عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 02:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-16-2008, 09:07 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ (Re: عبدالله عثمان)


    في نقد "الإرهاق الخلاّق" لعبد الله علي إبراهيم (2-3)

    عبد الخالق السر
    [email protected]

    في هذا المقال يعود الكاتب بعد 7 سنوات ليواصل طرحه لما أسماه بالمبادرة الوطنية. والملاحظ أن هذه الفترة الزمنية الكبيرة ما بين المقالين بكل ما صحبها من أحداث كبيرة ألقت بظلالها على الواقع السياسي في السودان، إلاّ أنها – كما سوف نرى- لم تؤثر بشكل لافت على آراء ومواقف الكاتب التي بنى عليها من قبل مبادرته "الوطنية"، ولكأنها مجرد أرقام وتواريخ من الأيام والشهور لا تنبني عليها أية متغيرات بالضرورة، وهو القائل في معرض تهكمه على المعارضة:

    "ومن مخائل الطائفية الاعتقاد الرصين في دراج الأفكار واعادة إنتاجها بغير اعتبار للمتغيرات". (47).



    كما أن مبادرة الخلاص الوطني التي تشكل جوهر فكرة الكتاب ستتراجع حثيثا للوراء- كما سوف نرى- ليحل محلها دعوة لتقبل أطروحات الإنقاذ الأيديولوجية كسياسة أمر واقع. صحيح أننا سوف نجده بات يعطي اعتبار لحقيقة علاقة الإنقاذ بالجبهة الإسلامية، ولكنه اعتبار محايث يستخدم تارة كتبرير للمضي قدما في المبادرة بشروط مغايرة غير مفصح عنها علنا، وتارة أخرى في سياق مختلف يبدو وكأنه مقحم على فكرة المقال ككل، ينخرط فيه الكاتب محللا للواقع جامعا المعارضة والنظام في سلة واحدة لإضفاء المزيد من التعميم والضبابية للحد الذي يضيع معه مغزى الكتاب من أساسه. وهذا مدخل للإرباك عظيم يسيطر على مجمل بنية هذا المقال والذي يعمل فيه الكاتب ما وسعه للقفز على حقيقة ونوع العلاقة التي تربط ما بين النظام والأيدلوجية التي تقف خلفه – بعد أن أصبحت العلاقة نفسها عصية على النكران كم درج على ذلك في مقالته الأولى. وهو قفز وتخليط تدفعه إليه دفعا فرضية "الحياد" التي عول عليها في مبادرته:

    "أما الجبهة الإسلامية القومية فقد أنهت السياسة فيها بنفسها. فيكفي القول أنها اختارت في مستوى بعض قياداتها الخروج مع القوات المسلحة في يونيو 1989م. ضد الشرعية والدستور، كانت أول ضحايا الانقلاب هو الجبهة الإسلامية القومية ذاتها....". (47).



    فالحديث بعد سبع سنوات من الانقلاب عن خروج "بعض قيادات الجبهة مع القوات المسلحة ضد الشرعية الدستورية" هو بمثابة تغبيش وتخليط للحقائق أكثر من كونه إقرار لحقائق مستجدة – على الأقل بالنسبة للكاتب- ولكنها معلومة باتت متاحة للكل لم تبخل حتى الجبهة نفسها بتأكيدها للداخل والخارج، خطابيا أو على مستوى التطبيق الأيديولوجي للسياسة. وهو على كل حال إصرار غريب لا يرهق الكاتب نفسه في عقلنته لقارئ سطور هذا الكتاب بقدر تماديه وإسرافه في تأكيد على أنه آخر من يعلم طبيعة هذه العلاقة:

    فقد وصف السيد بونا ملوال، الزعيم الجنوبي المعارض، الجبهة الإسلامية القومية ، التي يذاع أنها الحزب الحاكم السري...". (48).



    وكنا قد أشرنا في أكثر من مرة كيف أن الكاتب لا يحترم عقل القارئ حين يراوح به من نفي لعلاقة الجبهة بالانقلابيين أو تأكيد لعلاقتهم من طرف خفي أو صراحة في بعض الأحيان، خصوصا فيما تبقى من هذا المقال، وهي مراوحة سببها افتراض موهوم لم يكلف الكاتب نفسه بتحري صدقيته أو مطابقته لحقائق الواقع، والأكثر دهشة أن يستمر هذا الافتراض كل هذه الأعوام ليغرقنا في لجة التعمية والاستعاضة بالإمعان في تعرية أوجه قصور المعارضة: عقائدية وطائفية -على حد تعبيره- من باب الشوف بعين واحدة. وجريا على عادة القفز بين المواضيع دون اعتبار للسياق أو ترتيب للنسق، يباغتنا هذه المرة بتعرضه لواحدة من اعقد تجليات وجود الجبهة كأيدلوجية حاكمة وتقاطعاتها الحادة مع مأزق الهوية السودانية المستفحل:

    ".. فقد وصف السيد بونا ملوال، الزعيم الجنوبي المعارض، الجبهة الإسلامية القومية ........ بأنها قد حملت الأجندة العربية والإسلامية الجلابية (المجربة الفاشلة) للحكم إلى نهايتها الدموية". (48).



    ويضيف الكاتب في صراحة لا لبس فيها:

    "وقد صدق بونا القول في أن حكم البشير الحالي سيتيح للجلابة أكثر من غيرهم أن يروا أنفسهم في المرايا القديمة المشروخة ذاتها. وهذا تعليق مناسب على خلو وفاض الحكم الحالي ...". (48).



    وهو كما نرى هنا اعتراف صريح لا يحكمه سياق أو يمهد له باعتذار أو تبرير أو حتى يذهب به إلى نهاياته المنطقية، بقدر ما أنه ينخرط فيه بحكم الحقيقة المسلمة ، وهو الذي ما فتئ يرفضها بإصرار. ولكن هذا ليس ما يعنينا في هذه اللحظة بقدر ما أننا معنيون تماما إلى أين يقودنا تحليل الكاتب فيما يخص إشكال الهوية الملتهب؟ وماهي الوجهة التي يركبها منطقه، وان كان من خلاله يمكن إيجاد مخرج صدق للمبادرة الوطنية ؟

    يكشف الكاتب دون مواربة عن خطورة هذا النهج الأيديولوجي وقدرته على التعبئة والتجييش ومن ثم التصادم المحتوم بين الثقافات والاثنيات لأنه على حد تعبيره:

    "... هو أكفأ الأجهزة الجلابية في تعبئة وتعليب المشاعر الدينية والعرقية بين الجلابة. فالحكم مصنوع من قماشة الوعي الجمعي الجلابي الذي يشتهي تحويل هامشيته في الثغر بين العالم العربي وأفريقيا إلى مركز ذي صلف وغرور". (49).



    وكان الكاتب قد وطن نفسه منذ بداية المقال على تسمية السودانيين الشماليين بـ"الجلابة":

    "ورأيت أن استعين بهذه الأمثلة الإنجليزية لكي أراجع السودانيين الشماليين (الجلابة كما سوف تجري تسميتهم طوال هذا المقال..... واصطلح الجنوبيون على إطلاق هذا الاسم على الشماليين قاطبة..) ". (43).

    وهو اصطلاح – كما سوف نرى- يعين الكاتب على سهولة الفرز الثقافي والديني والذي بموجبه سيوجه مشروع مبادرته وجه أخرى تعمل حثيثا للاندماج مع أيدلوجية النظام الحاكم وتستبطن تحريضا واصطفافا لمعشر الجلابة لنصرة هذا النظام ومساومته وفق شروطه– والذي للمفارقة وصف بأنه خالي الوفاض- من منطق أنه لا خيار لهم في ظل واقع الاستقطاب الحاد الذي يلف مشهدهم الوجودي بإطلاق لأن أهل النظام في النهاية هم "إخواننا بغوا علينا" مستشهدا بعبارة وردت في:

    ".... كلمة نشرها السيد وليد مادبو يستنكر على السيد الصادق وضع يده على يد العقيد قرنق لحرب حكومة البشير الإسلامية. وسريعا ما واتاه التراث الإسلامي حين قال أنه مهما وقع لنا من حكم البشير فإنهم "إخواننا بغوا علينا". (51).



    هذا السيناريو المشحون بالدراما والتوترات والتي ليس بالإمكان تفاديها لابد أن يقود إلى اكراهات التمترس خلف أطروحات النظام – مكره أخاك لا بطل- طالما أن النظام خاطر بالاسلام والعروبة:

    "... وهما شارات هوية عزيزة على الجلابي، قد ورطت أيا منا من الجلابة، مهما كان رأيه في الجبهة الإسلامية أو حكم البشير في هذه المغامرة أما بتمنى النجاح أو التوقي لحساب الفشل والخيبة وما سيجره فشل المشروع على الجماعة الجلابية في السودان". (50).



    فالجلابة ، كما يرى الكاتب، "نادي" مهما تباينت مواقف أفراده الفكرية والوجودية والأيدلوجية طالما أنهم مصنوعين من قماشة الوعي الجلابي الذي يشتهي تحويل هامشيته إلى مركز، ولتأكيد هذه الفكرة يحيلنا إلى مسرح التاريخ الذي جسد هذه الاشتهاءات واقعا:

    "خروج المهدي بدعوته يريد أن يفتح المدينة الرومية الكبرى بالتكبير.

    وهتاف الشيوعيون في الخرطوم "لا قومية بل أممية .. سائرين في طريق لينين".

    وعقد الترابي أمميته القومية الإسلامية العربية قصيرة العمر في الخرطوم". (49).



    هذا علاوة على أن ضيق مثقفي هذا النادي الجلابي :

    ".... بخصوبة الخيار، وجدل طيف الألوان مما شهدت به دوائر الخريجين في الانتخابات السودانية...". (49).

    حتما جاعلهم في خصومة مستدامة لا ينفع معها التهوين أو التخبي. وطالما أن هذا هو شأن الجلابي في علاقته بالآخر – أي الجنوبي- فما فعله النظام الحالي ما هو "إلا انهم جعلهم يقفون على منتهى فكرتهم وهويتهم".!! (51) ، ومن ثم فإن:

    "... [و] ادعاء البعض انهم الفرقة الناجية من الورطة هو أسهل الطرق للفرار من تبعة أن نرى أنفسنا بأنفسنا في مرآة محنتنا الوجودية التراثية في السودان". (51)



    هذا الكلام يبدو للوهلة الأولى - وفي تجريده- هو واحدة من محاولات الكاتب المجيدة – بحق- في مقالات سابقة لردع خيلاء ود العرب وشوفنيته الضارة (الماركسية ومسألة اللغة في السودان). ولكن السياق هنا – كما سوف نتتبع- لا يشيء بذلك، بقدر ما أنه حشد في مقابل حشد مضاد طالما أن النظام الحاكم قد ورط النادي الجلابي في استقطاب لا يجدي معه التهرب. ولكي يكتمل مشهد التسليم والخضوع طوعا أو كرها للمشروع الإنقاذي، كان لابد أن يستمر الكاتب في التكثيف الدرامي على طريقة التضاد Contrast عارضا الوجه السالب لـ"الآخر" -والذي يعرف هنا بالجنوبي - الذي لا يرى في الجلابي إلاّ جلابي مرة والى الأبد:

    "فبينما تقرا لجلابة من كل شاكلة ولون تفسيرات متفاوتة الخط في الإقناع لانقلاب عبود 1958م (تفسيرات طبقية، طائفية، حرب باردة، استعمار جديد الخ) لن تجد من بينها تحليلا واحدا يتهم الجلابة، هكذا، بتدبير الانقلاب لإغراق مطالب البرلمانيين الجنوبيين بالحكم الفيدرالي لاقليمهم. وقد كانت مؤامرة الجلابة هذه مما ورد في تحليل الجنوبيين لانقلاب عبود. فالجلابة بلا استثناء حقيقة من حقائق القوى التي تحتل حيزا مقدما في النظر الجنوبي السياسي .......... صب العقيد قرنق جام ماءه البارد على تلك الأفراح (انتفاضة أبريل 1985) قائلا ان الذي جرى هو مجرد تغيير سطحي .....من مايو ون الى مايو تو". (52).



    وفي ظل هذا المشهد الحزين لواقع الاستقطاب الحاد الذي رسمه الكاتب بعناية أصبحت خيارات تعامل الجلابي مع مسائل الآخر الجنوبي في غاية الشح والعنت:

    " ولما كان الطريق إلي السداد السياسي الجلابي حيال الجنوبي محفوفا بالاستحالة لم يعد أمام ساسة الشمال إلا إحدى طريقتين للتعامل مع مسائل "الآخر" الجنوبي. أما الطريقة الأولى فهي الانتهازية التقليدية التي تحول الشأن الجنوبي الى مفردة من مفردات لعبة كراسي الحكم بين أعضاء النادي السياسي الجلابي الحاكم. أما الطريقة الثانية فهي عقدة الذنب الليبرالية/ اليسارية التي تحول المصاب بها إلى طاقة سلبية ،متسخطة، قليل النفع "للآخر" موضوع شفقته وقليل الخير لنفسه وأهله. ولهذه الطريقة مداخلها الانتهازية الخاصة كما سنرى". (55).



    كل ذلك من شأنه أن لا يجعل الجلابي -أي جلابي- أن يطمع في مأمن السداد السياسي حيال مسألة الجنوب والقوميات التي لفت لفه، لأن الجلابي من وجهة نظر "الآخر" الجنوبي:

    "... متورط في جلابيته لأن عنصريته العربية الإسلامية هي مسلمة رئيسية في تحليل الجنوبي ... لوقائع السياسة في السودان. (51).



    هل أبدو متعسفا حيال تصوير الكاتب لواقع الاستقطاب السياسي الحاد كما هو مجسد على أرض الواقع؟ ربما. ولكن ما الحيلة إن كان السياق يجرنا جرا في هذا الاتجاه. فالكاتب الذي حاول تنبيهنا للمأزق الأيديولوجي للنظام الحاكم وتقاطعاته الحادة مع الهوية ، لم يبدي أي موقف واضح اتجاه هذا المأزق – حتى نحسن الظن - بقدر ما أنه انخرط طوعا في الترويج لرؤية النظام – كسياسة أمر واقع جلابي- في بادي الأمر ثم الحماس في تبيين مزاياها كما سوف يرد. هذا دون أن يفطن إلى أنه فقد البوصلة تماما اتجاه مبادرته العليلة أصلا – والتي سيطول انتظارنا جدا لما ستفصح عنه- مفضلا على ذلك لعبة المباغتات والإرباك إمعانا في تشتيت القارئ حتى يجعل من الصعب الإمساك بأفكاره وسياق تسلسلها ووجهه منطقها. ثم أن الإشارات التي يرسلها والتي يمكن الإمساك بها وتحليلها في سياق استسهابه لإشكال الجلابي والآخر الجنوبي تعزز من هذه الفرضية خصوصا وأنه في نهاية المطاف يبدو خالي الوفاض من أي حل موضوعي ينصبه ممثلا للسواد الأعظم الذي من المؤكد أنه لا يشاركه هذا الحل وان شاركه بعض التشاؤم بشأن واقع الحال الماثل ومن ثم فإنه يرفض هذه الصورة القاتمة والحادة لسيناريو الاستقطابات المرسومة بعناية من قبل الكاتب. وتكتمل المفارقة الساخرة حين يعمل الكاتب على تقريع الليبراليين بكشفه زيف حجتهم حيال توقهم لبناء سودان علماني:

    "..إن حجتهم الساطعة لبناء سودان علماني ليست هي توقهم أنفسهم (في حال عروبتهم واسلامهم خاليين من الموانع الشرعية) إلى التمتع بالعلمانية كنظام عصري، أنيق، عادل صالح. فهم يشددون على العلمانية لا كنظام سعيد مقنع في حد ذاته بل لأن الدولة الدينية ستجحف بأهل الملل والنحل الإسلامية في الجنوب..... وقد ساقت هذه الخطة اليساريين والليبراليين الجلابة إلى ضلال كثير فقد نفوا أن يكون إسلامهم أو عروبتهم هي العروبة أو الإسلام المعروفان بالألف واللام، بل روجوا لأن افريقيتهم قد روضت أو لطفت أو مسخت هذا الإسلام والعروبة. وهذا زعم عنصري في حد ذاته غير خليق بالليبراليين لأنه ينطوي على أبغض النظرات حيال الأفريقيين الذين ما اعتقدوا في شيء من إسلام أو مسيحية حتى قيل أن هذه الأديان لم تعد اعتناق الأفريقيين لها كما جاءت من أصولها الأوربية أو الشرق أوسطية، بل تهجنت وباخت وانمسخت". (58-59).



    ليأتي هو بنفسه ليتبنى ذات "الضلال الكبير" حين يعمل على التشكيك في إسلامية سلوك أفراد القوات المسلحة العاملة بالجنوب مستشهدا بكتاب "الإنقاذي" البارز العميد الطيب إبراهيم محمد خير، كما سيرد لاحقا.



    موات الوطن أم فتوى الأسلمة:

    وسط كل هذا الخضم الاستقطابي الحاد للواقع السياسي السوداني يصور لنا الكاتب القوات المسلحة ككائن أسطوري يعمل خارج سياق الواقع السياسي-الاجتماعي الذي تنتمي إليه:

    "... فقد ظلت كالسيف وحدها، وخلال أربع عقود تقريبا، تعمل تحت أمر أزلي لضبط الجنوب في إطار الوطن..". (60).



    ومع أنه سيد العارفين بأن القوات المسلحة منذ سودان ما بعد الاستقلال ظلت بؤرة الاستقطاب السياسي بين أطراف النادي الجلابي المتنازعة على كعكة السلطة وانعكاس فاضح لتوترات واستقطابات هذا الصراع العدمي المنهك، للحد الذي وصل بها في عهد الدولة الدينية الراهن أن تصبح قوى جهادية خالصة ثقافة ووجهة تعمل ما وسعها لتثبيت أركان المشروع الأيديولوجي لدولة الجبهة الدينية حتى ولو كان الثمن الوطن نفسه رغم حرص الكاتب على النفي المتكرر وتلويم من تحدثه نفسه ، مع أن ذلك واقعا معاشا وحده الكاتب الذي لا يرغب في رؤيته:

    "... وليكن في هذا الاستسهال في القول والفعل عظة للجلابة ليعتبروا أفكارا شتى يذيعونها الآن حول القوات المسلحة. فقد فرغ أكثرنا من تصنيفها كمليشيا مسلحة للترابي وصحبه ...". (64).



    فما مرد ذلك إلاّ لأنه لا يصب في مصلحة مساومة هذه المؤسسة والتي وان عزّ أن تكون محايدة كما رهص في مقاله الأول، فلا باس أن يكون نزوعها نحو الأدلجة أو "الاسلمة" – على نحو أصح- له من المنطق والوجاهة ما يجب أن يكون مسئولية تبريره ما يقع على عبئه كدين مستحق:

    "ظل الأمر بالحرب قائما والوطن نفسه كفكرة وكيان يخبو ويتبلد. فلا أحد من ذوي الأمانة يرهن إشباع حاجياته المادية والروحية به. وصوت الناس بأقدامهم المهاجرة يأسا في جدوى الوطن. وأهم من ذلك كله فقد جعل موات الوطن المؤسسة العسكرية في حرج إزاء مهمتها الأولى: الاستشهاد. فكيف يستشهد المرء لفكرة كاسدة ووطن مشوب. وسنتعرض لذلك في حينه حين نناقش أسلمة القوات المسلحة". (61).



    سيغفل الكاتب ، أيضا، في هذا التصوير التراجيدي لمصير الوطن أن يشير إلى أن "ديننة" الدولة على يد النميري بإيعاز من الجبهة الإسلامية كانت عاملا جوهريا من عدة عوامل أسهمت في إشعال فتيل الحرب مجددا ومن ثم موات الدولة المتباكَى عليه والذي لا حل له سوى باسلمة هذه المؤسسة في حادثة "إصحاح سياسي" Political correctness عزّ نظيرها كما سوف نرى.



    الجهاد: هل هو دسيسة ترابية أم واقع مؤسسي؟ (65)

    تحت هذا العنوان يبدأ الكاتب مهمة "الإصحاح السياسي" لكي يكسب مشروع أدلجة القوات المسلحة الذي كان يجري وقتها على قدم وساق مشروعية ومبرر مستفيدا من صورة موات الوطن التراجيدية التي كان قد رسمها، وهي على كل حال صورة بلاغية مستمدة من الخطابات الحماسية "الجلابية" للبشير في أيام الإنقاذ الأولى عاكسا فيها الحالة السيئة للقوات المسلحة وأنه لولا انقلابهم هذا لكان قرنق على مشارف الخرطوم!!.



    يبدأ الكاتب هنا – وكالعادة- بما كان قد نفاه سابقا واستنكره على المعارضة:

    "يحمل المعارضون على الجبهة الإسلامية طبعها حرب الجنوب بطابع "الجهاد" وشحن أداء ورموز الجيش المفروض فيه القومية ، بمفردة ثقافية واحدة وحيدة دون غيرها من زخم المفردات المتنوعة الأخرى في الوطن. غير منكور أن الجبهة الإسلامية القومية سعت سعيا حثيثا للتأثير على القوات المسلحة............ وليست الجبهة بنشاز في ذلك". (65-66).

    ولا يندرج مفهوم الأدلجة هنا في خانة المباح لأن الجبهة ليست بـ"نشاز" في ذلك – وكأن فعل الآخرين يكسب انقلابها وجاهة- بل يستطيل ليأخذ صيغة الواجب الوطني النبيل:

    "ولكن الأهم من ذلك في التحليل الثقافي للجهاد في القوات المسلحة أن نتأمل المحنة التي لمحت إليها آنفا: وهي كساد الوطن بينما المطلوب من القوات المسلحة أن تحمي بيضته". (66).



    أما الأعجب من ذلك في ملابسات هذه التبجيلية أو التظاهرة التسويقية فهو ما يرد في هذه الأسطر:

    "على سلامة القول بأن الجبهة الإسلامية قد طبعت القوات المسلحة بطابع الجهاد، إلا أنه من المفيد أيضا تأمل قابلية هذه القوات للأسلمة في ملابسات الأمر الأزلي (قريب من العبث) لها بالحرب للذود عن بيضة وطن مبني على المجهول....". (68).



    هذا عين الكلام المجاني. فكيف يستقيم منطقا أن تكون القوات المسلحة لها قابلية للاسلمة؟ ولماذا الأسلمة تحديدا في مؤسسة تنتمي لوطن متعدد الأديان؟ هل للأمر علاقة بذهنية الجلابي الذي يسعى الكاتب لتقريعه في مناسبات أخر بينما هو يملأ على الكاتب أقطار نفسه وينصبه وقت "الحارة" وصي وقيّم على هذا الكيان المسمى السودان؟ لن نعدم إجابة على هذه الأسئلة لأن الكاتب فيما تبقى من مشهد "الإصحاح السياسي" لأدلجة القوات المسلحة سينزل إلى الساحة متحزم ومتلزم في لبوس الجلابي دونما مواربة.



    القوات المسلحة النهج الإسلامي، لماذا؟ (68)

    في هذه الفقرة يبلغ الكاتب بـ"الإصحاح السياسي" Political Correctness منتهاه، ويمارس "شقلباظ" لغوي ومفاهيمي حتى تستسيغ فكرة تقزيم مؤسسة يفترض أن تكون محايدة كالقوات المسلحة لكي تعمل كجناح عسكري أيديولوجي يعمل بآمرة النظام الحاكم. ولا يهم الكاتب هنا عن أي إسلام يتحدث فهو يغفل حقيقة بدهية وهي أنه لا يوجد وجه واحد لاسلام متفق عليه بقدر ما أنه توجد أيدلوجيات دينية تمثل تيارات ورؤى متباينة ومتصادمة فيما بينها في أغلب الأحوال، وكلها تتفق أنها في أحسن أشكالها لا يمكن أن ترقى لطموحات مجتمع مدني يستمد من التعددية السياسية عافيته واستقراره . هذا فضلا عن أنه لا يوجد مبرر – على الإطلاق- أخلاقي أو سياسي في أن تتبنى مؤسسة وطنية كالقوات المسلحة عقيدة دينية في بلد متباين العقائد. والغريب أن الكاتب كان قد استهجن في فقرة سابقة عداء الليبراليين اليساريين لحق تقرير المصير ووصفه بالتطفل العجيب على المسألة الجنوبية وذلك حين :

    " استولوا على حق وصف من هو الجنوبي الذي على الخطة الجنوبية الصواب ومن هو المنحرف، والخائن وبائع ذمته للشماليين بحفنة دولارات..". (59).

    ليفاجئنا هو نفسه بتطفل عجيب في شأن من أدق شئون المؤسسة العسكرية يعطي نفسه الحق لتقرير أمره.!! مع أن دوره كمساوم من المفترض أن يحتم عليه بأن لا ينزلق إلى مثل هذه المسالك الوعرة في دروب الأدلجة العقيمة للمرافق الوطنية. إن عقيدة القوات المسلحة تكمن في إيمانها بالوطن، وان فقدت إيمانها بالوطن لا ينتظر من الأيدلوجيات الدينية الضيقة الأفق أن تستعيضه إياها. ولكن الكاتب الذي زهد في مساومة نظام "محايد" لم يعد موجودا بات عازما الأمر على الخوض بنا في دروب تبني سياسة الأمر الواقع لنظام "ابتزنا" – كما يزعم- في أعز ما نملك كجلابة: العروبة والإسلام، ومن ثم لم يعد أمامه سوى تسويق هذه "البيعة".



    المتسبب يصدق الطيب "سيخة":

    هذا مثل من عندياتنا – حق التعبير محفوظ لحسن موسى- وهو يصلح تماما في سياق مقاربتنا لرأي الكاتب فيما يخص اسلمة القوات المسلحة والذي يستند فيه بالكامل على كتاب خاصة العميد طبيب الطيب إبراهيم محمد خير:

    "إننا نحتاج إلى فتح فكري مناسب بشأن أسلمة القوات المسلحة. ويؤسفني أن تكون آلتي إلى هذا كتاب "الطريق إلى بور" للعميد الطيب إبراهيم محمد خير، وزير الإعلام في نظام البشير. فالرجل مختلف عليه جدا كما لا يخفى. وأحسبه ربما ندم أنه استخدم "السيخ" في الاعتداء على معارضيه خلال دراسته الجامعية، حتى سمي بـ"الطيب سيخة" بينما الرجل يملك هذا البيان الطيب. فلو قرأت الكتاب بغير اشتباه، كمرجع نادر، عن باطن حرب الجنوب انصرف أكثره إلي الرواية لا التحليل، لبدأ لك إن الإسلام ربما كان افضل ما حدث للقوات المسلحة في ملابسات القرار الأزلي العبثي لها بحرب الجنوب..." (69).



    كل هذه الاعتذارية واللجلجة على هذه الانتقائية العجيبة لم تسني الرجل عن تبرير أمر في غاية الخطورة يتعلق بواحدة من أهم المؤسسات السيادية بحجة "موات الوطن أو كساده كفكرة ملهمة" ومن ثم بيع مؤسساته في مزادات الإصحاح السياسي لصالح جهابذة الدولة الدينية. أما الفتح المبين في كتاب العميد والذي "اقنع" الكاتب بأفضلية أسلمة المؤسسة العسكرية هو:

    "... تلمس – أي العميد- أنه في غيبة الفكرة العسكرية الوطنية الملهمة وبؤس رباط الخيل، تحول الضباط والجنود إلي عقائد في السحر السفلي مثل ارتداء الحجاب الواقي من الرصاص، والاستئناس بالتلفزيون البشري الذي يجلب المعلومات كفاحا عن العدو، والكجور (اسم للإمام في عقائد جبال النوبة السودانية) الذي يفسد المطر لا يصب في مسار الحملة.....". (69).



    هذه الانتقائية تذكرك بأمر بعض الجماعات السلفية التي تبني رؤاها على أوهى الأحاديث أو حتى المنحولة منها لتثبيت رؤية مسبقة وتنسخ بها أحكام النص المقدس – وكل هذا مفهوم في سياق البنية الذهنية والمفاهيمية التي تحرك هذه الجماعات- ولكن ما بال الباحث الكبير والسادن العريق في دروب المعارف الوضعية؟ هذا – في تقديري- هو حال من لم يعد يأبه بقارئه أو احترام عقله. فعشرات الكتب ومئات المقالات دبجت من مختصين وباحثين في الشئون العسكرية منهم من ينتمون إلي هذه المؤسسة فندوا على مدى أزمان إشكاليات حرب الجنوب والمشكلات المعنوية والمادية للقوات المسلحة ولم نجد واحدا من بينهم يرى الحل في تدينها أو أدلجتها سوى هذا العميد الاسلاموي الأمين لأيدلوجيته. وهو في هذا متسق تماما مع محددات وعيه ورؤيته ومفهومه لما يجب أن يكون عليه الوطن وبالتالي مؤسساته.

    إن الممارسات العقائدية المتفشية داخل القوات المسلحة كواحدة من حقائق الوجود الاثني الديني لمجتمعات السودان لا تخفى على أنثروبولوجي حصيف في مقام الكاتب لولا الانتقائية والغرض الذين يدفعان به لوجه يرومها. أن الذين يعتقدون في هذه الممارسات من كل ألوان الطيف الديني داخل المؤسسة العسكرية لا يتملكهم شك في نجاعتها ولا يفصلونها من أديانهم، وان كان هذا لا يروق للعميد الاسلاموي فلأن هذه الممارسات لا تتسق وأيدلوجيته ، وهذا مفهوم من رجل يمثل واحدا من أكثر الذهنيات دوغمائية – باعتراف الكاتب نفسه- بلغت به الممارسة على أرض الواقع أقصى تخوم التعصب، فبداهة ما يعكسه من احتقار لهذه الممارسات هو انعكاس وإسقاط عمودي لمبادئه وقيمه الأيدلوجية التي يرى أنها العقيدة المثالية للقوات المسلحة. وليس في هذا جديد، إنما الجديد – وبالطبع غير المفيد- أن يرى فيها الكاتب مسوغا لترويج فكرة بائسة بكل المعايير اسمها أسلمة القوات المسلحة. وحتى لو أخذنا منطق الكاتب نفسه المستمد من مرجعية العميد الاسلاموي سنجد أن مآل فكرة الأسلمة على أرض الواقع انتهى بها المقام إلي "الشعوذة" و"السحر" و"الدجل" وليس ذلك بخاف على أحد إلا الكاتب الذي يبدو أنه مهموما بتثبيت ما كان قد نعاه على الآخر الجنوبي بموقفه من "مطلق الجلابي" بأنه جلابي مرة والى الأبد. وها هو ينكص على عقبيه ليؤكد لنا وللآخر "الجنوبي" بأن الجلابي جلابي مع سبق الإصرار:

    "...وكمسلم، فإنني اعتقد أن جيشا محصنا بالإسلام لهو أفضل عندي من جيش يتعاطى السحر ويركن إليه، فإذا كان البديل لجيش محاصر مجهول هو السحر فاسلامه أوقع وأشفى".(70).



    قلت اكثر من مرة أن الكاتب لا يذهب برؤاه إلى نهايتها المنطقية لذلك لا نجده يتوقف كثيرا أو قليلا عند ظاهرة "السحر" والشعوذة" التي آل إليها (الإسلام) في ظل أدلجة القوات المسلحة: فالسحب التي تتدلى لمستوى منخفض لتظلل "المجاهدين" والنحل الذي يقوم بمهمة الجاسوس منذرا بهجوم وشيك، والقرود التي تتقدم الصفوف لتقوم بمهمة تفجير الألغام، ورائحة المسك التي تعطر أجواء القتال حين مقتل أحد المجاهدين، أو ذلك النبع الذي يتفجر من ثقب الرصاصة في جسد الشهيد بدلا عن الدم!!...الخ من الحكايات الراسخة والمتداولة رسميا عبر برامج ساحات الفداء أو الدفاع الشعبي كلها لا تفت من عضد ميزة الأسلمة عند الكاتب لأن الأفضلية هنا مفهوم جلابي يرتقي ويثمن من الدين الإسلامي بين بقية الأديان لأنه شارة هوية عزيزة عليه كما تفضل الكاتب لا فض فوه. إذن ماذا تبقى بعد ذلك من المصالحة أو المبادرة الوطنية؟؟ أو بالأحرى أين هي في زحمة هذا الاستقطاب الذي يخوض فيه الكاتب حتى الركب؟ وحق التعبير محفوظ للكاتب.



    مالآت المبادرة الوطنية: أوب ولع .. أوب طفئ:

    (أوب ولع .. أوب طفئ) من المسرحيات الأخيرة للكاتب، لم اسعد بمشاهدتها إبان وجودي بالسودان في منتصف 2006م، ولكن كثيرا ما شدني عنوانها لما يحمله من ذكريات لصيقة بمرحلة الصبا لنا معشر الإقليميين الذين كان يشكل شح التيار الكهربائي الدائم وتأرجحاته التي تنعكس على أمزجتنا ملمحا بارزا لواقعنا الحياتي الموسوم بالمفاجآت غير السعيدة. والعنوان كما افهمه من دلالاته يرمز إلى خيبة الأمل المخيمة على المشهد الحياتي السوداني مجسدا في واقعه السياسي الذي سرعان ما تموت فيه أي بارقة أمل لتحل محلها الخيبة والإحباط. هذا عين ما نلمسه حين نجيل النظر بحثا عن المبادرة الوطنية التي جند لها الكاتب نفسه والتي لم ينبنا منها في نهاية الكتاب سوى هذا العنوان الشاعري الفخيم ( الإرهاق الخلاّق) ومقدمة واعدة يحسن من خلالها الكاتب وصف واقع الحال الذي أفضى إلى عصر انتهاء السياسة. وهذا عين الأمل الخادع الذي يرسله انبثاق النور فجأة (أمك ولع)، ليلفنا ظلام شامل (أمك طفئ) منذ السطر الأول للمقال الذي حاول من خلاله اختراع حيادية النظام العسكري الحاكم لتنوبنا بذلك مساومة موهومة لا تقف على أرجل بقدر ما أنها تقف معلقة في سماء الأماني. لا يحكها منطق أو موضوعية، يسكننا ظلام تهاويمها وقلبها لحقائق الواقع بشكل مريع لتعود إلينا بعد 7 سنوات في خطاب آخر أكثر شحوبا والتفافية وفي شكل أكثر غموضا والتباسا يقبل كل التفسيرات السالبة. خطاب لا علاقة له بالوسطية أو هموم سواد الناس كما ظن الكاتب. والطريف في الأمر هو أن الكاتب في خضم حمى الاستقطاب الأيديولوجي التي خاضها باسم الجبهة نسى و زهد تماما في مبادرته، واصبح في شاغل عنها بتنويرنا ونصحنا كـ"جلابة" بما يجب علينا عمله في توقي شرور أنفسنا.!! والحقيقة يعجب المرء من هذا التناقض الذي يلف أطروحة الكاتب: فكيف لنا كجلابة أن نتوقى شرور أنفسنا في حين أن كل ما قام برسمه من تصورات لا تعمل إلا على تنشيط وتكريس هذه الشرور الجلابية بموالاتها لاسواء نسخة يمكن أن تنتجها قماشة الوعي الجلابي؟. وفي الختام كإجراء روتيني تقتضيه تقاليد التأليف عاد ليتذكر المبادرة ليختم بها كتابه. لتكون ما اصطلح عليه بـ"لمة البوش" ليتدارك من خلالها الجلابة محنتهم الوجودية:

    ".. فلربما اهتدوا إلى خطة لصون البلد من الشتات، وأحسنوا إلى مساكنيهم في الوطن، وحقنت الدماء....". (73).



    أما اصل وفصل "لمة البوش" هذي فهي "الجودية" على نسق ما كان يقوم به الشنقيطي:

    "وكل بوش جلابي يسبقه "شنقيطي" والإشارة إلى المرحوم محمد صالح الشنقيطي، القاضي والسياسي البارز على أوائل عهد الحكم الوطني الذي صار رمزا لمؤسسة "الأجاويد"...". (74-75).



    هكذا نقنع مما أسماه الكاتب "نحو استراتيجية شاملة للوفاق الوطني في السودان..) (9). بـ"جودية" لا يعرف أحد -حتى الكاتب نفسه- كيف تكون وما هي تفاصيلها، لذلك لا غرابة أن يمطرنا بلغة أشبه بخطبة جمعة كلاسيكية تنتهي عادة بدعوات وأمنيات طيبة:

    "وأعلم أن كثيرين من أمثالي رغبوا وسعوا ، وما زالوا، في اعمار هذا البوش، فالله نسأل السداد بأن ينشق هذا البوش عن أرض السياسة اليباب ويكون في مقام الأفراح الجلابية المباغتة، النشطة، الرصينة التي برع في معمارها وألقها الروائي المرموق الطيب صالح، تلك الأفراح التي يزين بها ليالي القي والخلاء في رواياته، والتي يفد إلى سواحلها الرجال والنساء كل بما من عليه الوهاب من فضائل الإيثار والجمال....". (76).



    وفي "قفلة" درامية تليق بمسرحي كبير في مقام الكاتب يرشح أخاه كشنقيطي لهذا الزمان ليريح الكاتب والقراء من عناء البحث عن مبادرة لم تكن في أي لحظة من لحظات الكتاب موجودة:

    "ولترتيب هذا البوش رأيت أن أرشح شنقيطيا هو أخي وصديقي الأستاذ زين العابدين علي إبراهيم. ولا أرشحه لأنه أفضلنا كلنا وانما أفعل ذلك لأن "بوشي" خلا من التفاصيل ومعرفتي القديمة الجديدة بالزين إنه ماهر في مثل ملأ الإطار العام بالمفردات البليغة.....". (76).



    تلكم هي حكاية "الإرهاق الخلاّق"، فهل ما جاء فيه يمت للخَلق بأي صلة، أم أنه إرهاق الإرهاق – كما أعتقد؟

    هذا ما سوف أتناوله في المقالة الأخيرة مركزا على مفهوم المصانعة أو ضد البطل على حد تعبير حسن موسى واشكالات تبنيه من قبل المثقف في ظل واقع لا يحتاج لأكثر من "خائن" Anti hero .!

    عبد الخالق السر

    هوامش:

    * الإرهاق الخلاّق (دار عزة للنشر والتوزيع – الخرطوم، طبعة 2001م).


    from Sudanile April 16th, 2008
                  

العنوان الكاتب Date
عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:04 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:09 PM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:10 PM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:11 PM
        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:13 PM
          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:14 PM
            Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:15 PM
              Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-01-08, 11:16 PM
                Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 01:16 AM
                  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 01:21 AM
                    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 01:24 AM
                Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ abubakr salih03-02-08, 01:23 AM
                  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-03-08, 11:47 PM
                  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-16-08, 05:45 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 01:28 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 01:34 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:29 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:31 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:32 AM
        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:33 AM
          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:34 AM
            Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:36 AM
              Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:37 AM
                Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:39 AM
                  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:40 AM
                    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 02:42 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 05:32 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 06:37 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-02-08, 04:55 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-03-08, 05:36 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ أبوبكر حسن خليفة حسن03-03-08, 08:26 PM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-03-08, 08:36 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-05-08, 11:57 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ Omer Abdalla03-06-08, 06:20 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-06-08, 03:04 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-06-08, 05:26 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-08-08, 09:17 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-08-08, 09:37 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-08-08, 09:44 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-08-08, 11:58 PM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:00 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:07 AM
        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:08 AM
          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:09 AM
            Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:11 AM
              Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:12 AM
                Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:14 AM
                  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:15 AM
                    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:17 AM
                      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:19 AM
                        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-09-08, 00:22 AM
                          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-16-08, 05:33 PM
                          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان03-22-08, 12:06 PM
  اتابع mohmmed said ahmed03-17-08, 05:02 AM
    Re: اتابع عبدالله عثمان03-22-08, 12:10 PM
      Re: اتابع Emad Abdulla04-11-08, 10:50 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-11-08, 11:50 PM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-21-08, 02:02 PM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-21-08, 02:06 PM
        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-21-08, 03:31 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-11-08, 11:52 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-16-08, 09:07 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 05:40 PM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 05:41 PM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 05:42 PM
        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 05:44 PM
          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 05:46 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ بهاء بكري04-17-08, 06:06 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 07:38 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-17-08, 08:01 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-20-08, 00:18 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-20-08, 04:17 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان04-30-08, 05:36 PM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ Rayah05-01-08, 07:34 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-03-08, 03:16 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-04-08, 01:07 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-13-08, 04:48 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-13-08, 05:17 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-13-08, 05:17 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-13-08, 05:17 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mutwakil toum05-14-08, 04:13 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ بهاء بكري05-17-08, 11:23 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-17-08, 06:40 PM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ طلعت الطيب05-17-08, 08:05 PM
        Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ طلعت الطيب05-17-08, 08:16 PM
          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ طلعت الطيب05-17-08, 09:06 PM
          Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-17-08, 11:42 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-18-08, 05:10 AM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-18-08, 10:34 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-18-08, 11:24 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-19-08, 00:02 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-19-08, 05:45 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-19-08, 05:45 AM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-19-08, 05:45 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-19-08, 06:02 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-19-08, 06:02 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ mohmmed said ahmed05-19-08, 06:02 AM
      Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-19-08, 06:50 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-24-08, 02:00 PM
  Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-24-08, 08:08 PM
    Re: عبدالله على إبراهيم: أهى فتنة؟؟ عبدالله عثمان05-25-08, 07:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de