مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 12:20 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-07-2010, 09:37 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا (Re: الكيك)

    قراءة في أزمة وطن مزمنة ..السودان....إلى أين المصير ؟ ..
    بقلم: د. منصور خالد
    الثلاثاء, 05 يناير 2010 09:19
    الخطيئة الأولى





    في السابع والعشرين من أكتوبر 2008 كُلفت، من بين آخرين، بالإسهام بورقة عن الاستفتاء حول تقرير مصير شعب جنوب السودان، الذي نصت عليه اتفاقية السلام الشامل (وقعت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان مع حكومة السودان في التاسع من يناير 2005).

    وكانت المحاضرة هي الثانية في برنامج المحاضرات الحولية التي ينظمها ويرعاها مكتب رئيس حكومة جنوب السودان حول القضايا العامة التي يهتم بها، بوجه خاص، أهل الجنوب، ويُدعى للمشاركة فيها الوزراء والبرلمانيون وكبار الموظفين إلى جانب الدبلوماسيين المقيمين بجوبا وأجهزة الإعلام. موضوع المحاضرة كان هو ممارسة حق تقرير المصير حسب السوابق التاريخية، والتجارب المعاصرة للأمم. أما الموضوع المحدد الذي طُلب مني تناوله فهو «الاستفتاء: الخيارات المطروحة، التجارب الدولية، والتحديات المتوقعة». لاستيفاء الموضوع حقه من البحث، وإلقاء إضاءات كاشفة على الجوانب الخافية أو المسكوت عنها، تناولت في المحاضرة موضوعات ثلاثة: الأول ممارسة حق تقرير المصير عبر الاستفتاء في تجارب الأمم. الثاني: جذور الدعوة لتقرير المصير في السياسة السودانية. والثالث: ممارسة ذلك الحق في إطار اتفاقية السلام الشامل (2005) والتداعيات المرتقبة لنتائجه، أياً كان خيار شعب الجنوب.

    -----

    منذ ذلك التاريخ انساب ماء غزير تحت الجسر، مما اقتضى بضع إضافات للنص حتى يصبح أكثر راهنية. كما أصبح موضوع الاستفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان طبقاً رئيساً في موائد التحليل عبر الصحافة ومن فوق المنابر. وبما أن التحليل، بما في ذلك تحليل الدم، صناعة مفهومية تهدف إلى إرجاع الشيء إلى عناصره الأولية للكشف عن خباياه، يصبح من الضروري البحث والتقصي في المصادر الأولية للبحث ثم التفطن فيها قبل الاندفاع إلى إصدار الأحكام. راعينا فيما كتب مؤخراً حول استفتاء جنوب السودان، خاصة في الصحف السودانية، حجم الافتراضات التي لا ترتكز على قدم وساق، والأحكام التي لا يتبعها دليل يُركَن عليه، بل التلبيس في استعراض الوقائع من جانب كتبة ومخبرين لا يحترمون عقول قرائهم، ولا يملكون الحد الأدنى من الرحمة بهم.

    لهذا استصوبنا أن نُجلي في هذه المقالات بعض الحقائق التي تعين القارئ على بناء حكمه في هذه القضية المصيرية: قضية استفتاء جنوب السودان حول خياري الوحدة أو الانفصال، على الحقائق المجردة بدلاً من الحدس والتخمين، أو إلقاء الكلام على عواهنه. فمن الخير للناس، كما قال الفيلسوف الألماني غوته «أن يفهموا القليل من أن يسيئوا فهم الكثير».

    على جانب آخر، نشرنا في عام 2005 عقب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل سلسلة مقالات في جريدة «الرأي العام السودانية»: اتفاقيات السلام.. البدايات والمآلات لم نذهب فيها للتفاؤل المطلق، رغم أن عوامل التفاؤل كانت كثيرة. كما لم نتعجل الحكم، فرب عجلة تَهبُ ريثا.

    وفي مطلع 2007، أي بعد عامين من التجربة، تابعنا تلك المقالات بأخريات في نفس الصحيفة تحت عنوان: عامان من السلام.. حسابات الربح والخسارة. أشاءنا إلى كتابة تلك المقالات الرغبة في تقويم تطبيق الاتفاقية تقويماً نُبين فيه الإنجاز والإخفاق، وننبه إلى المآلات السيئة التي سيقود إليها ذلك الإخفاق في التنفيذ.

    نشرنا أيضاً في عام 2009 سلسلة من المقالات في جريدة «الأخبار» السودانية تناولنا فيها التغيير السياسي الذي أحدثته الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية في السودان، إن كان هناك ثمة تغيير، وبين ذلك الذي نجم عن اتفاقية السلام الشامل.

    في كل تلك المقالات لم نكن نجتلي الأحداث في أعماق كرة بلورية، بل نتابع فصلاً اتفاقية السلام التي ما تركت موضوعاً أقرته إلا وألحقته بجداول للتنفيذ حَدَدت فيها مواقيته، ومصادر تمويله، واسم الجهة المنفذة، ربما بدرجة تبعث على الضجر والملالة.

    لا شك في أن كثيرين قرأوا تلك المقالات، ولا شك ايضاً أن كثراً آخرين صرفهم عن القراءة طول المقالات، أو ألهاهم عنها أنهم لا يحبون القراءة أصلاً. مع ذلك، فإن قسماً غير صغير من أولئك هم من الكتبة الراتبين الذين يصدرون الأحكام على كل شيء، بدءًا من اتفاقية السلام السودانية وانتهاءً بثقب الأوزون والتغيير المناخي، ولله في خلقه شؤون.

    فمن خَلقِه حَدْسية يوقنون في داخل أنفسهم أن الطريق إلى المعرفة هو الحَدْس. لهذا، إن عدنا إلى التنبيه أو الإشارة لتلك المقالات فلا نفعل أكثر من ترداد ما قلناه أمس بمنعرج اللوى، وفي ذلك .

    ما تُرانا نقول إلا قديماً

    أو مُعاداً من قولنا مكرورا

    مكعبات الدومينو

    وفي اللحظة التي قاربنا فيها النهاية من تسطير هذه المقالات وقعت أحداث السابع من ديسمبر التي كان لها دوي وجلجلة. تلك الأحداث زادت من يقيننا بصحة تحليلاتنا للمفارقات الكبرى بين ما قالت به اتفاقية السلام ونص عليه الدستور وبين الممارسات العملية في الحكم والسياسة التي لا تؤدي إلا لنتيجة واحدة: تمزيق السودان وتكريس الحكم فيه، لا بيد حزب واحد، بل في يد أوليغاركية لا تعنيها في كثير أو قليل النهايات المأساوية التي قد تقود لها تلك الممارسات.

    بجانب ذلك، أدخل في قلوبنا الروع والإسراف في التلويح باستخدام القوة لقهر الآخر، خاصة إن كان ذلك التلويح موجهاً لمواطن يسعى للتعبير عن مطامحه وأشواقه السياسية، لا نحو جماعة خارجة أو خارجية تعمل على بث الفتنة بين الناس. مبعث الروع هو إيحاء المُرِوعين أن لا غضاضة عليهم، في سبيل البقاء في الحكم، أن يطحنوا النساء ويسحقوا الرجال دون وعي منهم أنه عندما يموت الإنسان، حسياً أو معنوياً، يموت المكان.

    فما هي مصلحة أي حاكم وطني في ان ينتهي وطنه إلى حالة تتيتم فيها المباني، وتتجعد الأرواح، ويقيظ البشر فيها في حَرور دائم. إن السلطة العامة التي لا تسعى لتحقيق مصلحة الكافة بما يرضيهم، تصبح تسلطاً عاما. وفي قول عمر رضي الله عنه: «ولانا الله على الأمة لنسد لهم جوعتهم ونوفر لهم حاجتهم فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم». إغفال هذه القيم المعيارية للحكم التي أرساها الإسلام لا يكفر عنه التذلل اللفظي أو الرمزي لله لأن مثل ذلك التذلل يستر واقعاً متصدعاً داخل النفوس.

    على أي، الدافع الأهم لكتابة هذه المقالات هو أن السودان يمر اليوم بمرحلة خطيرة من تاريخه لا نغالي إن أسميناها مرحلة انهيار مكعبات الدومينو، فالدومينو لا يتماسك إلا بتساند مكعباته على بعضها البعض. هذا الانهيار إن وقع لن يكون بسبب كارثة طبيعية، وإنما بصنع بشر، «قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم». هذا الانهيار، إن جاء، فسيجييء في ظرف أخذ فيه السودان يترقب، كما أخذ اصحابه الكثر عبر العالم، يتمنون له، بعد اتفاقية السلام، نهاراً مشرقاً بعد طول ظلام.

    لقد ظلت قضية السودان: وحدته واستقراره والترقي بأهله هي همنا الأول في منابر الرأي وساحات السياسة، دون أن يلهنا ذلك عن هموم أخرى. فإلى جانب السياسة يقوى عزمنا ويشتد على الانصراف إلى ما يُثري الوجدان، أو يؤنس النفس، أو يُغذي الفكر، أو يُوفر للمرء رزقاً حلالاً. السياسة هي مهنة من لا مهنة له، وزينة من لم يحابه الله بزينة أخرى يتحفل بها.

    لهذا، لن يُروِّعنا عن قول الحق علوا او رفعة في موقع عام، لأن أعلى موقع نَعض عليه بالنواجذ هو احترام النفس فوق الزمان والمكان، ولا يكون ذلك إلا بالتصالح مع النفس والصدق معها. وعلنا نستعيد ما سطرناه من قبل (الرأي العام 7 أبريل 2009) بأنه «لو كان صواب الناس أو خطؤهم على قدر الرغبة أو الرهبة فليس لنا ما نرغب فيه أو نرهبه، فحمداً لله أن أمانينا لم تنكمش في اماني بعض اهل السياسة الذين لا حياة لهم وراءها».

    لكل ذلك، سنحرص في هذه المقالات على الوضوح في التحليل لمواقف طرفي الاتفاقية، ونحن طرف منها، حتى لا نقع في ظِنة المداراة. وكما قلنا في مقالٍ غَيرْ إن المنطقة المحررة الوحيدة التي نملك السيطرة عليها هي العقل، لهذا ما برحنا نقول مع شيخ المعرة

    يرتجى الناسُ أن يقوَم أمامٌ

    صائحٌ في الكتائب الخرساء

    كَذِّبِ الظَنَ لا إمامَ سوى العقل

    مشيراً في صُبحِه والمساء

    بهذه الروح نقتحم أحراش السياسة السودانية.

    دون الإلمام بالظروف التي نشأت فيها، ثم تطورت، فكرة ممارسة شعب جنوب السودان لحق تقرير المصير قد يَعسُر على المرء إدراك العوامل التي قادت للنص على ممارسة ذلك الحق في اتفاقية السلام الشامل، ودستور السودان الانتقالي لعام 2005م على الوجه الذي جاء في الوثيقتين. لهذا، ندعو القارئ لصحبتنا في رحلة غير قصيرة عبر تاريخ السياسة السودانية منذ إعلان استقلال السودان، ذلك التاريخ الذي ظل يتلوى على غير وِجهة.

    رغم تلويه، لا ننظر للماضي بغضب. فالمراقب الموضوعي للأحداث لا يتعبد في الماضي ولا يحقد على التاريخ بل يراجعهما مراجعة تستعرض حساب الربح والخسارة ثم يتمعن ملياً في الحاضر ويستقرئ النذر التي تلوح في الأفق.

    التاريخ الذي نستذكر لا يجهله الكثيرون إلا أن التذكير به ضروري لأسباب عدة. من الأسباب أن كثيراً منا لا يستعيد ذلك التاريخ من حافظته الا بِولَهٍ نوستالجي، رغم أن إدمان النوستالجيا في قراءة التاريخ قد يُغري الناس بما فيه هلاكهم، لا سيما والتاريخ لا يخضع أبداً لرغائب البشر. منها أيضاً أن عدداً ليس بالقليل يقرأ التاريخ قراءة مختزلة أو اصطفائية تشوه الأحداث.

    التاريخ هو جملة الأحداث والأحوال التي يمر بها الكائن الطبيعي أو المعنوي، ولهذا لن تتأتى دراسة تلك الأحداث دون تثبت من وقائعها ومقاربة ومضاهاة بين الحدث والآخر. يقول ابن خلدون في المقدمة إن دراسة التاريخ تقتضي «حُسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المزلات والمغالط لأن الأخبار إذا اعتُمد فيها على مجرد النقل، ولم تُحَكَّم فيها اصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن من العثور ومَزَلة القدَم والحَيد عن جادة الصدق».

    الأحداث والأحوال هي لُحمة التاريخ وسداه، وليست هناك لحمة بدون سدى. هي أيضاً مُدرَكاتٌ تترابطُ وتقترنُ مع بعضها البعض، لهذا فإن تَبعيضَها، أي تجزئتها، لا يُعين على الفهم السديد لحقائق التاريخ. إضافة إلى ذلك فإن التبعيض يحول دون إدراك التفاعل الجدلي بين الأحداث والظواهر إذ كثيراً ما ينشأ سوء الفهم للأمور من عدم القدرة على الربط بين الأحداث، أو تجاهل الوُصلة بين العلة والمعلول، وهذا ما يسميه ابن خلدون «تطبيق الأحوال على الوقائع».

    لأغراض دراستنا هذه نتناول، قبل أن نجيء على اتفاقية السلام الشامل، مرحلتين من مراحل تاريخ السودان: الأولى هي الفترة التي بدأت عشية الاستقلال وحتى نهاية حكم الرئيس نميري، أي بداية ثمانينات القرن الماضي؛ والثانية هي تلك التي امتدت من سقوط ذلك الحكم إلى توقيع اتفاقية السلام الشامل.



    الفيدرالية وحق تقرير المصير

    في عشية الاستقلال أعلن جنوب السودان بلغة لا مواربة فيها، عبر ممثليه في البرلمان، استعداده ورغبته في إقرار وحدة السودان شريطة أخذ تطلعات الجنوبيين في الاعتبار. عبر عنهم بنجامين لوكي عضو البرلمان عن دائرة «ياي» في جنوب الاستوائية عندما طالب في 12 ديسمبر 1955 بتكوين مؤتمر من كل الأحزاب للاتفاق على «أن يتضمن إعلان الاستقلال بياناً يُعلَنُ فيه عن قيام دولة فيدرالية تضم الجنوب والشمال في إطار سودان موحد».

    ذلك الاقتراح رفضته أحزاب الحكومة والمعارضة على السواء، ولكن رغبة منها في إعلان الاستقلال في البرلمان في أول يناير 1956م، وافقت تلك الأحزاب على إضافة فقرة في إعلان الاستقلال تتعهد فيها بأن مطلب الجنوب بالحكم الفيدرالي «سيؤخذ بعين الاعتبار» في دستور السودان الجديد عند صياغته. ولئن كان رفض الأحزاب الشمالية لمطلب الجنوب بالفيدرالية أمراً يفتقد أي مبرر معقول، فإن قبول نواب الجنوب لذلك الوعد الغامض موقف يُحسب لهم إذ أن الذي دفعهم إليه هو الحرص على إعلان الاستقلال في اليوم المعين. ?

    ماذا كان مصير ذلك الوعد الغامض؟ ما أن ناقشت الاقتراح اللجنةُ التي توفرت على صياغة الدستور حتى رفضته باستهانة بالغة. أعلنت اللجنة أنها، بعد إعطاء الاقتراح ما يستحق من عناية، «وجدت أن أضرار الفيدرالية تفوق مزاياها». ولا شك لدينا في أن الميزان الذي رَجَح مضار الفيدرالية على مزاياها ميزان باخس، إذ لم يولِ اي اعتبار لمخاوف وقلق الذين طالبوا بالفيدرالية ابتداءً.

    الرد على ذلك التقدير الذي اجتزف على غير روية جاء على لسان واحد من الأعضاء الجنوبيين الثلاثة في لجنة الدستور (ساتيرنينو أوهورو نائب توريت). قال النائب لزملائه في اللجنة: إن «الجنوب لا يُضمر أية نوايا سيئة للشمال.

    وأنه، بكل بساطة، لا يرغب في شيء غير تصريف أموره المحلية في إطار سودان موحد». أضاف النائب أن «الجنوب لا يريد الانفصال عن الشمال، وإن كان ذلك هو مبتغاه فلن تستطيع أية قوة في الأرض الحيلولة دون ذلك». ثم مضى ساتيرنينو للقول: «إن الجنوب يطالب بالارتباط فيدراليا بالشمال، باعتبار أن ذلك حق أصيل يملكه بموجب مبادئ حق تقرير المصير».

    تلك كانت هي المرة الثانية التي يتحدث فيها سياسي جنوبي بارز عن حق تقرير المصير في خطاب سياسي عام. المرة الأولى كانت في رسالة بعث بها بنجامين لوكي بوصفه رئيساً للمؤتمر الجنوبي في 16 نوفمبر 1954م، أي قبل ما يزيد قليلاً على العام من إعلان الاستقلال، إلى الحاكم العام البريطاني ووزيري الخارجية المصري والبريطاني. قال لوكي في تلك الرسالة: «إذ تعذرت الفيدرالية فلا مناص من أن ينفصل الجنوب عن الشمال بالطريقة التي انفصلت بها باكستان عن الهند» (كتاب الشرق الأوسط في ثورة بقلم السفير البريطاني في القاهرة، السير همفري تريفيليان).



    حكمة عبد الحمن المهدي

    ذلك الحديث المنذر، وتلك الرسالة المتوعدة، لم تتوقف النخبة السياسية في الخرطوم عند رفض المطلب الجنوبي البسيط: الفيدرالية، وإنما ذهبت في جرأة بالغة إلى التضييق على السياسيين الجنوبيين الذين يدعون للفيدرالية. مثال ذلك تقديم عضو مجلس الشيوخ، ستانسلاوس بياساما للمحاكمة بعد إعفائه من الوزارة وتجريده من الحصانة البرلمانية.

    ومما يدعو للأسى أن ستانسلاوس هذا كان من أكثر الساسة الجنوبيين حرصاً على وحدة السودان على أساس الحكم الفيدرالي، بل كان من أكثرهم إلماماً بثقافته. ولد ستانسلاوس في دارفور وحفظ القرآن عن واحد من شيوخها ثم ارتحل إلى بحر الغزال حيث تنصر على يد قس قبطي يدعى بطرس غالي، ولا نحسب أن للرجل صلة ببطرس غالي باشا. ومع تنصره ظل ستانسلاوس يستشهد في الكثير من مداخلاته البرلمانية بالقرآن الكريم. واظب ستانس (كما كان يسميه أصدقاؤه تصغيراً أو ترخيماً لا أدري) على الدعوة للفيدرالية منذ ابريل 1955 عندما أعلن عن قيام حزبه: حزب الأحرار.

    ولتأكيد حرصه على الوحدة، يروي ستانسلاوس في مذكراته التي نشرت في عام 1990 قصة لجوئه إلى الإمام عبد الرحمن المهدي، أحد الراعين للحكومة القومية، ليستنجد به. استدعى الإمام ثلاثة من أهل الحل والعقد في تلك الحكومة للحوار مع السياسي الجنوبي: الصديق المهدي رئيس حزب الأمة، وإسماعيل الأزهري رئيس الحكومة القومية، وعبد الله خليل الأمين العام لحزب الأمة ووزير الدفاع في تلك الحكومة وقال لثلاثتهم، حسب رواية ستانسلاوس: «لقد عجز الأتراك عن هزيمة الجنوبيين، ولم يستطع والدي المهدي السيطرة عليهم.

    كما لم يتمكن الإنجليز من دحرهم إلا بصعوبة. هؤلاء الجنوبيون، كما أبلغني بياساما، يريدون أن يحكموا بلدهم بالطريقة التي تُطمئنهم في إطار السودان الموحد. اذهبوا وأعطوهم ما يريدون».

    هذا ما لم يحدث. ومن ذلك التاريخ، أخذت حكومة الخرطوم «القومية» تعامل كل جنوبي يدعو للفيدرالية وكأنه شوكة في الخاصرة. قُدم ستانسلاوس للمحاكمة بتهمة الدعوة للفيدرالية وكأن تلك الدعوة قد أصبحت جريمة. أما ساتيرنينو فلم يتعرض لمحاكمة وإنما ترك أمر محاكمته وعقوبته للأجهزة الأمنية التي اغتالته في الحدود اليوغندية.

    في ذات الوقت، اندفع بعض السياسيين، كما اندفع ذوو التأثير على الرأي العام في صحف الخرطوم، إلى حملة عنيفة ضد الفيدرالية تشي بغير قليل من سوء الفهم لها أو، على الأقل، وهم مريب حولها.

    فمن بعض دعاواهم، مثلاً، أن الفيدرالية «استراتيجية استعمارية» تهدف إلى تقطيع أوصال السودان جاء بها المستر لوس، مستشار الحاكم العام. ومن المدهش أن الحزب الشيوعي السوداني (الجبهة المعادية للاستعمار) الذي كان الأكثر تقدماً من بين الأحزاب البرلمانية المعارضة في نظرته للمشكل الجنوبي ودعوته لحكم ذاتي للجنوب انضم إلى معارضي الفيدرالية، ربما لظنه أنها فكرة أراد بها الاستعمار زرع جيب له في جنوب البلاد.

    فشل هذه الطبقة السياسية، ومن والاها من المعلقين الصحافيين، في ان تعي أن الفيدرالية لم تكن، عبر الانقسام الايديولوجى في العالم، عائقا لوحدة الدول الاتحادية، وإنما كانت اللحُمة التي حافظت على تماسك تلك الدول، أمر يدعو للأسف. يخيل لنا أن ذلك الجيل من رجالات السياسة والصحافة كان يتظنى أن السودان نسيج وحده، لا يسري عليه ما يسرى على الدول الأخرى، أو بلسان سوداني فصيح هو «فريد عصره ما مثله شيء».



    لينين: حق تقرير المصير مثل حق الطلاق

    نعم، الفيدرالية عبر العالم هي التي أدامت وحدة الولايات المتحدة، كندا، البرازيل، الهند، المانيا الغربية آنذاك، ونظريا الاتحاد السوفيتي. ودعنا نقف عند حالة الاتحاد السوفييتي لأنها كانت حالة فريدة. فعند وضع دستور 1924 أصر لينين على منح حق تقرير المصير، بما في ذلك حق الانفصال، لكل دول الاتحاد.

    قال لينين للذين عارضوا اقتراحه في لجنة صياغة الدستور: «الامتناع عن دعم حق تقرير المصير لشعوب الإتحاد، حتى وإن أفضى إلى الانفصال، ينم عن سذاجة ونفاق، تماماً كنفاق الذين يعارضون حق المرأة في الطلاق لأنه يؤدي إلى تدمير الأسرة». ممارسة ذلك الحق، رغم موقف لينين الحاسم، ظلت أمراً نظرياً بعد رحيله، وإن بقي النص في الدستور.

    وكان لخليفة لينين (جوزيف ستالين) أسلوب آخر في التعامل مع الحقوق الدستورية للأفراد، ناهيك عن حقوق الأقوام والجماعات. فمع إبقاء ستالين على ذلك النص في دستور 1936م (والذي يطلق عليه المؤرخون اسم دستور ستالين) أمعن السياسي الجورجي الأصل في روسنة، لا جرجنة، كل ولايات الاتحاد بهدف القضاء على خصوصياتها الثقافية.

    أما مع الافراد فلم يطق حتى الخلاف مع رفاقه إذ أعدم ثلاثة ممن شاركوا في وضع ذلك الدستور: نيكولاي بوخارين، كارل راديك، ياكوف ياكوفليف. وكان لواحد منهم (بوخارين) الفضل الأكبر في وضع دستور 1936م. ورغم كل التقلبات التي طرأت على الاتحاد أبقى برزنيف في دستور 1977، (الذي يعرف بدستور برزنيف) على النص الذي يمنح دول الاتحاد حق الانفصال (المادة 72). ومن طرائف الأمور ان ذلك النص لم يُفَعَّل إلا عند انهيار الاتحاد السوفييتي.

    إذن، من البرازيل جنوباً وأستراليا في الجنوب الشرقي إلى ألمانيا الغربية شمالاً مروراً بالهند، ومن كندا والولايات المتحدة غرباً إلى الاتحاد السوفيتي شرقاً، لم تكن الفيدرالية، عملياً أو نظرياً، أداة لتمزيق الشعوب بل وسيلة للحفاظ على وحدتها في ظل احترام التنوع.

    ومما تجدر الإشارة إليه أن جواهر لال نهرو اعتمد عند وضع دستور الهند، من بين ما اعتمد عليه من مراجع، على الدستور السوفيتي لإنشاء النظام الاتحادي في الحكم، وعلى الدستور الأميركي فيما يتعلق بسيادة حكم القانون (وثيقة الحقوق التي ضُمنت في التعديلات الدستورية) والمحكمة العليا.

    فأية تجربة تلك، إذن، التي استهدى بها من ذهبوا للزعم بأن مضار الفيدرالية تفوق مزاياها، خاصة في بلد هو أكبر مستودع للتنوع الاثني والثقافي والديني في أفريقيا؟ لهذا حق لنا القول ان قرار رفض الحكم الفيدرالي للجنوب، لم يكن قراراً سياسياً خاطئاً فحسب، بل كان هو الخطيئة الأولى (ُْيهيَفٌ َّيَ) في السياسة السودانية.

    جميع المحاولات التي تلت لحل ما عُرف بمشكلة الجنوب لم تكن أكثر من مسرحية سخيفة مكرورة من بعد أن أوهم ساسة الشمال أنفسهم أنهم بمفردهم القادرون على تقرير مصير البلاد بأسرها، أو شُبِّه لهم أن الفيدرالية هي معول لهدم وحدة الأوطان، رغم كل التجارب التي تثبت العكس، ورغم جرس الإنذار الذي أطلقه اثنان من ساسة الجنوب الذين انحازوا للطبقة الحاكمة منذ فترة الحكم الذاتي الانتقالي: داك ديي وبولين ألير، وكان كلاهما عضوين في الحزب الوطني الاتحادي ووزيرين في حكومته، بالاستقالة من الحزب والوزارة.

    ومن الطبيعي ان تتوالى إخفاقات الذين لا يدركون أن لخطيئتهم الاولى وُصلة بالتردي المتصاعد في حال البلاد، وبخاصة في علاقات الشمال بالجنوب.



    قراءة في أزمة وطن مزمنة..قضية- السودان....إلى أين المصير ؟

    السودان .. من عودة الوعي إلى الخديعة (2)

    في السابع والعشرين من أكتوبر 2008 كُلفت، من بين آخرين، بالإسهام بورقة عن الاستفتاء حول تقرير مصير شعب جنوب السودان، الذي نصت عليه اتفاقية السلام الشامل (وقعت عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان مع حكومة السودان في التاسع من يناير 2005). وكانت المحاضرة هي الثانية في برنامج المحاضرات الحولية التي ينظمها ويرعاها مكتب رئيس حكومة جنوب السودان حول القضايا العامة التي يهتم بها، بوجه خاص، أهل الجنوب، ويُدعى للمشاركة فيها الوزراء والبرلمانيون وكبار الموظفين إلى جانب الدبلوماسيين المقيمين بجوبا وأجهزة الإعلام. موضوع المحاضرة كان هو ممارسة حق تقرير المصير حسب السوابق التاريخية، والتجارب المعاصرة للأمم. أما الموضوع المحدد الذي طُلب مني تناوله فهو »الاستفتاء: الخيارات المطروحة، التجارب الدولية، والتحديات المتوقعة«. لاستيفاء الموضوع حقه من البحث، وإلقاء إضاءات كاشفة على الجوانب الخافية أو المسكوت عنها، تناولت في المحاضرة موضوعات ثلاثة: الأول ممارسة حق تقرير المصير عبر الاستفتاء في تجارب الأمم. الثاني: جذور الدعوة لتقرير المصير في السياسة السودانية. والثالث: ممارسة ذلك الحق في إطار اتفاقية السلام الشامل (2005) والتداعيات المرتقبة لنتائجه، أياً كان خيار شعب الجنوب.

    كما أصبح موضوع الاستفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان طبقاً رئيساً في موائد التحليل عبر الصحافة ومن فوق المنابر. وبما أن التحليل، بما في ذلك تحليل الدم، صناعة مفهومية تهدف إلى إرجاع الشيء إلى عناصره الأولية للكشف عن خباياه، يصبح من الضروري البحث والتقصي في المصادر الأولية للبحث ثم التفطن فيها قبل الاندفاع إلى إصدار الأحكام. راعينا فيما كتب مؤخراً حول استفتاء جنوب السودان، خاصة في الصحف السودانية، حجم الافتراضات التي لا ترتكز على قدم وساق، والأحكام التي لا يتبعها دليل يُركَن عليه، بل التلبيس في استعراض الوقائع من جانب كتبة ومخبرين لا يحترمون عقول قرائهم، ولا يملكون الحد الأدنى من الرحمة بهم. لهذا استصوبنا أن نُجلي في هذه المقالات بعض الحقائق التي تعين القارئ على بناء حكمه في هذه القضية المصيرية: قضية استفتاء جنوب السودان حول خياري الوحدة أو الانفصال، على الحقائق المجردة بدلاً من الحدس والتخمين، أو إلقاء الكلام على عواهنه. فمن الخير للناس، كما قال الفيلسوف الألماني غوته »أن يفهموا القليل من أن يسيئوا فهم الكثير«.

    ------

    في منتصف ستينيات القرن الماضي تسلمت السلطة حكومة تختلف عن الحكومات التي سبقتها، لا سيما في إقبالها على معالجة أسباب الحرب في الجنوب. تلك هي الحكومة التي ترأسها سر الختم الخليفة، رجل التعليم البارز بعد سقوط حكومة الرئيس إبراهيم عبود في 21 أكتوبر 1964م. لم يكن سر الختم ذا خبرة بالسياسة إلا أن خدمته في الجنوب في مجال التعليم، والتصاقه بأهله وتفاعله معهم، جعلا ذلك المعلم ينظر إلى القضية بمنظار آخر، لا هو منظار السياسي الذي تُعَتم الأحكامُ المسبقة رؤاه، ولا هو منظار الأيديولوجي الذي وُضِعت على طرفي عينيه غمامتان (ٌيًَمَّْ) تحولان بينه وبين الرؤية يميناً ويساراً بحيث لا يرى، مثل الخيل في مضمار السباق، إلا ما دونه.

    كان الواجب الأول لحكومة سر الختم هو الإعداد للانتخابات في فترة انتقالية محددة، مع ذلك هدته الحكمة، هو وصحبه، لأن يولي قضية الجنوب الاهتمام الأكبر. لأجل ذلك أشرفت حكومته على عقد أول مؤتمر منذ الاستقلال للتداول حول ما يسمى بمشكلة الجنوب. شاركت في ذلك المؤتمر، الذي أطلق عليه اسم مؤتمر المائدة المستديرة كل الأحزاب الوطنية، بما فيه الأحزاب الجنوبية في الداخل والخارج. وكان للإداري داؤود عبد اللطيف ـ وحسبك داؤود من سخي همام ـ إسهام كبير في إقناع من هم بالخارج من ساسة الجنوب بالإشتراك في المؤتمر. كما دُعيت للمشاركة في ذلك المؤتمر خمس دول أفريقية هي: مصر (فتحي الديب)، الجزائر (التجاني هدام)، أوغندا (فيليكس اوناما)، غانا (ويلبيك)، نيجيريا (الحاجي يوسف مايتاما سولي).

    عند افتتاحه مؤتمر المائدة المستديرة (16 مارس 1965) قدم سر الختم برنامجاً لمعالجة »قضية الجنوب« لم يسبقه عليه أحد من ناحية شموله، كما من ناحية صدقيته. في ذلك البرنامج لم تكُ شيةِّ من خداع النفس، أو تكذبٌ على التاريخ، أو تهربٌ من المسؤولية عما فعله أسلافنا في الماضي (مثل الرق) أو تبرير لأخطاء السياسة الشمالية المعاصرة حول الجنوب.

    جاء في ذلك البرنامج:

    - القوة ليست حلاً لهذه »المشكلة الإنسانية الحيوية« ذات الجوانب الاجتماعية المتعددة بل ان استعمال القوة زاد المسألة تعقيداً.

    - الاعتراف بكل شجاعة ووعي عميق بفشل تجارب الماضي بجانب الاعتراف بالفوارق العرقية والتاريخية.

    - ضرورة تهيئة المناخ للتفاوض.

    - لمشكلة الجنوب نظائر وأشباه في افريقيا وبعض بلاد العالم الأخرى.

    - المشكلة مثل نظائرها مشكلة معقدة لأسباب طبيعية تتعلق بجغرافية القطر وتكوينه البشري من جهة، ولأسباب سياسية تاريخية تعود إلى الاستعمار وأخرى معاصرة على رأسها الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات القومية المتعاقبة منذ الاستقلال.

    - إضفاء الصفة العرقية على الصراع الشمالي ـ الجنوبي ينطوي على تعميمات وفروض مضللة لا يمكن الاعتماد عليها في أي نقاش جاد. فالعروبة التي يتصف بها السودان ليست صفة عنصرية بل هي رابطة لغوية ثقافية. ولو كانت العروبة غير هذا لخرج من نطاقها معظم العرب المحدثين في أفريقيا بما في ذلك سكان السودان الشمالي جميعاً.

    - السودان صورة مصغرة لأفريقيا في تنوع سكانها وتباين ثقافاتها، لهذا تمتزج العروبة والافريقية امتزاجاً تاماً في المديريات الشمالية ويشعر السكان، وهم في ذلك صادقون، بأنهم عرب وأفريقيون في وقت واحد وبدرجة متساوية.

    - تجارة الرقيق المخزية التي قام بها أسلافنا كانت وصمة عار، ومع انقضاء ذلك العهد تركت شعوراً من الكراهية وعدم الثقة في نفوس الجنوبيين أججه الاستعمار والأوروبيون المنافقون.

    - الظن الخاطئ من جانب الحكومة العسكرية بأن مشكلة الجنوب، أكبر مسألة سياسية قومية واجهت البلاد، هي مسألة أمن ونظام.

    - التفاوت في درجات النمو الاقتصادي بين الجنوب والشمال، مع أن ذلك التفاوت لا يعاني منه الجنوب وحده بل تعاني منه مناطق أخرى في الشمال مثل دارفور وكسلا.

    ولإثبات حسن نواياه اختار سر الختم جنوبيين في وزارتين من أهم الوزارات: الداخلية والنقل والمواصلات، الأمر الذي لم يحدث من قبل ولم يحدث من بعد، لا سيما بالنسبة للوزارة التي تهمين على قوى الأمن. ذهب رئيس الوزراء الجديد، من بعد، إلى إحاطة نفسه بكوكبة من الخبراء ذوي الدربة في قضايا الجنوب منهم الباحثون والإداريون والقانونيون والإعلاميون. على رأس هؤلاء كان الراحل محمد عمر بشير والذي ظل الجنوب هاجسه الأول حتى مماته. من بينهم أيضاً الصحافي المخضرم محجوب محمد صالح، والقانوني البريع يوسف محمد علي، والإداري المقتدر الراحل عبد الرحمن عبد الله. وكان للأخيرين دور كبير في صوغ قرارات لجنة الاثني عشر التي تَرجَمت ما قرره مؤتمر المائدة المستديرة إلى مشروع دستور.

    تلك الحكومة لم تبق في السلطة لتكمل مهمتها ولكنها، على الأقل، أبقت أثراً هاماً يهدي أهل السودان سواء السبيل. وقد أوجعني كثيراً وأنا أطالع ما أوردته الصحف من تعليقات وتقارير صحافية حول الذكرى الخامسة والثلاثين لانتفاضة أكتوبر، أن لا أرى في تلك التقارير مقالاً أو خبراً واحداً عن إسهام حكومة أكتوبر في مؤتمر المائدة المستديرة لمعالجة المشكل الجنوبي، وهو أهم إنجاز لها. أغلب ما أوردته تلك الصحائف هو التفاخر: من الذي صنع الثورة؟ ومن الذي أجهضها؟ وكل واحد منهما يقول: »الحق معي«. على أن تقويم الأنظمة، كانت وليدة ثورات أم انتفاضات، لا يكون بالمزاعم حول من هو صانعها، وإنما بالذي صنعت وأنجزت. رحم الله المعلم الفذ سر الختم ومن معه من الراحلين، وسَقياً ورَعياً لمن بقي منهم.



    اتفاق أديس أبابا

    عند تسلمها السلطة في 1969، وضعت حكومة مايو إنهاء الحرب في الجنوب في مستهل برنامجها السياسي، وكان أول إعلان عن ذلك هو بيان التاسع من يونيو 1969م الذي كان للحزب الشيوعي دور كبير في صياغته، كما لعب عضو الحزب، الجنوبي البارز جوزيف قرنق (لا يمت بصلة لجون قرنق)، دوراً هاماً في التفاوض مع ممثلي المعارضة الجنوبية خارج السودان من أجل الوصول إلى حل سلمي. بيد أن الترجمة الفعلية لذلك البرنامج بدأت مع مفاوضات أديس أبابا في عام 1972م والتي صحبتها خارطة طريق متكاملة للتفاوض. خارطة الطريق تلك استهدت بقرارات لجنة الاثني عشر، وجاء ذلك بمبادرة من الراحل جعفر محمد علي بخيت. كان في ظن جعفر، أولاً أن تلك القرارات تضمنت مشروع دستور متكامل لترتيب الأوضاع في جنوب السودان رغم عجز الحاكمين آنذاك عن تنزيله إلى حيز الواقع. وثانياً، بما أن ذلك المشروع كان محل إجماع من أغلب القوى السياسية فلا محالة من أن تلقى الاتفاقية التي ستؤسس عليه قبولاً واستحساناً من معارضي نظام مايو. وهكذا أصبحت قرارات لجنة الاثني عشر أساساً لاتفاقية أديس أبابا (1972) التي وقعتها حكومة مايو، مع حركة تحرير جنوب السودان بقيادة جوزيف لاقو في ربيع عام 1972م، ومن ثم ضُمِنت في دستور 3791م.

    على إثر تلك الاتفاقية نَعِم الجنوب بعشرة أعوام من السلام، وبقدر من الحكم الذاتي تجاوز ما أوصى به مؤتمر المائدة المستديرة. ومن المؤسف أنه رغم ظنون جعفر بخيت بأن القوى السياسية السودانية التي تراضت في فترة الديمقراطية على تلك القرارات سنسعد باتخاذها أساساً لاتفاقية أديس أبابا رفضت تلك القوى الاتفاقية، لا لذاتها وإنما كُرها في صانعيها. ولو وقف الأمر عند هذا لهان، ولكن صحبته أفائك لا تصدر من رجل رشيد مثل قولهم ان الاتفاقية احتوت على بنود سرية. ولا يدري المرء كيف يمكن لاتفاقية تم التفاوض بشأنها والتوقيع عليها علانية أمام ثلاثة وسطاء ورقباء: الامبراطور هيلاسلاسي، مجلس الكنائس العالمي، ومراقب من منظمة الوحدة الأفريقية (نائب الأمين العام، محمد سحنون) ثم أودعت في منظمتي الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية ليطلع عليها من شاء من الباحثين، أن تتضمن بنوداً سرية. وعلى أي، لم يفصح حتى اليوم العليمون بالأسرار عن هذه البنود. هي الغيرة فحسب، وهذا هو حال السودان الذي يختلط فيه الذاتي بالموضوعي حتى في أخطر الأمور.



    الخدعة الأخيرة... نميري ينقلب على اتفاقية اديس ابابا

    تحقيق الرئيس نميري لذلك الإنجاز كان محل تقدير من العالم، وإشادة جهيرة من أفريقيا التي وفد ثلاثة من زعمائها إلى السودان ليباركوا حلول السلام في ربوعه: الإمبراطور هيلاسلاسي، المعلم جوليوس نيريري، الرئيس ليوبولد سنغور. وفي اجتماع القمة الافريقية في الرباط تباري الرؤساء الأفارقة، وعلى رأسهم الملك الحسن الثاني، ليس فقط في الدعم السياسي للاتفاق، بل أيضاً بالدعم المادي حتى تتمكن حكومة السودان من الوفاء بالالتزامات التي فرضها الاتفاق. عن ذلك التباري لم تتخلف حتى الدول الفقيرة مثل اثيوبيا وتنزانيا. بيد أن أعظم هدية قدمت للسودان في تلك المباراة، هي هدية منظمات التحرير الأفريقية. باسم هؤلاء تحدث أميلكار كابرال (غينيا بيساو) ليطالب القمة الأفريقية بإعفاء السودان من التزاماته المالية نحو حركات التحرير الأفريقية حتى يسخر ككل إمكانياته لتثبيت وحدة السودان التي وصفها كابرال بأنها اكبر مساهمة منه لتحرير افريقيا.

    أما في جنوب السودان فقد أضحى نميري بطلاً نُظمت في مدحه الأهازيج. ولكن، لما تَمضِ عشرةُ أعوام على توقيع الاتفاقية حتى قام نميرى بإلغائها وسط دهشة ممن أشاد به وترنم باماديحه. تَراجُعُ زعيم شمالي عن اتفاقية نال بها كل ذلك الاستحسان، أمر يستعصي علي الإدراك. أما بالنسبة لأهل الجنوب، فإن كان الازورار في سني الاستقلال الأولى عن الاستجابة لمطلب محدود يتاح فيه للجنوب حكم فيدرالي يُرضي أهله ويُبقي على وحدة البلاد أمراً نيئاً لم يُحسنْ طبخُه، فإن تراجع نميرى عن اتفاقية أديس ابابا أصبح هو الدليل الذي ما بعده دليل على مخادعة حكام الشمال للجنوبيين، لا يعِدونهم بشيء إلا لصرفهم عن قصدهم.

    ولن يُعفي نميري عن المسؤولية أن كان إلى جانبه جوزيف لاقو عند إعلان إلغاء الاتفاقية قائلاً: »الاتفاقية ليست قرآناً أو إنجيلاً. لقد صنعت الاتفاقية مع جوزيف لاقو وها نحن نلغيها اليوم«. ويا حسرة على نفر من المعلقين الذين يجعلون من تعضيد لاقو لنميري في إلقاء الاتفاقية تزكية وتبريراً، خاصة بعد أن اضطر الرئيس الراحل إلى أن يودع خيرة قادة الجنوب الذين ناصروه في السجون: بونا ملوال، هيلاري لوقالي، بيتر جات كوث، قاما حسن، كلمنت أمبرو مُلحِقاً بهم صديقهم الوحدوي أمين عكاشة. إزاء ذلك الوضع لم يجد نميري سياسياً جنوبياً واحداً ذا مِرة ليجعل منه رئيساً للجنوب فجاء بأحد ضباطه ممن لم تعرفهم سوح السياسة: قسم الله عبدالله رصاص.

    إلغاء اتفاق أديس أبابا أصبح لكل هذا الخديعة النهائية التي لها ما بعدها. وفي الحالتين، جعل الأثر التراكمي لسوء التقدير في حالة عدم الاستجابة لمطلب الفيدرالية عند الاستقلال، والاستهانة بالعقود المبرمة في حالة إلغاء اتفاقية أديس أبابا، من السودان أنموذجاً لكيف ترمي القيادات بيدها في التهلكة وتورد نفسها وبلادها موارد الهلاك. هذا تاريخ اختاره بأنفسهم صانعوه ومن تبعهم بغير إحسان من أكاديميين وإعلاميين. مع ذلك يتمنى أولئك الأكاديميون والإعلاميون أن لا يذكر ذلك التاريخ ذاكر.

    نقلا عن الرأي العام
                  

العنوان الكاتب Date
مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-29-09, 04:53 PM
  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-29-09, 05:03 PM
  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-29-09, 05:10 PM
    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-21-10, 01:09 PM
  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-29-09, 05:14 PM
    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا emad altaib12-29-09, 06:39 PM
      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-30-09, 05:41 AM
        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-30-09, 04:27 PM
          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-30-09, 04:52 PM
            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا emad altaib12-30-09, 06:33 PM
              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-30-09, 09:28 PM
                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك12-31-09, 06:48 AM
                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-01-10, 09:09 AM
                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا omer abdelsalam01-01-10, 09:46 PM
                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-02-10, 12:38 PM
                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-02-10, 07:56 PM
                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-05-10, 05:02 PM
                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-05-10, 05:14 PM
                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-05-10, 05:21 PM
                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-05-10, 06:25 PM
                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-05-10, 06:28 PM
                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-06-10, 02:59 PM
                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-07-10, 04:17 PM
                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-07-10, 04:18 PM
                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-07-10, 09:37 PM
                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-10-10, 07:47 AM
                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا محمد ابراهيم قرض01-10-10, 11:35 AM
                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-11-10, 08:54 PM
                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-14-10, 10:23 AM
                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-14-10, 10:32 AM
                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-15-10, 09:35 PM
                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-16-10, 00:20 AM
                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-16-10, 11:00 AM
                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-16-10, 11:35 AM
                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-20-10, 08:39 PM
                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-21-10, 09:56 PM
                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-21-10, 10:00 PM
                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-21-10, 10:07 PM
                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-24-10, 08:49 PM
                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-26-10, 04:50 AM
                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-27-10, 10:53 AM
                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك01-31-10, 07:17 AM
                                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا جعفر محي الدين01-31-10, 07:45 AM
                                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-02-10, 10:45 AM
                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا جعفر محي الدين02-02-10, 10:53 AM
                                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-02-10, 11:29 AM
                                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-03-10, 05:03 AM
                                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-09-10, 09:29 AM
                                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-09-10, 05:00 PM
                                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-11-10, 04:45 PM
                                                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-14-10, 05:29 AM
                                                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-14-10, 10:22 PM
                                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-14-10, 11:01 PM
                                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-14-10, 11:05 PM
                                                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-15-10, 03:58 PM
                                                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-16-10, 11:26 AM
                                                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-18-10, 04:08 PM
                                                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-18-10, 04:43 PM
                                                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-19-10, 10:29 PM
                                                                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-20-10, 03:46 PM
                                                                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا عبد الناصر الخطيب02-20-10, 04:01 PM
                                                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-20-10, 09:17 PM
                                                                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-21-10, 11:11 AM
                                                                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-21-10, 03:34 PM
                                                                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-22-10, 05:04 PM
                                                                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-23-10, 04:49 AM
                                                                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-23-10, 10:20 AM
                                                                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-23-10, 10:21 AM
                                                                                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-23-10, 05:02 PM
                                                                                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-25-10, 04:48 PM
                                                                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-26-10, 00:14 AM
                                                                                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-26-10, 08:55 AM
                                                                                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك02-28-10, 07:03 PM
                                                                                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-01-10, 04:57 AM
                                                                                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-01-10, 04:06 PM
                                                                                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-01-10, 07:57 PM
                                                                                                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-03-10, 10:14 AM
                                                                                                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-04-10, 08:40 AM
                                                                                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-04-10, 09:14 AM
                                                                                                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-06-10, 09:57 AM
                                                                                                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-06-10, 05:36 PM
                                                                                                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-06-10, 05:49 PM
                                                                                                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-08-10, 06:01 AM
                                                                                                                                                        Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-10-10, 11:25 AM
                                                                                                                                                          Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-11-10, 08:57 PM
                                                                                                                                                            Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-18-10, 11:41 PM
                                                                                                                                                              Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-20-10, 06:13 PM
                                                                                                                                                                Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-22-10, 09:20 AM
                                                                                                                                                                  Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-23-10, 08:56 PM
                                                                                                                                                                    Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-24-10, 09:15 PM
                                                                                                                                                                      Re: مقالات ...تحكى عن واقع السودان الحقيقى ...ادخل واقرا الكيك03-26-10, 01:41 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de