أصبحت أحن الى الماضى فى كل شئ .... وكانت المدرسة مدرسة فى كل مكوناتها ... وكان الأستاذ أستاذ بكل المعنى .... ولم اسمع حينذاك بأن تلميذا ما قد أحضر والده شاكيا الأستاذ ..... وكان والد التلميذ عندما يقابل مدير المدرسة الذى يخشاه الأساتذه التلاميذ .... يقول له لكم اللحم ولى العظم .... بمعنى إجتهدوا فى تربية إبنى وتعليمه ... ولا أخشى معاقبتكم له عند تقصيره .... وكان النظام فى الداخليات انجليزيا بحتا .... النظافة الصباحية للمساكن... أى تلميذ تقتطع له مساحة يكون مسئولا عن نظافتها..... وبعدها شرب الشاى وهذا يتم بصورة منظمة ..... بالإصطفاف....يحث يقف التلاميذ صفا ... وتمر عليهم (الكفتيرة ) - براد الشاى الكبير للذين لا يعرفون – ولكل تلميذ كباية – أم خريس – من الحديد .... تشابه كباية الصينى الحالية ( المك). بعدها النظافة الصباحية للمدرسة ثم الى الطابور الصباحى ... للوقف على الغائبين ... والمرضى ... والنظافة الجسدية ونظافة الملابس ثم بعد ذلك الدخول الى الفصول لحضور الحصص. وغالبا الحصص الأولى فى الدراسة الروتينية اليومية حصتان بعدها يخرج التلاميذ لتناول وجبة الإفطار.... ثم العودة لمواصلة الدراسة ... بعدها حصتان ثم راحة لمدة تترواح ما بين الخمسة الى العشرة دقائق لشرب الماء ثم تتواصل الدراسة بحصتين أخريتين ثم بعدها الى العنابر. يأتى زمن الراحة الإجبارية .... حيث يبقى جميع التلاميذ فى مساكنهم (العنابر) ...دون اى كلام (هرجلة ) والذى يتكلم أُثناء فترة الراحة سيعاقب حتما... يخرج بعدها التلاميذ لتناول وجبة الغداء .... ثم الى المناشط الرياضية ... فى العصريات ... ثم يأتى المساء وبمغيب الشمس يكون هناك طابورا آخر يطلقون عليه (التمام) .... لمعرفة الغائبين وأصحاب الأذونات. بعدها يتسامر التلاميذ لحين وجبة العشاء ثم يواصلون تسامرهم ولعبهم ... ثم يقرع الجرس للنوم ... هذا هو النظام الذى افتقدناه .... وراح معه تقدمنا .... ظللنا نزحف الى الوراء ... ولنعطى الأناشيد والمحفوظات حقها ..... كان كتاب الأناشيد و المحفوظات مكانا لبروز مواهب التلحين واللحن الشجى. وكانت الأناشيد على بساطتها معبرة جدا بحجم عقولنا ومقدرتها المعرفية حينذاك وكان لها طعم خاص .ومنها على سبيل المثال لا الحصر : السنة الأولى : غنمى ترعى طول اليوم ... وهى شبعى ...طول اليوم ... السنة الثانية: أنظر أخى للنهر ..... فيه المياه تجرى . تجرى على استمرار ..... بالليل والنهار. وكلما أمرُّ .......... أسمعها تخرُّ. كأنها تغنى ........ بنغمٍ ولحنٍ. فهى لنا حياةٌ .....من خيرها نقتاتُ. السنة الثالثة : رأى الغراب جبنة فى دار..... لبعض قوم من ذوى اليسار فسل منها قطعة وطار........... كأنه قد ملك الأمارة وحينما حط على أحد الشجر ......رآه ثعلب فأحدق النظر . فقال له يا محسن الغناء ........ ويا مخجل الطيور والظباء. لى سنة أطلب ان أراك ...... لأسمع الجميل من غناءك . فإمتثل الغراب لقول الثعلب .... وصار يشدو بالغناء المطرب . فأوقع الجبنة من منقاره ...... غنيمة باردة لجاره .... فأمسكها الثعلب وإنتشلها .... بفمه ......بعد ان أكلها .. قال له يا غراب ما ظلمتك .... لكن بمثل ما عاملت قد عاملتك. والمال لا يخرج من كف الفتى .... إلا من الباب الذى منه أتى .
وفى السنة الرابعة : منقو لا عاش من يفصلنا . ويبدوا ان دعوة المؤلف لم يستجاب لها بدليل إنه لليوم لم يدخر الخواجات وسعا ولا حيلة ولا مكيدة لفصل جنوب السودان عن شماله. وفى السنة الخامسة :
أنا لن أعيش مشردا ... أن لن أظل مقيدا انا صاحب الحقل الكبير .... وصانع منه الغدا انا ثورة كبرى تزمجر .... بالعواصف والردى . انا نازح دارى هناك ... وكرمتى والمنتدى .. وطنى هناك .... ولن أظل بغيره متشردا. سأعيده وأعيده .... وطنا عزيزا سيدا . سأزلزل الدنيا ... غدا وأسير جيشا أوحدا لى موعد فى موطنى .... هيهات انسى الموعدا
و إذا ما نفخ الله فى صور المؤلف وقام من موته لسألنا ( ما حررتو فلسطين لليوم ، طيب قاعدين تعملوا فى شنو؟) ولم يدرى بأن قشر تفاح مؤتمر أنابوليس لم يحال الى محطة معالجة القمامات بعد.
وتمر بالسنة السادسة : لتجد النخلة الحمقاء التى خاطبت نفسها بأن كيف لا تقصر على نفسها عوارضها ويبقى لغيرها الظل والثمر؟ ... وظلت عارية عند مجى الموسم كأنها وتد فى الأرض أو حجر ....فلم يطق صاحب البستان رؤيتها فأجتثها فهوت فى النار تستعر ... والحكمة هنا .... ومن لم يسخو ... بما تسخو الحياه به..... فإنه جاهل بالحرص ينتحر.. وهنا ينسدل الستار على المسرحية النظام.... لتبدأ الفوضى والهرج والمرج الذى ظللنا قابعين فيه .... بينما تقدمت الأمم وذهبت بعيدا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة