|
( الليلة لنقاري .. الليلة لنقاري ) .. مَنَاحَةُ العِشْقْ
|
- مايو 1889 - أول العشق .. نظرة :
" آمنة بتول " ممددةٌ كانت كسبيطة تمرٍ طازجة جُزّت لتوها , زمانٌ مرّ عليها و ما حالها إلا ذاك .. الشمس صاليتها بسياط منتصف الظهيرة , و الظلال البعيدات قاصرات شحها على أجسامها . الصيف زاحفٌ كان من جنوب خط الإستواء إلى حيث الشمال الحشيد بالمدارات البرد .. تمامٌ كالزحف المهدوي العظيم لجيوش الأمير " ود النجومي " . النيل مرآة ثعبانية كان .. مخيط ماء يرتق طرفي عباءة الصحراء , ساكنةٌ غابات النبات يمناه و يسراه , ما تتفلّت النبيتات من نيلها إلا فراسخ عامرات بالبيوت و الحيوات , حتى تعود زاجرتها رمال العتامير في شراسة صمتها اليمتد كثباناً و جلاميد و صوانٍ صليدٍ و جرانيت و مملكة لاهبة للشمس إلى حتى نهاية الأرض . أرضٌٌ جنةٌ بؤسٌ .. زرعها الله في سنام الجحيم الصحراوي الكبير .
في شهر ( قصيّر ) عرفت البلدة بأمر الجيش الزاحف .. فداخلها القلق الذي لم تكُ تعرف منذ آخر عهدٍ شقت فيه بواخر جيوش صاحبة الجلالة كبد النيل ففصدته , ماخرةٌ له الحشا جنوباً في طلب رأس الإمام . فمارت البُلدات تحت النيل و فوقه .. و النحاس ما توقف رزمه على الضفتين من سافل النيل لصعيده شهوراً عددا . الرجال في الحقول ظلوا ينقبضون و ينبسطون , و علا نبِر الكلام الخفيض في ساحة البلدة و امتد ليلها مسروجٌ بقناديل الزيت لما بعد صلاة العشاء . ثم ما لبثت أن شحّت أقدامهم في الحقول و عجت بهم سنابك الخيل و الحمير و البغال في متاه دروب العتامير أعلى البلد .. وجهتهم البقعة و الألسنة لاهجات بـ ( الدين منصور ) . سنوات عجف قليلات حتى عاد فارتد للحقول رجالها , سوق طير النخيل قامت و السواقي انتظمها أنينها القديم , تزوجت الناس و زرعت و حصدت و تناسلت , آبت المواسم ثانية و ارتصفت للحياة سننها القديمات من جديد . ... ما دانى خبر جيش ود النجومي ذاك مشارف القوز التِحِتْ إلا في " الفطرين " و الموسم زمانه التحاريق . تباشير الزحف المهدوي تبدت في اكتظاظ الأضرحة بزوارها , و الزوايا و المصالي بالقائمين القاعدين , ثم في خزن أهل البلدة للمؤن و ابتناء القواسيب ؛ ذُبحت البهائم و جُففت لحومها و خُزنت بعيداً عن أعين الأغراب و عواقر الليل : أبو الحصين و البعشوم و القطط و كلاب الدروب . برمتها البلدة اجتاحها قلقٌ طنّانٌ و جيوش " ود النجومي " على تخوم النيل أسافلها . ... أعيا البحث عنها الرجال العائدون للصلاة من الحقول الشرقية فآبوا خائبين .. النسوة اقتعدن متبلماتٍ شحيح الظليلات المتبقية عمودية حذاة الحوائط اللبنة . الصبية ركنوا إلى الحيرة فأهمدهم التساؤل فكفوا معابثاتهم , البهائم ربضت على قلقٍ يستبق في الناموس عظام الطامات . في منحنى الجدول عند التندة القديمة الرابية عثر الرجال بها ممددة كسبيطة طازجة الحش . " الهاموش كان موسمه في الأوج , ما صوت إلا هسهسة أذيال الحمير تهش حشرات الحقول عن أدابرها . الصهد في ظهيرة يوليو يحور مرائي الأشياء صورٌ مرسومات .. و بطيئٌ وقع الحياة نهارئذٍ . " الأمين ود مورة " كان الأول فيمن ستروا جسدها بما طالوه من جوالات الخيش , ستروها و هم صامتين . حملها " أبو الحسن ود مبشر " فوق حمارته , انام جسدها - السبيطة طازجة الحش - فوق ظهر الدابة , و غاب عنهم بحمله إلى حيث سوق النخيل الكثيفة في اتجاه النهر . ... ( يا رحل الكحل الفي موازنو تقيل يا جدري الشموما الزول يشقو عديل ) . أول أمرها .. رقبته مع " ود حامد " في مُقدِم الحقل . طويلٌ فارعٌ و نحيل , بدا " ود حامد " قصيرا دونه و مرتبك , ما كف الرجلان عن حوارهما .. يدا " ود حامد " الغليظتان تتحدثان بأعلى من صوته الرفيع . فيما ظل مهيبا هو في و قفته التي لا تشبه في شيئٍ وقفات رجال البلدة . عبرتهما " آمنة " من عند طرف المُُتْرة و هي في طريقها لمراح " بت منّور " المنزوي أسفل الساقية . فما نامت ليلتها إلا على أرقها , و ما أنامتها عيناه التي رفعها من وجه ود حامد و غرز نصليهما بردا في عينيها للحظة , ثم عاد لحديثه الخفيض إلى ود حامد . " حمودة ود إدريس " .. حبيبها .. ... ( الليلة لنقاري .. الليلة لنقاري .. حمودة وَدْ كَلَسْ مِنّ الحربة ما تَرَسْ أب جَوخ نزل فَرَشْ و قال ياخواننا الدين منصور . يا حمودة ود إدريس إسمك شال بلاد الريف من الحربة ما ترس أب جوخ نزل فرش و قال ياخواننا الدين منصور ) .
ـــ لبقية .
(عدل بواسطة Emad Abdulla on 03-14-2008, 03:28 AM) (عدل بواسطة Emad Abdulla on 03-14-2008, 11:53 AM) (عدل بواسطة Emad Abdulla on 03-14-2008, 11:58 AM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ( الليلة لنقاري .. الليلة لنقاري ) .. مَنَاحَةُ العِشْقْ (Re: ibrahim kojan)
|
كوجان الذي في البلاد الغليظة ..
مسحورٌ أنا بسيرة الأناس الذين تناسلونا ثم مضوا في صمت ملاحمهم .. آمنة بت بتول العاشقة .. و حمودة ود إدريس المحبوب العاشق .. سحرٌ يخرج على استحياء من تواتر أخبارهما .. ألقاه حيثما لقيت نسوة يعرفون لهما سيرة و رجال يهزون رؤوسهم من فرط العجب , و بقية من أهل عرفوا طرف الأسطورة فحفظوها . الغي و العشق كان زمانئذٍ شيئا فريا . و قد أتت آمنة طرفاً من ذاك الشئ .. فحق لها أن تتأسطر . سحرتني في تمام عشقها يا صديقي .
عشق أهلنا أحلى و أطول من رصائفها حكايات الفرنجة .. دون ضجيج يحدث كان , و كانه جزءٌ من إيمانات القضاء الكثيرات عندهم . لا زيف هنا و لا حواشي و لا محسنات للغرام .. يتعشقون فيلقون بذواتهم في مِتك وردة أرواحهم بحثا عن رحيق ينجزهم بشراً أجمل ربما , أو لا .. لتأخذهم غضبة الرب و الدين و الناس .
هؤلاء الأناس الطيبون الفارعون . الدنيا زمانئذٍ مهدية .. و ساحر عشق آمنة لحمودة يا كوجان ..
...... بعيدا عن هذا .. كيف يمكنني ان أنام ؟ أريد أن انام يا صاحبي .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( الليلة لنقاري .. الليلة لنقاري ) .. مَنَاحَةُ العِشْقْ (Re: ابو جهينة)
|
أطمئن لوجودك هنا يا جلال .. صمام أمان هو .. و يمنحني الكثير .
أبا جهينة يا صاحب .. سمعتُ طرفاً من هذه المناحة الملحمية من لدن خالتنا ( الحاجة ستنا ) رحمها الله .. سمعتها منها صغيراً .. في الحصايا / عطبرة .. و تعرف المرأة الشامخة انت .. فآمنة تاريخ من دم خالتنا ستنا .
محظوظٌ بحضورك يا صديقي .. مودتي و احترامي .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( الليلة لنقاري .. الليلة لنقاري ) .. مَنَاحَةُ العِشْقْ (Re: ابو جهينة)
|
Quote: " آمنة بتول " ممددةٌ كانت كسبيطة تمرٍ طازجة جُزّت لتوها , زمانٌ مرّ عليها و ما حالها إلا ذاك .. الشمس صاليتها بسياط منتصف الظهيرة , و الظلال البعيدات قاصرات شحها على أجسامها . الصيف زاحفٌ كان من جنوب خط الإستواء إلى حيث الشمال الحشيد بالمدارات البرد .. تمامٌ كالزحف المهدوي العظيم لجيوش الأمير " ود النجومي " . النيل مرآة ثعبانية كان .. مخيط ماء يرتق طرفي عباءة الصحراء , ساكنةٌ غابات النبات يمناه و يسراه , ما تتفلّت النبيتات من نيلها إلا فراسخ عامرات بالبيوت و الحيوات , حتى تعود زاجرتها رمال العتامير في شراسة صمتها اليمتد كثباناً و جلاميد و صوانٍ صليدٍ و جرانيت و مملكة لاهبة للشمس إلى حتى نهاية الأرض . أرضٌٌ جنةٌ بؤسٌ .. زرعها الله في سنام الجحيم الصحراوي الكبير . |
العميد ( عمدة ) الحبيب تحية طيبة بقدر جمالك ياجميل ... سلاااام
لا تعليق .. خوفي أن أفسد جمال هذا الوصف أقول تسلم يا عمدة تسلم يا عمدة
مودتي وتحياتي ونحن قراب ننهل من معينك يا راقي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ( الليلة لنقاري .. الليلة لنقاري ) .. مَنَاحَةُ العِشْقْ (Re: خضر حسين خليل)
|
يا صاحب .. لم يكن جيشاً ذاك .. كان أمة تتحرك بكامل زخمها .. ككرة الثلج العظيمة ( يقول التاريخ ) .. تكبر الحملة كلما عبرت قرية و حلة و بلدا .. ينضم إليها الرجال و النساء و الأطفال و العجزة و البهائم و الدواب .. خلقٌ كثيرٌ و أعراقٌ متباينات كانت فسيفساء ذاك الجيش .. بمحاذاة النيل الإله زحف .. تزاوج الأنصار بسكان البلدات , فمنهم من آثر الرجوع و البقاء مع زوجه .. و منهم من قضى في توشكي .. لكن الشاهد ان ذاك الجيش خلق واقعاً جديداً في قرى الشمال التي عبرها .. فتفتقت عنه وقائع ظلت تتوالد داخلة في إرث الناس هناك .. و إلى يومنا . الأساطير و الحكايا و الغناء و الطقوس .. و الهوى .. كل شيء لبس ثوباً ماكان من قبل .
فكيف لا أكون في الحالة ديك يا خضر .. و تجري في دمي بعض من إفرازاتها !!
ثم ياخي الشوق ليك .
..... تقول المغنين المطاليق : البديع الهواك سباني .. يا أخا البدرِ يل مُكمّل .
| |
|
|
|
|
|
|
|