دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 00:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-27-2008, 02:43 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. (Re: Khalid Kodi)


    ومنذ الانتفاضة الشَّعبيَّة ضد نظام الرئيس الأسبق المشير جعفر محمد نميري العام 1985م بدأت الأحزاب السياسيَّة والتنظيمات الجهويَّة تحذِّر من تفاقم الأوضاع الأمنيَّة في غرب السُّودان، مشيرة إلى تزايد الصراعات القبليَّة وتحولها إلى ما يشبه الحرب القبليَّة ذات الدمار الشامل، وبخاصة بعد دخول السلاح بصورة كثيفة إلى هذا الإقليم. إذ كان مصدره الصراعات العسكريَّة التي كانت قائمة خارج أراضي السُّودان، وتواطؤ بعض الأحزاب السياسيَّة (الحاكمة أو المعارضة) مع دول أجنبيَّة أو عناصر محليَّة لها مصالح ذاتيَّة أو قبليَّة في استمرار العنف وعدم الاستقرار كما سنرى لاحقاً. وفي كتابات الكُتَّاب ودراسات البُحَّاث نجد استصراخاً لأهل الحل والعقد بأنَّ أزمة دارفور يمكن أن تتطوَّر وتقضي على الأخضر واليابس، ولا تبقي ولا تذر، إلا أنَّهم لم يلتفتوا إلى هذا النذير المبين، وكأنَّما الأمر لم يكن يعنيهم. إزاء هذا الوضع المأسوي انقسم أهل الإقليم بين جماعتين - وبخاصة بعد مذكِّرة ما سمِّي يومئذٍ ب"التجمع العربي" العام 1988م (الملاحق رقم (2) إلى (7)) - إلى تجمع قبائل عربيَّة وأخرى زرقة أو غير عربيَّة. وكانت هذه المذكرة محصلة التطورات السَّابقة التي نشأت منذ السبعينيَّات من القرن الماضي. شكَّلت هذه الوثائق المفاهيم النظريَّة للتمليش القبلي العربي الذي سوف يظهر دوره بصورة أقبح وأفدح في وقت لاحق. وكانت المذكِّرة – كما أمل أصحابها أن توقع عليها مجموعة كبيرة من العرب، إضافة إلى الذين لم يوقِّعوا عليها أصلاً – تمثِّل النِّداء المباشر للسيِّد الصَّادق المهدي كعربي وكقائد للأنصار لكي يقلب موازين ومكاييل القوى في دارفور لصالحهم. إذ يبدو هذا الاستنجاد جليَّاً في التعبير الوارد في الخطاب: "إنَّك لأخينا، وإنَّ المرء ليتوقَّع كثيراً من الأخ أكثر من الأغيار". وقد نتج عن وثيقة التجمع العربي ما يلي:

    (أ) انحياز الحكومة للمجموعة العربيَّة وفق الشواهد الآتي:

    (1) نزع سلاح الفور مباشرة بعد اتفاقيَّة العام 1989م، وإعادة تسليح القبائل العربيَّة العام 1990م بحجة حماية الماشية وقوات السَّلام.

    (2) الكيل بمكيالين عندما يكون الحرب بين العرب أنفسهم تظهر الحكومة الجديَّة والحسم، فمثلاُ صراع المعاليا والرزيقات، وعندما يكون بين الفور (والعرب) تكون السمة الغالبة هي المماطلة والمراوغة، حيث حُوكِم الجناة الرزيقات، ولم يُحاكم الجناة العرب في حوادث شوبا-أم حراز، وكل تلك الأحداث كانت في شهر واحد.

    (3) عدم حماية المواطنين وممتلكاتهم، حيث تتم تغطية البلاغات بعد ست ساعات أو يوم كامل من تأريخ الحدث، مثلاُ: "حريق بري كلونغا"..

    (4) عدم الاهتمام بإعادة تعمير القرى المحروقة والمهجورة، حيث كانت مساهمة الحكومة ثلاث خيام فقط من مجموع 73 قرية محروقة ومهجورة.

    (5) التحرُّش بأعيان الفور، والتضييق عليهم في الوظائف وملاحقة النشطاء بالاعتقال.

    (6) إنشاء إدارات وهميَّة للعرب في مناطق الفور والمساليت.

    (7) عدم اعتراف الحكومة صراحة بحقيقة الصراع بأنَّها عرقي.

    (8) عدم الوفاء بمواثيق الصلح، وبخاصة إعادة توطين المهجَّرين وإجلاء الأجانب.

    (ب) داهمت جنود الحكومة في وضح النهار قرى كرنج، باردي، عرديبة، كاقورا، وتمَّ نهب المتاجر والمنازل و36 رأساً من الماشية والضأن؛ هذا ولم يُحاكم جندي واحد مع علم الحكومة بتلك التجاوزات.

    (ج) ارتفع عدد المقتولين من الفور حتى العام 2001م ارتفاعاً واضحاً.

    (د) حرق وتدمير القرى، وهي قريبة من ثكنات الجيش دونما أي تدخل من الجيش لحماية المواطنين: مثلاً: قرية شوبا، حيث تعرَّض أهلها لمجزرة راح ضحيتها 18 مواطناً وجُرِح 17 شخصاً، واستمرَّت المعركة بين الفور والعرب زهاء الخمس ساعات، وهي كانت على مسافة 8 كيلومترات من الحامية العسكريَّة.

    وقد لعب الدكتور التجاني السيسي محمد أتيم – حين كان حاكماً لإقليم دارفور – دوراً مشهوداً في حل نزاع الفور مع القبائل العربيَّة العام 1987م. إذ بدأت مجهوداته نحو الصلح منذ أيلول (سبتمبر) 1987م بتشكيل لجان في كل مناطق الصِّراع، وسمِّيت ب"لجان تهدئة الخواطر"، تمهيداً لعقد مؤتمر للصلح بين المجموعات المتنازعة، وتمَّ إصدار قرار بانعقاد ذلك المؤتمر في كانون الثاني (يناير) 1989م. وبعد اجتماعات عدة بين لجنتي المجموعات العربيَّة وغير العربيَّة، تمَّت مناقشة جهود الإقليم في الصلح مع اللجنة الوزاريةَّ التي كوَّنها رئيس الوزراء السيِّد الصَّادق المهدي.(28) وفي نهاية الأمر تمَّ التوصُّل إلى تسوية سلميَّة قبل الانقلاب "الإنقاذي" في 30 حزيران (يونيو) 1989م. إذ كان من المفترض أن يكون هناك احتفال بالصلح يوم 4 تموز (يوليو) 1989م في مدينة الفاشر، لكن قام الانقلاب العسكري، ومن ثَمَّ احتفل الانقلابيُّون "الإنقاذيُّون" بالصلح الذي عقدته الإدارة السَّابقة وزعموا بأنَّهم أصحابه وإنَّه لمن ثمرة انجازاتهم الأولى. ثم طبع قادة الانقلاب كتاباً عن الصلح، حيث لم يضيفوا فيه شيئاً للمجهودات التي تمَّت قبل الانقلاب إلا خطاب الحاكم العسكري. وبعد أن وُقِّع الصلح واتفق أهل دارفور على السلم والمعايشة، لجأت الحكومة من جديد إلى تأجيج الصراع بأساليب جديدة، ومن بين هذه الأساليب إنَّها لم تحم هذا الصلح، وحماية الصلح تتحقَّق من خلال دفع التَّعويضات، إعادة تعمير التَّخريب الذي حدث، ثمَّ توفير الأمن والعدالة بين كل الأطراف. وحسب ما جاء في تقرير مؤتمر الصلح بين العرب والفور فإنَّ الأهالي قد اعترفوا أنَّ العنصر الرائس في المشكلات بين القبائل في دارفور ينبعث من مستصغر الأحدث، والتي يمكن تلافيها بقليل من المجهود والحكمة، لكنها تتضاخم لعجز السلطات الحكوميَّة في حلها بأسرع فرصة، وبعدئذٍ تتداخل العوامل القبليَّة والسياسيَّة والمصالح الذاتيَّة الأخرى. ولسوف تبقى هذه المقاصد حيَّة دوماً، إذ ينبغي أن يكون الهدف الأساس هو حرمان أصحاب المصالح الذاتيَّة من فرص استغلال هذه الحوادث الصغيرة، وذلك عن طريق المراقبة الأمنيَّة والقضاء الناجز العادل. ففي حال العدائيَّات بين الفور والعرب في كل من كبر وميري وجيري يتضح الدور الجلي للحكومة في إشعال الفتنة بين العرب والفور. وكانت منطقة كبر قد هُوجِمت وأُحرِقت وقُتِل عمدتها ليس لأنَّه من الفور فحسب، بل كنتيجة حتميَّة لسلسلة أحداث مرتبطة. وقد بدأت الأحداث بوجود القوات التشاديَّة – وهي كانت جزءاً من قوات بن عمر، التي مثَّلت المعارضة العربيَّة ضد الحكومة القائمة حينئذٍ في إنجمينا – في منطقة كبر. وفي هذه الأثناء توسَّل الجَّيش السُّوداني إلى عمدة كبر للتوسُّط بينهم وبين القوات التشاديَّة، وقد فعل العمدة ذلك. وفي الاجتماع الذي تم بين الجيش السُّوداني والتشادي، قتل الجَّيش السُّوداني التشاديين، وكان تدمير منطقة كبر عملية انتقاميَّة لما حدث للعرب التشاديين في القوات التشاديَّة. كما أنَّ أحداث ميري وجيري تعكس أيضاً التقاعس السلطوي في مطاردة الجناة ومحاكمتهم قبل أن تستفحل الأمور وتخرج عن نطاق السيطرة. ومع هذا كله خرجت نصوص اتفاق السَّلام – برغم من أنَّ الفور خسروا خسراناً مبيناً في هذه الحرب القبليَّة – مصوِّبة العتاب الأكبر على الفور، وكذلك كانت التَّقارير تلوم الفور بأنَّهم يتلكأون نحو مؤتمر السَّلام.(29)

    إنَّ أكثر ما تميَّز به نظام "الإنقاذ" هو الإعلام الجهير، والدعاية الصاخبة، وعقد مؤتمرات وندوات وورش عمل لا تقدِّم أيَّة خدمات عمليَّة لصالح المواطن المغلوب على أمره. فإنَّه لا ينفع تكلُّم بحق لا نفاذ له، وإنَّه لضرب من قول الحق لإرادة الباطل. ولم تقتصر هذه المؤتمرات على المجالات الأكاديميَّة فحسب، بل تعداها إلى مخاطبة القضايا الجوهريَّة مثل أمور المعاش والممات والحروب الأهليّة – وقد أمست كثيرة - والفتن القبليَّة التي هي من مصنوعات النِّظام ذاته، وويل لمن كانت غنيمته من الأيَّام عقد القلوب على البغضاء، وإطلاق الألسنة بالمذام. وكان أكثر المتكلِّمين في هذه الندوات يحرصون في أكثر ما يكون الحرص على صياغة اللغو وصيانة الخطابة مع دعمهما بآيات قرآنية وأحاديث نبويَّة بشيء من التزيُّد والتكثُّر، وشن هجوم أيديولوجي واسع مستند على منظومة جديدة تستمد مبرِّراتها الأساس من مفاهيم يجري تغيير معناها استناداً إلى تفسيرات مقصودة للآيات القرآنيَّة. هذه هي الخلفيَّة الفكريَّة التي فيها ولج النِّظام مؤتمرات الصلح في إقليم دارفور. وفي إحدى مؤتمرات الصلح بالإقليم نظَّمت محافظة الجنينة بولاية غرب دارفور "مؤتمراً للنظام الأهلي والتعايش السلمي" في الفترة من 19 وحتى 21 من آب (أغسطس) 1996م بمدينة الجنينة لمناقشة ومعالجة النزاعات القبليَّة والتدهور الأمني في بعض مناطق المحافظة. وأهم الأوراق التي حُظِيت بنقاش في المؤتمر بعد خطاب والي ولاية غرب دارفور – اللواء ركن حسن حمدين سليمان – ورقتي "الجوانب القانونيَّة لحفظ الأمن للرجل الإداري الأهلي" و"الدعوة والعقيدة". بيد أنَّنا لم نر منطقاً واحداً في إدخال ورقة "الدعوة والعقيدة" في هذا المؤتمر؛ إنَّها لعبارة لتبرير ما لا ينسجم سياقاً، ولا يتَّسق موضوعاً، أو كما يقول المثل الشَّعبي: "زي شُرَّابة الخُرج لا تعدِّله وتميله"، وهو في معنى قول القدماء: "كواو عمرو" لمن لا عمل له ولا يحتاج إليه. لذلك تعمَّدنا هنا أن نضع كلمتي "الدعوة والعقيدة" بين معقوفتين لسبب أساس، هو أنَّه من الصعب اعتبار ما جرى في دارفور – وما زال يجري – مسألة ذات أبعاد دعويَّة أو عقديَّة، ومتى كانت الدعوة والعقيدة مشكلاً يوماً في دارفور! وفي نهاية هذه المناقشات الطويلة خرج المؤتمرون ب"ميثاق التعايش السلمي بين القبائل" (ملحق رقم (8))، وأقسم الجميع على الالتزام بما ورد فيه.(30)

    وفي سبيل البحث عن معالجات لمشكلات دارفور الرعويَّة-الزراعيَّة، ذهب الدكتور محمد سليمان خطوات إلى الأمام حين اقترح خطة عمليَّة لحل النزاعات التي تنشب بين الرعاة الرحل والمزارعين المستقرين على غرار التجربة الإثيوبيَّة. إذن، ما هو الجديد الذي أتت به الخطة الإثيوبيَّة؟ أورد الدكتور محمد سليمان "أنَّ بعض القبائل المتحاربة في جنوب إثيوبيا استطاعت أن تصل إلى حل لنزاعها الطويل حول الموارد المتناقصة في المنطقة، وذلك بالاتفاق على خطة اقتسام عادلة تعترف بحق قبيلة البوران على أراضيهم وثرواتها وب"حق" جيرانهم الذين يمرون، هم وحيواناتهم، بمحنة، مثل الكونسكو والتيسماي والآربوري، في البقاء عليها. ولقد وافقت جميع الأطراف ذات الصلة بالأمر على خطة السَّلام تسمح للحيوانات بالدخول إلى أراضي البوران مباشرة بعد حصاد الذرة. ولقد تدعَّم الحال باتفاقيات أخرى تتعلَّق بإعادة تأهيل الموارد والتنمية، بالإضافة للتعليم المختلط لأبنائهم. ولقد وافق المراقبون لمحادثات السَّلام، والطقوس المرافقة لها، من منظَّمات الإغاثة على تأييد مبادرة السَّلام بمنح الدعم المالي لتسهيل تطبيقها."(31) وفي إثيوبيا كذلك أسهمت الإستراتيجيَّة الثقافيَّة في التوزيع العادل للموارد وسط القبائل. فنجد أنَّ للبوران نظام تعاون تقليدي يسمى ال"قعدة"، وتعمل هذه المؤسسة التقليديَّة كشكل من أشكال الضمان الاجتماعي؛ إذ أنَّ في استخدام الإدارة الرشيدة ضماناً على عدم التبذير في الموارد الطبيعيَّة. ويعتقد الرعاة في هذه المنطقة أنَّ الرَّعي يحافظ على الأرض ضد التصحُّر، وذلك من خلال تنقُّل الرعاة، وعدم تركيز الرَّعي على منطقة واحدة. هذا ما كان من أمر إثيوبيا، وعوداً إلى السُّودان نجد أنَّ في الورقة التي قدَّمها الدكتور عبد الجبار عبد الله فضل في ورشة عمل دارفور، التي انعقدت بقاعة الصداقة بالخرطوم في الفترة من 28-30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004م، عدَّد الدكتور فضل الأسباب الآتية كأهم عناصر الصراع القبلي في دارفور32)

    (1) التوسع الزراعي نتيجة لضعف الإنتاجيَّة الناتج من قلة الأمطار والآفات أثَّر سلباً على الأراضي الرعويَّة في جميع أنحاء دارفور.

    (2) زيادة الثروة الحيوانيَّة، وتدهور المراعي هو السبب في زيادة الاحتكاك بين المزارعين والرعاة.

    (3) دخول عناصر رعوية، وبخاصة رعاة الإبل من دول الجوار، مع عدم احترامهم للعلاقات الموروثة لحل النزاعات حول الموارد بين الرعاة والمزارعين سادت حدة الاحتكاك والصراعات.

    (4) الرعي المشاع هو أكثر أسباب الاحتكاك والصراع بين المزارعين والرعاة.

    (5) إضعاف الإدارة الأهليَّة وتسببها قلَّلت فاعليتها في التخفيف من حدة الصراعات بين الرعاة والمزارعين في دارفور.

    (6) ضعف وانعدام التنمية لتطور الزراعة الرأسيَّة في النبات والحيوان زاد من حدة التنافس والاحتكاك بين الرعاة والمزارعين حول الأرض، وبالتالي أدَّت إلى الصراعات القبليَّة والاقتتال.

    (7) السياسات الحكوميَّة والإجراءات الخاصة بإدارة شؤون المجمع القاعدي، والتي تبنى في الحالات على أسس غير مدروسة وغير مناسبة (قوانين الطليق وبيع زرائب الهوامل للتجار أو المواطنين) أسهم كثيراً في إذكاء الصراعات القبليَّة، وإثارة الفتن بين المزارعين والرعاة.

    وأوصي الدكتور فضل في ورقته على الآتي:

    (1) تطوير وتنمية قطاع الزراعة والمراعي بالطرق العلميَّة لزيادة الإنتاجيَّة والإنتاج في القطاعين، وبالتالي تقليل الاحتكاك والتنافس في الزراعة والحيوان.

    (2) إلغاء مبدأ الرعي المشاع في المناطق الزراعيَّة، وإبطال قوانين الطليق لتمكين وتنظيم علاقة المنفعة المتبادلة بين المزارعين والرعاة، تشجيع المزارع على بيع المخلفات الزراعيَّة لأصحاب الحيوان، وتشجيع زراعة الأعلاف في الأراضي الزراعيَّة التي يفشل فيها إنتاج المحاصيل الغذائيَّة مثل الدخن والذرة، وبذلك يؤدِّي إلى تشجيع الاستثمار في مجال إنتاج الأعلاف والذي بدوره يؤدي إلى تغيير نمط تربية الحيوان من الرعي المشاع إلى الرعي المقفول.

    (3) تشجيع الرحل، وبخاصة مربِّي الإبل، من التخلُّص من تربية الإبل والتحوُّل إلى الضأن الأكثر نمواً وفائدة من الإبل.

    (4) اعتبار دخول عناصر رعويَّة من دول الجوار (تشاد) إلى دارفور إحدى العوامل الأكثر فعالية في إذكاء الصراع في دارفور، وبالتالي يجب العمل على تقليل أو منع دورها السلبي.

    أمَّا في ندوة "دارفور ما بين التدخلات الأجنبيَّة والحلول الوطنية" فقد تحدَّث الدكتور إبراهيم الأمين عن "انتعاش القبليَّة في دارفور" وعدد أسباب الصراعات المسلحة في الإقليم في غياب مشاريع التنمية وانتشار البطالة، والجفاف والتصحر والنزوح بأعداد كبيرة إلى مناطق مستقرة، استمرار الحرب الأهليَّة في الجنوب وتداعياتها على الإقليم، وبخاصة شعار "السُّودان الجديد" الذي رفعته الحركة الشَّعبيَّة والجَّيش الشَّعبي لتحرير السُّودان، والبعد الإقليمي (تشاد وليبيا)، حيث أنَّ التوجه الليبي صوب إفريقيا بعد تخليه عن الشعارات العربيَّة، والوجود الفرنسي والمصالح الأمريكيَّة في تشاد وغيرها من العوامل الرئيسة في تأجيج الصراع في دارفور. واقترح الدكتور الأمين من الحلول – فيما اقترح – تعميق الوعي القومي والقيم الداعية للتسامح والتعايش وقبول الآخر، والإصلاح الشامل لمؤسسات الحكم، وبسط التنمية بمفهومها الشامل (تنمية متوازية) وغيرها.(33) إذن، ما هي الحلول المبتغاة في سبيل معالجة مشكلات إقليم دارفور الأمنيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة؟ إذ يمكن تلخيص هذه الحلول، كما تطرَّق لها المشاركون في الندوة السياسيَّة التي أقامتها صحيفة "الخرطوم" في العاصمة المصريَّة - القاهرة – في كانون الأول (ديسمبر) 1996م فيما يلي34)

    (1) تمليك المواطنين الموجودين في الديار المختلفة في الإقليم السلطات والصلاحيات التي تمكنهم من إدارة شؤونهم، وأن نحد من الهيمنة المركزيَّة، وذلك بتوزيع (تفويض) السلطات على الأقاليم.

    (2) تطوير الإدارة الأهليَّة، وليس إعادتها فحسب؛ فقد تطوَّرت المشكلات نفسها وتعقَّدت الحياة، فإذا عادت الإدارة الأهليَّة بشكلها القديم وبوسائلها القديمة لا تستطيع أن تساهم في حل المشكلات.

    (3) على المتعلِّمين من أبناء المنطقة أن يلعبوا دوراً هاماً، وألا يكونوا مخالب قط بأيَّة حال من الأحوال. إذ عليهم أن يكونوا متجردين وأمناء ومخلصين لقضايا أهلهم حتى يساهموا في حل هذه القضايا بنصح أهلهم والارتقاء بوعيهم، ومحاولة نصح وإرشاد ساسة الخرطوم، وعليهم أن يلعبوا دور الوسيط بين أهلهم والإدارة في الخرطوم.

    (4) ينبغي أن يكون النظام الفيديرالي ذا مضمون، وألا يكون شعارات أو شكلاً لاستغلال الجماهير كالذي يحدث الآن في السُّودان.

    (5) رفع الوصاية الاقتصاديَّة عن الأقاليم، ومن ناحية السلع والأسعار والتصدير؛ كما لا بد من رفع الوصايا السياسيَّة عن الإقليم.

    (6) إرساء أسس التنمية المتوازنة ذات بعد اجتماعي، بحيث لا ننظر للتَّعليم بأنَّه حق متنازع فيه، وإنَّما هو مدخل لتنمية الوعي حتى نهيئ لتنمية اجتماعيَّة لخلق مواطن سوداني قادر على العمل مع الآخر من منطلق الفهم والوعي والتطوُّر. كذلك لم تعد الطرق خدمات، بل هي مدخل لفتح مراكز تتيح للمواطنين فرص التفاعل السياسي والانصهار الاجتماعي.

    وكما هو معلوم فإنَّ دارفور قد عرف منذ أقدم العصور أنماطاً متعدِّدة من أشكال السلطة السياسيَّة (الشعبيَّة) التي عُرِفت فيما بعد بالإدارة الأهليَّة. وحسب الترتيب الهرمي، فقد مارس السلطان، مجلس الملك، أبو دالي (حاكم المنطقة الشرقيَّة)، أبو ديمة أو ديمنقاوي (حاكم المنطقة الجنوب-غربيَّة)، أبو توكنقاوي (حاكم المنطقة الشماليَّة)، أبو أمة أو أمنقاوي (حاكم المنطقة الجنوبيَّة)، المقدوم (نائب السلطان)، المناديب، القاضي، والشرتاي (حاكم المنطقة ومفتش القبائل) عند الفور؛ والسلطان والفرشة والشيخ عند المساليت؛ والشيخ والعمدة عند العرب وغيرهم قد مارسوا كلهم أجمعون أبتعون سلطاتهم الإداريَّة بفعاليَّة في توطيد أركان السلطنة أو الإقليم. وباتت الدَّولة تعتمد عليهم بمسميات مختلفة في جباية الضرائب، وحفظ الأمن العام، وفض النزاعات وتسوية الخلافات التي تحدث داخل المجموعة القبليَّة أو بين قبيلتين أو أكثر. وكثيراً ما كان القضاء يلجأ إلى تلك المؤسسات الأهليَّة طالباً التدخُّل للفصل في بعض القضايا المعقَّدة، كالقتل مثلاً، والتي يعجز القانون الموضوع في بعض الأحايين في وضع حد لها. لكنه تمَّ العبث بهذا الجهاز الإداري في أكثر ما يكون العبث في طول وعرض سنوات ما بعد استقلال السُّودان منذ العام 1956م، ودون الإتيان ببديل أمثل لحل مشكلات دارفور الاجتماعيَّة والسياسيَّة والتنمويَّة. ومن نافل القول نستطيع أن نخلص إلى حقيقة مفادها أنَّ الصراعات القبليَّة في دارفور قديمة قدم تأريخ المنطقة نفسها. وتتفجَّر بين العرب والعرب تارة، والعرب والأفارقة تارة أخرى، والأفارقة ضد الأفارقة تارة ثالثة؛ وكانت الأجاويد الشَّعبيَّة هي الميكانيكيَّة الاجتماعيَّة التي كان يستخدمها رجال الإدارة الأهليَّة لعقد المصالحات بين هذه الأطراف المتنازعة. ولا مريَّة في أنَّ هذه الاشتباكات الدمويَّة تنشأ دوماً من حادث عابر أو مشكل صغير، لكنه سرعان ما يستفحل لعدة عوامل منها التباطؤ أو التواطؤ الحكومي تجاه الجناة، أو بسبب ردة الفعل الانتقاميَّة من القبيلة لنصرة فرد أو أفراد القبيلة ذاتها، أو تداخل العوامل الخارجيَّة نتيجة التجاور الإقليمي لإقليم دارفور مع ثلاث دول مضطربة سياسيَّاً وتحتكم إلى القوة العسكريَّة لفض منازعاتها السياسيَّة والأثنيَّة بين الفينة وأخرى. وكذلك كان دور المركز – سراً أو جهاراً – رائساً في إلهاب النِّزاعات، ومسانداً لطرف من طرفي المشكل، بدلاً من أن تتخذ الدَّولة دور الوسيط المحايد (An honest broker) في حل مشكلات رعاياها بالعدل والمساواة وسطوة القانون. وكان هذا التدخل سافراً في عهد حكام "الإنقاذ"، وقد أحدثوا في السُّودان الحدث الذي لم يسبقهم إليه أحد من حكام السُّودان الأولين، حتى ظنَّ أهل السُّودان أنَّهم يعيشون في زمن سرمدي الذي قد لا يزول، ودبَّ الملل إلى أنفسهم دبيب الصهباء في الأعضاء، والكرى بين أهداب الجفون.
                  

العنوان الكاتب Date
دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-19-08, 02:05 AM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-19-08, 02:09 AM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-19-08, 02:11 AM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. AMNA MUKHTAR02-20-08, 03:42 PM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-20-08, 03:53 PM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-27-08, 02:40 AM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-27-08, 02:43 AM
      Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. bakri abdalla02-27-08, 06:42 AM
      Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. A.Razek Althalib02-27-08, 08:14 AM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi03-05-08, 06:47 AM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi03-05-08, 06:48 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de