|
Re: مؤتمـر الخريجين .. ذكـرى اسـتعادة تاريخنـا الـوطنـي بعد 70 عامـا (Re: حسين يوسف احمد)
|
خواطر حول الذكرى الخمسين لمؤتمر الخريجين
في الثاني عشر من فبراير عام 1938 أعلن ما يقارب الـ 1200 من خريجي كلية غردون والمدارس الوسطى في السودان عن تأسيس مؤتمر الخريجين كحركة ( هدفها المصلحة العامة على وجه العموم ومصلحة الخريجين على وجه الخصوص ) . وكان اجتماعهم في أم درمان ، وكان المجتمعون يمثلون الخريجين في مختلف أنحاء البلاد .. هذا الحدث البسيط ، قدر له أن يشكل نقطة انعطاف مهمة في تاريخ السودان الحديث ، وبداية تدشين الطور الثاني في تاريخ الحركة الوطنية الحديثة ، الذي ظل يتصاعد منذ ذاك التاريخ ، حتى تمكن من انتزاع استقلال البلاد في الأول من يناير 1956 . لهذا السبب بالتحديد كان لهذا الحدث أثره وبصماته الواضحة في تطورات الفترة الممتدة حتى اعلان الاستقلال ، والفترة اللاحقة بما في ذلك الفترة الراهنة نفسها ، فالكيانات السياسية والاجتماعية القائمة اليوم هي في معظمها إن لم نقل كلها ، نتاج للتطورات والمتغيرات التي أحدثتها وحركتها حركة الخريجين بسماتها الفكرية والسياسية المميزة . وفي هذه الذكرى سنلقي مزيدا من الضوء على حركة الخريجين والظروف التي السياسية والاقتصادية التي نشأت فيها ، والقوى الاجتماعية التي نشأت فيها ، والقوى الاجتماعية التي تمثلها ، وعلى انجازاتها الحقيقية ، وحدود قدراتها السياسية ، وذلك بهدف التعرف على الجذور التاريخية والسياسية والاقتصادية للحركة الوطنية التي حققت انجاز الاستقلال السياسي وتحملت مسؤولية بناء الدولة السودانية الحديثة خلال فترة الاستعمار ، وفترة الديمقراطية الأولى ( 1954 ـ 1958 ) على الأقل . ظلت قوات الاحتلال البريطاني منذ دخولها أم درمان في العام 1898 تواجه العديد من الانتفاضات الشعبية في مختلف أنحاء البلاد . وكانت انتفاضة ود حبوبة ، تمثل أقوى تلك الانتفاضات ، إذ كانت تمثل امتداد لتراث وتقاليد الثورة المهدية ومضامينها الوطنية ، وتعبيرا عن الاصرار الفلاحي العنيد لاستعادة السيادة الوطنية والقومية رغم انتكاسة الثورة المهدية في كرري . لكن هذا الانتفاضات جميعها اختنقت تحت وطأة التخلف ، والحصار الاستعماري والحكم العسكري المركزي ، وبسبب التغييرات الاجتماعية والاقتصادية الجارية وقتها وسط المجتمع السوداني . لذلك لم تتمكن من تحويل السخط الشعبي على الاحتلال إلى حشد نضالي فاعل ومتواصل كما فعل المهدي أبان الاستعمار التركي ( 1821 ـ 1885 ) ، ومع ذلك استمرت المقاومة في شكل انتفاضات قبلية ، وفي أشكال سلبية أخرى متمثلة في تمسك جماهير الشعب بقيمها وتراثها العربي الاسلامي ، والتقوقع داخل هذه القيم بأشكالها التقليدية كأسلوب وحيد للرفض والكبرياء .. لذلك بقى مصير حركة المقاومة الوطنية رهين بنمو قوى اجتماعية جديدة في صلب المجتمع ، تقوم على تركيب اجتماعي واقتصادي أكثر تقدما من القبيلة والطائفة الدينية المرتطبة بالزراعة والرعي أساسا ، هذه القوى هي ما يسمى بفئات الطبقة الوسطى المرتبطة بالمدينة والنشاط التجاري والزراعي الحديث ومؤسسات جهاز الدولة الاستعماري الذي أنشأته قوى الاستعمار لتمكينها من سيطرتها على الوطن .. هذه الفئات هي التي نظمت وقادت الرحكة الوطنية السودانية في طورها الأول خلال الفترة 1919 ـ 1924 ، بكل خصائصها الايجابية والسلبية والمستمدة أساسا من طبيعة هذه الفئات الوسطية أثناء تلك الفترة . من اين جاءت هذه الفئات ؟؟ حاجة الاستعمار البريطاني إلى جهاز اداري وعسكري اقتصادي فرضت عليه السماح بتدريب مجموعات من العسكريين والموظفين والقادرين على تسيير هذا الجهاز في درجاته الدنيا ـ فأنشأ مؤسسات تعليمية ابتدائية ووسطى بالاضافة إلى كلية غردون ، وامتدت خطوط السكك الحديدية من مناطق انتاج المحاصيل في الغرب والوسط والشمال حتى ميناء بورتسودان ، وذلك بهدف تحويل السودان إلى مزرعة تمد الصناعات الربيطانية باحتياجاتها من المواد الخام الزراعية وإلى سوق مضمون لمنتجاتها المصنعة .. وقام مشروع الجزيرة ومشاريع أخرى لانتاج القطن ... الخ المهم في هذه التطورات في مجملها ، أدت إلى نشوء العديد من المدن كمراكز تجارية وادارية ، وإلى نمو فئات وسطى عديدة بدءا بالموظفين والعسكريين وانتهاء بالحرفيين والتجار .. بالاضافة إلى عمال الورش ومزارعي المشاريع المروية وكانت هذه الفئات تواجه وقتها الفئة الارستقراطية الدينية والقبلية التي تربت ونمت في كنف سلطات الاستعمار .. بالاضافة إلى قوى الاستعمار نفسها ..
نـواصل باذن الله >>>>
|
|
|
|
|
|
|
|
|