أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى]

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 08:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2008, 10:34 AM

أبوالزفت
<aأبوالزفت
تاريخ التسجيل: 12-15-2002
مجموع المشاركات: 1545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] (Re: أبوالزفت)


    أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الرابعة]
    بقلم / محمود دليل

    أما ظرفاء المدينة فلكل حديث عنهم بشاشة مثل الفهلوي المدردح [فؤاد زهور]، من كبار فتوات مدرسة الكمبوني في الستينات وذو معرفة موسوعية بأنساب وأحساب ناس بورتسودان والأسر والبيوتات العريقة ولا سيما في منطقة وسط المدينة حيث يقيم ، كآل شمس وآل دمياطي والدروبي وآل ماقيت والكابلي وعوائل ناس جرتلي والمليجي وملاسي وحمو وضرار وآل طويل وجنيدابي والنيل والعشي وسعدابي وآل عبد ربه والرماح والبربري وباوارث وعثمان صالح وآل الصائم وصدقي وآل بازرعة وأصهارهم ناس شمام وآل بعشر وآل أبو سبعة وأسرة باجسير وآل معتوق راجخان وآل نابري ودهب وغيرهم.
    وأحسبه قد بلغ حد الظرف في هذه الحكاية التي يرويها عن نفسه حيث ذكر بأنه قد اغترب قبل أربعين عاماً ونيفاً بهدف شراء ماكينة لحام والعودة إلى السودان وكانت تكلف آنذاك ستمائة ريال سعودي قال فؤاد بأنه ما يزال "يكافح" حتى اليوم لتدبير ذلك المبلغ بينما كان قد جاء مهاجراً وبحوذته مائتي دولار.
    وكيف لا يكون شاويش المرور العم أبنعوف عبد الرحمن ظريفاً وهو صاحب هذه الطرفة : استوقف في إحدى الأمسيات مواطناً يركب دراجة تخلو من الفرامل والنور والجرس وذلك ويا للهول كان مخالفة مرورية خطيرة في تلك الأيام فانتهره بعنف موبخاً إياه على تلك الفوضى فيما هو يقوده إلى مخفر الشرطة ولكنه أطلق سراحه فوراً عندما علم بأنه يعمل مدرساً! ينصر دينك يا شاويش أبنعوف.
    العم البجاوي [سيدي] أشهر وأمهر صناع السلات في المدينة، اعتزم القطب المريخي عبد الرحيم عثمان صالح اصطحابه إلى الخرطوم لعمل الشواء في إحدى احتفالات المريخ العاصمي فجاء إلى المطار يحمل على ظهره جوالاً من الخيش مكدس بحجارة السلات الملساء يكاد يئن تحت وطأته وعندما تضاحك الناس وقد تكأكاؤا حوله موضحين له بأن الخرطوم مليئة بالحجارة قال جزعاً [ما أضمن]!!
    اللاعب الثعلب المرحوم [حاج محمدو] كانت مخيلته مكتظة بالطرائف الرياضية يقول عندما كان يلعب للمريخ قبل انتقاله إلى فريق الشبيبة وفي إحدى المباريات ضد فريق الترسانة وقبيل التحرك إلى الملعب أخذ بيده قبضة من رماد البوفيه وقبيل أن يطلق الحكم صافرة البداية قام خلسة بنثر الرماد على الكرة الموضوعة في دائرة السنتر ولاعبو الترسانة ينظرون مندهشين فاعتقدوا بأنه فعل فعلته تلك بتوجيهات من "الفكي" مما شل حركتهم واضعف معنوياتهم وأدى إلى هزيمتهم في النهاية.
    وفي مباراة أخرى ضد فريق الاتحاد وكان نادي المريخ القديم يقع قريباً من دار الرياضة واللاعبون يمشون إلى الملعب راجلين، وقبيل التحرك من النادي ملأ فمه من ماء الحنفية حيث قام بنفخه لاحقاً على الكرة قبيل بداية المبارة وانتبه لاعبو الاتحاد فظنوا أيضاً بأن "الفكي" قد أمره بذلك واستسلموا لذلك الوهم فكان يمرق من بين صفوفهم كالسهم حتى هزّ شباكهم مثنى أو ثلاث.
    المرحوم "عثمان كرباب" بجاوي ممزاح ممراح نحيف الجسم خفيف اللحم قصير القوائم، لا يزيد طوله عن بضعة أشبار ولكنه يتمتع بدماغ كبير كالمهر وهو من أشهر مشجعي فريق حي العرب وله طريقة في التشجيع فريدة لا أحسب أن أحداً سبقه إليها وهي أن يأتي إلى دار الرياضة ومعه أوراق الجرائد يطويها على هيئة مايكرفون يدوي كبير يذيع به [برقيات] فورية طالما أحبها الجمهور وضج لها بالضحك كان يخاطب مشجعي حي العرب في اللحظات الحرجة هاتفاً بهم [قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا] .
    في إحدى المباريات المصيرية بين حي العرب والاتحاد وبينما المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة إحتسب الحكم ضربة جزاء لصالح حي العرب وساد لبرهة هرج ومرج شديدان وسط مصطبة مشجعي الاتحاد وقبيل أن تلعب ضربة الجزاء والملعب غارق في الصمت والتوجس والأنفاس محبوسة والأعصاب متوترة ارتفع صوت عثمان كرباب مرسلاً إحدى أشهر وأطرف برقياته [جاءنا الآتي: الاتحاد بين يدي الله] عندما توفي عثمان كرباب أغلق نادي حي العرب أبوابه أياماً حداداً عليه وكان سائر الوسط الرياضي حزيناً لفقده.
    وهل أحدثكم بحديث [أبو غرة] إنه تنقساوي من ناس سلبونا ومشجع متعصب لفريق المريخ، إذا أحرز فريقه هدفاً أو أعجبته لعبة حلوة أطلق الزغاريد وكأنه في عرس الزين وما يزال مشجعو الفرق الأخرى يخشون لسانه السنين وسبابه المقفى. ومعروف أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كان قد درس المرحلة الأولية في بورتسودان في مدرسة أبو حشيش بالبر الشرقي وعندما جاء برفقة الرئيس البشير لحضور احتفالات أعياد الاستقلال في بورتسودان عام 1994 طلب مقابلة صديقه القديم وزميل دراسته [أبو غرة] فانطلق رجال الأمن وموظفو المراسم وجاسوا خلال الديار حتى جاءوا به وقد ألبسوه البدلة والكرافتة ونعم طوال يوم أو بعض يوم بصحبة الرؤساء والأكابر وأجواء البروتوكول وأصاب ما أصاب من أطايب قصر الضيافة المنيف المطل على شاطئ البحر.
    العم [ود البحر]: في ذلك الوقت حتى بداية الستينات كانت المباريات تلعب عصراً ولا توجد نجيلة ولا إضاءة ولا مايكرفونات وفي استراحة "الهاف تايم" يشاهد الجمهور العم ود البحر عامل الاتحاد المحلي راكباً بسكليتة يحوم بها داخل الملعب قريباً من المصاطب مشيحاً بوجهه قبالة الناس يعلن عن المباريات القادمة يمط بها بوزه حتى يسمعوه [غداً السبت على كأس الدوري فريق كذا ضد فريق كذا] والمشجعون يتحرشون به ويتصايحون عليه متندرين ولكنه لا يأبه بهم فهو يتعجل الفراغ من تطوافه لكي يلحق بالبوفيه الذي يبيع منه السجائر والشاي والكوكاكولا. إن ود البحر والمرحوم "بيلو" والمرحوم أحمد السواكني والمرحوم "قبرو" الحكم القصير الذي كان له جسم "دب" وحركة غزال والمرحوم عثمان كرباب وغيرهم، هم جزء من التاريخ الإنساني والاجتماعي لدار الرياضة، عنما اشتد المرض على بنات ود البحر في الثمانينات وتطلب الأمر علاجهن في مصر تبرع له الاتحاد المحلي بدخل إحدى المباريات كاملاً غير منقوص وقال الناس [يستاهل والله].
    عبد الله عبد النبي الشهير بلقب [فندق] حارس مرمى المريخ في الستينات، من أولاد ديم كوريا وسيد ظرفاء قهوة "ساني" في سوق ديم سواكن، من أبرع مخترعي النكات والأمتع في فن الإلقاء، ما يزال يزعم للملأ بأنه [صاد يوماً سمكة بأسنان ذهبية] وعندما يسخر منه الناس ويكذبونه ويضعفون رأيه يقول لهم متبسماً: يمكن جاية من الكويت؟
    ومن ظرفاء المدينة أيضاً الأخ "جابر سعيد" من أبناء البني عامر، كان أنيقاً حسن الهندام يرى أحياناً مرتدياً أبيض في أبيض القميص البنطلون الحذاء والحزام كأنه يفعل ذلك امتثالاً لقول الرسول الكريم [خير ثيابكم البياض] خفيف دمه وخفيف ظله عرف على نطاق البلدة بإلقاء النكات في الحفلات والقفشات العابرة التي تشبه الخروج من النص، في أحد الأيام وبعد وجبة سلات دسمة في ديم عرب ذهبنا نشرب "الجبنة" في قهوة عمر أفندي المكتظة بالخلق وكان جابر سعيد هناك مشتبكاً في ونسة جانبية وأضاحيك مع بعض الرواد وكان يحتسي القهوة واقفاً ممسكاً بالفنجان بيساره وتنكة الصفيح الصغيرة بيمينه، ثم جاءت لحظة وكأنما أحس بأن وقفته قد طالت وأن ركبته قد "ساحت" فقد قال فجأة [نويت أن أجلس] ثم خرّ قاعداً على أقرب كنبة والناس يضحكون.
    وهناك المدعو [حشرة] بائع الايسكريم الشهير صديق أطفال الديوم الجنوبية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، لا يعرفون ما اسمه الحقيقي وأين يختفي بين فترة الشتاء والصيف ولكنه يظهر لهم فجأة في أيام الحرور دافعاً أمامه عربته المتهالكة المعوجة العجلات المتآكلة الكفرات منادياً على بضاعته ملء صوته الجهوري ويتوقف هنيهة في هذا الظل أو ذاك ويرفع عقيرته بمقاطع من الغناء القديم كأن يقول [عشان حبيتك لاموني] أو يقول [الوسيم القلبي رادو] أو [خداري البي حالي ما هو داري] أو يقول [الحبيته ديك جاهلة ما دارية الجافيانا وناسيانا ما طارية خلو الروح في الطلوع وخلو النار في الضلوع] وهكذا يبدأ الأغنية ثم لا يكملها إذ أنه يتوقف ليصيح بأعلى صوته [حشرة وصل يا] [حشرشيرة وصل يا] فلا والله لا أنسى انتفاخ أوداجه، أما الصبية الصخابون فقد اجتمعوا عليه اجتماع النحل على يعسوبها أي أميرها بعضهم قد فاز بحاجته فتأخر قدر ذراع من الزحام وانهمك في رشف الايسكريم البارد اللذيذ وبعضهم ما برحوا يتزاحمون ويتصايحون ويتواثبون حوله وقد أشرعوا نحوه الأيادي ما بين ممسكة بـ [قرش]أو قابضة على [تعريفة] فجأة في عام 1993 بعد ثلاثين عاماً ونيفاً يأتي [حشرة] لكي يقرأ معنا الفاتحة في مأتم أبي عليه رحمة الله ويقدم الايسكريم مجاناً لابنتي [بشائر] و [رؤيا] كان أشعث أغبر من مشقة الحوامة طول اليوم وما يزال يقود أمامه نفس الدراجة "الكركعوبة" وقد كتب على صندوقها الخشبي [حي العرب سوكرتة]. لقد أذهب مرآه ما في قلبي من الأسى وداخلني السرور وكأني قد لقيت به الطفولة والصبا، استبقيته قليلاً ريثما أحضر الكاميرا والتقط له صورة تخليداً لأيام جهالتنا وزمن الطفولة فربما لا نلتقي من بعد ذلك يا حشرة عفواً يا "حشرشيرة".
    وإن تسألوني عمن هو أظرفهم جميعاً لأجبت حالاً إنه المرحوم العم (مبارك كبيدة) والد الصحفية خلود والفنان التشكيلي عادل وإخوانهم خالد وجمال ويعقوب وغيرهم وشقيق البكباشى يعقوب كبيدة الذي أعدم في حركة المقدم علي حامد محمد عثمان عام 1959 حيث قام العم مبارك بتربية ابنته وتزويجها من ابنه البكر خالد وكان سبب ارتياحه وايثاره لي هو أنني كتبت يوماً عن شقيقه الراحل البكباشى يعقوب كبيدة مشيداً به.
    إن مبارك كبيدة فضلاً عن ظرفه الشديد فهو بحق [أحمد داؤد بورتسودان] من حيث المجاملات الاجتماعية في السراء والضراء أطراف الليل وآناء النهار وكان في شبابه وسيماً وضيئاً من أحسن الناس وجهاً وهيئةً ولذا فقد كانت له صولات وجولات وغدوات وروحات وكان يعمل آنذاك موظفاً مشاغباً في شركة [ماربلز] الانجليزية التي جاءت لتعميق الميناء وتأهيله لاستقبال السفن الكبيرة، وقد اهتدى إلى طريقة عجيبة لإرهاب رؤسائه الخواجات الذين كانوا يضايقونه، فقد كان يطلب من أصدقائه وأفراد شلته من كبار ضباط الجيش زيارته في مكان العمل وهم في زيهم الرسمي ولا سيما الأمير ألاي [م.أ] الحاكم العسكري ولما شاهد الخواجات ذلك فقد إرعووا وكفوا أذاهم عن هذا الفتى "الخطير" المقرب من السلطة. وعمل في آخر حياته في مصفاة بورتسودان وكان شخصاً محبوباً تهوي إليه أفئدة الناس يكتظ مكتبه دوماً بالموظفين والموظفات تحدوهم شهوة الاستماع لأحاديثه الشيقة التي لا يصلح أغلبها للنشر وكان يمزح مع أحد موظفي الحسابات من أولاد الحصاحيصا قائلاً له: [أول مرة أشوف لي ولدقيافة يشجع المريخ] فيدوي المكان ضجيجاً وضحكاً.
    وما برحت والله تمور في ذهني صور شتى لظريفات الأحياء الشعبية في بورتسودان ولا سيما ثلاث منهن وصورة الظريفة الرابعة الأخرى ولكنها من حي السوق مع ما في قصتها من مأساوية.
    الظريفة المرحومة فاطمة حسن كانت من ناس ديم سواكن إمرأة مسترجلة ومثل [بت مجذوب] فهي تحلف بالطلاق وتدخن السجائر وتسف التمباك ولا تتحرج في الحديث، تغشى بيوت المناسبات كالأعراس والختان و "دق الريحة" مطلقة صيحاتها المشهورة [أنا أمك يا حسن] و[طويل بشارع دليل] فيسود الارتباك والهلع في أوساط النساء فهي تعرفهن
    وتعرف أسرارهن والتعيسة منهن من تتعرض لتشهيرها المسجوع اللاذع وسط ذلك الجمع الذي لن يخلو بالطبع من شامتات و "متشفيات".
    في نهار يوم قائظ تشاجرت العمة الحديدية فاطمة حسن مع أحد أصحاب الدكاكين في سوق ديم تكارين فأخذت بخناقه وطرحته أرضاً وجثمت فوقه كناقة حقود حتى كادت أن تزهق روحه وتجمهر الناس يتفرجون ويتضاحكون وكان بين المشاهدين رجل مريب الشأن يرتدي جلابية أدخل يده خلسة في جيبه وأخرج منديله كي يمسح العرق المتصبب على وجهه وعنقه، وما إن رأى الناس المنديل [الأحمر المزركش] حتى انفضوا من حوله مذعورين!! لأن الرجل كما يكشف عنه ذلك النوع من المناديل هو [بوليس سري] فتأمل كيف كان أفراد الشرطة آنذاك يصرف عليهم حتى مستوى المناديل ولهم في كل مدينة مساكن تسمى [ديم بوليس] واستدار الزمان وربما سكن مدير البوليس اليوم أو غداً في منزل بالإيجار في زقلونا أو الدخينات ولسان حاله يقول [فيا برق ليس الكوخ داري وإنما رماني إليه الدهر منذ ليال].
    الظريفة الصامتة [جورجيت] لا أدري هل هي من الأقباط أم الأغريق كانت تقيم مع أهلها في منزل فخم جنوب حي السوق تخرج من البيت في الصباح الباكر وتقضي سحابة يومها تجوب شوارع المدينة لا تكلم قط انسياً ولكنها فقط تنحني هنا وهناك تلتقط الأوراق من الأرض وتحدق فيها ملياً ثم تقذف بها في براميل الزبالة!! تقول الأقاويل أن سبب اختلال عقلها أن شاباً سودانياً قد شغفها حباً وأظهر لها من المحبة أضعاف ما عندها له ثم أنه سافر إلى أهله في الشمال واعداً إياها بالمراسلة والعودة القريبة ولكن طالت غيبته سنين عددا وابتنى بابنة عمه ولم يعد أبداً إلى بورتسودان فهي الدهر تقلب الأوراق بحثاً عن خطاباته يتردد في خيالها –ربما- قول الشاعر العربي القديم [ليس حب فوق ما أحببتكم غير أن أقتل نفسي أو أجن] أو قول حسين بازرعة :
    "عاهدتني ترسل"
    "يدمع الشوق خطابي"
    "مع كل نسمة"
    "من البلد"
    "تطفي عذابي"
    "لكن نسيت عهدك"
    "ووعدك في غيابي"
    وأخيراً توقفت جورجيت عن التنقيب بين الأوراق الملقاة على قارعة الطريق لا لأن [طول الجرح يغري بالتناسي] ولكن لأنها توفيت قبل أعوام قليلة بالسحائي في موجة الحر التي اجتاحت بورتسودان في ذلك الصيف وطوبى يا رب لمن إخترتها لتسكن في جوارك إلى الأبد.
    وثالثة الظريفات المرحومة العمة [حاجة كنتوشة] كانت شيخة النساء وكانت في احتفالات أعياد نوفمبر في عهد الفريق عبود تجمع نسوة الديوم الجنوبية في بوكس كبير من ذلك النوع الذي ينقل عمال الشحن والتفريغ في الميناء [المزاورية] وتذهب بهن للمشاركة في الاحتفالات المقامة بالساحة الشعبية يغنين أغاني الحماسة في تمجيد الرئيس مثل أغنية [عبود يا جبل الحديد جيتنا بالرأي السديد] ويعدن وقد قبضن المال والجوائز السنية من السيد معتمد جبال البحر الأحمر والحاكم العسكري راعيي الاحتفال، والعمة "حاجة كنتوشة" هي والدة لاعب الترسانة القديم العم "عبد الله دندانة" من أوائل اللعيبة السودانيين الذين هاجروا إلى السعودية بداية الخمسينات وعفروا أقدامهم بتراب ملعب [الصبان] القديم في مدينة جدة هو والمرحوم [حاج محمدو] والمرحوم أدروب جيلاني وأحمد عبد الله والد "ماجد" نجم فريق النصر السعودي وعبد الله باهيوت وسمير عثمان شقيق لاعبي الموردة عمر وبكري عثمان وغيرهم.
    الظريفة [أمونة بخيت] مغنية –التم تم- المخضرمة والتي أكن لها مودة خاصة إذ أنها تذكرني بمطربتي المفضلة عائشة الفلاتية في براعة غنائها وخفة دمها وروحها، في مساء أحد الأيام من إجازة عام 1995 قابلتها في الحي وبعد السلام والتحية والدردشة شكت حاجةً وفاقة وقالت لي والله خالتك الأيام دي صرمانة عاوزة لي قروش اشتري لي "سفنجة" فنفحتها مبلغاً من المال لم أدر في عتمة الدجى الساجي بأنه ليس كافياً لشراء ذلك النعل فالتقتني في اليوم التالي وقالت لي كالمتغضبة: تعال هنا امبارح تضحك علي يا الممسوخ!!! فقلت لها مسترضياً إياها وأنا أعلم ولعها بالغناء الجيد والكلام المسجوع:
    "أنا عارف خصامك"
    "وغضبك في كلامك"
    "ما من جوة قلبك"
    "كله على لسانك"
    فضحكت ضحكة مجلجلة وقالت وقد مسها طائف من المرح والفرفشة [دستور بأدب يا ود زهرة حامد] وهكذا مكثنا ساعة نتحدث وأضحك لحديثها العفوي الخالي من التكلف، ثم انقلبت إلى أهلها مسرورة بما ضوعف لها من الهبة.
    كنا قديماً في الإجازات الصيفية المدرسية نحن معشر الأولاد المساكين في الأحياء الشعبية يعمل بعضنا في صناعة وبيع أكياس الخضار الورقية في السوق والأولاد الكبار يعملون [عدّادين] بالميناء بينما يعمل البعض تلميذاً مع كبار الحرفيين من النجارين والحدادين والبناءين والسمكرية أما أولئك المعلمين الظرفاء فمع طول العهد بهم وانقطاع أخبارهم فإني والله لذاكرهم –ما حنّت النّيب في نجد- أو أشد ذكراً.
    المعلم [محمد عثمان] عملت معه صبي نقاش أثناء صيانة منزل الوجيه المرحوم كباشي عيسى في حي ترانسيت، بوهيمي خفيف الظل كان يجعل المقاولين والعمال يموتون من الضحك بحكاياته النوادر ولكنه –أصلحه الله- كان يفطر في نهار رمضان بغير علة أو نسيان!
    المعلم [سعيد فضل الله] عملت معه صبي نجار –متشدد- لا يترك شاردة أو واردة تمر دون تدخل منه، كان ينفع تعلمجياً بالجيش، طلب مني يوماً أن أناوله المنشار فقدمته له من جهة النصل فحدجني بنظرة غاضبة وقال [لزمانك ده سلاح أوعك تاني تقدمه بالطريقة دي].
    المعلم [محمد إساغة] غرباوي من الشرقّّ نشأ في [و قَرْ] بجهة كسلا ويملك محلاً كبيراً لبوهية العربات في المنطقة الصناعية، أحمد له شيئين: كان يعطينا حقنا قبل أن يجف عرقنا والشيء الثاني بفضله قد ركبنا عربات أكبر أعيان البلد من مارسيدسات وغيرها فقد كانت السيارة لا تجهز من البوهية قبل يومين أو ثلاثة وكنا قبيل الانصراف نقوم بتكديس باقي السيارات داخل ذلك الجراج الكبير ونتوصل بأحسن واحدة حيث ينزلنا المعلم في ديم جابر ثم يواصل سيره إلى [دار السلام] حيث يقيم وكنت طوال الطريق ألمح في عيون المارة الدهشة الشديدة من التناقض بين شكل السيارة وشكل "الركاب"!
    المعلم [أبو سيدة] شيخ السمكرية ومشجع فريق -حي العرب- ضخم الجثة جهوري الصوت صخاباً يتحدث في ضوضاء وجلبة يبدو في الجلابية الصعيدية والطاقية كالممثل المصري الفكاهي –محمد رضا- يتربع جالساَ في الكرسي أمام الدكان يتحرش بأصحاب المحلات المجاورة ويتحرشون به خاصة عندما يكون فريق حي العرب مهزوماً ونحن في الداخل ننفخ في [الكير] ونتململ من الدخان والشرر المتطاير وطول الجلسة التي لا ينجينا منها إلاّ مراسيل القهوة والشاي والوجبات.
    المعلم [بخيت] سمكري ماهر متخصص في صناعة شنط الحديد حيث يقوم بعد ذلك يطلائها بألوان زاهية ويرسم عليها زهوراً صفراء وخضراء وحمراء كبيرة ولكنه [شراني] الشكل لو إطلعت عليه لوليت منه فراراً ولملئت منه رعباً، طرد يوماً أحد أقراننا الجدد شر طردة اقترب منه وهو يهرش كرشه قائلاً له بصورة عابرة ولكنها قاطعة [اسمع تاني ما تجي]! لأن ذلك الصبي المسكين التقط شلناً وجده واقعاً في أرجاء المكان يحسبه رزقاً ساقه الله إليه ولم يعلم بأن ذلك الشلن قد سقط عمداً من جيب المعلم [بخيت] ولم يسقط من السماء وكانت تلك هي طريقة المعلمين في اختبار أمانة الصبيان الذين سوف يلتحقون بالعمل في المحل.
    عندما أصير جداًَ ثرثاراً متبجحاً لا بد أنني سوف أحكي لأحفادي كيف أنني شاركت في تشييد مدرسة العشي الثانوية العليا للبنات عام 1968 حيث عملت صبي حداد مع المعلم [محمد الحسن] وكنت حاضراً وسط زحمة الناس عندما جاء السيد اسماعيل الأزهري لوضع حجر الأساس يرتدي بدلة زرقاء لازوردية كلون السماء يمشي في البساط الأحمر المفروش على الرمل الأبيض الناعم المرشوش سلفاً بالماء ونحروا له ثوراً قفز من فوقه وسط تصفيق الحاضرين وهتافاتهم .
    المعلم [محمد الحسن] من ناس الخرطوم رجل صامت لا يمكنك سبر أغواره كأنك تنظر في دهليز مظلم يضع دائماً على وجهه نظارة سوداء تزيده غموضاً إلى غموضه، أكون معه في البرندة الوحيدة الموجودة في المكان أجلس خلف [المقص] أقطع السيخ وألقي إليه وهو مكباً على [البنك] ماضياً في توضيب [الكانات] ويترنم خلال ذلك بأغنية [وحياة ابتسامتك يا حبيبي] لا يكاد يترنم بأغنية غيرها،
    قبل ما أشوفك
    كنت فاكر الريد مستحيل
    كنت عايش في طريق
    خالي وطويل
    ليلي دون الناس
    كله آهات كله ويل
    وكان يجب أن تسمعه وهو يردد منسجماً هكذا مع نفسه وقد رقّق صوته فلا تسمع إلا همساً :
    لكن يا حبيبي
    من يوم ما شفتك
    قلبي للدنيا ابتسم
    أشرقت دنياي
    فارق دربي هم
    رحت ألقاك في منامي
    وبيك أحلم
    لعل المعلم محمد الحسن ذاك كان عاشقاً متيماً و [دستوره نازل في الخرطوم تلاتة].
    أما الظريف أستاذ عثمان البجاوي فقد كان أبرش البشرة كمن به برصُ أو جزام طويلاً نحيل البدن، نحيف الوجه شاحبه، ناتئ عظام الوجنتين يابسهما، ضيق الفم بارز الأسنان مترادفها ولكنه لا يأبه لشأن منظره البتة فهو إمرئ اجتماعي يألف ويؤلف وهو ضحوك بشوش لا يرى إلا مبتسماً مبتهجاً قرير العين هانيها كمن بشر لتوه بأخبار تسره.
    وهو بعد محسن قد خصص فترة العصريات لإعطاء دروس خصوصية بالمجان للطلبة والطالبات في بيته بديم كوريا الذي يقطنه وحيداً مع والدته القليلة الكلام وهو مع ذلك راعي الفنانين الناشئين والمواهب الشابة الحبلى ببشائر الإبداع يفتح لهم بيته في الأمسيات بعد انصراف الدارسين والدارسات للعزف والتلحين وإجراء البروفات حيث تصدح دوماً أصداء الموسيقى والإيقاعات من بين تلك الجدران.
    وإني لأذكر الساعة ما بدر منه في تلك الليلة في ذلك الحفل الحفيل حيث كنا نقف بقربه –محمد الحسن جبريل- وأنا فيما راح هو يحدق بمقلة الانبهار والتلهف والاستحسان إلى أسراب الحسان في وسط الدائرة وإلى حسن زيهن وتألقهن وما أبدين من زينتهن ورشاقتهن وهن يرقصن كالحمام الصنعاني ويمسن ويتأودن تأود الأغصان الغضة إذا هبت الريح وجر النسيم في الروض ذيلاً وقد أشرقت وجوههن بالبسمات وأسارير المرح والسرور كل ذلك بينما كانت فرقة ناس كرار وآدم الفاضل وعبد الكريم بشارة البعيو ساعتئذٍ منهمكة في أداء أغنية (بعيد الدار طال بي بعدك ومتى يامولاي تنجز وعدك) بما عرف عنها من الإجادة والاتقان وعندما وصل الفنان إلى مقطع :
    إنت جميل جمال ودار
    جميل جداً ولكن غدار
    أنا فقدت سكون
    وفؤاد ممكون
    ضروري يكون
    موجود عندك
    فلست أدري ورب الكعبة ماذا دهاه في تلك اللحظة بالذات أو ما هو سر فؤاده الدفين أو قصته مع تلك الأغنية فقد وثب من بيننا متأوهاً كمن وخزته بغتة شوكة في باطن قدمه وأخذ يدور ويدور مثل درويش منتشي في (ليلة المولد) أو في حولية الإدريسي بالموردة أو في عصر الجمعة بحمد النيل وهو يحرك كلتا يديه في الهواء ويصيح "أوت" "أوت" "أوت" بالواو الساكنة ومعناها بكلام الهدندوة "عسل ! عسل! عسل!" عليه رحمة الله فقد صبر تجلداً وعاش تجملاً ومات تكرماً لاحظ له من الحسن إلا لذة النظر.
    ولولا خشية الإطالة وملالة الحديث لذكرت أيضاً نوادر "الهمشري" الشاب الظريف الذي كان يعمل "مساعد" في لوري المرحوم عبد الله أسد، وهاشم أكلاي الذي كان يبيع التذاكر في سينما الخواجة ويغني بين الفواصل في الحفلات بأغنيات الجاز الغربية بإنجليزية "دارجة" وهو يعزف على جيتار صنعه من جالون فارغ وعمل أوتاره من تلك الخيوط البلاستيكية التي تستعمل في صيد السمك حتى أشتغل في مقبل أيامه بحاراً يجوب العالم حيث اقتني أخيراً جيتاراً حقيقياً ومحمد أبو طربوش بتاع الكشافة و "نتشة" التكروني بديم جابر الذي يحفظ اسماء اللاعبين وموقف الدوري في الخرطوم والدول المجاورة وقد يشرع نزولاً عند رغبة الناس في إذاعة مباراة وهمية بين فريقين من أندية الدرجة الأولى في الكنغو أو أفريقيا الوسطى مثلاً ذاكراً اسماء اللعيبة بينما الناس يضحكون ويتعجبون ويطلبون المزيد ولكنه يتركهم مبتسماً ثم يواصل مشواره اليومي إلى قهوة "ساني" بسوق ديم سواكن.
    ولكنت ذكرت أيضاً آدم "قد الحوش" العامل بمصلحة الأشغال وخريج مدرسة ديم برتي الابتدائية والذي عندما يكون "معتدل المزاج" يهبط عليه وحي ما وينطلق لسانه فلا يتحدث إلا العربية الفصحى!! كأن يقول منتقداً نفسه (أنا إنسان ردئ أشرب الخمر وألعب الميسر) أحمد إليه الله الذي هداه وأصلح باله فخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وغدا اليوم امروءٌ معلق القلب بالمساجد لا يكاد يخرج منها حتى يعود إليها .
                  

العنوان الكاتب Date
أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت01-21-08, 09:24 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-22-08, 08:22 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-22-08, 08:50 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت01-23-08, 08:29 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] haroon diyab01-23-08, 09:00 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] elnadeif01-23-08, 11:03 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-24-08, 12:11 PM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] haroon diyab01-24-08, 07:38 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-24-08, 01:01 PM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] محمد جميل أحمد01-24-08, 08:59 PM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-27-08, 11:49 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] انتصار محمد صالخ بشير01-24-08, 11:33 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-26-08, 08:36 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] haroon diyab01-26-08, 08:48 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت01-26-08, 12:59 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] انتصار محمد صالخ بشير01-26-08, 03:00 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-28-08, 02:51 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] الشيخ صاح محمد01-30-08, 11:29 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت02-02-08, 08:27 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت02-03-08, 08:48 AM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] محمد جميل أحمد02-03-08, 08:46 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت02-11-08, 09:37 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت02-26-08, 06:56 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت02-27-08, 07:02 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت03-05-08, 01:06 PM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] mo03-05-08, 03:40 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت03-11-08, 06:41 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت03-29-08, 07:27 AM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] mo03-29-08, 07:41 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] haroon diyab04-10-08, 10:47 PM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] محمد خليل ساني04-11-08, 01:09 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت04-28-08, 10:34 AM
    Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] AnwarKing04-28-08, 05:00 PM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت04-29-08, 06:59 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت04-30-08, 09:49 AM
  Re: أيام وليالي بورتسودان [الحلقة الأولى] أبوالزفت05-03-08, 07:40 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de