الإنجيل الصحيح لعيسى المسيح عليه الصلاة والسلام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 02:01 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-20-2008, 10:32 AM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنجيل الصحيح لعيسى المسيح عليه الصلاة والسلام

    إن الإنجيل هو كتاب الله الموحى إلى المسيح عيسى بن مريم عليه السلام بواسطة ملاكه جبريل عليه السلام ، واختار عيسى اثني عشر تلميذا ليلقنهم ما يوحيه عليه جبريل من كلمات الله جل وعلا ، ولم يكن أيا منهم يدون ما يقوله نبي الله عيسى عليه السلام ما عدا برنابا رضي الله عنه فقد كان هو المكلف من قبل عيسى عليه السلام بالتدوين والكتابة حيث كتب كل ما يتعلق بسيرة المسيح عليه السلام ومعجزاته التي أتمها بإذن الله وحربه الشعواء على النفاق والمنافقين من أحبار اليهود وضلالهم وبعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء وتفرق طلابه بعده ومرور السنين الطوال على النصارى واندراس آثار النبوة وتغير معالم التوحيد واستبدال النصارى لها بالإشراك بالله حتى طالت أيدي النصارى كتاب الله الإنجيل فأخذوا بوضع أناجيل مكذوبة على الله وعلى نبي الله عيسى عليه السلام .

    ولقد كثرت الكتب التي سميت أناجيل مما اضطر الكنيسة المسيطرة آنذاك وهي الكنيسة الرومانية لجمعها وعقد مجامع لإختيار ما زعمت أنه صالحا والأمر بإحراق الباقي فأظهر الكنيسيون الأناجيل المزورة المكذوبة وأخفوا إنجيل عيسى الصحيح وهو ما يسمى بـ( إنجيل برنابا ) وكان حينها مخطوطا فعاد ذكره إلى الوجود في عام 1709 بعد أن زال التعصب الديني في أوروبا وفقدت الكنيسة السيطرة المطلقة التي كانت قد استحوذت عليها في القرون الوسطى وتناقلت الأيدي هذه المخطوطـة إلى أن قام نائب المطران ( لو نسدال راغ ) بترجمته إلى اللغة الإنجليزية في عام 1907 ومن هذه الترجمة قام المؤرخ ( خليل سعادة ) بترجمته إلى العربية وقام بنشره ( محمد رشيد رضا ) .
                  

02-20-2008, 10:54 AM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصة اكتشاف مخطوط إنجيل برنابا رضي الله عنه (Re: Waeil Elsayid Awad)

    قصة اكتشاف مخطوط إنجيل برنابا رضي الله عنه

    هذا المخطوط هو النسخة الوحيدة المعروفة الآن في العالم وهي النسخة الإيطالية وهي التي نقل عنها هذا الإنجيل العظيم .

    يقول المستشرق الشهير سايل : أن مكتشف النسخة الإيطالية لإنجيل برنابا هو راهب لاتيني يسمى ( فرا مربنو ) ، ومن جملة ما قال : أن هذا الراهب عثر على رسائل لأحد القساوسة وفي عدادها رسالة تندد بالقديس بولص ، وأن هذا القسيس أسند تنديده إلى إنجيل القديس برنابا ، فأصبح الراهب المشار إليه من ذلك الحين شديد الشغف بالعثور على هذا الإنجيل ، واتفق أنه أصبح حينا من الدهر مقربا من البابا (سكتس الخامس ) فحدث يوما أنهما دخلا معا مكتبة البابا فأخذ النوم هذا البابا ، فأحب الراهب مرينو أن يقتل الوقت بالمطالعة إلى أن يفيق البابا ، فكان الكتاب الأول الذي وضع يده عليه هو إنجيل القديس برنابا نفسه ، فكاد أن يطير فرحا من هذا الاكتشاف فخبأ هذا الإنجيل في أحد ردني ثوبه ، ولبث إلى أن استفاق البابا فاستأذنه بالإنصراف حاملا ذاك الكنز معه ، فلما خلا بنفسه طالعه بشوق عظيم فاعتنق على إثر ذلك الإسلام اهـ .

    وبعد هذا الاكتشاف شاع خبر ( إنجيل برنابا ) في فجر القرن الثامن عشر فأحدث دويا عظيما عند النصارى وأجمعوا أمرهم على محاربته وتكذيبه وعدم نشره وتم لهـم ذلك ، بل إن هذا العداء توارثته أجيال النصارى جيلا بعد جيل ، وفي زماننا هذا لا توجد طائفة من النصارى في العالم كله شرقا وغربا تؤمن بكتاب الله ( إنجيل برنابا ) ، بل أقام أساقفة النصارى بتصنيف الردود على ( إنجيل برنابا ) ، حتى قال أحد الأساقفة الملاعين : هذا الكتاب المنحول على القديس برنابا يسميه أعداء الأديان بإنجيل ، وما هو بإنجيل ، فالإنجيل بشارة مفرحة ، بينما أن هذا الكتاب الشرير كصاحبه الشرير ، رسالة كافرة أثيمة ضارة هو مجموعة متناقضات لا ترضي المسلم الحق بقدر أنها لا ترضي المسيحي الحق . اهـ ( رسالة الرد على الكتاب المسمى إنجيل برنابا لسامح كمال ) .

    هذه نبذة بسيطة عن موقف النصارى الأوائل والمتأخرين من هذا الكتاب العظيم ، وأما بالنسبة للمسلمين فقد حرموا منه سنين طويلة ، والعجيب أنه لم يرد ذكر هذا ( الإنجيل برنابا ) في كتابات العلماء المحققين السابقين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حزم وغيرهم عليهم رحمة الله ، فهذا كتاب الجواب الصحيح لإبن تيمية ناقش النصارى في معتقداتهم وأتى على ذكر أناجيلهم ولم يورد ذكر إنجيل برنابا بتاتا ومثله تلميذه ابن القيم ، وكذلك ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل ) لم يأتِ على ذكر ( إنجيل برنابا ) مع أن كتابه هذا عمدة في الأديان والفرق ومنها فرق النصارى المتعددة ، ما يدل على أنه بالفعل كان مخفيا طوال هذه القرون ولم يشتهر أمره إلا في القرون المتأخرة ، ولو كان كما زعموا قاتلهم الله تعالى أنه من وضع بعض المسلمين لاشتهر أمـره بين المسلمين خصوصا أهل العلم منهم المصنفين ممن ناقش معتقدات النصارى وما ورد في أناجيلهم المحرفة .

    وأما أهل زماننا فقد تضاربت فيه آراء الباحثين وتشعبت بخصوصه مذاهب المؤرخين وخبطوا فيه بين ضلالة وهدى وتلمسوا حقيقته بين رشاد وهوى فما ظفروا بعد كل ذلك بما يشفي الغليل ، فهم جثث بلا عقول ، عرجت عقولهم وطمست بصائرهم ، فلا تجدهم يميزون بين الغث والسمين والحق والباطل ولا بين وحي الله لأنبيائه ووحي الشيطان لأوليائه .
                  

02-20-2008, 11:25 AM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
(( نبي جديد مرسل من الله إلى العالم بحسب رواية برنابا رسوله )) (Re: Waeil Elsayid Awad)

    برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع سكان الأرض سلاماً وعزاء .

    أيها الأعزاء إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى ، مبشرين بتعليم شديد الكفر ، داعين المسيح ابن الله ، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائما ، مجوزين كل لحم نجس ، الذين ضل في عدادهم أيضا بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى ، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله ، وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصا أبديا .

    وليكن الله العظيم معكم وليحرسكـم من الشيطان ومن كل شـر آمين اهـ .


    (( بشرى جبريل للعذراء مريم بولادة المسيح ))

    لقد بعث الله في هذه الأيام الأخيرة بالملاك جبريل إلى عذراء تدعى مريم من نسل داود من سبط يهوذا ، بينما كانت هذه العذراء العائشة بكل طهر بدون أدنى ذنب المنزهة عن اللوم المثابرة على الصلاة مع الصوم يوما ما وحدها وإذا بالملاك جبريل قد دخل مخدعها وسلم عليها قائلا : ليكن الله معك يا مريم . فارتاعت العذراء من ظهور الملاك ، ولكن الملاك سكن روعها قائلا : لا تخافي يا مريم لأنك قد نلت نعمة من لدن الله الذي اختارك لتكوني أم نبي يبعثه إلى شعب إسرائيل ليسلكوا في شرائعه بإخلاص . فأجـابت العذراء : وكيف ألد بنين وأنا لا أعرف رجلا . فأجاب الملاك : يا مريم إن الله الذي صنع الإنسان من غير إنسان لقادر أن يخلق فيه إنسانا من غير إنسان لأنه لا محال عنده . فأجابت مريم : إني لعالمة أن الله قدير فلتكن مشيئته . فقال الملاك : كوني حاملاً بالنبي الذي ستدعينه يسوع ، فامنعيه الخمر والمسكر وكل لحم نجس لأن الطفل قدوس الله . فانحنت مريم بِضَعَة قائلة : ها أنا ذا أمة الله فليكن بحسب كلمتك . فانصرف الملاك ، أما العذراء فمجدت الله قائلة : اعرفي يا نفس عظمة الله ، وافخري يا روحي بالله مخلصي ، لأنه رمق ضعة أمته ، وستدعوني سائر الأمم مباركة ، لأن القدير صيّرني عظيمة ، فليتبارك اسمه القدوس لأن رحمته تمتد من جيل إلى جيل للذين يتقونه ، ولقد جعل يده قوية فبدد المتكبر المعجب بنفسه ، ولقد أنزل الأعِزاء من عن كراسيهم ورفع المتضعين ، أشبع الجائع بالطيبات وصرف الغني صفر اليدين ، لأنه يذكر الوعود التي وعد بها إبراهيم وابنه إلى الأبد .
                  

02-20-2008, 02:24 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (( نبي جديد مرسل من الله إلى العالم بحسب رواية برنابا رسوله )) (Re: Waeil Elsayid Awad)


    أخي الكريم وائل السيد عوض

    اشكرك لهذا التناول الراقي والمهذّب لتاريخ الإنجيل

    الذي عليه المسلمون اليوم هو أنّ الإنجيل محرّف ولا يوجد إنجيل لم يمسّه التحريف

    ============/////\\\\\==============

    العنوان تحريف الإنجيل
    المجيب د.سعيد بن ناصر الغامدي
    عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
    التصنيف الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
    التاريخ 7/4/1424هـ

    السؤال

    في أي بلد وعصر تم تحريف الإنجيل؟ ومن حرفه؟


    الجواب

    مرت النصرانية بعدة مراحل.
    المرحلة الأولى: مرحلة الدين المنزل من عند الله، وذلك حين بعث الله عيسى عليه السلام نبياً إلى بني إسرائيل مؤيداً من الله تعالى بالمعجزات العظيمة الدالة على نبوته، وقد أيده الله بالحواريين، وآمن بدعوته كثير من الناس، واصطفى عيسى منهم اثني عشر حوارياً هم خلص أصحابه، ويقال: إن عيسى عليه السلام أرسل سبعين رجلاً ليعلموا الدين في القرى المجاورة، وقد تآمر اليهود على عيسى عليه السلام برئاسة الحبر الأكبر (كايافاس)، وأثاروا عليه الحاكم الروماني الذي كان يحكم فلسطين (بيلاطس) حتى أصدر أمراً بإعدامه عليه السلام، فاختفى عيسى وأصحابه، ودل أحد أصحابه جنود الرومان على مكانه، فألقى الله شبه عيسى على أحد حوارييه ورفع الله عيسى فأخذ الشبه وقتل وصلب.
    المرحلة الثانية: وتعرف عند مؤرخي الكنيسة بالعصر الرسولي، وتبدأ من رفع عيسى عليه السلام من أصحابه وحوارييه، وحصل فيها قتل وإيذاء كبير لأتباع عيسى عليه السلام، حتى كادت الديانة النصرانية أن تزول بالكلية، وفي كل هذه الأجواء كان هناك رجل يسمى شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة والاطلاع الفلسفي الكبير، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه (عمالائيل)، وكان شاول هذا شديد العداء لأتباع المسيح، وكان يذيقهم أشد أنواع الأذى، ثم فجأة أعلن إيمانه بالمسيح بناءً على رؤيا رآها فلم يصدقه بعض أتباع المسيح وبعضهم فرح بذلك، حتى حسم الأمر (برنابا الحواري) فدافع عن شاول واعترف به، وقبله، وتدرج شاول بما يمتلكه من ذكاء وقوة حيلة ودأب ونشاط، حتى أخذ مكانة مرموقة بين الحواريين وسمى نفسه (بولس) وفيما بين 51 –55م عقد أول مجمع للحواريين (مجمع أورشليم) تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار؛ ليناقش مشكلة عرضها بولس حول إكراه الأمميين (الوثنيون والكفرة – أي غير بني إسرائيل) على الالتزام بشريعة التوراة، فقرروا في هذا المجمع استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إذا كان ذلك سيؤدي إلى تركهم للوثنية، وفي هذا المجمع قرروا تحريم الزنا وأكل المنخنقة والدم وما ذبح للأوثان، وأبيحت الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة.
    فكان هذا من أوائل التحريفات التي حصلت في الديانة النصرانية بمكر من بولس، ثم إن بولس عاد بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما منازعة شديدة، لأن بولس أعلن نسخ أحكام التوراة وقوله (بأنها كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد)، وادعاءه أن (المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد)، ولاستعارته من الفلسفة اليونانية فكرة اتصال الإله بالأرض، عن طريق الكلمة أو ابن الإله أو الروح القدس، ثم ترتب على هذا كله القول بعقيدة الصلب والفداء المبتدعة.
    ثم تنازع بولس مع بطرس الذي عارضه وهاجمه، وهكذا بدأ الانحراف والتحريف في الكتب المنزلة في التوراة والإنجيل، واستمر الانحراف فيها، وما زالت الزيادات والنقصان تتم في هذه الكتب المنزلة من عند الله تعالى.
    ومن أهم النصوص التي حرفت في الإنجيل؛ تلك النصوص التي تدعو إلى عبادة الله وحده دون سواه، والتي تبين أن الإله سبحانه حي قيوم غني عن خلقه، خالق مالك مدبر، ليس له صاحبة ولا ولد، ومن أهم النصوص التي حرفت في الإنجيل تلك النصوص التي تشير إلى مجيء النبي – صلى الله عليه وسلم – وتدعو إلى الإيمان به.
    أما الغرض من التحريف فإنه يختلف باختلاف أهواء المحرفين، فمنهم من كان يحرف الإنجيل لأجل عداوته لليهود، ومنهم من يحرف لأجل أهواء الملوك والسلاطين، ومنهم من كان يحرف لأهوائه وأهواء طائفته، ومنهم من كان يحرف لبغضه للإسلام والمسلمين ونبي الإسلام خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم

                  

02-20-2008, 11:46 AM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصل الثاني (Re: Waeil Elsayid Awad)

    (( إنباء الملاك جبريل يوسف بحبل العذراء مريم ))

    أما مريم فإذ كانت عالمة مشيئة الله وموجسة خيفة أن يغضب الشعب عليها لأنها حبلى ليرجمها كأنها ارتكبت الزنا اتخذت لها عشيرا من عشيرتها قويم السيرة يدعى يوسف ، لأنه كان بارا متقيا لله يتقرب إليه بالصيام والصلوات ويرتزق بعمل يديه لأنه كان نجارا ، هذا هو الرجل الذي كانت تعرفه العذراء واتخذته عشيرا وكاشفته بالإلهام الإلهي ، ولما كان يوسف بارا عزم إذ رأى مريم حبلى على إبعادها لأنه كان يتقي الله ، وبينا هو نائم إذا بملاك الله يوبخه قائلا : لماذا عزمت على إبعاد امرأتك ، فاعلم أن ما كون فيها إنما كوّن بمشيئة الله فستلد العذراء ابنا ، وستدعونه يسوع ، وتمنع عنه الخمر والمسكر وكل لحم نجس ، لأنه قدوس الله من رحم أمه فإنه نبي من الله أرسل إلى شعب إسرائيل ليحول يهوذا إلى قلبه ، ويسلك إسرائيل في شريعة الرب كما هو مكتوب في ناموس موسى ، وسيجيء بقوة عظيمة يمنحها له الله ، وسيأتي بآيات عظيمة تفضي إلى خلاص كثيرين . فلما استيقظ يوسف من النوم شكر الله وأقام مع مريم كل حياته خادما لله بكل إخلاص .


    الفصل الثالث
    (( ولادة المسيح العجيبة وظهور الملائكة ممجدين لله ))

    كان هيرودس في ذلك الوقت ملكا على اليهودية بأمـر قيصر أوغسطس ، وكان بيلاطس حاكما في زمن الرياسة الكهنوتية لحنان وقيافا ، فعملا بأمر قيصر اكتتب جميع العالم ، فذهب إذ ذاك كل إلى وطنه وقدموا نفوسهم بحسب أسباطهم لكي يكتتبوا ، فسافر يوسف من الناصرة إحدى مدن الجليل مع امرأته وهي حبلى ذاهبا إلى بيت لحم ( لأنها كانت مدينته وهو من عشيرة داود ) ليكتتب عملا بأمر قيصر ، ولما بلغ بيت لحم لم يجد فيها مأوى إذ كانت المدينة صغيرة وحشد جماهير الغرباء كثيرا ، فنزل خارج المدينة في نزل جعل مأوى للرعاة ، وبينما كان يوسف مقيما هناك تمت أيام مريم لتلد ، فأحاط بالعذراء نور شديد التألق ، وولدت ابنها بدون ألم ، وأخذته على ذراعيها ، وبعد أن ربطته بأقمطة وضعته في المذود ، إذ لم يوجد موضع في النزل ، فجاء جوق غفير من الملائكة إلى النزل بطرب يسبحون الله ويذيعون بشرى السلام لخائفي الله ، وحمدت مريم ويوسف الله على ولادة يسوع وقاما على تربيته بأعظم سرور .


    الفصل الرابع

    (( الملائكة تبشر الرعاة بولادة يسوع ، وهؤلاء يبشرون به بعد رؤيتهم إياه ))

    كان الرعاة في ذلك الوقت يحرسون قطيعهم على عادتهم ، وإذا بنور متألق قد أحاط بهم وخرج من خلاله ملاك سبح الله ، فارتاع الرعاة بسبب النور الفجائي وظهور الملاك ، فسكن روعهم ملاك الرب قائلا : ها آنذا أبشركم بفرح عظيم ، لأنه قد ولد في مدينة داود طفل نبي للرب الذي سيحرز لبيت إسرائيل خلاصا عظيما ، وتجدون الطفل في المذود مع أمه التي تسبح الله ، وإذ قال هذا حضر جوق عظيم من الملائكة يسبحون الله ، ويبشرون الأخيار بسلام ، ولمـا انصرفت الملائكة تكلم الرعاة فيما بينهم قائلين : لنذهب إلى بيت لحم وننظر الكلمة التي كلمنا بها الله بواسطة ملاكه ، وجاء رعاة كثيرون إلى بيت لحم يطلبون الطفل المولود حديثا ، فوجدوا الطفل المولود مضطجعا في المذود خارج المدينة حسب كلمة الملاك ، فسجدوا له وقدموا للأم ما كان معهم وأخبروها بما سمعوا وأبصروا ، فأسرّت مريم هذه الأمور في قلبها ويوسف أيضا شاكرين لله ، فعاد الرعاة إلى قطيعهم يقولون لكل أحد ما أعظم ما رأوا ، فارتاعت جبال اليهودية كلها ، ووضع كل رجل الكلمة في قلبه قائلا : ما سيكون هذا الطفل يا ترى .


    الفصل الخامس
    (( ختان يسوع ))

    فلما تمت الأيام الثمانية حسب شريعة الرب كما هو مكتوب في كتاب موسى أخذا الطفل واحتملاه إلى الهيكل ليختناه ، فختنا الطفل وسمياه يسوع كما قال الملاك قبل أن حبل به في الرحم ، فعلمت مريم ويوسف أن الطفل سيكون لخلاص وهلاك كثيرين ، لذلك اتقيا الله وحفظا الطفل وربياه على خوف الله .

    الفصل السادس
    (( نجم في المشرق يهدي ثلاثة من المجوس إلى اليهودية ، فيرون يسوع ويسجدون ويقدمون له هدايا ))

    لما ولد يسوع في زمن هيرودس ملك اليهودية كان ثلاثة من المجوس في أنحاء المشرق يرقبون نجوم السماء ، فتبدى لهم نجم شديد التألق فتشاوروا من ثم فيما بينهم وجاءوا إلى اليهودية يهديهم النجم الذي يتقدمهم ، فلما بلغوا أورشليم سألوا : أين ولد ملك اليهود . فلما سمع هيرودس ذلك ارتاع واضطربت المدينة كلها فجمع من ثم هيرودس الكهنة والكتبة قائلا : أين يولد المسيح . فأجابوا : إنه يولد في بيت لحم لأنه مكتوب في النبي هكذا ( وأنت يا بيت لحم ست صغيرة بين رؤساء يهوذا لأنه سيخرج منك مدبر يرعى شعبي إسرائيل ) ، فاستحضر هيرودس إذ ذاك المجوس وسألهم عن مجيئهم ، فأجابوا : أنهم رأوا نجما في المشرق هداهم إلى هناك ، فلذلك أحبوا أن يقدموا هدايا ويسجدوا لهذا الملك الجديد الذي تبدى لهم نجمه . فقال حينئذ هيرودس : اذهبوا إلى بيت لحم وابحثوا بتدقيق عن الصبي ، ومتى وجدتموه تعالوا وأخبروني لأني أنا أيضا أريد أن أسجد له ، وهو إنما قال ذلك مكرا .
                  

02-20-2008, 01:46 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصل السابع (Re: Waeil Elsayid Awad)

    (( زيارة المجوس ليسوع وعودتهم إلى وطنهم ، عملا بإنذار يسوع إياهم في حلم ))

    وانصرف المجوس من أورشليم ، وإذا بالنجم الذي ظهر لهم في المشرق يتقدمهم ، فلما رأوا النجم امتلأوا سرورا ، ولما بلغوا بيت لحم وهم خارج المدينة وجدوا النجم واقفا فوق النزل حيث ولد يسوع ، فذهب المجوس إلى هناك ، ولما دخلوا المنزل وجدوا الطفل مع أمه ، فانحنوا وسجدوا له ، وقدم له المجوس طيوبا مع فضة وذهب ، وقصوا على العذراء كل ما رأوا ، وبينما كانوا نياما حذرهم الطفل من الذهاب إلى هيرودس ، فانصرفوا في طريق أخرى وعادوا إلى وطنهم وأخبروا بما رأوا في اليهودية .

    الفصل الثامن
    (( الهرب بالمسيح إلى مصر وقتل هيرودس الأطفال ))

    فلما رأى هيرودس أن المجوس لم يعودوا إليه ظن أنهم سخروا منه ، فعقد النية على قتل الطفل الذي ولد ، ولكن بينما كان يوسف نائما ظهر له ملاك الرب قائلا : انهض عاجلا وخذ الطفل وأمه واذهب إلى مصر لأن هيرودس يريد أن يقتله . فنهض يوسف بخوف عظيم وأخذ مريم والطفل وذهبوا إلى مصر ، ولبثوا هناك حتى موت هيرودس الذي حسب أن المجوس قد سخروا منه ، فأرسل جنوده ليقتلوا كل الأطفال المولودين حديثا في بيت لحـم ، فجاء الجنود وقتلوا كل الأطفال الذين كانوا هناك كما أمرهم هيرودس ، حينئذ تمَّت كلمات النبي القائل ( نواح وبكاء في الرامة ، راحيل تندب أبناءها وليس لها تعزية لأنهم ليسوا بموجودين ) .

    الفصل التاسع
    (( يسـوع يحــاج العلماء بعد رجـوعـه إلى الـيـهودية ، وبلوغـه اثني عشر عـامـا من الـعـمـر ))

    ولما مات هيرودس ظهر ملاك الرب في حلم ليوسف قائلا : عد إلى اليهودية لأنه قد مات الذين كانوا يريدون موت الصبي ، فأخذ يوسف الطفل ومريم ( وكان الطفل بالغا سبع سنين من العمر ) وجاء إلى اليهودية حيث سمع أن أرخيلاوس بن هيرودس كان حاكما في اليهودية ، فذهب إلى الجليل لأنه خاف أن يبقى في اليهودية ، فذهبوا ليسكنوا في الناصرة ، فنما الصبي في النعمة والحكمة أمام الله والناس ، ولما بلغ يسوع اثنتي عشرة سنة من العمر صعد مع مريم ويوسف إلى أورشليم ليسجد هناك حسب شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى ، ولما تمت صلواتهم انصرفوا بعد أن فقدوا يسوع ، لأنهم ظنوا أنه عاد إلى الوطن مع أقربائهم ، ولذلك عادت مريم مع يوسف إلى أورشليم ينشدان يسوع بين الأقرباء والجيران ، وفي اليوم الثالث وجدوا الصبي في الهيكل وسط العلماء يحاجهم في أمر الناموس ، وأعجب كل أحد بأسئلته وأجوبته قائلا : كيف أوتي مثل هذا العلم وهو حدث ولم يتعلم القراءة .

    فعنفته مريم قائلة : يا نبي ماذا فعلت بنا فقد نشدتك وأبوك ثلاثة أيام ونحن حزينان . فأجاب يسوع : ألا تعلمين أن خدمة الله يجب أن تقدم على الأب وألام . ثم نزل يسوع مع أمه ويوسف إلى الناصرة ، وكان مطيعا لهما بتواضع واحترام .

    الفصل العاشر
    (( يسوع وهو ابن ثلاثين سـنة ، يتـلـقى عـلى جبـل الزيتـون الإنجيـل من المـلاك جبريــل ))

    ولما بلغ يسوع ثلاثين سنة من العمر كما أخبرني بذلك نفسه صعد إلى جبل الزيتون مع أمه ليجني زيتونا ، وبينما كان يصلي في الظهيرة وبلغ هذه الكلمات ( يارب برحمه .. ) وإذا بنور باهر قد أحاط به وجوق لا يحصى من الملائكة كانوا يقولون ( ليتمجد الله ) ، فقدم له الملاك جبريل كتابا كأنه مرآة براقة ، فنزل إلى قلب يسوع الذي عرف به ما فعل الله وما قال الله وما يريد الله حتى أن كل شيء كان عريانا ومكشوفا له ، ولقد قال لي : ( صدق يا برنابا أني أعرف كل نبي وكل نبوة وكل مـا أقوله إنما قد جاء من ذلك الكتاب ) . ولما تجلت هذه الرؤيا ليسوع وعلم أنه نبي مرسل إلى بيت إسرائيل كاشف مريم أمه بكل ذلك قائلا لها : أنه يترتب عليه احتمال اضطهاد عظيم لمجد الله وأنه لا يقدر فيما بعد أن يقيم معها ويخدمها . فلما سمعت مريم هذا أجابت : ( يا بني إني نبئت بكل ذلك قبل أن تولد فليتمجد اسم الله القدوس ) . ومن ذلك اليوم انصرف يسوع عن أمه ليمارس وظيفته النبوية .

    الفصل الحادي عشر
    (( يسوع يشفي الأبرص ويذهب إلى أورشليم ))

    ولما نزل يسوع من الجبل ليذهب إلى أورشليم التقى بأبرص علم بإلهام إلهي أن يسوع نبي ، فتضرع إليه باكيا قائلا : يا يسوع بن داود ارحمني ، فأجاب يسوع : ماذا تريد أيها الأخ أن أفعل لك ، فأجاب الأبرص : يا سيدي أعطني صحة ، فوبخه يسوع قائلا : إنك لغبي اضرع إلى الله الذي خلقك وهو يعطيك صحة لأنني رجل نظيرك ، فأجاب الأبرص أعلم يا سيدي أنك إنسان ولكنك قدوس الرب فاضرع إذا إلى الله وهو يعطيني صحة ، فتنهد يسوع وقال : أيها الرب الإله القدير لأجل محبة أنبيائك الأطهار أبرئ هذا العليل ، ولما قال ذلك لمس العليل بيديه وقال : باسم الله أيها الأخ ابرأ ، ولما قال ذلك برئ من برصه حتى أن جسده الأبرص أصبح كجسد طفل ، فلما رأى الأبرص ذلك وعلم أنه قد برئ صرخ بصوت عال : تعال إلى هنا يا إسرائيل وتقبل النبي الذي بعثه الله إليك ، فرجاه يسوع قائلا : أيها الأخ أصمت ولا تقل شيئا ، فلم يزده الرجاء إلا صراخا قائلا : هاهو ذا النبي هاهو ذا قدوس الله ، فلما سمع هذه الكلمات كثيرون من الذين كانوا ذاهبين إلى أورشليم رجعوا مسرعين ، ودخلوا أورشليم مع يسوع وقصوا ما صنع الله للأبرص بواسطة يسوع .

    الفصل الثاني عشر
    (( الموعظة الأولى التي ألقاها يسوع على الشعب وغرائبها ، من حيث ما يتعلق منها بـإسم الله ))

    فاضطربت المدينة كلها لهذه الكلمات ، وأسرع الجميع إلى الهيكل ليروا يسوع الذي دخل إليه ليصلي حتى ضاق بهم المكان ، فتقدم الكهنة إلى يسوع قائلين : إن هذا الشعب يحب أن يراك ويسمعك فارتق إذا الدكة وإذا أعطاك الله كلمة فتكلم بها بإسم الرب ، فارتقى يسوع الموضع الذي اعتاد الكتبة التكلم فيه ، وإذ أشار بيده إيماءا للصمت فتح فاه قائلا : تبارك اسم الله القدوس الذي من بسرّه ورحمته أراد فخلق خلائقه ليمجدوه ، تبارك اسم الله القدوس الذي خلق نور جميع القديسين والأنبياء قبل كل الأشياء ليرسله لخلاص العالم كما تكلم بواسطة عبده داود قائلا : ( قبل كوكب الصبح في ضياء القديسين خلقتك ) ، تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الملائكة ليخدموه ، وتبارك الله الذي قاص وخذل الشيطان وأتباعه الذين لم يسجدوا لمن أحب الله يسجد له ، تبارك اسم الله القدوس الذي خلق الإنسان من طين الأرض وجعله قيما على أعماله ، تبارك اسم الله القدوس الذي طرد الإنسان من الفردوس لأنه عصا أوامره الطاهرة ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته نظر بإشفاق إلى دموع آدم وحواء أبوي الجنس البشري ، تبارك اسم الله القدوس الذي قاص بعدل قايين قاتل أخيه وأرسل الطوفان على الأرض وأحرق ثلاث مدن شريرة وضرب مصر وأغرق فرعون في البحر الأحمر وبدد شمل أعداء شعبه وأدب الكفرة وقاص غير التائبين ، تبارك اسم الله القدوس الذي برحمته أشفق على خلائقه فأرسل إليهم أنبياءه ليسيروا في الحق والبر أمامه ، الذي أنقذ عبيده من كل شر وأعطاهم هذه الأرض كما وعد أبانا إبراهيم وابنه إلى الأبد ، ثم أعطانا ناموسه الطاهر على يد عبده موسى لكي لا يغشنا الشيطان ورفعنا فوق جميع الشعوب ، ولكن أيها الإخوة ماذا نفعل اليوم لكي لا نجازى على خطايانا ؟ وحينئذ وبخ يسوع الشعب بأشد عنف لأنهم نسوا كلمة الله وأسلموا أنفسهم للغرور فقط ، ووبخ الكهنة لإهمالهم خدمة الله ولجشعهم ، ووبخ الكتبة لأنهم علَّموا تعاليم فاسدة وتركوا شريعة الله ، ووبخ العلماء لأنهم أبطلوا شريعة الله بواسطة تقاليدهم ، وأثر كلام يسوع في الشعب حتى أنهم بكوا جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم يستصرخون رحمته ويضرعون إلى يسوع لكي يصلي لأجلهم ، ما خلا كهنتهم ورؤساءهم الذين أضمروا في ذلك اليوم العداء ليسوع لأنه تكلم هكذا ضد الكهنة والكتبة والعلماء فصمموا على قتله ، ولكنهم لم ينبسوا بكلمة خوفا من الشعب الذي قبله نبيا من الله ، ورفع يسوع يديه إلى الرب الإله وصلى ، فبكى الشعب وقالوا ( ليكن كذلك يارب ليكن كذلك ) ، ولما انتهت الصلاة نزل يسوع من الهيكل وسافر ذلك اليوم من أورشليم مع كثيرين من الذين تبعوه ، وتكلم الكهنة فيما بينهم بالسوء في يسوع .

    الفصل الثالث عشر
    (( خوف يسوع وصلاته وتعزية الملاك جبريل العجيبة ))

    ولما مضت بعض أيام وكان يسوع عالما بالروح رغبة الكهنة صعد إلى جبل الزيتون ليصلي ، وبعد أن صرف الليل كله في الصلاة صلى يسوع في الصباح قائلا : يارب إني عالم أن الكتبة يبغضونني ، والكهنة مصممون على قتلي أنا عبدك ، لذلك أيها الرب الإله القدير الرحيم اسمع برحمه صلوات عبدك ، وأنقذني من حبائلهم لأنك أنت خلاصي ، وأنت تعلم يارب أني أنا عبدك إياك أطلب يارب وكلمتك أتكلم ، لأن كلمتك حق هي تدوم إلى الأبد ، ولما أتم يسوع هذه الكلمات إذا بالملاك جبريل قد جاء إليه قائلا : لا تخف يا يسوع لأن ألف ألف من الذين يسكنون فـوق السماء يحرسون ثيابك ، ولا تموت حتى يكمل كل شيء ويمسي العالم على وشك النهاية ، فخر يسوع على وجهه إلى الأرض قائلا : أيها الإله الرب العظيم ما أعظم رحمتك لي ، وماذا أعطيك يارب مقابل ما أحسنت به إليّ ، فأجاب الملاك جبريل أنهض يا يسوع واذكر إبراهيم الذي كان يريد أن يقدم ابنه الوحيد اسماعيل ذبيحة لله ليتم كلمات الله ، فلما لم تقو المدية على ذبح ابنه قدم عملا بكلمتي كبشا ، فعليك أن تفعل ذلك يا يسوع خادم الله ، فأجابه يسوع سمعا وطاعة ، ولكن أين أجد الحمل وليس معي نقود ولا تجوز سرقته ، فدله إذ ذاك الملاك جبريل على كبش فقدمه يسوع ذبيحة حامدا ومسبحا لله الممجد إلى الأبد .

    الفصل الرابع عشر
    (( المسيح ينتخب اثني عشر تلميذا بعد صيام أربعين يوما ))

    ونزل يسوع من الجبل وعبر وحده ليلا إلى الجانب الأقصى من عبر الأردن ، وصام أربعين يوما وأربعين ليلة لم يأكل شيئا ليلا ولا نهارا ضارعا دوما إلى الرب لخلاص شعبه الذي أرسله الله إليه ، فلما انقضت الأربعون يوما جاع ، فظهر له حينئذ الشيطان وجربه بكلمات كثيرة ، ولكن يسوع طرده بقوة كلمات الله ، فلما انصرف الشيطان جاءت الملائكة وقدمت ليسوع كل ما يحتاج ، أما يسوع فعاد إلى نواحي أورشليم ووجده الشعب مرة أخرى بفرح عظيم ، ورجاه أن يمكث معهم لأن كلماته لم تكن ككلمات الكتبة بل كانت قوية لأنها أثرت في القلب ، فلما رأى يسوع أن الجمهور الذي عاد إلى نفسه ليسلك في شريعة الله جمهور غفير صعد الجبل ومكث كل الليل بالصلاة ، فلما طلع النهار نزل من الجبل وانتخب إثني عشر سماهم رسلا منهم يهوذا الذي صلب ، أما اسماؤهم فهي ، اندراوس وأخوه بطرس الصياد ، وبرنابا الذي كتب هذا مع متى العشار الذي كان يجلس للجباية ، يوحنا ويعقوب ابنا زبدى ، تداوس ويهوذا ، برتولوماوس وفيلبس ، يعقوب ويهوذا الإسخريوطي الخائن ، فهؤلاء كاشفهم على الدوام بالأسرار الإلهية ، أما يهوذا الإسخريوطي فأقامه وكيلا على ما كان يعطى للصدقات فكان يختلس العشر من كل شيء .

    الفصل الخامس عشر
    (( الآية التي فعلها المسيح في العرس حيث حول الماء خمرا ))

    ولما اقترب عيد المظال دعا غني يسوع وتلاميذه وأمه إلى العروس ، فذهب يسوع ، وبينما هم في الوليمة فرغت الخمر ، فكلمت أم يسوع إياه قائلة : ليس لهم خمر ، فأجاب يسوع : ما شأني في ذلك يا أماه ؟ فأوصت أمه الخدمة أن يطيعوا يسوع المسيح في كل ما يأمرهم به ، وكانت هناك ستة أجران للماء حسب عادة إسرائيل ليطهروا أنفسهم للصلاة ، فقال يسوع : املأوا هذه الأجران ماءا ، ففعل الخدمة هكذا ، فقال لهم يسوع : بإسم الله اسقوا المدعوين ، فقدم الخدمة إلى مدبر الحفلة الذي وبخ الأتباع قائلا : أيها الخدمة الأخساء لماذا أبقيتم الخمر الجيدة حتى الآن ؟ لأنه لم يعرف شيئا مما فعل يسوع ، فأجاب الخدمة : يوجد هنا رجل قدوس الله لأنه جعل من الماء خمرا ، غير أن مدبر الحفلة ظن أن الخدمة سكارى ، أما الذين كانوا جالسين بجانب يسوع فلما رأوا الحقيقة نهضوا عن المائدة واحتفوا به قائلين : حقا إنك قدوس الله ونبي صادق مرسل إلينا من الله ، حينئذ آمن به تلاميذه ، وعاد كثيرون إلى أنفسهم قائلين : الحمد لله الذي أظهر رحمة لإسرائيل وافتقد بيت يهوذا بمحبته تبارك اسمه الأقدس .
                  

02-20-2008, 01:56 PM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل السابع (Re: Waeil Elsayid Awad)

    تسجيل حضور







    ________________
    شنو وينك ؟
                  

02-20-2008, 02:09 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل السابع (Re: Mohamed E. Seliaman)

    الاستاذ محمد E سليمان
    تشكر على المرور
                  

02-20-2008, 02:10 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل السابع (Re: Mohamed E. Seliaman)

    الاستاذ محمد E سليمان
    تشكر على المرور
                  

02-20-2008, 01:59 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52555

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإنجيل الصحيح لعيسى المسيح عليه الصلاة والسلام (Re: Waeil Elsayid Awad)

    الامانة الادبية تقتضي عليك بأن تنقل الرابط أو المصدر.

    ولكن لأنك خجلان من مصدرك المشبوه فأنت لا تنقله.

    الذي تقوم بفعله الان هو تزوير وعدم أمانة.

    وهذا هي شيمة الوهابية والسلفية بالبورد.



    دينق.
                  

02-20-2008, 02:06 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإنجيل الصحيح لعيسى المسيح عليه الصلاة والسلام (Re: Deng)

    دينق
    دة لا خبر و لا محاضرة و لا مقال
    عشان اشير الى المصدر
    دة كتاب
    مطبوع و منشور لو فتشت النت يمكن تلاقى نسخة منو
    Quote: ولكن لأنك خجلان من مصدرك المشبوه فأنت لا تنقله

    خجلان من شنو ؟
    لى جايبو من موقع سكس و لا من منتدى شواذ
                  

02-20-2008, 03:03 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصل السادس عشر (Re: Waeil Elsayid Awad)

    (( التعاليم العجيبة التي علمها لتلاميذه ، بخصوص الارتداد عن الحياة الشريرة ))

    وجمع يسوع ذات يوم تلاميذه وصعد إلى الجبل ، فلما جلس هناك دنا منه التلاميذ ففتح فاه وعلمهم قائلا : عظيمة هي النعم التي أنعم بها الله علينا فترتب علينا من ثم أن نعبده بإخلاص قلب ، وكما أن الخمر الجديدة توضع في أوعية جديدة هكذا يترتب عليكم أن تكونوا رجالا جددا إذا أردتم أن تعوا التعاليم الجديدة التي ستخرج من فمي ، الحق أقول لكم كما أنه لا يتأتى للإنسان أن ينظر بعينه السماء والأرض معا في وقت واحد فكذلك يستحيل عليه أن يحب الله والعالم . لا يقدر رجل أبدا أن يخدم سيدين أحدهما عدو للآخرين لأنه إذا أحبك أحدهما أبغضك الآخر ، فكذلك أقول لكم حقا أنكم لا تقدرون أن تخدموا الله والعالم ، لأن العالم موضوع في النفاق والجشع والخبث ، لذلك لا تجدون راحة في العالم بل تجدون بدلا منها اضطهادا أو خسارة ، إذا فاعبدوا الله واحتقروا العالم ، إذ مني تجدون راحة لنفوسكم ، أصيخوا السمع لكلامي لأني أكلمكم بالحق ، طوبى للذين ينوحون في هذه الحياة لأنهم يتعزون ، طوبى للمساكين الذين يعرضون حقا عن ملاذ العالم لأنهم سيتنعمون بملاذ ملكوت الله ، طوبى للذين يأكلون على مائدة الله لأن الملائكة ستقوم على خدمتهم ، أنتم مسافرون كسياح ، أيتخذ السائح لنفسه على الطريق قصورا وحقولا وغيرها من حطام العالم ، كلا ثم كلا ولكنه يحمل أشياء خفيفة ذات فائدة وجدوى في الطريق ، فليكن هذا مثلا لكم ، وإذا أحببتم مثلا آخر فاني أضربه لكم لكي تفعلوا كل ما أقوله لكم ، لا تثقلوا قلوبكم بالرغائب العالمية قائلين من يكسونا أو من يطعمنا ، بل انظروا الزهور والأشجار مع الطيور التي كساها وغذاها الله ربنا بمجد أعظم من كل مجد سليمان ، والله الذي خلقكم ودعاكم إلى خدمته هو قادر أن يغذيكم ، الذي أنزل المن من السماء على شعبه إسرائيل في البرية أربعين سنة وحفظ أثوابهم من أن تعتق أو تبلى ، أولئك الذين كانوا ستمائة وأربعين ألف رجل خلا النساء والأطفال .

    الحق أقول لكم أن السمـاء والأرض تهنان بيد أن رحمته لا تهن للذين يتقونه ، أغنياء العالم هم على رخائهم جياع وسيهلكون ، كان غني ازدادت ثروته فقال : ماذا أفعل يا نفسي ، إني أهدم أهرائي لأنها صغيرة وأبني أخرى جديدة أكبر منها فتظفرين بمناك يا نفسي ، إنه لخاسر لأنه في تلك الليلة توفى ، ولقد كان يجب عليه العطف على المسكين وأن يجعل لنفسه أصدقاء من صدقات أموال الظلم في هذا العالم لأنهـا تأتي بكنوز في عالم السماء ، وقولوا لي من فضلكم إذا وضعتم دراهمكم في مصرف عشار فأعطاكم عشرة أضعاف وعشرين ضعفا أفلا تعطون رجلا كهذا كل مالكم ، ولكن الحق أقول لكم أنكم مهما أعطيتم وتركتم لأجل محبة الله فستستردونه مائة ضعف مع الحياة الأبدية ، فانظروا إذا كم يجب عليكم أن تكونوا مسرورين في خدمة الله .


    الفصل السابع عشر
    (( عدم إيمان التلاميذ ودين ( مامن ) الصحيح ))

    ولما قال يسوع ذلك أجاب فيلبس : إننا لراغبون في خدمة الله ولكننا نرغب أيضا أن نعرف الله ، لأن إشعيا النبي قال ( حقا إنك لإله محتجب ) ، وقال الله لموسى عبده ( أنا الذي هو أنا ) أجاب يسوع : يا فيلبس إن الله صلاح بدونه لا صلاح ، إن الله موجود بدونه لا وجود ، إن الله حياة بدونها لا أحياء ، هو عظيم حتى أنه يملأ الجميع وهو في كل مكان ، هو وحده لا ند له ، لا بداية ولا نهاية له ولكنه جعل لكل شيء بداية وسيجعل لكل شيء نهاية ، لا أب و لا أم له ، لا أبناء ولا إخوة ولا عشراء له ، ولما كان ليس لله جسم فهو لا يأكل ولا ينام ولا يموت ولا يمشي ولا يتحرك ، ولكنه يدوم إلى الأبد بدون شبيه بشري ، لأنه غير ذي جسد وغير مركب وغير مادي وأبسط البسائط ، وهو جواد لا يحب إلا الجود ، وهو مقسط حتى إذا هو قاص أو صفح فلا مرد له ، وبالإختصار أقول لك يا فيلبس أنه لا يمكنك أن تراه وتعرفه على الأرض تمام المعرفة ، ولكنك ستراه في مملكته إلى الأبد حيث يكون قوام سعادتنا ومجدنا ، أجاب فيلبس : ماذا تقول يا سيد حقا لقد كتب في إشعيا أن الله أبونا فكيف لا يكون له بنون ؟ ، أجاب يسوع : إنه في الأنبياء مكتوب أمثال كثيرة لا يجب أن تأخذها بالحرف بل بالمعنى ، لأن كل الأنبياء البالغين مائة وأربعة وأربعين ألفا الذين أرسلهم الله إلى العالم قد تكلموا بالمعميات بظلام ، ولكن سيأتي بعد بهاء كل الأنبياء الأطهار فيشرق نورا على ظلمات سائر ما قال الأنبياء ، لأنه رسـول الله ولما قال هذا تنهد يسوع وقال : ارأف بإسرائيل أيها الرب الإله وانظر بشفقة على إبراهيم وعلى ذريته لكي يخدموك بإخلاص قلب فأجاب تلاميذه : ليكن كذلك أيها الرب الإله ، وقال يسوع : الحق أقول لكم أن الكتبة والعلماء قد أبطلوا شريعة الله بنبواتهم الكاذبة المخالفة لنبوات أنبياء الله الصادقين ، لذلك غضب الله على بيت إسرائيل وعلى هذا الجيل القليل الإيمان ، فبكى تلاميذه لهـذه الكلمات وقالوا : ارحمنا يا الله ترأف على الهيكل والمدينة المقدسة ولا تدفعها إلى احتقار الأمم لكي لا يحتقروا عهدك ، فأجاب يسوع : وليكن كذلك أيها الرب إله آبائنا .

    الفصل الثامن عشر
    (( يوضح هنا اضطهاد العالم بخدمة الله وأن حماية الله تقيهم ))

    وبعد أن قال يسوع هذا قال : لستم أنتم الذين اخترتموني بل أنا اخترتكم لتكونوا تلاميذي ، فإذا أبغضكم العالم تكونون حقا تلاميذي ، لأن العالم كان دائما عدو عبيد خدمة الله ، تذكروا الأنبياء والأطهار الذين قتلهم العالم ، كما حدث في أيام إيليا إذ قتلت إيزابل عشرة آلاف نبي حتى بالجهد نجا إيليا المسكين وسبعة آلاف من أبناء الأنبياء الذين خبأهم رئيس جيش أخاب ، أواه من العالم الفاجر الذي لا يعرف الله ، إذا لا تخافوا أنتم لأن شعور رؤوسكم محصاة كي لا تهلك ، انظروا العصفور الدوري الطيور الأخرى التي لا تسقط منها ريشة بدون إرادة الله ، أيعتني الله بالطيور أكثر من اعتنائه بالإنسان الذي لأجله خلق كل شيء ؟ أيتفق وجود إنسان أشد اعتناءا بحذائه منه بإبنه ، كلا ثم كلا ، أفلا يجب عليكم بالأولى أن تظنوا أن الله لا يهملكم وهو المعتني بالطيور ، وليكن لماذا أتكلم عن الطيور بل لا تسقط ورقة من شجرة بدون إرادة الله ، صدقوني لأني أقول لكم الحق أن العالم يرهبكم إذا حفظتم كلامي ، لأنه لو لم يخشى فضيحة فجوره لما أبغضكم ولكنه يخشى فضيحته ولذلك يبغضكم ويضطهدكم ، فإذا رأيتم العالم يستهين بكلامكم فلا تحزنوا بل تأملوا كيف أن الله وهو أعظم منكم قد استهان به أيضا العالم حتى حسبت حكمته جهالة ، فإذا كان الله يحتمل العالم بصبر فلماذا تحزنون أنتم يا تراب وطين الأرض ، فصبركم تملكون أنفسكم ، فإذا لطمكم أحد على خد فحولوا له الآخر ليلطمه ، لا تجازوا شرا بشر لأن ذلك ما تفعله شر الحيوانات كلها ، ولكن جازوا الشر بالخير وصلوا لله لأجـل الذين يبغضونكم ، النار لا تطفأ بالنار بل بالماء لذلك أقول لكم لا تغلبوا الشر بالشر بل بالخير ، انظروا الله الذي جعل شمسه تطلع على الصالحين والطالحين وكذلك المطر ، فكذلك يجب عليكم أن تفعلوا خيرا مع الجميع لأنه مكتوب في الناموس كونوا قديسين لأني أنا إلهكم قدوس كونوا أنقياء لأني أنا نقي وكونوا كاملين لأني أنا كامـل ، الحق أقول لكم أن الخادم يحاول إرضاء سيده ، وأثوابكم هي إرادتكم ومحبتكم ، احذروا إذا من أن تريدوا أو تحبوا شيئا غير مرضي من الله ربنا ، أيقنوا أن الله يبغض بهرجة وشهوات العالم لذلك أبغضوا أنتم العالم .

    الفصل التاسع عشر
    (( المسيح ينذر بتسليمه ويشفي عشرة برص ، عند نزوله من الجبل ))

    ولما قال يسوع ذلك أجاب بطرس : يا معلم لقد تركنا كل شيء لنتبعك فما مصيرنا ؟ أجاب يسوع : إنكم لتجلسون يوم الدينونة بجانبي لتشهدوا على أسباط إسرائيل الإثني عشر ، ولما قال يسوع ذلك تنهد قائلا : يارب ما هذا ؟ إني قد اخترت اثني عشر فكان واحد منهم شيطانا ، فحزن التلاميذ جدا لهذه الكلمة ، فعند ذلك سأل الذي يكتب يسوع سرا بدموع قائلا : يا سيد أيخدعني الشيطان وهل أكون منبوذا ، فأجاب يسوع : لا تأسف يا برنابا لأن الذين اختارهم الله قبل خلق العالم لا يهلكون تهلل لأن اسمك مكتوب في سفر الحياة ، وعزى يسوع تلاميذه قائلا : لا تخافوا لأن الذي سيبغضني لا يحزن لكلامي لأنه ليس فيه الشعور الإلهي ، فتعزى المختارون بكلامه ، وأدى يسوع صلواته ، وقال التلاميذ : آمين ليكن هكذا أيها الرب الإله القدير الرحيم ، ولما انتهى يسوع من العبادة نزل من الجبل مع تلاميذه ، والتقى بعشرة برص صرخوا من بعيد : يا يسوع ابن داود ارحمنا ، فدعاهم يسوع إلى قربه وقال لهم : ماذا تريدون مني أيها الإخوة ؟ فصرخوا جميعهم : أعطنا صحة ، أجاب يسوع : أيها الأغبياء أفقدتم عقلكم حتى تقولوا : أعطنا صحة ، ألا ترون أني إنسان نظيركم ؟ ادعوا إلهنا الذي خلقكم وهو القدير الرحيم يشفكم ، فأجاب البرص بدموع : إننا نعلم أنك إنسان نظيرنا ، ولكنك قدوس الله ونبي الرب فَصَلْ لله ليشفينا ، فتضرع الرسل إلى يسوع قائلين يا معلم ارحمهم ، حينئذ أنّ يسوع وصلى قائلا : أيها الرب الإله القدير الرحيم ، ارحم وأصخ السمع إلى كلمات عبدك ارحم رجـاء هؤلاء الرجال ، وامنحهم صحة لأجل محبة إبراهيم أبينا وعهدك المقدس ، وإذ قال يسوع ذلك تحول إلى البرص وقال : اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة بحسب شريعة الله ، فانصرف البرص وبرئوا على الطريق ، فلما رأى أحدهم أنه برئ عاد ينشد يسوع ، وكان إسماعيليا ، وإذ وجد يسوع انحنى احترامـا له قائلا : إنك حقا قدوس الله ، وتضرع إليه بشكر لكي يقبله خادما ، أجاب يسوع : قد برئ عشرة فأين التسعة ؟ وقال للذي برئ : إني ما أتيت لأُخدَم بل لأخدِم ، فاذهب إذا إلى بيتك ، واذكر ما أعظم ما فعل الله بك لكي يعلموا أن الوعود الموعود بها إبراهيم وابنه مع ملكوت الله آخذة في الاقتراب ، فانصرف الأبرص المبرأ ولما بلغ جيرة حيه قص ما صنع الله به بواسطة يسوع .

    الفصل العشرون
    (( الآية التي فعلها يسوع في البحر وإعلانه أين يقبل النبي ))

    وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في المركب مسافرا إلى الناصرة مدينته ، فحدث نوء عظيم في البحر حتى أشرف المركب على الغرق ، وكان يسوع نائما في مقدم المركب ، فدنا منه تلاميذه وأيقظوه قائلين : يا سيد خلص نفسك فإننا هالكون ، وأحاط بهم خوف عظيم بسبب الريح الشديدة التي كانت مضادة وعجيج البحر ، فنهض يسوع ورفع عينيه نحو السماء وقال : يا ألوهيم الصباؤت ارحم عبيدك ، ولما قال يسوع هذا سكنت الريح حالا وهدأ البحر ، فجزع النوتية قائلين : ومن هو هذا حتى أن البحر والريح يطيعانه ، ولما بلغ مدينة الناصرة أذاع النوتية في المدينة كل ما فعله يسوع ، فمثل بين يديه الكتبة والعلماء وقالوا : لقد سمعنا كم فعلت في البحر واليهودية فأتنا إذا بآية من الآيات هنا في وطنك ، فأجاب يسوع : يطلب هذا الجيل العديم الإيمان آية ولكن لن تعطى لأنه لا يقبل نبي في وطنه ولقد كانت في زمن إيليا أرامل كثيرات في اليهودية ولكنه لم يرسل ليقات إلا إلى أرملة صيدا ، وكان البرص في زمن اليشع في اليهودية كثيرين ولكن لم يبرأ إلا نعمان السرياني ، فحنق أهل المدينة وأمسكوه واحتملوه إلى شفا جرف ليرموه ولكن يسوع مشى في وسطهم وانصرف عنهم .

    الفصل الحادي والعشرون
    (( يسوع يشفي مجنونا وطرح الخنازير في البحر ، وإبراؤه ابنة الكنعانية ))

    صعد يسوع إلى كفر ناحوم ودنا من المدينة ، وإذا بشخص خرج من بين القبور كان به شيطان تمكَّن منه حتى لم تقو سلسلة على إمساكه فألحق بالناس ضررا كثيرا ، فصرخت الشياطين من فيه قائلة : يا قدوس الله لماذا جئت قبل الوقت لتزعجنا ، وتضرعوا إليه ألا يخرجهم ، فسألهم يسوع كم عددهم ، فأجابوا : ستة آلاف وستمائة وستة وستون ، فلما سمع التلاميذ هذا ارتاعوا وتضرعوا إلى يسوع أن ينصرف ، حينئذ أجـاب يسوع ، أين إيمانكم ؟ يجب على الشيطان أن ينصرف لا أنا ، فحينئذ صرخت الشياطين قائلة : إننا نخرج ولكن اسمح لنا أن ندخل في تلك الخنازير ، وكان يرعى هناك بجانب البحر نحو عشرة آلاف خنزير للكنعانيين ، فقال يسوع : أخرجوا وادخلوا في الخنازير ، فدخلت الشياطين الخنازير بجئير وقذفت بها إلى البحر ، حينئذ هرب إلى المدينة رعاة الخنازير وقصوا كل ما جرى على يد يسوع ، فخرج من ثم رجال المدينة فوجدوا يسوع والرجل الذي شفي ، فارتاع الرجال وضرعوا إلى يسوع أن ينصرف عن تخومهم ، فانصرف من ثم عنهم وصعد إلى نواحي صور وصيدا ، وإذا بإمرأة من كنعان مع ابنيها قد جاءت من بلادها لترى يسوع ، فلما رأته آتيا مع تلاميذه صرخت : يا يسوع ابن داود ارحم ابنتي التي يعذبها الشيطان ، فلم يجب يسوع بكلمة واحدة لأنهم كانوا من غير أهل الختان ، فتحنن التلاميذ وقالوا : يا معلم تحنن عليهم انظر ما أشد صراخهم وعويلهم ، فأجاب يسوع : إني لم أرسل إلا إلى شعب إسرائيل ، فتقدمت المرأة وابناها إلى يسوع معولة قائلة : يا يسوع بن داود ارحمني ، أجاب يسوع لا يحسن أن يأخذ الخبز من أيدي الأطفال ويطرح للكلاب ، وإنما قال يسوع هذا لنجاستهم لأنهم كانوا من غير أهل الختان ،

    فأجابت المرأة : يا رب إن الكلاب تأكل الفتات الذي يسقط من مائدة أصحابها ، حينئذ انذهل يسوع من كلام المرأة وقال : أيتها المرأة إن إيمانك لعظيم ، ثم رفع يديه إلى السماء وصلى لله ثم قال : أيتها المرأة قد حررت ابنتك فاذهبي في طريقك بسلام ، فانصرفت المرأة ولما عادت إلى بيتها وجدت ابنتها التي تسبح الله ، لذلك قالت المرأة : حقا لا إله إلا إله إسرائيل ، فانضم من ثم أقرباؤها إلى الشريعة عملا بالشريعة المسطورة في كتاب موسى .
                  

02-20-2008, 04:32 PM

Balla Musa
<aBalla Musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 15238

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل السادس عشر (Re: Waeil Elsayid Awad)
                  

02-20-2008, 06:57 PM

Balla Musa
<aBalla Musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 15238

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل السادس عشر (Re: Balla Musa)
                  

02-20-2008, 07:08 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل السادس عشر (Re: Balla Musa)

    هسي لو اتينا بدلائل ان الاسلام دين غير سماوي العالم الاسلامي تجن جنونه و
    المتطرفين على هذا المنبر سيفجرون انفسهم!!!
    لكم تحية
                  

02-20-2008, 07:13 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصل الثاني والعشرون (Re: Waeil Elsayid Awad)

    الفصل الثاني والعشرون
    (( شقاء غير المختونين يكون الكلب أفضل منهم ))

    فسأل التلاميذ يسوع في ذلك النهار قائلين : يا معلم لماذا أجبت المرأة بهذا الجواب قائلا أنهم كلاب ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم أن الكلب أفضل من رجل غير مختون ، فحزن التلاميذ قائلين : إن هذا الكلام لثقيل ومن يقوى على قبوله ، أجاب يسوع : إذا لاحظتم أيها الجهال ما يفعل الكلب الذي لا عقل له لخدمة صاحبه علمتم أن كلامي صادق ، قولوا لي أيحرس الكلب بيت صاحبه ويعرض نفسه للص ؟ نعم ولكن ما جزاؤه ؟ ضرب كثير وأذى مع قليل من الخبز وهو يظهر لصاحبه وجها مسرورا أصحيح هذا ؟ فأجاب التلاميذ : إنه لصحيح يا معلم ، حينئذ قال يسوع : تأملوا إذا ما أعظم ما وهب الله الإنسان فتروا إذا ما أكفره لعدم وفائه بعهد الله مع عبده إبراهيم ، اذكروا ما قاله داود لشاول ملك إسرائيل ضد جليات الفلسطيني ، قال داود ( يا سيدي بينما كان يرعى عبدك قطيعه جاء ذئب ودب وأسد وانقضت على غنم عبدك ، فجاء عبدك وقتلها وأنقذ الغنم ، وما هذا الأغلف إلا كواحد منها ، لذلك يذهب عبدك باسم الرب إله إسرائيل ويقتل هذا النجس الذي يجدف على شعب الله الطاهر ) حينئذ قال التلاميذ : قل لنا يا معلم لأي سبب يجب على الإنسان الختان ؟ فأجاب يسوع : يكفيكم أن الله أمر به إبراهيم قائلا : ( يا إبراهيم اقطع غرلتك وغرلة كل بيتك لأن هذا عهد بيني وبينك إلى الأبد ) .

    الفصل الثالث والعشرون
    (( أصل الختان وعهد الله مع إبراهيم ولعنة الغلف ))

    ولما قال ذلك يسوع جلس قريبا من الجبل الذي كانوا يشرفون عليه ، فجاء تلاميذه إلى جانبه ليصغوا إلى كلامه ، حينئذ قال يسوع : إنه لما أكل آدم الإنسان الأول الطعام الذي نهاه الله عنه في الفردوس مخدوعا من الشيطان عصى جسده الروح ، فأقسم قائلا : ( تالله لأقطعنك ) ، فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطعه بحد الشظية ، فوبخه الملاك جبريل على ذلك ، فأجاب ( لقد أقسمت بالله أن أقطعه فلا أكون حانثا ) ، حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها ، فكما أن جسد كل إنسان من جسد آدم وجب عليه أن يراعي كل عهد أقسم آدم ليقومن به ، وحافظ آدم على فعل ذلك في أولاده ، فتسلسلت سنة الختان من جيل إلى جيل ، إلا أنه لم يكن في زمن إبراهيم سوى النزر القليل من المختونين على الأرض ، لأن عبادة الأوثان تكاثرت على الأرض ، وعليه فقد أخبر الله إبراهيم بحقيقة الختان ، وأثبت هذا العهد قائلا : ( النفس التي لا تخـتن جسدها إياها أبدد مـن بين شعبي إلى الأبد ) ، فارتجف التلاميذ خوفا من كلمات يسوع لأنه تكلم بإحتدام الـروح ، ثم قال يسوع : دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته لأنه محروم من الفردوس ، وإذ قال هذا تكلم يسوع أيضا قائلا : إن الروح في كثيرين نشيط في خدمة الله أما الجسد فضعيف ، فيجب على من يخاف الله أن يتأمل ما هو الجسد وأين كان أصله وأين مصيره ، من طين الأرض خلق الله الجسد ، وفيه نفخ نسمة الحياة بنفخة فيه ، فمتى اعترض الجسد خدمة الله يجب أن يمتهن ويداس كالطين ، لأن من يبغض نفسه في هذا العالم يجدها في الحياة الأبدية ، أما ماهية الجسد الآن فواضح من رغائبه أنه العدو الألد لكل صلاح فإنه وحده يتوق إلى الخطيئة ، أيجب إذا على الإنسان مرضاة لأحد أعدائه أن يترك مرضاة الله خالقه ، تأملوا هذا أن كل القديسين والأنبياء كانوا أعداء جسدهم لخدمة الله ، لذلك جروا بطيب خاطر إلى حتفهم ، لكي لا يتعدوا شريعة الله المعطاة لموسى عبده ويخدموا الآلهة الباطلة الكاذبة ، اذكروا إيليا الذي هرب جائبا قفار الجبال مقتاتا بالعشب ومرتديا جلد المعز ، وأواه كم من يوم لم يأكل ، أواه مـا أشد البرد الذي احتمله ، أواه كم من شؤبوب بلله ، ولقد عانى مدة سبع سنين شظف اضطهاد تلك المرأة النجسة إيزابيل ، اذكروا اليشع الذي أكل خبز الشعير ولبس أخشن الأثواب ، الحق أقول لكم إنهم إذ لم يخشوا أن يمتهنوا الجسد روعوا الملك والرؤساء وكفى بهذا امتهانا للجسد أيها القوم ، وإذا نظرتم إلى القبور تعلمون ما هو الجسد .

    الفصل الرابع والعشرون
    (( مثل جلي كيف يجب على الإنسان أن يهرب من الولائم والتنعم ))

    لما قال يسوع ذلك بكى قائلا : الويل للذين هم خدمة أجسادهم ، لأنهم حقا لا ينالون خيرا في الحياة الأخرى بل عذابا لخطاياهم ، أقول لكم أنه كان نهم غني لم يهمه سوى النهم ، وكان يولم وليمة عظيمة كل يوم ، وكان واقفا على بابه فقير يدعى لعازر وهو ممتلئ قروحا ويشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة النهم ، ولكن لم يعطه أحد إياه بل سخر به الجميع ، ولم يتحنن عليه إلا الكلاب لأنها كانت تلحس قروحه ، وحدث أن مات الفقير واحتملته الملائكة إلى ذراعي إبراهيم أبينا ، ومات الغني أيضا واحتملته الشياطين إلى ذراعي إبليس حيث عانى أشد العذاب ، فرفع عينيه ورأى لعازر من بعيد على ذراعي إبراهيم ، فصرخ حينئذ الغني : ( يا أبتاه إبراهيم ارحمني وابعث لعازر ليحمل لي على أطراف بنانه قطرة ماء تبرد لساني الذي يعذب في هذا اللهيب ) ، فأجاب إبراهيم : ( يا بني اذكر أنك استوفيت طيباتك في حياتك ولعازر البلايا ، لذلك أنت الآن في الشقاء وهو في العزاء ) ، فصرخ الغني أيضا : ( يا أبتاه إبراهيم إن لي في بيت أبي ثلاثة إخوة فأرسل إذا لعازر ليخبرهم بما أعانيه لكي يتوبوا ولا يأتوا إلى هنا ) ، فأجاب إبراهيم : ( عندهم موسى والأنبياء فليسمعوا منهم ) ، أجاب الغني : ( كلا يا أبتاه إبراهيم بل إذا قام واحد من الأموات يصدقون ) ، فأجاب إبراهيم : ( إن من لا يصدق موسى والأنبياء لا يصدق الأموات ولو قاموا ) ، وقال يسوع : انظروا أليس الفقراء الصابرون مباركين الذين يشتهون ما هو ضروري فقط كارهين الجسد ، ما أشقى الذين يحملون الآخرين للدفن ليعطوا أجسادهم طعاما للدود ولا يتعلمون الحق ، بل هم بعيدون عن ذلك بعدا عظيما حتى أنهم يعيشون هنا كأنهم خالدون ، لأنهم يبنون بيوتا كبيرة ويشترون أملاكا كثيرة ويعيشون في الكبرياء .

    الفصل الخامس والعشرون
    (( كيف يجب على الإنسان أن يحتقر الجسد ويعيش في العالم ))

    حينئذ قال الكاتب : يا معلم إن كلامك لحق ولذلك قد تركنا كل شيء لنتبعك ، فقل لنا إذا كيف يجب علينا أن نبغض جسدنا ، الانتحار غير جائز ولما كنا أحياء وجب علينا أن نقيته ، أجاب يسوع : احفظ جسدك كفرس تعش في أمن ، لأن القوت يعطى للفرس بالمكيال والشغل بلا قياس ، ويوضع اللجام في فيه ليسير بحسب إرادتك ، ويربط لكي لا يزعج أحدا ويحبس في مكان حقير ويضرب إذا عصى ، فهكذا افعل إذاً أنت يا برنابا تعش دوما مع الله ، ولا يغيضنك كلامي لأن داود النبي فعل هذا الشيء نفسه كما يعترف قائلا : ( إني كفرس عندك واني دائما معك ) ، ألا قل لي أيهما أفقر ؟ الذي يقنع بالقليل أم الذي يشتهي الكثير ؟ ، الحق أقول لكم لو كان للعالم عقل سليم لم يجمع أحد شيئا لنفسه ، بل كان كل شيء شركة ، ولكن بهذا يعلم جنونه أنه كلما جمع زاد رغبة ، وأن ما يجمعه فإنما يجمعه لراحة الآخرين الجسدية ، فليكفكم إذا ثوب واحد ، أرموا كيسكم ، لا تحملوا مزودا ولا حذاء في أرجلكم ، ولا تفكِّروا قائلين : ( ماذا يحدث لنا ) بل فكروا أن تفعلوا إرادة الله ، وهو يقدم لكم حاجتكم حتى لا تكونوا في حاجة إلى شيء ، الحق أقول لكم أن الجمع كثيرا في هذه الحياة يكون شهادة أكيدة على عدم وجود شيء يؤخذ في الحياة الأخرى ، لأن من كانت أورشليم وطنا له لا يبنى بيوتا في السامرة ، لأنه يوجد عداوة بين المدينتين ، أتفقهون ؟ فأجاب التلاميذ ( بلى ) .

    الفصل السادس والعشرون
    (( كيف يجب على الإنسان أن يحب الله ، ويتضمن هذا الفصل النزاع العجيب بين إبراهيم وأبيه ))

    ثم قال يسوع : كان رجل على سفر وبينما كان سائرا وجد كنـزاً في حقل معروض للمبيع بخمس قطع من النقود هم ، فلما علم الرجل ذلك ذهب توا وباع رداءه ليشتري ذلك الحقل فهل يصدق ذلك ؟ فأجاب التلاميذ : أن من لا يصدق هذا فهو مجنون ، فقال عندئذ يسوع : إنكم تكونون مجانين إذا كنتم لا تعطون حواسكم لله لتشتروا نفسكم حيث يستقر كنز المحبة ، لأن المحبة كنز لا نظير له ، لأن من يحب الله كان الله له ، ومن كان الله له كان له كل شيء ، أجاب بطرس : قل لنا يا معلم كيف يجب على الإنسان أن يحب الله محبة خالصة ، فأجاب يسوع : الحق أقول لكم أن من لا يبغض أباه وأمه وحياته وأولاده وامرأته لأجل محبة الله فمثل هذا ليس أهلا أن يحبه الله ، أجاب بطرس : يا معلم لقد كتب في ناموس الله في كتـاب موسى ( أكرم أباك لتعيش طويلا على الأرض ) ، ثم يقول أيضا ( ليكن ملعونا الإبن الذي لا يطيع أباه و أمه ) ، ولذلك أمر الله بأن يرجم مثل هذا الإبن العقوق أمام باب المدينة وجوبا بغضب الشعب ، فكيف تأمرنا أن نبغض أبانا وأمنا ؟ ، أجاب يسوع : كل كلمة من كلماتي صادقة ، لأنها ليست مني بل من الله الذي أرسلني إلى بيت إسرائيل ، لذلك أقول لكم أن كل ما عندكم قد أنعم الله به عليكم ، فأي الأمرين أعظم قيمة ؟ العطية أم المعطي ؟ ، فمتى كان أبوك أو أمك أو غيرهما عثرة لك في خدمة الله فانبذهم كأنهم أعداء ، ألم يقل الله لإبراهيم : ( اخرج من بيت أبيك وأهلك وتعال اسكن في الأرض التي أعطيها لك ولنسلك ، ولماذا قال الله ذلك ؟ ، أليس لأن أبا إبراهيم كان صانع تماثيل يصنع ويعبد آلهة كاذبة ؟ لذلك بلغ العداء بينهما حداً أراد معه الأب أن يحرق ابنه ، أجاب بطرس : إن كلماتك صادقة ، وإني أضرع إليك أن تقص علينا كيف سخر إبراهيم من أبيه ؟ ، أجاب يسوع : كان إبراهيم ابن سبع سنين لما ابتدأ أن يطلب الله ، فقال يوما لأبيه : ( يا أبتاه من صنع الإنسان ؟ أجاب الوالد الغبي : ( الإنسان ، لأني أنا صنعتك وأبي صنعني ) ، فأجاب إبراهيم : ( يا أبي ليس الأمر كذلك ، لأني سمعت شيخا ينتحب ويقول : (( يا إلهي لماذا لم تعطني أولادا )) . أجاب أبوه : ( حقا يا بني الله يساعد الإنسان ليصنع إنسانا ولكنه لا يضع يده فيه ، فلا يلزم الإنسان إلا أن يتقدم ويضرع إلى إلـهه ويقدم له حملانا وغنما يساعده إلهه .

    أجاب إبراهيم : ( كم إلـها هنالك يا أبي ؟ ) ، أجاب الشيخ : ( لا عدد لهم يا بني ) ، فحينئذ أجاب إبراهيم : ( ماذا أفعل يا أبي إذا خدمت إلها وأراد بي الآخر شرا لأني لا أخدمه ؟ ، ومهما يكن من الأمر فانه يحصل بينهما شقاق ويقع الخصام بين الآلهة ولكن إذا قتل الإله الذي يريد بي شر إلهي فماذا أفعل ؟ ، من المؤكد أنه يقتلني أنا أيضا ؟ ) ، فأجاب الشيخ ضاحكا : ( لا تخف يا بني لأنه لا يخاصم إله إلها ، كلا فإن في الهيكل الكبير ألوفا من الآلهة مع الإله الكبير بعل ، وقد بلغت الآن سبعين سنة من العمر ومع ذلك فاني لم أر قط إلها ضرب إلها آخر ومن المؤكد أن الناس كلهم لا يعبدون إلها واحـدا ، بل يعبد واحـد إلها وآخر آخر ) ، أجاب إبراهيم : ( فإذاً يوجد وفاق بينهم ؟ ) ، أجاب أبوه : ( نعم يوجد ) ، فقال حينئذ إبراهيم : ( يا أبي أي شيء تشبه الآلهة ؟ ) و أجاب الشيخ : ( يا غبي إني كل يوم أصنع إلها أبيعه لآخرين لأشتري خبزا وأنت لا تعلم كيف تكون الآلهة ! ) ، وكان في تلك الدقيقة يصنع تمثالا ، فقال ( هذا من خشب النخل وذاك من الزيتون وذلك التمثال الصغير من العاج ، انظر ما أجمله ألا يظهر كأنه حي ، حقا لا يعوزه إلا النفس ) ، أجاب إبراهيم : ( إذاً يا أبي ليس للآلهة نفس فكيف يهبون الأنفاس ؟ ، ولما لم تكن لـهم حياة فكيف يعطون إذا الحياة ، فمن المؤكد يا أبي أن هؤلاء ليسوا هم الله ؟ ) ، فحنق الشيخ لهذا الكلام قائلا : ( لو كنت بالغا من العمر ما تتمكن معه مـن الإدراك لشججت رأسك بهذه الفأس ، ولكن اصمت إذ ليس لك إدراك ) ، أجاب إبراهيم : ( يا أبي إن كانت الآلهة تساعد على صنع الإنسان فكيف يتأتى للإنسان أن يصنع آلهة ؟ ، وإذا كانت الآلهة مصنوعة من خشب فان إحراق الخشب خطيئة كبرى ، ولكن قل لي يا أبت كيف وأنت قد صنعت آلهة هذا عديدها لم تساعدك الآلهة لتصنع أولادا كثيرين فتصير أقوى رجل في العالم ؟ ) ، فحنق الأب لما سمع ابنه يتكلم هكذا ، فأكمل الإبن قائلا : ( يا أبت هل وجد العالم حينا من الدهر بدون بشر ؟ ) أجاب الشيخ : ( نعم ولماذا ؟ ) ، قال إبراهيم : ( لأني أحب أن أعرف من صنع الإله الأول ) فقال الشيخ : انصرف الآن من بيتي ودعني أصنع هذه الإله سريعا ولا تكلمني كلاما ، فمتى كنت جائعا فإنك تشتهي خبزا لا كلامـا ) .

    فقال إبراهيم : ( إنه لإله عظيم فإنك تقطعه كما تريد وهو لا يدافع عن نفسه ) فغضب الشيخ وقال : ( إن العالم بأسره يقول أنه إله وأنت أيها الغلام الغبي تقول كلا ؟ فوآلهتي لو كنت رجلا لقتلتك ، ولما قال هذا ضرب إبراهيم ورفسه وطرده من البيت .
                  

02-20-2008, 07:31 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Waeil Elsayid Awad)

    The Muslim Qur'an (Koran) is literally dripping in evil! This demonically inspired document goes out of its way to lie about Jesus; thus negating the salvation Jesus made possible. Islam is uniquely at odds with Christianity in all its major dogmas. As an example, the "god" of Islam created and inspired sin. The Qur'an (Koran) says that this "god of vengeance", Allah both created and inspires sin, right there in the Qur'an. Whereas the real holy God who cannot sin, took our sins on Himself. Islam says if you believe God came to earth as a man, as Jesus did, then you will go to Hell. Doctrinally, wouldn't the one who created sin be an unholy sinner himself?
    Islam is the religion of anger and hatred. It is an anti-freedom system, which seeks to ultimately control the entire world.

    Additionally, only a demon or fallen angel would insist its followers make never ending war on non-believers, as this impersonal "god" Allah does. 1 in every 55 verses in the Qur'an incites Muslims to make war on non-Muslims. The Qur'an, is in fact a satanic blueprint for the art of deception, doubletalk, double-dealing and treachery. The word love is conspicuously missing from the Muslim Qur'an.




    The god of Muslims is revealed as a tyrant who demands Muslims and all others submit to him. Whereas in the New Testament, Jesus revealed to Christians a God who is a loving Father, who wants us to come to Him via free will. In the Old Testament (Exodus 34:6) the real God revealed Himself as "merciful and gracious, longsuffering, and abundant in goodness and truth". He is the Creator of the Universe, the God of Love, and Lord of Life. The God of Israel is this true God. He insists "Thou shall not kill the innocent and just". Have you ever wondered why even the word "love" is conspicuously missing from the Qur'an?

    When a Muslim declares that Islam is a religion of peace, he/she is either ignorant of the Koran (Qur'an), or is deceitfully thinking of this "peace", as it extends only to those within the Muslim Community. The deceit is that they will not tell you exactly what they mean. According to the Qur'an: "Muhammad is the Apostle of Allah. Those who follow him are merciful to one another, but ruthless to unbelievers" Surah 48:29. "Kill the Mushrikun (unbelievers) wherever you find them, and capture them and besiege them, and lie in wait for them in each and every ambush..." Surah 9:5. Also see Surah 9:29: PICKTHAL: "Fight against such of those who have been given the Scripture (Christians & Jews) as believe not in Allah nor the Last Day, and forbid not that which Allah hath forbidden by His messenger, and follow not the Religion of Truth, until they pay the tribute readily, being brought low.". Please note that there is not a single verse in the entire Christian Bible that contains this "open-ended", universal command to kill/or be ruthless to unbelievers.

    Surah 47:4 says:

    Fa'idhā Laqītumu Al-Ladhīna Kafarū Fađarba Ar-Riqābi Ĥattaá 'Idhā 'Athkhantumūhum Fashuddū Al-Wathāqa Fa'immā Mannāan Ba`du Wa 'Immā Fidā'an Ĥattaá Tađa`a Al-Ĥarbu 'Awzārahā Dhālika Wa Law Yashā'u Allāhu Lāntaşara Minhum Wa Lakin Liyabluwa Ba`đakum Biba`đin Wa Al-Ladhīna Qutilū Fī Sabīli Allāhi Falan Yuđilla 'A`mālahum

    which means

    Therefore, WHEN YOU MEET THE UNBELIEVERS, SMITE AT THEIR NECKS; At length, when ye have thoroughly subdued them, bind a bond firmly (on them): thereafter (is the time for) either generosity or ransom: Until the war lays down its burdens. Thus (are ye commanded): but if it had been Allah's Will, He could certainly have exacted retribution from them (Himself); but (He lets you fight) in order to test you, some with others. But those who are slain in the Way of Allah,- He will never let their deeds be lost.

    Many Quran translators have tried to soften the meaning in their translation by adding the words “in war” in brackets after the word “Unbelievers” but they are NOT there in the original Arabic text.
                  

02-20-2008, 07:32 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Lily Akol)

    The Qur'an is not an authentic book or revelation. Much of the Qur'an was copied from early Christian texts. Mr. Luxenberg has traced the passages in the Qur'an dealing with "paradise" to a Christian text called Hymns of Paradise by a fourth-century author. Mr. Luxenberg said the word paradise was derived from the Aramaic word for garden and all the descriptions of paradise described it as a garden of flowing waters, abundant fruits and white raisins, a prized delicacy in the ancient Near East. In this context, white raisins, mentioned often as hur, Mr. Luxenberg said, makes more sense than a reward of sexual favors.

    "I think the broader implications of some of the revisionist scholarship is to say that the Koran is not an authentic book, that it was fabricated 150 years later," says Ebrahim Moosa, a professor of religious studies at Duke University, as well as a Muslim cleric whose liberal theological leanings earned him the animosity of fundamentalists in South Africa, which he left after his house was firebombed.


    The Samarkand (aka: Othman Koran) manuscript in the Soviet Library in Tashkent, Uzbekistan also uses the Kufic script, indicating late 8th century. Many believe it is the oldest in existence. Only About one-third of the original survives.



    The library where the Koran is kept is in an area of old Tashkent known as Hast-Imam, well off the beaten track for most visitors to this city. It lies down a series of dusty lanes, near the grave of a 10th century scholar, Kaffel-Shashi.

    This Samarkand codice manuscript is considerably incomplete. It only begins in the middle of verse 7 of Suratul-Baqarah (the second Surah) and from there on numerous pages are missing. The next oldest Muslim manuscripts are also from the 8th-century. One is written in al-ma'il script and the other in Kufic. Neither of these correspond precisely to today's Qur'an. Also, in 1972, construction workers who were restoring the Great Mosque of Sana'a in Yemen found a cache of manuscripts scraps that differ and contradict today's Qur'an so badly, that Muslims try to hide this. These Yemeni Qur'an manuscripts date back to the 7th and 8th centures, and are actually the oldest found, and they are in Hijazi. Hijazi (Makkan or Madinan) script, is the script in which the earliest masahif of the Qur'an were written. These manuscripts calls to question whether the present Qur'an was delivered to Muslims in pristine form. Your guess is as good as mine as to who in addition to Muhammad made up the Qur'an.

    Other than a few incorrect references to the patriarchs and Moses, the Qur’an is primarily centered on the period of time Muhammad himself lived in, including Muhammad's many military attacks on innocent caravans and Arabian villages. This seems to be hardly compatible with a holy revelation of God. Considering the complete absence of external and internal evidence that should effectively verify the revelatory character of the Qur'an, we find it very hard, if not impossible, to accept the Qur'an as a Message sent by God. This is particularly so, because the Qur'an contradicts earlier revelation, the evidence for the origin of which is given in Qur'an/Koran Suras below.

    Ask a Muslim, by whom, and when were the Christian and Jewish Scriptures corrupted? You will get a blank stare. Muslims only know is that this lie has been "drilled" into them since childhood.

    Even though their own prophet completely attested to the genuineness and authenticity of the Old and New Testaments, Islam makes the claim that they have been corrupted. Why? Because the Qur'an erroneously contradicts them both. And Islamic clerics know it. In Muslim cleric minds this also relieves them of Muhammad's statements such like:

    Muslims who have received the Qur'an have no solid grounds of faith, and that the foundation of the Muslim faith is insecure and insufficient and the Muslim religion is futile, unless they observe and follow the Taurat (Torah) and the Gospel (Injil).

    Many Muslims Imams and Mullahs falsely point to Surah 2:140 to try and prove that Jews and Christians had corrupted their Scriptures. Referring to the Jews, this Surah says; "...who is more unjust than those who conceal the testimony they have from Allah?...?" Yet, nowhere does this Surah state that the Jews and Christians corrupted their scriptures. Muslim clerics need to point to something because they know that the Jewish Torah and Christian Gospels badly contradict the Islamic Qur'an. The fact that Muhammad and Allah told Muslims to believe in the Torah and Christian Gospels is a very bad dilemma for these professionals who wish to continue making a good living in Islam.

    Suras 6:34, 6:115, 10:64 and 50:28,29 clearly says to Muslims, "No change can there be in the words of Allah" and that Allah cannot alter (or abrogate) his words." So the Torah and Christian Gospels are correct, because Allah did verify this fact -- this clearly makes the Muslim Qur'an false; because it contradicts Allah.
                  

02-20-2008, 07:34 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Lily Akol)

    According to tradition, Muhammad was born in Mecca on April 20, 570 A.D. Shi'ites say he was born on April 26th. His full name was Muhammad Bin-Abdullah. At the time Muhammad was born Muhammad's father was the chief of the pagan worshipping tribe of Koreish. Muhammad's father was ‘Abd Allāh ibn ‘Abd al-Muttalib, of the family of Hashim (Shaiba ibn Hashim). ‘Abd Allāh means "slave of Allah". His father died soon after his son's birth--while he was out on a trading expedition. His father was the youngest son of Abdul Muttalib and the great-grandson of Kussai. Muhammad was orphaned early in his life after his mother Amina died and was raised by his grandfather Abdul Muttalib, then chief of the Quraysh (Koreish) tribe, and his uncle Abu-Talib beginning at age 6. Earlier, at about 5 years old while in the care of a Bedouin nurse named Halima Muhammad became subject to epileptic fits. The branch of the Quraysh tribe Muhammad belonged to was known as the Beni Hashem.

    At the age of nine the boy Muhammad mounted a camel and went on a merchandising expedition into Syria. It was while with his grandfather and uncle that Muhammad learned learned to be lordly, and to exercise power, to fast, and to pray at certain specified times of the day. The Quraysh tribe prayed to idols at sunrise, noon, and at sunset; and they faced the direction of the idol black stone and the Kaaba.

    While away from Arabia he saw the sacred places of the Jews. He stood on the spot where the King of Salem came out and did obeisance to Abraham. He was shown the place where his great mother, the bondwoman Hagar, went forth leading Ishmael by the hand. He saw Damascus, city of the desert, and Sinai, the mountain of the law. Then he returned to Mecca full of visions and dreams. His teen years were as a shepherd and an attendant of caravans.

    At the age of 20 Muhammad was hired by a wealthy woman named Khadija (or Khadeejah) to manage her late husband's caravan business. When Muhammad was 25 he married Khadija; six children were born to them, but only one survived to adulthood; his beloved daughter Fatima. While in the caravan business Muhammad happened to make many journeys to Syria and Palestine. During this time Muhammad became acquainted with both Jews and Christians. Later, the monk-like Muhammad would cause things to be written in the Koran about both Jewish and Christian history, which shows that Muhammad did not possess an intellect befitting a historian. It has also been thought that Muhammad could not read or write. In fact, the Qur'an says Muhammad was illiterate (Ummi) in Surah 7:157. These Qur'an (Koran) entries you will see below are marred with gross errors and inattention to detail. This marriage to the much older Khadija, who was then 40 years old and who already had been married twice proved very fortunate to Muhammad. Muhammad suddenly became equal to the richest men in Mecca. While married to Khadija Muhammad did not marry any other wife. However, after she died, Muhammad would show no restraint in his self gratification for lust with multiple wives, slaves, captives, and even his own adoptive son Zaid's wife. Khadija gave Muhammad two sons, both of whom died young. They both also had 4 daughters together. Their names were Rockeya, Kolthum, Zeinale, and Fatima.

    People used to ask Muhammad's favorite child bride Aisha how the Prophet lived at home. "Like an ordinary man," she answered. "He would sweep the house, stitch his own clothes, mend his own sandals; water the camels, milk the goats, help the servants at their work, and eat his meals with them; and he would go to fetch a thing we needed from the market."

    Aisha (only 6 when married) believed whatever Muhammad told her about his divine inspiration. Muhammad claimed that he used to get revelations from Allah only when he slept with Aisha. Why is it that Gabriel did not bother to visit him when Muhammad spent nights with other wives in his harem?

    Reference: ahadith from Sahih Bukhari: "Muhammad used to get divine inspiration only in Aisha's bed"...3.47.755


    Aisha did not see Gabriel while Muhammad introduced Gabriel to her…4.54.440
                  

02-20-2008, 07:34 PM

Balla Musa
<aBalla Musa
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 15238

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Waeil Elsayid Awad)

    شهادة علماء المسلمين
    على بطلان إنجيل برنابا



    الأستاذ محمد شفيق غربال

    جاء بخصوص (إنجيل برنابا) في دائرة المعارف العربية المعروفة باسم (الموسوعة العربية الميسرة) تحت إشراف الأستاذ العلامة محمد شفيق غربال، واشتراك الكثيرين من رجال الفكر والقلم منهم: الشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور إبراهيم مدكور، والدكتور زكي نجيب محفوظ، والدكتور محمد مصطفى حلمي، والدكتورة سهير القلماوي، والدكتور حسن الساعاتي وغيرهم. وقد صدرت بالقاهرة سنة 1965 عن دار القلم للطباعة والنشر.
    وقد جاء في كلمة مدير المؤسسة الناشرة لهذه الموسوعة الأستاذ حسن جلال العروسي: [لكل عمل جليل إنسان يعتني به، ويرعاه، ويشجع القائمين به على إنجازه. وهذه الموسوعة العربية الميسرة تدين حقا إلى السيد جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة، فقد تفضل سيادته بالموافقة على مشروع إصدارها في 11 يونيو 1959، فكانت موافقة الرئيس نقطة الانطلاق إلى العمل].
    جاء في هذه الموسوعة العربية الميسرة صفحة (354) وهو الآتي:
    [ إنجيل برنابا كتاب مزيف وضعه أوربي في القرن (15)
    وفي وصفه للوسط السياسي والديني في القدس ـ أيـام
    المسيح ـ أخطاء جسيمة. ويصرح على لسان عيسى أنه
    ليس المسيح، وإنما جاء مبشرا بمحمد الذي سيكون المسيح]



    الأستاذ محمود عباس العقاد


    كتب (جريدة الأخبار بتاريخ 26/10/1959) قائلا:
    1. إن الكثير من عبارات الإنجيل المذكور كتبت بصيغة لم تكن معروفة قبل شيوع اللغة العربية في الأندلس ما جاورها.
    2. وإن وصف الجحيم في إنجيل برنابا يستند إلى معلومات متأخرة لم تكن شائعة بين اليهود في عصر المسيح

    3. إن بعض العبارات الواردة به كانت قد تسربت إلى القارة الأوربية نقلا عن مصادر عربية.
    4. ليس من المألوف أن يكون السيد المسيح قد أعلن البشارة أمام الألوف باسم "محمد رسول الله".
    5. تتكرر في هذا الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه، ولا يرددها المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمدة، ولا يتورط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن، مثل القول عن محمد أنه المسيا أو المسيح.

    جميع المؤرخين المسلمين

    ويشهد علماء المسلمين أيضا أن إنجيل برنابا هذا المزور لم يكن موجودا حتى القرن الرابع عشر الميلادي، يتضح ذلك مما يلي:

    أن جميع المؤرخين المسلمين حتى آخر القرن الرابع عشر الميلادي سجلوا أن إنجيل المسيحيين هو الإنجيل المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا (مروج الذهب لأبي الحسن المسعودي الجزء 1 ص161) وكتاب (البداية والنهاية للإمام عماد الدين الجزء الثاني ص100) وكتاب (القول الإبريزي للعلامة أحمد المقريزي ص18) وكتاب (التاريخ الكامل لأبن الأثير الجزء الأول ص 128).

    الدكتورة فاطمة محمد

    يؤيد ذلك المراجع العلمية الحديثة التي تشهد أن الأناجيل أربعة ولم تذكر إنجيل برنابا (دائرة معارف الناشئين، تأليف الدكتورة فاطمة محمد، ومراجعة الدكتور محمد خليفة بركات) وجاء فيها ما يلي:
    [الأناجيل هي الكتب الأربعة الأولى من العهد الجديد،
    وهي كتب منفصلة عن بعضها، كل منها يحكي قصة
    حياة السيد المسيح، كما رواها متى ومرقس ولوقا ويوحنا].

                  

02-20-2008, 07:43 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Balla Musa)

    متى يحل الكذب فى الإسلام؟
    هناك الكثير من المبادئ الإسلامية الشائعة التى تبيح للمسلم الكذب ومنها:

    - الحرب خدعة.

    - الضرورات تبيح المحرمات.

    - إذا وقع أحد الضررين يختار أقلهما.

    هذه المبادئ مستقاه من القرآن والحديث.



    فى القرأن، يدعو الله المسلمين أحياناً إلى الكذب:

    "لا يؤاخذكم الله باللغو فى إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة إيمانكم إذا حلفتم واحفظوا إيمانكم كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تشكرون". سورة المائدة 89:5.

    "لا يؤاخذكم الله باللغو فى إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم". سورة البقرة 225:2.

    "من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم". سورة النحل 106:16.

    ويقول العلامة الإسلامى الشيخ الطبرى فى شرحه للآية السابقة أن هذه الآية نزلت على محمد بعد أن سمع أن عمار بن ياسر كفر بمحمد لما أخذه بنى المغيرة وأجبروه على ذلك. فقال له محمد "إن عادوا فعُد". ( أى إذا أخذوك مرة أخرى فاكذب مرة أخرى).

    هذه الآيات القرآنية وغيرها توضح أن الله يغفر للمسلم الكذب غير المقصود. بل أيضاً يغفر للمسلم الكذب المقصود بعد أداء بعض الفروض ككفارة. أيضاً توضح أنه من حق المسلم أن يكذب بعد القسم وأن ينكر إيمانه بالله طالما يقول ذلك بلسانه فقط بينما يتمسك بالإيمان فى قلبه.



    وفى الحديث يؤكد محمد نفس المفهوم:
    عن كتاب إحياء علوم الدين للعلامة الإسلامى الغزالى - المجلد 4 صفحة 284 -287. عن أم كلثوم (إحدى بنات النبى) أنها قالت: "ما سمعت رسول الله يرخص فى شئ من الكذب إلا قى ثلاث: الرجل يقول القول يريد به الصلاح، والرجل يقول القول فى الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها".

    وحديث آخر نسب إلى النبى "كل الكذب يُكتب على إبن آدم إلا رجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما".

    وحديث آخر يقول: "يا أبا كاهل اصلح بين الناس". أى ولو بالكذب.

    وفى حديث آخر جمع النبى كل المواقف التى يحل فيها الكذب فقال: "كل الكذب يٌكتب على إبن آدم لا محالة إلا أن يكذب الرجل فى الحرب فإن الحرب خدعة أو يكون بين الرجلين شحناء فيصلح بينهما أو يحدث امرأته فيرضيها".
                  

02-20-2008, 07:45 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Lily Akol)

    وجدير بالذكر أن الكثير من الممارسات الإسلامية قد أخذها الإسلام عن العرب قبل الإسلام. هذه هي الفترة التي يطلق عليها المسلمون اسم "الجاهلية". ومن هذه الممارسات: تكريم الكعبة والحجر الأسود، والحج إلى مكة، وصوم رمضان، وتخصيص يوم الجمعة للصلاة، بل وحتى استعمال اسم "الله".
                  

02-20-2008, 07:49 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Lily Akol)

    just practicing my copy and paste skills!!!
                  

02-20-2008, 07:54 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Lily Akol)

    Quote: jjust practicing my copy and paste skills!!! [/QUOTE
    and you r expert on that
                      

02-20-2008, 07:55 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصل الثاني والعشرون (Re: Waeil Elsayid Awad)

    a graduate of your esteemed school sir....
                  

02-20-2008, 07:55 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نواصل (Re: Waeil Elsayid Awad)

    نواصل فى الكتاب
    الفصل السابع والعشرون
    (( يوضح هذا الفصل عدم لياقة الضحك بالناس ، وفطنة إبراهيم ))

    فضحك التلاميذ من حمق الشيخ ووقفوا منذهلين من فطنة إبراهيم ، ولكن يسوع وبخهم قائلا : لقد نسيتم كلام النبي القائل : ( الضحك العاجل نذير البكاء الآجل ) ، وأيضا ( لا تذهب إلى حيث الضحك بل اجلس حيث ينوحون ، لأن هذه الحياة تنقضي في الشقاء ) ، ثم قال يسوع : ألا تعلمون أن الله في زمن موسى مسخ ناسا كثيرين في مصر حيوانات مخوفة ، لأنهم ضحكوا واستهزأوا بالآخرين ، احذروا من أن تضحكوا من أحد ما لأنكم بكاءا تبكون بسببه ، فأجاب التلاميذ : أننا ضحكنا من حماقة الشيخ ، فأجاب حينئذ يسوع : الحق أقول لكم كل نظير يحب نظيره فيجد في ذلك مسرة ، ولذلك لو لم تكونوا أغبياء لما ضحكتم من الغباوة ، أجابوا : ليرحمنا الله ، قال يسوع ليكن كذلك ، حينئذ قال فيلبس : يا معلم كيف حدث أن أبا إبراهيم أحب أن يحرق ابنه ؟ ، أجاب يسوع : لما بلغ إبراهيم اثنتي عشرة سنة من العمر قال أبوه يوما ما ( غدا عيد كل الآلهة ، فلذلك سنذهب إلى الهيكل الكبير ونحمل هدية لإلهي بعل العظيم ، وأنت تنتخب لنفسك إلها ، لأنك بلغت سنا يحق لك معه اتخاذ إله ) ، فأجاب إبراهيم بمكر ( سمعـا وطاعة يا أبي ) ، فبكر في الصباح إلى الهيكل قبل كل أحد ، ولكن إبراهيم كان يحمل تحت صدرته فأسا مستورة ، فلما دخلا الهيكل وازداد الجمع خبأ إبراهيم نفسه وراء صنم في ناحية مظلمة في الهيكل ، فلما انصرف أبوه ظن أن إبراهيم سبقه إلى البيت ولذلك لم يمكث ليفتش عليه .

    الفصل الثامن والعشرون

    ولما انصرف كل أحد من الهيكل أقفل الكهنة الهيكل وانصرفوا ، فأخذ
    إبراهيم إذ ذاك الفأس وقطع قوائم جميع الأصنام إلا الإله الكبير بعلا ، فوضع الفأس عند قوائمه بين جذاذ التماثيل التي تساقطت قطعا لأنها كانت قديمة العهد ومؤلفة من أجزاء ، ولما كان إبراهيم خارجا من الهيكل رآه جماعة من الناس فظنوا أنه دخل ليسرق شيئا من الهيكل فأمسكوه ، ولما بلغوا به الهيكل ورأوا آلهتهم محطمة قطعا صرخوا منتحبين : ( أسرعوا يا قوم ولنقتل الذي قتل آلهتنا ) ، فهرع إلى هناك نحو عشرة آلاف رجل مع الكهنة وسألوا إبراهيم عن السبب الذي لأجله حطم آلهتهم ، أجاب إبراهيم : ( إنكم لأغبياء ، أيقتل الإنسان الله ، إن الذي قتلها إنما هو الإله الكبير ، ألا ترون الفأس التي له عند قدميه ، إنه لا يبتغي له أندادا ) فوصل حينئذ أبو إبراهيم الذي ذكر أحاديث إبراهيم في آلهتهم ، وعرف الفأس التي حطم بها إبراهيم الأصنام ، فصرخ : إنما قتل آلهتنا ابني الخائن هذا لأن هذه الفأس فأسي ، وقص عليهم كل ما جرى بينه وبين ابنه ، فجمع القوم مقدارا كبيرا من الحطب ، وربطوا يدي إبراهيم ورجليه ، ووضعوه على الحطب ووضعوا نارا تحته ، فإذا الله قد أمر النار بواسطة ملاكه جبريل ألا تحرق عبده إبراهيم ، فاضطرمت النار بإحتدام وحرقت نحو ألفي رجل من الذين حكموا على إبراهيم بالموت ، أما إبراهيم فقد وجد نفسه مطلق السراح إذ حمله ملاك الله إلى مقربة من بيت أبيه دون أن يرى من حمله ، وهكذا نجا إبراهيم من الموت .

    الفصل التاسع والعشرون

    حينئذ قال فيلبس : ما أعظم هي رحمة الله للذين يحبونه ، قل لنا يا معلم كيف وصل إلى معرفة الله ، أجاب يسوع : لما بلغ إبراهيم جوار بيت أبيه خاف أن يدخل البيت ، فانتقل إلى بعد البيت وجلس تحت شجرة نخل حيث لبث منفردا ، وقال : ( لا بد من وجود إله ذي حياة وقوة أكثر من الإنسان لأنه يصنع الإنسان ، والإنسان بدون الله لا يقدر أن يصنع الإنسان ) ، حينئذ التفت حوله وأجال نظره في النجوم والقمر والشمس فظن أنهـا هي الله ، ولكن بعد التبصر في تغيراتها وحركاتها قال: ( يجب ألا تطرأ على الله الحركة ولا تحجبه الغيوم وإلا فني الناس ) ، وبينما هـو متحير سمع اسمه ينادى : ( يا إبراهيم ) ، فلما التفت ولم ير أحد في جهة قال : ( إني قد سمعت يا إبراهيم ) ، ثم سمع كذلك اسمه ينادى مرتين أخريين ( يا إبراهيم ) ، فأجاب : ( من يناديني ؟ ) ، حينئذ سمع قائلا يقول : ( انه أنا ملاك الله جبريل ) ، فارتاع إبراهيم ، ولكن الملاك سكن روعه قائلا : ( لا تخف يا إبراهيم لأنك خليل الله ، فإنك لما حطمت آلهة الناس تحطيما اصطفاك إله الملائكة والأنبياء حتى إنك كتبت في سفر الحياة ) ، حينئذ قال إبراهيم ( ماذا يجب علي أن أفعل لأعبد إله الملائكة والأنبياء الأطهار ؟ ) ، فأجاب الملاك : ( اذهب إلى ذلك الينبوع واغتسل ، لأن الله يريد أن يكلمك ) ، أجاب إبراهيم : ( كيف ينبغي أن اغتسل ؟ ) ، فتبدى له حينئذ المـلاك يافعا جميلا واغتسل من الينبوع قائلا : افعل كذلك بنفسك يا إبراهيم ) ، فلما اغتسل إبراهيم قال الملاك ( ارتق ذلك الجبل لأن الله يريد أن يكلمك هناك ) ، فارتقى إبراهيم الجبل كما قال له الملاك ، ولما جثا على ركبتيه قال لنفسه ( متى يا ترى يكلمني إله الملائكة ؟ ) ، فسمع صوتا لطيفا يناديه ( يا إبراهيم ) ، فأجابه إبراهيم : ( من يناديني ؟ ) ، فأجاب الصوت : ( أنا إلهك يا إبراهيم ) ، أما إبراهيم فارتاع وعفر بوجهه الأرض قائلا : ( كيف يصغي عبدك إليك وهو تراب ورماد ؟ ) ، حينئذ قال الله ( لا تخف بل انهض لأني قد اصطفيتك عبدا لي واني أريد أن أباركك وأجعلك شعبا عظيما ، فاخرج إذا من بيت أبيك وأهلك وتعالى اسكن في الأرض التي أعطيكها أنت ونسلك ، فأجاب إبراهيم : ( إني لفاعل كل ذلك يا رب ولكن احرسني لكي لا يضرني إله آخر ) ، فتكلم الله قائلا : ( أنا الله أحد ، ولا إله غيري ، أضرب وأشفي ، أميت وأحي ، أنزل الجحيم وأخرج منه ، ولا يقدر أحد أن ينقذ نفسه من يدي ) ، ثم أعطاه الله عهد الختان وهكذا عرف الله أبونا إبراهيم ، ولما قال يسوع هذا رفع يديه قائلا : الكرامة والمجد لك يا الله ، ليكن كذلك .

    الفصل الثلاثون

    وذهب يسوع إلى أورشليم قرب المظال وهو أحد أعياد أمتنا ، فلما علم هذا الكتبة والفريسيون تشاوروا ليتسقطوه بكلامه ، فلذلك جاء إليه فقيه قائلا : يا معلم ماذا يجب أن أفعل لأحصل على الحياة الأبدية ؟ ، أجاب يسوع : كيف كتب في الناموس ؟ أجاب قائلا : أحب الرب إلهك وقريبك ، أحب إلهك فوق كل شيء بكل قلبك وعقلك ، وقريبك كنفسك ، أجاب يسوع : أجبت حسنا ، واني أقول لك اذهب وافعل هكذا تكن لك الحياة الأبدية ، فقال له : من هو قريبي ؟ ، أجاب يسوع رافعا طرفه : كان رجل نازلا من أورشليم ليذهب إلى أريحا مدينة أعيد بناؤها تحت اللعنة ، فأمسك اللصوص هذا الرجل على الطريق وجرحوه وعرّوه ، ثم انصرفوا وتركوه مشرفا على الموت ، فاتفق أن مر كاهن بذلك الموضع ، فلما رأى الجريح سار دون أن يحييه ، ومر مثله لاوي دون أن يقول كلمة ، واتفق أن مر ( أيضا ) سامري ، فلما رأى الجريح عطف عليه وترجل عن فرسه وأخذ الجريح وغسل جراحه بخمر ودهنها بدهن ، وبعد أن ضمد جراحه وعزاه أركبه على فرسه ، ولما بلغ في المساء النزل سلمه إلى عناية صاحبه ، ولمـا نهض صباحا قال : اعتن بهذا الرجل وأنا أدفع لك كل شيء ، وبعد أن قدم أربع قطع من الذهب للعليل لأجل صاحب النزل قال : تعز لأني أعود سريعا وأذهب بك إلى بيتي ، قال يسوع : قل لي أيهما كان القريب ؟ ، أجاب الفقيه : الذي أظهر الرحمة ، حينئذ قال يسوع : قد أجبت بالصواب ، فاذهب وافعل كذلك ، فانصرف الفقيه بالخيبة .

    الفصل الحادي والثلاثون

    فاقترب الكهنة حينئذ إلى يسوع وقالوا يا معلم أيجوز أن تعطي جزية لقيصر ؟ ، فالتفت يسوع ليهوذا وقال : هل معك نقود ؟ ثم أخذ يسوع بيده فلسا والتفت إلى الكهنة وقال لهم : إن على هذا الفلس صورة فقولوا لي صورة من هي ؟ فأجابوا : صورة قيصر ، فقال يسوع : أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر وأعطوا ما لله لله ، حينئذ انصرفوا بالخيبة ، واقترب قائد مائة قائلا : يا سيد إن ابني مريض فارحم شيخوختي ، أجاب يسوع ليرحمك الرب إله إسرائيل ، ولما كان الرجل منصرفا قال يسوع : انتظرني ، لأني آتٍ إلى بيتك لأصلي على ابنك ، أجاب قائد المائة : يا سيد إني لست أهلا وأنت نبي الله تأتي إلى بيتي ، تكفيني كلمتك التي تكلمت بها لشفاء ابني ، لأن إلهك قد جعلك سيدا على كل مرض كما قال لي ملاكه في المنام ، فتعجب حينئذ يسوع كثيرا ، وقال ملتفتا إلى الجمع : انظروا هذا الأجنبي لأن فيه إيمان أكثر من وجد في إسرائيل ، ثم التفت إلى قائد المائة وقال : اذهب بسلام لأن الله منح ابنك صحة لأجل الإيمان العظيم الذي أعطاكه ، فمضى قائد المائة في طريقه ، والتقى في الطريق بخدمته الذين أخبروه أن ابنه قد برىء ، أجاب الرجل : في أي ساعة تركته الحمى ؟ فقالوا : أمس في الساعة السادسة انصرفت عنه الحمى ، فعلم الرجل انه لما قال يسوع ( ليرحمك الرب إله إسرائيل ) استرد ابنه صحته ، لذلك آمن الرجل بإلهنا ، ولما دخل بيته حطم كل آلهته تحطيما قائلا : ليس الإله الحقيقي الحي سوى إله إسرائيل ، لذلك قال : ( لا يأكل خبزي أحد لم يعبد إله إسرائيل ) .

    الفصل الثاني والثلاثون

    ودعا أحد المتضلعين من الشريعة يسوع للعشاء ليجربه ، فجاء يسوع إلى هناك مع تلاميذه ، وكثيرون من الكتبة انتظروه في البيت ليجربوه ، فجلس التلاميذ إلى المائدة دون أن يغسلوا أيديهم ، فدعـا الكتبة يسوع قائلين : لماذا لا يحفظ تلاميذك تقاليد شيوخنا بعدم غسل أيديهم قبل أن يأكلوا خبزا ؟ ، أجاب يسوع : وأنا أسألكم لأي سبب أبطلتم شريعة الله لتحفظوا تقاليدكم ؟، تقولون لأولاد الآباء الفقراء ( قدموا وانذروا نذورا للهيكل ) وهم إنما يجعلون نذورا من النزر الذي يجب أن يعولوا به آباءهم ، إذا أحب آباؤهم أن يأخذوا نقودا يصرخ الأبناء ( أن هذه النقود نذر الله ) ، فيصيب الآباء بسبب ذلك ضيق ، أيها الكتبة الكذابون المراؤون أيستعمل الله هذه النقود ؟ ، كلا ثم كلا ، لأن الله لا يأكل كما يقول بواسطة عبده داود النبي ( هل آكل لحم الثيران وأشرب دم الغنم ؟ أعطني ذبيحة الحمد وقدم لي نذورك ، لأني إن جعت لا أطلب منك شيئا لأن كل الأشياء في يدي وعندي وفرة الجنة ) ، أيها المراؤون إنكم إنما تفعلون ذلك لتملأوا كيسكم ولذلك تعشرون السذاب والنعنع ، ما أشقاكم لأنكم تظهرون للآخرين أشد الطرق وضوحا ولا تسيرون فيها ، أيها الكتبة والفقهاء إنكم تضعون على عواتق الآخرين أحمالا لا يطاق حملها ، ولكنكم أنفسكم لا تحركونها بإحدى أصابعكم ، الحق أقول لكم أن كل شر إنما دخل العالم بوسيلة الشيوخ ، قولوا لي من أدخل عبادة الأصنام في العالم إلا طريقة الشيوخ ، إنه كان ملك أحب أباه كثيرا وكان اسمه بعلا ، فلما مات الأب أمر ابنه بصنع تمثال شبه أبيه تعزية لنفسه ، ونصبه في سوق المدينة ، وأمر بأن يكون كل من اقترب من ذلك التمثال إلى مسافة خمسة عشر ذراعا في مأمن لا يلحق أحد به أذى على الإطلاق ، وعليه أخذ الأشرار بسبب الفوائد التي جنوها من التمثال يقدمون له وردا وزهورا ، ثم تحولت هذه الهدايا في زمن قصير إلى نقود وطعام حتى سموه إلها تكريما له .

    وهذا الشيء تحول من عادة إلى شريعة حتى أن الصنم بعلا انتشر في العالم كله ، وقد ندب الله على هذا بواسطة إشعيا قائلا : ( حقا إن هذا الشعب يعبدني باطلا ، لأنهم أبطلوا شريعتي التي أعطاهم إياها عبدي موسى ويتبعون تقاليد شيوخهم ) ، الحق أقول لكم أن أكل الخبز بأيد غير نظيفة لا ينجس إنسانا لأن ما يدخل الإنسان لا ينجس الإنسان بل الذي يخرج من الإنسان ينجس الإنسان ، فقال حينئذ أحد الكتبة : إن أكلت لحم الخنزير أو لحوما أخرى نجسه أفلا تنجس هذه ضميري ؟ ، أجاب يسوع : إن العصيان لا يدخل الإنسان بل يخرج من الإنسان من قلبه ، ولذلك يكون نجسا متى أكل طعاما محرما ، حينئذ قال أحد الفقهاء : يا معلم لقد تكلمت كثيرا في عبادة الأصنام كأن عند شعب إسرائيل أصناما ، وعليه فقد أسأت إلينا ، أجاب يسوع : أعلم جيدا أنه لا يوجد اليوم تماثيل من خشب في إسرائيل ولكن توجد تماثيل من جسد ، فأجاب حينئذ جميع الكتبة بحنق : أنحن إذا عبدة أصنام ؟ ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم لا تقول الشريعة أعبد بل أحب الرب إلهك بكل نفسك وبكل قلبك وبكل عقلك ، ثم قال يسوع : أصحيح هذا ؟ فأجاب كل واحد : إنه لصحيح .

    الفصل الثالث والثلاثون

    ثم قال يسوع حقا أن كل ما يحبه الإنسان ويترك لأجله كل شيء سواه فهو إلهه ، وهكذا فإن صنم الزاني هو الزانية وصنم النهم والسكير جسده ، وصنم الطماع الفضة والذهب ، وقس عليه كل خاطىء آخر ، فقال حينئذ الذي دعاه : يا معلم ما هي أعظم خطيئة ؟ ، أجاب يسوع : أي الخراب أعظم في البيت ؟ ، فسكت كل احد ، ثم أشار يسوع بإصبعه إلى الأساس وقال : إذا تزعزع أساس سقط البيت خرابا ، فيلزم إذ ذاك أن يبني جديدا ، ولكن إذا تداعى أي جزء سواه يمكن ترميمه ، ولذلك أقول لكم أن عبادة الأصنام هي أعظم خطيئة ، لأنها تجرد الإنسان بالمرة من الإيمان ، فتجرده من الله بحيث لا تكون له محبة روحية ، ولكن كل خطيئة أخرى تترك للإنسان أمل نيل الرحمة ، ولذلك أقول أن عبادة الأصنام أعظم خطيئة ، فوقف الجميع مبهوتين من حديث يسوع لأنهم علموا أنه لا يمكن الرد عليه مطلقا ، ثم أتم يسوع : تذكروا ما تكلم الله به وما كتبه موسى ويشوع في الناموس فتعلموا ما أعظم هذه الخطيئة ، قال الله مخاطبا إسرائيل : لا تصنع لك تمثالا مما في السماء ولا ممـا تحت السماء ، ولا تصنعه مما فوق الأرض ولا مما تحت الأرض ، ولا مما فوق الماء ولا مما تحت الماء ، إني أنا إلهك قوي وغيور ينتقم لهذه الخطيئة من الآباء وأبنائهم حتى الجيل الرابع ، فاذكروا كيف لما صنع آباؤنا العجل وعبدوه أخذ يشوع وسبط لاوى السيف بأمر الله وقتلوا مائة ألف وعشرين ألفا من أولئك الذين لم يطلبوا رحمة من الله ، ما أشد دينونة الله على عبدة الأوثان .

    الفصل الرابع والثلاثون

    وكان أمام الباب واحد كانت يده اليمنى متيبسة إلى حد لم يتمكن معه من استعمالها ، فوجه يسوع قلبه لله وصلى ثم قال : لتعلموا أن كلماتي حق أقول باسم الله امدد يا رجل يدك المريضة ، فمدها صحيحة كأن لم تصبها علة ، حينئذ ابتدأوا يأكلون بخوف الله ، وبعد أن أكـلوا قليلا قال يسوع أيضا : الحق أقول لكم أن إحراق مدينة لأفضل من أن يترك فيها عادة رديئة ، لأن لأجل مثل هذا يغضب الله على رؤساء وملوك الأرض الذين أعطاهم الله سيفا ليفنوا الآثام ، ثم قال بعد ذلك يسوع . متى دعيت فاذكر ألا تضع نفسك في الموضع الأعلى ، حتى إذا جاء صديق لصاحب البيت أعظم منك لا يقول لك صاحب البيت ( قم واجلس أسفل ) فيكون باعثا لك على الخجل ، بل اذهب واجلس في أحقر موضع ليجيء الذي دعاك ويقول ( قم يا صديق واجلس هنا في الأعلى ) فيكون لك حينئذ فخر عظيم ، لأن من يرفع نفسه يتًّضع ومن يضع نفسه يرتفع ، الحق أقول لكم أن الشيطان لم يخذل إلا بخطيئة الكبرياء ، كما يقول النبي إشعيا موبخا إياه بهذه الكلمات : ( كيف سقطت من السماء يا كوكب الصبح يا من كنت جمال الملائكة وأشرقت كالفجر ، حقا إن كبرياءك قد سقطت للأرض ) ، الحق أقول لكم إذا عرف إنسان شقاءه فإنه يبكي هنا على الأرض دائما ، ويحسب نفسه أحقر من كل شيء آخر ، ولا سبب وراء هذا لبكاء الإنسان الأول وامرأته مائة سنة بدون انقطاع طالبين رحمة من الله ، لأنهما علما يقينا أين سقطا بكبريائهما ، ولما قال يسوع هذا شكر ، وذاع ذلك اليوم في أورشليم الأشياء العظيمة التي قالها يسوع والآية التي صنعها ، فشكر الشعب الله مباركين اسمه القدوس ، أما الكتبة والكهنة فلما أدركوا أنه ندد بتقاليد الشيوخ اضطرموا ببغضاء أشد ، وقسوا قلوبهم نظير فرعون ، ولذلك طلبوا فرصة ليقتلوه ولكنهم لم يجدوها .

    الفصل الخامس والثلاثون

    وانصرف يسوع من أورشليم ، وذهب إلى البرية وراء الأردن ، فقال تلاميذه الذين كانوا جالسين حوله : يا معلم قل لنا كيف سقط الشيطان بكبريائه ، لأننا كنا نعلم أنه سقط بسبب العصيان ، ولأنه كان دائما يفتن الإنسان ليفعل شرا ، أجاب يسوع : لما خلق الله كتلة من التراب ، وتركها خمسا وعشرين ألف سنة بدون أن يفعل شيئا آخر ، علم الشيطان الذي كان بمثابة كاهن ورئيس للملائكة لما كان عليه من الإدراك العظيم أن الله سيأخذ من تلك الكتلة مائة وأربعة وأربعين ألفا موسومين بسمة النبوة ورسول الله الذي خلق الله روحه قبل كل شيء آخر بستين ألف سنة ، ولذلك غضب الشيطان فأغرى الملائكة قائلا : ( انظروا سيريد الله يوما ما أن نسجد لهذا التراب ، وعليه فتبصروا في أننا روح وأنه لا يليق أن نفعل ذلك ) ، لذلك ترك الله كثيرون ، من ثم قال الله يوما لما التأمت الملائكة كلهم ( ليسجد توا كل من اتخذني ربا لهذا التراب ، فسجد له الذين أحبوا الله ، أما الشيطان والذين كانوا على شاكلته فقالوا : ( يا رب أننا روح ولذلك ليس من العدل أن نسجد لهذه الطينة ، ولما قال الشيطان ذلك أصبح هائلا ومخوف النظر ، وأصبح إتباعه مقبوحين ، لأن الله أزال بسبب عصيانهم الجمال الذي جمًّلهم به لما خلقهم ، فلما رفع الملائكة الأطهار رؤوسهم رأوا شدة قبح الهولة التي تحول الشيطان إليها ، وخر أتباعه على وجوههم إلى الأرض خائفين ، حينئذ قال الشيطان : ( يا رب إنك جعلتني قبيحا ظلما ولكنني راض بذلك لأني أروم أن أبطل كل ما فعلت ) ، وقالت الشياطين الأخرى : ( لا تدعه ربا يا كوكب الصبح لأنك أنت الرب ) حينئذ قال الله لأتباع الشيطان : ( توبوا واعترفوا بأنني أنا الله خالقكم ) أجابوا : ( إننا نتوب عن سجودنا لك لأنك غير عـادل ، ولكن الشيطـان عـادل وبريء وهـو ربنا ) حينئذ قـال الله : ( انصرفوا عني أيها الملاعين لأنه ليس عندي رحمة لكم وبصق الشيطان أثناء انصرافه على كتلة التراب ، فرفع جبريل ذلك البصاق مع شيء من التراب فكان للإنسان بسبب ذلك سرة في بطنه .

    الفصل السادس والثلاثون

    فدهش التلاميذ دهشا عظيما لعصيان الملائكة ، حينئذ قال يسوع : الحق أقول لكم إن من لا يصلي فهو شر من الشيطان ، وسيحل به عذاب أعظم ، لأنه لم يكن للشيطان قبل سقوطه عبرة في الخوف ، ولم يرسل الله له رسولا يدعوه إلى التوبة ، ولكن الإنسان وقد جاء الأنبياء كلهم إلا رسول الله الذي سيأتي بعدي لأن الله يريد ذلك حتى أهيء طريقه ، يعيش بإهمال بدون أدنى خوف كأنه لا يوجد إله مع أن له أمثلة لا عداد لها على عدل الله ، فعن مثل هؤلاء قال داود النبي : ( قال الجاهل في قلبه ليس إله لذلك كانوا فاسدين وأمسوا رجسا ًدون أن يكون فيهم واحد يفعل صلاحا ً) صلوا بدون انقطاع يا تلاميذي لتعطوا ، لأن من يطلب يجد ، ومن يقرع يفتح له ، ومن يسأل يعط ، ولا تنظروا في صلواتكم إلى كثرة الكلام لأن الله ينظر إلى القلب كما قال سليمان ( يا عبدي أعطني قلبك ) الحق أقول لكم لعمر الله أن المرائين يصلون كثيرا في كل أنحاء المدينة لينظرهم الجمهور ويعدهم قديسين ولكن قلوبهم ممتلئة شرا ، فهم ليسوا على جد في ما يطلبون ، فمن الضروري أن تكون مخلصا في صلاتك إذا أحببت أن يقبلها الله ، فقولوا لي من يذهب ليكلم الحاكم الروماني أو هيرودس ولا يكون قصده موجها إلى من هو ذاهب إليه وإلى ما هو عازم أن يطلبه منه ؟ ، لا أحد مطلقا ، فإذا كان الإنسان يفعل كذلك ليكلم رجلا فماذا على الإنسان أن يفعل ليكلم الله ، ويطلب منه رحمة لخطاياه شاكرا إياه على كل ما أعطاه .

    الحق أقول لكم إن الذين يقيمون الصلاة قليلون ، ولذلك كان للشيطان تسلط عليهم ، لأن الله لا يحب أولئك الذين يكرمونه بشفاههم ، الذين يطلبون في الهيكل رحمة بشفاههم ، ولكن قلوبهم تستصرخ العدل ، كما تكلم إشعيا النبي قائلا : ( أبعد هذا الشعب الثقيل على ، لأنهم يحترمونني بشفاههم أما قلبهم فمبتعد عني ) ، الحق أقول لكم إن الذي يذهب ليصلي بدون تدبر يستهزئ بالله ، من يذهب ليكلم هيرودس ويوليه ظهره ؟ ويمدح أمامه بيلاطس الحاكم الذي يكرهـه حتى الموت ؟ ، لا أحد مطلقا ، ولكن الإنسان الذي يذهب ليصلي ولا يعد نفسه لا يكون فعله دون هذا ، فإنه يولي الله ظهره والشيطان وجهه ، لأن في قلبه محبة الإثم التي لم يتب عنها ، فإذا أساء إليك أحد وقال لك بشفتيه : ( اغفر لي) وضربك ضربة بيديه فكيف تغفر له ؟ هكذا يرحم الله الذين يقولون بشفاههم ( يا رب ارحمنا ) ويحبون بقلوبهم الإثم ويهمّون بخطايا جديدة .



                  

02-20-2008, 08:08 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: Waeil Elsayid Awad)

    جاء في سورة الحج { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) }

    قـيـل: إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان كان ألقـى علـى لسانه فـي بعض ما يتلوه مـما أنزل الله علـيه من القرآن ما لـم ينزله الله علـيه، فـاشتدّ ذلك علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتـمّ به، فسلاّه الله مـما به من ذلك بهذه الآيات. ذكر من قال ذلك:

    حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا حجاج، عن أبـي معشر، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ومـحمد بن قـيس قالا: «جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ناد من أندية قريش كثـير أهله، فتـمنى يومئذ أن لا يأتـيه من الله شيء فـينفروا عنه، فأنزل الله علـيه:

    { والنَّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى } فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتـى إذا بلغ: { أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرَى }

    ألقـى علـيه الشيطان كلـمتـين: «تلك الغرانقة العُلَـى، وإن شفـاعتهنّ لتُرْجَى»، فتكلـم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد فـي آخر السورة، وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الولـيد بن الـمغيرة ترابـاً إلـى جبهته فسجد علـيه، وكان شيخا كبـيرا لا يقدر علـى السجود. فرضُوا بـما تكلـم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيـي ويـميت وهو الذي يخـلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيبـا، فنـحن معك قالا: فلـما أمسى أتاه جبرائيـل علـيهما السلام فعرض علـيه السورة فلـما بلغ الكلـمتـين اللتـين ألقـى الشيطان علـيه قال: ما جئتك بهاتـين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افْتَرَيْتُ عَلـى اللَّهِ وقُلْتُ عَلـى اللَّهِ ما لَمْ يَقُلْ " فأوحى الله إلـيه:

    سورة الإسراء وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75)

    فما زال مغموماً مهموماً حتـى نزلت علـيه: سورة الحج { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِـيَ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمْنِـيَّتهِ فَـيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُـلْقِـي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلـيـمٌ حَكِيـمٌ }52.

    قال: فسمع من كان من الـمهاجرين بأرض الـحبشة أن أهل مكة قد أسلـموا كلهم، فرجعوا إلـى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلـينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقـى الشيطان.

    حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد الـمدنـيّ، عن مـحمد بن كعب القُرظيّ قال: لـما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولِّـيَ قومه عنه، وشقّ علـيه ما يرى من مبـاعدتهم ما جاءهم به من عند الله، تـمنى فـي نفسه أن يأتـيه من الله ما يقارب به بـينه وبـين قومه. وكان يسرّه، مع حبه وحرصه علـيهم، أن يـلـين له بعض ما غلُظَ علـيه من أمرهم، حين حدّث بذلك نفسه وتـمنى وأحبه، فأنزل الله:

    { والنَّـجْمِ إذَا هَوَى ما ضَلَّ صَاحبُكُمْ وَما غَوَى } فلـما انتهى إلـى قول الله: { أفَرأيْتُـمُ اللاَّتَ والعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } سورة النجم

    ألقـى الشيطان علـى لسانه، لـما كان يحدّث به نفسه ويتـمنى أن يأتـي به قومه: «تلك الغرانـيق العلَـى، وإن شفـاعتهن تُرْتَضى». فلـما سمعت ذلك قريش فرحوا وسرّهم، وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له، والـمؤمنون مصدّقون نبـيهم فـيـما جاءهم به عن ربهم، ولا يتهمونه علـى خط ولا وَهَم ولا زلل. فلـما انتهى إلـى السجدة منها وختـم السورة، سجد فـيها، فسجد الـمسلـمون بسجود نبـيهم، تصديقاً لـما جاء به واتبـاعاً لأمره، وسجد من فـي الـمسجد من الـمشركين من قريش وغيرهم لـما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلـم يبق فـي الـمسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الولـيد بن الـمغيرة، فإنه كان شيخاً كبـيراً فلـم يستطع، فأخذ بـيده حفنة من البطحاء فسجد علـيها. ثم تفرّق الناس من الـمسجد، وخرجت قريش وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، يقولون: قد ذكر مـحمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقد زعم فـيـما يتلو أنها الغرانـيق العُلَـي وأن شفـاعتهنّ ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الـحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقـيـل: أسلـمت قريش. فنهضت منهم رجال، وتـخـلَّف آخرون. وأتـى جبرائيـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مـحمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت علـى الناس ما لـم آتك به عن الله، وقلت ما لـم يُقَلْ لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وخاف من الله خوفـاً كبـيراً، فأنزل الله تبـارك وتعالـى علـيه { وكانَ بِهِ رَحِيـماً } يعزّيه ويخفِّض علـيه الأمر ويخبره أنه لـم يكن قبله رسول ولا نبـيّ تـمنى كما تـمنى ولا أحبّ كما أحبّ إلا والشيطان قد ألقـى فـي أمنـيته كما ألقـى علـى لسانه صلى الله عليه وسلم، فنسخ الله ما ألقـى الشيطان وأحكم آياته، أي فأنت كبعض الأنبـياء والرسل فأنزل الله: { وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نِبَـيّ إلاَّ إذَا تَـمَنَّى ألْقَـى الشَّيْطانُ فِـي أُمِنـيَّتِهِ }... الآية. فأذهب الله عن نبـيه الـحزن، وأمنه من الذي كان يخاف، ونسخ ما ألقـى الشيطان علـى لسانه من ذكر آلهتهم أَنهّا الغرانـيق العُلَـى وأن شفـاعتهنّ ترتضى. يقول الله حين ذكر اللات والعُزّى ومناة الثالثة الأخرى، إلـى قوله:

    { وكَمْ منْ مَلَكٍ فِـي السَّمَوَاتِ لا تُغْنى شَفـاعَتُهُمْ شَيْئاً إلاَّ مِنْ بَعْدِ أنْ يَأْذَنَ اللَّهِ لـمَنْ يَشاءُ وَيَرْضَى } ، أي فكيف تنفع شفـاعة آلهتكم عنده. فلـما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقـى علـى لسان نبـيه، قالت قريش: ندم مـحمد علـى ما كان من منزلة آلهتكم عند الله، فغير ذلك وجاء بغيره وكان ذلك الـحرفـان اللذان ألقـى الشيطان علـى لسان رسوله قد وقعا فـي فم كل مشرك، فـازدادوا شرّا إلـى ما كانوا علـيه.
                  

02-20-2008, 08:14 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: Waeil Elsayid Awad)

    مقدمة

    آعتاد المسلمون منذ قرون عديدة على الفكرة القائلة ان القرآن بقي محفوظا في نصه الاصلي منذ زمن الرسول محمد إلى يومنا هذا بدون أن يَمسًّه أي تغيير أو نقصان أو إضافة من أي نوع كانت و بدون أي تغيير في طريقة قراءته. في الوقت ذاته يعتقد المسلمون أن هذا الكمال المزعوم للنص القرآني هو دليل على أصله الإلهي بدليل أن الله وحده استطاع الحفاظ على هذا النص. لقد أصبح هذا الشعور جد قويا عندهم لدرجة أنه نادرا ما نجد باحثا إسلاميا يقوم بتحليل نقدي لموضوع جمع القرآن حيث أنه كلما ظهرت بوادر محاولة مثل هذه فهي تُقمَعُ في حينها.

    لكن ما الذي سنَسْتَنْتِجُه إن نحن استعرضنا الوقائع و المعطيات المتوفرة لدينا حول جمع القرآن في بداية العهد الاسلامي؟

    حين نضع الانفعالات العاطفية جانبا و نقوم بتقييم موضوعي للمعطيات التاريخية المتوفرة لدينا فإننا نصل إلى استنتاج مناقض تماما لما يزعمون. سيظهر لنا من خلال هذا الكتاب أن ما دُوِّن في إطار الإرث الإسلامي كاف للبرهنة على أن القرآن كان في وقت من الأوقات يحتوي على عدد مختلف من الآيات بل أحيانًا على مقاطع كاملة لا توجد في الَّنص القرآني الحالي. زيادة على هذا فقد كان هناك عدد جُّد مهم من القراءات المختلفة قبل أن يُقَرِّر الخليفة عثمان بن عفان آستأصالها جميعًا و الاحتفاظ بالمصحف الذي وصلنا.

    في سنة 1981 نشرت كتيبا عنوانه "The Textual History of the Quran" كرد على منشور ٍاسلامي حاول الطعن في موثوقية الإنجيل. فبالرغم من أن هذا البحث اتجه أساسا نحو تكذيب ما قيل في موضوع الإنجيل إلا أنه لا يخلو من أدلة تثبت أن نقل القرآن لم يكن أبدا أوثق من نقل الإنجيل.

    في سنة 1986 نُشر مقالان في مجلة "البلاغ" حاول صاحباهما الرد على كتيبي السالف الذكر. أحد هذين المقالين كتبه الدكتور كوكب الصديق الباحث الإسلامي المتمركز في أمريكا و الآخر كتبه الباحث الجنوب إفريقي عبد الصمد عبد القادر. يكفي هنا أن نشير إلى أننا سنعود لهذين المقالين بالتفصيل لاحقا.

    بعد أبحاث دقيقة في الموضوع أصدرت كتيبا أخر في سنة 1984 عنونته "Evidences for the Collection of the Quran". هذا المؤَلَّف أثار بدوره رد فعل بعض العلماء المسلمين تُوِّج بنشر كتيب سنة 1987 من طرف "مجلس العلماء" لجنوب إفريقيا لكن مع الأسف لم يذكر المؤلف إسمه إلا أنني علمت أن الأمر يتعلق بالمدعو "مولانا ديزاي" (Maulana Desai) القاطن بمدينة بورت إليزابث و سأشير ٍاليه على هذا الأساس.

    هذا الكتاب ألف أساسا ليكون تأكيدا للحجج التي قدمت في منشوراتي السابقة و كذلك الاستنتاجات المستخلصة منها و ليكون في نفس الوقت تقييما للأجوبة الثلاث الصادرة عن العلماء المسلمين السالفي الذكر و تفنيدا لمقولاتهم.

    إحدى المصاعب التي يواجهها كاتب في مثل هذه الحالة تتجلى في الحساسية المحيطة بهذا الموضوع في الأوساط الاسلامية. إن الشعور السائد عند جل المسلمين يُعتقد على أساسه أن الأصل الالهي للقرآن برهانه يكمن في الطريقة المثالية التي تم بها إيصاله إلينا عبر العصور. هذا الشعور يؤدي إلى الإحساس بالخوف من كون أي دليل على عكس ذلك قد يكون برهانا على عدم ألوهيته.

    هذا ما يمنع العلماء المسلمين من التطرق لهذه المسألة بروح موضوعية و من خلال البحث في المعطيات الخالصة بل نلاحظ أن هناك رغبة مسبقة في البرهنة بأي وسيلة كانت على الشعور السائد الذي يتمثل في الفرضية القائلة إن نص القرآن بقي محفوظا بطريقة مثالية. لذلك فإن العاطفة تلعب الدور الأهم كلما تعلق الأمر بموضوع القرآن و ليس من المستغرب أن نجد العلماء المسلمين الثلاثة المذكورين سالفا لا يستطيعون التعامل معي و مع كتاباتي على مستوى البحث العلمي المحض و لا على مستوى الوقائع. لهذا نجد الدكتور كوكب الصديق في مقدمة مقاله المعنون "يقول داعية الكذب المسيحي إن القرآن ليس قول الله" (مجلة البلاغ ‚ مجلد 11 عدد 1 فبراير/مارس 1986) يحاول مهاجمتي بكل ما أوتي من حسن اللسان حيث يقول "السيد جلكرايست يحاول تحطيم البنيان القوي للقرآن من خلال جدال حقير لا يليق بالمسألة. الطريقة التي يستعملها توضح لنا هزالة الوسائل التي بحوزته و الوقاحة التي تميز تهجمه تظهر لنا أنه يستند الى استغلال فرصة عدم وجود أية دراية بالموضوع لدى المسلمين" في حين يصفني ناشر المجلة بأنني "عدو صريح للإسلام يهذف إلى تحطيم بنيانه".

    مقال السيد عبد القادر عبد الصمد نشر تحديدا في العدد الموالي لنفس المجلة تحت عنوان "كيف تم جمع القرآن؟" (مجلة البلاغ ‚ مجلد 11 عدد 2 ماي/يونيه 1986). في نهاية هذا المقال يصف الكاتب الباحثين من أمثالي بأنهم "أعداء القرآن المجنونون" تحركهم "الغيرة و البغض و العداء و النوايا السَّامة" لا غير.

    أما مولانا ديزاي فقد اعتبر هو كذلك في منشور له تحت عنوان "القرآن فوق كل اتهام" أنه من الضروري فضح محاولتي و استغنى عن تقديم الدلائل على مزاعمه و اكتفى بالشتم. يزعم هذا الكاتب أنني "قررت نفي أصالة القرآن المجيد" عوض أن يتخد منهجا أكثر توازنا قد يؤدي به لا محالة الى اعتبار أنني حاولت فقط أن أركز على المعطيات المتعلقة بموضوع جمع القرآن بدون أية فكرة مسبقة. فقد ذهب الى حد القول إن "مزاعمه لا أساس لها" و في مكان ما يقول "إن جلكرايست سيلعن نفسه" و في مكان آخر يتهمني بأني أعاني من "جهل كبير" وبأنني "ذو عقلية لا تقبل النقاش".

    ردود فعل انفعالية مثل هذه تكشف عن خوف العلماء المسلمين من أية دراسة تاريخية محضة لموضوع جمع القرآن نظرا لأنها قد تؤدي إلى نفي ما يزعم من أن القرآن جُمع و احتُفظ به في ظروف مثالية.

    في هذا الكتاب سأبدل كل جهدي لمعرفة الى أي حد تم نقل و توصيل النص القرآني بطريقة كاملة و دقيقة. هذه الدراسة لن تكون إلا إبرازا للمعطيات المدوَّنة. إن مسألة الأصل الإلهي للقرآن لا يمكن حلها باعتبار طريقة نقله و توصيله و إنما تكون بدراسة مضمونه و تعاليمه. ما يهمنا هنا هو فقط استخلاص الدقة التي تم بها تأليفه و جمعه. أما إذا كان هناك علماء مسلمون كالذين تم ذكرهم سالفا يشعرون أن دراسة مثل هذه تحطم اقتناعاتهم بأن القرآن من عند الله (ديزاي يتهمني مرارا بأنني أهدف الى "نفي سلامة القرآن الشريف من التحريف") فهذه مشكلتهم لأنهم ينطلقون من الفرضية القائلة بأن جمعا و نقلا مثاليين يضمنان الأصل الالهي لكتاب ما.

    لا أجد مبررا للرد على هؤلاء العلماء المسلمين بعبارات شاتمة كالتي استعملوها ضدي لأنني أمتلك الحرية الكاملة للخوض في هذا الموضوع بدون أية عراقيل نفسية و بدون أية فرضية أو فكرة مسبقة. زيادة على هذا فأنا أعتقد أنه إذا لم يكن كتاب ما من عند الله فلا يمكن لأي دليل كيفما كان نوعه أن يغير هذا الامر. إن هؤلاء العلماء يحاولون البرهنة على فرضية محضة و هذا ما يتضح من خلال طريقة تعاملهم مع الموضوع. كل واحد منهم حاول التطرق للمسألة بشكل جد مختلف عن الآخرين. الصديق و ديزاي يتناقضان بشكل مكشوف في نقاط عديدة بالرغم من أن كلاهما يحاول التوصل لنفس النتيجة ألا و هي كمال النص القرآني و خلوه من النقصان. هذه المعضلة لا يمكن تفسيرها إلا بشيء واحد و هو أنهما يبذلان جهذهما للانتهاء إلى حيث بدءا أو بعبارة أخرى للرجوع في النهاية إلى ما افترضاه في البداية و هو ما ذكر سالفا.

    من المفيد أن نقوم بجرد سريع لمواقف هؤلاء العلماء كل واحد على حدة :

    1-الدكتور كوكب الصديق

    الصديق يتخد الموقف الاسلامي الرسمي. العبارة "نص واحد لا اختلاف فيه" هي ما عَنْوَنَ به جزأ من مقاله و هو ما يلخص مراده بوضوح. الفرضية تتجلى في القول بوجود نص قرآني واحد لم يضف إليه شيء و لم يقتطع منه شيء و لم يكن أبدا أي اختلاف في طريقة قرآءته. لقد كان على هذا الكاتب أن يقدم بعض الاستفسارات حول ما جاء في الحديث النبوي ( وهو من أقدم ما دُوِّن في موضوع جمع القرآن) بخصوص حرق الخليفة عثمان لجميع المصاحف القرآنية باستثناء مصحف حفصة (1) بسبب وجود اختلافات عديدة في كيفية قرآءة القرآن في المناطق المختلفة التي كانت تحت النفوذ الاسلامي. الصديق يزعم أن الاختلافات همت فقط طريقة تلاوة النص و هذا برهان يَسْتَدِل به زمرة من العلماء المسلمون. سنرى فيما بعد أن هذا التدليل غير مقنع بل لا أساس له من الصحة. الصديق يفضل السكوت عن الأحاديث النبوية التي تظهر بوضوح أن القرآن الذي هو اليوم بين أيدينا هو بشكل أو بآخر غير مكتمل.

    2-عبد الصمد عبد القادر

    يفضل هذا الباحث المرور مَرَّ الكرام على الأدلة الثاقبة التي يمكن استخلاصها من الحديث النبوي كما لو كانت غير موجودة بتاتاً و لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لها في مقاله. بالمقابل نجده يحاول البرهنة على أن القرآن يحتوي على شهادة كافية بخصوص طريقة جمعه. سأتطرق إلى هذه المسألة في نهاية الجزء الرئيسي من هذا الكتاب مع العلم أنه عموما لا يؤثر على الموضوع الذي نحن بصدد دراسته.

    3-مولانا ديزاي

    بالرغم من الشتائم التي وجهها إلي فهو يعترف بموثوقية و صحة أغلب الحقائق التي قدمتها و يعترف بأنه كانت هناك بالفعل اختلافات نصية في المصاحف الاولى و بأن عددا من المقاطع التي كانت ضمن القرآن فقدت منه لاحقا. بخصوص الاختلافات في القراءة يعتمد ديزاي على حديث نبوي واحد يروي أن محمدا قال إن القرآن نزل من عند الله على سبعة أشكال لغوية و لهذا فهو يزعم أن كل هذه القراءات قد شرعها الله و هي التي تشكل ما يعرف ب"الأحرف السبع" و يتقبل ببالغ السهولة فكرة أن عثمان قام بالفعل بتنحية مصاحف موثوقة و نجده يبرر هذا الإجراء بكونه هدف إلى ضمان اتساق في القراءة. سنرى فيما بعد أن تفكيرا كهذا يعرض صاحبه إلى تناقضات خطيرة. بخصوص المقاطع المفقودة من القرآن يعترف ديزاي بوجودها كما ذكرنا سالفا لكن يزعم أن الله نسخها ولذلك فهي لا توجد ضمن النص القرآني الحالي. لي اليقين أن هذه المزاعم لن يستسغيها لا كوكب الصديق و لا عبد الصمد عبد القادر و نفس الشيء بالنسبة لما تعلق بالقراءات المختلفة. و مع هذا أجد نفسي مضطرا للقول بأن المولانا هو الوحيد من بين الثلاثة الذي استطاع الإعتراف بإخلاص بموثوقية الأحاديث التي تحكي عن كيفية جمع القرآن. بالرغم من أنني أعتبرأن حججه غير مقنعة كما سنرى لاحقا إلا أنني أجد أن تقبله للحقائق التاريخية أمرا مسعدا.

    في نهاية هذا الكتاب سأقدم عرضا موجزا عن المصاحف القرآنية الاولى التي استطاعت أن تصلنا. هذفي من هذا هو تحديد إمكانية وجود أحد المصاحف العثمانية التي تنوقلت بعد تنحية المصاحف الأخرى. يتضمن هذا الكتاب صورا لأقدم المصاحف التي وصلتنا وبالخصوص تلك التي بقيت من القرن الثاني للهجرة قبل أن يشيع استعمال الخط الكوفي في شكله المتطور في أوساط الخطاطين و يصبح معيارا إلى أن عوض بالخط النسخي.

    لي الثقة بأن هذا الكتاب سيكون بمثابة إسهام في التقييم الحقيقي لمسألة جمع القرآن في بداية التاريخ الإسلامي من خلال دراسة موضوعية للمعطيات المتوفرة لدينا. لن أعتدر عن كون دراستي هذه لا تأخذ بعين الإعتبار الشعور السائد في الأوساط الإسلامية كما ذكر سابقا و أتمنى أن لا تؤدي إلى ردود فعل انفعالية كتلك التي صدرت كجواب على منشوراتي السابقة. أؤكد مرة أخرى أن هذفي هو الوصول إلى خلاصة مضبوطة و مبنية على الحقائق بخصوص موضوع جمع القرآن لا غير. أنا لست "عدوا صريحا للإسلام" تسيطر عليه رغبة جنونية للإستهزاء بالقرآن أو نفي سلامته من التحريف بأي وسيلة كما يفترض بعض الكتاب الإسلاميين.

    جون جلكرايست
                  

02-20-2008, 08:16 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    المصادر المستعملة

    أستفدنا في تأليف هذا الكتاب من عدة دراسات و مراجع يبدو لنا من الائق أن نقدمها حسب أهميتها و علاقتها بالموضوع و حسب نوعيتها -مراجع رئيسية أو مراجع ثانوية- و كذلك حسب كونها قديمة أو حديثة. باستثناء القرآن الذي يحتوي على بعض الإشارات إلى طريقة جمعه في عهد محمد فإن المصادر المباشرة المتعلقة بجمع القرآن هي أساسا كتب السيرة النبوية التي ألفت في فترة مبكرة و كتب الحديث. بالإضافة نجد أعمالا أخرى ألفت في المراحل التالية من طرف كبار المؤرخين المسلمين. هذه المؤلفات تعطينا معلومات مهمة حول جمع نص القرآن.

    المصادر التي استعملت هي :
    1-كتب السيرة النبوية
    أقدم الكتب التي دَوِّنت تفاصيل جمع القرآن هي التراجيم الثلاثة المعروفة بكتب السيرة النبوية
    -سيرة رسول الله لمحمد بن إسحاق (اعتمد عليه بن هشام في تأليف كتاب السيرة النبوية)
    -كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد
    -كتاب المغازي لمحمد بن عمر الواقدي

    2-كتب الحديث
    المصادر التالية التي دَوِّنت حياة محمد وكذا مراحل جمع القرآن تتجلى في كتب الحديث التي ينظر إليها في الأوساط الإسلامية على أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد القرآن من حيث الأهمية و الموثوقية. المؤلفات الآتية استعملت حين تأليف هذا الكتاب :
    -صحيح البخاري لمحمد بن اسماعيل البخاري
    -صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج
    -سنن بن أبي داوود لسليمان بن أبي داوود
    -الجامع الصحيح لأبي عيسى محمد الترمذي
    -الموطأ لمالك بن أنس
    -السنن الكبرى لأبي بكر أحمد البيهقي


    3-كتب التفسير
    بعد الفترة التي ظهرت فيها المراجع المذكورة سابقا كُتب عدد من مؤلفات التفسير التي كانت بمثابة شروح و تعالييق حول القرآن كتبها كبار المؤرخين المسلمين. أشهر هذه المؤلفات "جامع البيان في تفسير القرآن" لأبي جعفر الطبري. {استُفيد من هذا الكتاب بطريقة غير مباشرة من خلال المراجع الحديثة} رغم أن كتاب الطبري قُصد به التفسير بالدرجة الأولى إلا أنه يحتوي على معلومات بالغة الأهمبة حول جمع القرآن في الحقبة الأولى. ألشيء نفسه نجده في كتب التفسير الأولى.
    لقد كان من الضروري الرجوع إلى الكتابين التاليين نظرا لاحتواءهما على معلومات بالغة الأهمية رغم أنه لا علاقة مباشرة لهما بالتفسير القرآني :
    -كتاب المصاحف لابن أبي داوود
    -الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السُيوطي
    النسخة اللوحيدة المتبقية من كتاب المصاحف توجد حاليا بمكتبة الزاهرية في دمشق. آستنسخ هذا المؤَلف مرتين و إحدى النسختين آستعملها Arthur Jeffery في نشر كتابه Materials for the History of the Text of the Quran و هذا هو النص المشار إليه في هذا الكتاب.
    4-كتب معاصرة تطرقت لموضوع جمع القرآن
    بعض الكتب المعاصرة آهتمت بموضوع جمع القرآن نذكر من بينها :

    -Beeston, A.F.L. & others. Arabic Literature to the End of the Umayyad Period. Cambridge University Press, Cambridge, England. 1983.
    -Burton, J. The Collection of the Qur'an. Cambridge University Press, Cambridge, England. 1977. 13
    -Jeffery, A. Materials for the History of the Text of the Qur'an. AMS Press, New York, United States of America. 1975. (E.J. Brill, 1937).
    -Jeffery, A. The Qur'an as Scripture. Books for Libraries, New York, USA. 1980 (1952).
    -Noeldeke, T. Geschichte des Qorans. Georg Olms Verlag, Hildesheim, Germany. 1981 (1909).
    -Von Denffer, A. 'Ulum al-Qur'an: An Introduction to the Sciences of the Qur'an. The Islamic Foundation, Leicester, England. 1983.
    Watt, W.M. Bell's Introduction to the Qur'an. Edinburgh University Press, Edinburgh, Scotland. 1970.

    كتاب Geschichte des Qorans نشر أصلا في ثلاث مجلدات غير أن المجلدين الثاني و الثالث هما اللذان لهما علاقة مباشرة بالموضوع. المجلد الثاني تحث عنوان Die Sammlung des Qorans كتب من طرف نولدكه و شفالي Noeldecke & Schwally. هذا الجزء يتطرًّق لموضوع جمع القرآن بمعنى الكلمة بينما الجزء الثالث المعنون Die Geschichte des Korantext الذي كتبه برتزل و برغشتراسر Pretzl & Bergstrasser يتمحور حول كتابة القرآن و القراءات المختلفة. الجزءان يتطرقان بشكل مطول إلى نسختي عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب اللتان أحرقتا بأمر من الخليفة عثمان بسبب آختلافهما عن النص القرآني الذي أُريد له أن يكون نصا رسميا أي Textus receptus و هذا هو النص الذي آستطاع أن يصل إلينا عبر التاريخ الإسلامي.
    5-مقالات حول موضوع جمع القرآن
    لقد رجعنا إلى بعض المقالات التي نشرت في The Muslim World التي نشرتها Hartford Seminary Foundation بالولايات المتحدة الأمريكية. المراجع المذكورة هنا هي تلك التي توجد في المجلدات التي أعيد نشرها من طرف Kraus Reprint Corporation بنيويورك سنة 1966. المقالات المتعلقة بموضوع جمع القرآن و بالمصاحف الأولى هي كالتالي :


    -Caetani, L. Uthman and the Recension of the Koran. Volume 5, p.380. (1915).
    -Jeffery, A. Abu Ubaid on Verses Missing from the Qur'an. Volume 28, p.61. (1938).
    -Jeffery, A. Progress in the Study of the Qur'an Text. Volume 25. p.4. (1935).
    -Margoliouth, D.S. Textual Variations of the Koran. Volume 15, p.334. (1925).
    -Mendelsohn, I. The Columbia University Copy of the Samarqand Kufic Qur'an. Volume 30, p.375. (1940).
    -Mingana, A. The Transmission of the Koran. Volume 7, p.223. (1917).

    بالإضافة إلى هذه الأعمال سنرجع باستمرار و على الخصوص في المقدمة إلى الدراسات التالية التي نشرت في جنوب إفريقيا :


    -Abdul Kader, A.S. How the Quran was Compiled. Al-Balaagh, Vol. 11, No.2, Johannesburg, South Africa, May/June 1986.
    -Desai, Maulana. The Quraan Unimpeachable. Mujlisul Ulama of South Africa, Port Elizabeth, South Africa. May 1987.
    -Siddique, Dr. Kaukab. Quran is NOT Allah's Word says Christian Lay Preacher. Al-Balaagh, Vol. 11, No. 1, Johannesburg, South Africa. February/March 1986.

    --------------------------------------------------------------------------------
                  

02-20-2008, 08:17 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    الفصل الأول

    المرحلة الأولى لجمع القرآن

    1-تطور القرآن في عهد محمد

    أي بحث في موضوع جمع القرآن يجب أن يبدأ بالنظر في مميزات الكتاب نفسه كما بلَّغه محمد إلى أصحابه. لم يُبَلَّغ القرآن أو يوحى كما يعتقد المسلمون مرة واحدة بل جاء على أجزاء خلال فترة من الزمن دامت 23 سنة امتدت منذ بدأ محمد يدعو للإسلام في مكة سنة 610 ميلادية إلى وفاته في المدينة المنورة سنة 632 ميلادية. ففي القرآن نفسه نجد : "قال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا"(سورة الفرقان 25 الآية 32)

    زيادة على هذا لم تصلنا لا من محمد ولا من أصحابه أية معلومات عن الترتيب الزمني للفقرات حيث أنه حين بُدِءَ في جمعها على شكل سور لم يؤخد بعين الإعتبار لا الموضوع و لا التسلسل من حيث النزول. كل العلماء المسلمون يُقِرُّون بأن جل السور و على الخصوص الطويلة منها هي خليط من المقاطع التي ليست بالضرورة متصلة ببعضها البعض حسب التسلسل الزمني. مع مرور الوقت أصبح محمد يقول لكُتَّابه : "ضعوا أية كذا في موضع كذا" (السيوطي‚ الإتقان في علوم القرآن م 1 ص 135) و هكذا أصبحت تضاف إلى الأجزاء التي كانت مجموعة أنذاك مقاطع أخرى إلى أن تصبح سورة مكتملة. بعض هذه السور كانت لها أسماء في عهد محمد كما يتبين لنا من خلال الحديثين النبويين التاليين :

    "من قرأ هاتين الأيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" (كتاب صلاة المسافرين‚ صحيح البخاري حديث رقم 1341)

    "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال" (نفس المرجع‚ حديث رقم 1342)

    في الوقت ذاته هناك دلائل على وجود سُوَرٍ لم يعطها محمد أية أسماء. فسورة الإخلاص (رقم 112) على سبيل المثال لم يُسَمِّها محمدٌ على الرغم من أنه تكلم عنها مُطَوَّلا و ذكر أنها تساوي ثلث القرآن (الحديثين 1344 و 1346 من كتاب صلاة المسافرين‚ صحيح مسلم)

    حين صارت الآيات القرآنية تتكاثر أصبح أصحاب محمد يكتبون بعضا منها و يحفظون البعض الآخر عن ظهر قلب. فمن الظاهر أن الحفظ كان يشكل الطريقة الرئيسية للحفاظ على نص القرآن لأن كلمة "قرآن" تعني "القرآءة" و لأن أول كلمة قال محمد أنها نزلت عليه حين حصلت له رؤيا جبريل في غار حراء كانت هي كلمة "إقرأ" (سورة 96 الآية 1 فكانت القراءة الشفهية ذات قيمة عالية و كانت جد متداولة بين الناس. مع كل هذا ففي القرآن نفسه ما يدل على أنه مُدَوَّنٌ كِتابيا كما تشهد الآية التالية :

    "في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي كرام بررة" (سورة عبس 13-16)

    هناك أيضا حجج على أن أجزاء من ما كان موجودا من القرآن في المرحلة المكية كتب آنذاك. هناك رواية تحكي أن عمر بن الخطاب حين كان لا يزال كافرا ضرب أخته في بيتها بمكة حين سمعها تقرأ بعض القرآن فلما رأى ما أصابها من الدم قال لها : "اعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد" (سيرة بن هشام مجلد 2 صفحة 190) () و حين قرأ قسطا من سورة طه (السورة 20) التي كانت أخته و زوجها يقرآنها قرر الدخول في الإسلام. مع هذا يتضح لنا أن الحفظ كان هو المنهج السائد إلى حين وفاة محمد و كانت تعطى له أهمية أكبر. ففي الحديث النبوي ما يدل على أن جبريل كان يحقق و يراجع القرآن مع محمد كل سنة خلال شهر رمضان و في السنة الأخيرة راجعه معه مرتين. عن فاطمة ابنة محمد :

    "أسر النبي صلعم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة و أنه عارضني العام مرتين و لا أراه إلا حضر أجلي " (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن 4612)

    لقد كان بعض الصحابة المقربون من محمد يكرسون كل جهدهم لتعلم القرآن حفظا عن ظهر قلب. من بين هؤلاء نجد من الأنصار أبي بن كعب و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت و أبو زيد و أبو الدرداء (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن 4620) بالإضافة إلى مجمع بن جارية الذي قيل أنه لم يحفظ إلا بضعة سور في حين كان عبد الله بن مسعود و هو من المهاجرين و من أوائل الصحابة يحفظ أزيد من تسعين سورة من بين السور المائة و أربعة عشر التي يحتويها القرآن و تعلم البقية من مجمع (بن سعد كتاب الطبقات الكبير مجلد 2) (1)

    لا تتوفر لدينا أية معلومات كافية عن مقدار ما تمت كتابته من نص القرآن في عهد محمد. فبالتأكيد ليس هنالك أي دليل على أن مجموع القرآن كتب آنذاك في مصحف واحد سواء تحت الإشراف المباشر لمحمد أو غيره. من خلال المعلومات التي نتوفر عليها حول جمع القرآن بعد وفاة محمد (سنستعرضها قريبا) نستنتج أن القرآن لم يتم أبدا وضعه في مصحف واحد في عهد محمد. توفي هذا الأخير فجأة سنة 632 ميلادية بعد مرض لم يدم طويلا و بوفاته اكتمل القرآن و انقضى نزوله و لم يعد من الممكن إضافة آيات أخرى إليه نظرا لانتهاء نبوة محمد. حين كان لا يزال على قيد الحياة كانت هناك دائما إمكانية نزول أجزاء جديدة من القرآن و لهذا لم يكن من الائق جمع النص في كتاب واحد و هو أيضا ما يفسر كون القرآن بقي مفرقا بين ما في ذاكرة بعض الناس و ما في مختلف المواد التي كان مكتوبا عليها وقت وفاة محمد.

    سنرى فيما بعد أنه بشهادة القرآن نفسه كان من الوارد نسخ بعض الآيات خلال فترة النزول (بالإضافة إلى ما تم نسخه من قبل) و هذا ما يحول دون جمع النص في كتاب واحد ما دامت إمكانية نسخه قائمة.

    إضافة إلى كل هذا يظهر لنا أنه لم تكن هناك سوى نزاعات قليلة حول نص القرآن فيما بين الصحابة حين كان محمد لا يزال على قيد الحياة خلافا لما سيقع بعد موته. كل هذه العوامل تفسر غياب نص قرآني رسمي و موحد وقت وفاته. إمكانية نسخ أجزاء من القرآن و احتمال نزول آيات جديدة -لا يوجد في القرآن ما يدل على تمامه أو على آستحالة نزول آيات جديدة- حالا دون محاولة جمعه خلافا لما قام به أصحاب محمد بعد موته. يتبين كذلك أن الآيات القرآنية صارت تنزل على محمد بشكل مكثف قبيل وفاته و لذلك آستمنع جمعها.

    "حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ"(صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن 4599)

    عند نهاية المرحلة الأولى التي مر منها القرآن نجد أن محتواه كان موزعا بشكل واسع في ذاكرات الناس بينما كانت بعض أجزاءه مكتوبة على مختلف المواد التي كانت تستعمل آنذاك في الكتابة لكن لم يكن هنالك أي نص موحد أمر به للأمة الإسلامية. لقد ذكر السيوطي أن القرآن قد كتب كله في عهد محمد و بقي محتفظا عليه بعناية بالغة لكن لم يجمع في موضع واحد قبل موته (السيوطي الإتقان في علوم القرآن م 1 ص 126) و قيل أنه كان متوفرا بأكمله مبدئيا (في ذاكرة الصحابة و أيضا على شكل مكتوب). أما التسلسل النهائي للسور فقد قيل أن محمد قد أمر به شخصيا.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) تكلم البخاري في صحيحه -كتاب فضائل القرآن- عن بضع و سبعين سورة "حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق بن سلمة قال خطبنا عبدالله بن مسعود فقال والله لقد أخذت من في رسول الله صلى اللهم عليه وسلم بضعا وسبعين سورة والله لقد علم أصحاب النبي صلى اللهم عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم قال شقيق فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك"
                  

02-20-2008, 08:17 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    -أول جمع للقرآن في عهد أبي بكر


    إذا كان محمد قد ترك بالفعل نصا كاملا و مجموعا كما يزعم العلماء المسلمون (عبد القادر عبد الصمد مثلا‚ انظر الفصل 6) فلماذا كانت هناك حاجة إلى جمعه بعد وفاته؟ لقد كان فعلا من المنطقي أن لا تبدأ عملية الجمع إلا بعد أن تنتهي الرسالة بموت الرسول. الرواية الشائعة حول جمع القرآن في أول الأمر تنسب هذا العمل إلى زيد بن ثابت الذي كان من بين الصحابة الذين كانت لهم دراية عميقة بالقرآن.

    سنرى فيما بعد أن هناك أدلة كثيرة على أن صحابة آخرون قاموا هم كذلك بجمع القرآن في المصاحف بشكل مستقل عن زيد و ذلك بعد وفاة محمد بفترة وجيزة لكن المشروع الأكثر أهمية هو ذلك الذي قام به زيد لأنه تم بأمر رسمي من أبي بكر أول خليفة في الإسلام. كتب الحديث النبوي أعطت أهمية بالغة لهذا الجمع الذي قام به زيد بن ثابت و النص الذي نتج عنه هو الذي أصبح ذا طابع رسمي في خلافة عثمان.

    بعد وفاة محمد مباشرة ارتدت بعض القبائل العربية عن الإسلام بعدما كانت قد اعتنقته منذ مدة قصيرة. على إثر هذا اضطر أبو بكر إلى إرسال جيش مكون من أوائل المسلمين لإخضاعها. فقامت معركة اليمامة التي سقط فيها عدد من صحابة محمد الأقربون الذين أخذوا القرآن مباشرة من عنده. الحديث التالي يصف لنا ما حدث بُعيد هذه الأحداث:

    "حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي اللهم عنهم قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي اللهم عنهم إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى اللهم عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي اللهم عنهمما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم"

    (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن-4603 باب جمع القرآن-) {نفس الحديث نجده مكررا في كتاب الأحكام رقم 6654 و في كتاب تفسير القرآن رقم 4311}

    انتهى الأمر بزيد بن ثابت إلى قبول الفكرة مبدئيا بعد إقناع أبي بكر و عمر إياه بضرورة الأمر و قبل أن يجمع القرآن في كتاب واحد. يتضح جليا من خلال هذه الرواية أن جمع القرآن كان أمرا لم يقم به "رسول الله".

    إن تردد زيد إزاء المهمة التي أسندت إليه كان سببه من جهة كون محمد نفسه لم يهتم بجمع القرآن و من جهة أخرى ضخامة المشروع. هذا ما يظهر أن المهمة لم تكن بالسهلة بتاتا. فإذا كان زيد يحفظ القرآن جيدا و يعرفه بأكمله عن ظهر قلب و لا يجهل أي جزء منه و إذا كان عدد من الصحابة يتوفرون كذلك على مقدرة هائلة في مجال الحفظ والإستظهار فإن عملية جمع القرآن لن تكون إلا سهلة {خلافا لما جاء في حديث البخاري المذكور أعلاه}. فلم يكن على زيد إلا أن يكتب ما كان يحفظ من القرآن في ذاكرته و يطلب من الصحابة أن يضبطوا ما كتب. يزعم ديزاي و بعض الكتاب الأخرون أن كل الحفاظ من أصحاب محمد كانوا يعرفون القرآن بأكمله عن ظهلر قلب‚ كلمة كلمة و حرفا حرفا و ذهب ديزاي بعيدا في مزاعمه حيث قال أن هذه القدرة الهائلة على حفظ القرآن هي موهبة إلاهية : "إن قوة الذاكرة ملكة وهبها الله للعرب لدرجة أنهم كانوا يحفظون الألاف من أبيات الشعر ببالغ السهولة. الإستعمال الكامل لهذه الموهبة هو ما مكن من حفظ القرآن و صيانته من الضياع"(1)(Desai, The Quraan Unimpeachable, p.25)

    يذهب بعد هذا إلى وصف استظهار القرآن بأنه "قوة حفظ ذات طبيعة إلهية". النتيجة المنطقية لهذا الزعم هي أن جمع القرآن كان من أسهل الأمور. فإذا كان زيد و القراء الأخرون يعرفون القرآن بكامله حتى أخر كلمة منه بدون أي غلط أو نقصان و برعاية ربانية <هذا مزعم العلماء المسلمين> فمن غير المعقول أن نجده <أي زيد> يقوم بجمع القرآن بالشكل الذي فعله. فعوض أن يعتمد فقط على ذاكرته مباشرة نجده يبحث عن النصوص في مختلف المصادر : "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللخاف و صدور الرجال حتى وجدت أخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم" ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن-4603 )

    لقد رأينا سابقا أن القرآن كان وقت وفاة محمد مفرقا بين ما كان في ذاكرة الصحابة و ما كان مكتوبا على مختلف المواد التي كانت تستعمل أنذاك في الكتابة. إلى هذه المصادر لجأ الصحابي الشاب حين كان يُعِد لجمع القرآن في مصحف واحد. المصدران الرئيسيان من بين المصادر التي ذكرت هما "الرقاع" و "صدور الرجال" (السيوطي - الإتقان في علوم القرآن). لم يعتمد زيد على ذاكرة الناس فقط بل اعتمد كذلك على ما كان مكتوبا أيً كانت طريقة كتابته (اللخاف أي الحجارة الرقاق الخ.. ) و التجأ إلى كثير من الصحابة و إلى جميع المواد التي كانت أجزاء من القرآن مكتوبة عليها. لم يكن هذا تصرف شخص يعتقد أن الله وهبه ذاكرة خارقة للعادة يمكنه الإعتماد عليها كليا في مهمته بل تصرف كاتب نبيه كان يريد جمع القرآن من جميع المصادر الممكنة. كان هذا تصرف رجل يعي كل الوعي أن النص القرآني كان متناثرا في أماكن عدة لدرجة أنه وجب جمع كل ما أمكن جمعه من أجل الحصول قدر المستطاع على نص كامل نسبيا.
    أقدم الروايات في الإسلام تبين لنا بوضوح أن زيدا قام ببحث على نطاق واسع بينما نجد أن علماء متأخرين زعموا أنه اعتمد على ما دُون كتابيا على مختلف المواد -عظام الحيوانات‚الرقاع‚جلود الحيوانات الخ..- التي كانت محفوظة في بيت محمد. زعموا أن زيدا لم يفعل شيئا أكثر من جمعه لهذه النصوص من أجل الإحتفاظ بها في موضع واحد.

    يقول الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن" إن محمدا كان يأمر بكتابة القرآن و لذلك حين أمر أبو بكر بجمع القرآن في مصحف واحد وُجِدت المواد التي كان مكتوبا عليها "في دار رسول الله التي نزل فيها" (السيوطي‚ الإتقان) فجُمِعت و حُدِّدت لكي لا يضيع منها شيء. لكن يتضح من خلال ما دُوِّن في إطار الحديث النبوي أن زيدا قام ببحث واسع النطاق عن هذه المواد التي كتبت عليها أجزاء من القرآن. ديزاي يجاحد قائلا إن البحث الذي قام به زيد كان مقتصرا على المواد التي كُتب عليها القرآن "بين يدي رسول الله" لأن زيدا كان هو الصحابي الوحيد الذي أتيحت له الفرصة لكي يكون جنب محمد حين جاءه جبريل و رتل معه القرآن آخر مرة (Desai, The Quraan Unimpeachable, p.18) يضيف ديزاي أنه رغم وجود نصوص قرآنية أخرى في تلك الفترة فهي كانت لم تكن تتوفر على مصداقية كاملة لأنها لم تكتب تحت الإشراف المباشر لمحمد لكن كتبت من طرف أصحابه الذين اعتمدوا في ذلك على ما استطاعوا حفظه في ذاكراتهم. يمتنع ديزاي عن إعطاء أية دلائل أو نصوص من أي نوع كانت و لا يُرينا المصادر التي اعتمد عليها في البرهنة على مزاعمه و التي من المفروض أن تكون من أقدم ما دُوِّن من التراث الإسلامي. في الواقع كون القرآن عُرض مرتين في آخر المطاف كان سرا لم يبح به محمد سوى لابنته فاطمة الزهراء ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن) {قال مسروق عن عائشة عن فاطمة عليها السلام أسر إلي النبي صلى اللهم عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي}

    فكيف أمكن أن يكون هذا سرا إذا كان زيد بن ثابت حاضرا في هذه المناسبة؟

    في نفس السياق نعرف من خلال أقدم ما دُوِّن حول جمع القرآن في خلافة أبي بكر أنه لم يكن هناك أي تمييز بين ما كتب من القرآن تحت إمرة محمد أو غيره من المصادر و لا شيء يوحي بأن زيدا اعتمد على الأول دون الثاني. كما سنرى لاحقا هذه تفاسير حديثة العهد نسبيا الغرض منها التأكيد على أن القرآن جمع في ظروف مثالية لكنها لا ترتكز على أية نصوص قديمة و أصيلة للبرهنة على مزاعمها.
    هناك حكايات مفادها أنه كلما نزل شيء من القرآن كان محمد يطلب من كتابه و من بينهم زيد أن يكتبوه ( صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن 4606 على سبيل المثال)

    {حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال لما نزلت ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) ( والمجاهدون في سبيل الله ) قال النبي صلى اللهم عليه وسلم ادع لي زيدا وليجئ باللوح والدواة والكتف أو الكتف والدواة ثم قال اكتب ( لا يستوي القاعدون ) وخلف ظهر النبي صلى اللهم عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى قال يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر فنزلت مكانها (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) ( والمجاهدون في سبيل الله ) ( غير أولي الضرر )}

    لكن لا شيء يؤكد أن القرآن كان مجموعا بأكمله في بيته. هناك أيضا روايات عديدة في كتاب المصاحف لابن أبي داود تشير إلى أن أبا بكر كان أول من قام بتدوين القرآن نذكر من بينها : "حدثنا عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن حفص قال حدثنا خلاد قال حدثنا سفيان عن السدى عن عبد خير عن علي قال : رحمة الله على ابي بكر كان أعظم الناس أجرا في جمع المصاحف‚ و هو أول من جمع بين اللوحين. " (كتاب المصاحف‚ ص 5). هنا أيضا نجد أدلة قوية على أن أشخاصا آخرين سبقوا أبا بكر لجمع القرآن في مصحف واحد :

    "عن بن بريدة قال : أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حديفة" (السيوطي - الإتقان في علوم القرآن). سالم هذا كان من بين أربعة رجال أمر محمد أصحابه أن يأخذوا القرآن عنهم (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن 4615 و كتاب المناقب 3524) و{ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبدالله بن عمرو عبدالله بن مسعود فقال لا أزال أحبه سمعت النبي صلى اللهم عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبدالله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب} كان من القرأء الذين قتلوا في معركة اليمامة. بما أن أبا بكر لم يأمر بجمع القرآن إلا بعد هذه المعركة فمن البديهي إذا أن سالما سبق زيد بن ثابت لجمع القرآن.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {The faculty of memory which was divinely bestowed to the Arabs, was so profound that they were able to memorize thousands of verses of poetry with relative ease. Thorough use was thus made of the faculty of memory in the preservation of the Qur'aan.}
                  

02-20-2008, 08:18 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    -نظرة عامة حول المرحلة الأولى لجمع القرآن.

    نلاحظ الآن أن آتجاها معينا أصبح يبرز بوضوح. الروايات الرسمية تحاول أن تظهر لنا أن المشروع الذي قام به أبو بكر بخصوص جمع القرآن كان هو الأهم و الوحيد الذي تم بعد وفاة محمد. حاول العلماء بعد ذلك أن يدعموا هذه الفكرة مدعين أن زيدا كان الشخص الوحيد المؤهل للقيام بالمهمة و أن القرآن كان بشكل أو بآخر موجودا ببيت محمد و أن الأشخاص الذين قاموا بعملية الجمع اعتمدوا على ما تمت كتابته تحت الإشراف الفعلي لمحمد نفسه و لا شيء غير هذا. يذهب العلماء المسلمون أبعد من هذا حيث يزعمون أن المصحف كما تم جمعه كان صورة طبق الأصل لما جاء به محمد لم يضف إليه لا حرف و لا كلمة و لا نقطة و لم يفتقد منه أي شيء من هذا القبيل.

    من جهة أخرى وجب القول بأن التحليل الموضوعي لمسألة جمع القرآن في المرحلة البدائية و الذي يجب أن يعتمد على المعطيات المدونة سيمكننا من إبراز أن النص الذي جمعه زيد و الذي أصبح فيما بعد النمودج الذي اعتمد عليه المصحف العثماني ما هو إلا المنتوج النهائي لمحاولة صادقة لجمع القرآن انطلاقا من مصادر متنوعة كان الرجوع إليها أمرا ضروريا.

    يجب علينا الآن أن نقوم بتقييم للمصادر التي اعتُمِد عليها بإعادة النظر فيها. اعتمد زيد بن ثابت على صدور الرجال و على ما كُتِب من القرآن كيفما كانت المواد التي استعملت في ذلك. مهما كانت المجهودات التي قام بها الصحابة الأوائل لحفظ القرآن بشكل كامل فإن ذاكرة الإنسان تبقى دائما عرضة للنقصان و الخطأ. إذا أخذنا بعين الإعتبار طول القرآن (أي ما وجب حفظه) فليس من الغريب أن نجد اختلافات في طرق قراءة القرآن و لذلك سيظهر لنا جليا أن هذا الإرتسام مبني على أسس صحيحة.

    فكرة أن زيد اعتمد على ما كان متناثرا في ذاكرات الصحابة وجب أن تؤدي إلى بعض النتائج المنطقية التي لا مفر منها. هناك احتمال ضياع أجزاء من النص لأن هذا الأخير لم يكن مجموعا في كتاب واحد بل كان متناثرا بشكل واسع. هذا ما سيتضح حين سنقدم الدلائل المؤخوذة من الثرات الإسلامي القديم.

    المثال النمودجي الذي وجب تقديمه بخصوص هذه المسألة يتجلى في الحديث التالي الذي يؤكد بوضوح أن أجزاء من القرآن فُقِدت نهائيا إثر مقتل بعض الحفاظ من الصحابة في معركة اليمامة :

    "حدثنا أبو الربيع قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب قال : بلغنا إنه انزل قرآن كثير فقُتِل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه فلم يُعْلَم بعدهم و لم يُكْتَب ‚ فلما جمع أبو بكر و عمر و عثمان القرآن و لم يوجد مع أحد بعدهم." (كتاب المصاحف 23)

    لا يمكن تجاهل كون هذا الحديث يستعمل أسلوب النفي بوضوح : "لم يعلم"‚ "لم يكتب"‚ "لم يوجد" تاكيد ثلاثي على أن هذه الأجزاء من القرآن التي كان يحفظها قراء اليمامة فقدت بدون رجعة. في المقابل يظهر أنه من الصعب تصور أية زيادة أو تغيير في القرآن بعد وفاة محمد لأن أجزاء النص كانت موجودة بطريقة متناثرة عند الصحابة لكن إمكانية ضياع بعض الأجزاء من النص تبقى واردة كما ذكرنا سالفا. إذا كان جزء مهما من القرآن احتُفِظ به عن طريق الحفظ فهذه ضمانة أكيدة أن لا أحد من الصحابة كان بإمكانه إضافة شيء إلى القرآن دون أن يلقى معارضة الأخرين. (1)

    في الأخير حين نستعرض المصادر الأصلية يجب أن لا نستغرب من كون مصاحف أخرى كانت حيز الجمع زيادة على المصحف الذي تكلف زيد بجمعه. كان هنالك عدد من الصحابة الذين كانت لهم دراية واسعة بالقرآن و كان من الحتمي أن يحاولوا تأليف ما كان لا يزال متبثا في ذاكراتهم على شكل مصحف مستعينين كذلك بما كان مكتوبا. كنتيجة حتمبة سنرى أن ما توقعناه من نتائج بخصوص جمع كتاب كالقرآن أمر تدعمه النصوص التاريخية خلافا للفرضية القائلة بأن الحفاظ على الكتاب تم بفضل العناية الربانية دون أدنى نقصان أو تغيير.

    امكانية فقدان بعض أجزاء النص واردة في عدة أحاديث نبوية تبين بعضها أن محمدا كان هو نفسه عرضة لنسيان بعض أجزاء القرآن :

    "حدثنا موسى يعني ابن إسمعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي اللهم عنها أن رجلا قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن فلما أصبح قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرحم الله فلانا كائن من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها" (كتاب الحروف و القراءات سنن بن أبي داود رقم 3456)

    وضع مترجم المرجع السابق إلى الأنجليزية ملاحظة هامشية بين فيها أن محمدا لم ينس بعضالآيات تلقائيا بل الله هو الذي أنساه إياها مقيما بذلك عبرة للمسلمين. مهما كانت الغاية و الأسباب فالمهم هو أن محمدا تعرض لنسيان بعض القرآن الذي أقر أنه أوحي إليه. القول بأن النسيان كان من الله يعتمد على الآية التالية :

    " مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة 2 الآية 106)

    كلمة آية تعني النص القرآني ذاته و كلمة ننسها أصلها من فعل نسي الذي يعني أينما وجد في القرآن (وردت 45 مرة على مختلف الأشكال) فقدان الشيء من ذاكرة الإنسان.

    لنعطي الآن خلاصة لما قيل في هذا الجزء.

    حاول زيد بن تابث الذي كان من الصحابة ذوي المعرفة العميقة بالقرآن أن يدون قدر مستطاعه مصحفا أقرب ما يكون إلى الموثوقية. روح الأمانة التي اتصف بها خلال قيامه بمشروعه ليست موضع شك. لذلك يمكننا أن نقول بأن المصحف الذي قدمه في الأخير إلى أبي بكر لم يكن إلا تعبيرا صادقا عن ما جمعه من صدور القرأء و من ما كتب على مختلف المواد لأن هذا هو ما تعكسه النصوص المؤخوذة من التراث الإسلامي الأصيل. نفس النصوص تنفي الفرضية الحديثة القائلة بأن المصحف الحالي هو نسخة طبق الأصل للقرآن الأول لم يحذف منها شيء و لم يمسسها أي تغيير. ليس هناك ما يدل على أن النص تعرض للتحريف و كل محاولة لتأكيد ذلك (كما فعل بعض الباحثين الغربيين) يمكن ضحضها بسهولة. بالمقابل هناك أدلة عديدة على أن القرآن كان غير مكتمل وقت تدوينه في مصحف واحد (كما رأينا سابقا) و أن كثيرا من فقراته و آياته انتقلت على أشكال مختلفة. سنتمكن من خلال هذا الكتاب أن نستعرض الوقائع التي تبرهن على مقولاتنا و كذا نتائجها الحتمية.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {هذا لا يدل على استحالة زيادة بعض الفقرات في النص الأصلي, الإسراء مثلا}
                  

02-20-2008, 08:18 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    آيات شيطانية بإعتراف القرآن


    أولاً:مصادر البحث

    1. جاء في كتاب »الملل والنحل والأهواء« للشهرستاني ص 109
    »قدم نفر من مهاجرة الحبشة حين قرأ عليه السلام (سورة النجم 53 الآية 19،20) )والنجم إذا هوى( حتى بلغ )أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى( ألقى الشيطان في أمنيته (تلاوته) ]تلك الغرانيق العُلى إن شفاعتهن لتُرتجى[ فلما ختم السورة سجد (ص) وسجد معه المشركون، لتوهُّم أنه ذكر آلهتهم بخير. وفشى ذلك بالناس وأظهره الشيطان حتى بلغ أرض الحبشة ومن بها من المسلمين عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدَّثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم، وصلُّوا معه (ص) وقد آمن المسلمون بمكة، فأقبلوا سراعاً من الحبشة«.

    2. ومن تفسير هذه الآية في »الفخر الرازي« ج 6 ص 244-
    249»من المسائل في تفسير هذه الآية أن رسول الله e لما رأى إعراض قومه عنه، شقَّ عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاء به؛ فتمنَّى أن يأتيه الله بشيء ما يقارب بينه وبينهم لحرصه على إيمانهم. فجلس ذات مرة في ناد من أندية قريش، وجلس معه كثيرون من أبناء قريش، وأحبّ يومئذ ألاَّ يأتيه من الله شيء ينفر منه، وتمنى ذلك فأنزل تعالى سورة النجم 1:53-7)والنجم إذا هوى(فقرأها حتى بلغ أفرأيتم اللاّت والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه {تلك الغرانيق العُلى إن شفاعتهن لترجى}. فلما سمعت قريش فرحوا، ومضى رسول اللهe في قراءته فقرأ السورة كلها، فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون، وتفرَّقت قريش وقد سرَّهم ما سمعوه، وقالوا :"قد ذكر محمد آلهتا بأحسن الذِّكْر". فلما أمسى الرسول أتاه جبريل فقال :"ماذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتيك به من عند الله"، فحزن الرسول حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً عظيماً حتى نزل قوله تعالى في (سورة الحج 52:22) )وما أرسلنا من قبلك من رسول أو نبي إلاّ إذا تمنى فألقى الشيطان في أمنيته فيسخ الله ما يلقى الشيطان(.

    هذه رواية عامة المفسِّرين الظاهرين، أما أهل التحقيق فقد قالوا:"هذه الرواية باطلة وملفَّقة"، واحتجوا على ذلك بالمعقول والمنقول. أما من المنقول فهو القرآن والسُّنَّة:

    1. فالقرآن ينفي ذلك بقوله في (سورة النجم 53 :3،4) )وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى(.
    2. والسُّنَّة تنفي ذلك بكلام لا حاجة إلى ذِكره، لأنه غير مبنى على حقائق بل مبني على آراء، إذ يقولون لا يمكن أن نبي الله الأعظم ورسوله الأكرم يفعل مثل هذه الأشياء.
    أما المعقول فهو:
    1. إذا جاز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر؛ لأن المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
    2. لو جوَّزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه.وقد فسَّر أهل التحقيق (الأمنية) إما القراءة أو الخاطر«.

    اعتراضات أهل التحقيق والرد عليها

    الاعتراض الأول:
    إن النبي لم يتكلم بهذا القول "تلك الغرانيق، ولا الشيطان تكلم بها ولا أحد، بل كل ما في الأمر أنه e لما قرأ سورة النجم اشتبه الأمر على الكفَّار، فحسبوا بعض ألفاظه ما رواه من قولهم، وذلك حسب ما جرت العادة بهم من توهُّم بعض الكلمات على غير ما يُقال.

    الرد على الاعتراض الأول:
    إن هذا الكلام ضعيف لعدة أسباب أهمها:
    1. إن التوهُّم في مثل هذه الأمور يصحُّ على الأشياء التي جرت العادة بسماعها، أما غير المسموع فلا يقع عليه ذلك؛ لأنه جديد لم يسمعوه من قبل.
    2. إنه لو كان الأمر كذلك لوقع الأمر لبعض السامعين دون البعض، فإن العادة مانعة من اتفاق الكل على كلام أو خيال واحد فاسد المحسوسات.
    3. لو كان الأمر كذلك، فلماذا نسبوه إلى الشيطان حسب الآية في (سورة الحج52:22).

    الاعتراض الثاني:.
    إن ذلك الكلام هو كلام شيطان الجن، وذلك بأن تلفَّظ بكلام من تلقاء نفسه وأوقعه في درج التلاوة، ليُظَن أنه من درج الكلام المسموع من الرسول، والذي يؤكد ذلك هو أن الجن والشياطين يتكلمون، فلا يُمتنع أن يأتي الشيطان بصوت مثل صوت رسول الله، والدليل على ذلك أن القوم الذين سمعوه لم يروا شخصاً آخر فظنوا أن هذه الكلمات من فم الرسول.

    الرد على الاعتراض الثاني :.
    فإنك أيها القارئ العزيز إذا اقتنعت بالرأي السابق، وقلت:"إنه من الممكن أن يتكلَّم الشيطان في أثناء كلام الرسول بما يشتبه على السامعين كونه كلام الرسول"، بقى هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول؛ فينتج من ذلك رفع الثقة عن القرآن كله.

    الاعتراض الثالث :.
    قالوا إن رسول الله قال هذه الجملة "تلك الغرانيق سهواً كما يُرْوَى عن قتادة ومقاتل -من أصحاب محمد- أنهما قالا:"إنه eكان يصلى عند المقام، فنعس وجرت على لسانه هاتان الكلمتان {تلك الغرانيق العُلى إن شفاعتهن لترتجى}، فلما فرغ من السورة، سجد وسجد كل من في المسجد، وفرح المشركون بما سمعوه . فأتاهُ جبريل فاستقراء السورة، فلما انتهى من أفرأيتم آللات والعزى ومناة الثالثة الأُخرى تلك الغرانيق العُلى إن شفاعتهن لترتجى، قال جبريل لم آتيك، بهذا فحزن الرسول إلى أن نزلت سورة الحج (52:22).

    الرد على الاعتراض الثالث:.
    إن هذا الكلام ضعيف لعدة أسباب أهمها:
    لو جاز على النبي السهو هنا، لجاز أيضاً في سائر المواضع وحينئذ تزول الثقة عن بقية السور.
    إن الساهي لا يجوز أن تقع منه هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقتها ومعناها.
    افترض أنه تكلم بذلك سهواً، فلماذا لم ينتبه إلى ذلك حين قرأ السورة مع جبريل؟!.فهل يقع السهو عليه مرتين ويكرر نفس الألفاظ في نفس موضعها ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟!

    الاعتراض الرابع:
    إن الرسول تكلَّم بهذه الكلمات مجبراً "أي الشيطان أجبر الرسول على أن يتكلم هذه الكلمات".

    الرد على الاعتراض الرابع
    إن هذا الكلام ضعيف لعدة أسباب أهمها:
    إن الشيطان لو قدر على ذلك في حق النبي، لكان اقتداره علينا أقوى؛ فوجب أن يزيل الشيطان العباد عن الدين، ولجاز في أكثر مما يتكلم به الواحد منا أن يكون إجباراً من الشيطان.
    إن الشيطان لو قدر على هذا الإجبار لارتفع الأمان عن الوحي لقيام مثل هذا الاحتمال.

    الاعتراض الخامس:
    إن النبي تكلم بهذه الكلمات بمحض إرادته حسب هذه الرواية:»قال ابن عباس في رواية عطا:"إن الشيطان يقال له الأبيض، أتى النبي على صورة جبريل، وألقى على لسانه هذه الكلمة ‘‘تلك الغرانيق‘‘ فقرأها، فلما بلغ تلك الجملة قال:"جبريل أنا ما جئتك بذلك"، فحزن الرسول، وقال أتاني على صورتك فألقاها على لساني.«

    الرد على الاعتراض الخامس:.
    إن الذين يؤمنون بهذا الرأي عليهم أن يوضّحوا لنا ويجيبوا عن هذا السؤال: هل النبي غير قادر على التمييز بين جبريل والشيطان؟! وما المانع أن يكون الشيطان أتاهُ بصورة جبريل في مواضع أخرى؟!

    الاعتراض السادس:
    إن الرسول لشدة حرصه على إيمان القوم أدخل هذه الكلمات من نفسه ثم رجع عنها.

    الرد على الاعتراض السادس:.
    إن الرسول في هذه الحالة خائناً في الوحي، وهذا خروج عن الدين بوجه عام، وعن النبوَّة بوجه خاص.
    ومن تفسير الجلالين لنص (سورة الحج 52:22)، الجزء الثاني، صفحة 45»)وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاَّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أمنيته( قراءته ما ليس من القرآن بما يرضاه المرسَل إليهم، وقد قرأ النبي في سورة النجم بمجلس من قريش بعد أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى بإلقاء الشيطان على لسانه من غير علمه {وتلك الغرانيق العُلى إن شفاعتهن لترتجى}. ففرحوا بذلك ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك، فحزن فسُلَّي بهذه الآية ليطمئن )فينسخ الله (يبطل) ما يلقى الشيطان، ثم يحكم آياته (يثبتها)، والله عليم حكيم (عليم بإلقاء الشيطان)((الحج 22: 52).

    ثانياَ:التعليق على ما سبق

    لا يخفى عليك أيها القارئ العزيز أن هذا الحادث حقيقة مؤكدة بشهادتي القرآن والتاريخ، الذي لم ولن يجد المسلمون مخرجاً لإنكار هذا الحادث. وها أنك قد رأيت المفسّرين المسلمين بمذاهبهم المتضاربة السخيفة في هذه المسألة، قد قدحوا -وهم لا يدرون- في دعوى محمد بالنبوّة والرسالة من الله، وإني أرى أنه من الأنسب لو قالوا:"إن رسول الإسلام فعل ذلك لغاية حميدة من نفسه، وإن ذلك درج على لسانه لمؤالفته سماع ذلك من قومه على توالى الأيام، كما هو شأن الضعف البشري، ثم انتبه إلى غلطته ورجع عنها، وإن ذلك كان إلقاءاً أدبياً من الشيطان". فما أوردناه في هذا الموضوع يظهر لنا جليّاً أربعة أمور جديرة بالاعتبار وتستدعي التفات نظر القارئ الأريب والنبيه وهم:

    1. الأمر الأول : أكيدية حدوث إلقاء الشيطان على لسانه ذلك المديح لآلهة قريش.
    2. الأمر الثاني : تكذيب فريق لهذه الحادثة، ورمى محدّثيها بالافتراء.
    3. الأمر الثالث : الإقرار بوجهٍ سلبي ثبوت إلقاء الشيطان على لسان النبي قادح في نبوّته
    4. الأمر الرابع : تضارُب المذاهب بشأن هذا الحادث.

    التعليق على الأمر الأول

    أكيدية إلقاء الشيطان على لسان محمد ذلك المديح لآلهة قريش.
    ما من عاقل نبيه لدى اطلاعه على هذه المسالة، إلاَّ ويرى في قصة مدح محمد للأصنام حادثة واقعية لا تقبل الشك لخمسة أسباب:
    بساطة القصة وخلوُّها من التصنيع، الأمر الدال على كونها قصة تاريخية غير مؤلّفة.
    إنها مروية عن فريق من الصحابة، كقتادة ومقاتل وإلياس، الذين بعضهم نسبوا هذه القصة إلى السهو وبعضهم إلى إلقاء على لسانه من الشيطان يُقال له الأبيض.
    تعليق الفريق الذين رجعوا من الحبشة على هذا الحادث.
    اعتراف مفسّر الجلالين والرازي بوقوع الحادث.
    العلاقة الطبيعية بين الآية (الحج 52:22) وبين القصة في (سورة النجم 53)، فعلى افتراض ضياع القصة ونكران هذا الحادث من عامة المسلمين، وإجماعهم على بطلان القصة؛ فالآية تدل دلالة راهنة على تمنى محمد شيئاً أو أشياء على إلقاء الشيطان في أمنيته، وهنا الفاجعة الكبرى، لأنه عوّض تقييد النص بحادث؛ وهذا يعنى أنه يصبح مطلق الإشارة إلى حوادث شتى.إذاً على الذاهبين ببطلان واختلاق هذه القصة أن يبيّنوا لنا - إن كان في استطاعتهم- الباعث على ذلك النص )وما أرسلنا من قبلك من رسول أو نبي إلاَّ وإذا تمنّى( (سورة الحج 52:22)، ويشرحوه لنا شرحاً وافياً يقبله العقل. وهل من عاقللا يرى أن ذلك لم يكن إلاَّ لتعزية قلب محمد على حزن وخوف خامره بسبب إلقاء الشيطان على لسانه. فاسمحوا لي أن أشرح هذا النص من وجهة نظري الخاصة »يقول الله لمحمد:"لا يرهبك ولا يجذعك ما ألقى الشيطان على لسانك من تعظيم أوثان قريش الباطلة، ولست أنت النبي الوحيد الذي جرى له مثل ذلك، لقد طرأ مثل هذا على بعض أسلافك من أنبيائي ورسلي إذ تمنوا على نحو ما تمنيت، فألقى الشيطان في أمنيتهم كلاماً في درج تلاوتهم كلامي، فنسخت ما ألقى الشيطان وأحكمت آياتي، فلك يا محمد أُسوةٌ بهم، وكنْ مطمئناً مرتاحاً، فإني نسخت ما ألقى الشيطان على لسانك في درج كلامي«

    التعليق على الأمر الثاني

    وهو تكذيب فريق لهذا الحادث ورمي محدّثيها بالافتراء
    وهم الذين نعتهم الرازي بأهل التحقيق بأن قالوا:"هذه الرواية باطلة"، وعلّلوا بطلانها بما عللوا.
    أولاً : لقد أخطأ الرازي بنعته مثل هؤلأ بأهل التحقيق، وهم لم يأتوا بشيء من التحقيق، وكان الأحقّ بهذا النعت الفريق الأول الذي نعتهم بالظاهريين، التي تنطبق روايتهم كل الانطباق على النص القرآني، وعلى ما يُنسب إلى بعض الصحابة وأمر رجوع من مهاجرة الحبشة، ولا يُرى قول هؤلاء المنعوتين بأهل التحقيق هذه الرواية باطلة موضوعة إلاّ إفكاً وبهتاناً، إذ ليس في احتجاجهم ما يُعتبر برهاناً على صحة دعواهم .وما ذلك منهم إلا محاولة ستر البيِّن بالظاهر. فهم آهلين بأن يُنعتوا بأهل التمويه لا بأهل التحقيق.
    ثانياً :.وليس من مسلم عاقل يسلِّم بأن نفراً من أصحاب محمد المخلصين يختلقون على نبيهم العزيز هذا الأمر المشين، لو لم يكن هذا الأمر أكيداً، وما ذكروه لو لم يكن مشهوراً، وما نسب بعضهم إلى السهو من قبيل النعاس، وآخرون إلى شيطان أبيض جاء محمد بصورة جبريل وألقى على لسانه تلك الجملة التي كررناها عشرات المرات، فضلاً عن العلاقة الكلية بين النص والحادث لا تدع سبيلاً إلى إنكاره أو تكذيبه.
    ثالثاً :. وما احتجاجهم بالمنقول والمعقول إلاّ احتجاجاً صبيانياً لا يحرز شيئاً، فما أوهى حجتهم )وما ينطق عن الهوى إن هو إلاَّ وحيٌ يوحي( (سورة النجم53 :3،4). فسخافة هذه الحجة تظهر لنا ظهور الشمس في رائعة النهار.
    إن هذا النص حسب شرح الفخر الرازي ما كان إلاَّ ردّاً على طعن المشركين الذين رموا محمد بالافتراء على الله إذ قالواافتراه على غير الله وأعانه عليه قوم آخرون(.
    إن هذا الاحتجاج باطل أيضاً، لأن سورة النجم (3:53،4)، )وما ينطلق عن الهوى( لأنه إذا كان الشيطان ألقى على لسان محمد ذلك المديح، وهو يفتكرها إلقاء الله فلا يمكن أن يكون نطق بها عن الهوى (أي الغرض الذاتي)، فما كان أغناهم عن مثل هذا الاحتجاج الفارغ بهذا المنقول الدال على عدم رويّتهم وتدبٌّرهم نصوص القرآن.
    وليس في احتجاجهم بالمعقول أقل سخافة إذا قالوا:"إن من جوَّز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر، بداعي أن أعظم سعيه كان نفي الأوثان، وجواز ذلك يعنى رفع الأمان عن شرعه. فعجباً لهؤلاء المحققين كيف للداعي الذي ذكروه قد كفَّروا من جوَّز على محمد تعظيم الأوثان بطريقة إلقاء الشيطان ذلك على لسانه متجاهلون نص القرآني المبين (سورة الحج 52:22)، فقد جوَّز القرآن ما اعتبروه أهل التحقيق كُفْراً، وكيف لهم أن ينكروا على القرآن ما جوَّزه ويكذِّبون ما شهد بوقوعه بمحمد وأصحابه. أليس ذلك امتهان لكتابهم ولأصحاب نبيهم؟!

    التعليق على الأمر الثالث

    وهو الإقرار بوجه سلبي أن إثبات إلقاء الشيطان على لسان النبي قادح في نبوَّته
    ومن قولهم:"إن ذلك الكلام هو كلام شيطان الجن، أوقعه في درج التلاوة، ليُظن أنه من جنس الكلام المسموع من الرسول، فلا يمُتنع أن يأتي الشيطان في أثناء كلام الرسول بصوت مثل صوته، والحاضرون إذ لم يروا شخصاً آخر ظنوا أن هذا الكلام هو كلام رسول الله، ثم هذا لا يكون قادحاً في النبوَّة".

    الرد على هذا الكلام:.
    هؤلاء القوم أذكياء، إذ أنكروا على محمد تفوُّهه بهذه الكلمات، لكي يهربوا من النتيجة المرَّة المترتبة على ذلك، فهربهم هذا لا يعتبر بالضرورة هرباً أو تخلُّصاً من تلك النتيجة، بل هي محاولة فارغة لا تجديهم شيئاً؛ لبقاء هذا الاحتمال في كل ما تفوَّه به الرسول أو سُمع أنه تكلَّم به، وبذلك يرتفع الأمان عن شرع محمد وعن قرآنه.

    التعليق على الأمر الرابع

    وهو تضارُب المذاهب بشأن هذا الحادث
    إذ قد ذهب بعضهم أنه كان النبي يتلو في أحد أندية قريش سورة النجم حتى بلغ تلاوته أفرأيتم اللاَّت والعزى "ألقى الشيطان على أمنيته كلام ذلك المديح. وبعضهم:"إن ذلك وقع على الرسول سهواً من جراء النعاس".وبعضهم قال:"إن ذلك كان كلام شيطان الجن أوقعه في درج التلاوة".وبعضهم قال:"إن الشيطان أتى محمداً بصورة جبريل، فظنه محمد جبريل".وبعضهم قال:"إن محمداً تكلَّم ذلك الكلام من تلقاء نفسه، ثم رجع عن ذلك".وبعضهم قال:"إن ذلك كلام الرسول، أجبره عليه الشيطان".
    فلماذا هذا التضارب؟!
    فهل من مسلم عاقل لا يرى في هذه المذاهب المتضاربة، التي بها حاولوا عبثاً إخراج نبيهم من وصمة عار هذا الحادث تقدح في أركان دعوى محمد بالنبوَّة والرسالة من الله؟ لأنك كيفما قبلتها لا تراها إلاَّ سهماً قادحاً في دعواه، ألا ترى أنهم بتضاربهم هذا قد نزعوا من نبلاء المسلمين الثقة بكل ما يرونه. فكان من الأصلح للمسلمين أن يسلِّموا بصحة القصة من أولها قبل أن ينسبوا إلى نبيهم عدم المقدرة على التمييز بين الأرواح، ومعرفة الملاك الصالح من الملاك الشرير. وكل باحث أمين يرى أن ما ألجأ القوم إلى السهو والإجبار إلاَّ معرفتهم الأكيدة أن محمداً قال في أثناء قرآته السورة كلمات التعظيم للأوثان، فلكي يتفادوا سهام اللوم نسبوا ذلك إلى ما نسبوه مما زاد الطين بلَّة.
    فقل لي أيها الإمام الشارح بأي حق تنعت هؤلاء القائلين بإدخال محمد هذه الكلمة من تلقاء نفسه بالجُهَّال؟! ألأنهم قالوا ما هو أكثر موافقة للقرآن وأقربه للعقل؟! كان جديراً بك أن تنعتهم بالمحققين والباحثين الأُمناء، و أولئك الذين نحلتهم هذا النعت بالجهلاء المموِّهين، فبذلك تكون من المنصفين.
                  

02-20-2008, 08:20 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: Lily Akol)

    -الآيات التي فقدت ثم وجدت عند أبي خزيمة الأنصاري.

    قبل أن نسدل الستار عن بحثنا حول جمع القرآن في عهد أبي بكر ارتئينا أنه من المفيد تحليل ما ذكره زيد بخصوص آيتين قال أنه لم يجدهما إلا عند أبي خزيمة الأنصاري. نص الحديث هو كالتالي :

    "... حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهم" (صحيح البخاري-كتاب فضائل القرآن-4603 باب جمع القرآن-) (1)

    يتبين من خلال هذا الحديث أن زيد بن ثابث اعتمد بخصوص الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة على مصدر واحد فقط لأن لا أحد غير أبي خزيمة كان على دراية بهما ولو لم يكن الأمر كذلك لفقدتا من القرآن. فمن المستبعد إذن أن يكون كثير من الحفاظ قد علموا جميع القرآن إلى آخر حرف منه لأنه كان متناثرا لدرجة أن بعض المقاطع لم يكن يعرفها إلا القليل من الصحابة و في الحالة التي نحن بصددها كان هناك شاهد واحد عليها فقط -أبي خُزيمة الأنصاري-

    إن التأويل الطبيعي لهذه الرواية يحطم الشعور السائد في الأوساط الإسلامية الذي مفاده أن القرآن بقي مصونا محفوظا لأن محتواه كان شائعا بين الصحابة الذين لم يبخلوا بجهدهم لحفظه. تفسير ديزاي لهذه الرواية يستخلص من المقطع التالي من كتيبه "The Quraan Unimpeachable" :

    "يتضح جليا مما قاله حضرة زيد أن من بين الصحابة الذين كتبوا القرآن بين يدي رسول الله كان أبو خزيمة الأنصاري الوحيد الذي وُجِدت عنده الآيتين الأخيرتين من سورة براءة" (ص 20)

    نرى هنا أن ديزاي يدعي أن قولة زيد تعني أن أبا خزيمة كان فقط الوحيد الذي أتيحت له فرصة كتابة الآيتين تحت الإشراف المباشر لمحمد على الرغم من أن الحديث كما دَوَّنه البخاري لا يشير بتاتا إلى شيء من هذا القبيل. يضيف ديزاي :

    "لم يكن هناك أدنى شك أن الآيتين كانتا من ضمن القرآن حيث كان مئات الصحابة يحفظونهما. زيادة على هذا فقد كانتا مكتوبتين عند كل الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن بأجمعه لكن خلافا لأبي خزيمة لم يكتبوهما بين يدي رسول الله صلعم" (ص 21)

    لم يُحَمِّل مولانا نفسه عبء تقديم أية أدلة على مزاعمه هذه. بالتأكيد لا توجد أية روايات من الحديث توحي بأن مئات من الصحابة كانوا يعرفون هاتين الآيتين و أن بعضهم أتيحت له فرصة كتابتهما عبرالنقل الغير المباشر و أن أبا خزيمة كان الوحيد من بين من كتبهما بعد أن تلقاهما بغير واسطة أي من عند محمد مباشرة. امتناع ديزاي عن تقديم أدلة أو نصوص تؤكد مزاعمه أمر له مغزى عميق.

    في مقال له نُشر في مجلة البلاغ يزعم الصديق هو كذلك أن زيدا حين قال "لم أجد آية كذا.." كان يعني في واقع الأمر أنه لم يجدها مكتوبة. كما قيل سابقا ليس في نص الحديث ما يبرر تأويلا من هذا النوع. فما هو إذا المصدر الذي استوحى منه هؤلاء العلماء النوابغ مواقفهم؟ للجواب عن هذا السؤال يجب الرجوع إلى مقطع من كتاب "فتح الباري في شرح البخاري" لابن حجر العسقلاني :

    "قوله: (لم أجدها مع أحد غيره) أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة" (فتح الباري المجلد 9 كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن)

    المصدر الذي استُنبطت منه هذه المواقف لا يعتبر من أقدم المصادر الثي تحدثت عن موضوع جمع القرآن إذ لا يعد إلا تفسيرا لصحيح البخاري ألفه في زمن متأخر نسبيا العلامة المشهور بن حجر العسقلاني الذي عاش بين سنة 773 ه (1372 م) و سنة 852 ه (1451 م). هذا التأويل الخاص لقولة زيد يفصله إذن ما لا يقل على ثمانية قرون عن زمن محمد حيث أنه منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا أصبحت الفكرة السائدة في الأوساط الإسلامية هي أن الصحابة كانوا يحفظون القرآن بأكمله و لا يجهلون أي جزء منه. فالأمر إذن يتعلق فقط بتأويل مريح الغرض منه إثبات فرضية حديثة العهد نسبيا. لكن مع الأسف ليس في نص الحديث ذاته ما يدعم هذا التأويل. يضيف بن حجر : "ولعلهم لما وجدها زيد عند أبي خزيمة تذكروها كما تذكرها زيد" (نفس المرجع)

    في الوقت الذي يعلن فيه ديزاي بجرأة لا مثيل لها أن الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة كانتا "بدون أدنى شك" ضمن القرآن و أنهما كانتا معروفتين لدى المئات من الصحابة عن طريق الحفظ و أن صحابة آخرين ذهبوا إلى حد كتابتهما‚ في الوقت نفسه نجد أن النص الذي يستشهد به لا يذهب أبعد من القول بأنه من المحتمل أن يكون زيد حين أخذ الآيتين من أبي خزيمة قد أعطى الفرصة للصحابة الآخرين أن يتذكروا سماعهما من قبل و هذا هو المقصود من عبارة "لعلهم". بدون أدنى حشمة يُحَول ديزاي اقتراحا مليئا بالحذر مفاده أن صحابة آخرين من المحتمل أن يكونوا قد تذكروا سماع الآيتين من قبل إلى إعلان أنهما كانتا معروفتين عند مئات الصحابة "بدون أدنى شك".

    يتضح لنا إذن أن العلماء المسلمين الحديثين يبذلون كل جهدهم لإثبات فرضية غالية على قلوبهم -كمال القرآن الغير قابل للمناقشة- عوض تقديم الأدلة الموضوعية كما تتضح من خلال المصادر الإسلامية القديمة. بالرغم من أن المصدر الذي اعتمد عليه ديزاي ينتمي إلى حقبة تارخية حديثة نسبيا إلا أنه لا يستطيع مقاومة اندفاعاته ليجعل منه ادعاء يهم الوقائع و ليس فقط الفرضيات و التآويل. يضيف بن حجر في نفس الصفحة :

    "وحكى ابن التين عن الداودي قال: لم يتفرد بها أبو خزيمة بل شاركه زيد ابن ثابت فعلى هذا تثبت برجلين"(نفس المرجع)

    و هذا ما يدل على أن بعض العلماء الآخرين كانوا يعتقدون أن قولة زيد يجب أن تستعمل كبرهان على أن الآيتين لم تكونا مكتوبتين لهذا وجب أن تأخذ بمعناها الواضح و المباشر الذي يبين بجلاء أن الآيتين لم يكن يعرفهما أحد غير أبي خزيمة.

    لقد جاء في كتاب المصاحف لابن أبي داود ما يُفَنِّد مزاعم هؤلاء العلماء :

    "فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين فلم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) إلى آخر السورة، فقال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله، فكيف ترى أن تجعلهما؟ قال: أختم بهما آخر ما نزل من القرآن فختمت بها براءة"

    هذه الرواية تشير إلى أن الحدث كان في زمن عثمان و ليس أثناء جمع القرآن في عهد أبي بكر لكن ليس هناك اختلاف جوهري مع الحدث الذي نحن بصدد مناقشته. ميزة هذه الرواية هي أنها تبرز بوضوح أن زيد و الصحابة الآخرون افتقدوا كليا هاتين الآيتين عند نسخ القرآن. في الواقع القول بأن زيدا وجدهما عند أبي خزيمة يعني أن هذا الأخير هو الذي أثار الإنتباه حول وجودهما ولولاه لما كانتا ضمن القرآن فبالتأكيد لم يعثر عليهما زيد على إثر البحث الذي قام به لجمع القرآن. يتضح كذلك من خلال النص المذكور أن أبا خزيمة سُأِل عن موضعهما داخل المصحف فاقترح أن يضافا إلى آخر ما نزل من الوحي يعني آخر سورة التوبة.

    إذا سَلَّمْنا بحقيقة هذه الرواية بالإضافة إلى ما ورد من حديث البخاري وجب الإعتراف ببعض الحقائق التي لا مفر منها: فُقِدَت آيتين كليا و ما وجدتا إلا بمبادرة شخصية من أبي خزيمة الذي أوضح بنفس المناسبة موضعهما داخل المصحف. لذلك لا يمكن للعلماء المسلمين أن يتبثوا فرضيتهم القائلة بوجود عدد كبير من الصحابة كانوا يعرفون الآيتين إلا إذا جعلوا كلمة "تلقيت" تعني أن الطريقة التي تم بها توصيل الآيتين من محمد إلى أبي خزيمة كانت كتابية. لكن من المؤكد أن كلمة "تلقيت" عنى بها أبو خزيمة أنه أخد الآيتين مباشرة من عند محمد و ليس بالضرورة كتابيا. ما أراد قوله هو أنه لم يأخذهما من مصدر ثانوي بل من محمد نفسه إذ ليس هناك ما يبرر أن الصحابي تلقاهما من محمد بشكل كتابي.

    هذه التآويل المريحة تنافي بشكل مكشوف ما جاء في الروايات المدونة. على سبيل المثال لو كان زيد يعرف الآيتين جيدا لما غفل عنهما و لما اضْطَرَّ أبو خزيمة لإثارة الإنتباه إلى وجودهما بعدما نُسِيَتا بالكامل. وجب هنا أن نطرح على العلماء المسلمين هذا السؤال : انطلاقا من التأويل الذي قمتم به هل يمكننا أن نعرف ما إذا كان زيد سيضيف هاتين الآيتين إلى القرآن لو لم يجدهما مكتوبتين بين يدي محمد على الرغم من أنهما كانتا معروفتين عند بعض الصحابة و مكتوبتين عند البعض الآخر دون أن يكون ذلك تحت الإشراف المباشر لمحمد؟

    يتبين لنا من خلال هذا البحث أن المشروع الذي قام به زيد في عهد أبي بكر لم يكن سوى تجميعا لنصوص قرآنية من مصادر مختلفة كانت متناثرة داخلها. كنتيجة لهذه الحالة فُقِدت أجزاء من القرآن على إثر وفاة بعض القراء في معركة اليمامة و نجد في حالة أخرى أن جزء من القرآن لم يشهد عليه إلا شخص واحد (أبو خزيمة الأنصاري). قال زيد : "تتبعت القرآن أجمعه .. " معلنا بذلك أنه لم يكن يتوقع أن يجد القرآن بأكمله عند صحابي معين أو بشكل مكتوب في موضع واحد.

    المصحف الذي جمعه زيد جاء كنتيجة لبحث موسع شمل ما كان يحفظه الصحابة و ما كان مكتوبا. اختلاف المصادر و تنوعها (الرقاع‚ اللخاف‚ صدور الرجال) لا يأيد فكرة أن القرآن الذي جُمع كان كاملا إلى أدنى نقطة أو حرف منه. الفرضية التي يطرحها العلماء المسلمون ما هي إلا نتيجة شعور مبني على رغبة مسبقة و ليس على الحقيقة و الواقع الذي يمكن استخلاصه من الإرث الإسلامي القديم.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {نفس الحديث نجده مكررا في كتاب الأحكام رقم 6654 و في كتاب تفسير القرآن رقم 4311}
                  

02-20-2008, 08:21 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    -هل كان لمصحف ابي بكر طابع رسمي؟

    ماذا كانت منزلة المصحف الذي جمع من طرف زيد بأمر من أبي بكر؟ هل كان مصحفا خاصا بالخليفة أم كان الغرض جعله مصحفا رسميا للأمة الإسلامية التي كانت آنذاك سائرة في النمو؟ للإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن نحقق في ما وقع لهذا المصحف بعد جمعه. جاء في صحيح البخاري ما يلي : "فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللهم عنهم" (كتاب فضائل القرآن رقم 4603)

    هؤلاء الثلاثة الذين تناقلوا المصحف في بداية الأمر كانوا كلهم شخصيات ذات مكانة عالية إذ أن أبا بكر و عمر كانا أول من خلف محمد على التتالي في حين كانت حفصة بدورها شخصية بارزة و هذا ما جعل بن أبي داود يصفها بأنها كانت في نفس الوقت "بنت عمر" و "زوج النبي". لقد أُخِدَ هذا المصحف بقدر كاف من الجدية من طرف الخليفتين أبي بكر و عمر لذلك لاقى اعتناء خاصا في عهديهما. أما معرفة ما إذا كان هذا المصحف قد اكتسب طابعا رسميا في هذه الفترة فهذه مسألة أخرى.

    عملية جمع القرآن الذي تمت في عهد أبي بكر كانت لها منزلة خاصة لأن جامعه زيد بن تابث كانت له مكانة خاصة بين الصحابة الذين اهتموا بالقرآن. حاول زيد بقدر مستطاعه أن يجمع مصحفا أقرب ما يكون إلى الكمال لأنه من غير السهل على العموم إثبات حدوث تحريفه. يستنتج من هذا أن المصحف كانت له قيمة عالية لذلك استفاد من رعاية أبي بكر و عمر خلال فترتي خلافتهما. لكن بالرغم من كل هذا فليس هناك أدنى شك أن هذا المصحف لم يعطى له أي طابع رسمي في عهديهما. يزعم ديزاي أنه لم تكن في ذلك الوقت أية حاجة ماسة ل" إعطاء هذا المصحف طابعا رسميا" لأن القرآن كان حسب زعمه لا يزال محفوظا في ذاكرات الحفاظ من أصحاب محمد الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك (ديزاي‚ ص 31). لقد رأينا سابقا أن ما زُعِمَ بخصوص الحفظ الكامل و المثالي لنص القرآن في ذاكرات الصحابة مبني على فرضيات مجانية إذ لا يمكننا قبول فكرة أن مصحف أبي بكر لم يكن في حاجة لكي يفرض على جمهور المسلمين بعد جمعه لكون بعض الأشخاص كانوا لا يزالون يحفظونه في ذاكراتهم. بالعكس من ذلك فإن أبا بكر و عمر لم يأمرا بجمع القرآن في نص موحد إلا بعد أن شعرا بالحاجة الماسة إلى ذلك نظرا بالدرجة الأولى إلى عدم جدوى التعويل على ذاكرات الناس وحدها. من المؤكد أن أبا بكر و عمر كانا يدريان جيدا أن أشخاصا كابن مسعود و أبي بن كعب و معاذ بن جبل كانوا هم كذلك على دراية واسعة بالقرآن وبالتلي كان بإمكانهم هم كذلك جمع مصاحف قرآنية ذات مصداقية كافية. رغم طابع الأهمية الذي أعطي له لم يكن مصحف زيد بن تابث يعتبر أكثر نفوذا بالمقارنة مع باقي المصاحف التي جُمِعت آنذاك و لهذا السبب بالذات لم يكن من الممكن فرضه كمصحف رسمي و موحد على مجموع الأمة الإسلامية. لقد تم في واقع الأمر إخفاء هذا المصحف مباشرة بعد جمعه. فبعد وفاة عمر انتقل هذا المصحف إلى ابنته حفصة التي كانت تعيش في عزلة شبه تامة منذ وفاة محمد و هذا ما يبين بوضوح أنه لم تكن هنالك أية رغبة في نشره بين الجمهور. يزعم ديزاي أن المصحف احتفظ به كل هذه السنين لكي يتم استعماله في المستقبل حين سيكون كل القراء من صحابة محمد قد توفوا (ديزاي‚ ص 31). مع الأسف لا يوجد في ما ترك لنا الأقدمون من روايات ما يشير إلى أن مصحف زيد كان الغرض من جمعه أن يستعمل للهذف المزعوم. على العكس من هذا كانت الحاجة الماسة إلى نص مكتوب هي التي دفعت إلى جمعه. في الوقت الذي كان فيه زيد يجمع القرآن كان يدري جيدا أن مصحفه قد لا ينظر إليه كنص مكتمل لأن بعض الفقرات قد فقدت منه و آيتين على الأقل لم يكن يعرفهما إلى أن ذكًّره بهما أبو خزيمة. لو كان أبو بكر و عمر يعلمان علم اليقين أن المصحف كان مكتملا لتم فرضه على مجموع المسلمين في الحين.

    من جهة أخرى إذا افترضنا أن زيدا كان مقتنعا بأن مصحفه لم يكن أحسن من المصاحف التي قام عبد الله بن مسعود و صحابة آخرون بجمعها أمكننا أن نفهم لمذا تم إخفاء هذا المصحف. حين انتقلت الخلافة إلى عثمان كانت المصاحف الأخرى تكتسح الميدان في مختلف مناطق الدولة الإسلامية الناشئة في الوقت الذي كان فيه مصحف زيد يرقد في بيت إحدى زوجات محمد. لقد جُمِع هذا المصحف بأمر رسمي من الخليفة أبي بكر بدون أن يُعطى له في أي وقت من الأوقات أي طابع رسمي فلم يكن في واقع الأمر إلا واحدا من مصاحف عديدة تم جمعها في نفس الفترة تقريبا و كانت لها نفس المصداقية.
                  

02-20-2008, 08:20 PM

Lily Akol

تاريخ التسجيل: 08-08-2010
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: Lily Akol)

    نُطق الشيطان على لسان الرسول في القرآن


    جاء في (سورة النجم 19و20) قوله: (أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى، ومناةَ الثالثةَ الأخرى) وهي معبودات من الأصنام، وأضاف كلاما ذكر عنه الإمام النسفي والجلالان ما يلي:

    (1) الإمام عبد الله ابن أحمد النسفي:

    قال: "إنه عليه السلام كان في نادي قومه [أي في مجلسهم] يقرأ سورة (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم [أي محمد] وما غوى) فلما بلغ قوله: "أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى، ومناةَ الثالثةَ الأخرى" جرى على لسانه (أي أضاف) "تلك الغرانيق العلى [أي: الرائعة الجمال، العالية المقدار] وإن شفاعتهن [أي وساطتهن] لترتجى". قيل: فنبهه جبريل عليه السلام، فأخبرهم أن ذلك كان من الشيطان ...

    (تفسير النسفي الجزء الثالث ص161)

    (2) وقد جاء في تفسير الجلالين:

    أنه عندما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش، بعد الكلمات "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" ما ألقاه الشيطان على لسان الرسول من غير علمه، صلى الله عليه وسلم: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى". ففرحوا بذلك. ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه، فحزن، فسُلِّىَ (تعزى) بهذه الآية.



    (3) يقول الإمام أبو جعفر النحاس في تعليقه على حديث الغرانيق: "ألقى الشيطان هذا في تلاوة النبي صلعم" (كتاب النحاس الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ص 225)

    (4) وقول الإمام أبو جعفر النحاس أيضا: "معروف من الآثار أن الشيطان كان يظهر في كثير وقتٍ للنبي صلعم" (كتاب النحاس الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ص 225)



    التساؤل الخطير هنا:

    1ـ كيف ينطق الشيطان على لسان الرسول؟

    2ـ كيف يؤلف الشيطان آية تماما مثل القرآن؟ الأمر الذي جعل الرسول نفسه لا يميز بين كلمات الله وكلمات الشيطان؟ في الوقت الذي تحدى فيه الله أن يأتوا بآيات مثل آيات القرآن

    + (سورة البقرة2: 23) "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله" ويفسر ذلك الإمام النسفي (الجزء1 ص 68) "إن المعنى إن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبْذاً (أي قليلا) مما يماثله"

    + وفي (سورة يونس10: 38) "أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ..."

    ( سورة هود11: 13) "أم يقولون افتراه، قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ..." ويفسر ذلك الإمام النسفي (جزء2ص 262) قائلا: "هبوا أني اختلقته من عند نفسي، فأتوا أنتم أيضا بكلام مثله، مختلق من عند أنفسكم ..."

    + وفي (سورة الإسراء17: 88) "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ..." وفسر ذلك النسفي (جزء2ص 473) "أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الإتيان بمثله"

    أفبعد كل هذا التحدي، لا يميز الرسول بين كلام الشيطان والكلام الموحى به، لو لم يرده جبريل؟؟؟!!! بالتأكيد يريد السائل أن يعرف الإجابة الصحيحة.

    انظر حديث الغرانيق في مجمع الزوائد ، ج 7 .
    والدر المنثور للسيوطي ج 4 . وفيه اتهام صريح للرسول بالسهو في القرآن (التبليغ) حتى أنه قرأ في سورة النجم : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى . . بعد قوله تعالى : ( أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى ) .
                  

02-20-2008, 08:22 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: Lily Akol)

    -إحراق عثمان للمصاحف الأخرى.

    بعد تسعة عشر سنة من وفاة محمد تقلد عثمان كرسي الخلافة بعد أبي بكر و عمر فكان لهذا الحدث أهمية بالغة بالنسبة لتطور النص القرآني. كان حديفة بن اليمان يقود غزوة شمال بلاد الشام و كان جزء من جيشه متكَوِّنا من أهل الشام وجزء آخر من أهل العراق. فلم يمر وقت طويل حتى اختلف الفريقان حول طريقة قراءة القرآن. بعض هؤلاء قدم من دمشق و حمص و البعض الآخر من الكوفة و البصرة و في كل واحدة من هاته المناطق كان سائدا مصحف معين. على سبيل المثال نذكر أن أصحاب الكوفة كانوا يتُّبِعون مصحف عبد الله بن مسعود في حين كان أهل الشام يعملون بمصحف أبي بن كعب. أقلق هذا الأمر حذيفة فتشاور بشأنه مع سعيد بن العاص و أبلغ على إثر ذلك الخليفة عثمان. جاء في حديث البخاري ما يلي :

    " حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشأم في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق" (صحيح البخاري‚ كتاب فضائل القرآن رقم 4604)

    هذه أول مرة نجد فيها تلميحا لوجود مصاحف غير مصحف زيد بن ثابت في نصوص الحديث المعترف بها رسميا. يشير الحديث كذلك إلى أن هذه المصاحف كانت معروفة و مقبولة لدى المسلمين ربما أكثر من مصحف زيد الذي كان آنذاك بحوزة حفصة. كانت بعض النصوص مجرد مقاطع من القرآن في حين كانت نصوص أخرى موجودة على شكل مصاحف قرآنية كاملة.

    ما الذي دفع عثمان إلى تعميم مصحف زيد في جميع الأمصار و إحراق باقي المصاحف؟ هل السبب هو كون هاته المصاحف كانت تتضمن أخطاء بخلاف مصحف زيد الذي كان نصا كاملا لا غبار عليه؟ ليس في الروايات القديمة ما يوحي بهذا. لمعرفة الظروف و الملابسات التي جعلت عثمان يقرر فرض مصحف زيد بن ثابت على جميع الأقطار التي كانت تحت إمرته نورد هذه الرواية التي جاءت في كتاب المصاحف لبن أبي داوود:

    قال علي بن أبي طالب "ياأيها الناس لا تقولوا في عثمان و لا تقولوا له إلا خيرا في المصاحف و إحراق المصاحف‚ فوالله ما فعل الذي فعل إلا عن ملأ منا جميعا ‚ فقال ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك و هذا كاد أن يكون كفرا. فقلنا فما ترى؟ قال نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة و لا يكون اختلاف‚ قلنا فنعم ما رأيت. قال فقيل أي الناس أفصح و أي الناس أقرأ؟ قالوا أفصح الناس سعيد بن العاص و أقرأهم زيد بن ثابت فقال فليكتب أحدهما و ليملي الآخر ففعلا و جمع النلس على مصحف واحد" (كتاب المصاحف‚ ص 22)

    تنص هذه الرواية بوضوح على أن السبب الذي دفع عثمان إلى اتخاد قراره هو رغبته في فرض إجماع حول نص قرآني واحد. لم يكن قرار إحرق المصاحف الأخرى كونها غير جديرة بالثقة بل كان الدافع هو الرغبة في تجنب الشقاق بين المسلمين حول القرآن. يقبل ديزاي فكرة أن هذه المصاحف كانت كاملة و أصيلة على السواء لكن بالمقابل يزعم أن قرار الإحراق كان مبرره فقط الرغبة في تجنب الإختلاف في قراءة النص. يظن هذا الباحث أن النص الزيدي -نسبة لزيد بن تابث- كان يُعَدُّ نصا رسميا و أن غيره من المصاحف جُمِع بمبادرات شخصية فقط. أما اختلاف القرءات فهو لا يعتبره دليلا على عدم صلاحية هاته المصاحف بل هو حسب ظنه خير مثال على أن القرآن نزل على سبعة أحرف كما ورد في الحديث (انظر فصل 5). يقول ديزاي : "أبسط طريقة لضمان هيمنة مصحف عثمان هو إحراق المصاحف الأخرى" (نفس المرجع‚ ص 33)

    لقد كان هذا هو الدافع الحقيقي لإحراق المصاحف لأن عثمان كان يريد توحيد المسلمين على نص قرآني واحد وهذا هو السبب الذي جعل حديفة بن اليمان يشعره بضرورة الأمر لأنه هو الذي كان وراء ذلك كما ذكر بن أبي داود. (كتاب المصاحف‚ ص 35) يضيف ديزاي : "الغرض من إحراق المصاحف و الإحتفاظ بمصحف زيد كان الغرض منه تجنب الإختلاف في قراءة القرآن" (نفس المرجع‚ ص 33) المشروع الذي قام به أبو بكر اقتصر على جمع القرآن من مصادر متعددة في حين حاول عثمان فرض هيمنة هذا المصحف على المسلمين على حساب المصاحف الأخرى التي كانت تكتسي يوما بعد يوم مكانة كبيرة في الأمصار.

    لكن ما الدافع لاختيار مصحف زيد ليكون هو المصحف الرسمي؟

    الرواية التي قدمنا سالفا تبرز المصداقية التي كان يتمتع بها زيد في مجال القرآن. لذلك لا يمكن نفي أن مصحفه كان على العموم خاليا من التحريف. صحيح أن هذا المصحف تم جمعه تحت الرعاية الرسمية للخليفة أبي بكر لكن هذا لا يدل على أنه أصبح بذلك نصا رسميا أو لكون المصاحف الأخرى تم جمعها بمبادرات شخصية اتخذها بعض الصحابة (نفس المرجع‚ ص 32). إنَّ كون هذا المصحف أُخْفِي مباشرة بعد جمعه و بقي قابعا في الظل لمدة معينة و لم يتم إشهاره لدليل كاف على أنه لم يكن ليعتبر نصا رسميا.

    على عكس المصاحف الأخرى التي كانت تكتسب شهرة كبيرة و إقبالا بالغا في مختلف الأمصار كان مصحف زيد غير معروف لدى المسلمين في هاته المناطق و لهذا السبب لم يكن ليعتبر مصحفا منافسا. لقد كانت الغاية الحقيقية من فرض مصحف زيد هو القضاء على السلطة السياسية التي كان يتمتع بها بعض قراء القرآن في الأمصار التي كان عثمان يفتقد فيها شيئا من مصداقيته بسبب السياسة التي كان ينهجها حيث أنه كان يعين كعمال أقرباءه من بني أمية أعداء محمد على حساب الصحابة الذين ظلوا أوفياء لمحمد طيلة حياتهم. يمكننا أن نستنتج مما سبق أن مصحف زيد لم يتم اختياره لأنه كان يتميز على المصاحف الأخرى من حيث الكمال و لكن لأنه كان يخدم الأهذاف السياسية التي كان يبتغيها عثمان من توحيد نص القرآن. لقد أخرج عثمان هذا المصحف من الظل و جعل منه مصحفا رسميا لكا المسلمين بعدما بقي لمدة طويلة في الخفاء. إجراء من هذا القبيل لم يحاول لا أبو بكر و لا عمر خلال مدتي خلافتيهما أن يقوما به. لا يجوز إعطاء مصحف زيد أي امتياز مقارنة مع المصاحف الأخرى رغم ما كان يعرف عن جامعه من دراية بالقرآن لأن الإطار الرسمي الذي جمع فيه هذا المصحف تجلى فقط في كون الخليفة هو الذي أعطى الضوء الأخضر لجمعه. فلو كان محمد نفسه هو الذي رخَّص و أشرف على عملية جمع القرآن لصح نعت المصحف بالرسمي. لكن في الحالة التي تهمنا جاء المصحف كنتيجة لمبادرة من الخليفة أبي بكر‚ حيث حاول بإخلاص أن يجمع نصا أقرب ما يكون للكمال على قدر مستطاعه تاركا لنفسه حرية اختيار ما وجب إدخاله وما وجب إسقاطه.

    مرة أخرى يجب أن لا ننسى أن أبا بكر لم يحاول فرض مصحفه بعد جمعه كما فعل عثمان لاحقا لذلك لا يمكن النظر إليه على أساس أنه كان نصا رسميا قبل زمن عثمان كما يزعم ديزاي و آخرون.

    مرة أخرى يجب أن لا ننسى أن أبا بكر لم يحاول فرض مصحفه بعد جمعه كما فعل عثمان لاحقا لذلك لا يمكن النظر إليه على أساس أنه كان نصا رسميا قبل زمن عثمان كما يزعم ديزاي و آخرون.

    ما قام به عثمان كان فعلا قاسيا و هذا هو أقل ما يمكن قوله في هذا الصدد حيث أنه لم ينج من قرار الإحراق أي مصحف من تلك التي كانت متداولة آنذاك. لا مفر إذن من الإعتراف بأن هذا الخليفة لم يكن يملك بديلا غير هذا نظرا لكون الفروق كانت شاسعة بخصوص طريقة قراءة القرآن. كون لا أحد من المصاحف تمكن من النجاة من الإحراق يُظهر بجلاء أنه لم يكن هناك توافق كامل فيما بينها. لقد كانت هنالك بالفعل تعارضات كبيرة بين هاته النصوص وجب بسببها اتخاد قرار حازم بتدميرها جميعا و الإحتفاظ بمصحف معين ألا و هو مصحف زيد. لا يمكن للإنسان أن يعتقد أن النص العثماني الذي ظل في الخفاء لمدة معينة أصبح النص المثالي في عشية و ضحاها و أنه كلما ظهر اختلاف بينه و باقي المصاحف وجب نعت هذه الأخيرة بالخطأ. إن الإختباء تحت هذا القناع من أجل إخراج مصحف عثمان من إشكالية الإختلافات القرائية لا يمكن قبوله إذا اعتُبِرت المسألة بقدر كاف من الموضوعية. لم يكن مصحف زيد إلا واحدا من عدد من المصاحف التي جمعت من قبل الصحابة و كانت تختلف فيما بينها بخصوص طريقة قراءتها. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يميزه بالنسبة إليها هو كونه مُسْتَمَدٌ من مصحف جُمِعَ بين يدي أبي بكر. كون هذا المصحف لم يكن مشهورا عند عامة المسلمين جعله يبقى خارج نطاق النقاشات التي أُثيرت حول المصاحف الأخرى.

    زيادة على هذا لم يكن مصحفا رسميا كما رأينا بل لم يكن سوى نص قام شخص واحد بجمعه ألا و هو زيد بن ثابت بنفس الطريقة التي جمع بها عبد الله بن مسعود و الصحابة الآخرون مصاحفهم. لم يكن هذا أبدا النص الذي أَذِن به محمد شخصيا بل لم يكن إلا نصا مماثلا له و واحد من بين عدة نصوص مختلفة كانت منتشرة آنذاك. أُعْطِيت صفة الرسمية لهذا المصحف باختيار أحادي الجانب من الخليفة عثمان حيث أراد له هذا الأخير أن يكون مصحف كل المسلمين بقرار انفرادي.

    يَعي العلماء المسلمون المعاصرون‚ الذين يزعمون بتهور أن نص القرآن الذي بين أيدينا يتميز بكمال مطلق‚ يعون كل الوعي أن وجود قراءات مختلفة للنصوص الأولى للقرآن لا محالة ستجعل مزاعمهم مجرد هراء لذلك نجدهم يقولون إن الإختلافات لم تكن في النصوص نفسها و إنما في طريقة التلفظ بها فقط.

    عبر كوكب الصديق عن هذا التصور كما يلي : "لم يهذف عثمان إلى فرض مصحف معين على حساب المصاحف الأخرى لأنه لم يكن هناك إلا مصحف واحد منذ البداية. ما أراد عثمان فعله هو فقط توحيد المسلمين على قراءة معينة لنص القرآن مع التأكيد على أن هذه القراءة يجب بالضرورة أن تبقى مطابقة للهجة قريش التي نزل بها القرآن. ما كان يشغل باله هو اختلاف أهل الشام مع أهل العراق في طريقة تلاوة القرآن" (مجلة البلاغ‚ المرجع السابق‚ ص 2). ما يُزْعَم هنا هو إن كانت هنالك اختلافات بين القراءات فإن مرجعها هو فقط طريقة "تلفظ" أو "ترتيل" النص القرآني. هذا النوع من الإستدلال يستند كليا إلى مقدمات فاسدة لأن التلاوة و التلفظ و الترتيل ليست لها علاقة سوى بالنص المنطوق و لا يمكن للإختلافات بخصوصها أن تظهر في النصوص المكتوبة لكن عثمان أمر بإتلاف نصوص مكتوبة. يجب كذلك أن لا ننسى أنه في الفترة التي كان يُجمَع فيها القرآن على شكل مصاحف لم تكن الكتابة العربية مشكولة و لا الحروف منقطة. لذلك فالإختلافات لم تكن لتظهر في النصوص المكتوبة. فلمذا إذن قام عثمان بحرقها؟ هناك جواب منطقي واحد لهذا السؤال ألا و هو أن الإختلافات كانت في النصوص ذاتها و ليس فقط في طريقة نطقها و سنحاول في الأجزاء التالية أن نُظْهِر إلى أي مدى وصلت هذه الإختلافات النصية. قام عثمان بإرغام المسلمين على قبول مصحف معين على حساب مصاحف أخرى و لن يكون لقراره هذا أي مبرر إذا كانت هذه النصوص لا تختلف فيما بينها إلا في نقاط بسيطة و تافهة تخص التلاوة فقط لأن هذا القرار المتشدد لا يمكن يأتي إلا نتيجة لوجود اختلافات جوهرية عديدة بين النصوص المكتوبة.

    يجب على المسلمين أن يفكروا و يتمعنوا بجدية فيما قام به عثمان بن عفان. لقد كان القرآن يعتبر و لا زال يعتبر كلام الله المنزل على رسوله محمد أما المصاحف فقد كتبت من طرف صحابة محمد المقربون. ما القيمة التي كانت ستعطى للمصاحف التي أحرقت بأمر من عثمان لو بقيت حتى يومنا هذا؟ حاول الصحابة الذين كانوا يعتبرون بشهادة الأحاديث الصحيحة من ذوي الدراية العالية بالقرآن (عبد الله بن مسعود‚ أبي بن كعب.. ) أن يكتبوا المصاحف هاته بأيديهم و بذلوا في ذلك كل جهدهم لكي تكون أقرب ما يمكن إلى الكمال. هذه هي المصاحف التي أمر عثمان إحراقها‚ مصاحف جمعها صحابة أجلاء لا غبار عليهم. فإذا لم تكن فيما بينها اختلافات عميقة فلماذا قرر عثمان إحراق ما كان عزيزا على كل المسلمين يعتبرونه كلام الله المنزل على رسوله؟ لا يمكن قبول الطريقة التي يحاول بها علماء الإسلام المعاصرون تبرير ما قام به عثمان و على الخصوص إذا افترضنا كما يزعم الصديق أنه لم تكن هنالك أبدا اختلافات بين النصوص. ماذا سيعتقد المسلمون لو قام أحد في عصرنا هذا بإحراق مصاحف عزيزة على قلوبهم؟ ليس هناك إلا تفسير واحد لكل ما جرى ألا و هو وجود اختلافات نصية عميقة بين المصاحف استوجب معها حل واحد و هو الإحتفاظ بأحدها و تنحية المصاحف الأخرى.

    في الوقت الذي نجد فيه أن كوكب الصديق يعلن مقولته "نص واحد لا اختلاف فيه" زاعما أنه "لم يكن هنالك أكثر من نص واحد" (بحروف غليظة) نرى أن مولانا ديزاي يتناقض معه حين يعترف بوجود اختلافات في النصوص الأولى تجلى بعضها في "تغيرات نصية" (المرجع السابق‚ ص 22) و كذلك حين يعترف بأن بعض المصاحف لم تكن مماثلة للمصحف الذي قام زيد بن ثابت بجمعه (ص 23). لكن ديزاي يحاول أن يثبت أن نص القرآن ذو كمال مطلق بزعمه أن الإختلافات التي كانت موجودة بين النصوص كانت مشروعة و هي ما يُدعى "الأحرف السبع". يبرر ديزاي ضرورة توحيد المصاحف القرآنية بكون هذه الأحرف لم تكن معروفة عند كل المسلمين لذلك يكون قد وجب الإبقاء على نص واحد. يقول ديزاي : "القرار الذي اتخده عثمان بإحراق مصاحف مشروعة كانت تمثل ترجمة وفية للقرآن المجيد مبرره الصراعات التي كانت قائمة آنذاك في المناطق التي تم فتحها بين مسلمين حديثي العهد بالقرآن لم تكن لهم دراية بكل أشكال القراءات المشروعة..فكان من الصعب جدا تدقيق كل النسخ القرآنية لدرجة وجب معها كحل وحيد تنحية جميع هاته النسخ من أجل الحفاظ على مصحف واحد يجتمع عليه كل المسلمين" (ص 32-33)

    إذن أصبح من الملائم تنحية ستة قراءات مشروعة لفائدة قراءة واحدة فقط لأن الخليفة رأى أنه من الصعب قراءة المصاحف الأخرى بالرغم من أنه كان بالإمكان تصحيح و تدوين كل هاته المصاحف كما حصل مع مصحف زيد. لا يمكن للمرء إلا أن يستغرب من الطريقة التي يحاول بها بعض المسلمين تبرير ما قام به عثمان من إحراق مصاحف كانت لها قيمة عالية في نفوس المسلمين دون أن يخدش هذا التفكير أحاسيسهم. إنه لمن المشوق معرفة ما سيكون رد مولانا لو قام أحد في عصرنا الحاضر بإحراق أجزاء من القرآن تحت نفس الذريعة التي قدمها في النص المذكور أو لو قرر أحدهم تصوير شريط حول ما قام به عثمان.

    قرار إحراق مصاحف قرآنية كالذي اتخده عثمان لا يمكن تفسيره بهذا الإستخفاف لذلك وجب على الباحثين المسلمين أن يُقَيِّموا بجدية هذه المسألة. سَتُتاح لنا الفرصة لكي نرى أن رد فعل عبد الله بن مسعود إثر سماعه قرار عثمان كان جد قوي. كذلك كان هذا القرار من بين الأسباب التي دفعت بعض الصحابة إلى إعلان معارضتهم لعثمان لأنه "محا كتاب الله عز و جل" (بن أبي داود‚ كتاب المصاحف‚ ص 36). الكلام هنا خَصَّ كتاب الله بعينه و ليس فقط النصوص التي كانت موجودة قبل قرار الإحراق و الغرض منه إبراز المعارضة الشديدة لهؤلاء الصحابة لقرار الإحراق.

    سنرى في الفصول القادمة إلى أي حد بلغت الإختلافات في طرق قراءة القرآن و كذلك مدى اختلاف مصاحف بن مسعود و أبي بن كعب و زيد بن ثابت و أبي موسى و آخرون. قبل هذا يجب أن نستعرض بإيجاز بعض التطورات المهمة التي واكبت قرار عثمان بجعل مصحف زيد المصحف الرسمي و الوحيد للأمة الإسلامية.


    --------------------------------------------------------------------------------
                  

02-20-2008, 08:23 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    -مراجعة مصحف زيد بن ثابث.

    بما أن المصحف الأصلي الذي جمعه زيد في عهد أبي بكر كان على قدر كاف من الكمال فقد يميل البعض إلى الأعتقاد أن نسخه كان كافيا في عهد عثمان دون أية حاجة إلى بحث موسع عن ما يجب أن يحتوي عليه و إعادة النظر فيه. لكن هناك أدلة تشير إلى أن هذا النص لم يكن ينظر إليه على هذا الأساس حيث نجد أن عثمان قد أمر بإعادة جمعه و كذا تصحيحه كلما تطلب الأمر ذلك. نقرأ في صحيح البخاري ما يلي :

    "حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري وأخبرني أنس بن مالك قال فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال لهم إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن أنزل بلسانهم ففعلوا " (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن 4601)

    لقد رأينا سابقا أن سعيد بن العاص كان يعتبر من ذوي المعرفة الواسعة باللغة العربية و قد تم اختياره لهذا السبب و كذلك الشخصين الآخرين لأنهم كانوا ينتمون لقبيلة قريش التي كان ينتمي إليها محمد كذلك في حين كان زيد من المدينة المنورة. لقد كانت رغبة عثمان أن يكتب القرآن بلهجة قريش التي نزل بها أصلا على محمد. لهذا أمر أن يكتب بهذه اللهجة كلما وقع هنالك اختلاف بين زيد وهؤلاء الثلاثة. يتبين لنا مرة أخرى أن الأمر لم يكن يتعلق فقط بنقاط اختلاف تهم طريقة النطق و الترتيل لأن هذا النوع من الإختلاف لا يمكن أن يكون له أثر على النص المكتوب. من الو اضح إذن أن عثمان قام بإدخال تعديلات على النص المكتوب حين أمر الكتاب الأربعة بالعمل سويا بل هناك أدلة على أن عثمان لم يكتفي بهؤلاء الأربعة بل تشاور مع بعض الصحابة الآخرين بخصوص جمع ا لقرآن و ربما كانت هناك مراجعة شاملة للمصحف (الإتقان-السيوطي ص 131)

    هناك رواية مفادها أن زيد كان عليه أن يتذكر آية فقدت من المصحف الذي جمعه زيد في عهد أبي بكر :

    "قال زيد : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت سمعت رسول الله يقرأ بها‚ فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري -من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه-فألحقناها في سورتها في المصحف" (الإتقان - السيوطي ص 130)

    نفس الرواية حول فقدان ما يعتبر الآن الآية 23 من سورة الأحزاب نجدها في صحيح البخاري (كتاب تفسير القرآن 4411). في النظرة الأولى نلاحظ أن هذه الرواية تشبه إلى حد بعيد تلك التي تتحدث عن فقدان الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة خلال عملية جمع القرآن في عهد أبي بكر التي قام بها نفس الشخص يعني زيد. جُمِع القرآن واكتشفوا فيما بعد أن مقطعا فُقِد منه فوُجِد أخيرا عند خزيمة بن ثابت. زيادة على هذا هناك حديث سبق ذكره مفاده أن الحادث وقع زمان عثمان لهذا يرى الصديق أن الرواية التي تتحدث عن الآية المفقودة من سورة الأحزاب إنما تتعلق بالآيتين الأخيرتين من سورة براءة و أن الحديث المتعلق بهاته الآيتين اكثر صحة من الآخر (البلاغ المصدر السابق ص 2)

    المعطيات المتوفرة لا تمكننا من إصدار أية استنتاجات حول هذا الموضوع‚ فقط نستغرب من كون زيد لم يكتشف فقدان آية من القرآن إلا بعد مرور 19 سنة على وفاة محمد و بمحض الصدفة يكون قد وجدها عند نفس الصحابي الذي وجد عنده الايتين الأخيرتين من سورة براءة! لقد رأينا سالفا أن خزيمة هذا هو الذي أثار انتباه زيد إلى عدم وجود آيتين من سورة براءة. فإذا كان هنالك نص آخر فقد ولم يوجد إلا معه فلمذا بقي صامتا ولم يتحدث عنه خلال هذه المدة الطويلة؟

    ديزاي لا يشك في صحة الحديث المذكور لكن يفسر المسألة بزعمه أن الآية 23.33 كانت بالفعل موجودة في المصحف الأصلي الذي جمع في عهد أبي بكر لكن وقع نسيانها خلال عملية النسخ في عهد عثمان و يردد مرة أخرى أن الآية كانت معروفة لدى "عدد كبير من الحفاظ" (The Quran Unimpeachable, p.38). هذا المزعم لا يستطيع أن يصمد أمام التحليل النقدي.

    المصحف الذي قام زيد و مساعدوه بنقله لم يتم إحراقه مع المصاحف التي أحرقت بل أعيد إلى حفصة بعد انتهاء العمل به. إذن لو كانت الآية المعنية بالأمر موجودة فيه فلن تكون الحاجة للبحث عنها (إلى أن وجدت عند أبي خزيمة).

    في نفس السياق لا يمكن قبول فكرة أن الآية كانت تُفقَدُ كل مرة يُنقَلُ فيها مصحف ليُرسل لإحدى الأقطار الإسلامية رغم كونها موجودة في المصحف الأصلي! إن الأدلة التي يقدمها ديزاي لتفسير فق دان الآية في المصاحف هي أدلة واهية لا يمكن قبولها. ليس للحديث إلا معنى واحد ألا و هو أن ال آية لم يتذكرها زيد إلا بعد انتهاء العملية الثانية لجمع القرآن بأمر من عثمان. وقوع مثل هذا الحدث محتمل إذا علمنا أن زيد لم يطلب منه التدقيق في المصحف في السنوات التي فصلت بين جمعه لمصحف أبي بكر و أمر عثمان بإعادة جمع القرآن.

    يحاول الصديق من جديد أن يقنعنا بأن زيد لم يجد الآية في شكل مكتوب رغم كونها معروفة جيدا لدى الصحابة. إنه يرفض المعنى الواضح للحديث الذي قدمنا (فُقِدت أية من سورة الأحزاب...) قائلا إن فيه شيء من "عدم الدقة" و إن المعنى الحقيقي هو : "لم أجد أية..." بعبارة أخرى لم يكن زيد يجهل وجود هذه الآية بل حاول فقط التأكد من وجودها على شكل مكتوب. الكلمة الرئيسية في الحديث هي "فُقِدَت" و تعني "ضاع مني‚ حُرِمت من..." و هي شائعة الإستعمال في حالة وفاة شخص ما (المفقود=الشخص المتوفى). المعنى في سياق الحديث الذي يهمنا ليس أن زيد حاول البحث عن آية محفوظة عند الصحابة في ما كتب من القرآن بل حاول أن يجد آية ضاعت كليا من القرآن و لم توجد أخيرا إلا عند أبي خزيمة.

    إذا كانت هذه الرواية صحيحة (1) فإنها توضح بما يدع مجالا للشك أن المحاولة الأولى لزيد بن ثابت لجمع مصحف مكتمل لم تكن ناجحة مائة بالمائة حيث لم تضف الآية من سورة الأحزاب إلا بعد الإنتهاء من نسخ المصاحف خلال المحاولة الثانية التي تمت في عهد عثمان.

    يتبين لنا الآن أن ما يقال عن الكمال المطلق للقرآن و خلوه من الزيادة و التحريف و الإختلاف لا يمكن أن يثبت و يصمد أمام البراهين الثاقبة فما هو إلا نِتاج للمشاعر و المتمنيات لا يمس بصلة إلى الإثبات العقلي!


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {و هي كذلك بالنظر إلى معيار الصحة الذي يقدمه لنا علم الحديث}
                  

02-20-2008, 08:24 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    4-مميزات المصحف العثماني.

    لقد نجح عثمان في تحقيق هذفه بفرض مصحفه على كل الأمة الإسلامية مُنَحِّياً في الوقت ذاته ما عداه من المصاحف. لا يتوفر العالم الإسلامي الآن إلا على مصحف واحد لكن هذا لا يعني أنه نسخة طبق الأصل لما جاء به محمد بل هناك مصاحف أخرى كانت تنافسه المصداقية و الموثوقية. الترتيب الذي جاء عليه النص القرآني لم يكن أمرا إلهيا لأن زيد كان هو المسؤول عنه حيث تُرِكت له حرية القيام بذلك و كذلك عملية الجمع التي أمر بها عثمان و ليس محمد و كان هذا مرتين تم على إثر المحاولة الثانية حرق كل المصاحف التي كانت تختلف مع مصحف زيد رغم كونها جُمِعت من طرف صحابة لا مجال للشك في مصداقيتهم و درايتهم بمجال القرآن كما يشهد على ذلك الحديث الصحيح.

    حتى بعد عملية الجمع الأخيرة للمصحف في عهد عثمان استمرت النزاعات بين المسلمين حول مصداقية هذا النص. مثال جيد على هذا يتجلى في تعدد القراءات للآية 238 من سورة البقرة التي توجد في المصحف العثماني على الشكل التالي : "حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين"

    ورد في موطأ الإمام مالك الحديث التالي :

    "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ثم قالت إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قالت عائشة سمعتها من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم" (موطأ مالك 288)

    هذه عائشة زوج محمد رسول الإسلام تؤكد وجوب إضافة عبارة "و صلاة العصر" بعد عبارة "و الصلاة الوسطى" مستشهدة في ذلك بمحمد نفسه. في نفس الموضع من الموطأ هناك حديث آخر مفاده أن حفصة بنت عمر بن الخطاب التي هي كذلك من بين زوجات محمد طلبت أيضا من كاتبها عمرو بن رافع أن يقوم بتعديل مماثل لمصحفها. لا يجوز أن يكون هذا هو نفس المصحف الذي جمعه زيد بن ثابت وورثته حفصة من والدها بل من المحتمل أن يكون مصحفا كُتِب لها خِصِّيصا من قبل لأن بن رافع هذا أوضح أنه كان يكتب النص بأمر منها (أي حفصة). أشار بن أبي داود إلى هذا النص على أنه مصحف مختلف عن سائر المصاحف. في فقرة من كتاب المصاحف تحت عنوان "مصحف حفصة زوج النبي صلعم" يعطينا أسانيد الروايات التي عرضنا مشيرا في نفس الوقت إلى أنها كانت مشهورة في أوساط المسلمين دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل حول القرآءات الأخرى التي من المحتمل أنها كانت موجودة في هذا المصحف. إحدى هذه الروايات تقول : "حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا يزيد محمد يعني ابن عمرو عن أبي سلمة قال أخبرني عمرو بن نافع مولى عمر ابن الخطاب قال مكتوب في مصحف حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم -حافظوا على الصلوات و الصلوة الوسطى و صلوة العصر" (كتاب المصاحف ص 87)

    لقد قيل كذلك في نفس الكتاب إن القراءة المتجلية في إضافة عبارة "و صلاة العصر" إلى عبارة "و الصلوة الوسطى" كانت أيضا في مصحف أبي بن كعب و كذلك في مصحف أم سلمة زوج محمد (كتاب المصاحف نفس الصفحة). الصحابي بن عباس هو كذلك شَهِدَ على وجود هذه القرآءة التي كانت بالتأكيد موجودة قبل جمع المصحف العثماني لأن مصحف هذا الصحابي كان من بين المصاحف التي أحرِقت بأمر من عثمان و التي من المحتمل أنها كانت أيضا تحوي هذه القراءة. خبر وجودها لم يكن من الإمكان إخفاءه و محيه حيث أن البعض قال إنها كانت بمثابة تأكيد على وجوب إقامة صلاة العصر زيادة على صلاة الظهر و قال آخرون أن هذه القراءة ليست إلا تفسيرا للنص المشهور (أي أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر بعينها). مثال على هذا التأويل ورد في النص التالي :

    "قال أبو عبيد في فضائل القرآن : المقصود من القراءة الشادة تفسير القراءة المشهورة و تبيين معانيها‚ كقراءة عائشة و حفصة: والصلاة الوسطى صلاة العصر" (الإتقان ص 178)

    لقد كان فشل عثمان في القضاء نهائيا على كل الدلائل على وجود هذه القراءات المختلفة هو ما دفع مروان بن الحكم حين كان عاملا لبني أمية على المدينة إلى إتلاف المصحف الذي بقي بحوزة حفصة. لما كانت حفصة لا تزال على قيد الحياة رفضت بشدة تسليمه لمروان على الرغم من إصراره (كتاب المصاحف ص 24) و لذلك لم يتمكن من تحقيق غرضه إلا بعد موتها حيث قام أخوها عبد الله بن عمر بن الخطاب بتسليمه له من أجل تنحيته نهائيا. علل مروان فعلته هذه بخشيته أن يؤدي إلى انتشار القراءات التي أراد عثمان تنحيتها. هناك روايات عديدة غير تلك التي وردت في كتاب المصاحف تفيد بوجود قراءات أُخَر. في مصحف حفصة على سبيل المثال كانت تُقرأ "في ذكر الله" شأنها في ذلك شأن بن مسعود عوض "في جنب الله" (الآية 56.39)

    قد يكون المشروع العثماني قد نجح فعلا في توحيد المسلمين على نص قرآني واحد‚ لكنه في نفس الوقت كان السبب في ضياع كنز من المصاحف كانت شائعة و مقبولة لدى فئة عريضة من المسلمين و كانت لها نفس مصداقية مصحف زيد بن ثابت.

    روى الطبري أن الناس أعابوا على عثمان كونه أسقط المصاحف من أجل الإبقاء على مصحف واحد (1.6.2952). هذا يدل على أن مصحف زيد لم يكن يتمتع بصفة خاصة و استثنائية بالمقارنة مع باقي المصاحف من حيث الموثوقية و الشرعية. بالرغم من أن هذه المصاحف قد انقرضت فإن عددا كبيرا من القراءات بقي شائعا وتم تدوينه حيث ورد ذكره في مؤلفات عدة. ستُتاح لنا في الفصل المقبل فرصة الإطلاع على بعض من هذه القراءات و كذلك المصاحف التي وردت فيها و على الخصوص مصحفي عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب.


    --------------------------------------------------------------------------------
                  

02-20-2008, 08:25 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    مصحفا عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب

    1-الخبرة الكبيرة لعبد الله بن مسعود في مجال القرآن.

    لا يمكن لأية دراسة لموضوع تناقل النص القرآني في بدايته أن تكتمل إلا بإلقاء الضوء على مساهمة عبد الله بن مسعود. لقد كان من بين كبار صحابة محمد و من إتباعه الأوائل و قيل أنه "كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله بمكة" كما ذُكر في سيرة بن هشام (المجلد الثاني ص 157). طيلة السنوات الإثني عشرة التي قضاها محمد في مكة يدعو للإسلام إلى غاية وفاته بالمدينة عشر سنوات بعد هجرته إليها كلَّف بن مسعود نفسه عناء حفظ القرآن و اكتساب علومه. هناك روايات عدة تُظهِر أن محمد كان يعتبر بن مسعود من أكبر العارفين بالقرآن إن لم يكن يعتبره الأكبر على الإطلاق كما يُستفاد من الحديث التالي :

    "حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن إبراهيم عن مسروق ذكر عبدالله بن عمرو عبدالله بن مسعود فقال لا أزال أحبه سمعت النبي صلى اللهم عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبدالله بن مسعود وسالم ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب " (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن 4615)

    نفس الرواية موجودة في كتب الحديث الأخرى و تشير إلى أن محمد "بدأ به" (1) و هذه إشارة إلى أنه كان يعتبره المرجع الأول في مجال القرآن. من بين الصحابة الآخرين الذين تم ذكرهم نجد أبي بن كعب الذي جمع هو كذلك مصحفا خاصا به كان مصيره النهائي هو الإحراق بأمر من عثمان كما ذٌكِر سابقا. عدم ذكر زيد بن ثابت ضمن الائحة أمر له دلالة خاصة حيث يتبين من خلاله أن محمد كان يعتبر بن مسعود و أبي بن كعب أكثر منه خبرة و معرفة بالقرآن :

    "حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا مسلم عن مسروق قال قال عبدالله رضي اللهم عنهم والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه" (صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن 4618)

    قيل في رواية من نفس القبيل إن بن مسعود قرأ ما يزيد عن سبعين سورة في حضرة محمد. يدل هذا على أن الصحابة كانوا يدرون أن لا أحد أكثر علما بالقرآن من بن مسعود. يضيف شقيق في حديث مسلم : "فجلست في حلق أصحاب محمد صلى اللهم عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه" (صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة 4502)

    من البديهي إذن أن عبد الله بن مسعود كانت له معرفة خاصة و عميقة بالقرآن. بما أن محمد أمر كل من يريد تعلم القرآن أن يأخده عنه بالدرجة الأولى فمن المنطقي أن تكون للمصحف الذي جمعه موثوقية ما إذ ليس هنالك أدنى شك في أنه جمع مصحفا خاصا به مستقلا عن مصحف زيد بن ثابت. لذلك خصص بن أبي داود ما لا يقل عن 19 صفحة من كتاب المصاحف لعرض الإختلافات التي كانت موجودة بين قراءتي بن مسعود و زيد (كتاب المصاحف 54-73)

    لكونه اعتنق الإسلام مبكرا حيث سبق في ذلك الخليفة عمر و كونه كان من بين المهاجرين للحبشة و يثرب فقد صارت له مكانة كبيرة عند محمد. شارك في غزوتي بدر و أحد و مكنت علاقته الخاصة بالرسول و كذا معرفته العميقة للقرآن أن تصبح لمصحفه مكانة عالية عند أهل الكوفة قبل أن يأمر عثمان بجمع المصحف الذي فُرِض قوة على الأمة الإسلامية. رد فعل بن مسعود على إثر قرار عثمان إحراق مصحفه له دلالة عميقة.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {"حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق قال كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث إليه وقال ابن نمير عنده فذكرنا يوما عبد الله بن مسعود فقال لقد ذكرتم رجلا لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى اللهم عليه وسلم سمعت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد فبدأ به ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة" (صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة -4504)}
                  

02-20-2008, 08:26 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    رد فعل بن مسعود على قرار عثمان.

    لما أصدر عثمان أمره بإحراق المصاحف للإحتفاظ بمصحف زيد بن ثابت رفض عبد الله بن مسعود تسليم النسخة التي كانت بحوزته. يتحدث ديزاي بصراحة عن "رفض حضرة بن مسعود في البداية تسليم نسخته" (Quran unimpeachable, p.44) لكن الصديق يريدنا أن نعتقد أن لا رفض صدر عن هذا الصحابي المتميز. يقول في موضع ما من مقاله "ليست هنالك إشارة إلى أنه عارض مصحف حفصة خلال حكم عمر" (البلاغ المرجع السابق ص 1). لكن لماذا كان سيعارض مصحف زيد في ذلك الوقت؟ كان مصحفه آنذاك منتشرا بين أهل الكوفة في الوقت ذاته الذي كان فيه مصحف زيد قابعا في الخفاء دون أن يكون لأحد أية نية لجعله مصحف الأمة الإسلامية.

    لم يشعر بن مسعود أن مصحفه يتهدده الخطر إلا حين خرج مصحف زيد إلى الواجهة و أُعلِنَ مصحفا موحدا. لذلك رفض بن مسعود في الحين تسليم مصحفه لأجل إحراقه. ذكر بن الأثير في الكامل (3.86-87) أن أهل الكوفة استمروا في تداول مصحف بن مسعود حتى بعد أن بلغهم مصحف عثمان. إنه لمن الواضح بالنسبة لكل من يبحث بشيء من الموضوعية في هذه المسألة أن الدراية الواسعة لبن مسعود بمجال القرآن و التي شَهِدَ عليها محمد نفسه تعطي لمصحفه مكانة موازية على الأقل لتلك التي كان يتمتع بها مصحف زيد.

    بما أن هناك أدلة ثابتة على وجود عدد من الإختلافات بين هذه المصحفين و بما أن مصحف زيد أصبح النص الرسمي فقط بأمر أحادي الجانب من الخليفة عثمان و ليس لسبب آخر قد يعطيه مشروعية ما فإنه حقا لمن الغريب أن نجد العلماء المسلمين يحاولون التقليل من أهمية مصحف بن مسعود.

    يزعم ديزاي أن "نسخة بن مسعود كانت تحوي ملاحظاته الخاصة. نسخته هذه كانت لإستعمال الخاص و ليست موجهة لكافة الأمة" (ص 45). صاحبنا هذا لا يعطي أي دليل على مزاعمه. من بين النواقص التي تميز كتيب ديزاي الغياب شبه التام لأدلة مستوحات من مراجع أصيلة بخصوص التفسيرات التي يحاول أن يقدمها للأحداث. لهذا السبب لا يتيح لدارس كتيبه أن يتحقق من صحة ادعاءاته.

    في الواقع كان معروفا أن مصحف بن مسعود انتشر في المنطقة التي كان يقطن بها أي الكوفة و ما جاورها في الوقت الذي كان فيه مصحف أبي بن كعب سائدا في الشام (كتلب المصاحف بن أبي داود ص 13)

    يحاول أحمد فون دنفر (Ahmad Von Denffer) بطريقة مماثلة أن يقلل من أهمية مصحف أبي بن كعب قائلا إنه "مصحف للإستعمال الشخصي أو بعبارة أخرى مذكرته الخاصة" مضيفا بخصوص هذه المصاحف أن "هذه المذكرات الخاصة أصبحت متجاوزة فتمت تنحيتها أخيرا" (علوم القرآن ص 49). من الصعب فهم كيف يمكن اعتبار مصاحف كاملة جُمِعَت بعناية فائقة و استعملت في مناطق عديدة ك "مذكرات خاصة" و كيف أمكن أن تصبح متجاوَزة في وقت من الأوقات.

    يتشبت العلماء المسلمون بهذه الإستدلالات الغريبة فقط لأنهم مصممون على الدفاع بأي ثمن عن عصمة القرآن الذي هو بين أيدينا اليوم من أوله إلى آخره. لكونهم يعرفون جيدا أن هذا النص ما هو إلا نتاج عملية قام بها رجل معين (زيد بن ثابت) نراهم يحاولون استعمال أسلوب المراوغة كلما تعلق الأمر بمسألة وجود مصاحف غير المصحف العثماني كانت تختلف معه في نقاط غير قليلة. لقد أُريد لمصحف زيد أن يصبح "المصحف الرسمي" مباشرة بعد الإنتهاء من جمعه و نُقِضَت المصاحف الأخرى تحت ذريعة كونها "مذكرات خاصة" لأصحابها وجب إحراقها لكونها تختلف فيما بينها ناسين في ذات الوقت أن هذه المصاحف كانت أيضا تختلف مع مصحف زيد.

    هناك أدلة قوية تُظهر لنا السبب الذي جعل عبد الله بن مسعود يرفض في البداية تسليم مصحفه لكي يتم إحراقه. يزعم ديزاي أن السبب هو تعلقه الوجداني بهذا المصحف (ص 45) (1) أما الصديق فيقول ببساطة إنه لم يكن اختلاف بين مصحفه و الذي جمع زيد (2). في واقع الأمر كان رد فعل بن مسعود إزاء قرار عثمان راجع بالأساس لكونه اعتبر مصحفه أحسن من مصحف زيد و أكثر موثوقية منه. قبل أن يقوم حذيفة بن اليمان بإثارة انتباه عثمان لضرورة توحيد المسلمين بالقوة حول مصحف زيد‚ دارت مناقشة حادة بينه و بين عبد الله بن مسعود حين طلب منه أن تُنَحَّى القراءات التي كانت شائعة آنذاك في سائر الأقطار الإسلامية :

    "قال حذيفة أهل البصرة يقرءون قراءة أبي موسى و أهل الكوفة يقرءون قراءة عبد الله أما و الله أن لو قد أتيت أمير المؤمنين لأمرته بغرق هذه المصاحف فقال عبد الله إذاً تغرق في غير ماء (3)" (كتاب المصاحف ص 14)

    الكتاب المعاصرون من أمثال الصديق يؤكدون على أن الإختلافات بين قراءات الصحابة كانت على مستوى اللفظ فقط بالرغم من أن عكس هذا يتبين من خلال الرواية السابقة من كتاب المصاحف حيث أن حذيفة كان يتحدث عن لا شيء غير تنحية المصاحف التي كتبها بن مسعود و الصحابة الآخرون (لا يُعقل أن يتم إغراق عبارات لفظية) و هذا الإقتراح هو بالذات ما جعل بن مسعود يثور غيضا و يدل على أن الإختلافات القرائية كانت في النصوص المكتوبة ذاتها. هناك روايات أخرى مفادها أن بن مسعود كان يعتبر زيد كشخص غير ذي معرفة كافية بالقرآن و لذلك فمصحف الأول لا يمكن أن يكون أقل شأنا من مصحف الثاني. دخل بن مسعود في الإسلام قبل أن يولد زيد بن ثابت و لذلك استمد خبرته من كونه كان مقربا من محمد طيلة سنوات طوال قبل أن يستطيع زيد دخول الإسلام بعد هجرة محمد للمدينة:

    "قال محمد بن معمر البحراني عن يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن سالم عن أبي سعيد الأزدي قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول أقرأني رسول الله صلى الله عليه و سلم سبعين سورة أحكمتها قبل أن يسلم زيد بن ثابت" (كتاب المصاحف ص 17)

    جاء في الطبقات الكبرى لبن سعد ما يلي :

    "أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة قال خطبنا عبد الله بن مسعود حين أُمِر بالمصاحف ما أُمِر (4) قال فذكر الغلول فقال إنه من يغل يأتي بما غل يوم القيامة فغلوا المصاحف فلأن أقرأ على قراءة من أُحِبُّ أَحبُّ إلي من أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت فو الذي لا إله غيره لقد أخذت من في رسول الله بضعا و سبعين سورة و زيد بن ثابت غلام له ذؤابتان يلعب مع الغلمان" (كتاب الطبقات الكبرى بن سعد المجلد الثاني ص 556 ) (5) موقع الوراق

    على ضوء كل هاته الروايات التي يجب أخذها بعين الإعتبار نرى أن التفسيرات التَّمَلُصِيَّة التي يقدمها لنا الكتاب الإسلاميون المعاصرون لا يمكن قبولها. من البَيِّن أن عبد الله بن مسعود قاوم قرار عثمان ليس لأسباب ذاتية كما يريدنا ديزاي أن نعتقد بل لأنه كان يشعر في قرارة نفسه أن مصحفه أحسن من مصحف زيد و أكثر موثوقية منه لأنه أخذه مباشرة عن محمد. هذا الإستنتاج الطبيعي لا يمكن أن يتهرب منه أي دارس موضوعي لتاريخ جمع القرآن.

    من الواضح كذلك أن الفروق التي كانت بين النصوص لم تكن بالتأكيد تهم اللفظ فقط بل كذلك الكتابة و المحتوى. سيظهر لنا بعد تحليل بعض من هذه القراءات إلى أي مدى بلغت هذه الفروق.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {لا يمكن فهم السبب الذي سيجعل هذا الصحابي الجليل يتعلق بمصحف خاطىء لا يحوي كلام الله؟}

    (2) {ما ضرورة إحراقه إذن؟}

    (3) {ربما يعني نار جهنم}

    (4) {يعني أمر عثمان بإحراق جميع المصاحف ما عدا مصحف زيد}

    (5) {ذُكِر كذلك في كتلب المصاحف لبن أبي داود ص 16}
                  

02-20-2008, 08:27 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    3-قراءة عبد الله بن مسعود.

    كان مصحف بن مسعود يتميز بكونه لا يحتوي على الفاتحة و لا على المعوذتين ( السورتين 113و 114). الشكل الذي تتجلى عليه هذه السور له دلالة خاصة لأن الفاتحة ما هي إلا دعاء خالص لله و المعوذتين يُبْتغى من ترتيلهما الحفظ من الشر. حسب حديث ورد في صحيح البخاري (1) حين قيل لأبي بن كعب إن هذه السور ليست من القرآن كما كان يعتقد بن مسعود فأجاب أبي أنه سأل محمد عنهن فأكد له أنهن من الوحي و على هذا الأساس وجب ترتيلهن.

    اعتقاد بن مسعود أن هذه السور ليست من القرآن أمر حير العلماء المسلمين القدامى. فهذا الفيلسوف و المؤرخ الفارسي فخر الدين الرازي (1149-1209) الذي ألف تفسيراً للقرآن سماه مفاتيح الغيب يثير الانتباه إلى هذا الموضوع محاولا إنكار الحدث :

    "و من المشكل على هذا الأصل ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي قال : نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة و المعوذتين من القرآن, و هو في غاية الصعوبة ... وكدا قال القاضي أبو بكر : لم يصح عنه أنها ليست من القرآن و لا حفظ عنه, و إنما حكها و أسقطها من مصحفه إنكارا لكتابتها لا جحدا لكونها قرآنا, لأنه كانت السنة عنده أن لا يكتب في المصحف إلا ما أمر رسول الله بإثباته فيه, و لم يجده كتب ذلك و لا سمعه أمر به" (الإتقان للسيوطي- ص 172)

    الإمام النووي يقول كذلك في معرض تعليقه على المهذبات إن الفاتحة و المعوذتين هن جزء من القرآن كما رأى عامة المسلمين و ما قيل عن بن مسعود ليس إلا باطلا (الإتقان للسيوطي- ص 172). العالم المشهور بن حزم أنكر هو كذلك أن يكون بن مسعود قد أسقط هذه السور من مصحفه:

    "و قال بن حزم في كتاب القدح المعلى تتميم المحلى : هذا كذب على بن مسعود و موضوع و إنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عنه, و فيها المعوذتان و الفاتحة" (الإتقان للسيوطي- ص 173-172)

    عكس هؤلاء وافق بن حجر العسقلاني على كون هذه الروايات صحيحة من حيث الإسناد (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) لكن رأى أن السبب الذي جعل بن مسعود يكتبها هو كونه سمع محمد يقول إنه يجب فقط ترتيلها كأدعية للاحتماء من قوى الشر. في محاولته التوفيق بين الروايات المتضاربة حول هذا الموضوع اقترح أن يكون بن مسعود قد اعتبر بالفعل هذه المقاطع كجزء من "الوحي" لكن لم يجرؤ على إدخالها في المصحف المكتوب.

    بعد ضياع مصاحف الصحابة يمتنع علينا معرفة ما إذا كانت هذه الآيات موجودة فيها فعلا أم لا. إن كانت قد أسقطت فالسبب هو إما أن بن مسعود لم يكن يعلم أنها جزء من القرآن -كما ظن أبي- و إما أن يكون قد اعتقد فعلا أنها ليست من "كتاب الله" و أن الصحابة افترضوا أنها من القرآن فقط لأنها نزلت على محمد كباقي السور.

    في ما عدا هذا نجد أن هناك اختلافات كثيرة في القراءة بين مصحفي زيد و بن مسعود. في كتاب المصاحف وحده نجد ما لا يقل عن تسعة عشرة صفحة متعلقة بهذه الاختلافات. إذا أخذنا بعين الاعتبار جميع المصادر الموجودة نصل إلى ما لا يقل عن 101 نقطة اختلاف في سورة البقرة وحدها. سنحاول عرض بعض الأمثلة على ما كانت عليه هذه الاختلافات :

    1- سورة البقرةالآية 275 تبدأ ب "الذين يأكلون الربا لا يقومون". نجد نفس الشيء في مصحف بن مسعود لكن بعد الكلمة الأخيرة يُضيف عبارة "يوم القيامة". هذه القراءة ورد ذكرها في "كتاب فضائل القرآن" لبن عبيد (Noeldecke, Geschichte, 3.63; Jeffery, Materials, p.31) و كانت موجودة كذلك في مصحف طلحة بن المشرف الذي كان مقتبسا من مصحف بن مسعود حيث كان طلحة هو كذلك من أهل الكوفة التي شاع فيها مصحف بن مسعود الذي كان عاملا عليها (Jeffery, 9. 343).

    2- الآية 89 من سورة المائدة تحتوي على المقطع "فصيام ثلاثة أيام" في حين يُضيف بن مسعود عبارة "متتابعتين ". هذه القراءة شهد علي وجودها الطبري (7.19.11-Noeldecke, 3.66 ; Jeffery, 40) و ذكرها كذلك أبو عبيدة ووُجدت على الخصوص في مصحف أبي بن كعب (ص. 129) و مصحف بن عباس (ص. 199) و مصحف تلميذ بن مسعود الربيع بن خثيم (ص. 289) .

    3- الآية 153 من سورة الأنعام تبدأ ب "و أن هذا سراط ربكم". شهد الطبري مرة أخرى على وجود هذه القراءة (Noeldecke, 3.66; Jeffery, p. 42). أبي بن كعب كان يقرأ نفس القراءة إلا أنه كان يستعمل عبارة "رَبك" مكان "ربكم" . (Jeffery, p. 131) مصحف الأعمش كان يحتوي هو كذلك على هذه القراءة كما ذكر ذلك بن أبي داود في كتاب المصاحف (ص. 91) الذي يضيف قراءة أخرى لبن مسعود حيث أنه كان يقرأ "صراط" بالصاد عوض "سراط" بالسين (ص. 61) .

    4- سورة الأحزاب الآية 6 تحتوي على مقولة حول علاقة زوجات محمد بالمؤمنين "و أزواجه أمهاتهم". في مصحف بن مسعود أضيفت عبارة "و هو أب لهم". دُونت هذه القراءة من طرف الطبري كذلك (21.70.8- Noeldecke, 3.71; Jeffery, 156) و كانت أيضا موجودة في مصحف أبي بن كعب (ص. 156)و مصحف بن عباس (ص. 204) و مصحف عكرمة (ص. 273) و مجاهد بن جبر (ص. 282) إلا أنه في هذه الحالات الثلاث ذُكرت مقولة أن محمد هو أبو المؤمنين و ذكرت قبل تلك التي تقول إن أزواجه أمهات لهم. في مصحف الربيع حيث توجد هذه القراءة كذلك نجد أن الموضع هو نفسه الذي وُجدت فيه في مصحفي بن مسعود و أبي بن كعب (ص. 298). كون هذه القراءة ذكرت مرات عديدة في مصاحف عديد من الصحابة قد يكون دليلا على موثوقيتها و على هذا الأساس دليل على ضياعها من مصحف زيد بن ثابت.

    هذه الأمثلة الأربعة هي لنصوص تظهر فيها القراءات كإضافات لكلمات أو عبارات لا توجد في مصحف زيد. ما يدعم هذه القراءات هو كونها وُجدت في عدة مصاحف و على الخصوص تلك التي ذُكرت في مصحف أبي بن كعب. لكن عموما غالبية القراءات متعلقة بالاختلافات الشكلية على مستوى الكلمات الفردية. في حالات معينة نجد غياب كلمات بأكملها. (2) مثال على ذلك الآية الأولى من سورة الإخلاص حيث نجد غياب كلمة "قل" في مصحفي أبي بن كعب و عبد الله بن مسعود (الفهرست س26 ز26-Noeldecke 3.77; Jeffery, 113, 180).

    في حالات أخرى يأثر شكل الكلمات على المعنى كما يظهر من الآية 127 من سورة آل عمران حيث تُقرأ في مصحفي بن مسعود و أبي "وسابقوا" عوض "وسارعوا" التي توجد في مصحف زيد . (Noeldecke 3.64; Jeffery, 125 34)

    هنالك حالات لا تأثر فيها إضافة كلمة على المعنى. مثال ذلك يتجلى في الآية 16 من سورة الأنعام حيث يتفق أبي و بن مسعود على نفس القراءة أي "يُسرف الله" مقابل "يُسرف" (كتاب الكشف للمكي .(Noeldecke,3.66 ; Jeffery, 40, 129)

    ما هذه إلا بضعة أمثلة من بين مئات الأمثلة عن القراءات التي تختلف من مصحف بن مسعود لمصحف زيد لكن تعطينا فكرة أولية عن نوع الاختلافات. لكنها تكفي للبرهنة على أن الاختلافات لم تكن على مستوى اللفظ فقط كما يدعي دلك كتاب من أمثال الصديق الذين يتشبثون بمقولة "نص واحد لا اختلاف حوله" بل تعدت ذلك لكي تشمل المعنى أيضا.

    كان حجم الاختلافات بين قراءات الصحابة و مصحف زيد غاية الأهمية لدرجة أن ما لا يقل عن 350 صفحة من كتاب جيفري Materials for th History of the Text of the Qur’an خصصت لها. لهذا السبب نفهم لمذا أُريد لهذه المصاحف أن تحرق.

    عكس ما يزعم من أن المصحف العثماني كان يتفق عليه جميع المسلمين, نرى أن الفروق كانت شاسعة بين المصاحف التي كانت سائدة في مختلف المناطق. ما قام به عثمان لم يكن إلا محاولة لتوحيد المسلمين حول مصحف معين اختير ليس لموثوقيته لأنه تبين لنا من خلال الأدلة التي قُدمت أن مصحف بن مسعود كان أوثق منه. لقد اختير بدون مبرر بل فقط لأنه جُمع في المدينة تحت إمرة عثمان و لم يكن ينافس أي من المصاحف التي كانت شاسعة آنذاك في مختلف الأقاليم الإسلامية.

    قبل أن نسدل الستار عن هذا الفصل سنتطرق لأبي بن كعب الذي كان هو كذلك من بين أعظم من جمعوا القرآن.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) {4595 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش ح وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبي بن كعب قلت يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا فقال أبي سألت رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فقال لي قيل لي فقلت قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم.}

    (2) {فعل "omit" قد يعني أن الأصل هو زيد و أن بن مسعود قد يكون حذف هذه الكلمة لكن ربما العكس هو الصواب.}
                  

02-20-2008, 08:28 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    أبي بن كعب سيد قراء القرآن.

    يعتبر أبي بن كعب من بين أهم العارفين بمجال القرآن بعد عبد الله بن مسعود. هناك حديثين مهمين يشهدان على غزارة علمه بالقرآن. الحديث الأول يقول : "قال عفان في حديثه عن همام عن قتادة عن أنس وأنبئت أنه قرأ عليه لم يكن أخبرنا خالد بن مخلد البجلي حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي سمعت يزيد بن خصيفة أخبرني أبي عن السائب بن يزيد قال لما أنزل الله على رسوله اقرأ باسم ربك الذي خلق جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب فقال إن جبريل أمرني أن آتيك حتى تأخذها وتستظهرها فقال أبي بن كعب يا رسول الله سماني الله قال نعم أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا وهيب بن خالد أخبرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقرأ أمتي أبي بن كعب أخبرنا المعلى بن أسد أخبرنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا أبو فروة سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول قال عمر بن الخطاب أبي أقرؤنا" (كتاب الطبقات الكبرى لبن سعد-الجزء 2 ص 341).

    لهذا السبب أصبح يلقب ب"سيد القراء" و شهد عمر بن الخطاب على أنه أحسن المسلمين تلاوة للقرآن (صحيح البخاري). الحديث الثاني يقول :

    "حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا يحيى عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال عمر أبي أقرؤنا وإنا لندع من لحن أبي وأبي يقول أخذته من في رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فلا أتركه لشيء قال الله تعالى ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )" ( صحيح مسلم-كتاب صلاة المسافرين -4621)

    لا ندري لماذا كان محمد يبلغ أجزاء معينة لأبي بن كعب دون غيره لكن الحديثين المذكورين يبينان أن مكانته كانت عالية في مجال القرآن. هذا لم يمنع أن يكون مصحفه يحوي عددا مهما من القراءات التي كانت تختلف عن ما جاء في مصحف زيد في الوقت ذاته الذي كانت تتفق فيه مع مصحف بن مسعود في حالات عديدة. كلمة "متتابعتين" المذكورة في سورة 5 الآية 91 في مصحف بن مسعود كما شهد على ذلك الطبري هي أيضا موجودة في مصحف أبي كما شهد على ذلك بن أبي داود في كتاب المصاحف (ص. 53). ترتيبه للسور رغم أنه كان في بعض الأحيان مشابها لترتيب زيد اختلف عنه في حالات عدة (الإتقان للسيوطي, ص. 150).

    هنالك حالات عدة يوافق فيها مصحف أبي مصحف بن مسعود في الوقت الذي يختلف كلاهما مع مصحف زيد. لإيضاح هذه المسألة نكتفي بالأمثلة التالية :

    1- عوض القراءة الرسمية للآية 204 من سورة البقرة "و يشهد الله" نجده يقرأ "و يستشهد الله" (Noeldecke, 3.83 ; Jeffery, 120).

    2- عبارة "إن خفتم" لا توجد في الآية 101 من سورة 4 (Noeldecke, 3.85 ; Jeffery, 127).

    3- كانت يقرأ "مُتثبثبين" عوض "مُثبثبين" في الآية 143 من نفس السورة من مصحف زيد.

    نجد في بعض الحالات أن عبارة كاملة كانت تختلف عن مقابلها في مصحف زيد. القراءة الرسمية للآية 48 من سورة 4 هي "و كتبنا عليهم فيها" (يعني اليهود) في حين نجد أبي بن كعب قرأها كالتالي : "و أنزله على بني إسرائيل فيها" (Noeldecke, 3.85 ; Jeffery, 128).

    يتبين من خلال ما روى أبو عبيد أن الآية 17 من سورة 16 التي تُقرأ "أمرنا مترفيها ففسقوا" كانت تُقرأ عند أُبي "بعثنا أكابير مجرميها فمكروا" (Noeldecke, 3.85 ; Jeffery, 140).

    قد لا ننتهي من استعراض الأمثلة لتبيان درجة الاختلاف بين مصحفي أبي و بن مسعود و غير هما من الصحابة من جهة و المصحف العثماني من جهة أخرى. الأمثلة التي قُدمت كافية لإقناعنا بأن الفروق كانت في النصوص المكتوبة ذاتها و ليس فقط في اللفظ كما يدعي بعض علماء المسلمين المعاصرون.

    هناك رواية تتحدث عن آية كاملة كانت موجودة في مصحف أبي و لا توجد في المصحف العثماني. ستتاح لنا فرصة استعراض هذه القضية في الفصل المقبل. من ناحية أخرى لا يمكن أن نسدل الستار عن أبي دون ذكر مسألة جد مهمة ألا و هي احتواء مصحفه على سورتين لا توجدان في مصحف زيد. ففي الوقت الذي لم يكن مصحف بن مسعود يحتوي على "المعوذتين" أضاف مصحف أبي سورتي الحفد و الخلع (السيوطي). تقول الرواية : "وأخرج أبو عبيد عن بن سيرين قال: كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب و المعوذتين و اللهم إنا نبستعينك و اللهم إياك نعبد و تركهن بن مسعود" (السيوطي-الإتقان-ص 142)

    ذهب السيوطي إلى حد تقديم النصين الكاملين لهذه الآيتين (1) و أخبرنا أنهما كانتا موجودتين كذلك في مصحف بن عباس الذي كان مستقا من مصحفي أبي و أبي موسى (السيوطي-الإتقان-ص 143). هاتين السورتين تشبهان الفاتحة من حيث أن المبتغى منهما الدعاء و طلب الرحمة و ال مغفرة من الله. يروى كذلك أن محمد كانت من عادته تلاوة هاتين الآيتين كأدعبة يختم بها قراءة القرآن بعد صلاة الفجر و كانتا تُدعيان سورتا "القنوت" كما ذكر السيوطي (الإتقان).

    إنه لمن المثير للانتباه أن تعتبر هاتين السور تين من زوايا مختلفة في نفس مثابة سورة الفاتحة التي يشبهانها إلى حد كبير و ذلك بشهادة كل من بن مسعود و أبي بن كعب. الغريب في الأمر أن السور الثلاث لم تكن موجودة في مصحف بن مسعود و بالمقابل كانت كلها موجودة في مصحف أبي. يُحتمل أن يكون محمد قد كان يستعمل كلاها دون تمييز في الأدعية و الابتهالات لهذا السبب لم يستطع الصحابة الحسم في مسألة وجوب إدخالها ضمن المصحف (كتاب الله) أم لا , خصوصا وأنها من حيث الشكل و المحتوى أقرب إلى التضرعات و الأدعية التي ينطق بها المسلمون في صلواتهم و مخالفة لأسلوب القرآن حيث يُفترض أن الله هو المتكلم.

    لقد حاولنا في هذا الفصل تقديم بعض المعطيات المتعلقة بمصحفي عبد الله بن مسعود و أبي بن كعب لإبراز مدى اختلافهما مع مصحف زيد بن ثابت و لإظهار جو عدم الثقة الذي كان سائدا قُبيل جمع القرآن إثر وفاة محمد. قد لا ننتهي الحديث إن نحن تطرقنا لاستعراض مصاحف أخرى غير مصحفي بن مسعود و أبي جُمعت هي كذلك في الفترة التي سبقت المشروع العثماني لتوحيد القرآن. كانت هذه المصاحف تتميز بدورها بضمها لقراءات اختلفت عن تلك المعروفة في مصحف العثماني الذي جمعه زيد بن ثابت (استطاع عثمان بالفعل أن ينحي المصاحف لكنه لم ينجح في تنحية القراءات المختلفة من ذاكرات الناس).

    في الحقيقة لا يجوز الحديث عن قراءة زيد بمثابة قراءة "مشهورة" أي رسمية للقرآن مقابل قراءات "شاذة" كما لو كانت هذه الأخيرة هي الاستثناء و ليس القاعدة. كانت بين مصاحف زيد و بن مسعود و أبي و أبي موسى اختلافات عديدة و ليس من المشروع أن نعتبر قراءة زيد بمعزل عن باقي القراءات لأنه لم يكن في وقت من الأوقات شيء يميزها عنها قد تستمد منه مشروعيتها كقراءة صحيحة إلى أن قرر عثمان فرضها بالقوة على أمة المسلمين كقراءة وحيدة.

    إذن القرآن الذي وصلنا ليس هو ذلك النص الوحيد الذي لا اختلاف فيه, الذي حُفظ بعناية ربانية بدون أن يقع فيه أي نقصان أو زيادة في أدنى حرف منه كما يحاول علماء المسلمين أن يجعلونا نعتقد. لم يكن هذا المصحف إلا واحدا من بين عدد من المصاحف جُمعت بشكل مستقل خلال العشرين سنة التي تلت وفاة محمد, مصحف جمعه شخص معين ألا و هو زيد بن ثابت و أصبح النص الوحيد المقبول ليس بأمر إلهي و لكن بأمر دنيوي محض ألا و هو قرار استبدادي صدر عن عثمان بن عفان.

    الشعور السائد في الأوساط الإسلامية حول عصمة القرآن قد يكون له وزن ما لو استطاع أحدهم البرهنة على انه لم يكن هنالك إلا نص واحد منذ البداية. الروايات المتوفرة في التراث الإسلامي حول جمع القرآن توضح بجلاء تام وجود عدد مهم من المصاحف كانت منتشرة خلال الجيل الأول الذي تلا وفاة محمد و تبرز كذلك الاختلافات العميقة التي كانت بين هذه المصاحف. توحيد القرآن لم يتم إلا بعد 20 سنت من وفاة محمد و بقرار أحادي الجانب أصدره عثمان بن عفان. المصحف الذي هم معروف حاليا عند جميع المسلمين ليس مصحف محمد بل هو مصحف زيد بت ثابت الذي فُرض قوة على حساب المصاحف الأخرى التي لم تكن تنقصه مشروعية و موثوقية. هذه المصاحف تمت تنحيتها بإحراقها.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) سورة الخلغ : "اللهم إنا نستعينك و نستغفرك و نثني عليك و لا نكفرك و نخلع و نترك من يفجرك"
    سورة الحفد : " اللهم إنا نعبد و لك نصلي و نسجد و إليك نسعى و نحفد, نرجو رحمتك و نخشى عذابك إن عذابك بال كفار ملحق"
                  

02-20-2008, 08:29 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    الفقرات التي فقدت من القرآن

    1-التدوين الغير الكامل للمصحف.

    لقد رأينا من قبل أنه بعد مقتل عدد كبير من القراء في معركة اليمامة ذهب جزء من القرآن كان لا يعلمه إلا هؤلاء. هناك أيضا عدد من الروايات الصحيحة توضح أن آيات منفردة و أحيانا مقاطع كاملة فقدت من القرآن. لقد أجمع المؤرخون المسلمون القدامى على أن القرآن في حالته الراهنة غير مكتمل : "قال أبوعبيد‏:‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر‏.‏ " (انقر هنا) (السيوطي-الإتقان في علوم القرآن)

    كثيرة هي الأمثلة التي يمكن سردها لكن سنكتفي في استدلالنا على الأمثلة المشهورة فقط.سنبدأ بمثال متميز يتعلق بآية كانت تقرأ كالتالي :"وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرًا فلن يكفره" (انقر هنا) (السيوطي-الإتقان في علوم القرآن)

    ورد في كتاب التفسير للترمذي (هذا الكتاب جزء من الجامع الصحيح الذي يُعتبر واحدا من كتب الحديث الستة الصحيحة كصحيح البخاري و صحيح مسلم و سنن أبي داود و النسائي و بن ماجة) أن هذه الآية كانت في وقت ما تشكل جزء من سورة البينة (السورة 98) (Noeldecke, 1.242). هذا الأمر جد محتمل لأن الآية تنصهر جيدا في سياق هذه السورة القصيرة التي تحوي بعض الكلمات الموجودة من النص المفقود ك "دين" (الآية 5) و "عمل" (الآية 7) و "حنفاء" (الآية 4) و تبرز معارضة دين الله لمعتقدات اليهود و النصارى.

    من المهم أن نشير هنا إلى أن الآية في شكلها الحالي تُقرأ كالتالي : "إن الدين عند الله الإسلام" في حين كان بن مسعود يستعمل كلمة "الحنيفية" مكان كلمة "الإسلام" (1) (Jeffery, Materials,p.32) و هذا ما يوافق ما ذكره الترمذي بخصوص السورة 98. وقت بدأ محمد دعوته كان أناس ينكرون عبادة الأصنام و يسمون أنفسهم "حنفاء" أي الذين يتبعون الطريق المستقيم و يحتقرون المعتقدات السائدة آنذاك.

    من المحتمل أن يكون محمد قد سمى دينه "الحنيفية" في بداية الأمر و لما صارت لهذا الدين هوية خاصة غير إسمه ليصبح الإسلام و صار يسمي أتباعه "المسلمين" اي أولئك الذين لم يكونوا فقط يتبعون الطريق المستقيم بل كانوا في نفس الوقت يسلمون أنفسهم لله الذي أوحى هذا الطريق المستقيم و أمر باتباعه. هذا هو ما يفسر سقوط هذه الكلمة (الحنيفية) من القرآن و فقدان الآية التي تحدثنا عنها سابقا.

    يذكر البيهقي في "السنن الكبرى" (2) مقطعا كاملا قيل إنه فُقد من القرآن حيث روى أن أبي بن كعب تذكر أنه في وقت من الأوقات كانت سورة الأحزاب بنفس طول سورة البقرة يعني أنها كانت تحوي على الأقل 200 آية لا توجد في النص الحالي (البيهقي-السنن الكبرى-الجزء 8-ص 211) (3). من المهم أيضا أن نذكر أن هذا المقطع المفقود كان يحوي آية الرجم كما سنرى قريبا. هناك أدلة إضافية على فقدان سور بأكملها من المصحف الحالي. يروى أن أبا موسى الأشعري (4) كان يقول لقراء البصرة : "حدثني سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن داود عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال ثم بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرؤوا القرآن فقال أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم فأتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب" (صحيح مسلم- جزء 2-ص 726-رقم 1050).

    الآية التي ذكرها مسلم هي بالفعل إحدى النصوص المعرفة التي فُقدت من القرآن التي سنتطرق لها لاحقا. يضيف أبو موسى : "كنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات ما نسناها غير أني حفظت منها‏:‏ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون‏:‏ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة" (انقر هنا) (السيوطي-الإتقان في علوم القرآن).

    الرواية المذكورة هنا مستقاة من حديث صحيح مسلم الذي عرضناه سابقا. المسبحات هي السور التي تبدأ ب "يٌسبح" أو "سبح" "لله ما في السموات و الأرض". الكلمات التي تحويها الآية الأولى التي ذكرها أبو موسى هي نفسها التي توجد بالآية 2 من سورة الصف (5) في حين يشبه النص الثاني الآية 13 من سورة الإسراء (6) و هذا ما يفسر لمذا تذكر أبو موسى هاتين الآيتين بالذات.

    اعتمادا على هذه الأدلة وجب على العلماء المسلمين الذين يزعمون أن نص القرآن الحالي هو نفس النص الذي صدر عن محمد دون زيادة أو نقصان, أن يعترفوا أن الشيء الكثير قد فُقد منه. بعض هؤلاء العلماء يلجأ إلى طريقة سهلة و موالمة و يعلن بكل ببساطة أن هذه الروايات ضعيفة (7) و البعض الآخر لا ينكر صحتها (8) لكن يقدم جوابا مغايرا باعتبار أن الله نفسه قد نسخ هذه الآيات حين كان محمد لا زال يتلقى الوحي منه و كان القرآن في طور النشوء. سنتطرق الآن للرد على هذا الزعم المغلوط.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) الحنيفية تعني الصراط المستقيم

    (2) مجموعة احاديث لا تحسب على الصحاح لكن لا تخلو من أهمية و هي شائعة الإستعمال عند المسلمين السنة

    (3) " قال لي أبي بن كعب رضي الله عنه كأين تعد أو كأين تقرأ سورة الأحزاب قلت ثلاث وسبعين آية قال أقط لقد رأيتها وإنها لتعدل سورة البقرة". و قد ورد هذا الحديث كذلك في المستدرك على الصحيحين للحاكم-دار الكتب العلمية بيروت-1990- الجزء 4 ص 400 قال الحاكم "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه " يعني البخاري و مسلم.

    (4) أحد صحابة محمد و كان ذا معرفة كبيرة بالقرآن.

    (5) " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ"

    (6) وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا

    (7) رغم أنها تطابق معايير الصحة كما تعرفها كتب الحديث و الجرح و التعديل و علم الرجال.

    (8) لكي لا يتحمل النتائج المنطقية التي تنتج حتما عن ذلك النكران.
                  

02-20-2008, 08:30 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    الناسخ و المنسوخ و نظرية النسخ

    هذه النظرية يرفضها دون تمحيص بعض علماء المسلمين لما لها من انعكاسات سلبية على ما يزعمونه من كمال القرآن. بالمقابل نجد أن التيارات الإسلامية الأكثر تشددا تتبناها و من جملتهم بعض المولانات من أمثال ديزاي. النظرية هذه ترتكز إلى حد ما إلى تعاليم القرآن نفسها كما يتبين من الآية التالية ّ : "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة البقرة الآية 106)

    في الفترة الآولى من تاريخ الإسلام كانت هذه الآية تدل على إمكانية "نسخ" (أي حذف و إلغاء) بعض المقاطع القرآنية في حين تنزل مقاطع أخرى تعتبر "ناسخة" أي معوضة لها. المفسران الكبيران البيضاوي و الزمخشري كلاهما أقر بأن الآجزاء المنسوخة يجب أن لا تقرأ و بأن الآحكام و الشرائع المبنية على أساسها يجب أن تعتبر لاغية. كان المعتقد السائد في ذلك الوقت أن جبريل (الملاك الذي يأتي بالوحي) هو الذي كان يزيلها من القرآن. رغم هذا نجد أنه في حالات عدة كانت الآجزاء المنسوخة تبقى في المصحف إلى جانب الآجزاء الناسخة.

    الآية التي قدَّمنا تُقر بالفعل بأن الله ينسخ بعضا من آياته و كلمة آية تعني هنا و في حالات أخرى النص القرآني نفسه كما هو مذكور في الآية 7 من سورة آل عمران (1) حيث يقال إن بعض آيات الكتاب محكمة أي إن معناها واضح في حين تعتبر آيات أخرى مجازية و هذا ما يسمى بالمتشابه (كذلك سورة هود الآية 1) (2)

    ليس هنالك مجال للشك في كون القرآن نفسه يشهد على إمكانية نسخ بعض من آياته و بما أن القرآن يرمز لنصوصه بكلمة "آيات" فإن التأويل القائل إن النسخ يتعلق بالنص القرآني نفسه لا يمكن أن يكون عليه أي اعتراض. كلمة "آية" وردت كثيرا في القرآن و قد تعني "علامة" أو "إشارة" من الله (يعني معجزاته الخارقة) لكن من المؤكد أنه ليست هذه هي الآيات التي نُسِخت. الأية المذكورة لا تتحدث إلا عن النص المكتوب إذ لا يمكن أن يكون إشارة إلى المعجزات التي كان الله يظهرها من أجل إنذار عباده لآنها أحداث تاريخية محضة وقعت ولا يمكن التراجع عنها بنسخها. العلماء المسلمون واعون كل الوعي بهذه الآمور لهذا يبقى السؤال مطروحا عن أي نصوص نتحدث كلما تعلق الآمر بالنسخ؟

    بعض علماء المسلمين الذين ينكرون إمكانية نسخ القرآن يدَّعون أن النسخ الذي ذًُكر فيه يتعلق بالرسالات السماوية التي أنزلت لليهود و النصارى من قبل. هذا التأويل لا يقوم على أساس صحيح لأننا لا نجد في القرآن ما يدل على أن كلمة "آيات" هي وصف للتوراة و الإنجيل. و ليس هناك ما يوحي بأن الآيات السماوية السابقة قد نُسِخت, بالعكس تماما نجد أن القرآن يصف نفسه بعبارة "مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَِ" (سورة آل عمران الآية 3). فالقرآن إذا بشهادته نفسه لا يُعَد ناسخا لما سبقه من الرسالات السماوية بل بالعكس يدعي أنه جاء لإثباتها. هناك آيات تقول إن اليهود يجب عليهم أن يحتكموا للتوراة عوض اللجوء إلى محمد ليحكم بينهم (سورة المائدة الآية 43) (3) و نفس الشيء طُلِب من النصارى (سورة المائدة الآية 47). (4) في الآية 68 من سورة المائدة (5) أمر القرآن كلا من اليهود و النصارى أن يلتزموا بمبادىء التوراة و الإنجيل و بما جاءهم به أنبياءهم.

    النسخ الذي يتحدث عنه القرآن لا يمكن أن ينسب للكتب السماوية السابقة بل يتعلق كليا بنصوص القرآن نفسه. هكذا فُهِمت آية النسخ في العهد الآول للإسلام. الورطة بالنسبة للعلماء المسلمين المعاصرين تكمن في كون القرآن يَدَّعي أنه صادر عن "لوح محفوظ" (6) و السؤال الذي لا مفر منه هو : إذا كانت هنالك أجزاء من القرآن قد نُسِخت و حُذِفت فهل كانت هذه الآجزاء ضمن "اللوح المحفوظ"؟ إذا أجبنا بنعم فالنتيجة الحتمية هي أن المصحف الحالي ليس نسخة طبق الآصل لما يوجد في "اللوح المحفوظ" لأن هذا الآخير لا يمكن تغيير أي جزء منه لآنه كلام الله الآبدي. إذا أجبنا بلا فكيف أمكن أن توحى هذه الآجزاء المنسوخة لمحمد و تُعتبر من القرآن خلال فترة معينة قبل نسخها و هي ليست من "اللوح المحفوظ"؟ ها نحن إذا عُدنا إلى الفكرة العامية القائلة بأن نص القرآن قد حفظه الله من أوله إلى آخره و لم يطرأ عليه أي تغيير مهما كانت درجة أهميته و لم يقع فيه كذلك أي "نسخ". العلماء المسلمون في محاولاتهم التأكيد على هذه الفرضية يلجؤون إلى تأويل خاطىء للآية 106 من سورة البقرة, تأويل لا يمكن اشتقاقه من ظاهر النص عكس ما فعل أسلافهم من المسلمين الآوائل الذين اعتبروا أن أجزاء من القرآن قد تم فعلا نسخها و حذفها من المصحف.

    هذه النظرية لا يتقبلها بعض العلماء المسلمين الآخرين لكن ليس لنفس الأسباب. فهي مثلا تُصَور الله كأنه إله يتراجع عن ما صدر عنه من قرارات سابقة كما لو كان معرضا لتغيير رأيه كالبشر أو لأنه يكتشف أفكارا أحسن ! بالرغم من هذا يجب أخذ النص القائل بالنسخ بمعناه الذي فُهِم على أساسه في بداية العهد الإسلامي بالإجماع و ليس كما يريده العلماء المعاصرون خدمة لآهوائهم الذاتية.

    هنالك مقاطع قرآنية أخرى تدعم هذا التأويل, من بينها : "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " (الآية 6 سورة النحل). هذه الآية تدل بوضوح على استبدال بعض النصوص بنصوص أخرى من القرآن نفسه فهي لا تقول إن الله استبدل كتابا معينا (التوراة و الإنجيل) بكتاب آخر بل استبدل آية بأخرى حيث تعني كلمة "آية" النصوص المكونة للقرآن و ليس الكتب السماوية السابقة. هذا بالذات السبب ,أي ادعاء أن الله قد استبدل بعضا من آياته القرآنية السابقة, الذي دفع خصوم محمد لاتهامه بالتزوير لأنهم اعتقدوا أن مسألة النسخ هذه لم تكن سوى ذريعة لتبرير نسيان محمد لنصوص سابقة أو لتغيرها عمدا.

    الآن بعدما بيننا أن القرآن نفسه يعترف أن بعضا منه قد تغير يمكن للمرء أن يعتقد أن التسليم بهذه المسألة كاف للبرهنة على أن القرآن الحالي غير مكتمل. هذا بالفعل ما يعيه العلماء المسلمون الحديثون لذلك ينكرون نظرية النسخ لآنها تؤدي بهم إلى ما لا تحمد عقباه. من المحقق أن القرآن لا يمكن اعتباره صورة طبق الآصل لما جاء به محمد دون زيادة أو نقصان. بالرغم من هذا نجد أن ديزاي يستعمل نظرية النسخ هذه للبرهنة على كمال القرآن ! يقول مولانا : "كون الله تعالى قد نسخ بعضا من الآيات في زمن رسول الله (ص) حين كان الوحي لا زال يأتيه أمر معروف عند الجميع... كلما أعلن رسول الله (ص) أن آية قد نسخت فلا يمكن حينئد إدخالها في المصحف." (ديزاي, ص 48.49). استدلال كهذا يزعم أن المقاطع المفقودة من القرآن التي تتحدث عنها الآحاديث يجب أن لا تعتبر كبراهين على عدم كمال القرآن أو على تحريفه. تفترض هذه النظرية أن كل جزء من القرآن لم يتم ضَمُّه للمصحف وقت جمعه أو ألغي لسبب آخر وجب أن يكون الله قد نسخه. لهذا فلا شيء من القرآن قد فُقِد لأن ما وصلنا هو كل ما أراده الله أن يصلنا من القرآن. عمر نفسه حار في الآمر حين علم أن نصوصا لم يكن يدريها كان يقرأها الصحابي أبي بن كعب ذو المعرفة الواسعة بالقرآن و هذا ما جعله يستنتج أنها قد نُسِخت : " حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ لَحَنِ أُبَيٍّ وَأُبَيٌّ يَقُولُ أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) " (صحيح البخاري كتاب, فضائل القرآن, الحديث 4621) (7)

    من البديهي أن أُبي كان مقتنعا أنه لا يجب ترك ما تَعَلََّمه من محمد مباشرة و الملجأ الوحيد لتفسير وجود تلك اللآيات التي استمر في قرآءتها هو اعتبارها منسوخة.

    ورد في الحديث ذكر حالة صريحة لآية لا توجد في المصحف الحالي و تعتبر في عداد ما نُسِخ. لمّا كان محمد بالمدينة جاءه بعض من الأعراب الذين كانوا موالين له طالبين منه أن يناصرهم على أعداءهم. و بالفعل أرسل محمد سبعين من الآنصار لمآزرتهم فقاموا بقتلهم في مكان يدعى " بئر معونة". رُوِى في صحيح البخاري :"حَدَّثَنِي عَبْدُالْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا "سَعِيد"ٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لِحْيَانَ زَادَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا كِتَابًا نَحْوَهُ" (صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث 3781). (8)

    يفيدنا هذا الحديث أن آية ما كانت بالتأكيد جزأ من القرآن و تم نسخها لاحقا. (9) هذا الحديث يعتبر مشهورا فقد ورد عند كل من بن سعد و الطبري و الواقدي و مسلم (10) (Noeldecke, Geschichte, 1.246). بخصوص هذه الحادثة يقول السيوطي استنادا إلى الصحيحين " و نزل فيهم قرآن قرأناه حتى رُفِع" (الإتقان-الجزء الثاني ص 55) (انقر هنا) و هذا دليل إضافي على أن النص المذكور كان في الآصل جزأ من القرآن. المشكلة هنا و كذلك فيما يخص الآيات الآخرى التي يعتبرها الحديث منسوخة هو أن المرء لا يجد سببا واضحا للنسخ و لا يدري ما هي الآية التي هي "أحسن منها أو مثلها" التي جاءت لتعوضها. لأن القرآن يعلن بصراحة في آيتين (106.2 و 101.16) أن الله يبدل الآيات الآصلية بما هو "خَيرُُ مِّنْهَا أَوْ مِثْلُهَا". فهكذا نجد أنه ذكر لنا في الآية 219.2 أن الخمر له محاسن و له مساوء و في الآية 43.4 أمر المسلمين أن لا يقربوا الصلاة و هم سكارى. و في النهاية تقرر في الآيتين 5.93-94 أن الخمر محرم قطعيا. الآيتين الآخيرتين تعتبران ناسختين للآيتين السابقتين رغم بقاءهما في القرآن. هذا مثال منطقي لما يجب أن نصادفه في القرآن باعتبار أن كل آية نُسِخت إلا و وُجِدت آية لتكون مكانها.

    الحديث الذي ذكرنا حول قتلى بئر معونة لم يذكر لنا الآية التي نزلت مكان الآية المنسوخة. (11) نفس الشيء نلاحظه بالنسبة للآيات الأُخر التي ذكرنا, ما الذي عَوَّضها؟ أين الناسخ الذي وجب أن يأتي مكان المنسوخ؟

    من المعقول أن نعتبر أن أغلب الآيات التي قيل إنها رُفِعت من المصحف قد تكون إما أُُهملت أو لم تكن معروفة لدى الصحابة أو ببساطة نُسيت (مثال ذلك المقطع الذي قال أبو موسى إنه كان يحوي الآية المتعلقة بطمع بني آدم-صحيح مسلم- كتاب الزكاة - رقم 1740) (12) . محاولة ديزاي لتفسير سقوط آيات من القرآن بنظرية النسخ ما هي إلا محاولة يائسة للتغطية على ما شاب عملية جمع القرآن من سلبيات جعلت المصحف المتداول حاليا لا يتسم بالكمال. لِنُتِم هذا الفصل بعرض نصين مشهورين كان ضمن القرآن حسب المراجع الإسلامية الموثوقة و تم حذفهما خلال عملية جمع المصحف.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ ت َأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ

    (2) الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

    (3) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ

    (4) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

    (5) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

    (6) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ( سورة البروج الآية 22)

    (7) ورد نفس الحديث في كتاب تفسيرالقرآن من صحيح البخاري (4121) و مرتين في مسند الأنصار للإمام أحمد بن حنبل ( 20172-20173)

    (8) في موضع آخر : "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا يَعْنِي أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ" (صحيح البخاري كتاب المغازي الحديث 3786)

    (9) بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ

    (10) نص حديث مسلم هو كالتالي : "و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنَسٌ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ" (صحيح مسلم كتاب المساجد الحديث 1085)

    (11) يحق للمرء أن يتسائل ما الذي يمكن أن ينسخ آية تتناول حادثة وقعت كحادثة بئر معونة. لقد رضي الله عن أصحاب بئر معونة بعد موتهم فهل يجوزأن يغير رأيه و يغضب عليهم دون ذنب ارتكبوه؟ إن كان هناك سبب فكيف أمكنهم أن يفعلوا ما يغضب الله و هم موتى؟

    (12) حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ فَاتْلُوهُ وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ



                  

02-20-2008, 08:31 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    - الآية المفقودة المتعلقة بطمع بني آدم

    لقد سبق لنا أن استشهدنا بحديث صحيح مسلم عن الآية المتعلقة بطمع بني آدم التي مفادها أن الإنسان مهما أعطي من الثروة فهو لا يقنع بل يطمع في أكثر. هذا الحديث القائل بأن الآية المذكورة كانت في وقت ما جزأ من القرآن شهرته تبرهن على أن أساسه صحيح. لقد أورد السيوطي في إتقانه عددا لا يستهان به من الأحاديث التي تذكر هذه الآية و منها :

    "عن أبي واقد الليثي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحى إليه أتيناه فعلمنا مما أوحى إليه.‏ قال‏:‏ فجئت ذات يوم فقال‏:‏ إن الله يقول‏:‏ إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولوأن لابن آدم لأحب أن يكون إليه الثاني ولو كان غليه الثاني لأحب أن يكون إليهما الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب‏." (السيوطي الإتقان-الجزء الثاني ص 53) (انقر هنا)

    هذا الحديث يتبعه حديث مشابه يقول إن أبي بن كعب كان هو من نقل هذه الآية و بنفس العبارات جزئيا (1) و قال أبي إن محمدا كان يعتبرها من القرآن الذي أمره الرسول أن يقرأه على المسلمين. من بعد هذا يأتي حديث أبي موسى الأشعري (2) الذي يشبه ذلك الذي ورد في صحيح مسلم. الحديث هذا يخبرنا أن الآية كانت جزأ من سورة يوازي طولها طول سورة برآءة دون أن يدعي أن أبا موسى قد نسي هذه السورة بل يوضح أنها رفعت كلها باستثناء الآية المتعلقة بطمع بني آدم.

    يذكر كذلك بعض الثقات أن هذه الآية كانت تأتي في مصحف أبي بعد الآية 25.10 (Jeffery, Materials, p.135) مصادر إضافية تذكر أن نفس الرواية جائت عن طريق أنس بن مالك و بن العباس و بن الزبير و غيرهم من الصحابة (Noeldeke, Geschichte, 1.234) لكن لا أحد من هؤلاء كان متيقنا يقين أبي من أن الآية كانت من القرآن أو لا (صحيح مسلم). الرواية إذا متواترة و لا يمكن أن تعتبر إلا صحيحة لأن رواتها من كبار الصحابة الذين لا يمكن وضعهم موضع الشك.

    حديثي أبي واقد و أبي بن كعب شهدا أن الآية كانت من ما أوحي لمحمد من القرآن. زيادة على هذا شهدت رواية أبي موسى الأشعري التي أوردها السيوطي في الإتقان أنها كانت جزأ من سورة كاملة تم نسخها. بعض المفسرين كأبي عبيد في "فضائل القرآن" و بن حزم في "كتاب الناسخ و المنسوخ" ذهبا كذلك إلى اعتبار أن السورة كانت جزأ من القرآن قبل نسخها. هذه سورة من بين عدة سور روي أنه رغم نسخها بقيت في صدور الصحابة و اعتبرها الثرات الإسلامي من بين ما فًقِد من القرآن.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) ‏وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ ‏{‏لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين‏}‏ ومن بقيتها‏:‏ لوأن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيًا وإن سأل ثانيًا فأعطيه سأل ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرنية ومن يعمل خيرًا فلن يكفره

    (2) وقال أبوعبيد‏:‏ حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها‏:‏ إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولوأن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب

                  

02-20-2008, 08:32 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    أية الرجم حسب عمر بن الخطاب
    5-السبعة أحرف
    * السبعة أحرف حسب كتب الحديث
    * فترة الإختيار
    * ابن مجاهد و تعريفه النهائي
    * تأملات حول توحيد نص القرآن
    6-تأملات حول جمع القرآن
    * شهادة القرآن بخصوص جمعه
    * هل هناك نسخة أصلية في مسجد النبي؟
    * إعادة النظر في تاريخ النص القرآني
    7-المصاحف القرآنية الأكثر قدما التي وصلتنا
    * تطور النص المكتوب في مرحلته الأولى
    * الخط الكوفي و المشق و الخطوط القرآنية الأخرى
    * دراسة مصحفي طبكبي و سمرقند



    المصدر :
    جمع القرآن


    جون جلكرايست
    John Gilchrist

    (عدل بواسطة JOK BIONG on 02-20-2008, 08:33 PM)

                  

02-20-2008, 08:55 PM

رأفت ميلاد
<aرأفت ميلاد
تاريخ التسجيل: 04-03-2006
مجموع المشاركات: 7655

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: JOK BIONG)

    يا جماعة الزول ده دردقكم ..

    هى دعوة للكراهية ..

    تبادل الشتائم والتشكيك خرج من مصر من واقع إضطهاد فعلى وغزو حربى .. متوارث ..

    لا يوجد فى الإنجيل ما يأمركم بمقارعة السباب ولا تصنيف البشر .. المسيح غفر لصالبيه وهو على الصليب .. أمركم بالصلاة للخطاة والمسيئين ..

    نشر المسيحية بالقدوة لا بالحرب والنزال .. والدفاع عنها بالإيمان والغفران ..

    القديس بطرس الذى عزب فى سجون تحت الأرض .. وأعدم قتلآ فى إجتماع عام بلا محاكمة ولا تجريم .. أقام قاتلوه أكبر كنيسة فى العالم على قبره ..

    وقال السيد المسيح من لم يكن علينا فهو منا .. لا تهينوا عقيدة المسلمين بذنب بعض الماكرين والكارهين للناس والإنسانية .. هم أقلية وهذا المنبر شريحة مثال ..

    كما فعلوا بفتنة القبلية فى أركان البلاد .. هم يغذون الآن فتنة العقيدة للنهوض والإسراع بالإنفصال .. قصة إنجيل برنابة ليست شيئ مستحدث .. ولم تتعدى الكتب الصفراء .. وعقول الوهابيين الذين يصرون حتى الآن بأن الأرض ليست كروية .

    لايأخذونك فى طريقهم فهم أقل ذكاءآ من ذلك .. خذوا غذائكم من إيمانكم وصلوا لهم كما طلب منا السيد المسيح
    Quote: فصلّوا انتم هكذا. ابانا الذي في السموات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض. خبزنا كفافنا اعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضا للمذنبين الينا. ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير. لان لك الملك والقوة والمجد الى الابد. آمين. فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوي. وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم ايضا زلاتكم


    التعديل "ليست" لكروية الأرض

    (عدل بواسطة رأفت ميلاد on 02-20-2008, 09:35 PM)

                  

02-21-2008, 01:12 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصل السابع والثلاثون (Re: Waeil Elsayid Awad)

    فبكى التلاميذ لكلام يسوع ، وتضرعوا إليه قائلين : يا سيد علمنا لنصلي ، أجاب يسوع : تأملوا ماذا تفعلون إذا ألقى القبض عليكم الحاكم الروماني ليعدمكم ، فافعلوا نظير ذلك حينما تصلون ، وليكن كلامكم هذا ، أيها الرب إلهنا ، ليتقدس اسمك القدوس ، ليأت ملكوتك فينا ، لتنفذ مشيئتك دائما ، وكما هي نافذة في السماء لتكن نافذة كذلك على الأرض ، أعطنا الخبز لكل يوم ، واغفر لنا خطايانا ، كما نغفر نحن لمن يخطئون إلينا ، ولا تسمح بدخولنا في التجارب ، ولكن نجنا من الشرير ، لأنك أنت وحدك إلهنا الذي يجب له المجد والإكرام إلى الأبد .

    الفصل الثامن والثلاثون

    حينئذ أجاب يوحنا : يا معلم لنغتسل كما أمر الله على لسان موسى ، قال يسوع : أتظنون إني جئت لأجل الشريعة والأنبياء ؟ ، الحق أقول لكم لعمر الله أني لم آت لأبطلها ولكن لأحفظها ، لأن كل نبي حفظ شريعة الله وكل ما تكلم الله به على لسان الأنبياء الآخرين ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لا يمكن أن يكون مرضيا لله من يخالف أقل وصاياه ، ولكنه يكون الأصغر في ملكوت الله ، بل لا يكون له نصيب هناك ، وأقول لكم أيضا أنه لا يمكن مخالفة حرف واحد من شريعة الله إلا بإجتراح أكبر الآثام ، ولكني أحب أن تفقهوا أنه ضروري أن تحافظوا على هذه الكلمات التي قالها الله على لسان إشعيا النبي ( اغتسلوا وكونوا أنقياء أبعدوا أفكاركم عن عيني ) الحق أقول لكم إن ماء البحر كله لا يغسل من يحب الآثام بقلبه ، وأقول لكم أيضا أنه لا يقدم أحد صلاة مرضية لله إن لم يغتسل ، ولكنه يحمل نفسه خطيئة شبيهة بعبادة الأوثان ، صدقوني بالحق أنه إذا صلى إنسان لله كما يجب ينال كل ما يطلب ، اذكروا موسى عبد الله الذي ضرب بصلاته مصر وشق البحر الأحمر وأغرق هناك فرعون وجيشه ، اذكروا يشوع الذي أوقف الشمس ، وصموئيل الذي أوقع الرعب في جيش الفلسطينيين الذي لا يحصى ، وإيليا الذي أمطر نارا من السماء ، وأقام اليشع ميتا ، وكثيرون غيرهم من الأنبياء الأطهار الذين بواسطة الصلاة نالوا كل ما طلبوا ، ولكن هؤلاء الناس لم يطلبوا في الحقيقة شيئا لهم أنفسهم ، بل إنما طلبوا الله ومجده .

    الفصل التاسع والثلاثون

    حينئذ قال يوحنا : حسنا تكلمت يا معلم ، ولكن ينقصنا أن نعرف كيف أخطأ الإنسان بسبب الكبرياء ، أجاب يسوع : لما طرد الله الشيطان ، وطهر الملاك جبريل تلك الكتلة من التراب التي بصق عليها الشيطان ، خلق الله كل شيء حي من الحيوانات التي تطير ومن التي تدب وتسبح ، وزين العالم بكل ما فيه ، فاقترب الشيطان يوما ما من أبواب الجنة ، فلما رأى الخيل تأكل العشب أخبرها أنه إذا تأتى لتلك الكتلة من التراب أن يصير لها نفس أصابها ضنك ، ولذلك كان من مصلحتها أن تدوس تلك القطعة من التراب على طريقة لا تكون بعدها صالحة لشيء ، فثارت الخيل وأخذت تعدو بشدة على تلك القطعة من التراب التي كانت بين الزنابق والورود ، فأعطى الله من ثم روحا لذلك الجزء النجس من التراب الذي وقع عليه بصاق الشيطان الذي كان أخذه جبريل من الكتلة ، وأنشأ الكلب فأخذ ينبح فروّع الخيل فهربت ، ثم أعطى الله نفسه للإنسان وكانت الملائكة كلها ترنم : ( اللهم ربنا تبارك اسمك القدوس ) فلما انتصب آدم على قدميه رأى في الهـواء كتابة تتألق كالشمس نصها (( لا إله إلا الله ومحمد رسـول الله )) ، ففتح حينئذ آدم فاه وقال : ( أشكرك أيها الرب إلهي لأنك تفضلت فخلقتني ، ولكن أضرع إليك أن تنبأني ما معنى هذه الكلمات (( محمد رسـول الله )) ، فأجاب الله : ( مرحبا بك يا عبدي آدم ، وإني أقول لك أنك أول إنسان خلقت ، وهذا الذي رأيته إنما هو ابنك الذي سيأتي إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة ، وسيكون رسولي الذي لأجله خلقت كل الأشياء ، الذي متى جاء سيعطى نورا للعالم ، الذي كانت نفسه موضوعة في بهاء سماوي ستين ألف سنة قبل أن أخلق شيئا ) .

    فضرع آدم إلى الله قائلا : ( يا رب هبني هـذه الكتابة على أظفار أصابع يدي ) فمنح الله الإنسان الأول تلك الكتابة على إبهاميه ، على ظفر إبهام اليد اليمنى ما نصه (( لا إله إلا الله )) ، وعلى ظفر إبهـام اليد اليسرى مـا نصه (( محمد رسول الله )) ، فقبّل الإنسان الأول بحنو أبوي هذه الكلمات ، ومسح عينيه وقال : ( بورك ذلك اليوم الذي سيأتي فيه إلى العالم ) فلما رأى الله الإنسان وحده قال : ( ليس حسنا أن يكون وحده ) فلذلك نوّمه ، وأخذ ضلعا من جهة القلب ، وملأ الموضع لحما ، فخلق من تلك الضلع حواء ، وجعلها امرأة لآدم ، وأقام الزوجين سيدي الجنة ، وقال لهما : ( أنظروا إني أعطيكما كل ثمر لتأكلا منه خلا التفاح والحنطة ) ثم قال : ( احذروا أن تأكلا شيئا من هذه الأثمار ، لأنكما تصيران نجسين ، فلا أسمح لكما بالبقاء هنا بل أطردكما ويحل بكما شقاء عظيم ) .

    الفصل الأربعون

    فلما علم الشيطان بذلك تميز غيظا ، فاقترب إلى باب الجنة حيث كان الحارس حية مخوفة لها قوائم كجمل وأظافر أقدامها محددة من كل جانب كموسى ، فقال لهـا العدو : ( اسمحي لي بأن ادخـل الجنة ) أجابت الحية : ( وكيف أسمح لك بالدخول وقد أمرني الله بأن أطردك ؟ ) أجاب الشيطان : ( ألا ترين كم يحبك الله إذ أقامك خارج الجنة لتحرسي كتلة من الطين وهي الإنسان ؟ ، فإذا أدخلتني الجنة أجعلك رهيبة حتى أن كل أحد يهرب منك ، فتذهبين وتقيمين حسب إرادتك ) فقالت الحية ( وكيف أدخلك ) أجاب الشيطان : ( إنك كبيرة فافتحي فاك فأدخل بطنك ، فمتى دخلت الجنة ضعيني بجانب هاتين الكتلتين من الطين اللتين تمشيان حديثا على الأرض ) ففعلت عندئذ الحية ذلك ، ووضعت الشيطان بجانب حواء لأن آدم زوجها كان نائما ، فتمثل الشيطان للمرأة ملاكا جميلا وقال لها : ( لماذا لا تأكلان من هذا التفاح وهذه الحنطة ؟ ) أجابت حواء : ( قال لنا إلهنا إنا إذا أكلنا منها صرنا نجسين ولذلك يطردنا من الجنة ) فأجاب الشيطان : ( إنه لم يقل الصدق ، فيجب أن تعرفي أن الله شرير وحسود ، ولذلك لا يحتمل أندادا ، ولكنه يستعبد كل أحد ، وهو إنما قال لكما ذلك لكيلا تصيرا ندين له ، ولكن إذا كنت وعشيرك تعملان بنصيحتي فإنكما تأكلان من هذه الأثمار كما تأكلان من غيرها ، ولا تلبثا خاضعين لآخرين ، بل تعرفان الخير والشر كالله وتفعلان ما تريدان ، لأنكما تصيران ندين لله ) فأخذت حينئذ حواء وأكلت من هذه الأثمار ، ولما استيقظ زوجها أخبرته بكل ما قال الشيطان ، فتناول منها ما قدمته له وأكل ، وبينما كان الطعام نازلا ذكر كلام الله ، فلذلك أراد أن يوقف الطعام فوضع يده في حلقه حيث كل إنسان له علامة .


    الفصل الحادي والأربعون

    حينئذ علم كلاهما أنهما كانا عريانين ، فلذلك استحيا وأخذا أوراق التين وصنعا ثوبا لسوأتهما ، فلما مالت الظهيرة إذا بالله قد ظهر لهما ونادى آدم قائلا : ( آدم أين أنت ) فأجاب : ( يا رب تخبأت من حضرتك لأني وامرأتي عريانان فلذلك نستحي أن نتقدم أمامك ) فقال الله : ( ومن اغتصب منكما براءتكما إلا أن تكونا أكلتما الثمر فصرتما بسببه نجسين ، ولا يمكنكما أن تمكثا بعد في الجنة ) ، أجاب آدم : ( يا رب إن الزوجة التي أعطيتني طلبت مني أن آكل فأكلت منه ) حينئذ قال الله للمرأة : ( لماذا أعطيت طعاما كهذا لزوجك ؟ ) أجابت حواء : ( إن الشيطان خدعني فأكلت ) قال الله : ( كيف دخل ذلك الرجيم إلى هنا ؟ ) أجابت حواء : ( إن الحية التي تقف على الباب الشمالي من الجنة أحضرته إلى جانبي ) فقال الله لآدم : ( لتكن الأرض ملعونة بعملك لأنك أصغيت لصوت امرأتك وأكلت الثمر ، لتنبت لك حسكا وشوكا ، ولتأكل الخبز بعرق وجهك ، واذكر أنك تراب وإلى التراب تعود ) وكلم حواء قائلا : ( وأنت التي أصغيت للشيطان ، وأعطيت زوجك الطعام تلبثين تحت تسلط الرجل الذي يعاملك كأمة ، وتحملين الأولاد بالألم ، ولما دعا الحية دعا الملاك ميخائيل الذي يحمل سيف الله وقال : ( اطرد أولا من الجنة هذه الحية الخبيثة ، ومتى صارت خارجا فاقطع قوائمها ، فإذا أرادت أن تمشي يجب أن تزحف ) ثم نادى الله بعد ذلك الشيطان فأتى ضاحكـا فقال له : ( لأنك أيها الرجيم خدعت هذين وصيرتهما نجسين أريد أن تدخل في فمك كل نجاسة فيهما وفي كل أولادهما متى تابوا عنها وعبدوني حقا فخرجت منهم فتصير مكتظا بالنجاسة ) فجأر الشيطان حينئذ جأرا مخوفا وقال : ( لما كنت تريد أن تصيرني أردء ممـا أنا عليه فإني سأجعل نفسي كما أقدر أن أكون ) حينئذ قال الله : ( انصرف أيها اللعين من حضرتي ) فانصرف الشيطان ، ثم قال الله لآدم وحواء اللذين كانا ينتحبان : ( أخرجا من الجنة ، وجاهدا أبدانكما ولا يضعف رجاؤكما ، لأني أرسل ابنكما على كيفية يمكن بها لذريتكما أن ترفع سلطة الشيطان عن الجنس البشري ، لأني سأعطي رسولي الذي سيأتي كل شيء ، فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس ، فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب : (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) فبكى عند ذلك وقال : ( أيها الابن عسى الله أن يريد أن تأتي سريعا وتخلصنا من هذا الشقاء ) قال يسوع : هكذا أخطأ الشيطان وآدم بسبب الكبرياء ، أما أحدهما فلأنه احتقر الإنسان ، وأما الآخر فلأنه أراد أن يجعل نفسه ندا لله .

    الفصل الثاني والأربعون

    فبكى التلاميذ بعد هذا الخطاب ، وكان يسوع باكيا لما رأوا كثيرين من الذين جاءوا يفتشون عليه ، فإن رؤساء الكهنة تشاوروا فيما بينهم ليتسقطوه بكلامه، لذلك أرسلوا اللاويين وبعض الكتبة يسألونه قائلين : من أنت ؟ فاعترف يسوع وقال : الحق إني لست مسيا ، فقالوا : أأنت إيليا أو إرميا أو أحد الأنبياء القدماء ؟ أجاب يسوع : كلا ، حينئذ قالوا : من أنت ، قل لنشهد للذين أرسلونا ؟ ، فقال حينئذ يسوع : أنا صوت صارخ في اليهودية كلها ، يصرخ : أعدوا طريق رسول الرب كما هو مكتوب في إشعيا ، قالوا : إذا لم تكن المسيح ولا إيليا أو نبيا ما فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مسيا ؟ ، أجاب يسوع : إن الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر أني أتكلم بما يريد الله ، ولست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه ، لأني لست أهلا أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا الذي خلق قبلي وسيأتي بعدي وسيأتي بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية ) فانصرف اللاويون والكتبة بالخيبة وقصوا كل شيء على رؤساء الكهنة الذين قالوا : إن الشيطان على ظهره وهو يتلو كل شيء عليه ، ثم قال يسوع لتلاميذه : الحق أقول لكم أن رؤساء وشيوخ شعبنا يتربصون بي الدوائر .

    فقال بطرس : لا تذهب فيما بعد إلى أورشليم ، فقال له يسوع : إنك لغبي ولا تدري ما تقول فإن علي أن أحتمل اضطهادات كثيرة لأنه هكذا احتمل جميع الأنبياء وأطهار الله ولكن لا تخف لأنه يوجد قوم معنا وقوم علينا ، ولما قال يسوع هذا انصرف وذهب إلى جبل طابور وصعد معه بطرس ويعقوب ويوحنا أخوه مع الذي يكتب هذا ، فأشرق هناك فوقهم نور عظيم ، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج ، ولمع وجهه كالشمس ، وإذا بموسى وإيليا قد جاءا يكلمان يسوع بشأن ما يسحل بشعبنا وبالمدينة المقدسة ، فتكلم بطرس قائلا : يا رب حسن أن نكون ههنا ، فإذا أردت نضع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة والأخرى لإيليا ، وبينما كان يتكلم غشيته سحابة بيضاء ، وسمعوا صوتا قائلا : انظروا خادمي الذي به سررت ، اسمعوا له ، فارتاع التلاميذ وسقطوا على وجوههم إلى الأرض كأنهم أموات ، فنزل يسوع وأنهض تلاميذه قائلا : لا تخافوا لأن الله يحبكم وقد فعل هذا لكي تؤمنوا بكلامي .

    الفصل الثالث والأربعون

    ونزل يسوع إلى التلاميذ الثمانية الذين كانوا ينتظرونه أسفل ، وقص الأربعة على الثمانية كل ما رأوا ، وهكذا زال في ذلك اليوم من قلوبهم كل شك في يسوع إلا يهوذا الإسخريوطي الذي لم يؤمن بشيء ، وجلس يسوع على سفح الجبل وأكلوا من الأثمار البرية لأنه لم يكن عندهم خبز ، حينئذ قال اندراوس : لقد حدثتنا بأشياء كثيرة عن مسيا فتكرم بالتصريح لنا بكل شيء ، فأجاب يسوع : كل من يعمل فإنما يعمل لغاية يجد فيها غناء ، لذلك أقول لكم أن الله لما كان بالحقيقة كاملا لم يكن له حاجة إلى غناء ، لأنه الغناء عنده نفسه ، وهكذا لما أراد أن يعمل خلق قبل كل شيء نفس رسوله الذي لأجله قصد إلى خلق الكل ، لكي تجد الخلائق فرحا وبركة بالله ، ويسر رسوله بكل خلائقه التي قدر أن تكون عبيدا ، ولماذا وهل كان هذا هكذا إلا لأن الله أراد ذلك ؟ ، الحق أقول لكم أن كل نبي متى جاء فإنه إنما يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله ، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه ، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده ، فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه ، وسيأتي بقوة على الظالمين ، ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان ، لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا : ( انظر فاني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك ) أجاب يعقوب : يا معلم قل لنا بمن صنع هذا العهد ؟ ، فإن اليهود يقولون (( بإسحاق )) والإسماعيليون يقولون (( بإسماعيل )) ، أجاب يسوع : ابن من كان داود ومن أي ذرية ؟ ، أجاب يعقوب : من إسحاق لأن إسحاق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود، فحينئذ قال يسوع : ومتى جاء رسول الله فمن نسل من يكون ، أجاب التلاميذ : من داود ، فأجاب يسوع : لا تغشوا أنفسكم ، لأن داود يدعوه في الروح ربا قائلا هكذا : ( قال الله لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك ، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك ) فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا بن داود فكيف يسميه داود ربا ، صدقوني لأني أقول لكم الحق أن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق .

    الفصل الرابع والأربعون

    حينئذ قال التلاميذ : يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحاق ، أجاب يسوع متأوها : هذا هو المكتوب ، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع ، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله ، الحق أقول لكم أنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا ، لأن الملاك قال : ( يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله ، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله ، حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله ، أجاب إبراهيم : ( ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله ) فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا : خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة ) فكيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين ؟ ، فقال حينئذ التلاميذ : إن خداع الفقهاء لجلي ، لذلك قل لنا أنت الحق لأننا نعلم أنك مرسل من الله ، فأجاب حينئذ يسوع : الحق أقول لكم أن الشيطان يحاول دائما إبطال شريعة الله ، فلذلك قد نجس هو وأتباعه والمراؤون وصانعوا الشر كل شيء اليوم ، الأولون بالتعليم الكاذب والآخرون بمعيشة الخلاعة ، حتى لا يكاد يوجد الحق تقريبا ، ويل للمرائين لأن مدح هذا العالم سينقلب عليهم إهانة وعذابا في الجحيم ، لذلك أقول لكم أن رسول الله بهاء يسر كل ما صنع الله تقريبا ، لأنه مزدان بروح الفهم والمشورة ، روح الحكمة والقوة ، روح الخوف والمحبة ، روح التبصر والاعتدال ، مزدان بروح المحبة والرحمة ، روح العدل والتقوى ، روح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة أضعاف مـا أعطى لسائر خلقه ، ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلى العالم ، صدقوني أني رأيته وقدمت له الاحترام كما رآه كل نبي ، لأن الله يعطيهم روحه نبوة ، ولما رأيته امتلأت عزاءا قائلا : يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك ، لأني إذا نلت هذا صرت نبيا عظيما وقدوس الله ، ولما قال يسوع هذا شكر الله .

    الفصل الخامس والأربعون

    ثم جاء الملاك جبريل يسوع وكلمه بصراحة حتى أننا نحن أيضا سمعنا صوته يقول : ( قم واذهب إلى أورشليم ) فانصرف يسوع وصعد إلى أورشليم ، ودخل يوم السبت الهيكل وابتدأ يعلم الشعب ، فأسرع الشعب إلى الهيكل مع رئيس الكهنة والكهنة الذين اقتربوا من يسوع قائلين : يا معلم قيل لنا أنك تقول سوءا فينا لذلك احذر أن يحل بك سوء ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم أني أقول سوءا عن المرائين فإذا كنتم مرائين فإني أتكلم عنكم ، فقالوا : من هو المرائي قل لنا صريحا ، قال يسوع : الحق أقول لكم أن كل من يفعل حسنا لكي يراه الناس فهو مراء ، لأن عمله لا ينفذ إلى القلب الذي لا يراه الناس فيترك فيه كل فكر نجس وكل شهوة قذرة ، أتعلمون من هو المرائي ، هو الذي يعبد بلسانه الله ويعبد بقلبه الناس ، إنه بغي لأنه متى مات يخسر كل جزاء ، لأن في هـذا الموضـوع يقول النبي داود : ( لا تثقوا بالرؤساء ولا بأبناء الناس الذين ليس بهـم خلاص لأنه عند الموت تهلك أفكارهم ) بل قبل الموت يرون أنفسهم محرومـين من الجزاء ، لأن (( الإنسان )) كما قال أيوب نبي الله : ( غير ثابت فلا يستقر على حال ، فإذا مدحك اليوم ذمك غدا ، وإذا أراد أن يجزيك اليوم سلبك غدا ، ويل إذا للمرائين لأن جزاءهم باطل ، لعمر الله الذي أقف في حضرته أن المرائي لص ، ويرتكب التجديف لأنه يتذرع بالشريعة ليظهر صالحا ، ويختلس مجد الله الذي له وحده الحمد والمجد إلى الأبد ، ثم أقول لكم أيضا أنه ليس للمرائي إيمان ، لأنه لو آمن بأن الله يرى كل شيء وأنه يقاص الإثم بدينونة مخوفة لكان ينقي قلبه الذي يبقيه ممتلئا بالإثم لأنه لا إيمان له .

    الحق أقول لكم أن المرائي كقبر أبيض من الخارج ، ولكنه مملوء فسادا وديدانا ، فإذا كنتم أيها الكهنة تعبدون الله لأن الله خلقكم ويطلب ذلك منكم فلا أندد بكم لأنكم خدمة الله ، ولكن إذا كنتم تفعلون كل شيء لأجل الربح ، وتبيعون وتشترون في الهيكل كما في السوق ، غير حاسبين أن هيكل الله بيت للصلاة لا للتجارة وأنتم تحولونه مغارة لصوص ، وإذا كنتم تفعلون كل شيء لترضوا الناس ، وأخرجتم الله من عقلكم ، فإني أصيح بكم أنكم أبناء الشيطان ، لا أبناء إبراهيم الذي ترك بيت أبيه حبا في الله ، وكان راضيا أن يذبح ابنه ، ويل لكم أيها الكهنة والفقهاء إذا كنتم هكذا لأن الله يأخذ منكم الكهنوت .

    الفصل السادس والأربعون

    وتكلم يسوع أيضا قائلا : أضرب لكم مثلا ، غرس رب بيت كرما وجعل له سياجا لكي لا تدوسه الحيوانات ، وبنى في وسطه معصرة للخمر ، وأجره للكرامين ، ولما حان الوقت ليجمع الخمر أرسل عبيده ، فلما رآهم الكرامون رجموا بعضا وأحرقوا بعضا وبقروا الآخرين بمدية ، وفعلوا هذا مرارا عديدة ، فقولوا لي ماذا يفعل صاحب الكرم بالكرامين ؟ ، فأجاب كل واحد : إنه ليهلكهم شر هلكة ويسلم الكرم لكرامين آخرين ، لذلك قال يسوع : ألا تعلمون أن الكرم هو بيت إسرائيل والكرامين شعب يهوذا وأورشليم ؟ ، ويل لكم لأن الله غاضب عليكم ، لأنكم بقرتم كثيرين من أنبياء الله حتى أنه لم يوجد في زمن أخاب واحد يدفن قديسي الله ، ولما قال هذا أراد رؤساء الكهنة أن يمسكوه ولكنهم خافوا العامة الذين عظموه ، ثم رأى يسوع امرأة كان رأسها منحنيا نحو الأرض منذ ولادتها ، فقال : ارفعي رأسك أيتها المرأة باسم إلهنا ليعرف هؤلاء أني أقول الحق وأنه يريد أن أذيعه ، فاستقامت حينئذ المرأة صحيحة معظمة لله ، فصرخ رؤساء الكهنة قائلين : ليس هذا الإنسان مرسلا من الله ، لأنه لا يحفظ السبت إذ قد أبرأ اليوم مريضا ، أجاب يسوع : ألا فقولوا لي ألا يحـل التكلم في يوم السبت وتقديم الصلاة لخلاص الآخرين ؟ ، ومن منكم إذا سقط حماره يوم السبت في حفرة لا ينتاشه يوم السبت ؟ ، لا أحد مطلقا ، فهل أكون قد كسرت يوم السبت بإبراء ابنة من بني إسرائيل ؟ ، حقا إنه قد علم هنا رياؤكم ، كم من حاضر هنا ممن يحذرون أن يصيب عين غيرهم قذى والجذع يوشك أن يشج رؤوسهم ، ما أكثر الذين يخشون النملة ولكنهم لا يبالون بالفيل ؟ ، ولما قال هذا خرج من الهيكل ، ولكن الكهنة احتدموا غيظا فيما بينهم ، لأنهم لم يقدروا أن يمسكوه وينالوا منه مأربا كما فعل آباؤهم في قدوسي الله .

    الفصل السابع والأربعون

    ونزل يسوع في السنة الثانية من وظيفته النبوية من أورشليم ، وذهب إلى نايين ، فلما اقترب من باب المدينة كان أهل المدينة يحملون إلى القبر ابنا وحيدا لأمه الأرملة ، وكان كل أحد ينوح عليه ، فلما وصل يسوع علم الناس أن الذي جاء إنما هو يسوع نبي الجليل ، فلذلك تقدموا وتضرعوا إليه لأجل الميت طالبين أن يقيمه لأنه نبي ، وفعل تلاميذه كذلك ، فخاف يسوع كثيرا ، ووجه نفسه لله وقال : خذني من العالم يارب ، لأن العالم مجنون وكادوا يدعونني إلهـا ، ولما قال ذلك بكى ، حينئذ جاء الملاك جبريل ، وقـال : لا تخف يا يسوع لأن الله أعطاك قوة على كل مرض ، حتى أن كل ما تمنحه بإسم الله يتم برمته ، فعند ذلك تنهد يسوع قائلا : لتنفذ مشيئتك أيها الإله القدير الرحيم ، ولما قال هذا اقترب من أم الميت وقـال لها بشفقة : لا تبكي أيتها المرأة ، ثم أخـذ يد الميت وقال : أقـول لك أيها الشاب بإسم الله قم صحيحا ؟ ، فانتعش الغلام ، وامتلأ الجميع خـوفا قائلين : لقد أقـام الله لنا (( نبيا )) عظيما بيننا وافتقد شعبه .

    الفصل الثامن و الأربعون

    كان جيش الرومان في ذلك الوقت في اليهودية ، لأن بلادنا كانت خاضعة لهم بسبب خطايا أسلافنا ، وكانت عادة الرومان أن يدعوا كل من فعل شيئا جديدا فيه نفع للشعب إلها ويعبدوه ، فلما كان بعض هؤلاء الجنود في نايين وبخوا واحدا بعد آخر قائلين : لقد زاركم أحد آلهتكم وأنتم لا تكترثون له ؟ ، حقا لو زارتنا آلهتنا لأعطيناهم كل مالنا ، وأنتم تنظرون كم نخشى آلهتنا لأننا نعطي تماثيلهم أفضل ما عندنا ، فوسوس الشيطان بهذا الأسلوب من الكلام حتى أنه أثار شغبا بين شعب نايين ، لكن يسوع لم يمكث في نايين بل تحول ليذهب إلى كفر ناحوم ، وبلغ الشقاق في نايين مبلغا قال معه قوم : إن الذي زارنا إنما هو إلهنا ، وقال آخرون : أن الله لا يرى فلم يره أحد حتى ولا موسى عبده فليس هو الله بل هو بالحري ابنه ، وقال آخرون : إنه ليس الله ولا ابن الله لأنه ليس لله جسد فيلد بل هو نبي عظيم من الله ، وبلغ من وسوسة الشيطان أن كاد يجر ذلك على شعبنا في السنة الثالثة من وظيفة يسوع النبوية خرابا عظيما ، وذهب يسوع إلى كفر ناحوم ، فلما عرفه أهل المدينة جمعوا كل مرضاهم ووضعوهم في مقدم الرواق حيث كان يسوع وتلاميذه نازلين ، فدعوا يسوع وتضرعوا إليه لأجل صحتهم، فألقى يسوع يده على كل منهم قائلا : يا إله إسرائيل بإسمك القدوس أعط صحة لهذا العليل ، فبرئوا جميعهم ، ودخل يسوع يوم السبت المجمع فأسرع كل الشعب إلى هناك ليسمعوه يتكلم .

    الفصل التاسع و الأربعون

    قرأ الكتبة في ذلك اليوم مزمور داود حيث يقول داود : متى وجدت وقتا أقضي بالعدل ، وبعد قراءة الأنبياء انتصب يسوع وأومأ إيماء السكوت بيديه ، وفتح فاه وتكلم هكذا : أيها الإخوة لقد سمعتم الكلام الذي تكلم به النبي داود أبونا أنه متى وجد وقتا قضى بالعدل ، إني أقول لكم حقا أن كثيرين يقضون فيخطئون ، وإنما يخطئون فيما لا يوافق أهواءهم ، وأما ما يوافقها فيقضون به قبل وقته ، كذلك ينادينا إله آبائنا على لسان نبيه داود قائلا : اقضوا بالعدل يا أبناء الناس ، فما أشقى أولئك الذين يجلسون على منعطفات الشوارع ولا عمل لهم إلا الحكم على المارة ، قائلين : ذلك جميل وهذا قبيح ذلك حسن وهذا رديء ، ويل لهم لأنهم يرفعون قضيب الدينونة من يد الله الذي يقول : ( إني شاهد وقاض ولا أعطي مجدي لأحد ، الحق أقول لكم أن هؤلاء يشهدون بما لم يروا ولم يسمعوا قط ، ويقضون دون أن ينصبوا قضاة ، وإنهم لذلك مكروهون على الأرض أمام عيني الله الذي سيدينهم دينونة رهيبة في اليوم الآخر ، ويل لكم ويل لكم أنتم الذين تمدحون الشر وتدعون الشر خيرا ، لأنكم تحكمون على الله بأنه أثيم وهو منشئ الصلاح ، وتبررون الشيطان كأنه صالح وهو منشأ كل شر ، فتأملوا أي قصاص يحل بكم وأن الوقوع في دينونة الله مخوف وستحل حينئذ على أولئك الذين يبررون الأثيم لأجل النقود ، ولا يقضون في دعوى اليتامى والأرامل ، الحق أقول لكم أن الشياطين سيقشعرون من دينونة هؤلاء ، لأنها ستكون رهيبة جدا ، أيها الإنسان المنصوب قاضيا لا تنظر إلى شيء آخر ، لا إلى الأقرباء ولا إلى الأصدقاء ولا إلى الشرف ولا إلى الربح ، بل انظر فقط بخوف الله إلى الحق الذي يجب عليك أن تطلبه بإجتهاد أعظم ، لأنه يقيك دينونة الله ، ولكني أنذرك أن من يدين بدون رحمة يدان بدون رحمة .

    الفصل الخمسون

    قل لي أيها الإنسان الذي تدين غيرك ، ألا تعلم أن منشأ كل البشر من طينة واحدة ، ألا تعلم أنه لا يوجد أحد صالح إلا الله وحده ، لذلك كان كل إنسان كاذبا وخاطئا ، صدقني أيها الإنسان أنك إذا كنت تدين غيرك على ذنب فإن في قلبك منه ما تدان عليه ، ما أشد القضاء خطرا ، ما أكثر الذين هلكوا بقضائهم الجائر ، فالشيطان حكم على الإنسان بأنه أنجس منه ، لذلك عصى الله خالقه ، تلك المعصية التي لم يتب عنها فإن لي علما بذلك من محادثتي إياه ، وقد حكم أبوانا الأولان بحسن حديث الشيطان ، فطردا لذلك من الجنة ، وقضيا على كل نسلهما ، الحق أقول لكم لعمر الله الذي أقف في حضرته أن الحكم الباطل هو أبو كل الخطايا ، لأن لا أحد يخطئ بدون إرادة ولا أحد يريد ما لا يعرف ، ويل إذا للخاطئ الذي يحكم في قضائه بأن الخطيئة صالحة والصلاح فساد ، الذي يرفض لذلك السبب الصلاح ويختار الخطيئة ، أنه سيحل به قصاص لا يطاق متى جاء الله ليدين العالم ، ما أكثر الذين هلكوا بسبب القضاء الجائر ، وما أكثر الذين أوشكوا أن يهلكوا ، قضى فرعون على موسى وشعب إسرائيل بالكفر ، وقضى شاول على داود بأنه مستحق للموت ، وقضى أخاب على إيليا، ونبوخذ نصر على الثلاثة الغلمان الذين لم يعبدوا آلهتهم الكاذبة ، وقضى الشيخان على سوسنة ، وقضى كل الرؤساء عبدة الأصنام على الأنبياء ، ما أرهب قضاء الله ، يهلك القاضي وينجو المقضي عليه ، ولماذا هذا أيها الإنسان إن لم يكن لأنهم يحكمون على البريء ظلما بالطيش ؟ ما كان أشد قرب الصالحين من الهلاك ، لأنهم حكموا باطـلا ، يتبين ذلك من ( قصة ) إخوة يوسـف الذين باعوه (( للمصريين )) ومن هرون ومريم أخت موسى اللذين حكما على أخيهما ، وثلاثة من أصدقاء أيوب حكموا على خليل الله البريء أيوب ، وداود قضى على مفيبوشت وأوريا ، وقضى كورش بأن يكون دانيال طعاما للأسود ، وكثيرون آخرون أشرفوا على الهلاك بسبب هذا ، لذلك أقول لكم لا تدينوا فلا تدانوا ، فلما أنجز يسوع كلامه تاب كثيرون نائحين على خطاياهم وودوا لو يتركون كل شيء ويتبعونه ، ولكن يسوع قال : ابقوا في بيوتكم ، واتركوا الخطيئة ، واعبدوا الله بخوف فبهذا تخلصون ، لأني لم آت لأخدَم بل لأخدِم ، ولما قال هذا خرج من المجمع والمدينة ، وانفرد في الصحراء ليصلي لأنه كان يحب العزلة كثيرا .

    الفصل الحادي والخمسون

    بعد أن صلى للرب جاء تلاميذه إليه وقالوا : يا معلم نحب أن نعرف شيئين ، أحدهما كيف كلمت الشيطان وأنت تقول عنه مـع ذلك أنه غير تائب ؟ ، والآخر كيف يأتي الله ليدين في يوم الدينونة ؟ ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم أني عطفت على الشيطان لما علمت بسقوطه ، وعطفت على الجنس البشري الذي يفتنه ليخطئ ، لذلك صليت وصمت لإلهنا الذي كلمني بواسطة ملاكه جبريل : ( ماذا تطلب يا يسوع وما هو سؤلك ؟ ) أجبت : يا رب أنت تعلم أي شر كان الشيطان سببه وأنه بواسطة فتنته يهلك كثيرون ، وهو خليقتك يا رب التي خلقت ، فارحمه يا رب ، أجاب الله : يا يسوع انظر فإني أصفح عنه ، فاحمله على أن يقول فقط ( أيها الرب إلهي لقد أخطأت فارحمني ، فأصفح عنه وأعيده إلى حاله الأولى ) ، قال يسوع : لما سمعت هذا سررت جدا موقنا إني قد فعلت هذا الصلح ، لذلك دعوت الشيطان فأتى قائلا : ( ماذا يجب أن أفعل لك يا يسوع ؟ ) أجبت : إنك تفعل لنفسك أيها الشيطان ، لأني لا أحب خدمتك ، وإنما دعوتك لما فيه صلاحك ، أجاب الشيطان : ( إذا كنت لا تود خدمتي فإني لا أود خدمتك لأني أشرف منك ، فأنت لست أهلا لأن تخدمني أنت يا من هو طين أما أنا فروح ) فقلت : لنترك هذا وقل لي أليس حسنا أن تعود إلى جمالك الأول وحالك الأولى ، وأنت تعلم أن الملاك ميخائيل سيضربك في يوم الدينونة بسيف الله مائة ألف ضربة ، وسينالك من كل ضربة عذاب عشر جحيمات ، أجاب الشيطان : ( سنرى في ذلك اليوم أينا أكثر فعلا ، فإنه سيكون لي ( أنصار ) كثيرون من الملائكة ومن أشد عبدة الأوثان قوة الذين يزعجون الله ، وسيعلم أي غلطة عظيمة ارتكب بطردي من أجل طينة نجسة ) حينئذ قلت : أيها الشيطان أنك سخيف العقل فلا تعلم ما أنت قائل ، فهز حينئذ الشيطان رأسه ساخرا وقال : ( تعال الآن ولنتم هذه المصالحة بيني وبين الله ، وقل أنت يا يسوع ما يجب فعله لأنك أنت صحيح العقل ) أجبت يجب التكلم بكلمتين فقط ، أجـاب الشيطان : ( وما هما ؟ ) أجبت : هما (( أخطأت فارحمني )) فقال الشيطان : ( إني بمسرة أقبل هذه المصالحة إذا قال الله هاتين الكلمتين لي ) فقلت : انصرف عني الآن أيها اللعين ، لأنك الأثيم المنشئ لكل ظلم وخطيئة ، ولكن الله عادل منزه عن الخطايا ، فانصرف الشيطان مولولا وقال : ( إن الأمر ليس كذلك يا يسوع ولكنك تكذب لترضي الله ) قال يسوع لتلاميذه : انظروا الآن أنـّى يجد رحمة ، أجابوا : أبدا يا رب لأنه غير تائب ، أما الآن فأخبرنا عن دينونة الله .

    الفصل الثاني والخمسون

    الحق أقول لكم أن يوم دينونة الله سيكون رهيبا بحيث أن المنبوذين يفضلون عشر جحيمات على أن يذهبوا ليسمعوا الله يكلمهم بغضب شديد ، الذين ستشهد عليهم كل المخلوقات ، الحق أقول لكم ليس المنبوذين هم الذين يخشون فقط بل القديسون وأصفياء الله (( كذلك )) ، حتى أن إبراهيم لا يثق ببره ، ولا يكون لأيوب ثقة في براءته ، وماذا أقول ؟ ، بل إن رسول الله سيخاف ، لأن الله إظهارا لجلاله سيجرد رسوله من الذاكرة ، حتى لا يذكر كيف أن الله أعطاه كل شيء ، الحق أقول لكم متكلما من القلب أني أقشعر لأن العالم سيدعوني إلها ، وعلي أن أقدم لأجل هذا حسابا ، لعمر الله الذي نفسي واقفة في حضرته أني رجل فان كسائر الناس ، على أني وإن أقامني الله نبيا على بيت إسرائيل لأجل صحة الضعفاء وإصلاح الخطاة خادم الله ، وأنتم شهداء على هذا كيف أني أنكر على هؤلاء الأشرار الذين بعد انصرافي من العالم سيبطلون حق إنجيلي بعمل الشيطان ، ولكني سأعود قبيل النهاية، وسيأتي معي أخنوخ وإيليا ، ونشهد على الأشرار الذين ستكون آخرتهم ملعونة ، وبعد أن تكلم يسوع هكذا أذرف الدموع ، فبكى تلاميذه بصوت عال ورفعوا أصواتهم قائلين : اصفح أيها الرب الإله وارحم خادمك البريء ، فأجاب يسوع آمين آمين .

    الفصل الثالث والخمسون

    قال يسوع : قبل أن يأتي ذلك اليوم سيحل بالعالم خراب عظيم ، وستنشب حرب فتاكة طاحنة ، فيقتل الأب ابنه ، ويقتل الابن أباه بسبب أحزاب الشعوب ، ولذلك تنقرض المدن وتصير البلاد قفرا ، وتقع أوبئة فتاكة حتى لا يعود يوجد من يحمل الموتى للمقابر بل تترك طعاما للحيوانات ، وسيرسل الله مجاعة على الذين يبقون على الأرض فيصير الخبز أعظم قيمة من الذهب ، فيأكلون كل أنواع الأشياء النجسة ، يالشقاء ذلك الجيل الذي لا يكاد يسمع فيه أحد يقول : (( أخطأت فارحمني يا الله )) يجدفون بأصوات مخوفة على المجيد المبارك إلى الأبد ، وبعد هذا متى أخذ ذلك اليوم في الإقتراب تأتي كل يوم علامة مخوفة على سكان الأرض مدة خمسة عشر يوما ، ففي اليوم الأول تسير الشمس في مدارها في السماء بدون نور ، بل تكون سوداء كصبغ الثوب ، وستئن كما يئن أب على ابن مشرف على الموت ، وفي اليوم الثاني يتحول القمر إلى دم ، وسيأتي دم على الأرض كالندى ، وفي اليوم الثالث تشاهد النجوم آخذة في الإقتتال كجيش من الأعداء ، وفي اليوم الرابع تتصادم الحجارة والصخور كأعداء ألداء .

    وفي اليوم الخامس يبكي كل نبات وعشب دما ، وفي اليوم السادس يطغى البحر دون أن يتجاوز محله إلى علو مائة وخمسين ذراعا ، ويقف النهار كله كجدار ، وفي اليوم السابع ينعكس الأمر فيغور حتى لا يكاد يرى ، وفي اليوم الثامن تتألب الطيور وحيوانات البر والماء ولها جوار وصراخ ، وفي اليوم التاسع ينزل صيب من البرد مخوف بحيث أنه يفتك فتكا لا يكاد ينجو منه عشر الأحياء ، وفي اليوم العاشر يأتي برق ورعد مخوفان فينشق ويحترق ثلث الجبال ، وفي اليوم الحادي عشر يجري كل نهر إلى الوراء ويجري دما لا ماء ، وفي اليوم الثاني عشر يئن ويصرخ كل مخلوق ، وفي اليوم الثالث عشر تطوى السماء كطي الدرج ، وتمطر نارا حتى يموت كل حي ، وفي اليوم الرابع عشر يحدث زلزال مخوف حتى أن قنن الجبال تتطاير منه في الهواء كالطيور ، وتصير الأرض كلها سهلا ، وفي اليوم الخامس عشر تموت الملائكة الأطهار ، ولا يبقى حيا إلا الله وحده الذي له الإكرام والمجد ، ولما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا يديه ، ثم ضرب الأرض برأسه ولما رفع رأسه قال : ليكن ملعونا كل من يدرج في أقوالي أني ابن الله ، فسقط التلاميذ عند هذه الكلمات كأموات ، فأنهضهم يسوع قائلا : لنخف الله الآن إذا أردنا أن لا نراع في ذلك اليوم .

    الفصل الرابع والخمسون

    فمتى مرت هذه العلامات تغشى العالم ظلمة أربعين سنة ليس فيها من حي إلا الله وحده الذي له الإكرام والمجد إلى الأبد ، ومتى مرت الأربعون سنة يحيي الله رسوله الذي سيطلع أيضا كالشمس بيد أنه متألق كألف شمس ، فيجلس ولا يتكلم لأنه سيكون كالمخبول ، وسيقيم الله أيضا الملائكة الأربعة المقربين لله الذين ينشدون رسول الله ، فمتى وجدوه قاموا على الجوانب الأربعة للمحل حراسا له ، ثم يحيي الله بعد ذلك سائر الملائكة الذين يأتون كالنحل ويحيطون برسول الله ، ثم يحيي الله بعد ذلك سائر أنبيائه الذين سيأتون جميعهم تابعين لآدم ، فيقبلون يد رسول الله واضعين أنفسهم في كنف حمايته ثم يحيي الله بعد ذلك سائر الأصفياء الذين يصرخون : ( أذكرنا يا محمد ، فتتحرك الرحمة في رسول الله لصراخهم ، وينظر فيما يجب فعله خائفا لأجل خلاصهم ، ثم يحيي الله بعد ذلك كل مخلوق فتعود إلى وجودها الأول ، وسيكون لكل منها قوة النطق علاوة ، ثم يحيي الله بعد ذلك المنبوذين كلهم الذين عند قيامتهم يخاف سائر خلق الله بسبب قبح منظرهم ، ويصرخـون : ( أيها الرب إلهنا لا تدعنا من رحمتك ) وبعد هذا يقيم الله الشيطان الذي سيصير كل مخلوق عند النظر إليه كميت خوفا من هيئة منظره المريع ، ثم قال يسوع : أرجو الله أن لا أرى هذه الهولة في ذلك اليوم . إن رسول الله وحده لا يتهيب هذه المناظر لأنه لا يخاف إلا الله وحده ، عندئذ يبوق الملاك مرة أخرى فيقوم الجميع لصوت بوقه قائلا : ( تعالوا للدينونة أيتها الخلائق لأن خالقك يريد أن يدينك ، فينظر حينئذ في وسط السماء فوق وادي يهو شافاط عرش متألق تظلله غمامة بيضاء ، فحينئذ تصرخ الملائكة : ( تبارك إلهنا أنت الذي خلقتنا وأنقذتنا من سقوط الشيطان ) عند ذلك يخاف رسول الله لأنه يدرك أن لا أحد أحب الله كما يجب ، لأن من يأخذ بالصرافة قطعة ذهب يجب أن يكون معه ستون فلسا ، فإذا كان عنده فلس واحد فلا يقدر أن يصرفه ، ولكن إذا خاف رسول الله فماذا يفعل الفجار المملوءون شرا ؟ .

    الفصل الخامس والخمسون

    ويذهب رسول الله ليجمع كل الأنبياء الذين يكلمهم راغبا إليهم أن يذهبوا معه ليضرعوا إلى الله لأجل المؤمنين ، فيعتذر كل أحد خوفا ، ولعمر الله أني أنا أيضا لا أذهب إلى هناك لأني أعرف ما أعرف ، وعندما يرى الله ذلك يذكر رسوله كيف أنه خلق كل الأشياء محبة له ، فيذهب خوفه ويتقدم إلى العرش بمحبة واحترام والملائكة ترنم : ( تبارك اسمك القدوس يا الله إلهنا ) ومتى صار على مقربة من العرش يفتح الله لرسوله كخليل لخليله بعد طول الأمد على اللقاء ، ويبدأ رسول الله بالكلام أولا فيقول : ( إني أعبدك وأحبك يا إلهي ، وأشكرك من كل قلبي ونفسي ، لأنك أردت فخلقتني لأكون عبدك ، وخلقت كل شيء حبا فيّ لأحبك لأجل كل شيء وفي كل شيء وفوق كل شيء ، فليحمدك كل خلائقك يا إلهي ) حينئذ تقول كل مخلوقات الله ( نشكرك يا رب وتبارك اسمك القدوس ) الحق أقول لكم أن الشياطين والمنبوذين مع الشيطان يبكون حينئذ حتى أنه ليجري من الماء من عين الواحد منهم أكثر مما في الأردن ، ومع هذا فلا يرون الله ، ويكلم الله رسـوله قائلا : ( مرحبـا بك يا عبدي الأمين ، فاطلب ما تريد تنل كل شيء ) فيجيب رسول الله : ( يا رب أذكر أنك لما خلقتني قلت أنك أردت أن تخلق العالم والجنة والملائكة والناس حبا فيّ ليمجدوك بي أنا عبدك ، لذلك أضرع إليك أيها الرب الإله الرحيم العادل أن تذكر وعدك لعبدك ) فيجيب الله كخليل يمازح خليله ويقول: ( أعندك شهود على هذا يا خليلي محمد ؟ ) فيقول بإحترام: ( نعم يا رب ) فيقول الله : ( اذهب وادعهم يا جبريل ) فيأتي جبريل إلى رسول الله ويقول : ( من هم شهودك أيها السيد ؟ ) فيجيب رسول الله : ( هم آدم وإبراهيم وإسماعيل وموسى وداود ويسوع ابن مريم ) فينصرف الملاك وينادي الشهود المذكورين الذين يحضرون إلى هناك خائفين .

    فمتى حضروا يقول لهم الله : ( أتذكرون ما أثبته رسولي ؟ ) فيجيبون : ( أي شيء يا رب ) فيقول الله : ( أني خلقت كل شيء حبا فيه ليحمدني كل الخلائق به ) فيجيب كل منهم : ( عندنا ثلاثة شهود أفضل منا يا رب ، فيجيب الله : ( ومن هم هؤلاء الثلاثة ؟ ) فيقول موسى : ( الأول الكتاب الذي أعطيتنيه ) ويقول داود : ( الثاني الكتاب الذي أعطيتنيه ) ويقول الذي يكلمكم : يارب إن العالم كله أغراه الشيطان فقال إني كنت ابنك وشريكك ، ولكن الكتاب الذي أعطيتنيه قال حقا أني أنا عبدك ، ويعترف ذلك الكتاب بما أثبته رسولك ، فيتكلم حينئذ رسول الله ويقول : ( هكذا يقول الكتاب الذي أعطيتنيه يا رب ، فعندما يقول رسول الله هذا يتكلم الله قائلا : ( إن ما فعلت الآن إنما فعلته ليعلم كل أحد مبلغ حبي لك ) وبعد أن يتكلم هكذا يعطي الله رسوله كتابا مكتوب فيه أسماء كل مختاري الله ، لذلك يسجد كل مخلوق لله قائلا : ( لك وحدك اللهم المجد والإكرام لأنك وهبتنا لرسولك ) .

    الفصل السادس و الخمسون

    ويفتح الله الكتاب الذي في يد رسوله ، فيقرأ رسوله فيه وينادي كل الملائكة والأنبياء وكل المختارين ، ويكون مكتوبا على جبهة كل علامة رسول الله ويكتب في الكتاب مجد الجنة ، فيمر حينئذ كل أحد إلى يمين الله الذي يكون بالقرب منه رسول الله ، ويجلس الأنبياء بجانبه ، ويجلس القديسون بجانب الأنبياء ، والمباركون بجانب القديسين ، فينفخ حينئذ الملاك في البوق ويدعو الشيطان للدينونة .

    الفصل السابع و الخمسون

    فيأتي حينئذ ذلك الشقي ويشكوه كل مخلوق بإمتهان شديد ، حينئذ ينادي الله الملاك ميخائيل فيضربه بسيف الله مائة ألف ضربة ، وتكون كل ضربة يضرب بها الشيطان بثقل عشر جحيمات ، ويكون الأول الذي يقذف به في الهاوية ، ثم ينادي الملاك أتباعه فيهانون ويُشكون مثله ، وعند ذلك يضرب الملاك ميخائيل بأمر الله بعضا مائة ضربة وبعضا خمسين وبعضا عشرين وبعضا عشرا وبعضا خمسا ، ثم يهبطون الهاوية لأن الله يقول لهم : ( إن الجحيم مثواكم أيها الملاعين ) ثم يدعى بعد ذلك إلى الدينونة كل الكافرين والمنبوذين ، فيقوم عليهم أولا كل الخلائق التي هي أدنى من الإنسان شاهدة أمام الله كيف خدمت هؤلاء الناس ، وكيف أن هؤلاء أجرموا مع الله وخلقه ، ويقوم كل من الأنبياء شاهدا عليهم ، فيقضي الله عليهم باللهب الجحيمية .

    الحق أقول لكم أنه لا كلمة أو لا فكر من الباطل لا يجازى عليه في اليوم الرهيب .

    الحق أقول لكم أن قميص الشعر سيشرق كالشمس وكل قملة كانت على إنسان حبا في الله تتحول لؤلؤة ، المساكين الذين كانوا قد خدموا الله بمسكنة حقيقية من القلب لمباركون ثلاثة أضعاف وأربعة أضعاف ، لأنهم يكونون خالين في هذا العالم من المشاغل العالمية فتمحى عنهم لذلك خطايا كثيرة ، ولا يضطرون في ذلك اليوم أن يقدموا حسابا كيف صرفوا الغنى العالمي ، بل يجزون لصبرهم ومسكنتهم ، الحق أقول لكم أنه لو علم العالم هذا لفضل قميص الشعر على الأرجوان والقمل على الذهب والصوم على الولائم ، ومتى انتهى حساب الجميع يقول الله لرسوله : ( أنظر يا خليلي ما كان أعظم شرهم ، فأني أنا خالقهم سخرت كل المخلوقات لخدمتهم فامتهنوني في كل شيء ، فالعدل كل العدل إذاً أن لا أرحمهم ) فيجيب رسول الله : ( حقا أيها الرب إلهنا المجيد أنه لا يقدر أحد من أخلائك وعبيدك أن يسألك رحمة بهم ، واني أنا عبدك أطلب قبل الجميع العدل فيهم ) وبعد أن يقول هذا الكلام تصرخ ضدهم الملائكة والأنبياء بجملتها مع مختاري الله كلهم بل لماذا أقول المختارين ، لأني الحق أقول لكم أن الرتيلاوات والذباب والحجارة والرمل لتصرخ من الفجار وتطلب إقامة العدل ، حينئذ يعيد الله إلى التراب كل نفس حية أدنى من الإنسان ، ويرسل إلى الجحيم الفجار الذين يرون مرة أخرى في أثناء سيرهم ذلك التراب الذي يعود إليه الكلاب والخيل وغيرها من الحيوانات النجسة ، فحينئذ يقولون : ( أيها الرب الإله أعدنا نحن أيضا إلى هذا التراب ولكن لا يعطون سؤلهم ) .

    الفصل الثامن و الخمسون

    وبينما كان يتكلم يسوع بكى التلاميذ بمرارة ، وأذرف يسوع عبرات كثيرة ، وبعد أن بكى يوحنا قال : ( يا معلم نحب أن نعرف أمرين ، أحدهما كيف يمكن رسول الله وهو مملوء رحمة أن لا يشفق على هؤلاء المنبوذين في ذلك اليوم وهم من نفس الطين الذي هو منه ، والآخر ما المراد من كون ثقل سيف ميخائيل كعشر جحيمات ؟ هل هناك إذاً أكثر من جحيم ؟ ) أجاب يسوع : أما سمعتم ما يقول داود النبي كيف يضحك البار من هلاك الخطاة فيستهزئ بالخاطئ بهذه الكلمات قائلا : ( رأيت الإنسان الذي اتكل على قوته وغناه ونسي الله ) فالحق أقول لكم أن ابراهيم سيستهزئ بأبيه وآدم بالمنبوذين كلهم ، وإنما يكون هذا لأن المختارين سيقومون كاملين ومتحدين بالله ، حتى أنه لا يخالج عقولهم أدنى فكر ضد عدله ، ولذلك سيطلب كل منهم إقامة العدل ولا سيما رسول الله ، لعمر الله الذي أقف في حضرته مع أني الآن أبكي شفقة على الجنس البشري لأطلبن في ذلك اليوم عدلا بدون رحمة لهؤلاء الذين يحتقرون كلامي ، ولا سيما أولئك الذين ينجسون إنجيلي .

    الفصل التاسع و الخمسون

    يا تلاميذي إن الجحيم واحدة وفيها يعذب الملعونون إلى الأبد ، إلا أن لها سبع طبقات أو دركات الواحدة منها أعمق من الأخرى ، ومن يذهب إلى أبعدها عمقا يناله عقاب أشد ، ومع ذلك فان كلامي صادق في سيف الملاك ميخائيل لأن من لا يرتكب إلا خطيئة واحدة يستحق جحيما ومن يرتكب خطيئتين يستحق جحيمين ، فلذلك يشعر المنبوذون وهم في جحيم واحد بقصاص كأنهم به في عشر جحيمات أوفي مائة أوفي ألف ، والله القادر على كل شيء سيجعل بقوته وبعدله الشيطان يكابد عذابا كأنه في ألف ألف جحيم ، والباقين كلا على قدر إثمه ، أجاب حينئذ بطرس: يا معلم حقا إن عدل الله عظيم ولقد جعلك اليوم هذا الخطاب حزينا ، لذلك نضرع إليك أن تستريح وغدا أخبرنا أي شيء يشبه الجحيم ، أجاب يسوع : يا بطرس انك تقول لي أن أستريح وأنت لا تدري يا بطرس ما أنت قائل وإلا لما تكلمت هكذا ، الحق أقول لكم أن الراحة في هذا العالم إنما هي سم التقوى والنار التي تأكل كل صالح ، أنسيتم إذاً كيف أن سليمان نبي الله وسائر الأنبياء قد نددوا بالكسل ، حق ما يقول : ( الكسلان لا يحرث خوفا من البرد فهو لذلك يتسول في الصيف ) لذلك قال : ( كل ما تقدر يدك على فعله فإفعله بدون راحة ) وماذا يقول أيوب أبر أخلاء الله : (كما أن الطير مولود للطيران الإنسان مولود للعمل ) الحق أقول لكم أني أعاف الراحة أكثر من كل شيء .

    الفصل الستون

    الجحيم واحدة وهي ضد الجنة كما أن الشتاء هو ضد الصيف والبرد ضد الحر ، فلذلك يجب على من يصف شقاء الجحيم أن يكون قد رأى جنة نعيم الله ، يا له من مكان ملعون بعدل الله لأجل لعنة الكافرين والمنبوذين ، الذين قال عنهم أيوب خليل الله : ( ليس من نظام هناك بل خوف أبدي ) ويقول إشعيا النبي في المنبوذين : ( إن لهيبهم لا ينطفئ ودودهم لا يموت ) وقال داود أبونا باكيا : ( حينئذ يمطر عليهم برقا وصواعق وكبريتا وعاصفة شديدة ) تبا لهم من خطاة تعساء ما أشد كراهتهم حينئذ للحوم الطيبة والثياب الثمينة والأرائك الوثيرة وألحان الغناء الرخيمة ، ما أشد ما يسقمهم الجوع واللهب اللذاعة والجمر المحرق والعذاب الأليم مع البكاء المر الشديد ) ثم أنّ يسوع أنـّة أسف قائلا : حقا خير لهم لو لم يكونوا من أن يعانوا هذا العذاب الأليم ، تصوروا رجلا يعاني العذاب في كل جارحة من جسده وليس ثم من يرثي له بل الجميع يستهزئون به ، أخبروني ألا يكون هذا ألما مبرحا ؟ فأجاب التلاميذ : أشد تبريح ، فقال يسوع : إن هذا لنعيم الجحيم ، لأني أقول لكم بالحق أنه لو وضع الله في كفة كل الآلام التي عاناها الناس في هذا العالم والتي سيعانونها حتى يوم الدين وفي الكفة الأخرى ساعة واحدة من ألم الجحيم لإختار المنبوذون بدون ريب المحن العالمية ، لأن العالمية تأتي على يد الإنسان أما الأخرى فعلى يد الشياطين الذين لا شفقة لهم على الإطلاق ، فما أشد الذي سيصلونه الخطاة الأشقياء ، ما أشد البرد القارس الذي لا يخفف لهبهم ، ما أشد صرير الأسنان والبكاء والعويل ، لأن ماء الأردن أقل من الدموع التي ستجري كل دقيقة من عيونهم ، وستلعن هنا ألسنتهم كل المخلوقات مع أبيهم وأمهم وخالقهم المبارك إلى الأبد .

    الفصل الحادي والستون

    ولما قال يسوع هذا اغتسل هو وتلاميذه طبقا لشريعة الله المكتوبة في كتاب موسى ، ثم صلوا ولما رآه التلاميذ كئيبا بهذا المقدار لم يكلموه ذلك اليوم مطلقا بل لبث كل منهم جزوعا من كلامه ، ثم فتح يسوع فاه بعد صلاة العشاء وقال : أي أبي أسرة ينام وقد عرف أن لصا عزم على نقب بيته ؟ ، لا أحد البتة ، بل يسهر ويقف متأهبا لقتل اللص ، أفلا تعلمون إذاً أن الشيطان أسد زائر يجول طالبا من يفترسه هو ، فهو يحاول أن يوقع الإنسان في الخطيئة ، الحق أقول لكم أن الإنسان إذا تحدى التاجر لا يخاف في ذلك اليوم لأنه يكون متأهبا جيدا ، كان رجل أعطى جيرانه نقودا ليتاجروا بها ويقسم الربح على نسبة عادلة ، فأحسن بعضهم التجارة حتى أنهم ضاعفوا النقود ولكن بعضهم استعمل النقود في خدمة عدو من أعطاهم النقود وتكلموا فيه بالسوء ، فقولوا لي كيف تكون الحال متى حاسب المديونين ؟ ، إنه بدون ريب يجزي أولئك الذين أحسنوا التجارة ، ولكنه يشفي غيظه من الآخرين بالتوبيخ ، ثم يقتص منهم بحسب الشريعة ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الجار هو الله الذي أعطى الإنسان كل ماله مع الحياة نفسها ، حتى أنه إذا أحسن المعيشة في هذا العالم يكون لله مجد ويكون للإنسان مجد الجنة ، لأن الذين يحسنون المعيشة يضاعفون نقودهم بكونهم قدوة ، لأنه متى رآهم الخطاة قدوة تحولوا إلى التوبة ، ولذلك يجزي الذين يحسنون المعيشة جزاءا عظيما ، ولكن قولوا لي ماذا يكون قصاص الخطاة الآثمة الذين بخطاياهم ينصَّفون ما أعطاهم الله بما يصرفون حياتهم في خدمة الشيطان عدو الله مجدفين على الله ومسيئين إلى الآخرين ؟ ، قال التلاميذ : إنه سيكون بغير حساب .

    الفصل الثاني والستون

    ثم قال يسوع : من يرد أن يحسن المعيشة فعليه أن يحتذي مثال التاجر الذي يقفل حانوته ويحرسه ليلا ونهارا بجد عظيم ، وإنما يبيع السلع التي اشتراها التماسا للربح ، لأنه لو علم أنه يخسر في ذلك لما كان يبيع حتى ولا الشقيقة ، فيجب عليكم أن تفعلوا هكذا لأن نفسكم إنما هي في الحقيقة تاجر ، والجسد هو الحانوت ، فلذلك كان ما يتطرق إليها من الخارج بواسطة الحواس يباع ويشرى بها ، والنقود هي المحبة ، فانظروا إذاً أن لا تبيعوا وتشتروا بمحبتكم أقل فكر لا تقدرون أن تصيبوا منه ربحا ، بل ليكن الفكر والكلام والعمل جميعا لمحبة الله ، لأنكم بهذا تجدون أمنا في ذلك اليوم ، الحق أقول لكم أن كثيرين يغتسلون ويذهبون للصلاة ، وكثيرون يصومون ويتصدقون ، وكثيرون يطالعون ويبشرون الآخرين ، وعاقبتهم ممقوتة عند الله ، لأنهم يطهرون الجسد لا القلب ، ويصرخون بالفم لا بالقلب ، يمتنعون عن اللحوم ويملؤون أنفسهم بالخطايا ، يهبون الآخرين أشياء غير نافعة لهم أنفسهم ليظهروا بمظهر الصلاح ، يطالعون ليعرفوا كيف يتكلمون لا ليعملوا ، ينهون الآخرين عن الأشياء التي يفعلونها هم أنفسهم ، وهكذا يدانون بألسنتهم ، لعمر الله أن هؤلاء لا يعرفون الله بقلوبهم ، لأنهم لو عرفوه لأحبوه ، ولما كان كل ما للإنسان هبة من الله كان عليه أن يصرف كل شيء في محبة الله .
                  

02-21-2008, 01:23 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الى جميع الاخوة المتداخلين(بلة و Lyli , رأفت) (Re: Waeil Elsayid Awad)

    اخوانى الاعزاء

    انا اؤمن بالمسيح كرسول كريم من اولى العزم من الرسل احبه كحبيبى محمد رسول الله
    و احب امه مريم العذراء (وعلى اسمها اسميت ابنتى )

    هذا الكتاب موجود(وان كان غير متوفر بكثرة) و عليه كثير من الردود (والنقد كوثيقة تاريخية) من حق القراء المهتمين
    بالاديان ان يطلعوا عليه اولا ثم بعد ذلك بالمكان تناوله بالنقد و التحليل

    الكثير من الناس سمعوا عن هذا الكتاب الا انهم لم يتحصلوا عليه ما فعلته انى طبعته حتى يكون فى متناول الباحثين.

    التشنج افة كل المتعصبين

    عندى كثير من الاسئلة اود طرحها للنقاش هنا عن مدى قانونية اسفار العهد الجديد و على اى اساس تم اختيار الانجايل الاربعة
    المعتمدة حاليا (متى و مرقص ويوحنا و لوقا) مع وجود عشرات الاناجيل الاخرى.

    تحياتى
                  

02-23-2008, 11:02 AM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصل الثالث والستون (Re: Waeil Elsayid Awad)

    الفصل الثالث والستون

    وبعد أيام مر يسوع بجانب مدينة للسامريين فلم يأذنوا له أن يدخل المدينة ولم يبيعوا خبزا لتلاميذه ، فقال يعقوب ويوحنا عندئذ : يا معلم ألا تريد أن تضرع إلى الله ليرسل نارا من السماء على هؤلاء الناس ؟ ، أجاب يسوع : إنكم لا تعلمون أي روح يدفعكم لتتكلموا هكذا ، اذكروا أن الله عزم على إهلاك نينوى لأنه لم يجد أحدا يخاف الله في تلك المدينة التي بلغ من شرها أن دعا الله يونان النبي ليرسله إلى تلك المدينة ، فحاول الهروب إلى طرسوس خوفا من الشعب ، فطرحه الله في البحر ، فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى ، فلما بشر هناك تحول الشعب إلى التوبة ، فرأف الله بهم ، ويل للذين يطلبون النقمة لأنها إنما تحل بهم ، لأن كل إنسان يستحق نقمة الله ، ألا فقولوا لي هل خلقتم هذه المدينة مع هذا الشعب ؟ إنكم لمجانين ؟ ، كلا ثم كلا ، إذ لو اجتمعت الخلائق جميعها لما أتيح لها أن تخلق ذبابة واحدة جديدة من لا شيء وهذا هو المراد بالخلق ، فإذا كان الله المبارك الذي خلق هذه المدينة يعولها فلماذا تودون هلاكها ، لماذا لم تقل : أتريد يا معلم أن نضرع للرب إلهنا أن يتوجه هذا الشعب للتوبة ؟ ، حقا إن هذا لهو العمل الجدير بتلميذ لي أن يضرع إلى الله لأجل الذين يفعلون شرا ، هكذا فعل هابيل لما قتله أخوه قايين الملعون من الله ، وهكذا فعل ابراهيم لفرعون الذي أخذ منه زوجته ، فلذلك لم يقتله ملاك الرب بل ضربه بمرض ، وهكذا فعل زكريا لما قتل في الهيكل بأمر الملك الفاجر ، وهكذا فعل إرميا وإشعيا وحزقيال ودانيال وداود وجميع أخلاء الله والأنبياء الأطهار ، قولوا لي إذا أصيب أخ بجنون أتقتلونه لأنه تكلم سوءا وضرب من دنا منه ؟ ، حقا أنكم لا تفعلون هكذا بل بالحري تحاولون أن تسترجعون صحته بالأدوية الموافقة لمرضه .

    الفصل الرابع والستون

    لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الخاطئ لمريض العقل متى اضطهد إنسانا ، فقولوا لي أيشج أحد رأسه لتمزيق رداء عدوه ؟ ، فكيف يكون صحيح العقل من يفصل عن الله رأس نفسه ليضر جسد عدوه ، قل لي أيها الإنسان من هو عدوك ؟ ، إنما هو جسدك وكل من يمدحك ؟ ، فلذلك لو كنت صحيح العقل لقبلت يد الذين يعيرونك ، وقدمت هدايا للذين يضطهدونك ويوسعونك ضربا ، ذلك أيها الإنسان لأنك كلما عيرت واضطهدت في هذه الحياة لأجل خطاياك قلّ ذلك عليك في يوم الدين ، ولكن قل لي أيها الإنسان إذا كان العالم قد اضطهد وثلم صيت القديسين وأنبياء الله وهم أبرار فماذا يفعل بك أيها الخاطئ ؟ ، وإذا كانوا قد احتملوا كل شيء بصبر مصلين لأجل مضطهديهم فماذا تفعل أنت أيها الإنسان الذي يستحق الجحيم ؟ ، قولوا لي يا تلاميذي ألا تعلمون أن شمعاي لعن عبد الله داود النبي ورماه بالحجارة ، فماذا قال داود للذين ودوا أن يقتلوا شمعاي ؟ ، ماذا يعنيك يا أيوب حتى أنك تود أن تقتل شمعاي ، دعه يلعنني لأن هذا بإرادة الله الذي سيحول هذه اللعنة إلى بركة ، وهكذا كان لأن الله رأى صبر داود وأنقذه من اضطهاد ابنه ابشالوم ، حقا لا تتحرك ورقة بدون إرادة الله ، فإذا كنت في ضيق فلا تفكر في مقدار ما احتملت ولا فيمن أصابك بمكروه ، بل تأمل كم تستحق أن يصيبك على يد الشياطين في الجحيم بسبب خطاياك ، إنكم حانقون على هذه المدينة لأنها لم تقبلنا ، ولم تبع لنا خبزا قولوا لي أهؤلاء القوم عبيدكم ؟ ، أوهبتموهم هذه المدينة ؟ ، أوهبتموهم حنطتهم ؟ أو ساعدتموهم في حصادها ؟ ، كلا ثم كلا ، لأنكم غرباء في هذه البلاد وفقراء ، فما هو إذاً هذا الشيء الذي تقوله ؟ ، فأجاب التلميذان : يا سيد إننا أخطأنا فليرحمنا الله ، فأجاب يسوع : ليكن كذلك .


    الفصل الخامس والستون

    وقرب عيد الفصح فلذلك صعد يسوع وتلاميذه إلى أورشليم ، وذهب إلى البركة التي تدعى بيت جسرا ، ودعى الحمام كذلك لأن ملاك الله كان يحرك الماء كل يوم ومن دخل الماء أولا بعد اضطرابه برئ من كل نوع من المرض ، لذلك كان يلبث عدد غفير من المرضى بجانب البركة التي كان لها خمسة أروقة ، فرأى يسوع مقعدا كان له هناك ثماني وثلاثين سنة مريضا بمرض عضال ، فلما كان يسوع عالما بذلك بالهام إلهي تحنن على المريض وقال له : أتريد أن تبرأ ، أجاب المقعد : يا سيد ليس لي أحد يضعني في الماء متى حركه الملاك بل عندما آتى ينزل قبلي آخر ويدخله ، حينئذ رفع يسوع عينيه نحو السماء وقال : أيها الرب إلهنا إله آبائنا ارحم هذا المقعد ، ولما قال يسوع هذا : (( قال بإسم الله ابرأ أيها الأخ قم واحمل فراشك )) فحينئذ قام المقعد حامدا لله ، وحمل فراشه على كتفيه وذهب إلى بيته حامدا لله ، فصاح الذين رأوه : إنه يوم السبت فلا يحل لك أن تحمل فراشك ، فأجاب : إن الذي أبرأني قال لي : ( ارفع فراشك وإذهب في طريقك إلى بيتك ) فحينئذ سألوه : من هو ، أجاب : إني لا أعرف اسمه ، فقالوا عندئذ فيما بينهم : لابد أن يكون يسوع الناصري ، وقال آخرون : كلا لأنه قدوس الله أما الذي فعل هذا فهو أثيم لأنه كسر السبت ، وذهب يسوع إلى الهيكل فدنا منه جم غفير ليسمعوا كلامه ، فإضطرم الكهنة لذلك حسدا .


    الفصل السادس والستون

    وجاء إليه واحد قائلا : أيها المعلم الصالح إنك تعلم حسنا وحقا ، لذلك قل لي ما هو الجزاء الذي يعطينا إياه الله في الجنة ؟ ، أجاب يسوع : إنك تدعوني صالحا وأنت لا تعلم أن لا صالح إلا الله وحده كما قال أيوب خليل الله : ( الطفل الذي عمره يوم ليس نقيا بل إن الملائكة ليست منزهة عن الخطأ أمام الله ) وقال أيضا : ( إن الجسد يجذب الخطيئة ويمتص الإثم كما تمتص أسفنجة الماء ) فصمت لذلك الكاهن لأنه فشل ، وقال يسوع : الحق أقول لكم لا شيء أشد خطرا من الكلام ، لأنه هكذا قال سليمان : ( الحياة والموت هما تحت سلطة اللسان ) والتفت إلى تلاميذه وقال : احذروا الذين يباركونكم لأنهم يخدعونكم ، فباللسان بارك الشيطان أبوينا الأولين ولكن كانت عاقبة كلامه شقاء ، هكذا أيضا بارك حكماء مصر فرعون ، هكذا بارك جليات الفلسطينيين ، هكذا بارك أربع مائة نبي كاذب أخاب ، ولكن لم يكن مدحهم إلا باطلا فهلك الممدوحون مع المادحين ، لذلك لم يقل الله بلا سبب على لسان إشعيا النبي : ( يا شعبي إن الذين يباركونك يخدعونك ) ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون ، ويل لكم أيها الكهنة واللاويون لأنكم أفسدتم ذبيحة الرب ، حتى أن الذين جاءوا ليقدموا الذبائح يعتقدون أن الله يأكل لحما مطبوخا كالإنسان .


    الفصل السابع والستون

    لأنكم تقولون لهم : (( أحضروا من غنمكم وثيرانكم وحملانكم إلى هيكل إلهكم ولا تأكلوا الجميع بل أعطوا نصيبا لإلهكم مما أعطاكم )) ولكنكم لا تخبرونهم عن أصل الذبيحة أنها شهادة الحياة التي أنعم بها على ابن أبينا ابراهيم ، حتى لا ينسى إيمان وطاعة أبينا ابراهيم مع المواعيد الموثقة معه من الله والبـركة الممنوحة له ، ولكن يقول الله على لسان حزقيـال النبي : ( ابعدوا عني ذبائحكم هذه إن ضحاياكم مكروهة عندي ) لأنه يقترب الوقت الذي يتم فيه ما تكلم عنه إلهنا على لسان هوشع النبي قائلا : ( أني أدعو الشعب غير المختار مختارا ) وكما يقول في حزقيال النبي : ( سيعمل الله ميثاقا جديدا مع شعبه ليس نظير الميثاق الذي أعطاه لآبائكم فلم يفوا به وسيأخذ منهم قلبا من حجر ويعطيهم قلبا جديدا ) وسيكون كل هذا لأنكم لا تسيرون الآن بحسب شريعته وعندكم المفتاح ولا تفتحون بل بالحري تسدون الطريق على الذين يسيرون فيها ) وهم الكاهن بالإنصراف ليخبر رئيس الكهنة الذي كان واقفا على مقربة من الهيكل بكل شيء ، ولكن يسوع قال : قف لأني أجيبك على سؤالك .
    الفصل الثامن والستون

    سألتني أن أخبرك ما يعطينا الله في الجنة ، الحق أقول لكم أن الذين يهتمون بالأجرة لا يحبون صاحب العمل ، فالراعي الذي عنده قطيع من الغنم متى رأى الذئب مقبلا يتهيأ للمحاماة عنه ، وبالضد منه الأجير الذي متى رأى الذئب ترك الغنم وهرب ، لعمر الله الذي أقف في حضرته لو كان إله آبائنا إلهكم لما خطر في بالكم أن تقولوا : ماذا يعطيني الله ، بل كنتم تقولون كما قال داود نبيه : ( ماذا أعطى الله من أجل جزاء ما أعطاني ) إني أضرب لكم مثلا لتفهموا ، كان ملك عثر في الطريق على رجل جردته اللصوص الذين أثخنوه جراحا حتى الموت ، فتحنن عليه وأمر عبيده أن يحملوا ذلك الرجل إلى المدينة ويعتنوا به ففعلوا هذا بكل جد ، وأحب الملك الجريح حبا عظيما حتى أنه زوجه من ابنته وجعله وريثه ، فلا مراء في أن هذا الملك كان رؤوفاً جداً ، ولكن الرجل ضرب العبيد واستهان بالأدوية وامتهن امرأته وتكلم بالسوء في الملك وحمل عماله على عصيانه ، وكان إذا طلب الملك منه خدمة قال: ( ما هو الجزاء الذي يعطيني إياه الملك ؟ ) فماذا فعل الملك بمثل هذا الكنود عندما سمع هذا ؟ ، فأجاب الجميع : ويل له لأن الملك نزع منه كل شيء ونكل به تنكيلا .

    فقال حينئذ يسوع : أيها الكهنة والكتبة والفريسيون وأنت يا رئيس الكهنة الذي تسمع صوتي إني أعلن لكم ما قال الله لكم على لسان نبيه إشعيا : ( ربيت عبيدا ورفعت شأنهم أما هم فامتهنوني ) إن الملك لهو إلهنا الذي وجد إسرائيل في هذا العالم مفعما شقاء ، فأعطاه لعبيده يوسف وموسى وهرون الذين اعتنوا به ، وأحبه إلهنا حبا شديدا حتى أنه لأجل شعب إسرائيل ضرب مصر وأغرق فرعون وهزم مائة وعشرين ملكا من الكنعانيين والمدينيين، وأعطاه شرائعه جاعلا إياه وارثا لكل تلك البلاد التي يقيم فيها شعبنا، ولكن كيف تصرف إسرائيل ؟ كم قتل من الأنبياء ، كم نجس نبوة ، كيف عصى شريعة الله ، كم وكم تحول أناس عن الله لذلك السبب وذهبوا ليعبدوا الأوثان بذنبكم أيها الكهنة ، فلكم تمتهنون الله بسلوككم والآن تسألونني : ماذا يعطينا الله في الجنة ؟ ، فكان يجب عليكم أن تسألوني : أي قصاص يعطيكم الله إياه في الجحيم وماذا يجب عليكم فعله لأجل التوبة الصادقة ليرحمكم الله ؟ ، فهذا ما أقوله لكم ولهذه الغاية أرسلت إليكم .

    الفصل التاسع والستون

    لعمر الله الذي أقف في حضرته أنكم لا تنالون مني تملقا بل الحق ، لذلك أقول لكم توبوا وارجعوا إلى الله كما فعل آباؤنا بعد ارتكاب الذنب ولا تقسوا قلوبكم ، فإحتدم الكهنة لهذا الخطاب ولكنهم لم ينبسوا بكلمة خوفا من الشعب ، واستمر يسوع في كلامه قائلا : أيها الفقهاء والكتبة والفريسيون وأنتم أيها الكهنة قولوا لي ، إنكم لراغبون في الخيل كالفوارس ولكنكم لا ترغبون في المسير إلى الحرب ، إنكم لراغبون في الألبسة الجميلة كالنساء ولكنكم لا ترغبون في الغزل وتربية الأطفال ، إنكم لراغبون في أثمار الحقل ولكنكم لا ترغبون في حراثة الأرض ، إنكم لراغبون في أسماك البحر ولكنكم لا ترغبون في صيدها، إنكم لراغبون في المجد كالجمهوريين ولكنكم لا ترغبون في عبء الجمهورية ، وإنكم لراغبون في الأعشار والباكورات كالكهنة ولكنكم لا ترغبون في خدمة الله بالحق، إذاً ماذا يفعل الله بكم وأنتم راغبون هنا في كل خير بدون أدنى شر ، الحق أقول لكم أن الله ليعطينكم مكانا يكون لكم فيه كل شر دون أدنى خير، ولما أكمل هذا يسوع جيء برجل فيه شيطان وهو لا يتكلم ولا يبصر ولا يسمع، فلما رأى يسوع إيمانهم رفع عينيه نحو السماء وقال : أيها الرب إله آبائنا ارحم هذا المريض وأعطه صحة ليعلم هذا الشعب أنك أرسلتني ، ولما قال يسوع هذا أمر الروح أن ينصرف قائلا : بقوة اسم الله ربنا انصرف أيها الشرير عن الرجل ، فانصرف الروح وتكلم الأخرس وأبصر بعينيه ، فارتاع لذلك الجميع ولكن الكتبة قـالوا : إنما هو يخرج الشياطين بقوة بعلزبوب رئيس الشياطين ، حينئذ قال يسوع : كل مملكة منقسمة على نفسها تخرب ويسقط بيت على بيت ، فإذا كان يخرج الشيطان بقوة الشيطان فكيف ثبتت مملكته ، وإذا كان أبناؤكم يخرجون الشياطين بالكتاب الذي أعطاهم إياه سليمان النبي فهم يشهدون أني أخرج الشيطان بقوة الله ، لعمر الله أن التجديف على الروح القدس لا مغفرة له لا في هذا العالم ولا في العالم الآخر ، لأن الشرير ينبذ نفسه عالما مختارا ولما قال يسوع هذا خرج من الهيكل ، فعظمته العامة لأنهم أحضروا كل المرضى الذين تمكنوا من جمعهم فصلى يسوع ومنحهم جميعهم صحتهم ، لذلك أخذت الجنود الرومانية في أورشليم بوسوسة الشيطان تثير العامة في ذلك اليوم قائلين أن يسوع إله إسرائيل قد أتى ليفتقد شعبه .

    الفصل السبعون

    وانصرف يسوع من أورشليم بعد الفصح ودخل حدود قيصرية فيلبس ، فسأل تلاميذه بعد أن أنذره الملاك جبريل بالشغب الذي نجم بين العامة قائلا : ماذا يقول الناس عني ؟ ، أجابوا : يقول البعض أنك إيليا وآخرون إرميا وآخرون أحد الأنبيـاء ، أجاب يسوع : وما قولكم أنتم فيّ ؟ ، أجاب بطرس : إنك المسيح بن الله ، فغضب حينئذ يسوع وانتهره بغضب قائلا : اذهب وانصرف عني لأنك أنت الشيطان وتحاول أن تسيء إلي ، ثم هدد الأحد عشر قائلا : ويل لكم إذا صدقتم هذا لأني ظفرت بلعنة كبيرة من الله على كل من يصدق هذا ، وأراد أن يطرد بطرس ، فتضرع حينئذ الأحد عشر إلى يسوع لأجله فلم يطرده ، ولكنه انتهره أيضا قائلا : حذار أن تقول مثل هذا الكلام مرة أخرى لأن الله يلعنك ، فبكى بطرس وقال : يا سيد لقد تكلمت بغباوة فاضرع إلى الله أن يغفر لي ، ثم قال يسوع : إذا كان إلهنا لم يرد أن يظهر نفسه لموسى عبده ولا لإيليا الذي أحبه كثيرا ولا لنبي ما ، أتظنون أن الله يظهر نفسه لهذا الجيل الفاقد الإيمان بل ألا تعلمون أن الله قد خلق بكلمة واحدة كل شيء من العدم وأن منشأ البشر جميعهم من كتلة طين ؟ ، فكيف إذاً يكون الله شبيها بالإنسان ؟ ، ويل للذين يدَعون الشيطان يخدعهم ، ولما قال يسوع هذا ضرع إلى الله لأجل بطرس والأحد عشر وبطرس يبكون ويقولون : ليكن كذلك أيها الرب المبارك إلهنا ، وانصرف يسوع بعد هذا وذهب إلى الجليل إخمادا لهذا الرأي الباطل الذي ابتدأ أن يعلق بالعامة في شأنه .

    الفصل الحادي والسبعون

    ولما بلغ يسوع بلاده ذاع في جهة الجليل كلها أن يسوع النبي قد جاء إلى الناصرة ، فتفقدوا عندئذ المرضى بجد وأحضروهم إليه متوسلين إليه أن يلمسهم بيديه ، وكان الجمع غفيرا جدا حتى أن غنيا مصابا بالشلل لما لم يمكن إدخاله في الباب حمل إلى سطح البيت الذي كان فيه يسوع وأمر القوم برفع السقف ودلى على ملاء أمام يسوع ، فتردد يسوع دقيقة ثم قال : لا تخف أيها الأخ لأن خطاياك قد غُفرت لك ، فاستاء كل أحد لسماع هذا وقالوا : من هذا الذي يغفر الخطايا ؟ ، فقال حينئذ يسوع : لعمر الله أني لست بقادر على غفران الخطايا ولا أحد آخر ولكن الله وحده يغفر ، ولكن كخادم لله أقدر أن أتوسل إليه لأجل خطايا الآخرين ، لهذا توسلت إليه لأجل هذا المريض وإني موقن بأن الله قد استجاب دعائي ، ولكي تعلموا الحق أقول لهذا الإنسان : بإسم إله آبائنا إله ابراهيم وأبنائه قم معافى ، ولما قال يسوع هذا قام المريض معافى ومجـّد الله ، حينئذ توسل العامة إلى يسوع ليتوسل إلى الله لأجل المرضى الذين كانوا خارجا ، فخرج حينئذ يسوع إليهم ثم رفع يديه وقال : أيها الرب إله الجنود الإله الحي الإله الحقيقي الإله القدوس الذي لا يموت ألا فارحمهم ، فأجاب كل أحد : آمين، وبعد أن قيل هذا وضع يسوع يديه على المرضى فنالوا جميعهم صحتهم ، فحينئذ مجدوا الله قائلين : لقد افتقدنا الله بنبيه فإن الله أرسل لنا نبيا عظيما .

    الفصل الثاني والسبعون

    وفي الليل تكلم يسوع سرا مع تلاميذه قائلا : الحق أقول لكم أن الشيطان يريد أن يغربلكم كالحنطة ، ولكني توسلت إلى الله لأجلكم فلا يهلك منكم إلا الذي يلقى الحبائل لي وهو إنما قال هذا عن يهوذا لأن الملاك جبريل قال له كيف كانت ليهوذا يد مع الكهنة وأخبرهم بكل ما تكلم به يسوع ، فاقترب الذي يكتب هذا إلى يسوع بدموع قائلا : يا معلم قل لي من هو الذي يسلمك ؟ ، أجاب يسوع قائلا : يا برنابا ليست هذه الساعة هي التي تعرفه فيها ولكن يعلن الشرير نفسه قريبا لأني سأنصرف عن العالم ، فبكى حينئذ الرسل قائلين : يا معلم لماذا تتركنا لأن الأحرى بنا أن نموت من أن تتركنا ، أجاب يسوع : لا تضطرب قلوبكم ولا تخافوا ، لأني لست أنا الذي خلقكم بل الله الذي خلقكم يحميكم ، أما من خصوصي فاني قد أتيت لأهيِّء الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم ، ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي ، حينئذ قال اندراوس : يا معلم اذكر لنا علامة لنعرف ، أجاب يسوع : إنه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدكم بعدة سنين حينما يبطل إنجيلي ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا ، في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله وهو سيظهره للعالم ، وسيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم ، وأني أسر بذلك لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي ، وسينتقم من الذين سيقولون أني أكبر من إنسان ، الحق أقول لكم أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذه كفيًّه ، فليحذر العالم أن ينبذه لأنه سيفتك بعبدة الأصنام ، فإن موسى عبد الله قتل أكثر من ذلك كثيرا ولم يبق يشوع على المدن التي أحرقوها وقتلوا الأطفال ، لأن القرحة المزمنة يستعمل لها الكي ، وسيجيء بحق أجلى من سائر الأنبياء وسيوبخ من لا يحسن السلوك في العالم ، وستحيِّي طربا أبراج مدينة آبائنا بعضها بعضا ، فمتى شوهد سقوط عبادة الأصنام إلى الأرض واعترف بأني بشر كسائر البشر فالحق أقول لكم أن نبي الله حينئذ يأتي .

    الفصل الثالث والسبعون

    الحق أقول لكم أنه إذا حاول الشيطان أن يعرف هل أنتم أخلاء الله وتمكن من بلوغ مأربه منكم فإنه يسمح لكم أن تسيروا بحسب أهوائكم إذ لا يهاجم أحد مدنه ، ولكن لما كان يعلم أنكم أعداؤه فسيستعمل كل عنف ليهلككم ، ولكن لا تخافوا فإنه سيقاومكم ككلب مربوط لأن الله قد سمع صلاتي ، أجاب يوحنا : يا معلم أخبرنا كيف يقف المجرب القديم بالمرصاد للإنسان ليس لأجلنا نحن فقط بل لأجل الذين سيؤمنون بالإنجيل أيضا أجاب يسوع : إن ذلك الشرير يجرب بأربع طرق ، الأولى عندما يجرب هو نفسه بالأفكار ، الثانية عندما يجرب بالكلام والأعمال بواسطة خدمه ، الثالثة عندما يجرب بالتعليم الكاذب ، الرابعة عندما يجرب بالتخييل الكاذب ، إذاً يجب على البشر أن يحاذروا كثيرا ولا سيما لأن له عونا من جسد الإنسان الذي يحب الخطيئة كما يحب المحموم الماء ، الحق أقول لكم أنه إذا خاف الإنسان الله انتصر على كل شيء كما يقول داود نبيه : ( سيسلمك الله إلى عناية ملائكته الذين يحفظون طرقك لكيلا يعثرك الشيطان ، يسقط ألف عن شمالك وعشرة آلاف عن يمينك لكيلا يقربوك ، ووعد أيضا إلهنا بمحبة عظيمة على لسان داود المذكور أن يحفظنا قائلا : ( إني أمنحك فهما يثقفك وكيفما سلكت في طرقك أجعل عيني تقع عليك ) ولكن ماذا أقول ؟ ، لقد قال على لسان إشعيا : ( أتنسى الأم طفل رحمها ؟ ولكن أقول لك إن هي نسيت فإني لا أنساك ، إذاً قولوا لي من يخاف الشيطان إذا كانت الملائكة حراسه والله الحي حاميه ؟ ، ومع ذلك فمن الضروري كما يقول النبي سليمان أن : ( تسعد أنت يا بني الذي صرت تخاف الله للتجارب ) الحق أقول لكم أنه على الإنسان أن يحتذي مثال الصيرفي الذي يتحرى النقود ممتحنا أفكاره لكيلا يخطئ إلى خالقه .

    الفصل الرابع والسبعون

    كان ولا يزال في العالم قوم لا يبالون بالخطيئة وإنما هم لعلى أعظم ضلال ، قولوا لي كيف أخطأ الشيطان ؟ ، إنه أخطأ لمجرد الفكر بأنه أعظم شأنا من الإنسان ، وأخطأ سليمان لأنه فكر في أن يدعو كل خلائق الله لوليمة فأصلحت خطأه سمكة إذ أكلت كل ما كان قد هيأه ، لذلك لم يكن بلا باعث ما يقول داود أبونا : ( استعلاء الإنسان في نفسه يهبط به في وادي الدموع ) لذلك ينادي الله على لسان إشعيا نبيه قائلا : ( ابعدوا أفكاركم الشريرة عن عيني ) ولأي غاية يرمي سليمان إذ يقول : ( احفظ قلبك كل الحفظ ) لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته يقال كل شيء في الأفكار الشريرة التي تكون باعثا على ارتكاب الخطيئة لأنه لا يمكن ارتكاب الخطيئة بدون فكر ، ألا قولوا لي متى غرس الزارع الكرم ألا يزرع النبات على عمق غائر ؟ ، بلى ، وهكذا يفعل الشيطان الذي إذا زرع الخطيئة لا يقف عند العين أو الأذن بل يتعدى إلى القلب الذي هو مستقر الله ، كما تكلم على لسان موسى عبده قائلا : ( إني أسكن فيهم ليسيروا في شريعتي ) ألا قولوا لي إذا عهد إليكم هيرودس الملك لتحفظوا بيتا ودّ سكناه أتبيحون لبلاطس عدوه أن يدخله أو يضع أمتعته فيه ؟ ، كلا ثم كلا ، فبالحري يجب عليكم ألا تبيحوا للشيطان أن يدخل قلوبكم أو يضع أفكاره فيها ، لأن الله أعطاكم قلبكم لتحفظوه وهو مسكنه ، لاحظوا إذاً كيف أن الصيرفي ينظر في النقود هل صورة قيصر صحيحة وهل الفضة صحيحة أم كاذبة وهل هي من العيار المعهود ، لذلك يقلبها كثيرا في يده ، أيها العالم المجنون ما أحكمك في شغلك حتى أنك في اليوم الأخير توبخ وتحكم على خدم الله بالإهمال والتهاون لأن خدمك دون ريب أحكم من خدم الله ! ، قولوا لي إذاً من يمتحن فكرا كما يمتحن الصيرفي قطعة نقود فضية ؟ ، لا أحد مطلقا .

    الفصل الخامس والسبعون

    حينئذ قال يعقوب : يا معلم كيف يكون امتحان الفكر شبيها بامتحان قطعة نقود ؟ ، أجاب يسوع : إن الفضة الجديدة في الفكر إنما هي التقوى لأن كل فكر عار من التقوى يأتي من الشيطان ، والصورة الصحيحة إنما هي قدوة الأطهار والأنبياء التي يجب علينا اتباعها ، وزنة الفكر إنما هي محبة الله التي يجب أن يعمل بموجبها كل شيء ، ولذلك يأتي العدو إلى هناك بأفكار تنافي التقوى جيرانكم مطابقة للعالم ليفسد الجسد وللمحبة العالمية ليفسد محبة الله ، أجاب برتولومايوس : يا معلم كيف نفكر قليلا حتى لا نقع في التجربة ؟ ، أجاب يسوع: يلزمكم شيئان ، الأول أن تتمرنوا كثيرا ، والثاني أن تتكلموا قليلا ، لأن الكسل مرحاض يتجمع فيه كل منكر نجس ، والإكثار من التكلم أسفنجة تلتقط الآثام ، فيلزم أن لا يكون عملكم قاصر على تشغيل الجسد فقط بل يجب أن تكون النفس أيضا مشتغلة بالصلاة ، لأنه يجب أن لا تنقطع عن الصلاة أبدا ، إني أضرب لكم مثلا : كان رجل سيء الأداء فلذلك لم يقبل أحد من الذين يعرفونه أن يحرث حقوله ، فقال قول الشرير : ( إني أذهب إلى السوق لأجد قوما كسالى بطالين فيجيئون ليحرثوا كرمي ) فخرج هذا الرجل من بيته ووجد كثيرين من الغرباء البطالين المفاليس ، فكلم هؤلاء وقادهم إلى كرمه ، أما الذين كانوا قد عرفوه واشتغلوا معه قبلا فلم يذهب منهم أحد إلى هناك ، فالذي يسيء الأداء هو الشيطان ، لأنه يعطى شغلا فيكون جزاء الإنسان في خدمته النيران الأبدية ، فهو لذلك قد خرج من الجنة ويجول باحثا عن فعلة ، وهو إنما يأخذ لعمله الكسالى أيا كانوا على الخصوص الذين لا يعرفونه ، ولا يكفي مطلقا للهرب من الشر أن يعرفه الإنسان لينجو منه بل يجب فعل الصالحات للتغلب عليه .

    الفصل السادس والسبعون

    إني أضرب لكم مثلا ، كان لرجل ثلاثة كروم أجَّرها لثلاثة كرَّامين ، ولما لم يعرف الأول كيف يحرث الكرم لم يخرج الكرم سوى أوراق ، أما الثاني فعلَّم الثالث كيف يجب أن تحرث الكروم ، فأصغى لكلماته وحرث كرمه كما أرشده فأتى كرم الثالث بثمر كثير ، ولكن الثاني أهمل حراثة كرمه صارفا وقته في التكلم فقط ، فلما حان الوقت لدفع الأجرة لصاحب الكرم قال الأول : ( يا سيد إني لا أعرف كيف يحرث كرمك لذلك لم يكن لي ثمر هذه السنة ) ، فأجاب السيد : ( يا غبي هل تسكن العالم وحدك حتى أنك لم تستشر كرامي الثاني الذي يعرف جيدا كيف تحرث الأرض ؟ فيتحتم عليك أداء حقي ) ، ولما قال هذا حكم عليه بالإشتغال في السجن إلى أن يدفع لسيده الذي رحم غرارته فأطلقه قائلا ( انصرف فاني لا أريد أن تشتغل بعد في كرمي ويكفيك أن أعطيك دينك ) ، وجـاء الثاني الذي قال له السيد : ( مرحبا بكرامي أين الثمار التي أنت مديون لي بها ، ومن المؤكد أنك لما كنت تعلم جيدا كيف تهذب الكروم فلا بد أن يكون الكرم الذي أجرتك إياه قد أتى بثمار كثيرة ) ، فأجاب الثاني : ( يا سيد إن كرمك آخذ في الإنحطاط لأني لم أشذب الشجر ولا حرثت الأرض والكرم لم يأت بثمر فلذلك لا أقدر أن أدفع لك ) ، ثم دعا السيد الثالث وقال له بإنذهال : ( لقد قلت لي أن هذا الرجل الذي أجرته الكرم الثاني قد أتم تعليمك حراثة الكرم الذي أجرتك إياه ، فكيف يمكن أن لا يأتي الكـرم الذي أجرته إياه هو بثمر مع أن التربة واحدة ؟ ) أجاب الثالث : ( يا سيد إن الكرم لا يحرث بالكلام فقط بل على من يريد استئجاره أن ينضح منه كل يوم عرق قميص ، وكيف يأتي أيها السيد كرم كرامك بثمر وهو لا يفعل سوى إضاعة الوقت بالكلام ؟ ، ولا ريب أيها السيد في أنه لو عمل ما قال لأعطاك أجرة الكرم لخمس سنين لأني أنا الذي لا أقدر على الكلام كثيرا أعطيتك أجرة سنتين ) فحنق السيد وقال للكرام بازدراء : ( إذاً أنت قد عملت عملا عظيما بعدم زبر الأشجار وتمهيد الكرم فلك إذاً علي جزاء عظيم ! ) ، ثم دعا خدمه وأمر بضربه بدون رحمة ، ثم وضعه في السجن تحت سيطرة خادم جاف كان يضربه كل يوم ، ولم يرد مطلقا أن يطلقه لأجل شفاعة أصدقائه .

    الفصل السابع والسبعون

    الحق أقول لكم أن كثيرين سيقولون لله يوم الدينونة : (( يا رب لقد بشرنا وعلَّمنا بشريعتك )) ، ولكن الحجـارة نفسها ستصرخ ضدهم قائلة : (( لما كنتم قد بشرتم الآخرين فبلسانكم قد أدنتم أنفسكم يا فاعلي الإثم )) ، قال يسوع : لعمر الله أن من يعرف الحق ويفعل عكسه يعاقب عقابا أليما حـتى تكاد الشياطين ترثي له ، ألا قولوا لي أللعلم أم العمل أعطانا الله الشريعة ؟ ، الحق أقول لكم أن غاية كل علم هي تلك الحكمة التي تفعل كل ما تعلم ، قولوا لي إذا كان أحد جالسا على المائدة ورأى بعينيه طعاما شهيا ولكنه اختار بيديه أشياء قذرة فأكلها ألا يكون مجنونا ؟ ، فقال التلاميذ : بلى البتة ، حينئذ قال يسوع : إنك لأنت أشد جنونا من كل المجانين أيها الإنسان الذي تعرف السماء بإدراكك وتختار الأرض بيديك ، الذي تعرف الله بإدراكك تشتهي العالم بهواك ، الذي تعرف ملذات الجنة بإدراكك وتختار بأعمالك شقاء الجحيم ، إنك لجندي باسل يا من تنبذ الحسام وتحمل الغمد لتحارب ! ، ألا تعلمون أن من يسير في الظلام يشتهي النور لا ليراه فقط بل ليرى الصراط المستقيم فيسير آمنا إلى الفندق ، ما أشقاك أيها العالم الذي يجب أن يحتقر ويمقت ألف مرة لأن إلهنا أراد دائما أن يمنحه معرفة الصراط بواسطة أنبيائه الأطهار ليسير إلى وطنه وراحته ، ولكنك أيها الشرير لم تمتنع عن الذهاب فقط بل فعلت ما هو شر من ذلك ، احتقرت النور ، لقد صح مَثل الجمل أنه لا يرغب أن يشرب من الماء الصافي لأنه لا يريد أن ينظر وجهه القبيح ، هكذا يفعل الغير صالح الذي يفعل الشر ، لأنه يكره النور لئلا تعرف أعماله ، أما ومن يؤتى حكمة ولا يكتفي بأن لا يفعل حسنا بل يفعل شرا من ذلك بأن يستخدمها للشـر فإنما يشبه من يستعمل الهبات أدوات لقتل الواهب .
                  

02-25-2008, 10:15 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نواصل (Re: Waeil Elsayid Awad)

    الفصل الثامن والسبعون

    الحق أقول لكم أن الله لم يشفق على سقوط الشيطان ومع ذلك فقد أشفق على سقوط آدم ، وكفاكم أن تعرفوا سوء حال من يعرف الخير ويفعل الشر ، فقال حينئذ أندراوس : يا معلم يحسن أن ينبذ العلم خوفا من السقوط في مثل هذه الحال ، أجاب يسوع : إذا كان العالم حسنا بدون الشمس والإنسان بدون عينين والنفس بدون إدراك يكون عدم المعرفة إذا حسنا ، الحق أقول لكم أن الخبز لا يفيد الحياة الزمنية كما يفيد العلم الحياة الأبدية ، ألا تعلمون أن الله أمر بالعلم ؟ لأنه هكذا يقول الله : ( اسأل شيوخك يعلموك ) ويقول الله عن الشريعة ( اجعل وصيتي أمام عينيك والهج بها حين تجلس وحين تمشي وفي كل حين ) ، فيمكنكم الآن أن تعلموا إذا كان عدم العلم حسنا ، إن من يحتقر الحكمة لشقي لأن لا بد أن يخسر الحياة الأبدية ، فأجاب يعقوب : يا معلم نعلم أن أيوب لم يتعلم من معلم ولا إبراهيم ومع هذا فقد كانا طاهرين ونبيين ، أجاب يسوع : الحق أقول لكم أن من كان من أهل العروس لا يدعى إلى العرس لأنه يسكن البيت الذي فيه العرس بل يدعى البعيدون عن البيت ، أفلا تعلمون أن أنبياء الله هم في بيت نعمة الله ورحمته ، فشريعة الله ظاهرة فيهم كما يقول داود أبونا في هذا الموضوع : ( إن شريعة إلهه في قلبه فلا يحفر طريقه ) ، الحق أقول لكم أن إلهنا لما خلق الإنسان لم يخلقه بارا فقط بل وضع في قلبه نورا يريه أنه خليق به خدمة الله ، فلئن أظلم هذا النور بعد الخطيئة فهو لا ينطفئ ، لأن لكل أمَّة هذه الرغبة في خدمة الله مع أنهم قد فقدوا الله وعبدوا آلهة باطلة وكاذبة ، ولذلك وجب أن يعلم الإنسان عن أنبياء الله لأن النور الذي يعلمهم طريق الذهاب إلى الجنة وطننا بخدمة الله واضح ، كما يجب أن يقاد ويداوى من في عينيه رمد .

    الفصل التاسع والسبعون

    أجاب يعقوب : وكيف يعلمنا الأنبياء وهم أموات ، وكيف يعلم من لا معرفة له بالأنبياء ؟ ، فأجاب يسوع : إن تعليمهم مدون فتجب مطالعته لأن الكتاب بمثابة نبي لك ، الحق الحق أقول لك أن من يمتهن النبوة لا يمتهن النبي فقط بل يمتهن الله الذي أرسل النبي أيضا ، أما ما يختص بالأمم الذين لا يعرفون النبي فإني أقول لكم أنه إذا عاش في تلك الأقطار رجل يعيش كما يوحي إليه قلبه غير فاعل للآخرين ما لا يود أن يناله من الآخرين معطيا لقريبه ما يود أخذه من الآخرين فلا تتخلى رحمة الله عن مثل هذا الرجل ، فلذلك يظهر له الله ويمنحه برحمته شريعته عند الموت إن لم يكن قبل ذلك ، ولعله يخطر في بالكم أن الله أعطى الشريعة حبا بالشريعة ، حقا إن هذا لباطل بل منح الله شريعته ليفعل الإنسان حسنا حبا في الله ، فإذا وجد الله إنسانا يفعل حسنا حبا له أفتظنون أنه يمتهنه ؟ ، كلا ثم كلا بل يحبه أكثر من الذين أعطاهم الشريعة ، إني أضرب لكم مثلا : كان لرجل أملاك كثيرة وكان من أملاكه أرض قاحلة لم تنبت إلا أشياء لا ثمر لها ، وبينما كان سائرا ذات يوم وسط هذه الأرض القاحلة عثر بين هذه الأنبتة غير المثمرة على نبات ذي ثمار شهية ، فقال هذا الإنسان حينئذ : ( كيف تأتي لهذا النبات أن يحمل هذه الثمار الشهية هنا ؟ ، إني لا أريد أن يقطع ويوضع في النار مع البقية ) ، ثم دعا خدمه وأمرهم بقلعه ووضعه في بستانه ، إني أقول لكم هكذا يحفظ إلهنا من لهب الجحيم من يفعلون برا أينما كانوا .

    الفصل الثمانون

    قولوا لي أسكن أيوب في غير أرض عوص بين عبدة الأصنام ؟ ، وكيف يكتب موسى عن زمن الطوفان ، قولوا لي ، إنه يقول : ( إن نوحا وجد نعمة أمام الله ) كان لأبينا ابراهيم أب لا إيمان له لأنه كان يصنع ويعبد الأصنام الباطلة ، وسكن لوط بين شر ناس على الأرض ، ولقد أخذ نبوخذ نصر دانيال أسيرا وهو طفل مع حننيا وعزريا وميشائيل الذين لم يكن لهم سوى سنتين من العمر لما أسروا وربوا بين جمع من الخدم عبدة الأصنام ، لعمر الله أن النار كما تحرق الأشياء اليابسة وتحولها نارا بدون تمييز بين الزيتون والسرو والنخل وهكذا يرحم إلهنا كل من يفعل برا غير مميز بين اليهودي والسكيثي واليوناني أو الاسماعيلي ، ولكن لا يقف قلبك هناك يا يعقوب لأنه حيث أرسل الله النبي ترتب عليك حتما أن تنكر حكمك وتتبع النبي ، لا أن تقول : (( لماذا يقول هذا ؟ لماذا يأمر وينهى ؟ )) ، بل قل : (( هكذا يريد الله وهكذا يأمر الله )) ألا ماذا قال الله لموسى لما امتهن إسرائيل موسى ؟ (( إنهم لم يمتهنوك ولكنهم امتهنوني أنا )) الحق أقول لكم أنه لا يجب على الإنسان أن يصرف زمن حياته ، في تعلم التكلم أو القراءة بل في تعلم كيف يشتغل جيدا ، ألا قولوا أي خادم لهيرودس لا يحاول مرضاته بأن يخدمه بكل جد ، ويل للعالم الذي يحاول أن يرضي جسدا ليس سوى طين وسرقين ولا يحاول بل ينسى خدمة الله الذي خلق كل شيء المجيد إلى الأبد .

    الفصل الحادي والثمانون

    قولوا لي أتحسب خطيئة عظمة على الكهنة إذا أوقعوا على الأرض تابوت شهادة الله وهم يحملونه ؟ ، فارتجف التلاميذ لما سمعوا هذا لأنهم كانوا على علم بأن الله أمات عزة لأنه مس تابوت الله خطأ ، فقالوا إنها لخطيئة كبرى ، فقال يسوع : لعمر الله أن نسيان كلمة الله التي بها خلق كل الأشياء والتي بها يقدم لك الحياة الأبدية لخطيئة كبرى ، ولما قال يسوع هذا صلى وقال بعد صلاته : لا يجب أن نعبر غدا إلى السامرة لأنه هكذا قال لي ملاك الله القدوس ، وبلغ يسوع باكرا صباح يوم بئرا كان قد صنعها يعقوب ووهبها ليوسف ابنه ، ولما أعيا يسوع من السفر أرسل تلاميذه إلى المدينة ليشتروا طعاما ، فجلس بجانب البئر على حجر البئر وإذا بامرأة من السامرة قد جاءت إلى البئر لتستقي ماء ، فقال يسوع للمرأة : أعطني لأشرب ، فأجابت المرأة : ألا تخجل وأنت عبراني أن تطلب مني شربة ماء وأنا امرأة سامرية ؟ ، أجاب يسوع : أيتها المرأة لو كنت تعلمين من يطلب منك شربة لطلبت أنت منه شربة ، أجابت المرأة : كيف تعطيني لأشرب ولا إناء ولا حبل معك لتجذب به الماء والبئر عميقة ؟ ، أجاب يسوع : أيتها المرأة من يشرب من ماء هذا البئر يعاوده العطش أما من يشرب من الماء الذي أعطيه فلا يعطش أبدا بل يعطي العطاش ليشربوا بحيث يصلون إلى الحياة الأبدية ، فقالت المرأة : يا سيد أعطني من مائك هذا ، أجاب يسوع : اذهبي وادعي زوجك وإياكما أعطي لتشربا ، قالت المرأة : ليس لي زوج ، أجاب يسوع : حسنا قلت الحق لأنه كان لك خمسة أزواج والذي معك الآن ليس هو زوجك ، فلما سمعت المرأة هذا اضطربت وقالت : يا سيد أرى بهذا أنك نبي ، لذلك أضرع إليك أن تخبرني عما يأتي : إن العبرانيين يصلون على جبل صهيون في الهيكل الذي بناه سليمان في أورشليم ويقولون أن نعمة الله ورحمته توجد هناك لا في موضع آخر ، أما قومنا فإنهم يسجدون على هذه الجبال ويقولون أن السجود إنما يجب أن يكون على جبال السامرة فقط فمن هم الساجدون الحقيقيون ؟ .


    الفصل الثاني والثمانون

    حينئذ تنهد يسوع وبكى قائلا : ويل لك يا بلاد اليهودية لأنك تفخرين قائلة : (( هيكل الرب هيكل الرب )) وتعيشين كأنه لا إله منغمسة في الملذات ومكاسب العالم ، فإن هذه المرأة تحكم عليك بالجحيم في يوم الدين ، لأن هذه المرأة تطلب أن تعرف كيف تجد نعمة ورحمة عند الله ، ثم التفت إلى المرأة وقال : أيتها المرأة إنكم أنتم السامريون تسجدون لما لا تعرفون أما نحن العبرانيون فنسجد لمن نعرف ، الحق أقول لك أن الله روح وحق ويجب أن يسجد له بالروح والحق ، لأن عهد الله إنما أخذ في أورشليم في هيكل سليمان لا في موضع آخر ولكن صدقيني أنه يأتي وقت يعطى الله فيه رحمته في مدينة أخرى ويمكن السجود له في كل مكان بالحق ويقبل الله الصلاة الحقيقة في كل مكان رحمته ، أجابت المرأة : إننا ننتظر مسيا فمتى جاء يعلمنا ، أجـاب يسوع : أتعلمين أيتها المرأة أن مسيا لا بد أن يأتي ؟، أجابت : نعم يا سيد ، حينئذ تهلل يسوع وقال : يلوح لي أيتها المرأة أنك مؤمنة ، فاعلمي إذاً أنه بالإيمان بمسيا سيخلص كل مختاري الله ، إذاً وجب أن تعرفي مجيء مسيا ، قالت المرأة : لعلك أنت مسيا أيها السيد ، أجاب يسوع : إني حقا أرسلت إلى بيت إسرائيل نبي خلاص ، ولكن سيأتي بعدي مسيا المرسل من الله لكل العالم الذي لأجله خلق الله العالم ، حينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة حتى أن سنة اليوبيل التي تجيء الآن كل مائة سنة سيجعلها مسيا كل سنة في كل مكان ، حينئذ تركت المرأة جرتها وأسرعت إلى المدينة لتخبر بكل ما سمعت من يسوع .

    الفصل الثالث والثمانون

    وبينما كانت المرأة تكلم يسوع جاء تلاميذه وتعجبوا أنه كان يتكلم هكذا مع امرأة ، ومع ذلك لم يقل له أحد : لماذا تتكلم هكذا مع امرأة سامرية ، فلما انصرفت المرأة قالـوا : يا معـلم تعال وكل ، أجـاب يسوع : يجب أن آكل طعاما آخر، فقال التلاميذ بعضهم لبعض : لعل مسافرا كلم يسوع وذهب ليفتش له على طعام ، فسـألوا الذي يكتب هذا قائلين : هل كان هنا أحد يمكنه أن يحضر طعاما للمعلم يا برنابا ؟ ، فأجاب الذي يكتب : لم يكن هنا من أحد خلا المرأة التي رأيتموها التي أحضرت هذا الإناء الفارغ لتملأه ماء ، فوقف التلاميذ مندهشين منتظرين نتيجة كلام يسوع ، عندئذ قال يسوع: إنكم لا تعلمون الطعام الحقيقي هو عمل مشيئة الله ، لأنه ليس الخبز الذي يقيت الإنسان ويعطيه حياة بل بالحري كلمة الله بإرادته ، فلهذا السبب لا تأكل الملائكة الأطهار بل يعيشون ويتغذون بإرادة الله ، وهكذا نحن وموسى وإيليا وواحد آخر لبثنا أربعين يوما وأربعين ليلة بدون شيء من الطعام ، ثم رفع يسوع عينيه وقال : متى يكون الحصاد ، أجاب التلاميذ : بعد ثلاثة أشهر ، قال يسوع : انظروا الآن كيف أن الجبال بيضاء بالحبوب ، الحق أقول لكم أنه يوجد اليوم حصاد عظيم يجنى ، حينئذ أشار إلى الجم الغفير الذي أتى ليراه ، لأن المرأة لما دخلت المدينة أثارت المدينة بأسرها قائله: أيها القوم تعالوا وانظروا نبيا جديدا مرسلا من الله إلى بيت إسرائيل ، وقصت عليهم كل ما سمعت من يسوع ، فلما أتوا إلى هناك توسلوا إلى يسوع أن يمكث عندهم ، فدخل المدينة ومكث هناك يومين شافيا كل المرضى ومعلما ما يختص بملكوت الله ، حينئذ قال أهل المدينة للمرأة : إننا أكثر إيمانا بكلامه وآياته منا مما قلت ، لأنه قدوس الله حقا ونبي مرسل لخلاص الذين يؤمنون به ، وبعد صلاة نصف الليل اقترب التلاميذ من يسوع ، فقال لهم : ستكون هذه الليلة في زمن مسيا رسول الله اليوبيل السنوي الذي يجيء الآن كل مائة سنة ، لذلك لا أريد أن ننام بل نصلي محنين رأسنا مائة مرة ساجدين لإلهنا القدير الرحيم المبارك إلى الأبد ، فلنقل كل مرة : اعترف بك إلهنا الأحد الذي ليس لك من بداية ولا يكون لك من نهاية ، لأنك برحمتك أعطيت كل الأشياء بدايتها وستعطى بعدلك الكل نهاية ، لا شبه لك بين البشر ، لأنك بجودك غير المتناهي لست عرضة للحركة ولا لعارض ، ارحمنا لأنك خلقتنا ونحن عمل يدك .

    الفصل الرابع والثمانون

    ولما صلى يسوع قال : لنشكر الله لأنه وهبنا هذه الليلة رحمة عظيمة ، لأنه أعاد الزمن الذي يلزم أن يمر في هذه الليلة إذ قد صلينا بالإتحاد مع رسول الله ، وقد سمعت صوته ، فلما سمع التلاميذ هذه تهللوا كثيرا وقالوا : يا معلم علمنا شيئا من الوصايا هذه الليلة ، فقال يسوع : هل رأيتم مرة ما البراز ممزوجا بالبلسم ، فأجابوا : لا يا سيد لأنه لا يوجد مجنون يفعل هذا الشيء ، فقال يسوع : إني مخبركم الآن أنه يوجد في العالم من هم أشد جنونا من ذلك لأنهم يمزجون خدمة الله بخدمة العالم ، حتى أن كثيرين من الذين يعيشون بلا لوم قد خدعوا من الشيطان ، وبينا هم يصلون مزجوا بصلاتهم المشاغل العالمية فأصبحوا في ذلك الوقت ممقوتين في نظر الله ، قولوا لي أتحذرون متى اغتسلتم للصلاة من أن يمسكم شيء نجس ؟ نعم بكل تأكيد ، ولكن ماذا تفعلون عندما تصلون ، إنكم تغسلون أنفسكم من الخطايا بواسطة رحمة الله ، أتريدون إذاً وأنتم تصلون أن تتكلموا عن الأشياء العالمية ؟ ، احذروا من أن تفعلوا هكذا ، لأن كل كلمة عالمية تصير براز الشيطان على نفس المتكلم ، فارتجف التلاميذ لأنه كلمهم بحدة الروح ، وقالوا : يا معلم ماذا نفعل إذا جاء صديق يكلمنا ونحن نصلي ، أجاب يسوع : دعوه ينتظر وأكملوا الصلاة ، فقال برتولوماوس: ولكن لو فرضنا أنه متى رأى أننا لا نكلمه اغتاظ وانصرف ، وإذا اغتاظ فصدقوني أنه ليس بصديقكم وليس بمؤمن بل كافر ورفيق الشيطان ، قولوا لي إذا ذهبتم لتكلموا أحد غلمان اصطبل هيرودس ووجدتموه يهمس في أذني هيرودس أتغتاظون إذ جعلكم تنتظرون ؟ ، كلا ثم كلا بل تسرون أن تروا صديقكم مقربا من الملك ، ثم قال يسوع : أصحيح هذا ؟ ، أجـاب التلاميذ : إنه الحق بعينه ، ثم قال يسوع : الحق أقول لكم أن كل من يصلي إنما يكلم الله ، أفيصح أن تتركوا التكلم مع الله لتكلموا الناس ؟ ، أيحق لصديقكم أن يغتاظ لهذا السبب لأنكم تحترمون الله أكثر منه ؟ ، صدقوني إنه إن اغتاظ لأن جعلتموه ينتظر فإنما هو خادم جيد للشيطان ، لأن هذا ما يتمناه الشيطان أن يترك الله لأجل الناس ، لعمر الله أنه يجب على كل من يخاف الله أن ينفصل في كل عمل صالح عن أعمال العالم لكيلا يفسد العمل الصالح .

    الفصل الخامس والثمانون

    قال يسوع: إذا فعل إنسان سوءا أو تكلم بسوء وذهب أحد ليصلحه ويمنع عملا كهذا فماذا يفعل هذا ؟ ، أجاب التلاميذ : إنه يفعل حسنا لأنه يخدم الله الذي يطلب على الدوام منع الشر كما أن الشمس تطلب على الدوام طرد الظلام ، فقال يسوع : وأنا أقول لكم أنه بالضد من ذلك متى فعل أحد حسنا أو تكلم حسنا فكل من يحاول منعه بوسيلة ليس فيها ما هو أفضل منه فإنما هو يخدم الشيطان بل يصير رفيقه ، لأن الشيطان لا يهتم بشيء سوى منع كل شيء صالح ، ولكن ماذا أقول لكم الآن ؟ ، إني أقول ما قاله سليمان النبي قدوس وخليل الله : ( من كل ألف تعرفونهم يكون واحد صديقكم ) ، فقال متى : ألا نقدر إذاً أن نحب أحدا ؟ ، فأجاب يسوع : الحق أقول لكم أنه لا يجوز لكم أن تكرهوا شيئا إلا الخطيئة ، حتى أنكم لا تقدرون أن تبغضوا الشيطان من حيث هو خليقة الله بل من حيث هو عدو الله ، أتعلمون لماذا ؟، إني أفيدكم ، لأنه خليقة الله وكل ما خلق الله فهو حسن وكامل ، فلذلك كل من يكره الخليقة يكره الخالق ، ولكن الصديق شيء خاص لا يسهل وجوده ولكن يسهل فقده ، لأن الصديق لا يسمح باعتراض على من يحبه حبا شديدا ، احذروا وانتبهوا ولا تختاروا من لا يحب من تحبون صديقا ، فاعلموا ما المراد بالصديق ؟ ، لا يراد بالصديق إلا طبيب النفس ، وهكذا كما أنه يندر أن يجد الإنسان طبيبا ماهرا يعرف الأمراض ويفقه استعمال الأدوية فيها هكذا يندر وجود أصدقاء يعرفون الهفوات ويفقهون كيف يرشدون للصلاح ، ولكن هنالك شر وهو أن لكثيرين أصدقاء يغضون الطرف عن هفوات صديقهم ، وآخرين يعذرونهم ، وآخرين يحامون عنهم بوسيلة عالمية ، ويوجد أصدقاء ـ وذلك شر مما تقدم ـ يدعون أصدقاءهم ويعضدونهم في ارتكاب الخطأ وستكون آخرتهم نظير لؤمهم ، احذروا من أن تتخذوا أمثال هؤلاء القوم أصدقاء ، لأنهم أعداء وقتلة النفس حقا .

    الفصل السادس والثمانون

    ليكن صديقك صديقا يقبل الإصلاح كما يريد هو أن يصلحك ، وكما أنه يريد أن تترك كل شيء حبا في الله فعليه أن يرضى بأن تتركه لأجل خدمة الله، ولكن قل لي إذا كان الإنسان لا يعرف كيف يحب الله فكيف يعرف كيف يحب نفسه ، وكيف يعرف كيف يحب الآخرين إذا كان لا يعرف كيف يحب نفسه ؟ ، حقا إن هذا لمحال ، فمتى اخترت لك صديقا لأن من لا صديق له مطلقا هو فقير جدا فانظر أولا لا إلى نسبه الحسن ولا إلى أسرته الحسنة ولا إلى بيته الحسن ولا إلى ثيابه الحسنة ولا إلى شخصه الحسن ولا إلى كلامه الحسن أيضا لأنك حينئذ تغش بسهولة ، بل انظر كيف يخاف الله وكيف يحتقر الأشياء الأرضية وكيف يحب الأعمال الصالحة وعلى نوع أخص كيف يبغض جسده فيسهل عليك حينئذ أن تجد الصديق الصادق ، انظر على نوع أخص إذا كان يخاف الله ويحتقر أباطيل العالم وإذا كان دائما منهمكا بالأعمال الصالحة ويبغض جسده كعدو عات ، ولا يجب عليك أيضا أن تحب صديقا كهذا بحيث أن حبك ينحصر فيه لأنك تكون عابد صنم ، بل أحبه كهبة وهبك الله إياها فيزينه الله بفضل أعظم ، الحق أقول لكم أن من وجد صديقا وجد إحدى مسرات الفردوس بل هو مفتاح الفردوس ، أجاب تدايوس : ولكن إذا اتفق لإنسان صديق لا ينطبق على ما قلت يا معلم فماذا يجب عليه أن يفعل ؟ أيجب عليه أن يهجره ؟ ، أجاب يسوع : يجب عليه أن يفعل ما يفعله النوتي بالمركب الذي يسيره ما رأى منه نفعا ولكن متى وجد فيه خسارة تركه ، هكذا يجب أن تفعل بصديق شر منك ، فاتركه في الأشياء التي يكون فيها عثرة لك إذا كنت لا تود أن تتركك رحمة الله .

    الفصل السابع والثمانون

    ويل للعالم من العثرات ، لا بد أن تأتي العثرات لأن العالم يقيم في الإثم ، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة ، خير للإنسان أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر من أن يعثر جاره ، إذا كانت عينك عثرة لك فاقلعها لأنه خير لك أن تدخل الجنة أعور من أن تدخل الجحيم ولك عينان ، إن أعثرتك يدك أو رجلك فافعل بهما كذلك لأنه خير لك أن تدخل ملكوت السماء أعرج أو أقطع من أن تدخل الجحيم ولك يدان ورجلان ، فقال سمعان المسمى بطرس : يا سيد كيف يجب أن أفعل هذا ؟ حقا إنني أصير أبتر في زمن وجيز ؟ ، أجاب يسوع : يا بطرس اخلع الحكمة الجسدية تجد الحق توا ، لأن من يعلمك هو عينك ومن يساعدك للعمل هو رجلك ومن يخدمك في شيء ما هو يدك ، فمتى كانت أمثال هذه باعثا على الخطيئة فاتركها ، لأنه خير لك أن تدخل الجنة جاهلا فقيرا ذا أعمال قليلة من أن تدخل الجحيم بأعمال عظيمة وأنت متعلم غني ، فاطرح عنك كل ما يمنعك عن خدمة الله كما يطرح الإنسان كل ما يعيق بصره ، ولما قال يسوع هذا دعا بطرس إلى جانبه وقال له : إذا أخطأ أخوك إليك فاذهب وأصلحه ، فإذا هو اصطلح فتهلل لأنك قد ربحت أخاك ، وإن لم يصطلح فاذهب وادع شاهدين وأصلحه أيضا ، فإن لم يصطلح فأخبر الكنيسة بذلك ، فإن لم يصطلح حينئذ فاحسبه كافرا ، ولذلك لا تسكن سقف البيت الذي يسكنه ، ولا تأكل على المائدة التي يجلس إليها ، ولا تكلمه ، حتى أنك إن علمت أين يضع قدمه أثناء المشي فلا تضع قدمك هناك .

    الفصل الثامن والثمانون

    ولكن احذر من أن تحسب نفسك أفضل منه ، بل يجب عليك أن تقول هكذا : بطرس بطرس إنك لو لم يساعدك الله لكنت شرا منه ، أجـاب بطرس : كيف يجب علي أن أصلحه ؟ ، فأجاب يسوع : بالطريقة التي تحب أنت نفسك أن تصلح بها ، فكما تريد أن تعامل بالحلم هكذا عامل الآخرين ، صدقني يا بطرس لأني أقول لك الحق أنك كل مرة تصلح أخاك بالرحمة تنال رحمة من الله وتثمر كلماتك بعض الثمر ، ولكن إذا فعلت ذلك بالقسوة يقاصك عدل الله بقسوة ولا تأتي بثمر ، قل لي يا بطرس أيغسل الفقراء مثلا هذه القدور الفخارية التي يطبخون فيها طعامهم بالحجارة والمطارق الحديدية ؟ ، كلا ثم كلا بل بماء سخن ، فالقدور تحطم بالحديد والأشياء الخشبية تحرقها النار أما الإنسان فإنه يصلح بالرحمة ، فمتى أصلحت أخاك قل لنفسك : (( إذ لم يعضدني الله فإني فاعل غدا شرا من كل ما فعل هو اليوم )) ، أجاب بطرس : كم مرة أغفر لأخي يا معلم ؟ ، أجاب يسوع : بعدد ما تريد أن يغفر لك ، فقال بطرس : أسبع مرات في اليوم ؟ ، أجاب يسوع : لا أقول سبعا فقط بل تغفر له كل يوم سبعين سبع مرات ، لأن من يَغفر يُغفر له ومن يدِن يدان ، حينئذ قال من يكتب هذا : ويل للرؤساء لأنهم سيذهبون إلى الجحيم ، فوبخه يسوع قائلا : لقد صرت غبيا يا برنابا إذ تكلمت هكذا ، الحق أقول لك أن الحمام ليس بضروري للجسم ولا اللجام للفرس ولا يد الدفة للسفينة كضرورة الرئيس للبلاد ، ولأي سبب إذاً قال الله لموسى ويوشع وصموئيل وداود وسليمان ولكثيرين آخرين أن يصدروا أحكاما ، إنما أعطى الله السيف لمثل هؤلاء لإستئصال الإثم ، فقال حينئذ من يكتب هذا : كيف يجب إصدار الحكم بالقصاص والعفو ؟ ، أجاب يسوع : ليس كل أحد قاضيا يا برنابا لأن للقاضي وحده أن يدين الآخرين ، وعلى القاضي أن يقتص من المجرم كما يأمر الأب بقطع عضو فاسد من ابنه لكيلا يفسد الجسد كله .

    الفصل التاسع والثمانون

    قال بطرس : كم يجب علي أن أمهل أخي ليتوب ؟ ، أجاب يسوع : بقدر ما تريد أن تمهل ، أجاب بطرس : لا يفهم كل أحد هذا فكلمنا بوضوح أتم ، أجاب يسوع : أمهل أخاك ما أمهله الله ، فقال بطرس : ولا يفهمون هذا أيضا ، أجاب يسوع : أمهله ما دام له وقت للتوبة ، فحزن بطرس والباقون لأنهم لم يفقهوا المراد ، عندئذ قال يسوع : لو كان عندكم إدراك صحيح وعرفتم أنكم أنتم أنفسكم خطاة لما خطر في بالكم مطلقا أن تنـزعوا من قلوبكم الرحمة بالخاطئ ، ولذلك أقول لكم صريحا أنه يجب أن يمهل الخاطئ ليتوب ما دام له نفس تتنفس من وراء أسنانه ، لأنه هكذا يمهله إلهنا القدير الرحيم ، إن الله لم يقل : إني أغفر للخاطئ في الساعة التي يصوم و يتصدق ويصلي ويحج فيها ، وهو ما قام به كثيرون وهم ملعونون لعنة أبدية ، ولكنه قال : (( في الساعة التي يندب الخاطئ خطاياه أنسى إثمه فلا أذكره بعد )) ثم قال يسوع : أفهمتم ؟ ، أجاب التلاميذ : فهمنا بعضا دون بعض ، أجاب يسوع : ما هو الذي لم تفهموه ؟ ، فأجابوا : كون كثيرين من الذين صلوا مع الصيام ملعونين ، حينئذ قال يسوع : الحق أقول لكم أن المرائين والأمم يصلون ويتصدقون ويصومون أكثر من أخلاء الله ، ولكن لما لم يكن لهم إيمان لم يتمكنوا من التوبة ولهذا كانوا ملعونين ، فقال حينئذ يوحنا : علمنا ما هو الإيمان حبا في الله ، أجاب يسوع : قد حان لنا أن نصلي صلاة الفجر ، فنهضوا واغتسلوا وصلوا لإلهنا المبارك إلى الأبد .

    الفصل التسعون

    فلما انتهت الصلاة اقترب تلاميذ يسوع إليه ففتح فاه وقال : اقترب يا يوحنا لأني اليوم سأجيبك عن كل ما سألت ، الإيمان خاتم يختم الله به مختاريه وهو خاتم أعطاه لرسوله الذي أخذ كل مختار الإيمان على يديه فالإيمان واحد كما أن الله واحد لذلك لما خلق الله قبل كل شيء رسوله وهبه قبل كل شيء الإيمان الذي هو بمثابة صورة الله وكل ما صنع الله وما قال ، فيرى المؤمن بإيمانه كل شيء أجلى من رؤيته إياه بعينيه ، لأن العينين قد تخطئان بل تكادان تخطئان على الدوام ، أما الإيمان فلن يخطئ لأن أساسه الله وكلمته ، صدقني أنه بالإيمان يخلص كل مختاري الله ، ومن المؤكد أنه بدون إيمان لا يمكن لأحد أن يرضى الله ، لذلك لا يحاول الشيطان أن يبطل الصوم والصلاة والصدقات والحج بل هو يحرض الكافرين عليها لأنه يسر أن يرى الإنسان يشتغل بدون الحصول على أجرة ، بل يحاول جهده بجد أن يبطل الإيمان لذلك وجب بوجه أخص أن يحرص على الإيمان بجد ، وآمن طريقة لذلك أن تترك لفظة ( لماذا ) لأن ( لماذا ) أخرجت البشر من الفردوس وحولت الشيطان من ملاك جميل إلى شيطان مريع ، فقال يوحنا : كيف نترك ( لماذا ) وهي باب العلم ؟ ، أجاب يسوع : بل ( لماذا ) هي باب الجحيـم ، فصمت يوحنا أما يسوع فزاد : متى علمت أن الله قال شيئا فمن أنت أيها الإنسان حتى تتقعر (( لماذا قلت يا الله كذا ، لماذا فعلت كذا ؟ )) أيقول الإناء الخزفي لصانعه مثلا : لماذا صنعتني لأحوي ماءا لا لأحوي بلسما ؟ ، الحق أقول لكم أنه يجب في كل تجربة أن تتقووا بهذه الكلمة قائلين : إنما الله قال كذا ـ إنما الله فعل كذا ـ إنما الله يريد كذا ، لأنك إن فعلت هذا عشت في أمن .

    الفصل الحادي والتسعون

    وحدث في هذا الزمن اضطراب عظيم في اليهودية كلها لأجل يسوع ، لأن الجنود الرومانية أثارت بعمل الشيطان العبرانيين قائلين : إن يسوع هو الله قد جاء ليفتقدهم ، فحدثت بسبب ذلك فتنة كبرى حتى أن اليهودية كلها تدججت بالسلاح مدة الأربعين يوما فقام الإبن على الأب والأخ على الأخ ، لأن فريقا قال : ( إن يسوع هو الله قد جاء إلى العـالم ) ، وقـال فريق آخر : ( كلا بل هو ابن الله ) وقال آخرون : ( كلا لأنه ليس لله شبه بشري ) ولذلك لا يلد بل إن يسوع الناصري نبي الله ، وقد نشأ هذا عن الآيات العظيمة التي فعلها يسوع ، فترتب على رئيس الكهنة تسكينا للشعب أن يركب في مركب لابسا ثيابه الكهنوتية واسم الله القدوس التتغراماتن على جبهته ، وركب كذلك الحاكم بيلاطس وهيرودس ، فاجتمع في مزبه على أثر ذلك ثلاثة جيوش كل منها مئتا ألف رجل متقلدي السيوف ، فكلمهم هيرودس أما هم فلم يسكنوا ، ثم تكلم الحاكم ورئيس الكهنة قائلين : أيها الإخوة إن هذه الفتنة إنما قد أثارها عمل الشيطان لأن يسوع حي وإليه يجب أن نذهب ونسأله أن يقدم شهادة عن نفسه وأن نؤمن به بحسب كلمته ، فسكن لهذا ثائرتهم كلهم ونزعوا سلاحـهم وتعـانقوا قائلا بعضهم لبعض (( اغفر أيها الأخ ))، فعقد في ذلك اليوم كل واحد النية أن يؤمن بيسوع بحسب ما سيقول ، وقدم الحاكم ورئيس الكهنة جوائز كبرى لمن يأتي ويخبرهم أين يسوع .
                  

02-25-2008, 10:24 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نواصل (Re: Waeil Elsayid Awad)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de