... وكان من المفروض فقهاً وقضاءً ان يستتاب حتى لو سلمنا انه كفر أو ألحد.. وبعد ذلك يقام عليه الحد الشرعي..
    ولقد نفذ فيه حكم الشنق.. وذكر الشناق انه نفذ اكثر من 25 حكماً بالاعدام قبل محمود.. لكنه لم يجد محكوماً مثله في ثباته ورباطة جأشه وهدوئه.. وانه قد صعد الى حبل المشنقة بمفرده غير مساعدة من احد.. وهو يرتدي جلباباً وطاقية وسروالاً.. وقد عبر باحة السجن الى حيث المقصلة.. كأنه ذاهب الى بيته.. وكان قبلها في غرفة تحوي سريراً وفراشاً.. ومن مستلزماته التي كان يحرص عليها مصلاته ومسبحته.. وكان يتناول غذاءه ويصحو وينام بصورة عادية.. وشنق وهو يبتسم لتلك المهزلة التاريخية ولم يضعف او يرتجف ووقف كالطود الاشم ليلقى مصيره.. ومن الغريب في الامر ان جثمانه لم يسلم الى ذويه.. ولم يدفن في مقابر المسلمين بعد أداء الفروض الشرعية نحوه.. بوصفه مرتداً بل اخذته طائرة بإمرة احد الضباط.. والقت جثمانه للصقور والاسماك الكواسر في عرض البحر الاحمر.
    وطُلِّقت عليه امرأته.. وصودر منزله.. وحرقت كتبه ونشراته ولعلنا ندرك الفارق الكبير بين محاكمة محمود محمد طه في العهد الديمقراطي بتهمة الردة.. في ظل سيادة حكم القانون واستقلال القضاء في العام 1968م برئاسة مولانا توفيق احمد الصديق قاضي المحكمة العليا الشرعية.. وبين محاكمته في ظل النظام الشمولي الدكتاتوري في محاكمة استثنائية برئاسة المهلاوي واستئناف المكاشفي.
    لقد ولد الشهيد محمود في رفاعة العام 1909م في اسرة دينية يرجع نسبها الى الشيخ محمد الهميم الصوفي السوداني الشهير.. احد ابرز تلاميذ تاج الدين البهاري اول من ادخل الطريقة القادرية للسودان بعد قدومه من بغداد في القرن السابع عشر.
    كانت اول مقولة للاستاذ محمود انه بسبيل انشاء حركة وطنية تسير بالبلاد من شحوب حياة هذا العالم المدبرة الى فجر حياة جديدة على هدى من الدين الاسلامي.. وبرشد من الفحولة العربية.. وبسبب من التكوين الشرقي مع إعمال الفكر الحر.
    ودعى الى التحرر من القيود الطائفية والجهل.. ونادى بالمساواة بين الجنسين، وفي العام 1946م حكم عليه بالسجن سنتين بدعوى الحض على كراهية الحكومة تحت المادة 105 من قانون عقوبات السودان.
    وبعد إطلاق سراحه اعتكف لمدة ثلاث سنوات في خلوة دينية برفاعة نادى بعدها بنظريته التي تدعو الى تطوير التشريع الاسلامي.
    ومن ثم أصبح رائداً للتجديد الديني في السودان ورفع شعار الحرية.. لنا ولسوانا..
    يرى ان دولة القانون يجب ان يخضع فيها الجميع لسيادة حكم القانون والمساواة والحرية.. وذلك بترجمة القانون في السلوك الفردي على أساس أن القرآن هو دستور سلوك الافراد والجماعة.. وليس ذلك من قبيل الدعوة الى الدولة الدينية بقدر ما يعنيه طبيعة وقيادة الدولة وخصائصها التي تقودها حكومات رجال هذَّب الدين نفوسهم.. ونقى قلوبهم وصفى أفكارهم.
    ويرى الرفيق الدكتور بكري خليل في كتابه التأويل الصوفي للحداثة في الاسلام.. عرض ونقد فكر وفلسفة الجمهوريين في السودان.. ان مقصود الجمهوريين في نهاية الامر هو تأسيس نظام دستوري قاعدته التأليف من المنقول الرباني.. والمعقول الوضعي من احكام الدين وتراث القانون بحيث يأتي في المحصلة استجابة لتعاليم الاسلام وروح العصر.
    وطالما ان المجتمع متغير.. فان القوانين ينبغي ان لا تلبث على حال الامر الذي دعاهم للمطالبة بتطوير الشريعة.. إذ أن كمالها هو في تحولها وعدم ثباتها على صورة واحدة.
    ويرون ان مبدأ السيادة ليس غاية في حد ذاته وإنما وسيلة للحريات.. وحتى لا يحوز من يباشر السلطة.. ان يتغول على حقوق الافراد لأن السلطة ملك للشعب.
    اما الدستور فهو المثل الاعلى للأمة التي تحاول تحقيقه في الواقع بالسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ومن ثم كان لابد من فصل السلطات.. والحفاظ على الدستور رأساً للقوانين.. بينما تكون فروع القوانين مجالاً للتطور ما عدا شريعة الحدود والقصاص التي ينبغي اصطحاب تطبيقها بعمل تربوي.. ووسائل درءاً للحدود بالشبهات لإقامة اخلاق الشعب على جادة الدين.
    وواجب الحكومات هو ان تزيل الضرورة الملجئة للسرقة وإزالة المغريات المفضية إليها.
    والقاعدة في النظام السياسي هي الديمقراطية التي تجسدها الشراكة في السلطة وتوزيعها من الناس فهي عندهم وسيلة وليست غاية في نفسها لانها تهدف الى تحقيق كرامة الانسان.. وهي ليست اسلوب حكم فحسب وانما هي منهاج حياة.. تلك كانت من ذكرياتي في ثلاثة اجزاء من الحجم الكبير وللموضوع بقية إن شاء الله.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147501131&bk=1
                  

04-10-2008, 01:24 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الإرهاب.. الإرهاب «2-3»
    طرحنا في الحلقة السابقة السؤال الاساسي وهو: لماذا يبرز الارهاب مخرجاً لجيل الشباب المحبط؟ هناك مجموعات من الشباب نأت بنفسها عن كل مساقط الطفيلية ورذائلها، منهم من استمسك بقيم مجتمعه، ومنهم من وجد في الاغتراب كنفاً يلوذ به، وإن كان صعب المراس. ومنهم من انكفأ على نفسه يغرق فيها رايات طموحاته المنكسة.
    وفي هذه الحُلكة «بضم الحاء» برزت حركات الهوس الديني، وأسميها الهوس الديني، بينما يسميها البعض الاسلام السياسي أو التأسلم أو الاسلاموية. ولكنها في جوهرها كلها هوس ديني Fanaticism. وتتخذ من الاسلام شعاراً لها بدرجات متفاوتة، رغم أنها كلها حركات سياسية. فهى حركات سياسية لا علاقة لها بالاسلام. إن الاسلام دين هداية. جاء القرآن يحمل رسالة أزلية وهى هداية البشر ليقتربوا من الخالق، ليقتربوا من المطلق، وهو اقتراب فيه مشقة، ويحتاج الى درجة عالية من مجاهدة النفس. إن القرآن من أول سطر فيه الى آخره يقوم على الهداية. ولكن حركات الهوس اقحمت الدين في معترك السياسة، وهى تتوهم أنها عندما تلصق الاسلام بها سوف يعطيها حصانة ويضفي عليها قدسية. وتهجم على مخالفيها ليس لأنهم يختلفون معها سياسياً. ولكن لأنهم خرجوا على قداسة الدين.
    ومالنا نذهب بعيداً. فقد اعلن نميري في العام 1983م دولة دينية. ونميري أحد بلطجية الهوس الديني، رغم أن نظام الانقاذ الحالي يقيم معه حلفاً. فقام نميري باعدام محمود محمد طه في مسرحية فجة، لعلها أسوأ ما شهده المسرح السياسي في السودان. وكان محمود أعف لساناً وأطهر يداً من كل الزبانية الذين تجمعوا يرقصون طرباً حول المقصلة.
    وعندما تتخذ تلك الحركات من الاسلام شعاراً لها، نقف ونسأل: أي اسلام يقصدون؟ هل هو اسلام طالبان؟ ام اسلام بن لادن؟ أم اسلام الزرقاوي؟ أم اسلام نميري؟ أم اسلام الانقاذ؟ أم اسلام السعودية؟ أم اسلام الخلافة العثمانية التي يحفظ التاريخ مخازيها، والتي سجلها الروائي اليوغسلافي اندرتش في روايته الشهيرة «جسر على نهر درينا» وحصل بها على جائزة نوبل للأدب. وعندما سقطت تلك الخلافة خرَّ البعض بكياًَ.
    أى اسلام تنادي به تلك الحركات. الاسلام ليس برنامجاً معداً سلفاً ما علينا إلا أن نستله ونديره فيعمل آلياً. الاسلام له تجلياته المختلفة التي تعكس وعي كل عصر ودرجة تطوره. ولكن حركات الهوس الديني اتخذته شعاراً لنشاطها السياسي وجرَّدته من منهج الهداية الشمولي، وهو منهجه الخالد. ثم استلت لها برنامجاً لا يخرج عن إغلاق الخمارات والجلد بالسياط وحجاب النساء وفتح الباب على مصراعيه للنشاط الطفيلي يعربد في جنبات المجتمع تحرسه قوة الدولة الباطشة.
    وتستل حركات الهوس الديني آيات من القرآن وتجردها مضمون الهداية ومن محتواها التاريخي. فقالوا إن الديمقراطية مضمنة في قوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم»، وقوله: «وشاورهم في الأمر» ولكن الآيتين وردتا في سياق منهج الهداية، ولا يمكن تلخيص كل نظام الحكم بهذا التبسيط.
    ويصفون نشاطهم السياسي بانه جهاد، وخصومهم كفرة وملاحدة. ومالنا نذهب بعيداً فقد كانت الحرب في السودان بين الشمال والجنوب تدار على أساس انها حرب دينية، ويخرج جحافل الشباب تحت رايات التهليل والتكبير. والذين يموتون في أتونها يصبحون شهداء. وبعد أن انطفأت شمعة ذلك الشباب الغض، انطلق النشاط الطفيلي يمضي رخاء، ثم جلس المتحاربون يتفاوضون سلمياً. هذا هو الهوس الديني يعبث بالدين ما شاء له العبث، ويريدنا أن نبقى أذلاء.
    وتصف حركات الهوس الديني الاستعمار بأنه صليبية جديدة، والصهيونية بأنها يهود، والجهاد ضدهم واجب مقدس. وهؤلاء أصحاب كتاب وليسوا وثنيين، ولكن وصفهم بالاستعمار والرأسمالية والطفيلية، يرتفع بدرجات الوعي، ويساعد على كشف سوءة الطفيلية.
    والهوس الديني له مظاهر أخرى، ولكن ما هى علاقة الهوس الديني بالإرهاب؟ نتعرض للقضيتين في المقالة القادمة.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500801&bk=1
                  

04-10-2008, 05:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حل فيدرالي للصراع في السودان (الحلقة الأولى

    ترجمة: سيف الدين عبد الحميد
    يعتبر الدكتور م.أ فازال المحاضر الأسبق في جامعة ويتنجهام واحداً من المهتمين بشؤون القانون الدستوري والقانون الإداري ، وحقوق الإنسان وقد أعد ورقة تحمل عنوان «حلّ فيدرإلى للصراع في السودان»، والورقة عبارة عن استعراض موجز للصراع في السودان بحسب رؤية الكاتب واستعراض ُمسهب فيه حول التجارب الإدارية والقانونية في بلدان كالولايات المتحدة والهند، والمانيا،واستراليا، وغيرها من التي وطدت فيها التجربة الفيدرالية، وما اذا كانت بعض الملامح الفيدرالية فيها ملائمة لتطبيقها على السودان.



    خلفية:
    ترجع جذور الحرب الأهلية في السودان إلى الخمسينيات، فقد كانت مديريات الجنوب الثلاث: الإستوائية، بحر الغزال، وأعالي النيل مراكز معارضة لسلطة الخرطوم منذ الأيام التي سبقت الإستقلال.
    وبعد استقلال السودان في 1956م غضب الجنوبيون من أن يحل إداريون سودانيون شماليون محل الإداريين البريطانيين في الجنوب. وتعلقت المشكلة بوضع الخدمة المدنية، ففي 18 أغسطس 1955م تمردت القيادة الإستوائية وهي وحدة عسكرية مكونة من الجنوبيين في توريت، وكانت هذه بداية الحرب الأولى في جنوب السودان. وأدت الحرب إلى مصرع 000،500 شخص بنهاية الستينيات. ولاذ بضع عشرة آلاف جنوبي فراراً إلى الغابات أو هرباً إلى معسكرات اللاجئين بالبلدان المجاورة.
    وفي فبراير 1962م ونسبة للمعاملة القاسية التي لقيها المدنيون الجنوبيون من جانب القوات المسلحة الشمالية، شكل المتعلمون الجنوبيون (الذين خدموا في الوظائف الحكومية إو كانوا معلمين) الإتحاد القومي للمناطق المقفولة.
    وفي أبريل 1963م، غيرت المجموعة إسمها إلى الإتحاد القومي السوداني الإفريقي «سانو» وأيدت الإستقلال المباشر لجنوب السودان.
    وفي ذات الأثناء شكل عدد من الجنوبيين الأقل حظاً من التعليم مجموعة عصابات الإنيانيا التي بدأت العمليات في 1963م وفي عام 1969م خلقوا إتصالات خارجية وحصلوا على الأسلحة والتدريب. وبهذا تطورت الإنيانيا إلى قوة عسكرية مؤثرة، وسيطرت بحلول عام 1971م على معظم المناطق الريفية في الجنوب. وقد كونت القيادات العسكرية للإنيانيا تنظيماً سياسياً هو حركة تحرير جنوب السودان.
    وفي عام 1972م ناقش جعفر نميري الذي أصبح رئيساً للسودان عام 1969م إتفاقية مع حركة تحرير جنوب السودان في اديس ابابا «عاصمة اثيوبيا»، واتفقت الحكومة وحركة تحرير جنوب السودان، بموجب بنود اتفاقية اديس ابابا على وقف إطلاق النار واعترفت الحكومة بالحكم الذاتي الإقليمي للمديريات الجنوبية الثلاث. واثناء فترة المفاوضات طالبت حركة تحرير جنوب السودان بدولة فيدرالية مع حكومة جنوبية منفصلة. وبعد توقيع الإتفاقية، اصدر نميري مرسوماً ينص على تأسيس مجلس إقليمي جنوبي.
    راعت حكومة نميري طوال عقد السبعينيات اتفاقية اديس ابابا رعاية عادلة ومخلصة، كما أن الحرية السياسية النسبية للجنوب اختلفت إختلافاً حاداً مع الحكم الإستبدادي في بقية البلاد. ولكن اضعفت اتفاقية اديس ابابا لاحقاً لذات الأسباب التي حركت التمرد الجنوبي في الستينيات أي المخاوف من أن الشمال يقرر فرض الإستعراب والأسلمة على الجنوب. ونسبة للتأثير المتزايد للإخوان المسلمين «الحزب الإسلامي اليميني» على سياسات الحكومة المركزية ألغى نميري إلغاءً فعلياً إتفاقية اديس ابابا بحل المجلس الاقليمي الجنوبي في 1981م «مكتبة الكونغرس الأميركي: السودان».
    وتتشكل نسبة المجموعات الدينية الرئيسة في السودان كالآتي: المسلمون السنيون :«75%»، المعتقدات المحلية «25%»، المسيحيون «5%». وقد ظلت المشكلة دائماً هي التوفيق بين هذه المجموعات الدينية، ونجد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تعارض تطبيق الشريعة على غير المسلمين. وفي فبراير 1983م اندلع تمرد وسط القوات الجنوبية. وفي أغسطس 1983م قام عقيد سابق في الجيش السوداني- جون قرنق- بتشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي سبتمبر 1983م عندما قام نميري بفرض الشريعة على كل البلاد، تحولت الحركة الشعبية التي نسقت بجناحها العسكري الجديد «الجيش الشعبي» إلى حرب واسعة، وهو صراع استمر حتى الآن، حيث يقدر أن حوالي مليوني شخص لقوا مصرعهم منذ عام 1983م، وطال النزوح الداخلي اكثر من «500،4» مليون شخص، فالخرطوم وحدها لديها «4» ملايين نازح، وهناك مليون سوداني يعيشون في المنفى في البلدان الأخرى. وهذه الأرقام تعد من جملة «30» مليون نسمة في السودان «منظمة العفو الدولية، السودان».
    وتعد هذه الأرقام مؤشراً لمدى الدمار الذي سببته الحرب الأهلية.
    وخلافاً لسابقتها حركة تحرير جنوب السودان، سعت الحركة الشعبية لتحرير السودان لا للإنفصال ولكن لوجود حل قائم على نظام علماني ديمقراطي وفيدرالي سياسي. وبما أن أ حد الإجراءات الأولى للحكومة الإنتقالية التي اطاحت بنميري في 1985م كان هو تعليق انفاذ قانون الشريعة المطبق في سبتمبر 1983م، فقد وافقت الحركة الشعبية على التفاوض مع الحكومة المركزية. وفي 1986م التقى قادة الحركة الشعبية وكثير من الشماليين في مدينة كوكادام الأثيوبية حيث وقعوا إعلاناً مهماً. ورغم ذلك فان القضية الأصلية التي تعزل الحركة الشعبية من الاحزاب الشمالية ــ أي دور الشريعة ظل غير محسوم. ولا تزال تلك القضية غير محسومة رغم المحاولات المتلاحقة لحّلها.
    إكتشاف النفط والغاز:
    يسمى السودان بسلة غذاء العالم العربي، فالزراعة الآلية الواسعة تمتد في جنوب كردفان، كما أن التدفق الكبير لرأس المال العالمي واكتشاف النفط والغاز يجب إن يجعلا من هذه الرؤية واقعاً.
    ورغم ذلك يبدو أن النفط سيكون الشرارة الأخيرة للإنتفاضات وتكوين المعارضة المسلحة في السودان مثل الإنيانيا «2» والجيش الشعبي لتحرير السودان في 1984م.
    فقد استهدفت عمليات الجيش الشعبي الأولى في 1984م عمال شركة شيفرون العاملة في النفط والتي بدأت عملياتها في البحر الأحمر وقرب بانتيو، ملكال، المجلد في الجنوب وجنوب غرب السودان في 1974م. وفي عام 1980 شرع نميري في إعادة تقسيم الجنوب من وحدة ذات حكم ذاتي إلى ثلاث ولايات. ووضعت خارطة مرفقة بمشروع قانون الحكم الإقليمي المنطقة التي اكتشفت فيها النفط في الجزء الشمالي من السودان.
    فخلق ولاية جديدة حول بانتيو لاستقطاعها من الجنوب سبب هياجاً سياسياً وسط الجنوبيين مثلما فعل المرسوم الرئاسي القاضي بأن تنشأ مصفاة النفط في كوستي في الشمال بدلاً عن إنشائها في بانتيو.
    رغم الإتفاقية المتفاوض حولها بين الحكومة والجيش الشعبي تحت بروتوكول مجاكوس الموقع 20 يونيو 2002م، فقد قام الجيش الشعبي بشن ضربات عسكرية في المناطق الغنية بالنفط. ووفقاً لبيان الجيش الشعبي الصادر في 2 أكتوبر 2002م، فقد شنت إحدى وحداته العسكرية هجوماً على مجمع تجميع وانتاج النفط في هجليج ودمر المحطة الرئيسة وقطع بذلك الامدادات النفطية عن الخرطوم. فحسابات هجليج لمجمل انتاج النفط السوداني تصفى حالياً 000،240 برميل يومياً، حيث بدأت الإنسياب في أغسطس 1999م لتجعل من السودان بلداً مصدراً للنفط. وإذا حدث هذا الهجوم فإن ذلك سيسدد ضربة لخطط الحكومة القاضية برفع الإنتاج إلى 000،300 برميل يومياً بنهاية 2003م وإلى أكثر من 000،450 برميل يومياً بحلول 2005م.
    ونقلت الأخبار أيضاً عن قتال مكثف في مناطق غرب أعالي النيل في ذات الوقت، وزعم الجيش الشعبي في بيان صحافي صادر في 2 أكتوبر2002م أن الهجوم على هجليج إتخذ تسمية شفرة «بترولنا» واستهدف الهجوم خطة الحكومة القاضية بنهب مواردنا.. وجدد الجيش الشعبي في بيانه تحذيراته لكل شركات النفط مطالباً إياها بإيقاف إنتاج النفط ريثما يتحقق سلام عادل.
    وقال البيان إن كل عقودات النفط ستتم إعادة التفاوض حولها إن كان لابد من توقيع صفقة سلام.
    ووفقاً لآخر تقارير صحافية لدى كتابة هذه الورقة استعادت القوات الحكومية تلك المناطق الغنية بالنفط واستؤنفت محادثات السلام تحت اشراف الإيقاد عقب إتفاقية مؤقتة لوقف العدائيات. ويقول تقرير صحافي صادر في 30 أكتوبر 2002م أنه نسبة لهذه العدائيات أن شركة النفط الكندية تالسمان قد باعت أسهمها النفطية في السودان لشركة نفط قومية هندية مقابل «758» مليون دولار. ولقد عملت تالسمان بالسودان لأربع سنوات بـ «25%» من الأسهم في شركة النيل الكبرى للبترول في مشروع الإنتاج وانبوب النفط. أما بقية الأسهم فتمتلكها الشركات النفطية الصينية المملوكة للدولة «40%»، ماليزيا «30%»، والسودان «5%». أما تالسمان الكندية فقد انهت اخيراً صفقة في 9 مارس 2003م لبيع فوائدها النفطية في السودان لشركة نفطية قومية هندية مقابل حوالي «2،1» بليون دولار.
    وهذا يثير السؤال ما إذا كان للمعادن التي تشمل النفط والغاز أن تقع تحت السلطة الفيدرالية أو الإقليمية في حالة أن تحقق حَّل فيدرالي للصراع في السودان.
    ü الحلول المتعلقة بمسألة الشريعة:
    إن قضية دور الشريعة كانت حجر عثرة في كل المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية حيال طبيعة الدولة. فالدور الرسمي للقانون الإسلامي في الدولة تعتبره الحركة أداة للهيمنة الشمالية. ففي سبتمبر 1983م عندما ادخل نميري قانون الشريعة، استخدمها نظامه لإرهاب وإذلال خصومه مع الإعتقال غير المحدود بأجل مسمى، الجلد أمام الملأ، وعقوبة القطع والإعدام للهرطقة، واستخدم نميري قانون الشريعة لتبرير اعدام محمود محمد طه الذي يعتبره كثيرون قديساً. إن دور القانون الإسلامي في الدولة ظل القضية الأكثر تحدياً في البلدان المسلمة الأخرى أيضاً. وبهذا حدثت معظم الجدالات العاطفية حول هذه القضية في الجمعيات التأسيسية لباكستان حيث ثارت مسألة تبني دستور البلاد «انظر تقارير الجمعيات التأسيسية لباكستان( 1948-1956).
    وفي النهاية فإن المواد الإسلامية الوحيدة التي ظهرت في دستور 1956م نصت على:
    أ/ أن يكون رئيس باكستان مسلماً.
    ب/ أن تحكم المبادئ الإسلامية حياة المسلمين هي مجرد تهليل لا اكثر. «المادة 24 والمادة 32 من دستور 1956م».
    وفي السودان بذلت عدة محاولات من وقت لآخر لحل هذه القضية.
    أ/ تقوم معالجة واحدة على إجتهادات الراحل محمود محمد طه فعمله الرئيسى عنوانه الرسالة الثانية للإسلام.
    فاجتهاداته تميز بين مصادر القانون الإسلامي «القرآن الكريم بالذات» ونظام القانون الذي تم تطويره من تلك المصادرفيما بعد.
    ويقال أن الأخير يقوم على القرآن والسنة «أي على تعاليم وأفعال نبي الإسلام الكريم محمد - عليه صلوات الله وسلامه. وبالأخص تلك المناسبة بالحاجات الإجتماعية والسياسية المحددة للشرق الأوسط في القرنين الثامن والتاسع. فهو اذن كان يقوم -كما ذهب لذلك الجدال- على المؤسسات والمعاير السائدة في ذاك الزمان والمكان اللذين لم يكن بهما مفهوم المؤسسية وحكم القانون بالمعنى الحديث لهذين المصطلحين، ويمكن للمسلمين الآن -بتأسيس نظامهم الحكومي على المبادئ الأصولية للعدل والمساواة والحرية المضمنة في أجزاء آخرى من القرآن والسنة، إن يطوروا نظاماً مؤسسياً حديثاً يوفق بين تطلعات المسلمين الذين يحكمون وفقاً لتعاليم الإسلام وحقوق كل المواطنين.
    ويقال أن هذا المدخل يتقبل بعض القوانين الإسلامية ويرفض آخرى بإعتبارها غير منسجمة مع الأفكار الحديثة. كما يرفض أيضاً النهج المتبع لتأويل الشريعة. ولم يستطع مؤلف هذا الكتاب أن يوافق على هذا المدخل أو تأييده مدخلاً أصيلاً أو إسلامياً.
    ب/ المعالجة الأخرى هي معالجة او مدخل د. بيتر نايوت كوك. ونايوت كوك كان رئيساً لجمعية قانون جنوب السودان. فقد اقترح كوك عام 1991م أن يستمد مبدأ عام من التعايش القانوني والسياسي من أداة استخدمت في مشروع القانون الجنائي لعام 1988م. وهذه الأداة ادخلها الترابي نائب عام الجبهة الإسلامية القومية ورّسخها قادة الإخوان المسلمين «وبالأخص حسن الترابي الذي لعب - بصفته نائباً عاماً لنميري دوراً مفتاحياً في تطبيق الشريعة في سبتمبر 1983م مطلقاً بذلك العنان للحرب الأهلية الحالية. وبهذا قيل أن على المسلم في الجنوب أن يختار بين عقوبة الحدود «العقوبة الإسلامية» أو العقوبة اللاحدية.
    وقد قيل أن هذا المدخل يتبنى تطبيقاً جزئياً وإقليمياً للقانون الإسلامي، ومن المشكوك فيه ما إذا كان هذا المدخل ذا طابع إسلامي. إن تطبيق قانون الشريعة سيكون أمر اختيار للمسلم اعتماداً على حيثية سكنه. ففي جزء من البلاد لن تكون له خيرة في الأمر في حين أنه في جزء آخر من البلاد يمكن أن يقبله أو يرفضه. ومؤلف هذا الكتاب يجد أن مثل هذا المدخل غير مقبول مدخلاً إسلامياً.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500482&bk=1
    _______
                  

04-11-2008, 03:21 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لمحة تاريخية «3-4»

    تحالف الصادق التـرابي
    «التحالف السادس»
    لعل التحالف بين الزعيمين قد تواصل، ولكن تظهر له تجليات، حتى جاء العام 1976م. وفي مطلع ذلك العام قامت مجموعات مسلحة من حزبي الأمة والإخوان تلقت تدريباً عسكرياً في ليبيا بدخول السودان خلسة ومهاجمة المؤسسات العسكرية بهدف إسقاط نظام نميري، وكان هجوماً جريئاً. ولعل الخطأ الأساسي أنه هاجم المؤسسة العسكرية كلها، بما فيها أنصار مايو. فما كان أمام المؤسسة العسكرية إلا أن تدافع عن شرفها وتصد الهجوم الذي استهدفها. إن مهاجمة نظام عسكري من الخارج فيه مغامرة، غير محسوبة الخطى. هذا هو الخطأ القاتل.. كما أن الهجوم لم يهيئ الشارع ليساند التحرك العسكري، فكان عملاً عسكرياً شبه معزول، كما أن الهجوم الذي تسلل من ليبيا أزعج كثيراً من الناس الذين تهيبوا تدخل ليبيا بأسلوبها الفظ في السياسة الخارجية.
    وكان من نتائج فشل الهجوم أنه دفع النظام إلى ممارسة أساليب وحشية ومحاكمات جزافية، تناولها بعض الكتاب في الصحف وكان مثل قشة الغريق التي أخرجت النظام المايوي من لجة المتناقضات التي أخذت تحيط به وتلتف حول عنقه. فبدأ يفكر في أساليب سياسية يحتوي بها المعارضة، فانفتح الباب لإعلان المصالحة، وتقبلتها بعض قوى المعارضة بالترحاب واعترضت عليها قوى أخرى ورأت فيها تلاعباً سياسياً.
    «التحالف السابع»
    ورغم أن قبول المصالحة مع نميري من قبل الصادق والترابي لم يكن نتيجة تحالف وثيق بينهما، إلا أن قبولهما المشترك لها يجعل موقفهما أقرب إلى التحالف. وكان الشريف حسين عليه واسع الرحمة، قد رفض الدخول في تلك المصالحة، كما رفضها الحزب الشيوعي. ورأى نميري في المصالحة فرصة لإحتواء المعارضة، ورأت فيها المعارضة فرصة لإحتواء النظام من الداخل. ولكن أخطر ما في المصالحة أنها أدخلت الدين إلى حلبة الصراع السياسي، وبدأت المزايدة باسم الإسلام، فقد أشار نميري في محاولة لإحتواء تلك المزايدة إلى الصادق المهدي بأنه «كمفكر إسلامي يشاطرني الإيمان بأن الإسلام كان باعث حضارة كانت، وأنه لا بديل له لقيام حضارة تكون، لا خلاف ولا اختلاف». (نميري، النهج الإسلامي، ص 223). وفي مطلع العام 1978م، تم تعيين الصادق المهدي عضواً في المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي، ولكنه إلتمس جانب الحذر في تعامله مع مؤسسات النظام، حتى تمت القطيعة بينهما.
    أما الترابي وقيادة حزبه فقد اندفعوا نحو النظام، تنفخ في أشرعتهم رياح التجارة بالدين التى كان النظام يرفع ألويتها. فقال الترابي بعد أول لقاء له بعد تعيينه في لجنة التشريع «إن اللقاء أتاح له مجدداً، أن يلمس حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل وتأسيس كيانه القانوني. وفي حديث آخر أفاض في الإشادة بنميري قائلاً: «إن التزام نميري تجاه أمته جاء متسامحاً وسخياً على عكس الظنون التى توهمت أنه سيلجأ للبطش بحكم ثقافته العسكرية»، واستطرد يقول إن البلاد تهيأت لحركة سياسية حديثة نحو الإسلام مبرأة من الجمود والقيود. وأكد في مناسبة أخرى أنهم لا يكادون يختلفون مع الثورة إلا في قضايا فرعية. وأشار إلى دواعي لقائه مع الثورة تعود إلى إتجاه قيادتها نحو المنهج الإسلامي، في سلوك القادة وتربية المجتمع وأوضاعه التشريعية، وأنه شارك في العمل الثوري القائم من أجل مراجعة تشريعات البلاد بما يناسب الشريعة الإسلامية (القدال، الإسلام و السياسة في السودان، ص 189). ولكن بعد سقوط نميري كتب الترابي في العام 1990م، يقول: «إن المصالحة مع النظام المايوي أثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الإسلامية ولثأرات الحركة من تلقائه، ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء. (الترابي، الحركة الإسلامية في السودان، ص 195). فهناك نميري حريص على بناء المجتمع الموحد الفاضل ويتجه نحو المنهج الإسلامي، وهنا نظامه غير ديمقراطي وغير اسلامي وبينهم ثأر ودماء.
    وذهب يس عمر الإمام إلى الزج بالدين في المعترك السياسي بطريقة فجة. فقال إن المصالحة إستجابة للمبدأ القرآني الذى يحكم مبدأ التعامل السياسي مع الخصوم، والمصالحة أصل في الإسلام ومن ركائز النهج الإسلامي، ودعا المعارضة إلى التعرف على فقه المصالحة الثابت الأصول في الإسلام، (القدال، المرجع السابق).
    كان للمصالحة نتائج لا تخلو من خطورة، فقد أعطت النظام نفساً جديداً ليواصل حكم البلاد بأسلوبه القمعي. ثانياً، أقحمت الدين في معترك السياسة بطريقة فجة ومسطحة، ودفعت بنظام مايو المترنح إلى إعلان قوانين سبتمبر التى كانت قشة الغريق. ورغم إختلاف منهج كل من الصادق والترابي في التعامل مع المصالحة، إلا ان دخولهما فيها كان الركيزة التى امتد بها أجل النظام المايوي.
    «التحالف الثامن»
    لم يكن هذا تحالفاً بالمعنى الدقيق، بقدر ما كان موقفاً متقارباً من قضية شغلت البلاد وأورثتها مآسٍ، ما الذي حدث؟ في سبتمبر 1983؟ أعلن نميري في بيان صحفي من الإذاعة قوانين العقوبات الجديد التي سماها الشريعة، ولكنها عرفت في الأدب السياسي السوداني بقوانين سبتمبر سيئة السمعة، وكان المشهد السياسي كله تجارة باسم الدين، وكشفت الفهم القاصر للإسلام والفهم الأكثر قصوراً لقضايا المجتمع المتعلقة بالجريمة، وتفجرت ردود أفعال متباينة، فاعترض عليها الصادق لأنها تمت بطريقة متعجلة. فاعتقل لموقفه ذاك. ويبدو أن اعتراضه كان على الطريقة التي تم بها الإعلان وليس على الفكرة نفسها، لأنه عندما جاء إلى الحكم في العام 1986م، لم يلغها بينما إلغاؤها لم يكن يحتاج لأكثر من جرة قلم.. ولسنا هنا بصدد مناقشة مدى سلامة ذلك الموقف، إنما نستعرض موقف الصادق من سياسة نميري وتقاربه من موقف الترابي.
    واعترض الأستاذ محمود محمد طه على تلك القوانين، واعتقل وأطلق سراحه نهاية العام 1984م، فاصدر منشوراً عاماً قال فيه إن قوانين سبتمبر أذلت الشعب السوداني وامتهنت كرامته ولا تصلح للتطبيق ودعا إلى الغائها، فاعتقل مع بعض أنصاره وقدموا للمحاكمة، فقال في المحاكمة: (أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر، من أنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام، ونفَّرت منه.. ووضعت واستغلت لإرهاب الشعب.. ثم انها هدت وحدة البلاد.. والقضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً وضعيفين اخلاقياً.. من اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع اية محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام في أكبر مهزلة يشهدها القضاء السوداني، فأعدم، ولكنه دخل التاريخ كأحد الرموز الصامدة أمام المبدأ.
    فماذا كان موقف الترابي وجماعته من تلك القوانين...؟!



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500235&bk=1
    _________________
                  

04-11-2008, 06:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    البصلة وقشرتها

    گيف نمحو آثـار الطغيـان؟
    تظاهرت مجموعة من الشبيبة الشيوعية قبل أيام في الميدان الاحمر بموسكو احتجاجاً على قرار اعلنه بوتين يقضي بترحيل ضريح القائد والمفكر الأممي فلاديمير ايلتش لينين من موقعه الحالي الى مكان آخر... لا ادري ما تم بهذا الشأن ولكن دعونا نناقش الموضوع من حيث المبدأ وغض النظر عن الشخصية التي يراد ترحيلها.. الاحياء من جيلنا لا شك يتذكرون الجدال الذي دار بين اقلية قليلة رافضة لترحيل تمثالي غردون وكتشنر واغلبية غالبة ترفض بقاء التمثالين... الرافضون لترحيل التمثالين انقسموا الى قسمين: قسم يقول بوضعهما في المتحف القومي واشخاص لا يتعدون اصابع اليدين يدعون ان الرأي الصواب هو تركهما في مكانيهما... وكذلك الذين يريدون ازالتهما هم ايضاً انقسموا الى قسمين: قسم يرى استباحتهما للجماهير كي تنكل بهما كما نكلا بأفراد الشعب السوداني ولسنين عدداً، والعقلاء يقولون بترحيلهما لوطنهم الأم -بريطانيا- وكفى الله المؤمنين والكفار شر القتال وهذا ما تم بالفعل... وكلنا يتذكر جماعة طالبان عندما انهالوا بمعاولهم تهشيماً على تماثيل بوذا التي شيدت قبل ظهور الاسلام في افغانستان رغم فتاوى مشائخ الاسلام حول عدم تحريمها واستغاثة البوذيين من كل ارجاء الدنيا واسترحامات الأمم المتحدة... هذه الامثلة -اقصد ترحيل ضريح لينين وابعاد تمثالي غردون وكتشنر وتحطيم تماثيل بوذا تذكرني بتلك المرأة (الخملة) الكسول التي تفاجئها جارتها بزيارة غير متوقعة والبيت -كما هو متوقع-عبارة عن (كوشة) فتأخذ مقشتها وتخبئ الأوساخ تحت الأسرة... صحيح ان الزائرة لن ترى الاوساخ ولكنها -نقصد الأوساخ- باقية هنالك في الدار تمد لسانها ساخرة من كل ناكر لوجودها.
    مثال آخر من جنوب افريقيا.. فعندما كسر ذلك الشعب الجبار بقيادة زعيمه الاسطورة نيلسون مانديلا قيود الأبرتايت وحقق استقلاله نادى البعض بتحطيم أو على الاقل إزالة تماثيل أساطين الاستعمار التي تكتظ بها شوارع اغلبية مدن الجمهورية مثل بريتوريا وجوهانسبرج وكيب تاون ومدن اخرى ومنطقهم يقولون: هؤلاء هم رموز الماضي البغيض وبقايا فترة لا نحب ان نتذكرها لانها تمثل نقطة سوداء لا في تاريخ جنوب افريقيا وحدها بل هي وصمة عار في جبين الانسانية كلها كما لا نريد لأطفالنا التعرف على الطغاة العنصريين الذين ساموا اجدادهم العذاب وأذاقوهم ألواناً من القهر والعذاب... أول من عارض هذا الرأي هو المناضل الجسور الذي لا يشك احد في وطنيته... نيلسون مانديلا قائلاً: هذا هو تاريخنا بخيره وشره بقبيحه وجميله ثم تساءل: هل ازالة تماثيل هؤلاء الطغاة يزيل تلك الفترة من صفحات تاريخنا؟ ولماذا لا نعرف أبناءنا وأحفادنا بفظائع تلك المرحلة حتى يتمكن منهم كره الظلم والاستبداد غض النظر مَنْ يمارسه ضد مَنْ؟... ان انكارنا أو اعترافنا بالواقع لا يغير شيئاً في حقيقة وجوده ولن نستطيع ان نغطي نور الشمس بشبكة وكل ما نفعله ان نحن حاولنا ذلك هو تعتميم الرؤية فقط في أحسن الأحوال لا اكثر.
    ولنعد الآن للتعرف على من هو لينين... فلادمير ايلتش لينين من اعظم فلاسفة ومنظري البشرية على مر العصور وهو مكمل الماركسية لتصبح (الماركسية ـ اللينينية) وله اسهاماته المقدرة في الاقتصاد السياسي التي تدرس في الجامعات الى يومنا هذا، كما هو من اعظم مهندسي الثورات ويكفيه فخراً انه وكنتيجة لتخطيطه ظهرت اول دولة اشتراكية في العالم -نقصد الاتحاد السوفيتي- وهي تجربة لا شك عظيمة رغم انهيارها أواخر القرن الماضي ولكن سوف تبقى تجربة انسانية ثرة واضافة نوعية متميزة ومفصلية في تاريخ البشرية جمعاء... وهنا يجب ان ننبه ان انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي لا يعني على الاطلاق خطأ النظرية اللينينية على الاقل لا في مجملها رغم ما قد يعتورها من نقائص تحتاج التطوير والتكملة... لكل ما سبق نجد ان لينين قد ترك بصماته لا على الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وحدهما بل على كل اصقاع العالم وله تلاميذ في كل انحاء حتى يوم الناس هذا... من هذا المنطلق نستطيع القول إن لينين وافكاره اصبح يمثل تراثاً انسانياً اتفقنا مع رؤاه أو لم نتفق وليس ملكاً للدولة التي يقع فيها ضريحه لذلك فإن ازالة ضريحه من مكانه جريمة لا تقل عن جريمة تحطيم التماثيل البوذية في افغانستان.
    وكم يحزنني منظر عاصمتنا الخالية تماماً من أي تمثال بعد ترحيل «الخواجيّن» غردون وكتشنر الى بلدهم الأم وبعد ان حطم ثيران التطرف الديني تمثال المهاتما غاندي واختفاء تمثال الشيح بابكر بدري داخل حوش مدرسته بين حفيداته بينما اغلبية العواصم العربية تعج بمختلف التماثيل تخليداً لرموزهم الوطنية... وكان الاجدر بنا ان نجمِّل عاصمتنا بصور وتماثيل ابطالنا من امثال الامام المهدي والخليفة عبد الله وأبي عنجة وهو يمتطي صهوة حصانه ويشير بحسامه نحو النيل الخالد معلناً بداية تطهير البلاد من رجس الاستعمار... وحتى من عايشناهم من الرموز الوطنية... الزعيم اسماعيل الازهري... والدبلوماسي الشاعر محمد أحمد المحجوب... والمفكر الثوري الفذ عبد الخالق محجوب... والاستاذ المجتهد عدو التكلس الديني محمود محمد طه وآخرين... وأخيراً وليس آخر شهيد السلام الدكتور جون قرنق وغيرهم وغيرهم من أمثال الشعراء جيلي عبد الرحمن وعمر الدوش وعلي عبد القيوم وصلاح أحمد ابراهيم وآخرين وآخرين فحواء السودانية ولدت وما فتئت... واذكر وأنا في مدينة حلب في زيارة رسمية لمنظمة «الإكاردا» ان اصطحبني أحد العاملين في المنظمة ليعرفني على ابرز معالم المدينة وكان من بين الامكنة التي زرناها حديقة صغيرة بها تمثال لأبي فراس الحمداني. فقلت لمضيفي: ان أبا فراس توفى وهو في مرحلة الشباب... قال: لست متأكداً ولكن هنالك تاريخ ميلاده ووفاته ويمكننا التأكد من ذلك. وفعلاً وجدناه قد توفى وهو لم يبلغ الاربعين من العمر... عندها سألني مضيفي بدوره: كيف عرفت هذه المعلومة؟ فقلت له من قوله:
    ابنيتي لا تجزعي كل الأنام الى ذهاب
    قولي لهم إذا ناديتني وعييت عن رد الجواب
    زين الشباب أبو فراس لم يمتع بالشاب
    سكت مضيفي مدة ثم قال: صدق الذين يقولون: عندما تأتي الى الشام تعال لترى التاريخ ولن تحتاج الى قراءته!!! ونعود الى بلادنا ونتساءل: من أين اتانا هذا القحط الثقافي وما سبب عداوتنا غير المبررة للتماثيل؟ هل لا نزال نؤمن ان البيت الذي بداخله تمثال أو صورة - كما تقول المدرسة السلفية المتحنطة- لن تزوره الملائكة أم -يا ترى هو خلل في تركيبتنا الثقافية؟ كم أتمنى ان أرى في شمبات مثلاً تمثال لمن هم في قامة مولانا عوض الله صالح وبلبل شمبات خضر بشير والثنائي المتفرد الخالد عوض وابراهيم ومولانا الفكي يس وغيرهم تجمل ميادين وشوارع البلدة... وتتزين مدني بتمثال لابراهيم الكاشف..



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500162&bk=1
    _________________
                  

04-11-2008, 06:33 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لمحة تاريخية «2-4»

    تحالف الصادق التـرابي
    * (التحالف الثالث)
    ولعله اخطر تحالف بين الزعيمين لأنه كان في مواجهة مؤسسة القضاء. وعرف القضاء السوداني باستقلاله حتى في اكثر الظروف حلكة، حتى جاءت اوضاع شاذة سلبته ذلك التاريخ الناصع. وقد قال المرحوم السيد عبد الله الحداد مفتي حضرموت في حديثه في العام 1996 قبيل وفاته باسبوع، قال إن القضاء في السودان انزه قضاء في العالم العربي، والقضاء في اليمن فاسد. وكان الشيخ الحداد قد درس في جامعة الخرطوم في كلية الشريعة في الخمسينيات وتلقى تدريباً عملياً في المحاكم السودانية. وكان الرجل غزير العلم شجاع الرأى. فقد خرج على النظام في اليمن الديمقراطي في العام 1968 احتجاجاً على تدخل السلطة في عمله كرئيس للقضاء، وجلس في منزله حتى وفاته. فحكمه على القضاء في السودان له وزنه، لأنه حكم من الخارج ولأنه حكم رجل شجاع.
    بعد قرابة العام أصدر صلاح حسن قاضي المحكمة العليا في 22/12/1966حمكاً اعلن فيه ان الحريات المنصوص عليها في المادة الخامسة من دستور السودان المؤقت لعام 1964 لا يجوز الحد منها بتشريع او تعديل دستوري، وحكم بعدم دستورية التعديلات التي اجريت في العام الماضي، واصبح ذلك الحكم سابقة قانونية يرجع لها فقهاء القانون. وبناء على ذلك الحكم اصدرت محكمة مديرية الخرطوم حكماً ببطلان حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. فماذا كان موقف تحالف الصادق- الترابي من حكم القضاء؟
    قال الصادق المهدي إن حكم المحكمة العليا حكم تقريري. فهل هذا يعني ان المحكمة العليا عندما اصدرت حكمها كانت في منتدى ثقافي او جمعية ادبية؟ وهل كان ذلك التصريح من موقف انفعالي ظل عالقاً بالنفوس لاكثر من عام؟ ولماذا امتثلت القوى السياسية منذ البداية باللجوء الى القضاء اذا كان حكمه تقريرياً؟أم ان الامر لم يكن سوى أُلعوبة نقبل بحكمها إذا وافق هوانا ونرفضه اذا لم يصادف منا هوى؟ إن تصريح الصادق ينسف كل المؤسسة القضائية وهى احدى ركائز النظام الديمقراطي اللبرالي. وبعد مضي قرابة عقدين قال الصادق تعليقاً آخر عن ذلك الحكم في محاضرة القاها في المانيا عن حقوق الانسان المستدامة. قال إن قاضي المحكمة العليا صلاح حسن عضو خفي في الحزب الشيوعي، ورئيس القضاء في ذلك الوقت كان عضواً مشاركاً في الحزب الشيوعي. وهذا تعليق يثير الدهشة. فالقضاة ليسوا مخلوقات تهبط من السماء، ليس لهم إنتماء حزبي. ولكن عندما يجلسون في منصة القضاء يحكمون قانونياً إلا إذا كان القاضي ضعيف العقل منعدم الضمير. لقد كان تعامل القضاء مع القضية قانونياً عندما كان القضاء في قمة شموخه المهني، وتعامل معها الصادق سياسياً فأصبح حكم القضاء إرثاً قانونياً، وكان تعليق الصادق مثل رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. ومن المؤكد ان قاضي المحكمة العليا ورئيس القضاء ليسا عضوين في الحزب لا بالخفية ولا بالاشتراك.
    أما الترابي فقد نشر كتاباً سبق ذكره. ونصب الترابي من نفسه محكمة فوق المحكمة العليا. واغرق نفسه في مغالطات عبَّر عنها الاستاذ محمود محمد طه في كتابه سالف الذكر. ويبدو ان الترابي لم يفرق بين اجابة طالب نبيه على سؤال امتحان وبين تناول مستقبل امة.
    وتصاعدت الازمة بطريقة اختلط فيها امر السياسية العابرة بثوابت النظام البرلماني، وانتقلت المعركة لتنال من المؤسسة القضائية واستقلال القضاء، مما دفع برئيس القضاء بابكر عوض الله ليقدم استقالة مدوية، ختمها قائلاً:- «إني عملت ما في وسعي لصيانة استقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق اكتوبر. ولا اريد لنفسي أن أبقى على رأس الجهاز القضائي لأشهد عملية تصفيته وتقطيع اوصاله وكتابة الفصل الأخير من فصول تاريخه».
    ( راجع تفاصيل الازمة في كتاب القدال: الاسلام والسياسة في السودان:651-1985).
    لقد كان التحالف الثاني والثالث بين الزعيمين من اخطر التحالفات في تاريخ التجربة الديمقراطية، فقد نسفا أهم ركائز النظام البرلماني، ولم يبق منه إلا صناديق الاقتراع والخطب العصماء في البرلمان. واذا كان اصحاب المصلحة الحقيقية في النظام البرلماني لا يحفلون بثوابته، فإن هذا يفتح الباب امام العسكر ليقطعوا ما تبقى من اوصاله. انتهت الازمة بكل مراراتها ولم يبق إلا ان نعيد الدرس لنستفيد منه، وبدون الوعي بالتاريخ ينحط الانسان الى درك سحيق من الملهاة العبثية.
    (التحالف الرابع)
    لم يكن تحالفاً بقدر ما كان وقفة مشتركة حول الدعوة للدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية كلاهما دعوة لحكم متسلط ودفعت تلك الدعوة بالصراع السياسي باسم الدين الى ذرى عالية وكانت الدعوة للدستور الاسلامي قد انهزمت في العام 1957، وجاءت مسودة الدستور التي وضعت في ذلك العام علمانية. ولكن انقلاب 1958 عطَّل المضي فيها، وفي يناير 1967 كوَّنت الحكومة لجنة من الجمعية التأسيسية لوضع دستور دائم للبلاد. وكان موقف الترابي مندفعاً، أما الصادق فكان ملتوياً في موقفه وكان مناوئاً لعمه الإمام الهادي فصرَّح قائلاً: إن الحديث عن الدستور قبل التغلب على مشاكل البلاد الكبرى التي تهدد حدود السودان، يعد عبثاً ما بعده عبث.
    إن الدعوة للدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية كانت نذير شر مستطير من أية جهة جاءت. وكان تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ثم الدعوة للدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية هى التي فتحت الطريق لانقلاب 25 مايو.
    (التحالف الخامس)
    كان التحالف الخامس اقل التحالفات متانة، ولكن له آثاراً بعيدة الغور. في بداية العام 1970 قام جماعة من حزب الامة والاخوان والاتحادي بمواجهة نظام مايو عسكرياً في الجزيرة أبا، وكانت مواجهة شجاعة استبسل فيها نفر من الشباب بجرأة. وكان خطأ المواجهة انها واجهت نظاماً عسكرياً بمجموعات ضعيفة التسليح والتأهيل العسكري، وفي جزيرة مقفولة، فقام النظام بمحاصرة الجزيرة وضربها بالطائرات، ثم اقتحمها بالدبابات والمدرعات، ولم يكن للترابي والصادق دور مباشر. فقد كان الترابي في المعتقل والصادق في الخرطوم. ولكن لم يصدر منهما ما يوضح معارضتهما له.
    أكسبت احداث الجزيرة أبا نظام مايو احساساً بالقوة ربما كان مبالغاً فيه، ولكنه انطلق منه ليستأسد على الحركة السياسية فأقدم على نفي الصادق وعبد الخالق إلى مصر. واصبح اكثر اعتماداً على القوة العسكرية بدلاً من النفوذ الجماهيري. ولعل احداث الجزيرة أبا كانت مقدمة للأحداث التي وقعت في العام 1976 وكانت هى محور التحالف السادس.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500047&bk=1
    _____________
                  

04-11-2008, 06:34 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بضعة أسئلة للدكتور نافع ودعوة للمثاقفة

    وقف الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني خطيباً وهو كثيراً ما يفعل، ولولا أن الدكتور قيادة ملء السمع والبصر، بل وهو من الذين يصنفهم المولعون بالعقلية التآمرية بأنه ثاني أربعة يديرون دفة هذه البلاد، إضافة إلى أنه والكاتب رغم المعرفة المباشرة، أبناء منطقة واحدة (الخليلة - ود رملي) لأنكره الكاتب وظن أن في الأمر التباساً، لاختلاف اللغة والنبرة والمنهج وبعد الشقة بينما يُطرح وما تراكم وتراتب من إرث وتقليد لامس حد المعتقد في تعامل أهل الإنقاذ مع قضية الحريات والتحول الديمقراطي.
    كان هذا في الندوة التي نظمها حزب المؤتمر الوطني بمقره قبالة المطار، وكانت الندوة بعنوان (إصلاح الديمقراطية السودانية في ضوء التجارب الإنسانية الناجحة)، والعنوان ورقة أعدها الأستاذ عوض الكريم موسى القيادي بالحزب الحاكم وآخرون، وعقَّب عليها الدكتور عوض السيد الكرسني والأستاذ عمر مهاجر والأستاذ ياسر عرمان والدكتور إبراهيم الأمين ثم الدكتور أحمد بلال عثمان.
    نصب معدو الندوة فخاً محكماً اصطادوا به الحضور والمشاركين مستغلين إرهاصات التشكيل الوزاري الوشيك، وإثارة لهفة المهتمين والخائفين والطامعين، عندما أعلنت الصحف أن السيد رئيس الجمهورية سوف يعقب على الورقة، فتقاطر الناس بكثافة شديدة، وإمعاناً في إحكام الفخ لم يتم الاعتذار أبداً عن مشاركة السيد الرئيس، مما جعل الحضور في حالة ترقُب مستمر بأنه قد (يطبْ) في أية لحظة، الأمر الذي لم يحدث حتى نهاية الندوة، لا طبّة الرئيس ولا الاعتذار رغم أن الأمر كان واضحاً منذ البداية لعدم وجود إجراءات إستثنائية، وشرب الجميع المقلب ومنهم بالطبع كاتب هذه السطور، فقد تكبد مشاق الحضور، لا لأن الرئيس لديه الجديد الذي سيقوله ولكن لأن ندوة وورقة يعقب عليها السيد رئيس البلاد مهما كان رأي الناس فيه لأمر جدير بالاهتمام.
    معد الورقة الأستاذ عوض الكريم موسى والذي يحظى بقدر كبير من الإحترام، قد تنقَل في البلاد، حيث بدأ وعرفه الناس وهو في مدرسة تقول إن الحرية لنا ولسوانا، حيث كانت شعار الجمهوريين، وفي ذات الوقت هي مدرسة ذات فكر توقيفي، فمرجعه غير القابل للمراجعة هو الأستاذ محمود محمد طه (يرحمه الله)، وبالتالي تبقى الحرية الفكرية مرهونة به، ثم والعهدة على الرواة أنه قد انتمى إلى حركة اللجان الثورية التي يقوم فكرها على الكتاب الأخضر للقائد معمر القذافي وتنادي بسلطة الشعب، ثم انتهى به المطاف في رحاب المؤتمر الوطني حيث التقليد الراسخ مهما كانت الشعارات المرفوعة (الحرية لنا وحدنا). كم سيكون رائعاً ومفيداً لو أفرد الأستاذ مقدم الورقة مساحة لتجربته الشخصية لهذه المدارس المتباينة، وكيف وجد كلاً منها وكيف انجز هذا الإنتقال السلس وهل حقق ذاته في الحزبية التي ارتد إليها بعد أن إنعتق منها؟ وهي بالطبع تبقى تجربة متفردة، ومبلغ علم الكاتب أن ليس من أحد مر بهذه التجارب مجتمعة من قبل، وليس بالطبع في ذلك ما يعيب، إذا اتخذ الإنسان لنفسه موقفاً ثم رأى الحق في غيره أن يغير ذلك الموقف، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، شريطة تبيان ذلك الحق.
    الورقة في متنها العام ورقة أكاديمية تصلح لطلاب العلوم السياسية، هذا بالطبع ليس قدحاً، فهي قد بُذل فيها مجهود يستحق التقدير ولكنها حصرت نفسها في ظاهر الممارسات الديمقراطية نقداً وتقويماً، وتجاهلت الجوهريات الأساسية للديمقراطية وفلسفتها، إضافة إلى ذلك اعتمدت النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية بوصفه النموذج الممارس والذي يمكن أن تجرى عليها عمليات الإصلاح. وقد بذل مقدم الورقة جهداً مقدراً في تبيان مطلوبات الإصلاح الديمقراطي من المؤسسية والشفافية والحكم الرشيد، وتوسيع دائرة المشاركة وإعلاء دور مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء الإعلام الحر غير المملوك للدولة، الذي يستطيع أن يقود خطاها ويرقب حركات الحكومة ويقوِّم أداءها ويملك الحقائق للناس، هذا إلى جانب إفساح المجال لتمثيل المرأة وكل الفئات التي تتطلب التمييز الإيجابي.
    وعلى التجربة السودانية طرحت الورقة نقطة في غاية الأهمية وهي أن الاستعمار نقل التجربة الليبرالية للمستعمرات ثم تركها وخرج، وأخذت التجربة دون وعي وتبصر، فالنجاح النسبي الذي حققته الديمقراطية الليبرالية في الغرب إنما ذلك بسبب أن الديمقراطية قد أعقبت مرحلة البناء الوطني من تنمية الموارد وتنمية بشرية والبنى التحتية وبناء مؤسسات الدولة، وبالتالي هي نتاج تطوير طبيعي أخذ الوقت الكافي ليتشكل. أما في السودان فقد بدأ الأمر بالمقلوب، بدأت الأحزاب وسبقت كل البنى التحتية اللازمة، وبالتالي أصبحت هي ذاتها أداة من أدوات مصادرة الديمقراطية التي ابتلعتها الطائفية والجهوية والقبلية والعرقية. وهذه النقطة تؤيد ما ذهب إليه الدكتور الكرسني المعقب الأول، بأنه لم تكن هناك أصلاً ديمقراطية في السودان وبالتالي فالأمر يحتاج إلى بناء، ثم أن ضعف القوى الحديثة أدى إلى عدم القدرة على بناء الديمقراطية مما أوقع البلاد في الدائرة الشريرة، انقلاب - ثورة شعبية. واتهم الدكتور المؤتمر الوطني بأنه يتقوقع ولا ينفتح، ولم يتجاوز بعد سيطرة الحركة الإسلامية على مفاصله.
    وبما أن المقالة ليست رصداً للندوة، فقد فعلت الصحافة ذلك، فسيتم تجاوز الكثير من النقاط المثارة بواسطة المعقبين، وأثار الأستاذ عمر مهاجر رداً على إيجاد طريق ثالث للهوية بين الزنوجة والعروبة قائلاً إن الهوية لا يمكن البحث عنها عبر مجهول. ومن النقاط المهمة ما أثاره الأستاذ ياسر عرمان ممثل الحركة الشعبية، أن ما اعتُمد من نظامين في بلد واحد إنما كان خياراً للتعايش والمواءمة ولكنه ليس بالطبع الأفضل ولا يجب أن يدوم، ولكن يجب أن يجتهد المفكرون لإيجاد صيغة للتعايش لكل أهل السودان، فالأمر يحتاج إلى الاجتهاد الجرئ من أهل الفقه وأهل السياسة ومناقشة مسألة الشريعة والعلمانية بشفافية ووضوح، مادحاً تجربة تركيا الإسلامية وتجربة حزب الله في لبنان.
    والباحث الرصين دكتور إبراهيم الأمين أشار إلى نظرية دانكوت روستو التي اعتمدها الطرفان الحركة الشعبية والحكومة، وهي تتلخص في أن تكلفة إخضاع الخصم أقل من تكلفة التفاهم معه، وامتدح أن الطرفين قد فطنا لذلك. والدكتور أحمد بلال عثمان انتقد ابتسار أن يكون الحزبان المتواجدان في أنحاء السودان المختلفة على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وأضاف أن أحزاباً أخرى منها الاتحاد الديمقراطي تتمتع بهذه الخاصية.
    كل هذه المقدمة لإعطاء القارئ العزيز خلفية عن المحفل الذي وقف فيه الدكتور نافع علي نافع خطيباً، وقد كان المتحدث الأخير ليذهب الناس بما علق في أذهانهم من كلماته، وهذا مؤشر جد خطير، وهو يعكس أن عقلية الاتجاه الإسلامي لم تتطور منذ الحركة الطلابية بالجامعات، وأن الدكتور نافع مع كل الاحترام لا يزال يختزن تجربة طالب كلية الزراعة، فقد كان الاتجاه الإسلامي يحرص دائماً أن تكون ندوته الأخيرة أي عشية انتخابات الاتحاد، وهي دائماً ما تكون ندوة يُحشد لها حشداً قوياً ويُجلب لها حتى العمال من مصنع النسيج السوداني، ويقدم فيها التنظيم قياداته المتمكنة خطابياً، ويوزَع جمهور التصفيق الموقَّع والهتاف المنظم على أنحاء الندوة، وعليه يجعل الاتجاه الإسلامي بقية خصومه من التنظيمات السياسية في حَيصَ بَيصَ، فإما أن تنظم ندواتها الأخيرة في يوم سابق فيأتي الاتجاه الإسلامي ويمسح ما أحدثوه من أثر خصوصاً وسط طلاب السنة الأولى (البرالمة)، فيصبحون على صندوق الاقتراع وفي آذانهم آخر صدى الضجيج، أو أن يتجرأ تنظيم في إقامة ندوته في ذات الليلة وهو حتماً لا يملك مقدرات الاتجاه الإسلامي في الحشد، وهنا ستكون الطامة الكبرى بحيث تكون الانتخابات قد حسمت قبل أن تبدأ بما سيحدث من مقارنة.
    كان الأوفق أن تكتفي الندوة بالورقة والتعقيب والمناقشة، ولكن من الواضح أن للندوة أيضاً أهدافاً تجنيدية، فتقديم البروفسور إبراهيم أحمد عمر والدكتور نافع في ختام الندوة يؤكد هذا، كان الأفضل أن يتحدث الدكتور نافع بعد المتحدث الأول، ويكون هو المعقب على الورقة بدلاً عن الرئيس البشير الذي كان طُعماً لاجتذاب الجمهور الذي من بينه كاتب هذه السطور، ثم يتيح للآخرين فرصة مناقشة أفكاره والرد عليها، ولكن يبدو أن سياسة الخم والكلفتة وافتراض الغباء في الآخرين هي السائدة، أو الإحساس بأن المؤتمر الوطني وحده على الساحة وان الباقين ما هم إلا رصيد مهمل يعب منه ما شاء. ولكن مع ذلك فقد طرح الدكتور نافع نقاطاً جديرة بالمناقشة، واشرأب الكاتب بإصبعه يطلب فرصة الحديث ولكن دون جدوى، فالأمر على ما يبدو مرتباً، فقد كان يريد فقط أن يقول إنه يريد فرصة كاملة على المنبر كمتحدث أساسي عن إصلاح الديمقراطية بمفهوم مختلف.
    أثار الدكتور نافع عدداً من النقاط كل نقطة تولد عدداً من الأسئلة والاستفسارات والاستفهامات والتعجب. النقطة الأولى التي أثارها هي أن التحدي الحقيقي للإصلاح هو النظر للمواعين والنظم داخل الأحزاب، وهذا يعني المؤسسات والمؤسسية. وأجاب الدكتور بنفسه أن كل الأحزاب ستدَّعي أن لديها المؤسسات والقنوات وتمارس الديمقراطية والمؤسسية في داخل نظامها السياسي.
    والسؤال الذي يجب أن يطرح للدكتور نافع، وإذا افترضنا جدلاً أن المؤتمر الوطني لديه المواعين والنظم التي يمارس من خلالها الديمقراطية والمؤسسية، رغم أن الحقيقة غير ذلك تماماً والشواهد على ذلك كثيرة، ولكن هل كل الأحزاب أتيح لها ما أتيح للمؤتمر الوطني بأن خرج من عباءة السلطة؟ فالجبهة الإسلامية بعد أن استولت على السلطة بالانقلاب العسكري، سخَّرت كل إمكانات الدولة لبناء تنظيمها السياسي، ابتداءً من الدار التي تبلغ مساحتها عشرات الأفدنة، ما كان يمكن الحصول عليها لولا صولجان السلطة، ثم المال السائب بلا حساب والعربات والأثاثات والمرتبات المهولة ثم التسهيلات إضافة إلى إخضاع الخصوم والتضييق عليهم. حتى الشركات التي سيقال غداً ان التنظيم يمول من ريعها، كل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالسلطة والاستعمال العسفي لها. وعليه فإن الحزب ما هو إلا شركة حكومية، وقطعاً لو وجد هذه الإمكانات أي حزب مهما كانت أطروحاته غريبة فإنه سوف يحقق ما حققه المؤتمر الوطني وأكثر، ويمكن أن يتهكم قادته على الآخرين بعدم المؤسسية والقنواتية. ذكر الله بالخير الأستاذ مختار عبيد الذي ظل يتنقل بأطروحاته النبيلة من عهد حزب العمال والمزارعين إلى دعوته لقيام التكامل المصري السوداني الليبي ولا يزال مشلهتاً، وليتصور القارئ العزيز لو أن الأستاذ أمين بناني نيو بكل قدراته وعصاميته وجد بعضاً يسيراً من إمكانات المؤتمر الوطني إذاً لأصبح حزب العدالة حزباً يدخل الناس إليه أفواجاً. ويكفي أن الكاتب قد ظل يحلم بعقد مؤتمر للمستقلين منذ مقالته المستقلون قادمون، لينطلقوا بعده في البلاد والعباد يبشرون بفكرتهم القائمة عدم تفويض الإرادة لأحد ولا يزال عاجزاً عن التنفيذ.
    الأمر الذي يجب أن يعيه أهل المؤتمر الوطني أن الحزب لا مستقبل له بدون السلطة ودعم السلطة، وهو الأمر الذي يجب أن يناقشوه فيما بينهم بصراحة وتجرد وأن يجدوا له الحلول، هذا ضروري من أجل الإستقرار السياسي، إن كانوا صادقين في مسألة التداول السلمي وليس لهم سيناريو يفاجئون به الحلفاء والخصوم.
    ودعا الدكتور نافع إلى ضرورة وجود شخصيات وطنية محايدة، والسؤال حول هذه النقطة بالذات إنها تحتاج إلى شرح وتوضيح، أما مسألة الإعلام الشفاف الذي يقوم بالمقارنة، ودعوته أن ينظر الآخرون إلى تجربة المؤتمر الوطني في الممارسة السياسية وأن تخضع للتقويم والامتحان، وهنا ظن الكاتب أنه يستمع إلى شخص آخر من بلد آخر وتنظيم آخر، لا النموذج الذي خبره وعجم أعواده، فالامتحان الأول هو نقد التجربة والاعتراف بالأخطاء وعدم التعدي على الحريات بأشكالها كافة، ورد الحقوق والمظالم. ولكن أن يقف المرء حيث انتهى به المطاف ليقول احكموا علىَّ من الآن فصاعداً، فهذا هو الابتسار بعينه، ولكن ليطمئن أهل السلطة فالكاتب لايدعو إلى التغيير الرادكالي، فقد عانت منه البلاد ما يكفي ولكنه يدعو إلى التطوير الجاد.
    ونقطة أخيرة دعا الدكتور نافع جماهير الأحزاب، أن لا تنتظر الديمقراطية كما ينتظر الفقير الصدقة، لأنها حق والحق يؤخذ أخذاً، وعليها إذن أن تثور على قادتها وتحملهم على الديمقراطية حملاً، ولم يجد الكاتب إلا أن قال بصوتٍ ربما سمعه الجالسون بجواره (بي جَدَّكْ؟!). ولو عممنا دعوة الدكتور نافع هذه على الشعب السوداني الصابر والمصابر ستة عشر عاماً فهذا يعني أنه يحرضه على الإنقاذ، وعلى جهاز الأمن الوطني الذي كان هو على رأسه أن يسارع باعتقاله. جماهير الشعب كانت ستثور، فهي عقاب ثورات (وأقرع ما ببالي من قوبة) ولكنه الإحباط المستمر من الأحزاب التي كانت دائماً تستولي على ثوراته الشعبية البطلة وتنحرف بأهدافها وتجهضها ولذا لم يجد فائدة من أن يثور.
    ختاماً يمكن القول إن الندوة ناجحة بالنسبة للحزب، فقد كان فيها بعضاً من طلاب السنة الأولى، إذ علا التصفيق أكثر من مرة، ولكن الندوة لم تناقش إصلاح الديمقراطية السودانية ولا غيرها وهو محور الندوة، فالمحاور التي كان يجب أن تُناقش للوصول إلى الإصلاح الحقيقي والمستدام وهي ما سيناقشه الكاتب إن أتيحت له الفرصة، وهذا طلب مفتوح من الكاتب للمؤتمر الوطني ويلزم الكاتب بالحديث فقط عن الإصلاح دون كيل النقد للحزب الحاكم، فالكاتب كما هو معلوم مستقل ولا يسعى للسلطة وإنما يسعى بقوة لتمليكها للناس في القواعد. هذا بالطبع إن صدق ما ظل يردده مقدم الندوة الناجح الأستاذ الوزير أزهري التيجاني بأنهم يعترفون بالآخر وهذا يعطيهم المبرر لدعوته، فإن أبو، وعلى حد قوله إنما هم يهزمون خطهم الأول. (والموية تكضب الغطاس)
    أولاً: تأمين الديمقراطية وهذا لا يتأتى إلا بالإدانة الجماعية للاستيلاء على السلطة بالقوة من نظام ديمقراطي مهما كان ضعيفاً أو منحرفاً (بلاش حكاية ميثاق الدفاع عن الديمقراطية)، فكيف يمكن الحديث عن أصلاح لديمقراطية مهددة بنزوات العسكر والمغامرين.
    ثانياً: ماهية الديمقراطية ودور الشعب فيها الذي يجب أن يتجاوز التعبير الشعبي إلى حكم الشعب.
    ثالثاً: لا يمكن مناقشة الديمقراطية الليبرالية بمعزل عن البيئة الغربية، فالليبرالية هي أداة المجتمع الطبقي الرأسمالي، وهي حتماً بصورتها تلك لا تناسب مجتمعنا السوداني، أو قل الإسلامي على الأقل.
    رابعاً: ثم جدلية الديمقراطية والشورى.
    خامساً: إزالة أدوات سلب الديمقراطية من قانون انتخابي وصندوق اقتراع وكشوفات تسجيل، وكل ذلك من مداخل الفساد والتزوير، والضمان هو الممارسة المباشرة للديمقراطية.
    سادساً: مبدأ المحاسبة بواسطة الجماهير بمن تقوم بانتدابهم وعزلهم إذا دعا الحال لا الانتظار إلى موسم الانتخابات القادمة.
    سابعاً: مفهوم ممارسة السلطة التي يتصارع عليه الناس، والمؤتمر الوطني وكي يؤمِّن هذه السلطة حتى لا ينتزعها منه أحد، هو أن يتحوَّل إلى مؤتمر حقيقي ويعيد السلطة للناس لممارستها، وأن يعود الدكتور نافع إلى مؤتمر حي من الأحياء بريف ود رملي لتصعيده بدلاً من علمليات القفز بالزانة هذه، وتصعيده بالطبع مؤكد فهو قيادة فذة.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147499635&bk=1
    _________________
                  

04-11-2008, 06:36 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الندوة الشهرية لرابطة الكتاب السودانيين .. «حسن سلامة: هندسة الهامش والمركز»

    حسن سلامة: يجب ان يفهم الناس ان الحركة الوطنية لم تكن - مجرد (تسليم وتسلم)
    د. عبدالله علي ابراهيم: حسن سلامة له القدح المعلى \ إلغاء نظام (السخرة) بالريف
    د. محمد المهدي بشري: حسن سلامة مفكر منسى لم نعطه حقه
    اقيمت الندوة الشهرية لاتحاد الكتاب السودانيين بمسرح صحيفة المشاهد ليلة السبت 13 أغسطس وجرى التداول هذه المرة عن تجربة الاستاذ حسن سلامة.
    «هندسة الهامش والمركز »
    حضور غفير أم المكان في اشارة واضحة لعودة الروح للراهن الثقافي ومداولاته .. قدم الاستاذ عبدالله شابو رئيس الرابطة الدكتور عبدالله علي ابراهيم في كلمة ضافية.. وقد اضاف في حديثه المختصر ان الاستاذ حسن سلامة يعتبر من المفكرين المتميزين في السودان والذين اسهموا في خضم الثقافة بصورة ايجابية.
    المتحدث الرئيسي د. عبدالله علي ابراهيم قال انه اتيحت له الظروف ان يلتقي الاستاذ حسن سلامة في عام 1960م، بحي المسالمة حيث قدمني له الاستاذ مكي وكان سلامة حينذاك قد انفصل عن الحزب الشيوعي .. المرة الثانية التي التقى بها فيه كان في تحضيرات الاحتفال بالذكرى الثانية لمؤتمر الخريجين .. والثالثة وكما يقال (الثالثة واقعة) اتاح لي بعض الاخوان ان التقى به في حلقات لا سجل حيوات وخبرات اولئك التقدميين ، وأضاف نحن نتحدث الآن عن العزة بالجهل والتجاهل لأربعين سنة.. بدأت اضع الرفيق وجيله وما بعد جيله وكنت افكر حين عودتي وقبلها ان انظم ندوة عن الاستاذ حسن سلامة وقد كلل الله المساعي اليوم بالتوفيق وكذلك في خاطري شيبون وعبدالخالق وغيرهم ويجب ان يكون لنا رباطة الجأش في زمن الهرج، والتمسك بالمعاني ما امكن...
    ثم قدم د. عبدالله علي ابراهيم نبذة عن الاستاذ حسن سلامة الذي ولد في العباسية بام درمان في عام 1924م، ووالده درس في كلية غردون، وكان حسن يرافقه في تجواله عندما كان صغيرا ومن هنا بدأت روابطه بالريف وهموم الريف.. تربي في حي العصاصير الذي كتب عنه علي المك وخلده في كتاباته وهو يقع بين شارعي مكي وابوروف ، التحق بالاحفاد الاولية وتوقف تعليمه عند هذه المحطة عام 1939م، دخل مع الاخوان المسلمين ناس صادق عبدالماجد وفر منهم بعد اجتماعين فقط لا غير.. في ما بين عام 41 - 1943م، نشط في الجمعيات الادبية المحاضرات وتعليم الانجليزية ، وصار عضوا بحزب الاشقاء ثم انشق عنهم بسبب مكيافيلية يحيى الفضلي وعقب ذلك تكوين حزب الاحرار من قبل حسن الطاهر زروق وعوض عبد الرازق وغيرهم..
    كان حسن سلامة العقل المدبر لصحيفة الاحرار في بداية الاربعينيات وكانت تطبع ثلاثة الاف نسخة وتنفد من الاسواق جميعها... انخرط في الحزب الشيوعي وكان عضو ا للجنة المركزية حتى عام 1960م.
    بعد ذلك انتقل د. عبدالله علي ابراهيم للحديث حول ثلاثة محاور: لماذا لم تأخذ قضية الهامش بتلابيب وعقل الحزب الشيوعي، والحديث عن عشوائية قيام الحزب الشيوعي، ولماذا لم يتفهم الحزب قضية الهامش، اما في معرض حديثه عن الهامش مستحضرا في ذاكرته حسن سلامة، . استدل بمقولة (النار بتقوم من الاطراف) والتي استقاها من حوار تم بين حسن سلامة وسجين (رباطي) ألتقاه ابان سجنه في كوستي بعد مظاهرات 1952م، فكان النقاش يدور من ان التغيير لا يجب ان يبدأ من الوسط.. ألتقط حسن الفكرة وروج لها في اضابير الحزب وفتح حوارا حول الاهتمام بالريف والهامش منذ ذلك الاوان، واضاف ان جيل حسن سلامة كانت لهم مواقفهم ضد قضايا التهميش والعرق... ولهم مواقفهم الصلبة في مجابهة نظام السخرة المتفشي تلكم الايام وهو نظام استعماري معروف استمرأه البعض هنا... الحزب آنذاك قاومه في مروي وديار الجعليين ومناطق الغلفان، حيث منعوا الاهالي من بناء مساكن خاصة ابان فترة عبد الله خليل واذعنوا للامر وخرجوا بمظاهرة تشيد بحزب الحرية مما ادخل نظام الاجر المستحق في القيام بالاعمال واصبح شيئا راسخا وامتد حتى جبال النوبة ودفع ثمن ذلك حسن سلامة ورفاقه بالسجن لتأليبهم الاهالي وتم سجنهم في الدلنج واطلق سراحهم بعد فترة واستطاعوا تجنيد تسعة من المشايخ والزعماء المحليين للتنظيم هذا مع احتفاظهم بأنصاريتهم...
    واعتقد د. عبدالله علي ابراهيم انه لمن المؤسف ان تغيّب هذه الحقائق من الاجيال اللاحقة وتغذيتها بأنهم - اي هؤلاء - من (ادمنوا الفشل) .. وعن المحور الثاني: عشوائية قيام الحزب الشيوعي كما قال البعض ومنهم د. نوري المهاجر بامريكا ... والدعوة لتذويب اليسار في الاحزاب الاتحادية، اعتقد ان جيل حسن سلامة جرب الاحزاب الاتحادية ووجدها اقل ماعونا من الاستيعاب الفكري ووجدها غير مجدية (نضال كونتنيال) و (يحيا الرُز) ... لقد كان في الحركات الاتحادية وحاولوا ان يوسعوها ولكن... يبدو ا ن فتيل تلك الاحزاب ما بتشيل كتير... حتى ان احمد خير وخضر عمر خرجا عن الحزب لا نه لم يستجب لنظراتهم الراديكالية لذلك اتجهوا الى انتماء آخر.. فالخيبات التنظيمية عامة في اليسار او غيره ولا يجب ان تكون كمأخذ لمقارعة التاريخ..
    للتأكد من الوقائع اقرأ كتاب (تلك الايام) للاستاذ كامل محجوب. فكامل بدأ كأخ مسلم ثائر على مؤتمر الخريجين ومعهم الاستاذ محمود محمد طه والجمهوريون .. وكان همهم كيف يصلوا الي الشعب... لقد كانت هنالك تنظيمات تبحث عن مواعين غير الخريجين وروافده... وكامل له الفضل في تثبيت مطالب اتحاد الجزيرة بعد ان عمل مفوضا في الحزب وسط المزارعين بكوستي والجزيرة.
    ü اذن نظرية تذويب اليسار داخل الاحزاب اعتبرها استرجاعية وغير منطقية.
    وفي الحديث عن محور لماذا لم يتفهم الحزب قضية الهامش - وما زال الحديث منسابا من لدن عبد الله علي ابراهيم، اوضح ان حسن سلامة هو كادر ديمقراطية الريف كما كان الشفيع كادر العمال وغيرهم.. لكن لماذا لم يجد كادر الريف منبره... هذه نقطة جددت لمآلات الاشكال والمتاعب وحسن سلامة بتجربته في الريف وبعد ان جند المشايخ وزعماء العشائر في الريف كما ذكرت.. مركز الحزب طلب منهم دخول الانتخابات البرلمانية كشيوعيين وكان رأيهم ان ينزلوا مستقلين... وهنا حدث خلاف... واستطاعوا ان يترشحوا للبرلمان كمستقلين مما جعل مركز الحزب يعود ويطلب منهم الانضمام له وهذا ما لم يحدث وكان ردهم (يفتح الله) وهذا جزء من النظرات غير الثاقبة للريف.. انظر الى المشاكل التي تبدأ الآن من هناك، ان ما استوعبه حسن سلامة عن الريف لم يستوعبه غيره لذلك اصبح التعامل مع المركز بالقوة.
    اكتفى بهذا . وامامكم الآن حسن سلامة الخاتي ملامة ... وقفه .. وتصفيق.
    ü اما حسن سلامة.. فلم تسلبه سنوات العمر نضارة الفكر واتقاد الذاكرة.. وللدقة والامانة سانقل حديثه دون تبويب او تنصيص فقط ليسترسل ولي حق الكتابة..
    (تلك حياتنا.. فترة سقوط الامبريالية ونهاية الاستعمار فترة كان علينا اسقاطها ومجابهتها.. والعالم كان ينادي كله باسقاط الاستعمار يؤسفني ان اسمع ان الحركة الوطنية لم يكن لها وجود مجرد (تسليم وتسلم) ولكنهم لم يدركوا واقع الحياة السودانية ولا العالمية. ان سياسة المناطق المقفولة التي اوجدها الانجليز كان القصد منها ان تمتد الي دارفور وجبال كردفان والانقسنا.... ولكنهم وجدوا مقاومة شرسة راح ضحيتها العشرات من المواطنين الشرفاء وابيدت العشرات من المواشي والابقار.. لقد استبسل الحوازمة ، جزء من الجوامعة، جزء من الرزيقات ، واولاد حسين .. قبائل كانت تشكل فاصلا بين القبائل التي يسعى لفصلها الانجليز والزنجية... ولما شعر الانجليز بأن الحزام الفاصل مخترق امروا بضرب اي بشر او حيوان يخالف الاوامر ومات نتاجا لذلك الكثيرون دون ان يدرك اي نسان هذه الحقائق او يتطرق لها حبر وقبعت كغيرها في ا لملفات السرية..
    كثيرون لا يدرون المعاناة والشقاء الذي عاشه السودانيون في مظلة الاستعمار.. التقيت بأحد السلاطين من الفرتيت منفيا في الفاشر بسبب انه اصر على قيام صلاة الجمعة ورفض الخواجة فتم ضرب المصلين بالنار ونفي الي الفاشر .. ألم تكن هذه مقاومة!!
    ولكن الملاحظ ان القادة الذين يحررون الشعوب تقوم الشعوب باسقاطهم من الحكم - استالين مثلا - لسبب بسيط ان الشعوب لا تجد مطالبها علي ار ض الواقع...
    ان ما حدث قبل فترة في الخرطوم لم يكن تعبيرا سياسيا لم نسمع (يسقط ، عاش) بل ضرب وحرق ونهب... اين السياسة من هذا !؟
    اعتقد بنفس المستوى الشعبي (المتحيل بتبكيه الريشة) فهذا تجمع معاناة - فقر - عطالة، فكري كون في النفوس هذه الضغائن التي احدثت الاحساس بالتهميش.. وانبه ان تكون هذه الحوادث لها ما بعدها..
    وعن الحركة الوطنية لم تكن تكترث للجانب الفكري اقول غياب التفكير والتحفيظ الذي يستوعب الحياة والحركة الوطنية والكتاب السياسي الذي يلخص الحياة في السودان حال بائن... لقد علمت ان الخصم (الانجليز) ليس بالسهولة في الاعتقاد لمجابهته، نعم وقعت اخطاء منها الانعزال عن القوة الوطنية... وغياب التفاكر مع الآخر واذكر ان يحيى الفضلي قال لي اننا كرهنا بعض ا لكلمات العربية واسقطناها من الاستخدام لكثرة استخدام الشيوعيين لها وانطباعها في الاذهان بالشيوعية مثل (نضال ، كفاح) .... يضحك، لقد اختلف الناس في كيفية مجابهة المستعمر... هل بطريقة نهرو ام غيره من الثوار الافارقة والمناهضين.
    ومن الا خطاء ايضا للحزب بعد الاستقلال لم يكن هناك تحديد لرؤى مستقبلية في السودان من نواحي حكم وخلافه... .
    الي هنا انتهت افادات الرجل الذي لم تهزمه السنوات.. ولم يفارق جلبابه النصوع والاناقة .. اتكأ على عصاته حتى يستمع الى المناقشات التي انهمرت مدرارا..
    محمد الجيلاني / رابطة الكتاب السودانيين:
    من محاسن تراجم / د. عبدالله علي ابراهيم، للرجال تلك الشهادات والاعترافات التي نحتاج اليها لتأسيس قول سوداني او مناسب حول اسئلتنا..
    فمن ما قال الاستاذ حسن سلامة ان جيلهم (إنذروه) في مسألة الرؤية الفكرية التي تشكل مرجعا لمواقفنا وأنا اقول هذا جيد وحافز لإعادة النظر في المشروع التحرري كله كله حيث حكمته في مستوى الذات مكونات العقل التالية (الوجدان - القبيلة ، الدين) ، او العلاقة الاستلابية تجاه المستعمر لذا برز قولهم كنقيض للمستعمر ولم يفهم مدى وجودنا المستقبلي في خطابه الي خطاب المستعمر، وان الايدولجيا المستلفة لم تسعفهم.. مع تأكيدي على اهمية ما طرح الدكتور في مسألة الهامش والمركز ولكن لضيق الوقت اكتفي ...
    محمد سيداحمد / الحزب الاتحادي الديمقراطي ، كيان الشمال:
    تطرق الى ان وحدة وادي النيل من ابداعات الاتحاديين كشعار مرحلي.. واعتبر ان هذه اضاءة مهمة في الندوة.
    محمد احمد عبدالمجيد / باحث اجتماعي:
    حمد للاستاذ حسن سلامة التنوير في وسط الريف ضد البرجوازية والانتهازية والاسهام في تثقيف مواطن الريف .
    د. محمد المهدي بشرى:
    حسن سلامة مفكر منسي ومجهول... انا مهتم بمسألة المثقف والسلطة افتكر ان المشكل الاساسي هو التكتيات وليس الاستراتيجية الحزبية كلها تقوم على ذلك... وتحدث عن المركزية في الاحزاب والانزواء تحت تلك الالوية..
    ونجد ان البحث في جوانب الصراعات وسط التنظيمات مسبباتها هو غياب الجهد الجماعي، وسيطرة الفردية وعدم ايجاد فرصة للتعبير عن الذات.
    واشارات أخر ... دارت كلها في فلك محور الندوة عقب عليها د. عبدالله علي ابراهيم، الذي ابدى سعادته بالاسئلة التي انبنت على خلفية المحاور النقاشية، واعتقد ان الحرب ضد المستعمر كانت مجرد حرب، دون المشروع الفكري، الاجتماعي واعتقد ان هذا المنحى يحتاج الى تدقيق اكثر لنكون على بينة علي شروط التحرر الوطني.
    واضاف ان د. عبدالله علي ابراهيم د. عبد الله الطيب قال (اخذنا من المستعمر الكثير دون ان نعرف) وهذا ما يسمى دراسة ما بعد الاستعمار، اعتقد ان تلازم قيام الحركة الوطنية والحزب الشيوعي كان (رقبة لي رقبة) المسألة هذه يجب ان نهتم بها .. الحزب له سابقيته ووطنيته في النضال ضد الاستعمار هنالك استفراد بالموقف النضالي . .. كان هناك وضع مزدوج (national idea ) وحركات قاعدية جماهيرية.. لم يكن هناك فارق كبير بينهما... لقد كانت هناك برامج لتفكيك الفكر الاستعماري سارت جنبا الى جنب مع الحركة التحررية.
    وهو مشروع يحمل ادوات جيدة (النقابة ، النادي، الاتحادات) وهذا افضل ما وصلت اليه الحركة الفكرية السودانية. نعم هناك مسألة استغلال العلم... وهذا معروف .. بعد ان طرد الاستعمار لاحقه البعض ليضرب بها النقابات - وهذا موثق، النقابة كانت اوسع وعاء من القبيلة ، اللون، الحزبية ولها ادبها واناشيدها ( يا قاسم امين...).
    شيبون حاضرا:
    وسأل احد الحضور .... عن شيبون ... وقال عنه د. عبدالله علي ابراهيم انه من احد تلاميذ حسن سلامة الجالس بقربي وهو من الذين شملهم برعايته واهتمامه لقد نشأ مع هذه الدوحة السامقة (واشار لسلامة) و (الكلام يجيب الكلام)، لا اريد ان افصل الموضوع فقد فتح خاطرات وتحقيقات كثيرة.. كتب عنه الكثير.. وظهرت رواية بقلم من رفاعة على صفحات الملف الثقافي بالصحافة اعتقد انها مهمة .. سبق ان قابلت الضابط الذي حقق في قضية شيبون وقال انه وجد ورقة في جيبه مفادها انه يرفض ان ينضم لوزارة الاستعلامات بعد العرض الذي قدم له منها ... ويبدو ان شيبون كان ممزقا في القبول واللاقبول.. علي العموم هذا منحى آخر له ميقاته ومساحته.. وما زلت ابحث واستقصي..
    رصد: حسام الدين ميرغني




    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147498602&bk=1
                  

04-11-2008, 06:38 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    العدالة الاجتماعية في السودان من منطلق إسلامي
    د. أحمد محمد البدوي
    ( من: ابن حزم, ، سيد قطب ، , برنامج جبهة الميثاق 1965، مصطفى السباعي, إلى يوسف أبوشرى)
    ( إلى د. محمد وقيع الله من الإجلال)
    الديموقراطية لا تعني ورقة التصويت فقط, ولا تنحصر فيها, وإنما تقترن ب: قطعة الخبز, بمعنى أن تكفلها الدولة كحق, لكل من يحتاج إليها, على أن تكون بندا مضمنا في الميزانية العامة, لا أقول هذا منطلقا من واقع معايشة التجربة البريطانية ومتابعتها, وإن كنت لا أنكر تبنيها, وإنما اعتمادا على منطلقات (إسلامية و سودانية خالصة), وذلك بعد الاطلاع على مسودة الدستور, التي استوعبت بعض قيم الحداثة مثل: البيئة وحقوق المرأة, ولكنها خلت من هذا البعد الأساسي, ولهذا سنتناول هنا هذه القضية,من منطلق متوائم مع توجه الحركة الإسلامية ممثلة في الحكومة القائمة ( مع استبعاد الحركة الجمهورية, فقد كان المرحوم الأستاذ محمود محمد طه واضحا ومتقدما وميدئيا في تناول القضية إلى حد بعيد, حتى لا يقال إنك تفرض علينا برنامج خصم تاريخي, أو كما يقول عبد الصبور: نحمل دمه في رقبتنا, وأتمنى أن ينهض بذلك أحد إخوتنا الجمهوريين) علاوة على أن الطرف الآخر في لجنة الدستور ملتزم بمبدأ: قطعة الخبز! مستهل عهدها, بدت حركة الإسلام السياسي في السودان, في كلية الخرطوم الجامعية,



    عند مطلع الخمسينات, مهتمة بالقضية الاجتماعية, استخدمت مصطلح : اشتراكية الإسلام, وكان أول شعار لها هو شعار الأرض لمن يفلحها, مما ورد عند غير واحد من مؤرخي الحركة من الداخل.



    و اشتراكية الإسلام, مصطلح استخدمه الإمام مصطفى السباعي,( مؤسس حركة الإخوان المسلمين في سوريا) ( ومحرر مجلة حضارة الإسلام ومؤلف كتاب: اشتراكية الإسلام) منذ الأربعينات, بل دخل الانتحابات عام 1948, باسم: الجبهة الإسلامية الاشتراكية, التي شاركت في وضع الدستور, وأصرت على تحديد الملكية الزراعية, بأثر رجعي, وقام انقلاب, ودخل الإمام السجن, وذهب إلى المنفى,وفي نهاية المطاف, وضع الدستور, وحددت الملكية الزراعية بأثر رجعي. ( كان من نواب الجبهة الاشتركية في البرلمان السوري: الأستاذ محمد المبارك , الأساذ بجامعة أم درمان الإسلامية سابقا)



    وقد تحاشا سيد قطب مصطلح : الاشتراكية, والتزم استخدام: العدالة الاجتماعية ضربة لازب,وهو من حيث المضمون معنى بقضية توزيع الثروة توزيعا عادلا, والحقوق الاجتماعية, في مواجهة قضية القهر الاجتماعي في مصر قبل ثورة يوليو 1952.



    ففي العدد الأول من مجلة : الفكر الجديد التي أسسها سيد قطب مع الناشر(الأخ المسلم) حلمي المنياوي: كتب سيد قطب : الدستور الإسلامي: البند الأول:



    " تقديم إعانة للعاطلين والمرضى والمسنين والعاطلين عن العمل تساوي المرتب الأساسي.



    توفير العلاج والدواء مجانا.



    توفير التعليم مجانا.



    إدخال ضرائب تصاعدية على الأرباح والأموال, بحيث توفر الدولة: المسكن والعلاج والتعليم, وما يقابل الحاجات الأساسية لمن يحتاجون إليها من المواطنين, وذلك مجانا, وبلا مقابل."



    ( كتاب العدالة الاجتماعية طبع أكثر من عشرين مرة, وترجم إلى الإنجليزية مرتين)



    الحركة الإسلامية في السودان نفرت من مصطلح الاشتراكية, ولكنها في برنامج جبهة الميثاق الإسلامي, تبنت بوضوح مبدأ التاميم, ولكنها عندما وصلت السلطة, قضت على مؤسسات العدل الاسلامي الموروثة من عهد الإنجليز: مجانية العلاج والتعليم, ومضت في مجاملة البنك الدولي إلى حد رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية, الذي يستفيد منه الفقراء والمساكين, وبدلا من أن ينحسر ظل الفقر إلى ما يشبه " ظل الظهر" استطال إلى ما يماثل تماما حاله " عند صلاة المغرب"! وفي الوقت نفسه, أطلت مظاهر الثراء الفاحش والإقبال المريض على قشور الدنيا اللذيذة على قوم في السلطة أو محسوبين عليها. وانحصر العمل المرتبك في معالجة قضية الفقر, في حلول تشبه الإسعافات الأولية, لمريض يحتاج إلى عملية جراحية و نقل دم على وجه السرعة!



    قبل ألف عام كتب ابن حزم في الأندلس في كتابه: الإحكام في اصول الاحكام :



    أن على الدولة أن توفر للمحتاجين: المسكن المناسب والطعام الضروري, والملبس, ونص على أن يكون المسكن: واقيا من الحر والبرد ومن "أنظار المارة"!



    عندما كتبه في قرطبة, في القرن العاشر الميلادي, كان سكانها يشربون الماء من "مواسير" الرصاص, في بيوتهم, وكانت الشوارع مضاءة طول الليل, فلكل شارع في قرطبة: مصباح وعسس ( خفراء) وكلاب يحرسونه!



    ولهذا عندما نتحدث عن المجتمع السوداني اليوم, نقول :إن مناداتنا بالحقوق الاجتماعية, ترتبط ارتباطا عضويا بالديموقراطية, على أساس أن "لقمة الخبز" مسؤولية الدولة,أولا, ثم تأتي موسسات المجتمع المدني ثانيا,بما في ذلك: الزكاة التي يجب أن ترعاها مؤسسات مستقلة عن جهاز الدول, وكذلك الأوقاف.



    ولا أود أن أعرض لديوان الزكاة وممارساته,ولكن أود أن أبين تقصيره من حيث الفهم والتطبيق, لمسالة واحدة, تتعلق بحق المسافر, لأن الإسلام هو الحضارة الوحيدةالتي نصت على حقه, وسمته: ابن السبيل. وجعلته أحد مستحقي الزكاة, نصا صريحا في الآية الكريمة,



    أين تقنين هذا الحق, وممارسته العادلة والشاملة والشعبة التي ترعاه!



    على أن بعض إخواننا في الحركة الأسلامية السودانية, يقبل مبدئيا بوجاهة "العدالة الاجتماعية" من حيث تساوق المبدأ مع أصول الإسلام, ولكنه يرى, أنها غير عملية, تحتاج إلى ميزانية ضخمة, وهو يوافق بذلك على التفريط في حقوق إنسانية أساسية, من أجل مسوغات شكلية وإجرائية ( إن لم نقل لجاجة تبلغ حد "سلخ النملة") والجواب القريب هو أن العالم (الكافر) أعلن الحرب على الفقر, فعلى أي دولة عاجزة عن إطعام مواطنيها, في أي مكان منها, ان تعلن ذلك ( يامروة) وسيأتون قطعا ولن يموت أحد جوعا)



    بيد أن الأمر في السودان أيسر مما يتخيلون, لسببين:



    الأول: هناك الذهب في الشرق,ألف كيلو في العام نصيب الدولة وحدها, ودع عنك نصيب الشركة الفرنسية, من حيث المبدأ الفقهي المالكي, هذا الذهب بالبداهة,ركاز. للفقراء والمساكين حق فيه يبلغ الخمس, أي حوالي مائتي كيلو, وكذلك الخمس من نصيب الشركة الفرنسية. هذا النصيب وحده كاف للقضاء على مشكلة الفقر والمرض والبؤس( في شرق السودان الذي يموت أهله تحت خبطات الأبواب المنهارة, عندما يجتمعون محتشدين لنيل حقهم من آل البربري رحمه الله, وأكداس الذهب تستخرج من أرضهم!)



    وهناك البترول, إن اعتبرناه ركازا, ففيه الخمس, وإلا فيجب توظيف قدر مناسب من عائده, لتوفير الحقوق الاجتماعية في الجنوب وكردفان, وفي كل أنحاء السودان. هذه ثروة طبيعية, لكل المواطنين حق فيها. يجب أن لا يقتصر إنفاق العائد منها على بهرجة الوزراء والسفراء, وشراء الأسلحة وتخزينها لحماية السلطة القائمة, ودفع وجبات ضخمة بملايين الدولارات للمحاسيب, من خلال شركاتهم واستثماراتهم وعضويتهم في المؤسسات وخدماتهم هم, ولأقاربهم وأصهارهم وأولاد دفعتهم ( وياحليل زمان) مثل ما حدث في نيجريا وكنشاسا, خرجت قلة بالبلايين, ثم انفض السوق, فإذا الغالبية قد زادتها النعمة الطبيعية من البترول والذهب والماس, بؤسا وفقرا وفاقة ومرضا وتعاسة!ومن ناحية أخرى ظهر البترول في بلدان لم تكن فيها خدمات عامة, مثل السودان سابقا, وكان البترول مملوكا لشركات خاصة, فصار مملوكا للمجتمع والدولة, وصارت في تلك البلدان خدمات عامةأساسية مجانية, مثل قطر والكويت وليبيا,



    ومؤخرا: فنزيويلا التي منحت الزوجة المتفرغة لرعاية بيتها وأولادها, مرتبا ونصيبا من الثروة البترولية.



    أما نحن في السودان: أيتها الأمة المسكينة - العبارة للتجاني- فينبغي أن تعاد الخدمات الأساسية التي دمرتها الإنقاذ, باسم التوجه الحضاري, ويجب أن تعاد وتحظى بما تستحق من تطوير, لأنها حق وليست منة من أحد!



    الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى,وهب السودان طبيعة معطاءة, هناك كثير من الخيرات والنعم يتحصل عليها الإنسان من الطبيعة مباشرة بلا جهد, ودعني أذكر هنا نماذج معظمها من كردفان الغرة:من بينها ما يصدر: الدليب واللالوب " الأهليلج" والعرديب( الذي يسميه إخوتنا في شمال الوادي: التمرهندي - وهو مسمى قريب من اسمه العلمي- ويصدر كل عام) والقضيم والدوم والقنقليس " الحمر" والنبق الذي يباع في سوق الفاكهة بالحجاز, والحطب والعسل والقرض والأبنوس, والأعشاب الطبية والخضروات الموسمية, فضلاعن الحيوان البري والسمك" في النيل والبحر الأحمر, والطير البري كالدجاج والحبارى. كل هذه الخيرات, مما تجود به الطبيعة, ومن حق كل المواطنين أن يكون لهم نظام يكفل الحقوق الاجتماعية, في بلد بإمكان الناس ان يعيشوا معتمدين اعتمادا كاملا على ما يرزقهم الله بما أودع في الطبيعة التي يعيشون في كنفها من المنن. هذا بلد رفهه الله, فكيف يحرم أهله الضعفاء من الطعام والعلاج!



    فأي مجتمع هذا الذي يحتفي بالأقوياء, ويهمل المسحوقين, فالأمم لا تكتسب العافية, إلا إذا عمت كل أعضاء جسدها!



    أما في التجربة السودانية, متمثلة في يوسف أبي شرا الولي الصالح, فقد ورد عنه في الطبقات أنه كان يطعم الجائع ويكسو العريان, ويهتم بكفالة طلاب العلم ويعين الناس على نوائب الدهر من الجوائح, كالقحط والسيول والحرائق والحروب. كان هذا العركي بمثابة مؤسسة. يقوم بما ينبغي ان تقوم به الدولة الآن.



    وبعد ليس من خيار, أمام كل المنظمات السياسية, ومنظمات المجتمع المدني, غير تحمل مسؤوليتها في الالتزام بالحقوق الاجتماعية, ولا مناص للجنة الدستور من كفالة هذا الحق, بصرف النظر من مآل الدستور الانتقالي, على الأقل مساواة البشر بالبيئة من حيث الحق في الحياة والرعاية.هذا ملخص ينم عما نريد, وكنا نريد أن نيدأ باسم البلد: الجمهورية والسودان, وضرورة إخضاعه للمناقشة, ولكن يبدو ذلك من قبيل الترف الفكري, إذا قيس بالحقوق الاجتماعية! فإلى لقاء قادم.



    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497071&bk=
                  

04-12-2008, 01:46 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لـو أنت نسيـت
    مأمون عيسى
    لو أنت نسيت أو تناسيت أنا ما نسيت والخطاب موجه لفريد عصره ووحيد زمانه الدكتور حسن الترابي مفجر ثورة الانقاذ المباركة عقب خروجه من المعتقل وقد عصفت بعقولنا دهشة واعترانا ذهول ونحن نستمع اليه وهو يتحدث عن السلام والديمقراطية والدستور والعدل والحرية حتى أوشكنا أن نظن أن المتحدث ليس هو الدكتور حسن عبدالله الترابي الذي نعلم من أمره علم اليقين ونعرفه معرفة وضعت بصماتها غائرة على نفوسنا وعلى أجسامنا.
    اتقِ الله يا رجل وتواضع قليلاً ولا تحسبن أن شهور الاعتقال هى النهر المقدس الذي تطهر مياهه نفوس الخاطئين ودعنا ننبش الدفاتر قديمها وحديثها ونتحاسب حساباً دنيوياً واما حساب الآخرة فمع من لا تخفى عليه خافية.
    نرجع أولاً الى دفتر أسود قاتم رغم أنه ليس الأكثر سواداً يوم كنت مستشاراً للسفاح نميري تزين له الباطل وتحسن له السيئ المعوج وتماديت حتى بايعته إماماً للمسلمين وانت تعلم جوره وكبرت وهللت مادحاً ومباركاً له يوم اغتيال شهيد الفكر المرحوم محمود محمد طه وشاركته كل مسيرته تعب أنت وجماعتك من اموال الشعب التي سخرها لكم نظامه الجائر حتى بشمت وفاضت خزائنكم بالأموال وظهرت لأول مرة طبقات الثراء الطفيلي التي كنت انت وجماعتك اهلها وعمدها . وبعد أن امتلأت اشرعتكم بهواء مايو وشقت سفنكم طريقها اضمرت الغدر به ولكنه فطن لتربصكم به وتغدى بكم قبل أن تتعشوا به وزج بجمعكم في السجون وكان ذلك خيراً وبركة حلت بكم وكان ذلك قبيل الانتفاضة حيث خرجت أنت وجماعتك من السجون من ضمن من أطلق سراحهم واعتليت المنابر تتحدث عن الحرية وتزم نميري وعهده وتكيل له السباب كأنك لم تكن يوماً عقله المدبر ويده الباطشة. وها أنت الآن وقد استعذبت اللعبة واستمرأتها تكرر المشهد وتزعم أن خلافك مع أصحابك كان من أجل الديمقراطية والكل يعلم عدم صحة ذلك فالخلاف كان من أجل عيون السلطة وبريقها والتكالب على مغانمها وتصب استهجانك لوضع دستور رهطك وحوارييك وتنعى عليهم وضع دستور بواسطة لجنة فقط وقد تناسيت أن دستور 1998م بعد أن وضعته لجنة تسلمته انت وحذفت منه ما كان خيراً وأضفت اليه ما كان قيداً حتى جاء دستوراً انكرته اللجنة التي وضعته فهو في النهاية دستور وضعه فرد واحد هو أنت وليس لجنة ظناً منك أنك أكثر رشداً من أية لجنة وأكثر إحاطة من أى برلمان.
    بعد حقبة مايو وحلول الفترة الانتقالية والديمقراطية الثالثة كنت أنت واعوانك تخطط وتدبر لاغتيال الديمقراطية حتى تم لك انجاز ما تريد وكان ما كان وتسنمت ناصية الحكم وأمسكت صولجان السلطة تديرها وتحركها بفلسفة تعتنقها وتؤمن بها وتعمل من أجلها بدءاً بما صرَّحت به مراراً في رغبتك في تغيير الشخصية السودانية وبالفعل طفقت تفعل ذلك وتحطم كل موروث إذ تدخلت في لبس الناس وموعد نومهم حتى لغة التخاطب أدخلت عليها مفردات غريبة عنها وكالثور في مستودع الخزف عبثت بكل شئ وحطمته كأن بينك وبين الشعب السوداني غلا وملأت عقول الشباب بالدجل والشعوذة.
    ورميت بالألوف منهم في ساحات حرب احترقوا بلهيبها كالفراشات الحمقاء باسم الجهاد تدفعهم عقول خاوية ويحرضهم شبق عارم لعناق بنات الحور ولما أنفض السامر وتشعبت الدروب (وتكاجر) القوم صرخت وصرحت بأن تلك لم تكن حرباً جهادية.
    ما وصل اليه السودان وحال شعبه الآن من فقر وإملاق لاتخطئها العين وأصبح الشارع السوداني قفراً يباباً من كل ما يسر ترى الكل يمشي مذهولاً مذعوراً كأنه يفر من خطب يوشك أن يلم به أو كأنه يريد إدراك ملاذاً آمناً وكل ذلك كان من إبداعاتك وثمرة تفكيرك.
    يا سيدي المستشار أطال الله عمرك تأكد أن ما مر بك من محن وما قاسيت من عنت ومشقة هو نتاج عقلية حزبك المؤسسة على العنف وكراهية الغير تلك التي آ من بها المودودي وتلقفها سيد قطب بعد إنشاء حسن البنا تنظيماً لها 1928م في مدينة الاسماعيلية باسم الأخوان المسلمين وانتشرت بعد ذلك يميناً وشمالاً واتت الينا في السودان تتآمر وتقنن الكذب تحلله باسم فقه الضرورة وتغير اسمها وجلدها وتتلون حسب الظروف والاحتياجات.
    تارة باسم الأخوان المسلمين وتارة باسم جبهة الميثاق وتارة باسم الجبهة الاسلامية وهل...
    وهل ينبت الخطى الا وشيجه




    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147498191&bk=1
    _________________
                  

04-12-2008, 03:30 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وَســـــائِـــلُ خَسِـــيـــــسَــــــةْ (4ـ6)

    كمال الجزولى
    حَمَدنا (لمركز الأمل السودانى) ، فى ما تقدَّم ، حملته للدفع باتجاه المصادقة على (الاتفاقيَّة الدوليَّة لمناهضة التعذيب) ، تلك الممارسة اللا إنسانيَّة المستبشعة والمذمومة فى كلِّ العقائد والثقافات بجامع الفطرة السليمة. وفى تقصِّينا لجوهر الموقف الاسلامى من (الاستبداد) و(القهر) اللذين يندرج (التعذيب) فى سياقهما توقفنا ، فى المقالة السابقة ، عند الوضعيَّة القرآنيَّة (للتكريم بالعقل والفطرة) ، أو (المسئوليَّة) المؤسَّسة على (حريَّة الاختيار) ، قبل أن ننفذ إلى الصورة المخصوصة التى وردت بشأن (التعذيب) نفسه فى هذا الخطاب.
    لكننا شدَّدنا على أن هذه الوضعيَّة لم تنسرب فى تاريخ (الفكر الاسلامى) بذات السلاسة التى هى عليها فى (النصِّ المقدَّس). (فالقرآن) لا ينطق بنفسه ، وفق التنبيه الثاقب لسيدنا على ، بل تنطق به ألسنة البشر الذين ليس نادراً ما يسبغون عليه من التأويل ما يخالط مصالح (دنيويَّة) بأعيانها. وفى هذا أحد أهمِّ وجوه الفارق بين (الدين) و(التديُّن) ، بين (الاسلام) وبين (تاريخ الدولة الاسلاميَّة)!
    لقد ظلَّ الخلاف ينشب دائماً ، فى تاريخ الفكر السياسى الاسلامى ، على تخوم العلاقة بين (إرادة الله) وإرادة (السلطان) ، وذلك فى خلفيَّة الاختلاف حول العلاقة بين (إرادة الله) و(إرادة البشر). ".. ولعل الحقبة الأمويَّة تكثف المخاضات الأولى لمفهوم الإيمان والعدل والظلم .. فى صراع مفتوح على السلطة يبحث باستمرار عن الغطاء الأيديولوجى للطاعة" (هـ. مناع ؛ "الانسان فى الثقافة الاسلاميَّة" ، "رواق عربى" ، ع/20). وفى إطار ذلك الصراع أجمع (المرجئة) ، أو ما يُعرف أحياناً (بالخطاب المفكر للحزب الأموى) ، على تأويل (آيات الوعيد) فى ما يتصل خصوصاً بظلم الحاكم ، باعتبارها تنطوى على استثناء مضمر (!) وهو ما يعدُّه مفكرون معاصرون ، بحق ، مسلكاً تبريرياً للظلم والفساد (ن. ح. أبو زيد ؛ الاتجاه العقلى فى التفسير ، ص 17).
    تيار (الارجاء) تأسَّس ، فى غالبه ، على نظريَّة (الجبر) لسلب الانسان نعمة (الاختيار) بردِّ ظلم الحاكم وفساده (لإرادة الله)! وربما كان بمستطاع أعجل نظر أن يرى انعكاساً بيِّناً لهذه النظريَّة فى السودان ، من خلال أطروحة د. حسن الترابى الساعية للمطابقة بين مطلوبات (النظام السياسى) ومطلوبات (الإيمان) ، من حيث وجوب (التوحيد) ، عنده ، فى كليهما ، لولا أن الله ".. يبتلى الناس .. فيشركون .. فى مجال (السياسة) كما .. فى كل مجالات الحياة .. فى العِلم وفى الاقتصاد" (خواطر فى الفقه السياسى لدولة إسلاميَّة معاصرة ، ص 6). فإذا كان معنى (الشرك) ، ببساطة ، أن يُعبدَ مع الله غيره: "إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار" (72 ؛ المائدة) ، فما هو معنى (الشرك) فى (السياسة) التى لا تعتبر (أصلاً) من (أصول الإيمان) الثلاثة التى تستوجب التوحيد: الألوهية والنبوة واليوم الآخر ، بل هى من (الفروع) التى تحتمل الاختلاف بمعايير الصواب والخطأ ، لا الإيمان والكفر (محمد عمارة ؛ الاسلام والسلطة الدينية ، ص 77)؟!
    غير أن تاريخ الفكر الاسلامى شهد أيضاً تياراً آخر يمثله مفكرون أحرار اشتغلوا على الاعلاء من شأن مفهوم (حريَّة الارادة الانسانيَّة) فى القرآن ، مقابل المغالاة فى تأويل (الجبر) كتبرير للظلم ، فاضحين الدوافع (السياسيَّة) الكامنة فى أساس نظريَّة (الارجاء) الملغومة! ولذلك لم يكن محض مصادفة أن يُغتال أبرز رموز هذا التيار من خلال صراعات الدولة الاسلاميَّة فى خواتيم القرن الأول ومطالع القرن الثانى الهجريَّين ، كمعبد الجهمى وغيلان الدمشقى والجعد بن درهم ، تماماً مثلما اغتيل محمود محمد طه فى السودان ، ولذات الأسباب، عام 1985م. لقد سأل سائل الحسن البصرى ، أحد أقوى أبكار المدافعين عن فكرة العدل المؤسَّس على المسئوليَّة وحريَّة الاختيار (21 ـ 110 هـ): "آخذ عطائى من بنى أميَّة أم أدعه حتى آخذه يوم القيامة"؟ فأجابه من فوره: "قم ويحك خذ عطاءك فإن القوم مفاليس من الحسنات يوم القيامة!" (هـ. مناع ؛ الامعان فى حقوق الانسان ـ مادة "الحسن البصرى").
    وإذن فإن أنصع قراءة مفهوميَّة إسلاميَّة (للانسان) ، وبالتالى (حقوقه) ، ككائن معرفىٍّ عاقل ، قد وردت فى سياق الصراع الفكرى والسياسى حول منظومة المفاهيم القرآنيَّة (للتكريم) و(الاستخلاف) و(العقل) و(الاختيار) و(المسئوليَّة) و(العدل). (فالانسان = العاقل = الحر = المختار) لا يملك كائن من كان أن يسلبه شيئاً من هذه الخصائص أو يحط من قدرها. لقد انتبه كثير من مفكرى وكتاب (حقوق الانسان) الحداثيين إلى أن النصوص المرجعيَّة والمواقف الاخلاقيَّة فى الاسلام ، كما فى الأديان الكبرى كافة ، يُفترض أن تمثل مصدراً أساسياً للالهام بالعديد من هذه الحقوق. وأخذوا ، من ثمَّ ، على أنصار (المذهب الانسانى) بشتى تعبيراته أنهم "أهملوا المصدر الدينى .. الثرى والمهم وعميق الجذور فى الوجدان الجمعى لأغلبيَّة البشريَّة" ، وذلك ".. لمجرد وجود خلافات .. مع المؤسسات الدينيَّة المنتمية لأديان مختلفة .. (ف) تركوا الدين كليَّة لتفسيرات رجعيَّة ومحافظة ومعادية للتوسُّع فى إضفاء الكرامة على الكائن الانسانى وتأكيد استقلاليَّته وحريَّته وحقه فى المساواة" (محمد السيد سعيد؛ "قضيَّة الحوار مع الحركات ذات الاسناد الدينى" ، ضمن "رواق عربى" ، ع/9). وانتقد هؤلاء المفكرون والكتاب أيضاً ، بوجه خاص ، صائغى (الاعلان العالمى لحقوق الانسان لسنة 1948م) كونهم لم يلتفتوا ، مثلاً ، إلى حقيقة أن المادة التأسيسيَّة الأولى فيه ، والتى تنصُّ على أن (كلَّ البشر قد ولدوا أحراراً ومتساوين فى الكرامة والحقوق) ، تكاد تطابق ، مبنى ومعنى ، نص الاستنكار العُمَرى: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟! ، "وهو أمر يستحق التنويه والاحترام والتوثيق التاريخى وليس مجرَّد الالتفات والاهتمام" (المصدر نفسه).
    وعلى هذا ، فالشريعة الاسلاميَّة ، وإن عرفت نظام (الاعتراف/الاقرار) كدليل فى الاثبات ، إلا أنها ، على العكس مِمَّا يفهم الكثيرون من الداعين إليها للأسف ، سيَّجته بقدر من الأشراط، وكبحت استخداماته بقدر من القيود ، بحيث يستحيل على (الوالى) إغفالها أو تجاوزها دون أن يكون قد أغفل أو تجاوز أشراطاً فى أساس العقيدة نفسها!



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147498104&bk=1
    _________
                  

04-12-2008, 03:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    تأملات حول إطلاق سراح الدكتور الترابي
    د. محمد سعيد القدال

    من اقوال الشهيد محمود محمدطه الشهيرة: «الحرية لنا ولسوانا». طافت بذهني هذه المقولة بعد اطلاق سراح الدكتور الترابي، والتصريحات التي اخذ يدلي بها عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية. وهذا امر جديد في موقف الترابي، ولعله يمثل بشرى لبداية عودة الوعي.

    ان ما قاله الاستاذ محمود لا يمثل موقفا تكتيكيا ليتلاءم به مع مقتضى الحال، بل هو موقف ظل الرجل متشبثا به، ومرابطا عنده حتى اعدم. وما كان اسهل عليه ان يتراجع ليتجنب مواجهة رهبة الموت. ولكن كانت اقدامه راسخة في ارض الثبات على المبدأ. وقد احسن منصور خالد الاستشهاد بقصيدة لأبي تمام عندما رثى محمود ومطلعها:

    لقد كان فوت الموت سهلاً فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

    وربما نتفق او نختلف مع محمود، ولكننا لا نملك الا ان نحترم التجانس بين سلوكه الشخصي ومواقفه العملية وافكاره. وهي مواقف يقل فيها التناقض. وقد عبر هو عن ذلك قائلاً: «ان الاسلام ليس ثوبا يلبس عند مقام الوعظ ويخلع على الرف اذا اقتضى الامر الحديث عنه امر مدني، وانما هو صبغة فكرية لا تنفصل عمن انصبغ بها ابد الدهر».

    فماذا قال الترابي عن محمود بعد اعدامه. اولا نشير الى ان المحكمة العليا اصدرت قرارا في 18/11/1986م، ببطلان حكم الاعدام الذي صدر في حق محمود. ولكن بعد مضي عام ونصف على صدور ذلك القرار، قال الترابي لجريدة الوطن: « لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود.. ان ردته اكبر من كل انواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة.. وعندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لانه رأي رجلا دينيا يريد ان يقوم بنبوة غير نبوته هو، وأكلته الغيرة فسفر بمعارضته.. ولقي مصرعه غير مأسوف عليه» (جريدة الوطن، 30/4/1988م).

    ويبعث تصريح الترابي على الدهشة ، بل الكثير من الدهشة. فهو اولا يختصر وقفة محمود الشامخة امام حبل المشنقة وهو ثابت الجنان بأنها بسبب الغيرة. وهذا تبسيط لا يخلو من سطحية، بل يمكن ان نقول ما هو اكثر من ذلك. ثانياً يصف نميري بانه رجل دين، بينما هو احد تجار الدين، ثالثا، ان التصريح يناطح قرار المحكمة العليا. وكيف نقيم حكما ديمقراطيا دون مؤسسات تحافظ عليه، والمحكمة العليا من اهم تلك المؤسسات؟. أليس من حقنا ان نرتاب في تصريحات الترابي عن الحرية للجميع والديمقراطية؟

    وكان الترابي قد صادم قرارا آخر للمحكمة العليا الخاص بحل الحزب الشيوعي عام 1965م، ولو وقف الترابي مع قرار حل الحزب الشيوعي مع من وقف من السياسيين في تلك الايام الكالحة، لقلنا لعله قد انجرف وراء رياح التيه التي عصفت بالحياة السياسية. ولكنه نشر كتابا بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي». وصدر الكتاب في يناير 1967م، اي بعد مضي شهر على قرار المحكمة العليا بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي. ويقوم الكتاب على فكرة بائسة. واثار ردود فعل عنيفة، كان اكثرها حدة ما قاله محمود محمد طه في كتاب نشره في الرد عليه. قال: «ان الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر، لانه متهافت، ولانه سطحي، ولانه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطري.. ولا نعتقد ان الدكتور الترابي ذهب في كتابه الغريب بفعل الرغبة او الرهبة، بقدرما ذهب بفعل ضحالة الثقافة وسطحية التفكير».

    ويثير كتاب الترابي بعض الاسئلة. هل نصب الترابي من نفسه محكمة فوق المحكمة العليا؟ وهل اصبحت في البلاد محكمتان، احداهما حكومية والاخرى خاصة بالدكتور الترابي؟ ولماذا لم يعترض على عرض القضية على المحكمة منذ البداية، وظل صامتا لمدى عام؟. واذا اعترض الترابي على احكام المحكمة العليا مرتين، فكيف يمكن ان تتحقق الحرية للجميع وكيف تتم ممارسة الديمقراطية؟ والاسئلة تترى.

    وفي استعراضنا لموقف الدكتور الترابي، نحتاج لوقفة عند علاقته بنميري. عندما قبل بالمصالحة مع من قبل من الاحزاب، لم يكتف بالصمت عند ذلك الموقف مع الذين صمتوا، بل ادلى بالعديد من التصريحات عن نميري ونظامه. فقال بعد اول لقاء مع نميري انه يشيد بالصدق الذي ساد اللقاء، واتاح له اللقاء ان يلمس مجددا حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل، وتأسيس كيانه القانوني. وافاض في حديث آخر في الاشادة بنميري فقال: «ان التزام نميري تجاه امته جاء مسامحا وسخيا عكس الظنون التي توهمت انه سيلجأ للبطش بحكم ثقافته العسكرية.. ومهما كان من سياسات اتخذها ازاء الطائفية، فقد انكسرت اليوم شوكتها، وتهيأت حركة سياسية حديثة نحو الاسلام، مبرأة من الجمود والقيود، وتتجه نحو المستقبل.. ان اتساع الفراغ السياسي بالتمزق قد ملأته ثورة مايو حتى وصلت الى شموخها الحالي». واشار في حديث آخر الى ان «مبادرة الرئيس القائد لدعم الوحدة الوطنية خطوة شجاعة ورائدة» واكد ـ انهم لا يكادون يختلفون مع الثورة الا في قضايا فرعية، لا يفك الناس عن الاختلاف حولها». (جريدة الايام 23/12/1977م و20/3/1978م).

    ولا خلاف لنا حول ما قاله الترابي عن نميري، فهذا من حقه. ولكن خلافنا معه بل دهشتنا، حول ما قاله بعد سقوط نميري. فقال عام 1990م: «ان المصالحة مع النظام المايوي اثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الاسلامية، ولثارات الحركة من تلقائه، ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء (من كتابه الحركة الاسلامية، ص 195).

    هذا الانقلاب الدرامي في موقف الترابي، يزيد من ريبتنا حول تصريحاته عن الديمقراطية والحرية للجميع.

    ثم جاءت سنوات الانقاذ. ولسنا بصدد اجراء محاكمة لما حاق بالبلاد من خراب خلال تلك السنوات العجاف ، فهذا أمر متروك للتاريخ والتاريخ لايرحم. ونكتفي ببعض المقتطفات من الكلمة التي نشرها الطيب صالح في مجلة المجلة بعد خروج الترابي من السجن . قال: « اليوم ينعم الله على الترابي نعمة اضافية، بعد ان مكن له في بلاد السودان، يشاء ان يذهب طليقاً.. وبينما هو كذلك، شاءت له ارادة الله ان يسقط فجاءة من عليائه.. وان يذوق على ايدي انصاره السابقين بعض ما ذاق الناس على يديه، لم يكن حبسه القسري في مرارة بيوت الاشباح والزنازين التي وصفها الذين دخلوها بأنها لاتسمح للجالس ان يقف، ولا الواقف ان يجلس، ولا المضطجع على جنبه الايمن ان ينقلب على جنبه الأيسر. وغير ذلك من اهوال يشيب لها الرأس. ولايشفع للدكتور الفاضل امام الله والناس ان يقول انه لم يكن يعلم، وانه ليس مسؤولاً عما حدث. ان الله يعلم والناس يعلمون ان كل تلك الاهوال قد ارتكبت، ان لم يكن بتدبيره ، فقد حدثت من دون اعتراض منه. وكان الله رحيماً حقاً حينما انتزعه من عالم الغرور والكبرياء الذي كان يحيط به ، وزج به في غياهب الجب حتى يثوب الى نفسه.. ولعله فعل. لأن بعض ما قاله إثر خروجه من السجن ان الجبهة الاسلامية بزعامته اضطرت الى احداث تغيير عسكري في البلاد قبل نحو خمسة عشر عاماً، ولكنها اتعظت من التجربة، ويعجب الانسان: هل كان لزاماً ان تدخل الجبهة في التجربة اصلاً؟ وهل كانت تحتاج الى خمسة عشر عاماً حسوماً لتتعظ من التجربة؟ كم ربح السودان في هذه الاعوام وكم خسر ؟ وكم ربح الاسلام وكم خسر ؟ وكم ربح الدكتور الترابي وكم خسر روحياً وعقليا؟.. انني بوصفي رجلاً مسلماً من غمار الناس، ارجو للدكتور كل الخير، وقد سعدت انه خرج من ضيق الحبس الى براح الحر ية، وأخذ من فوره كعهده دائماً يملأ الدنيا ويشغل الناس. ولكنني انصحه نصيحة خالصة، واقول له : «انك اليوم تواجه أصعب امتحان واجهته في حياتك. فكر جيداً ماذا تصنع امام الله والناس. أي طريق تسلك؟ وأي وجهة تتجه؟ هل تعكف على عقلك وروحك فتنجو بنفسك...؟ ام تنغمس مرة أخرى في مستنقع السلطة والحكم والتحالفات والمؤامرات»؟

    ولعل الطيب صالح ليس وحده الذي انزعج للتقلبات في مواقف الترابي السياسة. فقد كتب الاستاذ محمد احمد محجوب في كتابه «الديمقراطية في الميزان » (ص190) يقول، انه يقدر عالياً قدرات الترابي القانونية، ولكنه لايثق في أسلوبه في العمل السياسي. وقال الاستاذ محمد ابراهيم نقد في الجمعية التأسيسية عام 1965م تعليقاً على ما قاله الترابي: ان تصريحات الترابي متضاربة. ومن المهم ان يواجه الانسان خصماً سياسياً له رأى واضح، اما التذبذب والتلون في المبادئ والاخلاق، « فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه) «محاضر الجمعية التأسيسية.

    فهل يمكننا ان نقول ان تصريحات الترابي عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية هى خروج عن تراثه السياسي منذ ان اعتلى منصة النشاط السياسي، وانها تمثل بشرى بعودة الوعي بعد طول غياب؟. وهل نحتاج ان نذكر ان الانسان موقف، وهو موقف يصبح الفرد بدونه عرضة للتطويح كلما هبت رياح عاتية؟

    الصحافة 11/ يناير 2004م
                  

04-12-2008, 03:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اللغـة والراوي
    قـراءة في عالم زهـاء الطاهر القصصـي
    زهاء الطاهر أحد كتاب القصة القصيرة، الذين أفرزتهم مرحلة التحولات الحداثية، منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضي.. ملمحان اساسيان يستوقفان قاريء زهاء الطاهر، سواء أكان في كتابته القصة القصيرة (مجموعة ليلى والجياد ـ مثلا) او في (وجه جالا يتجلى ـ كتابة)(1)، التي اصدرها عن مركز الدراسات السودانية في عام 2003م، او في قصصه العديدة التي طالعناها في الملفات الثقافية المختلفة. والملمحان الاساسيان هما:ـ الاسلوب المميز في تعامله مع اللغة القصصية، او لغة الكتابة كما في وجه جالا يتجلى ـ ونوعية الراوي (المتكلم) التي يستخدمها في كل كتاباته ـ حتى في خطابات تكريم الآخرين (عثمان علي نور: العدد الثاني والعشرون من كتابات سودانية ـ ديسمبر 2002م ـ والتي استعنا بمجتزأ من خطاب زهاء في هذا العدد الخاص بتكريم مركز الدراسات السودانية لعثمان علي نور، في مقدمة هذا الكتاب). وقد اشار الناقد معاوية البلال من قبل الى أن زهاء الطاهر من أميز القصاصين، الذين يستخدمون صيغة المتكلم، كاسلوب سرد ذي فعالية، دون افتعال(2) وتعمل هذه الصيغة بالاحالة للبلال على توافق سردي بين الايقاع والنسيج وتعمل على ضبط حركتها داخل النسق السردي من خلال تدفق الوعي. وصيغة المتكلم هذه تقنية حديثة، تتيح ما يمكن قوله الى ما يجاور ويلامس تخوم الشعر، وارتبطت هذه الصيغة بتيار الوعي..
    كما ان لغة زهاء الطاهر القصصية، تتميز بالاختزال والتكثيف والايحاء(3) وكتمهيد لقراءة الراوي في قصته القصيرة (الساهي) (4).. نبدأ اولا بملاحظاتنا حول اللغة في (وجه جالا يتجلى)..
    أولاً: اللغة في وجه جالا يتجلى:
    تتكون هذه المجموعة (وجه جالا يتجلى) من 13 نصا (اتتركني ليزدردني وحدي المطر ـ ليتها لو انها كانت هي الزمن كله ـ حين خرج المساء من بهر السماء ـ شربنا فهمنا فاستهامت نفوسنا ـ آه يرول ما انقى لسانك ـ محمود محمد طه آخر عهدنا بالفرح ـ وجه جالا يتجلى ـ هي دنيا تحجل في رونقها ـ ذاك.. ايها الولد المشاكس.. اين نحن الآن؟ ويزهر الطيب صالح هكذا.. دوما هكذا ـ نضرة وزاهية هي الطائرات رغم اجهادها ـ ثم اني لا املك الا اوتاري وعقيرتي). وأول ما نلاحظه على هذه المجموعة وجه جالا يتجلى التوظيف المدهش للغة عند زهاء. اذ تتناثر مفردات العامية لتشكل مع الفصحى ولغة الوسط جسدا واحدا لا تكاد تبين بينه المستويات الفاصلة للغة. لكننا سنتخذ هنا نموذجا نصه الذي وظف فيه ايضا لغة غرب السودان (النص: يا بعض أهل الله بالله كيفكمو؟)
    اللغة بالنسبة لسوسيور جزء معين من الكلام، وان كانت اساسه الجوهري، وهي كل مستقل بذاته قابل للتصنيف، وعلى ذلك فإن اللغة هي: نظام من الرموز المختلفة التي تشير الى أفكار مختلفة(5) يقول علماء اللغة: ان ادراج الكلمة في بنية مركبة متعددة المستويات، يضفي عليها قيمة دلالية موحدة، تجعلها صالحة لاداء وظائفها على هذه المستويات المختلفة(6).. واللغة عند زهاء الطاهر مدهشة. بانسيابها، ونعومتها.. هذا المزيج من الدارجة التي تتخللها مفردات من غرب السودان، وفقا لتراكيب العربية الفصحى.
    ويتقاطع زهاء الطاهر هنا على ـ مستوى اللغة ـ مع لغة الطيب صالح: لغة وسط السودان ومع ابراهيم اسحاق في استخداماته المزيج. وبذلك تشكل اللغة في كتابة زهاء الطاهر نسيجا مختلفا عن اللغة عند الطيب صالح بذات درجة الاختلاف عن اللغة عند ابراهيم اسحق، اذ تقف لغة زهاء في منتصف المسافة بينهما لكنها تقيم حوارا مع اللغة عند كل منهما، فلغة زهاء ليست صعبة بمفردات غير مألوفة تماما، كما نستشعر عند ابراهيم اسحق، وليست سهلة بسيطة كما نجدها عند الطيب صالح.
    وربما أسهم زهاء بذلك في لعبة اللغة القصصية، بأن جعلها ـ لغة القصة ـ قادرة على تأدية معانيها الى أقصى حد ممكن، لكأن لغته تخرج من اغوار ذلك العالم الحكائي الحلمي الناعم لألف ليلة وليلة، لتمتزج بلغة القصة المعاصرة ولغة الشعب في غرب ووسط السودان ـ ليشكل هذا المزيج خصوصية اللغة عند زهاء. ونلاحظ ذلك في «يا أهل الله بالله كيفكمو»(7) وقبل أن نسترسل في وجهة نظرنا نشرح هذه القصة «يا أهل الله بالله كيفكمو» بهذا التخطيط السمولوجي:
    التعليم المدني ــــــــــــــــ الدراسة
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ النجاح في الدراسة
    والتخرج والوظيفة
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ الرضاء التام بما تم التوصل اليه
    التعليم المدني
    ــــــــــــــــــــــ انعدام الرضاء
    المخطط يشرح المنفعة التي يسعى اليها بطل القصة (الراوي المتكلم/ زرقان). فقد تحول لدى لقائه امرأة «جفالة» من «مهاجري»: أي طالب علم قرآني في الخلاوي ـ الى طالب تعليم مديني» رأتني حين رأيتها.. مالك والشرافات وحطب الخلاوى.. كلمت ناظر المدرسة عشان ياخدك في المدرسة تدرس مع العيال(. ونجح في دراسته بالتعليم المديني وتخرج من مدرسة الرسم «التي صاغوني بها جيدا حتى صيروني مدرسا بها (9) «لكنه لا يشعر بالرضاء بعد كل هذه السنوات» يا ولد. ناديت على نفسي.. هو انا في اسمال الذكرى.. ازمان الرمل والمدارس بكل فصولها الاربعة ومستقبل الالوان الذي تسبب في موتي وبعثي لكني لم اشأ. وزغردت بجفالة بجلال وجمال ووفاء، فيا بعض اهل الله بالله كيفكمو؟(10)». ويشرح المخطط ادناه الضرر المحتمل، لبطل هذه القصة جراء تركه لطريق اسلافه، واتخاذ طريقا مدنيا جديدا:
    التخلي عن حياة الخلوة ـــــــ مساكنة زرقان لجفال
    ــــــــــ التخلي عن حفظ القرآن في الخلوة
    ـــــــــــ التخلي عن جفالة
    التخلي عن حياة الخلوة ـــــــــ ضياع زرقان.
    فقد تخلى زرقان عن حياة الخلوة. والمهمة الاساسية التي ابتعثه اهله لاجلها «حفظ القرآن» بمساكنته جفالة، ما يعد ضياعا له وفقا لوجهة نظر الفقيه الذي يحفظه القرآن، ووفقا لوجهة نظر اهله وزملائه «وبكى الفكي ابكر كثيرا حتى تمخط ثم استغفر وهو يقول: زرقان ضاع الى الابد(11). وانخرط زرقان في التعليم المدني واستمرت حياته مع جفالة بعد التخرج والوظيفة.
    حملت لغة القصة عند زهاء هذه الأفكار. بسهولة ويسر، فبينما نجد لغة الوسط تكاد تطغى على لغة النص: «يلا بينا فقرا.. وتغطيني من العين، واكتب لي بخرات.. ثم خرج الفكي مبسوطا.. يا ولية كيفن اقعد وسط عيال فرافير ادرس معاهم؟.. بكره من صباح الرحمن تمشي السوق لحمدين الترزي، الخ..) نجد ان الفصحى تزاحم هذه اللغة «فلما مددت لها بآياتي المكتوبة.. كان عاما كريما حين خرج بنا الفقيه ابكر المسلاتي.. ذهبت معها وقابلت الناظر والمدرسين، الخ..) تتخلل هذين التوظيفين للغة مفردات غرب السودان بصورة تنافس التوظيفين السابقين للغة (عبد البنات.. الاضية.. جفالة.. ابكر المسلاتي.. انبسطت الداجاوية.. دقيق الجير.. اسكت يا جنقجورا.. وانا الارنتنق ضحكت معها.. ترى انتايا الناظر.. الورتاب، الخ). فاللغة عند زهاء ليست مجرد مرآة عاكسة للحياة فقط.. حياة هذه الشريحة من الناس: المهاجرية ـ بل هي كائن في حياة هؤلاء المهاجرية، يقع في قلب عالمهم المحفوف بسلطة الفقيه، والتعليم المديني والمجتمع، الذي تنتمي اليه جفالة، بكل طموحاته وتطلعاته.. ومن هنا لا تكتفي اللغة في يا اهل الله بالله كيفكمو في توصيف العالم الباطني للراوي المتكلم بطل القصة وحبيبته جفالة، اذ تتحول الى نشاط يكشف عن دلالات كثيرة وغنية، تتلاقح فيها لغة الوسط مع الغرب والفصحى «ان الامساك بالجانب المتعلق بمحتوى اللغة بصورة علمية، هو أصعب من الوقوف على الجانب المتعين منها، أي الجانب الذي يتمثل في التعبير بصورة ملموسة، فالوحدات التي تتمثل على مستوى الدلالة، اكثر كثيرا منها على مستوى النحو او الصوتيات. ذلك بأن ما هنالك من صيغ نحوية واشكال صوتية أقل مما هنالك من المعاني(12).
    وتقودنا هذه الملاحظة الى حقيقة ان محتوى النص اللغوي، مراوغ بحيث يصعب ضبطه، على نحو ما يصنع علم النحو، او علم الاصوات اللغوية. وأهم من هذا ملاحظة ان المعاني ـ على ضخامة حجمها ـ انما تتجسد لغويا في عدد محدود نسبيا من الصيغ. وهذا ما يخلق مسافة كبيرة في بعض الحالات. بين الصيغة النحوية والمحتوى الدلالي للعبارة. ولتوضيح ذلك لنفكر نحويا في الجملة عند زهاء الطاهر. على سبيل المثال: (كنت اسجع. فقربت مني(13). فمن الناحية النحوية تحدد هذه الجملة علاقة بين فعل وفاعل. لكن من حيث الدلالة الامر مختلف فاقترابها «جفالة» وهو «زرقان» في سجعه نحويا يمكن قراءتها بصورة عامة هكذا: (التاء في محل رفع اسم كان. واسجع فعل مضارع مرفوع. والفاء للعطف وقربت فعل ماضي. والتاء للتأنيث في محل رفع فاعل. ومن حرف جر والياء للمتكلم ومني: «جار ومجرور»).. وعلى المستوى الدلالي نجد ان جفالة ليست هي فاعل الاقتراب. لان سجع زرقان، مارس دور الغواية، ودفعها للاقتراب. فهي اقتربت مدفوعة دفعا بغواية السجع. بالتالي زرقان اقرب لان يكون فاعلا في حالة: السجع.. وهي أقرب لان تكون مفعولا بها. عكس القراءة النحوية.. التي تعلن عن حالة الفعلية في (كنت اسجع) في شقها الاول، وفي شقها الثاني (فقربت مني).. تعلن عن حالة الفاعلية. في حين انها تضمر بشقيها الاول والثاني على المستوى الدلالي ـ وفقا لما ننحاز اليه من تأويل ـ حالة واحدة فقط اما: الفاعلية، او الفعلية. وتقودنا هذه الملاحظة الى الوقوف على اللغة، بوصفها نظاما عاما ينطوي على مجموعة، من النظم المتكاملة والمتآزرة (النحوي ـ الدلالي ـ الوظيفي) ولمزيد من التوضيح، يمكننا أخذ مثال من النص (حملنا اخراجنا على ظهورنا. ظهور أيامنا(14). فهذه الجملة المكونة من جملتين متصلتين ـ طريقة بناء الجملة عموما عند زهاء ـ يربطهما التأكيد (ظهور ـ ظهورنا). موضوعها «الايام» ـ وليس «الاحمال» كما قد يتبادر الى الذهن، على المستوى النحوي ـ فالكلام هنا وصفي ـ يصف فيه المتكلم بضمير الجمع، ان للايام ظهورا. فهو يعرف ذلك ومفردة «ظهور» نفسها ليست غريبة على أحد فلكل شخص ظهر ـ بل كل كائن حي نراه حولنا ـ كما ان هناك فضل الظهر كتعبير كنائي ـ لكن ليس ذاك هو غرض المتكلم ـ فهو يريد تمليكنا معلومة جديدة هي: ان ظهورهم التي حملوا عليها احمالهم، ليست هي الظهور التي نعرفها. فهي ظهور الايام واكد على ذلك بالتكرار.
    وهكذا نجد ان المتكلم اضاف هنا حقيقة جديدة للايام من معنى يندرج في التجريد الذهني، الى جسم مادي محسوس، وهو ان للايام ظهرا، بالتالي لها جسد هذا الظهر جزء منه، وهذه الحقيقة هي حقيقة محتملة بين عدد من الخيارات، فمثلما للأيام ظهر لها انياب وساق واقدام واسنان وعيون ولسان، الخ الخ.. وهو امر مدهش ان تكون الايام = غير المحسوسة. جسد محسوس. فمن خلال الدلالة التي يحملها اللفظ، ندرك هذه المعرفة الجديدة، وهكذا..
    ان زهاء الطاهر بلا شك اضاف للغة القصة القصيرة اضافات مهمة. وأتصور انه الى جانب ابراهيم اسحق، قدما مداخل لمشروع لغوي جذري للقصة ـ ينهض في بلاغة وجمال الدارجة ولغة غرب السودان ـ حري به ان يكون هو لغة مستقبل القصة الحديثة في السودان، التي تتلاقح وتتفاعل فيها لغات السودان في مختلف اطرافه، ليتخلق من هذا المزيج، نصا لغويا مشحونا بالدلالات المتنوعة، ويفيض بالمعاني المدهشة.
    ثانياً: الراوي في الساهي:
    لابد لنا من الاشارة الى ان للمتكلم في الحكي حالتان: اما ان يكون الراوي، خارجا عن نطاق الحكي، او ان يكون شخصية حكائية، موجودة داخل الحكي. فهو راوٍ ممثل داخل الحكي. وهذا التمثيل له مستويات «فاما ان يكون الراوي مجرد مشاهد متتبع لمسار الحكي، ينتقل عبر الامكنة، ولكنه مع ذلك لا يشارك في الاحداث. واما ان يكون شخصية رئيسية في القصة». وعندما يكون الراوي ممثلا في الحكي كما في قصة الساهي ـ اي مشاركا في الاحداث اما كشاهد او كبطل، يمكن ان يتدخل في سيرورة الاحداث، ببعض التعليقات او التأملات، تكون ظاهرة ملموسة. اذا ما كان الراوي شاهدا، لانها تؤدي الى انقطاع في مسار السرد، وتكون مضمرة متداخلة مع السرد، بحيث لا يصعب تمييزها اذا كان الراوي بطلا. وفي بعض الحالات التي يكون فيها الراوي غير ممثل في الحكي، ويلجأ الى التدخل والتعليق على الاحداث، فإن الامر قد يؤدي الى تصديع البناء الخيالي الذي اقامه الراوي نفسه ـ وهذا ما لا نجده عند راوي زهاء ـ اذ يصعب بعد هذا على القاريء ان يصدق بأن الابطال لديهم حرية الحركة والتصرف(15). الراوي/ المتكلم في الساهي يباشر بالحديث المتواطيء عبر الجملة ذات الايقاع الوصفي، مما يجعل المتلقي منذ السطر الاول يشرع مشاعره لتداعيات هذا الراوي «ومفعما كنت حتى الجلد، وحتى منبت الكلام وارجاء الروح الهادلة، وشائقا كعهدي، وشيقا كعهدها ومندفعا كلي نحوي، تواقا وعذبا كنهير في حلم أخضر، فياضا ومسكونا ببعض الوحي الموحي. كنت كأني اصيل مذهول(16)» فنلاحظ في هذا المجتزأ ان الجملة التعبيرية تدفع بالقاريء الى التسلل الى النسيج السردي. اذ يستخدم زهاء الاحالات المجازية الباعثة على التأثير في وجدان المتلقي «ومفعماً كنت حتى الجلد ـ اصيل مذهول ومنغوم، الخ» وهكذا يتم توظيف طاقة الانفعال في المجاز الذي يسقطه في عالم الأشياء «لأصبحت لهذه الادارة نكهة آسرة وحالمة» واستخدام المجاز هنا ليس إلا من مستويات التعبير عند زهاء، والذي يستخدمها في توسل الراوي للتحقق مما يسرد.
    الأنا/ إلهي:
    يرصد زهاء هنا شخصية الراوي عبر ضمير المتكلم، وشخصية سالي (الهي) مبينا كيف نشأت العلاقة بينهما من قلب التناقض «ما لها لو غارت او طارت، فإن فعلت فحتما أبداً لن اطراها طريت النبي» ـ «لو انه توقف أو اوقفوه وفارقنا لاصبح لهذه الادارة نكهة أخرى».. وهكذا ابتداءً يتم تحديد الابعاد النفسية للأنا (الراوي) ولـ (الهي) = سالي موضوع حب وحنين الراوي.. ويجد المتلقي نفسه مرتبكا ازاء هذه العلاقة، فالعلاقة تنهض بشكل اساسي في (السهو) وهكذا يشكل السهو محورا لعلاقات السرد، تنهض فيه علاقة الراوي الساهي بسالي الساهية «مرة اخرى رفعت رأسي بجبهته العريضة ولم اسألها بل سألت ضيفتها: اما جاء وسأل عني احد في غيابي يا رجاء؟ لم يكن اسمها رجاء. ابدا لم تكن رجاء، فغمغمت بضياع ثم قالت لي: فقط ابوك سأل عنك لكنه لم يجيء. اين كنت يا ناصر؟.. لم يكن هذا اسمي ابدا لم اكن ناصر.. اذا هي امك التي سألت.. ابتسمنا ثلاثتنا واخرجت لهما صورة امي من جيب جلبابي..» واخيرا: تحتشد هذه القصة بالدلالات والرموز التي تتأسس على المفارقة في عدم تطابق الاسم مع المعنى «رجاء/ الرجاء» ـ «ناصر/ النصر».. يسرد زهاء بضمير الراوي بلغة مميزة لا تعوق الحدث. لغة مزيج من العامية والفصحى. يسحبنا بهذه اللغة الى أغوار سرده دون ان تحس بملل.
    ü هوامش:
    (1) زهاء الطاهر. وجه جالا يتجلى ـ كتابة. مركز الدراسات السودانية. الطبقة الاولى 2002م.
    (2) معاوية البلال. الكتابة في منتصف الدائرة. الشركة العالمية للطباعة والنشر. ص:162.
    (3) معاوية البلال. الشكل والمأساة «دراسات في القصة القصيرة السودانية» الشركة العالمية للطباعة والنشر. ص: 80.
    (4) كتابات سودانية «كتاب غير دوري». مركز الدراسات السودانية. العدد العشرون يونيو 2002م ص: 105.
    (5) د. صلاح فضل نظرية البنائية في النقد الادبي. مكتبة الاسرة. مهرجان القراء 2003م ـ ص:20.
    (6) السابق. ص: 199.
    (7) زهاء الطاهر «مرجع سابق» ص:7
    ( السابق ص: 10
    (9) نفسه: ص: 12
    (10) نفسه ص 12
    (11) نفسه ص 8
    (12) فصول للنقد الأدبي. المجلد الخامس. العدد الرابع. يوليو أغسطس سبتمبر 1985م ص: 43
    (13) زهاء الطاهر «مرجع سابق» ص: 7
    (14) السابق ص: 9
    (15) محمد السيد محمد ابراهيم. بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ «دراسة في الزمان والمكان»، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2004م ص: 347.
    (16) كتابات سودانية. «مرجع سابق» ص: 107.

    أحمد ضحية
    [email protected]



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497579&bk=1
    _________________
                  

04-12-2008, 03:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نافذة المترجم

    يحررها د. التجاني الجزولي
    ====
    لاَ مَشْرقَ وَلَا مَغْربَ...
    بَلْ رباط وَاحِد (1)
    1
    كلاهما عالم علامة جياش القريحة. كلاهما متمكن من مصادره ومادته، مسترسل في عبارته، مجتهد بدوافع الخير والمحبة لأمته، فلئن اصاب في محاولته فله أجران، أما إن اخطأ فله مع ذلك بالتأكيد اجر الاجتهاد المخلص. ثم يبقى لـ «اليوم السابع» فضل استثارة جدل مهذب وممتع ومفيد. وبالغاً ما بلغ انتقادنا لواحدهما أو الآخر أو لهما معاً، فلن يجحد ذلك بأية حالة حقهما علينا في التجلة والتمجيد.



    هذا، وان حرص احدهما على ان يعلن بأعلى صوته على الملأ، مايراه حقه وحق نظيره في المدح، لكأنما غير واثق من ذمة القراء في ذلك. هكذا سمح الدكتور حنفي لنفسه في الحلقة الثامنة كي يقول من غير تحرج: «كنا في غاية التحضر نعطي جيلنا نموذجاً فريداً (هكذا - بخ بخ) لأدبيات الحوار.. اشبه بنجمين ساطعين يهديان الناس في ظلمة الليل... كما احتار الناس فيك احتار الناس فيَّ ايضاً... مع أنا كلانا ذوات عربية لا تموضع نفسها». اما ما حيرني انا شخصياً، فهو المسوغ الذي رخص للقائل وهو النجم الساطع الهادي، لاسيما لنشء عربي تتعرض لغته للامتهان والاستهتار والتقويض من داخل وخارج، ان يرفع اسم «ان» في «كلانا»، وان يجعل المثنى جمعاً في «ذوات» بجانب اخطاء اخرى لا اشك في ان مبعثها العجلة ولكن خطأ الكبير كبير.



    واذ الشئ بالشئ يذكر، لماذا يحرص الدكتور حنفي على ان يحذو حذو آخر من المتقدمين. فهو في نفس الحلقة الثامنة يجنح لاستدراك ما فات، لا لأن هناك، ما يستدرك بالفعل، ولكن لأنها على قوله «عادة الفلاسفة في الاستدراكات، وكما فعل أوغسطين». وبما انه يحب لأخيه ما يحب لنفسه فقد اخذ يحضه راجياً بأن «يفعل مثلي»، دون ان يتبادر لذهنه ان ربما ليس لأخيه ما يدفع به للاستدراك «مثله». كذلك اوضح تحقيبه السباعي بحسبانه «محاولة لعمل فلسفة جديدة في التاريخ بعد ابن خلدون، وكما قام بها روسو وفولتير من قبل... وفيكو وهيغل وكومنت». تمنياتنا له بالتوفيق الذي هو بحق اهل له. ولكن ليفرغ مفكرنا القدير من انجاز محاولته أولاً ويترك لغيره إلحاقه بالخالدين. فالمهم الفعل لا الافتعال، والعطاء الحقيقي لا المحاكاة العقيمة او التي تلد معوقاً.



    ولا املك إلا ان ألاحظ نوعاً من عدم الاتساق في مداخلات د. حنفي منذ الاستهلال. عدم اتساق ينزلق حيناً الى بعض تناقض اعيد منه مفكرنا المستوجب الاحترام. فتراه ينكر القول بأن الحوار المزمع «بين مشرق ومغرب». ولماذا ينكر ذلك القول؟ يجيب: «لأن هذه القسمة نشأت في حضن الاستعمار تقطيعاً للعالم الاسلامي الى اسلامي وعربي اولاً، ثم للعالم العربي الى مشرق ومغرب ثانياً» اذا كان الامر كذلك في نظره فلماذا قبل سيادته الاشتراك طرفاً في الحوار منذ البداية، تحت هذه القسمة «الاستعمارية المنشأ»؟ ولماذا نسى نكرانه «القول بها» فدأب على القول بها بعد ذلك تكراراً بلا استنكاف او اعتذار عن نكوصه؟ واذا كانت هي قسمة نشأت في حضن الاستعمار بغرض التقطيع والتقسيم كما فسرها لنا، فما تبريره لاستخدام السلف الصالح لها ولا نخال مقصدهم كان: ان تضيع وحدة العالم العربي واستقلال المنطقة بعد ان يذهب نصفها الى الغرب ونصفها الى الشرق». كما تقول كلماته بالحرف. فهل خرج ابن تيمية مثلاً من قبعة الاستعمار (على النحو الذي خرج به الاستقلال من جبة الافغاني بتعبيره المتبسط والمغالي في التبسيط) حين صاح في ابن عربي: ماذا يريد هذا «المغيربي» منا؟ أو الدكتور حنفي وهو يستخدم تعبيراً «للمشارقة» بأن محاوره الجابري «عمل من الحبة قبة»؟ ليستقر الدكتور حنفي اذن على حال: ايقول بمشرق ومغرب، أم لا يقول؟ أيرتضي هذه القسمة ام لا يرتضيها؟ فكما يقول اهلكم السودانيون «الرجل يمسك بلسانه». ناهيك عن المفكر ولاسيما اذا كان «نجماً ساطعاً».



    ويقول الدكتور حنفي في اولى مقالاته: «وجاء جيلنا وغالى البعض منا في القطيعة، ودعا الى خصوصية مغربية عقلانية علمية طبيعية في مقابل مشرق صوفي اشراقي ديني. مما يجعل المغرب اقرب للغرب والمشرق اقرب الى الشرق». سأغض الطرف عن العبارة الاخيرة الملغومة بحق، لأضاهي مقولتها هذه كلها برجائه في مطلع الحلقة الثامنة ان: «يعذر المغربي العقلاني أخاه المشرقي الصوفي الذي لا يزال يرى في الصورة الفنية قدرة على التعبير فيتضح جلياً ان الرجاء الاخوي جاد تماماً. ولكن ما بين الحلقتين الاولى والثامنة كان الكاتب المحترم قد نسى اتهامه بعضهم بالمغالاة في القطيعة بما عزوه لمشرق ومغرب من خصوصيات بعينها، فخاض مع الخائضين ولا حرج.



    يقرر د. حنفي محقاً وذلك في الحلقة السادسة: «ان تحديد المصطلحات منذ البداية قد يوضح كثيراً من اللبس الشائع» وعد بالانضباط المصطلحي والدقة في حصر المفهوم، وما ذاك على باحث رصين مثله بمستكثر. غير انه يفاجئنا بعدم الالتزام الصارم به بما يوقعنا في اللبس الخاص به. ومثال على ذلك تقلقل مصطلح «ليبرالية» على يده. فهي تعني مرة الممارسات العامة مما يطوله في العادة نعتها (كالقابلية لاستقبال الوافد والجديد، وتحمل المخالف والتعايش في تعددية) في مقابل «المحافظة التقليدية». وتارة يجعلها تبدو المناقض لقيم لا أظن ان لليبرالية أية صلة بها مثل «عقدة السامواري» التي في اعمق الاعماق في اليابان: «الشهامة وقطع الطريق». وحيناً يعني بها مناخ الحرية السياسية بصورة عامة. وحيناً آخر النظام البرلماني تحديداً.



    عين الاستخدام الاريحي نجده في مقالته عن «الهوية في مقابل التغريب» حيث يتعرض بالذكر للمجتمعات التراثية فما هي هذه «المجتمعات التراثية» وإن كنا نحدس المعنى المقصود وندرك الاصل المترجم عنه. او حين يضع «الثورات العربية» بإزاء «القوى الوطنية» لكأنما يمكن فصل «الثورة» عن «القوى الوطنية»، رغم أننا -مرة ثانية- نعلم ان المقصود السلطوية العسكرية بالشعارات الوطنية والتقدمية مع تأييد جزء له اعتباره من الشعب، بإزاء الولاءات السياسية الاكثر تجذراً. أو حين يفسر «الحداثة» اذا ما انتشر الجديد عبر الترجمة والنقل وانتشار ثقافات أخرى» (الحلقة السادسة). وبذلك تتعرض المصطلحات لنوع من اللغة الخاصة التي تلهث وراء جمعها كلما انبهلت.



    إنما هي تذكرة. ويقترح د. حنفي بأن يتجه الحوار نحو الواقع مباشرة وليس حول النظرية ويحدد تحديات رئيسية سبعة على رأسها تحرير الارض وما عداه الصواب. وسرعان ما ينسى د. حنفي بتفادي الخلاف النظري في الحوار، ليتساءل الى أي حد استطاع الفكر المعارض صياغة نظرية في تحرير الارض ومقاومة الاحتلال. ومع ذلك تحسبه سيطرح عليك معالم برنامج عمل واقعي مباشر، ولكن لا. بل سيحاول الزج بك في متاهة ذات رمال متحركة ومهالك. وبدل استنهاض القوى البشرية الكائنة في يومنا هذا يفكر باستحضار ارواح الصراعات الغابرة والفتن الدائرة: «الخلق أم الفيض أم القدم؟ وهل بإمكان وحدة الوجود مثلاً اعطاؤنا لاهوت الارض وتصوف الارض لمساندة شعر الارض ويوم الارض وانتفاضة الارض؟» فلا نملك إلا ان نضرع: سيدي وبكل اتضاع أمام علمك الزاخر وقصدك الطاهر، اجاد انت حقاً فيما تقول؟ ثم ماذا تقترح للعرب المسيحيين الذين يتساقط فلذاتهم جنباً لجنب مع اخوتهم المسلمين في فلسطين من بعض ما دار عليه الاصطراع بين يعاقبه ونساطره حول الطبيعتين والاقاليم؟



    ومن عجب ان د. حنفي فيما يشبه الشطح هذا. لم يتعرض لعملين اكثر مباشرة ووروداً مما ذكر، أومئ إليهما حيث ليس «على الحكي جمرك» كما يقول اخوتنا اللبنانيون. أحدهما مبحث القس السابق عبد الأحد داؤود في كتابه «محمد في الانجيل» الذي تولت دولة قطر مشكورة نشره بالانجليزية والعربية، وفيه فصل يدلل فيه هذا الحبر اللاهوتي بأن العهد ابرم في الواقع بين الرب وابراهيم بحضور اسماعيل الذي ختن واخذ العهد هو وذريته بالارض الموطوءة ما بين النيل والفرات بحسبانه البكر المستحق الارث المعنوي وفق القانون الرعوي السائد آنذاك. والثاني مبحث الدكتور كمال الصليبي «التوراة جاءت من جزيرة العرب». وهو مبحث جرئ يغضب الاطراف كافة. ولكنه ان صمد للتنفيد العلمي ينقل التنازع التاريخي بين نسل اسماعيل واسحاق نقلة كبرى يقهقه لها إبليس التاريخ متفكهاً دون ان يكون في ذلك بالضرورة ما يعطي الصهيونية حقاً في جزيرة العرب. ثم يبقى الحل الحقيقي كامناً في قولة المناضل عبد الناصر «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وثورة حتى النصر. ولماذا اغفل مفكرنا الاسلامي العارف مستهل سورة الاسراء؟



    عن الحريات العامة يقرر د. حنفي ان «لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر جذوراً تاريخية». ويقيني انه تقرير (على صدقه) فضفاض. كل واحد له في رؤاه الخاصة تصور خاص مختلف له. وحيث ان استاذنا الجليل ينظر من خلال موشور التجربة المصرية في احيان كثيرة، فلعله راجع بتلك الجذور الى ما قبل «مينا» على حين ان الذين رماهم الرئيس السادات بالبداوة على ايام ملاحاة «أجلاف العرب» قد لا يكون في وجدانهم جذور لأزمة حرية وديمقراطية. مرة اخرى، لابد من دقة ووضوح في «الحد».



    الليبرالية التي ذكر استاذنا الجليل بأنها بدأت «منذ اتصالنا بالغرب منذ مائتي عاماً» (أي منذ «يا سلام من هذه الآلام» على ما وصف الجبرتي) والتي من اجل فضلها على الحريات اعلن مفكرنا الاسلامي الموقر حنينه للثورة الفرنسية ولا جناح، أبانت جلياً في البلاد التي تدين بفضل تلك الليبرالية لحرياتها الفشل السطحي والمحلي للنفي الذي في «لا إله إلا الله» في تقديم ما قدمته تلك للحريات العامة. أمر واضح كالواحد نصف الاثنين اذا صحت قراءتنا لمساهمة د. حنفي في هذا الحوار. فكيف نستمد من هذا النفي الجدوى الحقيقية الكامنة فيه، وهنا دائماً تأويلان متضادان له؟



    ويجدر بنا هنا ان نضاهي بين موقف الذين نادوا بقرار واضح بإعدام المفكرالاسلامي السوداني محمود محمد طه قبل دعوته لمجادلتهم، والذين حرضوا على اعدامه واجازوا ذلك. والذين أمسكوا ألسنتهم لائذين بالصمت المطبق كمن ينظر من نافذة طائرة على حين كان يشنقه قضاة النار بتلك المحاكمة الابليسية التي لم يتعد مجموع ما أخذته من وقت تداول سوى سويعات - وموقفهم هم انفسهم بإزاء كتاب سلمان رشدي حتى لا يحسبوا مع الخميني الذي كان موقفه مع رشدي هو نفس موقفهم السابق حيال محمود طه. سوى ان «محموداً» يتقي النار والتكفير بلا إله إلا الله، ويتحشمه غاية التحشم إزاء من لم يكن يرد ذكره على لسانه او قلمه إلا بـ «المعصوم» على حين اعلن «رشدي» كفره وفجوره وانتهازيته المحسبة المضر به بالطريقة التي نعرفها. للأول الشنق وللثاني ان يرد عليه برواية مضادة واستدعاء للمثول مع فتح باب النقاش. ثم ما لبث ان نسوه.



    بكل ما في فؤاد د. حنفي من طيبة، ابدى عشمه في ان «يبدأ المثقفون والقادة حواراً - الأولون بعيونهم على الوطن والآخرون بآذانهم على الثقافة» وهو ما أنهى به مقالته الأولى. دفع هذا العشم النبيل شيطاني ليتخيل المرحوم عبد الناصر في رحاب الابدية امام الديان الاكبر ومن حوله شهدي عطية وفرج الله الحلو وسيد قطب ومحمد عودة وعبد الرزاق السنهوري وجمال سالم (لأنه طلب من الهضيبي قراءة سورة قرآنية بالمقلوب) والنقابيان خميس والبقري، قال له شيطاني: السلطان بالتأكيد بنت كلب. قلت له: ربما كانت الثقافة احياناً هي الاخرى بنت كلب. او على الاقل هي كذلك في نظر السلطة -غير ان الدنيا دار امتحان في جميع الاحوال- النفي الذي في «لا إله إلا الله» لا معنى له إلا لدى من كان يؤمن حقاً بأن ثمة إلهاً في الكون. وإنه إله فعال.



    أما الدكتور محمد عابد الجابري في استجابته بالحلقة الاولى، فإنه لا يكتفي بتقرير خصوصية «مغربية» وحسب (وهو امر لا معدى عنه) بل ويميزها -عن الخصوصية «المشرقية» بداهة- بكونها «عقلانية»، جاعلاً من معالجة العلماء الاندلسيين لحديث «الفرقة الناجية» مقفزاً لذلك. العقلانية في عطاء الذهن الاندلسي والمغربي امر كائن ونعتز به أيما اعتزاز. ومع ذلك كان أحرى بعقلانية د. الجابري نفسه، سواء وصفت «بالمغربية» اقتصاراً او «بالعربية» اشتمالاً (وهي عقلانية فيه، نغبطه عليها، ونجلها ونتماهى معها، ونعدها رصيداً لتقدمنا، وصوتاً من أصوات حكمتنا) ان تسارع وقد مال الغبيط بهما معاً (وهذا من فصيح الفصحى) ان تنبهه بأن مثل قوله بذلك التمايز بالعقلانية بين مغرب ومشرق، ينافى تماماً دعوته الصادقة لعدم «تكريس الاخلاف بل الغوص فيه الى اعمق اعماقه للكشف عما يقوم عليه من سوء فهم». أصاب وبخاصة اذا قام سوء الفهم على وهم قديم على شاكلة ملاحظة القاضي صاعد الاندلسي في زعمه عن العرب بأن: «علم الفلسفة لم يمنحهم الله عز وجل شيئاً منه، ولا هيأ طباعهم للعناية به، ولا اعلم أحداً من صميم العرب شهر به إلا أبا يوسف يعقوب بن اسحق الكندي والا محمد الحسن الهمداني». ولقد نعت مؤلف كتاب «النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية» مثل هذا الزعم بكونه «اسلوب النظر العرقي، مثله مثل النظريات ذات الطابع العنصري في القرن التاسع عشر، القائلة بأن هناك طريقتين للتفكير: طريقة غريزية وتركيبية للشرق، واخرى منطقية تحليلية للغرب. ومثل النظريات القائلة بأن الزنجي ناقص بيولوجياً وابداعياً، دون تاريخ ودون تقاليد ثقافية (غير تراثي؟) أو كتلك القائلة بأن القابيات العقلية للجنس السامي أدنى مرتبة مما هي عليه لدى الجنس الآري. فلا غرو أن علق البروفيسور الغاني «ويليام ابراهام» في كتابه «عقل افريقيا» بأنه «اذا كان الله قد خلق الانسان، فإن الله لم يخلق في الوقت ذاته الثقافة. فالثقافة ليست بيولوجية ولكنها كلية من صنع الانسان».



    وفي هذا الصدد ينوه كل من «باراهام» في كتابه المذكور و«نيكروما» في «الوجدانية» (ترجم للعربية ونشر ببيروت) بالفيلسوف الغاني «أنطون ويلهلم أمو» المولود العام 1700 ميلادية. المجاز في الفلسفة في ويتينبيرج، حيث كان «كانط» لايزال صبياً، والذي قابل بدوره وهو صبي «ليبنتز» وصار من بعده فيلسوفاً عقلانياً يحاضر في عدة جامعات ألمانية، وكان على رأس اطروحاته تلك التي تقلل من الفوارق النسبية بين الحضارتين الافريقية والمسيحية مما كان يستخدم آنذاك في تبرير الرق. كما كان من استنتاجاته المذهلة آنذاك ايضاً، بما فند به بعض طروحات ديكارت، أن الاحساس ليس بملكة عقلية. عشمي ان اقوم بتقديمه للقارئ الكريم بأطول في مناسبة أخرى، ليقيني بأن كثرة من العرب فيهم جاهلية، يستكثرون على أخيهم الزنجي العقلانية والتفلسف ونصيبه المستحق من التفوق الذهني. يقول المثل السوداني بمنتهى البساطة «سيدي بسيده».


    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497134&bk=1
    _________________
                  

04-12-2008, 03:41 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الحاج ورَّاق في حواره مع «الصحافة»

    لست «سمسـار» سياسة ولن أعـود إلى «حق» مرة أخرى
    حوار: صباح أحمد
    ثمة أسئلة دارت في مخيلتي- وغالباً- في مخيلة كثيرين غرقوا في بحر دهشة عقب إعلان قيادة حركة القوى الحديثة «حق» العليا تقديمها لإستقالتها وتنصيب قيادة جديدة قرباناً لوحدة «حق» من جديد.
    فقد أعلن الحاج وراق الأمين العام لحركة القوى الحديثة ود.هشام عمر النور نائب الأمين العام وهادية حسب الله مسؤول الاتصال والتنظيم خلال مؤتمرصحفي عقد الأسبوع الماضي بمكتب غازي سليمان المحامي ابتعادهم عن الحركة من أجل فتح الباب أمام وحدة حركة القوى الحديثة وحركة القوى الجديدة بزعامة الراحل الخاتم عدلان. وطالبوا في ذات الوقت بتنحي كل القيادات المتورطة في الصراع القديم لضمان وحدة «حق» و..و..هلمجرا.
    ومبعث الدهشة هو توقيت اعلان الاستقالة وتوقيت الدعوة لوحدة حق من ناحية ومسوغات الوحدة نفسها من ناحية أخرى.
    كثيرون شككوا في صدقية دوافع الإستقالة ومسوغات الوحدة والموقف نفسه حتى أن أحدهم - وهو سياسي مرموق- أقسم لي بأن الحاج وراق «يتكتك» لإتخاذ خطوة جديدة والانتقال الى مجال آخر كمنظمات المجتمع المدني ـ مثلا ـ بعد «فشله» في تحقيق مايبتغيه وهو موجود بحركة «حق» الأمر الذي جعله يفكر ويدبر حتى خرج على الرأي العام بفكرة تقديم استقالته وما صاحب ذلك من تداعيات.
    * ثمة أمور أخرى لم تكن واضحة بالنسبة ليّ فيما حدث ويحدث ولربما كانت غير واضحة أو حتى مفهومة لآخرين.
    فكرت أن اسأل عنها الحاج وراق وها أنذا أفعل وأبدأ بسؤال عن:
    * الوصول لقرار الإستقالة كيف كان، هل تم تدارس الأمر في المؤسسات أم أنها كانت محض قرارات شخصية؟
    - توصلت شخصياً الى قرار استقالتي من عضوية وقيادة «حق» في المطار عند قدوم جثمان المرحوم الخاتم عدلان.
    ولأنني أمين عام حركة منتخب من مؤتمرها العام، كان لابد من دعوة المؤتمر العام للحركة، وهكذا طرحت في المكتب التنفيذي إقتراحاً بإعادة دعوة المؤتمر الاستثنائي للحركة للانعقاد، وهذا ماتم في يوم 6/5/2005م.
    ومالذي حدث يومها؟
    في المؤتمر طرحت استقالتي المسببة، وطالبت المؤتمر بإنتخاب أمين عام جديد. وكانت رغبتي الشخصية أن يستمر د.هشام عمر النور- الأمين العام المناوب لحق، وأن تستمر هادية حسب الله -المسؤول التنظيمي،

    كانت رغبتي أن يستمرا في قيادة الحركة
    فلهما مبدئية، والتزام أخلاقي وسياسي عالي بمصالح الشعب والحركة، ولكنهما آثرا الاستقالة بحكم أن ماينطبق عليّ ينطبق عليهما، وهذا ماحدث.

    * الا تعتقد إن المسألة برمتها كانت عاطفية وشتان ما بين العاطفة والسياسة؟
    - ما تصفينه بالعاطفية، كان بالنسبة لنا قراراً أخلاقياً وإنسانياً. وبالطبع الإنسانية والأخلاق تتضمن عاطفة ما.

    وفي النهاية فإنه لايمكن لأي سياسي أن يكرس حياته لمبدأ ما دون شغف وعاطفة تجاه هذا المبدأ.

    بالنسبة لي شخصياً فإنني أرى بأن السياسة لابد أن تتضمن وتنطلق من اعتبارات إنسانية وأخلاقية .وتحتاج خصوصاً لهذا المبدأ حالياً في مواجهة الحركات الأصولية والظلامية، فآفة هذه الحركات الأساسية، وعلى عكس إدعاءاتها، أنها لا تحتفي بالاعتبارات الانسانية والأخلاقية، كقيم الرحمة والرأفة، ونجدها تضع النصوص قبل البشر، رغم أن النصوص إنما جاءت رحمة بالبشر، ولهذا فإنني اعتقد إن أحد إشكال مواجهة هذه الحركات الظلامية الاحتفاء بالانسان وبالإنسانية وجعلهما المرجع لكل قرار سياسي.

    ثم أن ما فعلناه أملته علينا ضمائرنا، وقد تعودنا دوماً أن نفعل ما نراه صحيحاً إيا كانت تكلفته.. وقطعاً أي قرار أخلاقي هو مكلف، والذين يريدون القرارات السهلة والمجانية عادة ما يختارون القرارات غير الأخلاقية.

    * لكن ..بعضهم وعلى رأسهم الشيوعيون يرون أن خطوة الاستقالة وإن كانت «نبيلة» لازالت تحتاج الى مكملات من قبيل تقديم النقد الذاتي.. طالما إعترفتم بوجود أخطاء لازمت تجربتكم. لماذا لا تقدمون نقداً ذاتياً لهذه التجربة؟
    - الذين يقولون بذلك هم المطالبون حقاً بتقديم نقد ذاتي.

    لايمكن تفسير استقالتنا ابداً وكأنها اعتذار عن المواقف الفكرية والسياسية التي اتخذنا بما في ذلك المواقف ضمن الخلاف في «حق».

    ولكننا قطعاً لسنا راضين عن الوحشية والقسوة التي تورطنا فيها ضمن ذلك الخلاف، وعلى هذا لدينا الجرأة لتقديم نقد ذاتي، وعلى كل فلسنا وحدنا، بل ولسنا الذين بدأنا بالوحشية والقسوة.

    أما الحزب الشيوعي، فمن يقدم نقداً ذاتياً؟ هل نحن الذين تورطنا في الاتهامات الجائرة والمجانية؟ هل نحن الذين اعتمدنا مناهج إغتيال الشخصية و«حرق» المخالفين في الرأي؟

    وهل نحن الذين استعضنا عن الجدال الفكري والسياسي بشائعات جلسات الإنس؟ وهل نحن الذين بعثرنا وحدة القوى الديمقراطية، وأصرينا على أن يكون مركزها الحزب الشيوعي، حتى ولو كانت تكلفة إستدامة هذا المركز بعثرة الحركة الديمقراطية وتقطيع أوصالها، وإستغفال رموزها «بالفراكشنات»؟
    * معني هذا انكم ترفضون اية عملية مراجعة حتى لو كانت موضوعية؟
    - لا.. نحن مستعدون لأية عملية مراجعة موضوعية ونزيهة، ونعتقد بأن هذه العملية يجب أن تستلهم واقعة تشييع المرحوم الخاتم عدلان نفسها، ففي المطار كان هنالك الاستاذ/ نقد والاستاذ غازي سليمان، ود.هشام عمر النور، والاستاذ عبداللطيف عمر، والعشرات من كوادر الحركة الشعبية، هؤلاء اضافة الى المئات من الشيوعيين ومن جناحي «حق» كانوا في التشييع موحدين بمشاعر الحزن كتفاً بكتف ودمعة بدمعة، أفلا يمكن تطوير وحدة المشاعر هذه على رحيل الخاتم الى وحدة أكثر ديمومة؟ أي وحدة على أساس الرؤية والبرنامج السياسي؟
    * ألا تعتقد أن قضية الوحدة كانت ستسير خطوات للأمام لو تم الاتفاق عليها مع الطرف الآخر أو حتى النقاش حولها أو تدارسها؟
    - أسبابنا للاستقالة انسانية وأخلاقية، وهى إننا نربأ بأنفسنا من أن نكسب ميزة برحيل المرحوم الخاتم عدلان، ثم إننا لانود الاستمرار في وضعية تذكرنا بإختلافاتنا مع الراحل أكثر من حزننا عليه.

    هذا إضافة الى أننا قدرنا بأن الظروف الجديدة مثل توقيع اتفاقية السلام، توفر فرصة لإعادة توحيد «حق» من جديد، وبالتالي فإننا قدرنا أن استقالتنا ستزيح المرارات الشخصية الناجمة عن الخلاف وتوفر فرصة حقيقية لإعادة توحيد «حق».

    وفي ظل البيئة السياسية السائدة والموبوءة بالاتهامات وسوء الظن قدرنا أن أى نقاش قبل خطوتنا العملية سيفسر وكأنه إلتفاف أو مناورة أو مسرحية.

    * رهن الوحدة بابتعاد العناصر المتورطة في الصراع من الجانبين هل قصد به إبعاد عناصر بعينها وقفت مواقف متشددة تجاهكم ذات يوم، وتعويلكم على عناصر أخرى «جمهورية» لدعم الوحدة وإنجاحها هل قصد به في الأساس تسليم حركة «حق» للجمهوريين وتحويلها لتنظيم جمهوري؟

    - نحن لم نرهن أي شئ بأي شئ. نحن رأينا بأن استقالتنا ستفتح الطريق لإعادة التوحيد من جديد، وفعلنا مايلينا من المسؤولية والواجب، وقيادة الطرفين في «حق» هما المؤهلتان لمناقشة أسس الوحدة ومطلوباتها وإستحقاقاتها.

    * وماذا عن تلك العناصر الجمهورية التي عولتم عليها في وحدة حق كالباقر عفيف وبشير بكار وحيدر بدوي؟

    - كل متابع لحق يعرف بأن قلة من تلاميذ الشهيد الاستاذ محمود محمد طه قد ساهموا في تأسيس «حق» وعند وقوع الخلاف ذهب مع مجموعة الخاتم د.الباقر العفيف، وكان معنا د.بشير بكار ود.حيدر بدوي والثلاثة وبغض النظر عن مواقفهم السياسية أو التنظيمية ظلوا يتصفون بسماحة الجمهوريين وإتساع صدورهم ولذا شكلوا نسيجاً مشتركاً بين الطرفين.

    وبالطبع فإن الغالبية العظمى من الجمهوريين ظلوا حريصين على هويتهم وخصائصهم المستقلة ولم يلتحقوا بأية حركة سياسية، وبالتالي فإن دور هؤلاء الثلاثة في «حق» لايعني بأنها تحولت أو يمكن أن تتحول الى تنظيم جمهوري، ولكن «حق» كحركة مفتوحة تقبل فكرة المنابر داخلها، وليس لديها آيديولوجية شمولية تقولب بها عضويتها، ولهذا كانت ترحب بالمنطلقات الآيديولوجية المتعددة، بما في ذلك أن يدخل فيها عدد من الجمهوريين، وقد أضافوا اليها الكثير الإيجابي والإنساني بدخولهم، ولكنهم في النهاية ظلوا استثناء بالنسبة للمجتمع الجمهوري الأوسع.

    * طيب.. ماذا يحدث ان لم تتحقق الوحدة واتضح وجود عقبات موضوعية غير الشخصية أمام تلك الوحدة وإن لم تقدم قيادات الطرف الآخر استقالتها أو تبتعد عن مواقعها ماذا ستفعلون؟
    - لن أرجع أبداً عن استقالتي وأعتقد بأن هذا هو نفسه موقف د.هشام عمر النور وهادية حسب الله، لأننا لم نشرط استقالتنا بضرورات الوحدة وحدها، وإنما كذلك بالاعتبارات الانسانية والأخلاقية.
    وأى حديث عن ان قرار الاستقالة قابل للمراجعة لاحقاً، يجعلها إستقالة «مناورة» وليست إستقالة مبدئية وأخلاقية.
    أما ماذا يفعل الطرف الآخر فذلك شأن يخص الطرف الآخر ولايخصنا نحن.
    * عفواً.. هل يمكن أن تكون المسألة مجرد «تاكتيك» منكم لخطوة أخرى، وجني مكاسب عينية أو مادية في مجالات أخرى بعد مافشلتم في جني تلك المكاسب وأنتم في «حق»؟
    - اذا كان المقصود تاكتيكاً فهل كنا نستقيل عن عضوية الحركة نفسها رغم أننا سكبنا لأجل هذه الحركة زهرة عمرنا وشبابنا؟ واذا كنا نريد مواقع ما فهل نتنازل بمثل هذه البساطة عن مواقع قائمة لنا الآن تسلمناها بجدارتنا وبانتخابات ديمقراطية، لنراهن على ما في رحم الغيب؟

    واذا كنا «سماسرة» سياسة كما يشير إتهامك، فأيهما الأفضل ،السمسرة وأنت في قيادة حركة قائمة أم السمسرة كأشخاص مستقلين، بلا أية قواعد وراءهم؟
    * لكنكم لا زلتم اعضاء في جميعة التنوير الثقافية التابعة لحركة «حق» وهذا من شأنه أن يقدح في صدقية الابتعاد عن الحركة؟
    - جمعية التنوير منظمة ثقافية كان غالبية عضويتها من «حق» وبالتالي وبعد استقالتنا ستتم مراجعة ذلك لاحقاً، أما بتكريس استقلاليتها التامة والنهائية عن «حق» أو انسحابنا عنها وتأسيس منظمة مجتمع مدني أخرى.

    * ماهى الخطوة القادمة.. الى أين سيبحر قارب وراق السياسي؟
    - لن اغلق على نفسي في صومعة اعتزال أو رهبانية، سنظل في ساحات العمل المختلفة، سنظل بأقلامنا وأفكارنا ومجهوداتنا في قلب معارك الحركة الديمقراطية لأجل التحاق بلادنا بالمدنية المعاصرة، ولأجل تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ السلام والوحدة الوطنية.

    ولإستيعاب طاقاتنا بشكل ملموس غالباً ما نتجه الى النشاط في منظمات المجتمع المدني.




    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497067&bk=1
    _________________
                  

04-12-2008, 03:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عزاء لم يكـتمل
    د. محمد بابكر
    * عقب انتفاضة مارس أبريل، وتحديداً في صيف العام 1986م. كانت البلاد تلج صبح ميلاد عجزت أقلام الكتاب والشعراء عن وصفه حينذاك.
    * كانت الأحزاب السودانية تملأ فضاء الوطن بنشاط وحيوية كوادرها، وكانت النظرة للخصوم أقرب للرأفة، لأن منطق الأشياء يشي بإمكانية الحراك والتحول، ومزاج المتصوفة هو السائد آنذاك، ورغماً عن العنف السافر في يوليو 1971م وفي يناير 1985م باغتيال الاستاذ/ محمود محمد طه إلا أن القوى السياسية تيقنت أن الديمقراطية هى المخرج والمآب.
    * كان الاخلاص يملأ جوانح الكثيرين من القوى السياسية كافة، وكانت الانتهازية هى الاستثناء.
    * كان البعض يحلم بدولة الاسلام، والبعض بدولة يتساوى فيها الناس حقوقاً وواجبات استلهاماً لقيم الإشتراكية العظمى آنذاك.
    * في هذا الجو عرفت الاستاذ/ الخاتم عدلان منافحاً ومكافحاً من أجل الشعب وقضاياه، مؤمناً بالفكرة، باذلاً من أجلها الغالي والنفيس ثم أتيح لي أن أتعرف على الرجل أكثر فأكثر وعلى تاريخه المتمثل في مغالبة الديكتاتورية وتقديم زهرة الشباب لأجل قضايا الشعب وطموحاته.
    * لقد كان إنضمام الخاتم للتيار الماركسي علامة فاصلة في تاريخ ذلك التيار فهو لم يكن كمن سبقوه ولعله الأميز بين أولئك الذين جاءوا معه.
    * تميز الخاتم بالجرأة على تجاوز ركام التجربة فكان مع رفاقه من أوائل المنادين بإعادة التقييم بدلاً عن الذهول إزاء ما حدث.
    * ذهبت بنا الدنيا الى نواحٍ عدة وتفرق الشمل وعدنا عقب الانقاذ لنجد البلاد غير تلك التي عرفناها بل الناس غير أولئك الذين عرفناهم.
    * ترك الخاتم حزبه مع رفاق له ما لبثوا أن اختلفوا كذلك، الا أن القادة من هؤلاء واولئك ظلوا بامكانات لاينكرها الا مكابر، كما أن جهودهم من أجل رفعة الوطن كلٌّ عبر فكرته ومن مواقعه سيرصدها التاريخ ايجاباً.
    * إفتقدت البلاد الاستاذ/ الخاتم عدلان في زمن هى الأحوج فيه لكل ابنائها.
    * يرحل الخاتم وبلاده منتقصة الأمل لم تكتمل ملامح السلام فيها ولم تمتلك فيها إرادة الاصلاح.
    * وكأنما أردنا حينما ودعناك يا خاتم أن نذكرك بأننا قد أدمنا الفعل الناقص فودعناك بعزاء لم يكتمل.



    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496809&bk=1
                  

04-12-2008, 03:48 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لن نجزع... فالشهيد حي بيننا
    د. كامل إبراهيم حسن
    كان من المفترض أن تقرأ هذه الكلمة في الإحتفال بذكرى إستشهاد الأستاذ محمود محمد طه بمكتبة البشير الريح يوم الثلاثاء 18 يناير 2005 م إلا أن جماعة من رجال الأمن أوقفوا الإحتفال رغم تصريح الجهات المسئولة بقيامه.
    لا تبحثوا عن أمرىء القيس في الكتب لأن امرأ القيس ذلك قد مات وانتهى... أما هذا فهو حي وموجود بوجود الإحتفال المسرحي ومتجدد بتجدده ومستمر بإستمراره. لا تبحثوا عنه خارج العلاقة بين الشرق والغرب، بين الماضي والحاضر، بين الممكن والمستحيل. فامرؤ القيس الجديد لا يمكن أن يكون في الأخير سوى روح هذا الزمن الجديد أي زمن الإغتراب وزمن الإغتيالات وإنقلابات العسكر وهجرة الأدمغة واليد العاملة بحثاً عن الخبز والكرامة... ومن هنا فإن المسرحية ليست مأساة فرد فقد عرشه وراح يبحث عنه وإنما هي مأساة أمة بكاملها... أمة تعيش الماضي في الحاضر والتخلف في التقدم والتفتح في الإنغلاق... أمة تحيا التمزق بين أن تمنح ولاءها للمدينة أو للبداوة... بين أن تأخذ بحوار الكلمة أو بحوار الدم.. بين أن تتمسك بماضٍ مات أو تعانق الآن والآتي.
    من مسرحية: امرؤ القيس في باريس -الجزء الأول- بقلم: عبد الكريم برشيد، من هو امرؤ القيس هذا الموجود بوجود الإحتفال المسرحي هل هو اسم أم رمز؟ألا ترون بأن هذا النص - وبقليل من تبديل وتحوير في الزمان والمكان وأسماء الشخصيات- يصلح أن يعطي صورة دقيقة للبطل «امرؤ القيس الجديد/محمود» مع الإبقاء على الصورة الخلفية؟ إذ أن امرأ القيس الجديد لا يموت حتى في زمن الإغتيالات وإنقلابات العسكر، لأن الإحتفال المسرحي «توصيل الرسالة» لم يكتمل حتى الآن... فالهدف إنقاذ أمة تعيش مأساة التخلف والإنغلاق وحوار الدم... أمة تتمسك بماضٍ مات وفقد كل مقومات البقاء «الهوس الدينى وكبح جماح الفكر المبدع الخلاق» وهو يريد لها أن تعانق الآن والآتى... وهو يبحث عن عرش وملك ضاع وفي نفس الوقت لا يبحث عن جاه أو ترف شخصي هدفه فقط إعادة تشغيل عقل عطله أهل مملكة ضاعت بضياع دوره... وفي الظاهر يبدو وكأن الأستاذ يبحث عن إبرة ضاعت في كومة من الجهل ليرتق بها الفتق... كومة لا يزيدها كر الأيام إلا سجماً على رماد ونكاد نحن -الذين لا نملك صبره وإرادته- نعتقد بعبثية التضحية ولاجدوى ذلك العناد غير المبرر..
    تساؤل أصر علىَّ مرات ومرات: لماذا أصر سقراط السودان أن يقتفي أثر سقراط اليونان وقبّل أن يتجرع السم ورفض الإستتابة وهو يعلم أن مشنقة حاكم ظالم متكبر لن ترحمه وقد عايش كيف أودت بحياة الكثيرين من أمثاله رجال المبادئ والرسالات: عبد الخالق... الشفيع... جوزيف قرنق... بابكر النور... هاشم العطا... والصف طويل طويل لحملة أفكار الواحد منهم في قامة أمة غيبها الجهل والظلم؟ ماذا لو طأطأ الرأس أمام عاصفة الجنون المخبولة تلك وتركها تمر فالتُفية جزء من الحكمة؟ وأعود أقول لنفسي: استغفر الله لو فعلها لما كان محموداً الذي نعرفه فمواقف الإنسان هي التي تُعرف بالإنسان... محمود لا ينكس راية المقاومة ولا يحني الرأس أمام «إمام» ظالم لأن الصدع بالرأي في مثل هذه المواقف هو الجهاد الحق... والأشياء -كما يقولون- تعرف أفضل بأضدادها... فلولا ما يثيره فينا القبح من إشمئزاز وتقزز لعجز الجمال أن يحرك فينا خلجة ويجعلنا نرقص طرباً.. ولو لا إكبارنا للشجاعة لصفقنا للجبن... نعم لا يمكن لزعيم حقيقي أن يتملص من أفكاره ومبادئه وأن ينخلع قلبه رعباً أمام غطرسة سلطان جاهل ولذلك نجد حذاءً مشنوق الشرف والحرية دائماً أعلى من هامة القاتل. في فيلم شاهدته منظر يحكي عن سفن الأعداء تحيط بالغواصة التي أنقذت بعض الناجين من سفينة بريطانية دمرها الألمان إحاطة السوار بالمعصم... ومن بين الناجين طبيبة هي المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال... إستغرب طاقم الغواصة كيف إهتدى هذا العدد الكبير من سفن الأعداء الى غواصتهم فما كان طاقم الغواصة يعلم أن من بين «الناجين» عملاء للألمان وهم الذين يوهمون الغواصة عن طريق الخديعة وتعطيل بعض الآليات بوجود سفن لا وجود لها في الواقع، حتى يجبروا الغواصة على المكوث تحت سطح الماء أكبر وقت ممكن... وهكذا ينفد الأوكسجين وبالتالي تتزايد نسب الهيدروجين نتيجة توقف المحركات والآليات المولدة للأوكسجين... بدأت المشاكل تتفاقم وبدلاً من أن يواجه الطاقم المشاكل الحقيقية نجد أن أغلبية الجنود -نتيجة سيطرة الخرافة على عقولهم- يرون في المرأة سبب النحس الذي ألم بهم.. لأن وجود إمرأة واحدة بين عددٍ كبير من الرجال يسبب سوء الحظ... ويبدو أن بحارة الغواصة لم يتوصلوا الى حكمتنا بوضع حجر أو طوبة معها... زادت الهلوسة مع إزدياد نسبة الهيدروجين والنتيجة غياب العقل والمنطق لتصبح الخرافة سيدة الموقف إلا رجل واحد لم يفقد عقله وهو الذي إكتشف العملاء وأنقذ الغواصة والطاقم بمساعدة الفتاة الطبيبة وقادها الى بر الأمان.
    هكذا أرى الموقف الذي كان يخيم في تلك الأيام كالحة الظلام... سياسات نميري البلهاء مع غياب شمس الحرية «إنعدام الأوكسجين» تكتم الأنفاس ويعد زبانيته ما يخرج من زفرات الغلابة المغبونين... وجماعة الهوس الديني يبثون الدجل والخرافة «الفهم المتكلس للإسلام» وبزيادة الهايدروجين «تكبيل حرية الفكر والإجتهاد» تتزايد التشنجات والهلوسة وتتمدد لتسيطر قوى اللاعقل واللامنطق فيعربد الإرهاب الفكري وينفلت العنف من عقاله موجهاً ضد كل ما هو علمي وجميل... ضد الفتاة الطبيبة الشابة النضرة «محمود وأضرابه من دعاة الديموقراطية والإشتراكية».. وللأسف لم يكن في غواصة السودان يومها ذلك البطل العاقل لينقذ حياة الطبيبة الشابة ويزيح -حتى عن عيون القتلة- تلك الخرقة البالية ليروا النور ومرفأ النجاة... وبعد كل هذه التضحيات من محمود وأضرابه من شهداء الحرية والديموقراطية هل لنا أن نتعشم ببزوغ وشيك لفجر الحقيقة!!؟
    ما تذكرت مقطع مرثية نزار قباني للزعيم جمال عبد الناصر الذي يقول فيه: «قتلناك يا آخر الأنبياء» إلا وتذكرت قصيدة د. محمود شعراني التي أهداها الى «جماهير الطلاب والنساء... سنابل الرجاء وشعلة النضال» تحت عنوان: «أرثي لكم جميعاً قصة السودان»، والتي يقول فيها:
    أرثي لكم جميعاً.. حكومة وشعباً... طوائف وقادة
    وشيعة مضادة
    وعامة وسادة
    ودولة تنقصها مظاهر السيادة
    العنكم جميعاً لأنكم قتلتم
    مواطن الكرامة في موطن الكرامة
    الى أن يصل الى قوله:
    فكيف تأكلون؟ ثم كيف تشربون
    كلا ستعلمون ثم توقنون
    أن لعنة الأطفال قد تصيب «سنسفيل» جدكم يزيد
    ما عدتمو عروبة... ما أنتمو بنوبة
    أنصافكم رجال... رماحهم تدلت
    وخيلهم تولت
    ويستمر ليقول: أروى لكم حكاية ممجوجة الرواية
    أبطالها جميعاً من نسلنا الكريم
    طوائف وعسكر
    وصفوة أجيرة وكل من تمسخر
    رغم أن هنالك إختلافاً بين موقف الشاعرين من حيث إتهامهم لنا بالمشاركة في المذبحة إلا أن نزار يصنِّف نفسه معنا نحن القتلة بينما لا تشعر بذلك في قصيدة محمود فهو يستثني نفسه إلا لماماً ... رغم ذلك يبقى السؤال الرئيسي أو التهمة الرئيسية: هل كان لنا فعلاً دور كبيراً كان أو صغيراً في قتل ائمتنا؟.. أو لنضع السؤال في كلمات أخرى: هل كان يمكننا منع الجريمة لو تحركنا وتصدينا لقوى الإستبداد أم أن مثل هذا الحديث مجرد جلد للذات يجافي الموضوعية؟يقول العلم إن الحدث لا يمكن أن يحدث إلا بعد حدوث أحداث أخرى متباينة تأطر للمناخ والظروف كشروط موضوعية لحدوث الحدث المعني وذلك يعني فيما يعني أن ما حدث كان يجب أن يحدث في إطار الظروف المعطاءة... ولكن العلم يقول أيضاً إن تدخل الإنسان يغير من توازن وقوة فاعلية العوامل المؤثرة وبالتالي قد يقود الى ظروف أخرى تكوّن بدورها مناخاً آخر مواتياً لحدوث حدث مختلف... والنتيجة: إذا تحركنا ففي إمكاننا -على الأقل نظرياً- أن نقلب الوضع أو نغير فيه لهذا الحد أو ذلك ولكن لا يشترط أن يكون هذا التغيير كافياً دائماً لتبديل المواقف... ويثار السؤال: هل نحن من يحدد شكل ونوع التدخل أم أن الأمر في مجمله مرتبط بعوامل خارج سيطرتنا؟ الموضوع شائك ولكن في رأيي يجب أن نعي الدرس... ألا نستكين للتباكي من ناحية كما يجب أن لا نرضى بدور المتفرج على الأحداث من الناحية الأخرى بل يجب أن ننشط من دورنا في صنع الأحداث ونجعل تدخلاتنا محسوسة وإيجابية التأثير... كما أن ما يعوضنا بعض الشئ أن دم محمود وأضرابه لم يضع هدراً إذ أن ما حدث في نيفاشا اليوم ما هو إلا أحد نتائجه فلولا ما حدث لما انكشف ختل مدرسة الهوس الديني ولما قبل رواده واقتنعوا بضرورة السلام... صحيح أن التغيرات الكمية - مهما كانت صغيرة- لابد وأن تقود الى تغيرات كيفية مهما طال الزمن.




    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496409&bk=1
                  

04-12-2008, 04:16 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عشرون عاماً على الإنتفاضة..

    الحصاد والمآل
    أسراراً تذاع لأول مرة
    على لسان ثلاثة من قياداتها «الصحافة» تكشف
    عشرون عاماً مضت على ذكرى انتفاضة السادس من ابريل.. عشرون عاماً بحلوها ومرها، شهدها المسرح السياسي، سلباً وايجاباً، صعوداً وهبوطاً.
    ترى ماذا جنينا خلال العشرين عاماً التي انصرمت؟
    ما هي النظرة للمشهد السياسي الراهن، وكيف نرى آفاق المستقبل؟
    للإجابة على هذه الاسئلة والمحاور التقينا ثلاثة من صنَّاع الاحداث والملمين بتفاصيل الانتفاضة هم: د. أمين مكي مدني والعميد «م» عبد العزيز خالد، والنقابي عبد العزيز دفع الله.
    إعداد: الفاتح عباس
    واجتهدنا للقاء اللواء كمال حسن احمد مدير جهاز الامن الوطني وقتها الا ان مشغوليات الرجل لم تمكننا من لقائه وتسجيل شهادته. اما الاستاذ عمر عبد العاطي المحامي، فذهبنا اليه بمكتبه، وجلسنا و«تونسنا»، وعندما حاولنا فتح جهاز التسجيل، وضع يده على فمه وانزلها، ثم قال: لقد قررت منذ «10» سنوات وضع الـ «5*2».. ثم اردف اكتبوا على لساني:
    لن اتحدث بعد اليوم إلى صحيفة.. لقد اعتزلت العمل العام، وتفرغت لاسرتي، وكفى.
    * قلت للدكتور امين مكي مدني:
    بداية اسأل عن قصة مقابلة جورج بوش الاب لبعض اساتذة جامعة الخرطوم في مارس من العام 1985م عندما كان نائباً للرئيس الاميركي ريغان؟
    = بعد نجاح الانتفاضة ترددت اقاويل كثيرة عن لقاءات تمت بين بوش وبعض الاساتذة واذكر انه اطلق على اولئك الاساتذة ابناء بوش!! كذلك تمت بعض المقابلات مع شخصيات سياسية سودانية. اما في ما يتعلق بأساتذة الجامعة وحسب علمي فان هنالك استاذين اجتمعا مع بوش .. اما عن شخصي فأنا لست عضواً بهيئة التدريس بالجامعة وانما اعمل كاستاذ خارجي بكلية القانون.. عليه لا علاقة لي بلقاء بوش بالاساتذة.
    * هل تسربت اليك اية معلومات عن المواضيع التي تناولها ذلك الاجتماع؟
    = بالتأكيد فقد علمت ان تلك الاجتماعات تناولت الاوضاع بالسودان لاسيما وان نظام مايو كان يحتضر فقد ناقش الاجتماع الوضع السياسي والاقتصادي، وكانت النقطة الاساسية التي اثارها الاساتذة هي ان نظام مايو مسنود من اميركا وهذا السند يحسب عليها لان جرائم النظام تعدت الجرائم السياسية والاقتصادية ووصلت الى تقنين اهدار حقوق الانسان باصدارها لقوانين سيئة السمعة.
    * كيف ترى المشهد السياسي بعد عشرين عاماً من الإنتفاضة؟



    = المشهد عموماً يمكن تصنيفه في «خانة الاسوأ».. والنظام الآن وبصورة منهجية ومنظمة ومنذ الايام الاولى له عمل على تفريغ النقابات والخدمة المدنية من الكوادر المؤهلة لإحداث التغيير الذي ينشده فاصدر قانون النقابات ودمجها بعضها ببعض مما ادى الى تشريد النقابيين ودفع بهم الى الهجرة بعد ان ذاقوا مرارة الاعتقال وملاحقة الاجهزة الامنية، ويواصل مكي في اليوم الاول لانقلاب يونيو تم حل كل النقابات والاتحادات، احلوا محلها لجان التسيير التي تم تعيينها من النظام وليس من قبيل الصدفة ان يصبح اعضاء لجان التسيير هم الاعضاء المنتخبون لاحقاً ونقابة المحامين تقف اكبر شاهد على ذلك!! وذات الشئ حدث وسط القوى والاحزاب السياسية فحدث ما حدث بداخلها من انشقاقات وانقسامات وتحالفات مع النظام.. حتى الحزبان الكبيران لم يسلما من التشرذم والانقسام فأصبحا اربعة وخمسة «كيمان»!! هذا الوضع المأساوي جعل من آلية التغيير ضعيفة وهشة بالرغم من غلاء المعيشة وانعدام حقوق الانسان.. و..!! عليه فالمواطن السوداني يعيش اليوم في حالة ترقب وخوف من المستقبل.. والمستقبل غير واضح المعالم.. فالمواطن العادي يرى في رفع حالة الطوارئ تحسيناً للامور ويرى كذلك ان مشاركة الحركة الشعبية في اقتسام السلطة قد تبدل الامور نحو الافضل.. وفي اعتقادي ان العامل الاقتصادي هو الذي جعل كل الناس ينصرفون عن العمل العام واصبحت لقاءاتهم تتم فقط في صوالين العزاء ومناسبات عقد القران!! اما اللقاءات التي كانت تحدث سابقاً فقد اختفت الآن، واصبح المواطن في لهث دائم كي يلبي بالكاد احتياجات اسرته، فاستاذ الجامعة اصبح يحمل «شنطته» متجولاً بين اكثر من جامعة «ليلاحق» المعيشة وصراحة كنت الى وقت قريب متفائلاً.. ولكنني اليوم اشعر بالاسى فهناك حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام بالشأن العام بل وتفشي روح اليأس بين المواطنين... فلا رفع حالة الطوارئ.. او مشاركة د. جون قرنق في السلطة ولا غيرهما يغير هذا الوضع.. ولعلك لاحظت ومع وجود هامش الحرية الآن الا ان لا احد يتحدث عن الاحوال المعيشية فالكل يتحدث عن اقتسام السلطة ومِنْ مَنْ تتكون لجنة الدستور؟! ويتحدثون عن نسبة الـ «14%» من السلطة.. فلا احد يتحدث في الشأن الحياتي.. لا احد يتحدث عن لقمة العيش وهموم التعليم من مرحلة الاساس الى الجامعة.. باختصار لا يتحدث احد عن هموم المواطن العادي... ودوام هذا الحال من المحال.. وهذا الامر يتطلب «وقفة».. وعلى الكلٍّ استشعار المسؤولية... وهي فرض عين على كل انسان ليرصد ما هو واقع على هذا البلد وما هو الشئ الذي سيقدمه لتغيير هذه الاوضاع السيئة.
    * ذكرت أن إشراك الحركة الشعبية في السلطة لن يشكل مخرجاً للازمة.. كيف؟!
    = د. جون قرنق رجل عسكري خارج من معركة طويلة وبالتأكيد له قدرات سياسية، لكن من الواضح انه سيهتم اكثر بالجنوب.. وعندما يشارك د. جون قرنق في السلطة فهو يحتاج الى مستشارين وناصحين ليطلعوه على مشاكل المواطن خارج الاقليم الجنوبي.. وليستشيرهم في الامور الاقتصادية الكبرى مثل ماذا يحتاج مشروع الجزيرة؟ وماذا عن الوضع في الخطوط البحرية؟ وبالتالي اشتراك الحركة الشعبية لن يشكل المخرج ولن يصبح العصا السحرية لحل ازمة السودان المعقدة!! وكما ذكرت سابقاً الحل يتمثل في استشعار المسؤولية والخروج من حالة البيات التي طالت ولن يتحقق ذلك إلا بتفعيل منظمات المجتمع المدني كي تصبح هي المعبرة والمتحدثة عن هموم المواطن العادي من مأكل ومشرب وعلاج وتعليم والخروج عن ادبيات تقسيم السلطة والثروة ونسبة الـ «14%».
    * كثر الحديث حول تشكيل لجنة الدستور.. واهمية الدستور ما رأيك في ما يدور؟
    = من الغرائب أننا وعلى مدار الاسابيع الثمانبة الماضية ظللنا نتناول مشروع دستور لجنة المعهد الالماني.. وهذا غير معقول لان هذه اللجنة بدأت اعمالها منذ العام 2002م ووضعت مسودة دستور وبدأ النقاش حول تلك المسودة عبر العديد من ورش العمل واللقاءات.. والآن اصبح ذلك الدستور متداولاً بين الناس كدستور مقترح.. اما عن لجنة الدستور وتشكيلها فهناك رأي التجمع الوطني الديمقراطي وكذلك رأى حزب الامة «الصادق المهدي» فقد اتفقت آراؤهما حول مقاطعة اللجنة المناط بها وضع الدستور اذا جاء تشكيلها بذات النسب الواردة في اتفاقيتي قسمة السلطة والثروة.. في المقابل نجد ان الحركة والحكومة تؤكدان بان اللجنة سوف تشكل بذات النسب الواردة في اتفاقية السلام!! وهذا باختصار شديد يعني ان «80%» من نسبة الشمال ستكون من نصيب الحركة والمؤتمر الوطني و «100%» بالجنوب للحركة!! إذن يبقى الدستور الذي هو اساس كل القوانين ومنظم كل نواحي الحياة.. يبقى مقسماً بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والآن التداول جارٍ على دستور الـ «7+7» -في اشارة للجنة المكوَّنة من سبعة اعضاء يمثلون الحكومة وسبعة آخرين يمثلون الحركة- الذي وضعه حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. مع ملاحظة ان لجنة الدستور المرتقبة لم تشكَّل بعد بالرغم من مرور اربعة اشهر على توقيع اتفاقية السلام.. وهنا يتبادر الى الذهن السؤال الآتي: لمصلحة من تتم مقاطعة لجنة الدستور تحت ذريعة اي مسمى او شكل؟ وفي اعتقادي ان القوى المعارضة عليها ان تعكف على وضع دستورها وتقديمه الى الشعب وهذا اقتراح جيد وعملي قدمه الاستاذ محجوب محمد صالح رئيس مجلس الادارة ورئيس تحرير صحيفة «الايام»..
    * هل شرعت القوى المعارضة في وضع مشروعها للدستور؟



    = نعم.. لقد بدأ هذا العمل وسط مجموعة تجتمع بانتظام وسوف تفرغ من وضع مشروع دستورها ومن ثم تقدمه لكل القوى السياسية بأسرع فرصة ممكنة فهم يسابقون الزمن قبل اجازة دستور الحكومة والحركة.
    * امامي الآن بمكتبك الدستور الانتقالي لعام 1985م ما رأيك في هذا الدستور؟
    = الطريقة التي تم بها وضع ذلك الدستور لم تكن هي الاسلم فقد فقدت عنصر المشاركة.. فقد شكَّل المجلس العسكري الانتقالي حينها، لجنة لوضع ذلك الدستور لذا جاء خالياً من الكيفية التي يتم بها تشريع وتقنين عملية التحول الديمقراطي في السودان.
    * اخرجتم نميري من السلطة عبر بوابة الانتفاضة واليوم جاءكم من شباك اندماجه مع الحزب الحاكم.. رأيك في هذا؟
    = للاجابة على سؤالك هذا احيلك الى مقال كتبه د. عبد الوهاب الافندي بعنوان «انتحار ميت..!» فنميري قد بلغ من العمر عتياً وانفض الناس من حوله وفقد المقدرة على تجميعهم.. ثم عندما جاء انقلاب 30 يونيو ذكروا بانهم امتداد لانتفاضة ابريل.. والسؤال اذن على من انتفض الشعب في ابريل؟! وما هو الجامع بين نميري والمؤتمر الوطني؟!
    * سألت يوماً الفريق عبد الرحمن سعيد عن رأيه في قرار حل جهاز أمن الدولة.. فكان رده بان ذلك القرار اتخذه مجلس وزراء الانتفاضة دون التشاور مع المجلس العسكري الانتقالي.. نعيد عليك الآن هذا السؤال بحكم مسؤوليتك كوزير وقتها؟
    = حل جهاز أمن الدولة جاء تلبية لرغبة نبض الشارع السوداني.. فقد حاصر الشعب مبنى جهاز الامن منذ الصباح الباكر.. وكان يوم عمل».. حتى المساء وظل يردد هتافاً واحداً.. حل جهاز امن الدولة واجب وطني.. وبالتالي لم يتخذ قرار الحل لا مجلس الوزراء ولا المجلس العسكري الانتقالي وإنما الشعب هو الذي قرر حل ذلك الجهاز لسمعته السيئة.
    * سؤال اخير.. هل ما زال التجمع الوطني الديمقراطي حياً يرزق؟
    = التجمع الوطني الديمقراطي تجاوزته الاحداث خاصة بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية ونشوء حركة شرق السودان.. فاصبحت اجزاؤه منشطرة بين الغرب والشرق والجنوب مع خروج حزب الأمة منه.. فاصبح التجمع يجمع بين الحزب الاتحادي الديمقراطي المنقسم لعدة اقسام وبين الحزب الشيوعي السوداني المنقسم كذلك.. وبحكم هذه الانشطارات وتسارع الاحداث اتخذ التجمع الوطني الديمقراطي مقعده بين المشاهدين على مسرح الاحداث السودانية..!
    أما العميد عبد العزيز خالد فكان سؤالنا الأول له:
    * سيادة العميد.. كيف كانت الاوضاع داخل القوات المسلحة ايام الرابع والخامس والسادس من ابريل 1985م؟
    = قبل الاجابة على هذا السؤال لابد من قراءة المشهد السياسي والوطني قبل تلك التواريخ.. وعن ذلك المشهد يمكن القول بان فترة مايو الاخيرة كانت تشير الى ان النظام يسير في نفق مقفول وبالتالي لابد للخروج من ذلك النفق الى فضاء اوسع.. وقد كانت هناك مجموعة من الضباط داخل القوات المسلحة منظمة في تنظيمات مختلفة حول رؤى سياسية مختلفة، وان كانت تعرف بعضها البعض.. ومن تلك التنظيمات كان هنالك تنظيم قاد فيما بعد انقلاب رمضان الشهير في بدايات الانقاذ، كذلك كان هنالك تنظيم للضباط الاسلاميين نفذ فيما بعد انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م.. وكذلك مايو كان لها تنظيمها داخل الجيش.. وكان هنالك تنظيم الضباط الاحرار الذي انتمى اليه..
    * الضباط الاحرار تنظيم يجمع بين الشيوعيين والديمقراطيين أليس كذلك؟
    = لا.. وسوف اوضح ذلك لأنني اتخوف من هذا اللبس.. فتنظيم الضباط الاحرار الذي انتمي اليه ليس من بينه شيوعي واحد.. وتشكل هذا التنظيم في العام 1975م من مجموعة من الضباط تتفق رؤاهم السياسية.. الرؤية سواء أكانت على المستوى العسكري المتمثلة في «الاحترافية»، وفي الرؤية السياسية المتمثلة في مستقبل السودان بشكل عام، وهذا التنظيم «الضباط الاحرار» لعب دوراً مهماً في انجاح الانتفاضة وحمايتها.. والتنظيمات الاخرى كانت ايضاً تعمل وتتقاطع ادوارها ومهامها بصورة او اخرى بعد بداية الانتفاضة.. وتنظيمنا استطاع عقد لقاءات تشاور مع العديد من النقابات والاتحادات «اطباء.. محامين.. مهندسين» واوضحنا لهم بأننا داخل القوات المسلحة لن نقوم بضرب الشعب بالنار.. وقدمنا التزاماً ووعداً بذلك لتلك النقابات والاتحادات، اما على الجانب السياسي فلم تكن لنا صلة بالقوى السياسية.. كذلك تم تنسيق بيننا وبين الشرطة «على مستوى الافراد» وتبقى جهاز الامن واقولها بكل صدق باننا استطعنا تحييد جهاز الامن ولعب الجهاز دوراً مهماً في انجاح الانتفاضة «وفي اعتقادي ان من اكثر سلبيات الحكومة الانتقالية بعد الانتفاضة حل جهاز امن الدولة وجاء الحل لانه احد اهم اهداف الحركة الاسلامية».
    وفي فترة تصاعد التظاهرات برز تيار قوي داخل القوات المسلحة مناهض لتيار الانحياز للشعب وان يكون الولاء للقائد العام المشير جعفر نميري، وكذلك برز التيار المضاد الذي ينادي بضرورة انحياز القوات المسلحة للشعب وكان يقود ذلك التيار «تقريباً» كل الضباط في رتبة المقدم والعقيد وبعض العمداء.. في يومي الرابع والخامس من ابريل وصلت الانتفاضة الشعبية الى قمتها مما استدعى تأهب القوات المسلحة بالمقابل ورفعنا شعار «وحدة وتماسك القوات المسلحة» هذا كان شعار الضباط الاحرار، وكان الهدف من ذلك الشعار تفادي التناقض داخل الجيش لان ذلك التناقض سوف يعبر عنه بالبندقية.
    وفي الخامس من ابريل تبلور الوضع داخل الجيش كالآتي:
    استلام السلطة بواسطة الضباط من رتبة المقدم وما فوق او انحياز القيادة بكاملها للشعب.
    وهنا يجب الاشارة الى شئ مهم وهو وجود النفوذ الحزبي داخل القوات المسلحة، للحزبين الكبيرين «الامة والاتحادي» وذلك لان افراد القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود اساساً هم من ابناء الشعب الذي يتوزع معظمه بين هذين الحزبين. تبقى الحزب الشيوعي والجبهة القومية الاسلامية، الحزب الشيوعي بعد 19يوليو 1971م ابتعد عن الجيش مما فتح المجال واسعاً امام الجبهة القومية لتعمل بمفردها تقريباًَ داخل القوات المسلحة.. وارجع هنا الى مقولة يرددها الساسة ليس عن جهل وانما قصداً وهي مقولة «ان تركيبة القوات المسلحة تركيبة انقلابية» واقول بكل وضوح بان التيار العام داخل القوات المسلحة ليس انقلابياً وضد الانقلابات وكل الانقلابات التي تمت بالسودان تمت بواسطة الاحزاب يسارها ويمينها.. وايضاً هنالك مقولة تقول «الحياة السياسية السودانية تدور في حلقة شريرة هي انقلاب فانتفاضة او ثورة شعبية ثم انقلاب».. هذه المقولة ايضاً يجب ان تصحح.. والحقيقة هي انتفاضة وانقلاب احزاب ثم انتفاضة ضد انقلاب الاحزاب.. ومن المؤسف اننا نجد ان كل الاحزاب الكبيرة بالسودان وعلى مر التاريخ في حالة عداء فكري مع القوات المسلحة وفي حالة عداء لافكارها ومهامها..
    * سعادة العميد.. باختصار شديد ماذا حصد الشعب السوداني من الانتفاضة بعد مرور كل هذه السنوات؟
    = الاجابة على هذا السؤال تعتمد على «النظارة».. التي ترى بها الاشياء.. وبالاجابة على سؤالين اساسيين هما: هل حققت الانتفاضة شعاراتها؟.. ولماذا فشلت في تحقيق تلك الاهداف؟ ومن هو الذي اطاح بتلك الشعارات؟
    * وفي لقائنا بالنقابي عبد العزيز دفع الله سألناه عن كيف سارت الاحداث يومي الخامس والسادس من ابريل؟
    = أجاب الخامس من ابريل 1985م تم التخطيط لاجتماع بمنزل بشارع «15» بالعمارات.. وعندما وصلت الى المنزل المحدد قابلت علي عبد الله عباس «عضو الامانة العامة للتجمع النقابي ممثل اتحاد اساتذة جامعة الخرطوم».. واخبرني بتأجيل الاجتماع الى مساء ذات اليوم.. وفي المساء تم ذلك الاجتماع وكان الحضور نقابة أطباء ومثلها د. عبد الرحمن ادريس، واتحاد الاساتذة مثله علي عبد الله عباس، ونقابة المهندسين ومثلها المهندس عوض الكريم محمد احمد، ونقابة المحامين مثلها عمر عبد العاطي، ونقابة البنوك مثلها يحيى سنادة، ثم شخصي ممثلاًَ لنقابة التأمينات الاجتماعية.. اما من الاحزاب السياسية فحضره من حزب الأمة المرحوم د. عمر نور الدائم، وصلاح عبد السلام الخليفة، والحزب الاتحادي الديمقراطي مثله سيد احمد الحسين والمرحوم ابراهيم حمد، وعن الحزب الشيوعي جاء محجوب عثمان. كانت اجندة الاجتماع هي وضع ميثاق للتجمع الوطني بشقيه النقابي والسياسي. واتفقنا في ذلك الاجتماع على كل الخطوط العريضة للميثاق من الغاء قوانين سبتمبر والغاء الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واتفقنا على شكل الهيكل التنفيذي لحكومة الانتفاضة «مجلس الوزراء» فبرز اتجاه ينادي باعطاء «60%» للقوى الحديثة و«40%» للقوى التقليدية مع عكس النسب في الهيئة التشريعية.. ورفض حزبا الأمة والاتحادي هذه النسب باعتبار أن وزنهما السياسي في الشارع السوداني اكبر من تلك النسب معتبران ان القوى الحديثة لا تخرج عن كونها واجهات لأحزاب وعليها الرجوع إليها، تمت صياغة الميثاق ووقعنا على كل ما تمت مناقشته ما عدا موضوع النسب الذي اتفقنا على مواصلة النقاش حوله.
    كان من المفترض خروج موكب العمال والهيئة القضائية في صبيحة السبت السادس من ابريل، لان العمال والهيئة النقابية لم يشاركها في موكب الثالث من ابريل بصورة مكثفة.. وكان الهدف ايضاً تجديد دماء المواكب والمظاهرات لاننا لم نكن نتوقع انهيار نظام مايو بتلك السرعة.. واذكر انه سرت بعض التكهنات باحتمال انحياز الجيش للانتفاضة في اجتماع الجمعة 5/4، وكان السيناريو المتداول لذلك الانحياز هو عزل النميري بواسطة نائبه الاول عمر محمد الطيب لكن كل المجتمعين رفضوا ذلك الخيار، لكن بقى انحياز الجيش وارداً فاتفق الاجتماع على مناقشة كل الامور عند وقوعها بدعوة لاجتماع لمناقشة كل تغيير قد يطرأ على الساحة السياسية، وبدا واضحاً ان هنالك تحركاً وسط القوات المسلحة وقوات الشرطة وان كانت هذه التحركات تتم بصورة فردية.
    انتهى ذلك الاجتماع في تمام الساعة الثالثة صباحاً من يوم السبت فخرجت من المنزل ومعي المحامي عمر عبد العاطي وكنا مطاردين بواسطة رجال الأمن.. المهم كنت المسؤول عن ترتيب موكب الهيئة القضائية والعمال وكان معي طارق عطا وعثمان ميرغني ومحمد خليل وهؤلاء كانوا مكلفين باجراء الاتصالات وكتابة الشعارات وللحقيقة والتاريخ كان يقف خلف كل هذا العمل المرحوم محمد توفيق مدير شركة التأمينات التي كنت رئيساً لنقابتها.. ذهبت الى منزل محمد خليل ببري حيث كنت اختبئ فيه، وبعد سماع بيان المشير سوار الدهب ذهبت ومعي طارق عطا الى دار المهندس حسب الاتفاق مع ممثل الاحزاب.. ولم نجد احداً فذهبنا الى منزل كمال ابراهيم احمد.. وانتظرنا هنالك حتى ما بعد الساعة الواحدة ظهراً ولم يحضر أيَّاً من ممثلي الاحزاب وعرفنا لاحقاً بان ممثلي حزبي الامة والاتحادي قابلا المشير سوار الدهب بالقيادة العامة وباركا انحياز الجيش للانتفاضة.
    بدأت النقابات تتجمع بدار اساتذة جامعة الخرطوم التي تحولت الى شبه مقر دائم للتجمع وفي مساء السبت عقد اجتماع لكل النقابات تم فيه اعادة هيكلة وتشكيل مكتبها التنفيذي وبرز في ذلك الاجتماع تيار قوي ومجمع عليه برفض عسكرة الانتفاضة وعلى ضوء ذلك الرفض تقرر ارسال وفد من التجمع النقابي لمقابلة المشير سوار الدهب بالقيادة العامة. وكان الوفد النقابي يتكون من الجزولي دفع الله، وميرغني النصري، وعدنان الحاردلو ومختار عثمان، ويحيى سنادة، وعبد الله محمود.. تمت المقابلة مع المشير سوار الدهب عند منتصف الليل بالقيادة العامة.. وبعد السلام والتحايا ابتدر الحديث ميرغني النصري فاشاد بدور القوات المسلحة بالانحياز للشعب وبان التجمع النقابي هو مفجر الانتفاضة والقائد الشرعي لها ولدينا بعض الملاحظات اولها: ان القوات المسلحة انحازت للانتفاضة وبالتالي التجمع النقابي هو الاساس في عملية التغيير التي حدثت.
    ثانياً: لم يصدر حتى اللحظة بيان رسمي من القوات المسلحة لتفكيك وحل اجهزة نظام مايو وضرب مثلاً بجهاز أمن الدولة. وكان رد المشير سوار الدهب مهذباً للغاية فقال: حقيقة نحن انحزنا للشعب والمطالب التي ذكرها الأستاذ ميرغني النصري ينفذها من يقوم بانقلاب عسكري لانه يكون عارفاً ماذا يريد؟ والقوات المسلحة كل ما فعلته هو تأمين الشعب وحقن دمائه وبعد ذلك نتفاكر ونتشاور مع اصحاب الشأن في المستقبل السياسي للبلد. وفي تقديرنا كان الاجتماع ناجحاً لان المشير سوار الدهب أمن على دور التجمع النقابي وتم الاتفاق على الاجتماع في مساء ذلك اليوم للتفاكر حول استكمال مهام الانتفاضة.. وفعلاً تمت الدعوة لذلك الاجتماع الموسع للتجمع بشقيه النقابي والحزبي بدار الاطباء.. فحضر ممثلو الاحزاب الثلاثة الاساسية وهي الأمة والاتحادي والشيوعي، بالاضافة الى حضور كم هائل من ممثلي الأحزاب الاخرى وكان حشداً سياسياً كبيراً بدار الاطباء حيث لا يمكن لاحد ان يحدد من هو الحزب الذي يمكنه حضور مثل ذلك الاجتماع في ذات اليوم تم تشكيل اللجنة السياسية التابعة للمجلس العسكري وكان يرأسها اللواء عثمان عبد الله العميد وقتها ودعت تلك اللجنة لاجتماع بالقيادة العامة في التاسع من ابريل وتم اشراك الجبهة الاسلامية لاول مرة في هذا الاجتماع وكان يمثلها د. عثمان خالد مضوي واعلن في ذلك الاجتماع بانه ممثلاً للجبهة القومية الاسلامية وعندها علق د. الحاردلو:« والله يبدو في ناس بخجلوا من اسمائهم القديمة وظهروا لنا باسماء جديدة».
    في احد الاجتماعات بدار الأطباء وقف مختار عبيد وخطب في الاجتماع قائلاً: «إكراماً للتجمع النقابي ودوره القيادي في انتصار الانتفاضة ارشح رئيسه ليرأس الحكومة الانتقالية».. فانقسم الناس إلى قسمين قسم يرى ان يتولى ميرغني النصري رئاسة الوزارة فيما ايد القسم الثاني رئاسة الجزولي دفع الله. واتفق الجميع على ان يتولى الاستاذ ميرغني النصري ديوان النائب العام إلا انه رفض بشدة، ولذلك لم تستطع تعيين نائب عام إلا بعد ثلاثة اسابيع من اعلان تشكيل حكومة الانتفاضة وتم اختيار الاستاذ عمر عبد العاطي بواسطة المجلس العسكري الانتقالي نائباً عاماً.
    * رفع الاضراب:
    تم اجتماع بدار نقابة الأطباء في مساء التاسع من ابريل واثناء انعقاد الاجتماع حضر اللواء حمادة عبد العظيم حمادة واللواء عبد العزيز محمد الامين ودخلوا علينا ونحن في الاجتماع واستأذنوا ثم قالوا «في الحقيقة نحن مبعوثون في الجيش والاوضاع الأمنية خطيرة للغاية وعليه لابد من رفع الاضراب وتداول الاجتماع فكرة رفع الاضراب وللحقيقة والتاريخ الشخص الوحيد الذي رفض فكرة رفع الإضراب هو الأستاذ ميرغني النصري. وللنصري أشياء كثيرة اختص بها وحده وكان يصر عليها مثال ذلك كان يطلق على الانتفاضة ثورة 26 مارس ويعلل ذلك بان الثورة تعلن وتسمى بتاريخ يوم انطلاقها.
    على إثر تلك المقابلة تم رفع الاضراب وفي ذات اليوم تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي واحتج التجمع الوطني بشقيه النقابي والحزبي على ذلك التشكيل، ولكن تعلل المجلس العسكري بان الموازنات داخل القوات المسلحة فرضت تشكيل خلافتنا معه حول مسألة التشريع. الميثاق الوطني اقرَّ بان الدستور الذي سوف يحكم السودان هو دستور 1956م المعدل لعام 1964م الذي اعطى السلطة التشريعية لمجلس الوزراء.. وجاءت مبادرة نقابة اساتذة جامعة الخرطوم التي هدفت الى عدم اشراك الاعضاء الاساسيين في النقابات التي قادت الانتفاضة في الوزارة حتى لا يحسب عليهم بانهم قاموا بالانتفاضة من اجل السلطة، وانا شخصياً كنت مع هذا الطرح لانه يتيح للنقابات إدارة الحوار خارج الحكومة وتمتلك سلطات اقوى من سلطات الحكومة وبهذا تكون بمثابة برلمان يراقب ويحاسب الحكومة. ولهذا كان وزراء الحكومة الانتقالية لا طعم ولا وزن لهم بخلاف شخصين هما د. أمين مكي مدني، وعبد العزيز عثمان موسى. وحتى نعرف مدى عدم التزام وزراء الانتفاضة بالتجمع الوطني النقابي فعندما هاجم تيار الجبهة القومية الاسلامية محمد بشير حامد وزير الاعلام ووصفه بانه شيوعي وحتى يبرئ نفسه من تلك التهمة دخل في عداء سافر مع نقابة العاملين بوزارته.
    الحكومة الانتقالية- مايو «تو»:
    بعد محاكمة الاستاذ محمود محمد طه واعدامه تمت صياغة ميثاق التجمع الوطني النقابي وذلك في نهاية يناير.. وعندما جلسنا لصياغة ميثاق التجمع الوطني النقابي السياسي اتفق الجميع على ارسال نسخة من ذلك الميثاق للحركة الشعبية لتحرير السودان وتبنى ذلك الطرح عبد الله علي عباس من نقابة اساتذة جامعة الخرطوم وتحديداً تم اختيار د. لام اكول للقيام بهذه المهمة «وهو عضو نقابة اساتذة جامعة الخرطوم».. لكن مع تلاحق الاحداث وسرعتها وفجائيتها لم يتم ذلك.. وللأسف اخذت الحركة الشعبية موقفاً ضد حكومة الفترة الانتقالية وسمتها «مايو 2» «مايو تو».
    وبالرغم من ذلك عقدنا ندوة كوكدام لطرح القضايا الأساسية لعموم السودان، ومع الاسف مع بوادر ذلك الاتجاه لاستكمال بناء الصف الوطني لقيادتنا لمرحلة انتقالية ثانية.. ظهر تيار امان السودان وبدأ الترويج للحرب. ومع الأسف وجد هذا التيار هوىً في نفوس بعض اعضاء المجلس العسكري الانتقالي وعندما اصر على ان تكون كل السلطة التشريعية بيده وبعد جهد جهيد تقاسم مجلس الوزراء مع المجلس العسكري الانتقالي السلطة التشريعية.. مع ملاحظة تركيبة مجلس الوزراء اذ ان وزيري الدفاع والداخلية عسكريان بالاضافة الى ثلاثة وزراء من الجنوب تم تعيينهم بواسطة المجلس العسكري الانتقالي.. ولهذا جاء دستور الفترة الانتقالية وقانون الانتخابات الذي كان نتيجته جمعية تأسيسية ناقصة بثلاثين دائرة.. وسارت الاحوال هكذا حتى انهارت الديمقراطية الثالثة.. في يونيو من العام 1989م.




    http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496444&bk=1
    _____________
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 10:   <<  1 2 3 4 5 6 7 8 9 10  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de