دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 06:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-27-2008, 02:40 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. (Re: Khalid Kodi)

    دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته (4 من 8)/الدكتور عمر مصطفى شركيان
    Feb 25, 2008, 19:48

    دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته (4 من 8)


    الدكتور عمر مصطفى شركيان

    [email protected]

    النِّزاعات القبليَّة في دارفور

    إن كان لا بد من تفسير ما يجري اليوم في دارفور في إطار قبلي، وذلك بعد الإذعان للطريقة التي بها تعبِّر العناصر الحديثة عن ذاتها في هذا الإطار المذكور، كان لزاماً علينا أن نتبصَّر في الكيفيَّة التي بها تعمل القبائل، وبخاصة تلك القبائل ذات الإرث والتقاليد العربيَّة والإسلاميَّة. هكذا تبدو للغريب أنَّ القبائل في حروب دائمة ضد بعضها بعضاً، وقد يجادل هذا الغريب أنَّ السبب الرئيس في تكوين القبائل هو الدفاع المشترك ضد العدو الخارجي، وتقوية مقدراتها للتنافس حول الموارد الطبيعيَّة. كما أنَّ هناك رؤية أخرى وهي التعاضد المشترك للعمل الجماعي أو الانقراض الجماعي. إذ أنَّ تعاضد القبيلة وتعاونها في السراء والضراء من السمات القبليَّة العربيَّة منذ عهدهم بموطنهم الأصلي في الجزيرة العربيَّة، وتأريخ العرب - قبل الإسلام وفي ضحى الإسلام وظهر الإسلام – زاخر بقصص شعبيَّة وأخرى أسطوريَّة عن الإغارات والحروب القبليَّة وتمجيد هذه الأفعال في أشعارهم وتراثهم. فقد كنا نندهش الاندهاش كله عندما كنا نقرأ عن حرب البسوس في ضرع ناب بين بكر وتغلب، وعن حرب بُعاث في مِخرق تمرٍ بين الأوس والخزج، وعن حرب غطفان في سبق دابة (الداحس والغبراء) بين عبس وذبيان، وحرب الفِجار التي كانت في حرم مكة بين قيس وقريش وغيرها. وبالتَّالي فقد انطبعت الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة عندهم بالطابع القبلي الذي يحتم على أهلها التكتل مع بعضهم بعضاً لردع أيَّة محاولة عدوانيَّة عليهم، أو صد كل من يحاول التطاول على حمى القبيلة، مما ولد عندهم عصبيَّة قويَّة كان لحياة البداوة دور كبير في إذكائها. فالعصبيَّة – كما يقول الدكتور محمد عابد الجابري – هي "رابطة اجتماعيَّة سيكولوجيَّة، شعوريَّة ولا شعوريَّة معاً، تربط أفراداً وجماعة ما قائمة على القرابة ربطاً مستمراً يبرز ويشتد عندما يكون هناك خطر يهدِّد أولئك الأفراد – أفراداً أو جماعة (...)." فلا مُراء في أنَّه حين هاجرت بعض من هذه المجموعات القبليَّة إلى شمال إفريقيا ثم إلى السُّودان - غزاة أم تجاراً – حملت معها هذه الثقافة الغاراتيَّة، التي تعتبرها ضرباً من الفروسيَّة ونمطاً من المجد التليد الطارف، وتستوي في ذلك عيشتهم في القرى عيشة الاستقرار والدعة وترحالهم عن قراهم تتبعاً للغيث والتماساً للكلأ. وحول هذه القرى والبوادي، بما فيها من شظف العيش وقسوة الحياة والتنقل في التماس المراعي، نجد الخصومات المتصلة التي تثيرها العصبيَّة بين القبائل، والتي تنتج الغارات والحروب. وفي الأدب الشَّعبي السُّوداني نجد قصصاً عن قبائل متبدِّية لا تخضع لسلطان، وإنَّما لتعيش عيشة الأعراب في بواديهم، ويتحدَّث رواة الأدب الشَّعبي عن هؤلاء الأعراب في "الهمبتة" و"الشفتة"، وذلك مما هم به يقومون ويفاخرون من إغارات على القبائل الأخرى ونهب إبلهم ومواشيهم وماعزهم وضأنهم، وسبي نسائهم واختطاف أطفالهم، وحين يكون الهجوم على العنصر الإفريقي تأخذ العنصريَّة مجراها في الدوافع والنتائج. هذه الخلفيَّة التأريخيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة وأوهام التفوُّق العنصري هي التي اعتمدت عليها السلطات السياسيَّة المركزيَّة في الاستعانة بالمجموعات العربيَّة في التَّمليش وتوجيهها وفق رؤية سياسيَّة محددة. وفي سبيل النَّظر إلى مشكل دارفور في إطار فرضيَّة النِّزاع القبلي المسلَّح، إذن، من ذا الذي يقتل مَنْ؟ ومن ذا الذي يغير على مَنْ؟ ولماذا كان هذا القتل؟ وما هي الدوافع الكامنة وراء هذه الإغارات؟

    إنَّه لمن الأمر العسير تحديد جميع الصراعات الأثنيَّة التي نشبت في دارفور، وكذلك إنَّه لعصي علينا تحديد دوافعها وأسبابها بدقة متناهية. فلم يقتصر الصراع القبلي في دارفور بين العرب وغير العرب فقط، بل حدثت نزاعات بين القبائل العربيَّة مع بعضها بعضاً، وكذلك بين القبائل الإفريقيَّة مع بعضها بعضاَ. ففي النِّزاع العربي-العربي نجد الصِّراعات التي حدثت بين الرزيقات والمعاليا (التي تعيش تحت إدارة الرزيقات) العام 1967م، وبين الرزيقات وأبناء عمومتهم المسيريَّة الزرق، وبين البني هلبة (الذين يشتغلون بالزراعة، ويملكون ثروة حيوانيَّة) والمهيريَّة (وهم من الأبَّالة)، وبين التعايشة والسلامات وهما قبيلتان عربيَّتان. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2005م أدى القتال الذي نشب بين قبيلتين من العرب – هما الحوطية (من البقارة) والنويبة عبد الله (من الأبالة) – بالقرب من مدينة زالنجي أثر نزاع حول المرعى إلى مقتل 60 شخصاً، وإصابة العديدين بجراح، ونزوح 250 أسرة إلى مدينة زالنجي هرباً من المعارك. ثمَّ نجد نزاع الرزيقات والهبانيَّة، الذي حدث في محليَّة الضعين وراح ضحيته أكثر من 100 شخص من الطرفين العام 2006م. وفي النزاع الذي اشتعل بين الرزيقات (الأبالة) والترجم العربيَّتين في أوائل العام 2007م، ثمَّ تجدَّدت في تموز (يوليو) 2007م كانت حصيلة الضحايا 670 قتيلاً وجريحاً، وفي نيسان (أبريل) 2007م فقد الطرفان 400 مواطن خلال 3 أشهر فقط – أي أنَّ القبيلتين فقدتا أكثر من ألف شخص خلال ذلكم العام. إذ لم تفلح مقررات مؤتمر أم زعيفة للصلح بين الجانبين الذي تمَّ التوقيع عليه في نيسان (أبريل) 2007م، لذلك تجدَّدت الاشتباكات بينهما غرب مدينة نيالا في 25 تموز (يوليو) 2007م حين هجمت مجموعة من الرزيقات على الترجم وقتلت 25 شخصاً منهم، ورد أهالي ترجم بالهجوم على الرزيقات من أربع اتجاهات، حيث استمر القتال يوماً كاملاً، وأدَّى إلى مقتل 34 شخصاً. وتعتبر هذه هي المرة السَّابعة التي فيها خُرِق اتفاق وقف العدائيَّات منذ شباط (فبراير) 2007م. وحين تجدَّدت المواجهات بين قبيلتي الترجم والرزيقات ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 60 قتيلاً و23 جريحاً. وقد قال زعيم قبيلة الترجم حمد جلالي: "دفنا (في يوم) السبت 23 جثة، ونُقلت ليلاً 37 أخرى إلى مشرحة مستشفى نيالا، وتجمهر مئات من قبيلة الترجم أمام مستشفى نيالا بعد وصول القتلى والجرحى، رافضين دفن قتلاهم قبل أن تقدِّم الحكومة "تفسيراً منطقيَّاً للأحداث". والجدير بالذكر أنَّ الاشتباكات قد وقعت بين الطرفين بعد سرقة 500 رأس من أبقار يملكها أشخاص من الترجم يُعتقد بأنَّ أفراداً من الرزيقات سرقوها.(19) وتجدَّدت الاشتباكات بين السَّلامات والهبانيَّة (أم تاشا)، حيث بلغ عدد القتلى بين الجانبين 120 شخصاً وجرح آخرين. وقد جاءت هذه الاشتباكات في منطقة تقع غرب برام يوم الجمعة 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2007م.(20)

    وعلى صعيد آخر، تفجِّرت النزاعات بين القبائل الإفريقيَّة مع بعضها بعضاً؛ وتعتبر الاشتباكات التي وقعت بين "الزغاوة والمساليت" و"الزغاوة والبرقو" مثالين لتلك الصِّراعات. غير أنَّ النزاعات الأكثر شيوعاً وفتكاً هي تلك التي تحدث بين العرب وغير العرب، وذلك لأنَّ الأثنيَّة وطبيعة الحرف التي يمارسها أفراد هذه المجموعتين تختلف عن بعضها بعضاً، ويلعب هذان العنصران جانباً جهنميَّاً في تأزيم الصراع، فضلاً عن تدخل الدَّولة في معظم الأحايين لصالح القبائل العربيَّة، لأنَّها تمثِّل الامتداد الأثني للذين هم يملكون مقاليد السُّلطة في الخرطوم وفي إقليم دارفور نفسه. برغم من أنَّ هناك صراعات أثنيَّة نشبت في إقليم دارفور من قبل، إلا أنَّ الصراع الذي التهب بين العرب والفور في الفترة بين 1987-1989م كان ذا أثر بليغ. "وقد ذاقت جماعات الفور المزارعة المستقرة مرارة الخراب الذي أحدثته هذه الحرب؛ إذ فقد 2,500 من رجال القبيلة حياتهم، وأصبح المئات منهم معوَّقين. كذلك فقد الفور 40,000 رأس من الماشية وأُحرِقت لهم 400 قرية يعيش بها 10,000 نسمة، وبلغ عدد النازحين من الفور (...) في المناطق الحضريَّة في الإقليم عشرات الألوف. إذ اُقتِلعت أشجار الفاكهة أو أُحرِقت على يد القبائل العربيَّة، وفُقِدت استثمارات كبيرة من السيارات وطلمبات المياه والمحاريث والمطاحن (...). وفقدت المجموعات العربيَّة، الطرف الآخر من الصراع، 500 قتيل، 200 معوَّق، و3,000 رأس من الماشية، وحُرِقت المئات من الخيام والمساكن. حيث أنَّ منطقة الفور تمثِّل البوابة الإستراتيجيَّة الآمنة لإمدادات الغذاء في دارفور، (إذ) لم يكن مدهشاً أن تمر معظم المجموعات في دارفور بنقص خطير في المواد الغذائيَّة خلال وبعد الحرب، (حتى) تصاعدت أسعار الغذاء."(21) وتفجَّرت الاشتباكات بين الرزيقات (العربيَّة) والبرقو (الإفريقيَّة) في تموز (يوليو) 2004م، مما أدَّى إلى مقتل 70 شخصاً ونزوح 35,000 آخرين في إقليم دارفور، حيث تمَّ العثور على 14,000 من هؤلاء الفارين من ديارهم.(22) ففي أحداث قرية حمادة بولايات دارفور راح ضحيتها أكثر من 110 مواطنين، وكان الضحايا من قبيلة البرقيد غير العربيَّة والمتهمين من أفراد بعض القبائل العربيَّة. وكذلك أدَّت الاشتباكات التي وقعت بين قبيلتي المعاليا والزغاوة في منطقة عديلة في ولاية جنوب دارفور في يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006م إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، ونُهبت فيها 600 رأس من الإبل، ونزوح عدد كبير من المواطنين إلى عديلة والضعين. وفي الاشتباكات التي اندلعت بين الفلاتة (العربيَّة) والقِمِر (الإفريقيَّة) بمنطقة رهد أزقول قرب محليَّة تُلس بولاية جنوب دارفور في كانون الثاني (يناير) 2008م، لقي 11 شخصاً من الفلاتة مصرعهم وجُرِح 7 آخرون، إلى جانب قتلى من الطرف الآخر يفوقون 22 فرداً، فضلاً عن اختطاف بعض عربات المواطنين. وقد بدأت فعاليات مؤتمر الصلح بين القبيلتين تحت رعاية والي ولاية جنوب دارفور – علي محمود – في نيالا في الفترة 15 – 18 كانون الثاني (يناير) 2008م، داعياً لجنة الأجاويد إلى العدالة والإنصاف و"طول البال" في إطار التوسُّط لإصلاح ذات البين، ومطالباً القبيلتين بالتجرُّد التَّام للوصول إلى نتيجة مرضيَّة (...) ليسود الأمن والاستقرار في المنطقة (...). والجير بالذكر أنَّ الأحداث التي دارت بين القبيلتين العام 2007م حصدت أرواح ما يقارب ال 100 شخص، إلى جانب أنَّ المشكل بين القبيلتين في السَّابق كانت من أعنف المشكلات القبليَّة التي شهدتها الولاية، إلا أنَّها اختتمت بمؤتمر صلح جامع بولاية غرب دارفور العام 1987م.

    أمَّا في حال المساليت، فقد بدأت المشكلات المعاصرة في منطقتهم حين خلقت الجبهة القوميَّة الإسلاميَّة 30 منصباً بلقب أمير في المنطقة الإداريَّة التقليديَّة لأهل مساليت، وملأت هذه الوظائف بالعرب، وبخاصة عرب أم جلول. فسرعان ما نظر أهل المساليت لهذا العمل بأنَّه وسيلة من وسائل الحكومة لتقليص سلطانهم وتهميش دور قادتهم التقليديين. هكذا كانت ردة فعل المساليت غاضبة وعنيفة، وتفجَّر النِّزاع بينهم وبين العرب، وتدخَّلت الحكومة بتغيير حاكم غرب دارفور – محمد أحمد فضل – باللواء حسن حمدين، الذي وضع الإقليم تحت حكم عسكري. وقد أعقبت هذا الإجراء حملات اعتقالات واسعة، وتعذيب وسط القادة النَّافذين في دار مساليت، وبخاصة من كانوا من ذوي العلم والمعرفة، أو أصحاب سلطة قبليَّة كالعمد والشيوخ وأعضاء المجلس البلدي. وفي هذه الأثناء قامت المليشيات العربيَّة المدعومة بواسطة الحكومة بالإغارات على قرى المساليت منذ آب (أغسطس) 1995م. وفي إحدى هذه الإغارات شنَّت الميليشيات هجوماً على قرى المساليت المعروفة باسم مجمري - وهي تقع شرق مدينة الجنينة – وتمَّ حرقها تماماً، وقُتِل 75 شخصاً، وجُرِح 170 آخرين، ونهب 600 رأس من الماشية. وفي حادث مماثل، هاجمت الميليشيات العربيَّة قرية شوشتة جنوب-غرب الجنينة في مساء 5 تموز (يوليو) 1996م وقتلت – على أقل تقدير – 45 شخصاً، وكانت غالبيَّة الضحايا من النساء والأطفال. وكانت تتم هذه الهجمات ليلاً حين يهجع أهل المساليت إلى النوم؛ وفوق ذلك كله كانت هذه الإغارات تُشن قبيل الحصاد، حتى يتم تجويع من بقي على قيد الحياة. فلم يكن النِّزاع بين العرب والمساليت ذا طابع محلي فحسب، بل أخذ طابعاً إقليميَّا وعربيَّاً. ففي هجوم الميليشيات على قرى جبل جنون استطاع أهل مساليت قتل بعض أفراد الميليشيات، وعند فحص هُويَّاتهم كان من بين القتلى من كان سوريَّاً هو محمود محمد شغر، وليبيَّاً يدعى فتحي عبد السَّلام، وجزائريَّاً يسمَّى بلوغي حماد وعدد آخر من تشاديين وسودانيين من أجزاء أخرى داخل السُّودان، مما يوضِّح بوضوح اشتراك تنظيم الحركة الإسلاميَّة (الأخوان المسلمين) العالميَّة في هذه العمليات. ثمَّ تكرَّرت هذه المآسي في 26 آذار (مارس) 1997م، وفي نيسان (أبريل) 1997م، والعام 1998م. وقد أخذت الأحداث صورة مأسويَّة أكثر في يوم 17 كانون الثاني (يناير) 1999م – أي في اليوم الأول لعيد الفطر المبارك – إثر حادث مقتل أحد المزارعين المساليت بواسطة إعرابي أطلق حيواناته على مزرعة المسلاتي المسن. إذ تطوَّرت هذه الأحداث بما عُرِفت ب"أحداث العيد الدَّامية بالجنينة"، واستنفرت الحكومة ميليشياتها، وقامت بإغارات جويَّة وبريَّة على قرى المساليت في المنطقة، كانت حصيلتها مقتل 2,000 من المساليت، وجرح آلاف آخرين، وهروب آخرين ولجوئهم إلى تشاد، ليعيشوا تحت وطأة ظروف إنسانيَّة سيئة للغاية. وفي شباط (فبراير) 1999م عقدت حكومتي تشاد والسُّودان اتفاقاً أمنيَّاً يقضي بمراقبة اللاجئين، ووقف المعارضة السُّودانيَّة أو التشاديَّة من العمل داخل أراضي بعضهما بعضاَ، وتعزيز الاتفاقات السَّابقة حول تبادل المجرمين، مما فتح الأبواب على مصاريعها لاعتقال قادة المساليت في تشاد وإرسالهم إلى السُّودان، ليقعوا تحت وحشيَّة النِّظام السُّوداني. والغريب في الأمر أنَّ هذا الاتفاق قد تمَّ التَّوقيع عليه في إنجمينا – حاضرة تشاد – بين وزير الخارجيَّة السُّوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل من جهة، ونظيره التشادي محمد صالح نظيف من جهة أخرى، حيث ينتمي هذا الأخير إلى ذات القبيلة العربيَّة التي قامت بالمجازر البشريَّة ضد أهل مساليت في دارفور.(23) إذن، ما هي العوامل الماديَّة والبشريَّة المحركة للنِّزاعات المسلَّحة التي تنشب بين القبائل أو وسط المجموعة الأثنيَّة من وقت لآخر في إقليم دارفور؟

    لقد رصد الدكتور محمد سليمان آدم – الأمين العام للسلطة الانتقاليَّة في دارفور حالياً – النزاعات القبليَّة ومؤتمرات الصلح في دارفور منذ العام 1957م حتى العام 1999م، ولخَّص الأسباب الرئيسة في نشوب هذه الصراعات – برغم من تعقيداتها وكثرتها – في الآتي: طرق سير الرعاة (المسارات)، الجفاف والتصحر، التدخل الحكومي، نظام الديار أو الحيكورة، والنَّهب المسلَّح. وقد شهدنا كيف استغلَّت الحكومة المركزيَّة في السبعينيَّات من القرن الميلادي الماضي نظام الحكم الإقليمي – الذي فرضته حكومة جعفر محمد نميري – لممارسة أسلوب "فرِّق تسد" في الحكم، بدلاً من استخدامه في نقل السُّلطة الحقيقيَّة إلى مواطني إقليم دارفور، كما حدث جليَّاً في نزاع قبيلتي القِمِر والفلاتة العام 1987م. ففي حال العامل البيئي نجد أنَّه حين ضرب الجفاف والتصحر منطقة شمال دارفور نزحت المهيريَّة بإبلهم إلى الوديان ودخلوا في مزارع البني هلبة، كما أنَّ نزاع التعايشة والسلامات هو صراع إداري وحول عموديَّة، حيث تحول إلى مشكل كبير، مما أدَّى الأمر إلى استدعاء الجِّيش لحماية المتحاربين. بالإضافة إلى هذه العوامل البيئيَّة، نجد أنَّ هناك عوامل اقتصاديَّة واجتماعيَّة وسياسيَّة وتأريخيَّة وعرقيَّة وغيرها. والنزاعات السياسيَّة في دارفور هي الأكثر دمويَّة لأنَّ مسبباتها خارجيَّة عن الإقليم أو السُّودان، أما النزاعات الأخرى بين الرعاة والمزارعين فإنَّها تحل دوماً في إطار الإدارة في الإقليم أو في إطار "الأجاويد" (الصلح المحلي) من المشايخ والعمد. إذن كيف فكَّرت الإدارة السَّابقة في دارفور في حل مشكل نزوح القبائل الرعويَّة حتى لا تصطدم في اشتباكات دمويَّة مع أخرى زراعيَّة مستقرة؟ ففي هذا الصدد يقول السيد أحمد إبراهيم دريج – حاكم إقليم دارفور الأسبق (1981-1983م) – إنَّهم فكَّروا في منطقة تكون مهيأة لاستيعاب النازحين، أو مكاناً لانتقال بعض القبائل، واختاروا منطقة "قوز دنقو" القريبة من الحدود مع جمهوريَّة إفريقيا الوسطى، وهي منطقة رمليَّة يمكن للرعاة العيش فيها، كما يمكن المزارعين العمل بها، إلا أنَّ هذه المنطقة كانت تحتاج إلى تهيئة مما يعني أن تقرِّر الدولة ميزانيَّة لها لإقامة مدارس ومراكز علاج. وقبل ذلك اقترح السيِّد دريج على الحكومة الملايين من الجنيهات التي كانت تقدِّمها السوق الأوربيَّة لمشروع غرب السافنا، إلا أنَّهم وجدوا أنَّ هذا المشروع لا طائل منه، لأنَّ الجزء الأكبر من الأموال تُصرَف على العربات والبنزين.(24)

    مهما يكن من شيء، فقد تطوَّرت هذه النزاعات وأخذت طابع ما بات يسمَّى ب"النَّهب المسلح". فقد تفشَّت ظاهرة "النَّهب المسلَّح" في دارفور في بداية السبعينيَّات من القرن الماضي الميلادي. إذ استهدفت هذه الظاهرة – فيما استهدفت – أرواح وأموال المواطنين الأبرياء، وفي ذات الوقت صاحبت هذه الظاهرة تقاعس السُّلطة المركزيَّة عن القيام بمهامها في تسليح ورفع كفاءة قوات الأمن في الإقليم، حتى تضطلع بدور فعَّال في ردع هذه العصابات. إذ يعود ظهور هذه العصابات إلى عدة عوامل نذكر منها:

    (1) الحرب التشاديَّة-التشاديَّة.

    (2) الحرب الليبيَّة-التشاديَّة.

    (3) التدخلات الأجنبيَّة داخل الإقليم.

    (4) دور المركز – وبمداخل مختلفة – في إزكاء الصراعات داخل الإقليم، وإضرام نار الاضطراب الأمني، وعدم الاستقرار في الإقليم، وهذا عنصر غير مرئي.

    أما الباحث الأكاديمي محمد آدم فاشر فيرى أنَّ أسباب الصراعات المسلحة في دارفور تعود إلى عوامل مباشرة وأخرى غير مباشرة. ومن العوامل المباشرة يذكر محمد آدم فاشر ما يلي:

    (1) التحريض السياسي.

    (2) محاولة الحكومات في ضرب التطلعات السياسيَّة عن طريق جماعة سكنت في الإقليم منذ وقت طويل، ولكنها لم تنس جذورها التي تمتد إلى مناطق سودانيَّة أخرى ظلَّت على الدوام تلعب دور مخلب قط في تأجيج الصراعات القبليَّة.

    (3) قلة مصادر المياه.

    (4) الحدود القبليَّة المقدَّسة – بغياب مفهوم الدولة الحديثة، حيث أنَّ دارفور أقرب إلى المملكة القديمة من جزء من الدولة الحديثة إذا كانت حديثة فعلاً.

    (5) التصحر – القحط في شمال دارفور، وتداخل نطاق الرعي والزراعة في جنوب دارفور (مقروءة مع البند (4)).

    (6) عدم توفير الاعتمادات اللازمة لحفظ الأمن في الإقليم.

    (7) إسناد مهمات حفظ الأمن إلى الجيش، وإطلاق اليد للقيام بأعمال العنف المبالغ مع تجاوزات خطيرة، مما يترتَّب عليه آثار جانبيَّة أخطر من المشكل الأساس.

    أما الأسباب غير المباشرة فيرى الأستاذ فاشر أنَّها تتلخَّص في الآتي:

    (1) إمكانيَّة الحصول على السلاح من الدولة وخارجها.

    (2) وجود عدد كبير من الجنود المسرَّحين من الخدمة كعادة المؤسسة العسكريَّة السُّودانيَّة أن تسرح أغلب الجنود بعد خدمة ست سنوات.

    (3) استثمار الأميَّة من جانب الحكومات المتعاقبة بغرض تسخيرهم لخدمة الجنديَّة في حفظ توازن الحرب على الأقل.

    (4) استثمار الأميَّة بغرض استخدامهم كأيد عاملة رخيصة في المشاريع الزراعيَّة، وفي المنازل، وفي الإنشاءات المعماريَّة - أي الذين يبنون القصور وهم بلا مأوى، وهو حديث منسوب لإسماعيل خورشيد – وغيرها بأبسط مقومات الحياة.

    (5) استثمار الأميَّة بغرض إقصائهم من المساهمة في السلطة لبسط الهيمنة.

    (6) غياب مشاريع التنمية التي تستوعب بعض الأيدي العاملة.

    (7) فتح البلاد مجالاً للصراع بين القوى الأجنبيَّة، وقد حُسِمت معظم أو كل الصراعات التشاديَّة-التشاديَّة أو الليبيَّة-التشاديَّة داخل دارفور في الفترة الممتدة من 1981-1990م.

    (8) عدم وجود كوادر أمنيَّة مؤهلة لمعرفة أنماط وأبعاد الخلافات الأثنيَّة في السُّودان عامة وغرب السُّودان خاصة.

    (9) نزوح جماعات كبيرة من تشاد بحثاً عن أماكن استقرار لها في دارفور.

    (10) عدم ثقة حكومات السُّودان بأبناء الإقليم في إدارة شؤونهم لاعتبارات سياسيَّة (وعنصريَّة)، مما ترتَّب على ذلك فرض طاقم الحكام من خارج الإقليم لم تكن كل اهتماماتهم قضايا دارفور وإن شذَّ منهم القليل.

    (11) عدم وجود الطرق البريَّة الصَّالحة على الأقل والجسور على الأودية.

    (12) الأطروحات الأيديولوجيَّة وأنواع الإسلام والقوميَّات عابرة القارات والبحار؛ فالمواطن البسيط لا يستطيع أن يستوعب الطَّرح كما هو المتصدِّر، أو إدراك أبعادها الحقيقيَّة.

    (13) الدور غير الفاعل لبعض القيادات السياسيَّة من أبناء الإقليم، وتقوقع بعضهم لنتائج الصراعات واستجابة البعض للتحريض، وانصراف أغلب المتعلِّمين للمؤسسات الأكاديميَّة.

    (14) الاستيطان وعدم التأهيل للاغتراب.

    وكما أسلفنا الذكر، يلعب المسؤولون الحكوميُّون وإعلام الدولة دوراً فعيلاً في إثارة النعرات العنصريَّة وإلهاب المشاعر الجهويَّة. وفي هذه الأثناء نذكر أنَّه في عهد نظام الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري اعتبرت الحكومة المقاتلين - الذين شاركوا في حركة العميد محمد نور سعد في 2 تموز (يوليو) 1976م - مرتزقة، وإنَّهم غير سودانيين. وفي ذلك الحين من الزَّمان وقف الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم – أحد قادة نظام مايو - يهتف: "لا غرَّابة بعد اليوم"، لأنَّ من بين الذين قدموا من ليبيا في تلك الحركة كانوا من الزغاوة، وهم مواطنون سودانيُّون في إقليم دارفور بغرب السُّودان. هذا وقد استاء الزغاوة من هذا الهتاف الصفيق، وكان الطيِّب المرضي حاكماً لإقليم دارفور، حيث شعر بأنَّ الزغاوة بوزنهم في الإقليم سوف يؤثِّرون على مجريات الأحداث، فسافر على متن أول طائرة إلى الخرطوم، ونقل هذا الاستياء "الزغاوي" إلى الرئيس نميري. فطلب منه نميري أن يحضر وفد منهم ليعتذر لهم عن هذا الهتاف، ويجبر بخاطرهم، وبالفعل أعلن الرئيس نميري ذلك في الإذاعة، وعيَّن المهندس محمود بشير جماع وزير دولة بوزارة الري، ومن قبل كان يشغل وظيفة مساعد وكيل وزير الري، ولكن تمَّ فصل جماع بعد شهرين عندما هدأت الخواطر. ثمَّ كان هناك انقلاب المقدم حسن حسين عثمان وهو بديري أو هواري، إلا أنَّه من غرب السُّودان – كردفان؛ وقد وُصِفت محاولته الانقلابية بالعنصريَّة. هذا ولم يفلت النُّوبة، الذين شاركوا في هذه المحاولة، من إساءات الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم. هذه المفاهيم ينبغي أن تُصحح، وعلى المسؤولين والإعلام الحكومي أن يؤكِّدوا بأنَّ أي مواطن – إن كان من دارفور أو كردفان أو الجنوب أو أي مكان آخر في القطر – من حقه السياسي أن يحكم السُّودان، ويتمتَّع بحقوقه الدستوريَّة كاملة بدون نقصان.(25) ففيما مضى ومما يلي لا شك في أنَّ المركز قد أخذ يلعب دوره الجلي في إزكاء نار الفتنة القبليَّة والنعرات العنصريَّة وإحداث شرخ في البنية القبليَّة في إقليم دارفور في كل العهود السياسيَّة منذ استقلال السُّودان العام 1956م. إذ يمكن تلخيص هذه الأدوار في الآتي26)

    (1) إعادة تقسيم إقليم دارفور؛ إذ أنَّ هذا التقسيم يأتي كجزء من المحاولات المستمرة لإضعاف الوحدة الجغرافيَّة والإداريَّة والسكانيَّة. فمثلاً نجد استقطاع أجزاء كاملة من الإدارات الأهليَّة – المعروفة باسم "حواكير" منذ عهد بعيد (عهد السلاطين) – وإخضاعها لولايات أخرى قُصِد منها إثارة فتنة في الإقليم أو في بعض مناطق الإقليم.

    (2) الهيمنة المركزيَّة على الأقاليم، فمثلاً نجد أنَّ السلطة الانتقاليَّة العام 1985م قد قامت بإعادة مركزة السلطات الإقليميَّة، وصدرت قرارات بإعادة مركزة مرافق الكهرباء والإسكان دون استشارة حكام الأقاليم، ومن قبل كان أهل الأقاليم المختلفة ينظرون إلى الحكم الإقليمي بأنَّه من المكتسبات التي ليس من المفترض العبث بها.

    (3) في ظل النظام الفيديرالي المطبَّق حاليَّاً في السُّودان يصدر رئيس الجمهوريَّة قرارات بتعيين الولاة في كل الولايات (فيما عدا الولايات المحكومة وفق اتفاقيَّة السلام الشَّامل للعام 2005م). هؤلاء الولاة هم في مستوى سلطات ضباط مجالس ريفيَّة، والمجالس الريفيَّة كان يتم تكوينها في السابق بواسطة مجلس الشعب الإقليمي، ولذلك نرى أنَّ الإجراءات المسماة فيديراليَّة لم ترتق في مضمونها وصلاحياتها لسلطات الحكم الإقليمي حتى ذلك الذي طُبِّق في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري.

    (4) برغم من إعادة الإدارة الأهليَّة في دارفور في عهد حاكم دارفور السابق - الدكتور التجاني السيسي - لكي تعني بشؤون الأهل والقبائل بواسطة النظار والعمد والمشايخ دونما تدخل من قبل السلطة التنفيذيَّة في الإقليم، إلا أنَّ النظام "الإنقاذي" في الخرطوم قد قام بإنشاء إدارات موازية للإدارات الأهليَّة، وسموا هذه الإدارات أمارات، والقائمين عليها أمراء. وبناءً على هذه الإدارات الموازية، تمَّ تعيين سلطان للفور في الخرطوم، وكان هذا المسلك هو السبب الأساس للصراع القبلي في دار مساليت حينما تمَّ تعيين بعض الأمراء العرب في سلطنة دار مساليت، مما أدى إلى الحرب القبليَّة بين الطرفين – كما أوردنا
    سلفاً.(27)

                  

العنوان الكاتب Date
دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-19-08, 02:05 AM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-19-08, 02:09 AM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-19-08, 02:11 AM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. AMNA MUKHTAR02-20-08, 03:42 PM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-20-08, 03:53 PM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-27-08, 02:40 AM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi02-27-08, 02:43 AM
      Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. bakri abdalla02-27-08, 06:42 AM
      Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. A.Razek Althalib02-27-08, 08:14 AM
  Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi03-05-08, 06:47 AM
    Re: دارفور .. حقيقة الصِّراع ومآلاته ، الدكتور عمر مصطفى شركيان. Khalid Kodi03-05-08, 06:48 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de