توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 03:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-26-2007, 09:01 PM

محمدين محمد اسحق
<aمحمدين محمد اسحق
تاريخ التسجيل: 04-12-2005
مجموع المشاركات: 9813

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . (Re: أنور أدم)

    الاخ محمد علي ..لعله من المفيد ان اضع الدراسة الاولي التي تعنيها
    حتي تسهل المتابعة ..الراس ما كراس ..


    ---------




    1
    أزمة الهوية في شمال السودان 1
    متاهة قوم سود...ذوو ثقافة بيضاء
    ما وددت أن أكون غير ذلك الرجل الذي يرقد تحت جلدي
    والذي لابد أن أعرفه 2
    بقلم د. الباقر العفيف
    ترجمة الخاتم عدلان
    خلفية الدراسة :
    تشتعل في السودان حرب هي الأطول عمرًا في أفريقيا، وربما في العالم كله. استمرت هذه
    الحرب ثلاثين عامًا، قتل فيها ما يقارب ال 1.9 مليونًا من البشر وشرد 5 ملايين آخرين. وقد قتل
    منذ أن استولت هذه الحكومة على الحكم عام 1989 م، بسبب الحرب واﻟﻤﺠاعة الناتجة عنها، عدد
    أكبر مما قتل في الحروب البوسنية والرواندية والصومالية مجتمعة 3. وفي محاولاﺗﻬم لفهم جذور الحرب،
    اتبع المؤرخون والمحللون السياسيون السودانيون، منهجين. الجيل الأول من هؤلاء ركز بصورة
    أساسية علي القوى الاستعمارية، ومخططاﺗﻬا المحسوبة لفصل الجنوب عن الشمال ببذر بذور الكراهية
    في الجنوب. و لكن وبعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الوطني ما تزال الحرب قائمة، ليس هذا
    فحسب، بل تفاقمت, واتخذت سيماؤها الدينية الكامنة, شكلها الواضح والمكتمل. وقد دفع هذا
    الواقع أجيا ً لا جديدة من السودانيين للتفكير في الأمر بصورة مختلفة. وهنا برز المنهج الثاني، لينقل
    مركز الاهتمام من العدو "الخارجي" إلى العدو "الداخلي" عندما يحاول الوصول إلى جذور الحرب،
    باعتبارها نزاعًا بين الهويتين الرئيسيتين في البلاد: الشمال والجنوب. وهناك الآن اتفاق واسع بين
    السودانيين، شماليين وجنوبيين علي حد سواء، أن بلادهم تعاني أزمة الهوية الوطنية. وأصبحت الحرب
    بالنسبة لهم وبصورة جوهرية، حربًا للرؤى، كما عبر عن ذلك تعبيرًا بليغًا، فرانسيس دينق ،
    الشخصية السودانية الجنوبية البارزة 4. وقد سعى الشمال الذي يشعر بأنه عربي ومسلم، إلى تعريف
    البلاد كلها على هذا الأساس. وهو لم يكتف فقط بمقاومة كل محاولات القطاع غير العربي لتوصيف
    السودان باعتباره جزءً من أفريقيا السوداء 5؛ بل بذل جهدًا خارقًا لاستيعاب الجنوب من خلال
    سياسات التعريب والأسلمة، وسعى إلى تحويل الهوية الجنوبية إلى انعكاس مشوه للذات الشمالية.
    ولكن الجنوب، الذي نظر إلى المشروع كنوع من الاستنساخ الثقافي، قاوم هذه الاتجاهات دون
    هوادة.
    2
    ولكن هذه الدراسة تذهب خطوة أبعد، وتبحث، على مستوي اعمق، عن جذور هذه
    الحرب.أﻧﻬا تسلط الأضواء على التراع داخل الهوية الشمالية التي تقود إلى التراع الأكبر بين الهويتين
    الجنوبية والشمالية.وتحاول الكشف عن العلاقة بين الانشطارات التي سببتها النخبة الشمالية الحاكمة
    علي مستوى البلاد، وتصدعات النفس الشمالية ذاﺗﻬا، وتحديد ما إذا كانت الأولى، هي في نفس
    الوقت ، عرضًا للثانية وعلامة عليها. وهكذا فإن هذه الدراسة تحاول إنجاز تحول أخر، بنقل الانتباه
    من الازدواجية الخارجية التي تميز الانقسام الشمالي/ الجنوبي، إلى الازدواجية الداخلية التي تعاني منها
    الذات الشمالية.
    تعريف الهوية:
    يعرف قاموس وبستر الجديد، للغة الإنجليزية، الهوية باعتبارها "تماثل الخصائص الجينية الأساسية
    في عدة أمثلة أو حالات أو تماثل كل ما يحدد الواقع الموضوعي للشيء المعين: تماثل الذات، الواحدية،
    تماثل تلك الأشياء التي لا يمكن التمييز بين آحادها إلا بخصائص عرضية أو ثانوية. الإدراك الناتج عن
    التجربة المشتركة، هو أحد حالات هذا التماثل. أو وحدة الشخصية واستمرارها: وحدة وشمولية
    . الحياة أو الشخصية أو حالة التوحد مع شئ موصوف، مزعوم أو مؤكد أو حيازة شخصية مدعاة" 6
    إذا شئنا تحديد هوية الشخص، فربما نحتاج لمعرفة اسمه أو اسمها، لونه، خلفيته الاثنية أو الثقافية،
    والموقع الذي يحتله وسط الجماعة. هناك، إذن ، وجهان للهوية، أحدهما أصلي، بدائي، ومعطى،
    والأخر مصنوع ومختار . فالهوية في نفس الوقت ذاتية وموضوعية، شخصية واجتماعية، ومن هنا
    طبيعتها، المتفلتة ، العصية على التحديد. ويملك الأفراد تشكيلة واسعة من الهويات الممكنة. إذ يمكن
    أن تكون لهم هويات عرقية أو اثنية، قومية أو دينية، أو حتى هويات خاصة بالمدن التي يقيمون
    فيها 7. ويرتبط الحديث حول الهويات الشخصية، ارتباطا وثيقًا، بمجال الخطاب الجينوي. ومع إن
    الخصائص البيولوجية هي خصائص موضوعية، إلا أن الهويات الفردية تعني شيئًا أكثر من ذلك. فهي
    . تشتمل على دلالة ذاتية لوجود مستمر وذاكرة منسجمة ومترابطة منطقيًا 8
    الدلالة الذاتية للهوية هي الإحساس بالوحدانية والاستمرارية الشخصية 9، الإحساس بالانتماء
    إلي منظومة راسخة من القيم التي تكون الاتجاه العقلي والأخلاقي للمرء، وتعطى الأفراد خصائصهم
    المتفردة. إﻧﻬا تمكن الفرد من تحقيق حياة ممتلئة وكثيفة. في مثل هذه اللحظات يمكن أن يقال أن
    الشخص حقق ذاته أو ذاﺗﻬا. وصار "متصالحًا مع جسده أو جسدها". وعلى وئام مع بيئته أو بيئتها
    ومع نظامه أو نظامها الرمزي. ولكن الذي يقوم هذه الدلالة الذاتية، هو الخصائص الموضوعية، والتي
    يمكن التعرف عليها من قبل الآخرين.
    3
    الهوية دينامية أيضًا ومستجيبة للظروف المتغيرة. وهي قابلة للتحول مع التقنيات والنظم الثقافية
    والسياسية المتغيرة. 10 وهي استراتيجية. فالناس يتبنون هويات معينة لأسباب استراتيجية مثل
    "التمكين" وقبل كل هذه العوامل وبعدها، هناك الإرث التاريخي لأجدادنا الذي "يحط بثقله في تحديد
    من نحن وماذا يمكن أن نكون. 11 الهوية إذن إدعاء للعضوية يستند إلى كل أنواع النمطيات مثل
    العرق، الجنس ، النوع، الطبقة ، الطائفة، الدين، الثقافة ... الخ. 12 إﻧﻬا الطريقة التي يعرّف ﺑﻬا الناس
    . أنفسهم، ويعرفهم ﺑﻬا الآخرون، على أساس من الأنماط السابقة 13
    Identification-: تعريف التماهي
    قاموس العلوم الاجتماعية يعرف التماهي باعتباره "الميل للتقليد،و/ أو عملية تقليد سلوك شئ
    ما. وربما يدل كذلك على عملية التمازج العاطفي، أو حالة هذا التمازج الناجزة، مع هذا الشيء
    ذاته." 14 وقد استخدم س. فرويد، هذا المصطلح في علم النفس، لأول مرة عام 1899 . إذ قال أن
    "التماهي هو التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية مع شخص أخر". يتماهي الفرد مع شخص أخر
    "كمثال للذات " بوصفه شخصًا يريد أن يكونه، أكثر مما يريد أن يمتلكه. وهذا ما يجعله مهمًا في
    سلوك اﻟﻤﺠموعات. وهو يفسر حاجة الفرد ومقدرته علي الارتباط، وقوة الروابط العاطفية, المشار
    إليها، كخصائص جوهرية للبشر. وهو يذكر في نفس الوقت" الأصل الطفو لي لعملية التماهي،
    ويفترض أن هذا الأصل الطفولي هو الذي يفسر بقاءها على مستوي اللاوعي، وقوﺗﻬا كعامل
    تحفيزي، وتظاهراﺗﻬا اللاعقلانية والنكوصية في بعض الأحيان. ولكن التماهي بالنسبة إليه ليس مجرد
    . محاكاة، بل هو بالأحرى تمثل يستند إلى سلسلة سببية متشاﺑﻬة 15
    ن. سانفورد يعارض مقولات فرويد ويقول أن التماهي، علي عكس ما يقول فرويد ، هو
    عملية واعية، وأن المحاكاة هي اللا واعية، ويعرف ج. ب سيوارد، التماهي بأنه "استعداد عام لمحاكاة
    سلوك أحد النماذج". 16 ويتحدث فرويد عن ثلاثة مستويات للتماهي. وتقول فرضيته أن التماهي
    يتخذ أو ً لا شكل الارتباط العاطفي بشيء ما. ثم يصبح بدي ً لا عن الرابطة الجنسية، وكأنما يتخذ شكل
    امتصاص أو تشرب أو تمثل الشيء في الذات. ثم يؤدي في النهاية إلى بروز إحساس جديد بخاصية
    مشتركة مع شخص أخر، 17 أو مجموعة أخري. ويميز شيلر بين نوعين من أنواع التماهي، هما
    الايديوباثي أي الذاتي؛ والهتروباثي، أي الغيري. يحدث التماهي الايديوباثي من خلال "اضمحلال
    الذات الأخرى وامتصاصها من قبل الذات المتماهية"، بينما في التماهي الهتروباثي "تتضاءل الذات
    المتماهية أمام هيمنة وجيشان النموذج". 18
    4
    تكوين الذات:
    المفهوم الكلاسيكي يقول أن الذوات الاجتماعية تمثل معطيات أصلية، أو بدئية، موروثة مثل
    الخصائص البيولوجية. ولكن هذا المفهوم يخلي الساحة الآن لمفهوم أخر هو أن الهويات تتكون وتصنع
    اختياريًا، 19 وهي في حالة مستمرة من التكوين. 20 ولكن اختيارات الناس لهوياﺗﻬم محكومة ومحدودة
    بالعوامل المعطاة مثل ملامحهم، أسرهم ، جماعاﺗﻬم، تواريخهم، ثقافاﺗﻬم...الخ, تكوين الشخصية ،
    بالنسبة لاريكسون ، عملية يستطيع الفرد من خلالها :
    "أن يحكم على نفسه على ضوء الطريقة التي يعتقد أن الآخرين يحكمون عليه
    من خلالها، مقارنين اياه بأنفسهم، وينمط حيوي بالنسبة لهم، ولكنه في نفس
    الوقت يحكم على الطريقة التي يتصورنه ﺑﻬا على ضوء تصوره هو لذاته
    بالقياس إليهم،وبالقياس إلى الأنماط التي أصبحت هامة بالنسبة إليه." 21
    "يقول خبراء علم النفس الاجتماعي، إن تماهي الفرد مع أية مجموعة، مث ً لا، الطبقة الاجتماعية،
    أو الجماعة العرقية أو الاثنية،هو في الغالب الأكثر شمو ً لا من كل العمليات النفسية المرتبطة مباشرة
    بالسلوك الاجتماعي .التماهي مع اﻟﻤﺠموعة المهيمنة مث ً لا يحدث عندما "يستبطن (الفرد) منظومة
    الأدوار الخاصة باﻟﻤﺠموعة، ويعتبر نفسه أحد أفرادها". 22 وهذا يحدث من خلال التمثل الثقافي. ويعبر
    ديفيد ليتين عن ذلك بقوله:
    "التمثل الثقافي شبيه باعتناق الدين، وكما توضح أدبيات التحولات الدينية
    بصورة قاطعة، فإن ما يعتبر مسلكًا برغماتيًا بالنسبة لهذا الجيل، يعتبره الجيل
    الذي يليه أمرًا طبيعيًا. ولذلك فإن الأطفال الذين ينشئون في ظل الجماعات
    الدينية، سيلجأون، مدفوعين بضغوط السلطات الدينية، إلى توبيخ آبائهم
    على ما يعتبرونه مسلكهم المنافق". 23
    وهذا الرأي يشابه مفهوم دي فواه عن الهويات المصنوعة" كهويات منحرفة". فهي تدل
    بالنسبة إليه "على نفعية بلغت مبلغ الشطط" وتمثل علامة على "الاختلال الداخلي"، 24 الذي يحدث
    في شروط اجتماعية محدده تمارس تأثيرًا هائ ً لا على الإدراك الذاتي للهوية الشخصية. 25 فرغم طبيعتها
    المصنوعة، فإن "مكونات الفرد تستطيع إدراج الفرد في سياقها بل حتى استعماره". 26
    في ثنايا تكوين الهويات الاجتماعية، هناك دائمًا مجموعة داخلية، تمثل الهوية الاجتماعية المبتغاة،
    ومجموعة هامشية، تحتاج إلى الموازنة حتى تتماهى مع النموذج. وفي مثل هذه الحالات، فإن الأولى
    تمثل اللب، وتحتل مركز الصدارة من تلك الهوية الاجتماعية، بينما تمثل الثانية الدائرة الخارجية وتحتل
    الهامش. الأولى مستحوذة على الامتيازات، والثانية تبحث عن ذلك. الأولى تملك صلاحيات إضفاء
    الشرعية على الثانية أو حرماﻧﻬا منها. ويلجأ شارلس تيلور إلى استخدام مصطلحي "التعرّف،
    5
    والغيرية". ويقول أن هويات البشر "تتكون جزئيًا بالتعرف أو غيابه، أي بالانتباه إلى غيرية
    الآخرين". 27
    وعلى سبيل المثال، بينما تمثل الطبقات الوسطي والعليا البيضاء، مركز الهوية الأمريكية، فإن
    السود واليابانيين ...الخ الأمريكيين يمثلون تخوم هذه الهوية. ويحتكر المركز الحق في الاعتراف أو
    عدمه، ﺑﻬذه اﻟﻤﺠموعات. ويمكن للتوتر بين المركز والتخوم أو الهوامش أن يظل مكتومًا، أو فاع ً لا علي
    مستويات أدنى في الأوقات العادية والسلمية. وتبدو عباءة الهوية وكأنما هي قادرة على نشر أجنحتها
    ومد ظلالها على كل اﻟﻤﺠموعات التي تكون الأمة. ولكن المركز يلجأ في لحظات التوتر إلي استغلال
    صلاحيات الاعتراف أو إساءة استخدامها. ويمكن حينها أن يسحب المظلة عن أية مجموعة هامشية
    إذا رأى أن الضرورة تستدعى ذلك. وقد حدث هذا بالفعل في الحرب العالمية الثانية، حينما تم
    احتجاز اليابانيين الأمريكيين في معسكرات الاعتقال، لأن ولاءهم لأمريكا صار موضع شك من قبل
    مركز الهوية الأمريكية، ويمكن الاستدلال على الأسلوب الانتقائي للمركز في استخدام صلاحيات
    الاعتراف وسحب الاعتراف، بأن الأمريكيين الألمان لم يتم اعتقالهم بذات الدرجة، بالرغم من أن
    ألمانيا كانت هي القوة الرئيسية في دول المحور الأوربية. ولذلك قرر المركز أن يسحب الاعتراف عن
    الأمريكيين اليابانيين أثناء الحرب، وإعادته إليهم بعدها. ويمكن أن تقول نفس الشي عن بريطانيا،
    حيث تمثل الهوية الإنجليزية مركز الهوية البريطانية. فمن الملاحظ أن مصطلح "إنجليزي" يستخدم كثيرًا
    من قبل اﻟﻤﺠتمع الإعلامي عندما يكون المقصود "بريطاني"، وهو ما يسبب الضيق للوطنيين
    باسكوتلاندة وويلز.
    وتلاحظ الجماعات السوداء البريطانية أيضًا أن وسائل الإعلام البريطانية المركزية تطلق على
    الرياضيين الأفرو كاريبيين صفة "بريطانيين" عندما يكسبون الميداليات لبريطانيا، وصفة "كاريبيين"
    عندما يخسرون. هذه الأمثلة توضح التوترات بين المركز والهامش داخل كل هوية، كما تشير إلى
    ديناميات وعمليات الاعتراف وسحب الاعتراف التي تشتغل بين المركز والهامش.
    تغيير الهوية:
    مستندًا على نموذج ابتدعه توماس شيللنج، يحاول ليتين تفسير تحولات الهوية عن طريق
    "منظومات" السلوك وما يترتب عليها من "ميول". وتحدث منظومات السلوك عندما يكون سلوك
    الناس أو أفعالهم مستندة إلى، ومدفوعة بتوقعاﺗﻬم لما يمكن أن يفعله الآخرون. وعندما تفكر أعداد
    كبيرة من الناس في اﻟﻤﺠموعة، أن أعضاءها الآخرين سيفكرون بطريقة معينة، وسيتصرفون وفق ذلك
    التفكير، فإن اﻟﻤﺠموعة"تميل" أو "تنتقل" فجأة من نظامها المعتاد قبل نمط السلوك الجديد، إلى نظام آخر
    جديد. ولتوضيح كيفية "ميل" اﻟﻤﺠموعات واستوائها يورد ليتين المثال التالي:" خذ حالة اثنين من
    6
    الأفرو –أمريكيين يشتريان مترلين بضاحية "بيضاء" مستقرة. فجأة تفكر العائلات البيضاء، وقد
    اندفعت كل منها بالخوف من أن تكون آخر أسرة بيضاء بالضاحية، في بيع منازلها. ولكن الأفرو
    أمريكيين هم وحدهم الراغبون في الشراء. وبسرعة خاطفة "تتحول" أو "تميل" الضاحية من بيضاء إلى
    أفرو- أمريكية". 28
    تتحول الهوية بنفس الطريقة، أي تستوي وتنتظم في سياق متخيل. 29 ويعطينا ديفيد ليتين، في
    دراسته الميدانية للجالية الروسية بأستونيا، بعد اﻧﻬيار الاتحاد السوفيتي وتقلص حدوده، مثا ً لا واضحًا
    على تحول الهوية. وقد قام بشرح الجهود التي بذلها الأفراد الروس، وقد وجدوا أنفسهم غرباء وسط
    مجتمعات كانوا يهيمنون عليها في يوم من الأيام، للتأقلم مع الواقع الجديد. وقد اجتهد الروس
    باستونيا للحصول على الجنسية الأستونية. فبدأوا يدرسون اللغة الأستونية التي لم يشعروا بضرورة
    دراستها قبل اﻧﻬيار الاتحاد، إذ كان الأستونيون هم اﻟﻤﺠبرون على دراسة اللغة الروسية. ويستنتج ليتين
    أن رغبة هؤلاء الناس في الحفاظ على سلامة عائلاﺗﻬم، وفي تفادي الإبعاد، أعطتهم حافزًا لتحويل
    الهوية. وهذا بدوره يضع الأساس لصنع هوية أستونية لأحفادهم، وهذا يعني إﻧﻬم كمجموعة،
    يتحركون نحو "انقلاب" هويتهم. 30
    تعيش اﻟﻤﺠتمعات عادة في توازن. وفي هذه الحالات تشعر الجماعات أن العالم ثابت ثباتًا مطلقًا.
    حينها تكون الهويات بمأمن من الشكوك، ولا تكون هناك حوافز للتغيير، ويشترك الجميع في تصور
    ضمني لمن يكونون. وتضطلع النخب الثقافية والسياسية، لكل مجموعة، بإصباغ المعني على هذا
    التوازن، بإنتاج المعتقدات، والمحاذير، والمبادئ، 31 والأساطير والنظم الرمزية. في هذه المرحلة يمكن
    وصف اﻟﻤﺠموعة بأﻧﻬا حققت ذاﺗﻬا، أي إﻧﻬا تعيش في انسجام مع بيئتها، وتري العالم بأم عينها. ولكن
    الحوادث والاضطرابات يمكن أن تزلزل التوازن، وتشيع عدم الاستقرار وسط الجماعة، وتقود إلى
    أزمة هوية، وتدفع بعض الناس إلى استكشاف هويات جديدة. في هذه الحالة غالبًا ما تنقسم النخبة
    الثقافية والسياسية إلى أولئك الذين يحاولون الدفاع عن الوضع القائم، وأولئك الذين يحاولون خلق
    منظومة جديدة، تحقق توازنًا جديدًا. 32
    أبعاد الهوية :
    ليس بمقدور أية نظرية منفردة، من النظريات التي تم تلخيصها فيما سبق، أن تفسر تعقيدات
    الهوية السودانية الشمالية، ولذلك تنشأ الضرورة لصياغة تركيبة منها جميعًا لتحقيق هذه الغاية.
    واستنادًا إلى ما سبق، يمكن للمرء أن يضع اليد علي ثلاثة عوامل، تستطيع إذا ما تفاعلت مع بعضها
    البعض، أن تفسر كل هوية اجتماعية. العامل الأول هو تصور اﻟﻤﺠموعة لنفسها. العامل الثاني هو
    تصور الآخرين للمجموعة. العامل الثالث هو الاعتراف أو عدمه من قبل مركز الهوية ﺑﻬذه اﻟﻤﺠموعة.
    7
    إذا تفاعلت هذه العوامل الثلاثة بصورة منسجمة، أي إذا كان تعريف الناس لأنفسهم مقبو ً لا وواقعيًا،
    وكان تعريف الآخرين لهم منسجمًا مع الرؤية الذاتية للجماعة، وإذا كان مركز تلك الهوية يمحضها
    اعترافه، حينها يقال أن تلك اﻟﻤﺠموعة تعيش في توازن. وهنا تتقدم النخبة الثقافية والسياسية لإعطاء
    هذا التوازن معناه، مزودة إياه بمنظومة من المعتقدات، والقيود، والمبادئ، 33 الأساطير والنظام الرمزي.
    ويحاول النظام الرمزي إشاعة الانسجام في كل العالم المحيط ﺑﻬذه اﻟﻤﺠموعة أو بمعني آخر، يحاول جعل
    العالم كله يبدو وكأنما ينبثق من الذات الجماعية للمجموعة، أو كأنما هو بعد واحد من أبعاد
    هويتهم. في هذه المرحلة يمكن وصف اﻟﻤﺠموعة بأﻧﻬا صارت ذاﺗﻬا، وأﻧﻬا ترى العالم بعيوﻧﻬا أصالًة. أحد
    الأمثلة على الكيفية التي يشتغل ﺑﻬا النظام الرمزي، هو الكيفية التي أعادت ﺑﻬا الثقافات الغربية رسم
    صورة المسيح لجعله شبيهًا بالانجلو –ساكسون. وقد حدث هذا رغم حقيقة أنه يهودي، ولم يكن له
    بأي حال من الأحوال شعر أشقر ولا عيون زرقاء. ومع ذلك كانت إعادة التركيب والصياغة هذه
    ضرورية من أجل تحقيق الانسجام في هوية البيض، لأن الناس يدركون العالم بصورة افضل، عندما
    يعبدون إلهًا يشبههم، وليس إلهًا غريبًا عنهم.
    ومن الجانب الآخر، إذا تفاعلت العوامل الثلاثة بصورة متناقضة، إي إذا كانت تصورات الناس
    لأنفسهم لا تنسجم مع الطريقة التي يعرفهم ﺑﻬا الآخرون؛ أو، وهذا أخطر الأمور؛ إذا كانت القوى
    المالكة لصلاحيات إضفاء الشرعية، لم تقبل تعريف الجماعة لنفسها، فإن هذه الجماعة توصف بأﻧﻬا
    تعيش تناقضًا، وعدم انسجام. في هذه الحالة لا ينبثق النظام الرمزي من الذات الجماعية للجماعة، بل
    يكون مستعارًا في العادة من مركز الهوية التي ﺗﻬفو إليها تلك الجماعة، وترغب أن "تكوﻧﻬا".
    هذه الشروط تعد المسرح لبروز تناقضات الهوية، ولزحف عدم الاستقرار إلى خلايا اﻟﻤﺠتمع،
    ولتفاقم أزمة الهوية حتى تسد عليه الأفق.
    أزمة الهوية:-
    يمكن لأزمة الهوية أن تحدث علي المستويين، الشخصي والاجتماعي. على المستوي الشخصي،
    تنشأ الأزمة عندما تحين لحظة إحداث التوافق بين التماهيات الطفولية وبين تعريف جديد وعاجل
    للذات، وأدوار مختارة لا يمكن النكوص عنها. 34 يضاف إلى ذلك أن الهوية الشخصية تقوم علي جهد
    يستمر كل الحياة، كما يقول اريكسون، والفشل في تحقيقها يسبب أزمة ربما تكون لها نتائج مدمرة
    على الأفراد. 35 أما على المستوى الاجتماعي، فتنشأ الأزمة عندما يفشل الناس، وهم يصنعون
    هوياﺗﻬم، في العثور على نموذج يناسبهم تمامًا، أو عندما "لا يحبون الهوية التي اختاروها أو اجبروا على
    تبنيها"، ولأن الهويات الاجتماعية يتم تكوينها عادة "من التشكيلة المتاحة من التصنيفات الاجتماعية،
    فإن ظهور الخلعاء يكون حتميًا". 36 كذلك يمكن أن تحدث الأزمة عندما يسود الغموض نظرة الناس
    8
    إلى هويتهم، أو يفتقرون إلى هوية واضحة. 37 وفى حالة أخرى يمكن أن تنشأ أزمة الهوية عندما يكون
    هناك تناقض بين هوية الشخص ونظرة الآخرين إلى الهوية ذاﺗﻬا. وأخيرًا يمكن أن توجد أزمة الهوية إذا
    كان مركز الهوية، أي الجهة التي تملك صلاحيات إصباغ الشرعية، لا تعترف بادعاءات الهامش.
    عوامل الأزمة في شمال السودان:
    من ضمن العوامل التي تسبب أزمة الهوية في أية جماعة، يمكن وضع اليد علي ثلاثة عوامل،
    تنطبق على السوداني الشمالي. أو ً لا هناك تناقض بين تصور الشماليين لذواﺗﻬم، وتصورا ت الآخرين
    لهم. فالشماليون يفكرون في أنفسهم كعرب، ولكن العرب الآخرين لهم رأي أخر، فتجربة
    الشماليين في العالم العربي، وخاصة في الخليج، أثبتت لهم بما لا يدع مجا ً لا للشك، أن العرب لا
    يعتبروﻧﻬم عربًا حقًا، بل يعتبروﻧﻬم عبيدًا. وقد تعرض كل شمالي تقريبًا للتجربة المريرة بمخاطبته كعبد.
    يمثل عرب الشرق الأوسط، وخاصة عرب الجزيرة العربية، والهلال الخصيب، لباب الهوية العربية التي
    ﺗﻬفو أفئدة الشماليين إليها، وتطمح للانتماء إليها. فهؤلاء "العرب الأصلاء الأقحاح" يحتلون مركز
    هذه الهوية، ويتمتعون بصلاحيات إضفاء الشرعية أو سحبها من ادعاءات الهامش. ويمثل الشماليون،
    من الجانب الأخر، الدائرة الخارجية من الهوية العربية، ويحتلون الهامش ويتطلعون إلى إدنائهم للمركز،
    كعلامة من علامات الاعتراف. سحب الاعتراف عن أية مجموعة من قبل الأخريات، وخاصة إذا
    كانت تلكم الأخريات يمثلن مركز الهوية، يمكن أن يلحق أثرًا مؤذيًا ﺑﻬذه اﻟﻤﺠموعة. 38 وكما قال
    شارلس تيلور: "يمكن أن يلحق بالشخص أو اﻟﻤﺠموعة من الناس، أذى حقيقي، وتشويه حقيقي، إذا
    عكس لهم اﻟﻤﺠتمع الذي حولهم، صورة عن أنفسهم، تنطوي على الحصر والحط من الكرامة
    والاحتقار. 39 وقد كان المركز أبعد ما يكون عن الاعتراف بالشماليين عندما سماهم "عبيدًا"، وأبقاهم
    بالتالي، إذا استخدمنا مصطلح تيلور، "على مستوى أدنى من الوجود". 40
    العامل الثاني في أزمة الهوية بشمال السودان، يتعلق "بالغموض" حول الهوية. وقد وقف
    الشماليون وجهًا لوجه أمام هذه الظاهرة، خاصة في أوروبا وأمريكا، حيث يصنف الناس حسب
    انتماءاﺗﻬم الاثنية والاجتماعية. ففي عام 1990 ، عقدت مجموعة من الشماليين اجتماعًا بمدينة
    بيرمنجهام لمناقشة كيفية تعبئة استمارة اﻟﻤﺠلس، وخاصة السؤال حول الانتماء الاثني. فقد شعروا أن
    أيًا من التصنيفات الموجودة ومن بينها "ابيض، أفرو- كاريبي، أسيوي، أفريقي أسود، وآخرون "لا
    تلائمهم. الذي كان واضحًا بالنسبة لهم إﻧﻬم ينتمون إلى "آخرون" ولكن الذي لم يكن واضحًا هو
    هل يحددون أصلهم "كسودانيين، أو كسودانيين عربًا، أو فقط كعرب؟". وعندما أثار أحدهم
    السؤال : لماذا لا نؤشر على فئة "أفريقي- أسود" ؟ كانت الإجابة المباشرة هي: "ولكننا لسنا سودًا"
    وعندما ثار سؤال أخر لماذا لا نضيف "سوداني وكفى؟ كان الجواب هو: "سوداني" تشمل الشماليين
    9
    والجنوبيين، ولذلك لا تعطي تصنيفًا دقيقًا لوصفنا". 41 ولوحظت ظاهرة الغموض حول الهوية كذلك
    في الشعور بالإحباط والخيبة الذي يشعر به الشماليون، عندما يكتشفون لأول مرة، أﻧﻬم يعتبرون
    سودًا في أوروبا وأمريكا. وتلاحظ كذلك في مسلكهم تجاه اﻟﻤﺠموعات السوداء هناك. إطلاق كلمة
    اسود على الفرد الشمالي، المتوسط، كانت تجربة تنطوي على الصدمة. ولكن الجنوبيين يروﻧﻬا مناسبة
    للمزاح، فيقولون لأصدقائهم الشماليين: "الحمد لله، هنا أصبحنا كلنا سودًا" أو "الحمد لله، هنا
    أصبحنا كلنا عبيدًا". مسلك الشماليين تجاه اﻟﻤﺠموعات السوداء ﺑﻬذه البلدان، شبيه لمسلكهم إزاء
    الجنوبيين. وغالبًا يطلقون عليهم كلمة "عبد" وقد أشار واحد ممن استطلعت أراءهم، إلى الافرو –
    كاريبيين كجنوبيين. 42
    العامل الثالث من عوامل الأزمة يتعلق،" بخلعاء" الهوية، أو أولئك الذين لا يجدون موضعًا
    ملائمًا داخلها. فالشماليون يعيشون في عالم منشطر، فمع إﻧﻬم يؤمنون اﻧﻬم ينحدرون من "أب عربي"
    و" أم أفريقية" فإﻧﻬم يحسون بالانتماء إلى الأب الذي لا يظهر كثيرًا في ملامحهم، ويحتقرون الأم،
    الظاهرة ظهورًا واضحًا في تلك الملامح. هناك انشطار داخلي في الذات الشمالية بين الصورة
    والتصور؛ بين الجسد والعقل، بين لون البشرة والثقافة، و بكلمة واحدة بين " الأم والأب". فالثقافة
    العربية تجعل اللون الأبيض هو الأساس والمقياس، وتحتقر اللون الأسود. وعندما يستخدم الشماليون
    النظام الدلالي للغة العربية والنظام القيمي والرمزي للثقافة العربية، فأﻧﻬم لا يجدون أنفسهم، بل يجدون
    دلالات وقيمًا تشير إلى المركز. فالذات الشمالية كذات غائبة عن هذا النظام، ولا ترى إلا
    كموضوع، من خلال عيون المركز، ومن هنا جاء " الخلعاء".
    آثار الهوية الهامشية على النفسية الشمالية:-
    لا شك إن هذا الموقع الدون، كانت له آثاره على نفسية الفرد الشمالي، فعندما أفاق هذا
    الفرد، على إن الخصائص المعيارية، المثالية، لهذه الهوية، هي البشرة البيضاء، والشعر الناعم المرسل،
    والأنف الاقني المستقيم، وجد أنه يفتقر إلى بعض هذه الخصائص والصفات، واستشعر الحاجة
    للحصول عليها أو التعويض عنها، فصار مفهومًا أن اللون كلما مال إلى البياض، كلما صار الشخص
    أقرب إلي المركز، وكلما صار ادعاؤه بالانتماء العربي أكثر مشروعية. وعندما تتعثر الاستجابة لشرط
    اللون، كما هو بالنسبة لأغلب الشماليين، يحاول الفرد أن يجد ملاذًا أو مخرجًا في الشَعَر، للبرهان على
    أصله العربي؛ فكلما كان الشَعَر ناعمًا، كلما كان الشخص أقرب إلى المركز. 43 وعندما يفشل المرء
    في امتحان الشَعَر هو الأخر، يحاول أن يجد ملاذه الأخير في شكل الأنف، وكلما كانت قريبة من
    المعايير العربية للأنف، كلما كان ذلك أفضل، إذ إﻧﻬا، على الأقل ستكون شاهدًا على أصل غير
    زنجي.
    10
    إحساس باللون مصحوب بالحرج:-
    عندما يجد الفرد نفسه مفتقرًا إلى ما يعتبره القسمات المعيارية، فإنه عادة ما يحاول التعويض
    عنها أو إكمالها. ولأن الزواج يعطي الأفراد فرصًا للتعويض والإكمال، فإن الفرد الشمالي المتوسط،
    يتطلع ويبحث عن الارتباط بآخر يكون قريبًا من المثال في اللون والقسمات. 44 فمثل هذا الاتحاد
    يعطي الفرد، رج ً لا أو امرأة، فرصة للتعويض عن سواده (أو سوادها)، كما يعطيهما فرصة لتخليص
    أطفالهما منه. وفي دراستها الممتازة لقرية شمالية أطلقت عليها الاسم الوهمي "حفريات" توصلت
    جانيس بودي، إلى مدى حدة وعي القرويين باللون. فقد عرفت منهم أن هناك تراتبية لونية، حسب
    الأفضلية "تتدرج من الأصفر، أي الفاتح، وتمر بدرجات أكثر دكنة تسمى "الأحمر"، "الأخضر"،
    و"الأزرق" ثم تستطرد فتقول أن كلمة "أسود" تستخدم دائمًا للجنوبيين والأفارقة". 45
    و مع إن هذا المقتطف من "بودي" يبرهن على أفضلية الألوان الفاتحة وسط الشماليين، إلا أن
    ترجمتها الحرفية للاصطلاحات اللونية الشمالية، مثل أصفر، أسمر، أخضر، وأزرق، ربما تسبب بعض
    التشويش، إذا لم تشرح. ومن أجل شرحها، سأعيد صياغة عبارات "بودي" على النحو التالي: اللون
    الأول من حيث الأفضلية هو الأصفر ، وهذا هو معناه الحرفي، ولكنه يستخدم مع الأحمر للإشارة إلى
    البياض. اللون الثاني من حيث الأفضلية هو" لأسمر" وهذا يعني حرفيًا الميل إلى الحمرة، ولكنه يستخدم
    لوصف تشكيلة لونية تتراوح من الفاتح إلى الأسمر الغامض. وهذه التشكيلة تشمل في العادة
    تقسيمات مثل "الذهبي"، "القمحي"، و"الخمري". اللون الثالث هو "الأخضر"، ويستخدم كبديل
    مهذب عن كلمة "اسود" عندما يستخدم في وصف الشمالي الداكن اللون. 46 وأخيرا،ً وآخرًا
    "الأزرق" ولكنه يستخدم بالتبادل مع "الأسود" أي لون "العبيد".
    إن الشمالي المتوسط ينظر إلي اللون الأسود كمشكلة تستوجب الحل. ومع أن الإناث يتعاملن
    معها مباشرة باستخدام الأصباغ، إلا أن الرجال يتعاملون معها بطريقة غير مباشرة أي الارتباط بأنثي
    فاتحة اللون. 47 ولكن وبصرف النظر عن الشعور بالرضى الذي يوفره هذا الإجراء التعويضي
    والاستكمالي للفرد، إلا أنه يظل باقيًا. ما يزال قدر كبير من القلق يفرزه الشعور الملازم للفرد بأنه
    يحمل معه أينما ذهب ذلك اللون الخطأ. ومن أجل مقاومة هذا القلق يجب توظيف ميكانزمات دفاعية
    ملائمة. وهنا يصبح اللون الأسمر هو المعيار، ويعطي اللون الأسود اسمًا أخر. ولتفادي وصف الذات
    بأﻧﻬا "سوداء"، ابتدع الوعي الجماعي الشمالي لفظة " أخضر" والتي كانت تستخدم أص ً لا في وصف
    اللون الداكن للأرض. وبناء على ذلك، بينما يكون الشمالي الداكن اللون "أخضرًا"، فإن الجنوبي
    الداكن اللون بنفس القدر يسمي "أسودًا".
    وفي نقاشه لمفهوم اللون لدى الشمالي، يكتب فرانسيس دينق ما يلي:
    11
    "يركز الكبرياء اللوني الشمالي على اللون الأسمر الفاتح للبشرة، ويعتبره المثال
    والمعيار بالنسبة للشمال، وبالتالي للسودان. إذا صار اللون "فاتحًا" أكثر من
    اللازم بالنسبة للسوداني، فإنه يصبح مهددًا باعتباره"خواجا" أو "أوروبي"، أو
    عربي من الشرق الأوسط، أو، وهذا أسوأ الاحتمالات، اعتباره "حلبيًا"،
    وهو اللفظ المستخدم لفئة الغجر، المعتبرة الأدنى قدرًا من جميع الفئات ذات
    البشرة البيضاء. الوجه الأخر من العملة، هو بالطبع، النظر إلى الجنس الأسود
    كجنس أدنى، وهي حالة تلطفت العناية الرحيمة بإنقاذ المرء من براثنه. ومن
    هنا فإن العنصرية السودانية الشمالية، والشوفينية الثقافية، تترل لعنتها في نفس
    الوقت بشديدي السواد وشديدي البياض. 48
    ومع أن ملاحظة دينق صحيحة بصورة عامة، إلا أﻧﻬا تحتاج إلى كثير من الضبط. فأنا أعتقد إن
    "أحمر" أي "أبيض" هو المعيار اللوني النهائي للشمالي المتوسط، فهو يعتبر اللون المثالي للمجموعة
    الداخلية، أي مركز الهوية العربية. في حين لا يكون اللون الأسمر معيارًا إلا على مستوي أدني، وإلا
    كآلية دفاعية، مجبرة على تبنيه كواقع لا مهرب منه. وعلى عكس الأبيض، فإن الأسمر ليس جيدًا
    لمزاياه الخاصة، بل فقط كبديل للأبيض الغائب. ومع أن الأغاني الشعبية غالبًا ما تتغنى بالنظرات
    الساحرة للحبيب الأسمر "أسمر يا ساحر المنظر" ، إلا أن النظام الدلالي المهيمن للثقافة العربية
    الإسلامية، يجعل اللون الأبيض هو المعيار والمثال، كما سنوضح أدناه. ولو كان الشماليون قد
    استطاعوا تطوير نظام دلالي شامل ومنسجم، يجعل الأسمر معيارًا، لاستطاعوا حل الجزء الأكبر من
    أزمة هويتهم.
    ومع أن الشماليين يستقبحون اللون الفاتح جدا (أي الأحمر)، واللون الموغل في السواد، إلا
    أﻧﻬما لا يستقبحان بنفس الدرجة. فالوصمة الاجتماعية اللاحقة باللون "الأسود" ترجع إلى إنه لون
    "العبيد". أما وصمة اللون "الأحمر" فتتعلق بكونه لون ا َ لحَلب أو الغجر، فا َ لحَلب، الذين ينظر إليهم
    كفئة منحلة أخلاقيًا ومنحطة سلوكيًا، يعتبرون فئة "منبوذة اجتماعيًا". 49 الصيغ الثقافية التي تزدري
    اللون الأسود شائعة بصورة مزعجة، وعميقة الجذور في الثقافة والأدب العربيين، عكس تلك التي
    تزدري اللون الأحمر، والتي هي شحيحة ولم تظهر إلا مؤخرًا مع الغزو التركي للسودان. وقد جاءت
    هذه المقولات الثقافية الأخيرة نتيجة للبشاعات التي ألحقها الترك بالمواطنين، والتي جعلت الشماليين
    ينظرون إلى الأتراك كصور مجسمة للفساد، والشراهة والجبن. وجاءت الثورة المهدية ضد الأتراك،
    وانتصارها الساحق عليهم، لتكثف وتعمق من احتقارهم في عيون الشماليين. وهذه هي الفترة التي
    ظهرت فيها عبارة "الحمرة الأباها المهدي" ولذلك فإن اللعنة التي حلت باللون الأحمر، آخذين
    بالاعتبار هذه الحدود وهذا السياق، لم تكن مطلقة. والواقع أن الأحمر يعتبر بصورة جوهرية، سواء
    12
    بالنسبة للثقافة العربية أو الثقافة السودانية المحلية، تجسيدًا للجمال. ففي"قاموس اللهجة العامية في
    السودان" قال عون الشريف قاسم ما يلي حول اللون الأبيض:
    "إﻧﻬم (أي العرب) يسمون الفرد ذا اللون الأبيض "أحمر". فعائشة زوجة
    النبي كانت تسمى "الحميراء" (وهي تصغير أحمر) لأن لوﻧﻬا كان أبيضًا.
    وكان العرب يسمون الفرس والروم أيضًا حمرًا (جمع أحمر)، لأن ألواﻧﻬم
    بيضاء. ويقصدون اللون الأبيض حينما يقولون "الحسن أحمر". 50
    وتوضح جانيس بودي كيف كانت نساء قرية "حفريات" ذوات وعي باللون. فبالنسبة لهن
    "اللون الأبيض نظيف، جميل وعلامة على قداسة كامنة" وقد أخبرﻧﻬا مرارًا وتكرارًا أﻧﻬا كامرأة
    بيضاء، تملك فرصًا أفضل منهن بمراحل، لدخول الجنة، إذا اعتنقت الإسلام. وأضفن أن فرصها أفضل
    من جميع السودانيين في دخول الجنة. وكانت الأسباب التي ذكرﻧﻬا هي: "وذلك لأن النبي محمدًا
    أبيض، وكل البيض من البشر أعلى شأنًا لأﻧﻬم ينتمون إلى قبيلته البيضاء". 51
    يضاف إلى ذلك ، أن احتقار الأحمر (أي الأبيض) يبقى فقط علي مستوى التنظير، ولا ينعكس
    في المسلك الاجتماعي للسوداني الشمالي. فعلى سبيل المثال أبدى الشماليون استعدادًا للتزاوج مع
    البيض، سواء كانوا أوروبيين أو عربًا، ولكنهم عبروا عن تثاقل وصد في التزاوج مع السود، سواء
    كانوا جنوبيين أو أفارقة عمومًا. 52 وبصورة أكثر تحديدًا، بينما لا يجد الشماليون حرجًا في تزويج
    بناﺗﻬم للفئة الأولى، إلا اﻧﻬم لا يتصورون مجرد تصور تزويجهن من الفئة الثانية. 53
    الوعي المحرج بالهامشية:
    يمكننا أن نلاحظ مظهرًا أخر من مظاهر تأثير الهوية الهامشية على النفسية الشمالية في المسلك
    السياسي للطبقة الحاكمة الشمالية. فأول القرارات التي اتخذﺗﻬا الطبقة الحاكمة الشمالية بعد الاستقلال
    هو الانضمام للجامعة العربية.
    ويخبرنا محمد أحمد محجوب: "سارعنا بالانضمام إلى الجامعة العربية مباشرة بعد إعلان
    الاستقلال". 54 ولأﻧﻬا كانت واعية بموقعها علي هامش العالم العربي، رضيت هذه الحكومة بدور
    متواضع، ولم تتخذ موقفًا منحازًا في الصراعات العربية الداخلية، سواء مع الراديكاليين أو
    المحافظين. 55 ومثله مثل أي كيان هامشي، يكاد السودان أن ينسى تمامًا في أوقات الهدوء والانسجام.
    ويعلمنا التاريخ انه فقط في أوقات الاضطرابات المصاحبة للحروب والانتفاضات، والتي ﺗﻬز بعنف
    وتمزق النسيج الاجتماعي، يمكن للنساء والعبيد، كفئات مهمشة، أن ينعموا باعتراف المركز. وعلى
    ذات النسق، فقط عندما كان العرب في قمة الشعور بالمهانة والإحباط، نتيجة للهزيمة الساحقة التي
    ألحقتها ﺑﻬم إسرائيل عام 1967 ، تذكروا السودان، وأدنوه من المركز، وسمحوا له أن يلعب دورًا
    13
    حيويًا داخل الجامعة العربية. فحياد السودان، أو قل دور المتفرج الذي كان يلعبه، هو الذي أهله
    لاستضافة مؤتمر القمة العربية عام 1967 . ويخبرنا المحجوب: "كانت الخرطوم هي الموقع الوحيد
    المقبول سياسيًا لعقد المؤتمر، بالنسبة للمحافظين والمتطرفين من القادة العرب". 56 ولكن ما لم يخبرنا به
    هو أن الهامش صار مكانًا ملائمًا بالنسبة للمركز ليلعق جراحه في جنباته.
    منهج حمل المتاع:
    المظهر الأخر لتأثير الهوية الهامشية هو ما يمكن أن نسميه منهج" حمل المتاع". فالهوية الهامشية
    ترنو دائمًا إلى المركز كمصدر للإلهام الثقافي، والديني والسياسي، وكمجال للسياحة الفكرية. إﻧﻬا
    ميالة لاستعارة المنتجات الفكرية للمركز، وليس متوقعًا منها أن تنتج أو تعير. يقول شون
    أوفاهي:"السودان النهري الشمالي تفاعل دومًا مع مصر، أو تطلع عبر البحر الأحمر إلى الجزيرة
    العربية"، 57 فالرابطة الثقافية بين الشماليين والعالم العربي، كانت على وجه العموم طريقًا ذا اتجاه
    واحد، تنتقل فيه المنتجات الثقافية، من خارج الحدود الشمالية، عكس مجرى النيل، أو من الشرق عبر
    البحر الأحمر. ومن المثير للدهشة أن كل حزب في العالم العربي، تقريبًا، له فرع في شمال السودان،
    فهناك حزب البعث العربي الاشتراكي، بجناحيه السوري والعراقي، وهناك الحزب الناصري،
    ومؤتمرات القذافي الشعبية، والحركة الوهابية السعودية، وحركة الأخوان المسلمين المصرية. كل هذه
    الحركات والأحزاب لها فروعها في السودان. وكانت ثورة 1924 ، والحركات الاتحادية مؤخرًا، في
    الأربعينيات، والتي عملت كلها تحت الرعاية المصرية، ﺗﻬدف إلى تحقيق الوحدة السياسية مع مصر. 58
    وبالنسبة للمركز، ليس الهامش سوى خواء ثقافي وسياسي، إن لم يكن سلة للنفايات، ينبغي ملؤها.
    وهذا هو السبب الذي يجعل مختلف فئات المركز تتسابق لملئه.
    التواؤم مع المركز:
    علامة أخرى على تأثير الهوية الهامشية، على نفسية الفرد الشمالي، تتمثل فيما يمكن أن
    اسميه:"الميل للتواؤم". فمن الملاحظ أن أغلبية الشماليين الذين يعملون في أقطار عربية مختلفة يتبنون
    لهجات البلدان التي يجدون أنفسهم فيها. وحتى عندما يعودون إلى السودان، يكون الاحتمال كبيرًا،
    أن تصبح هذه اللهجات، أو على الأقل بعض كلماﺗﻬا وعباراﺗﻬا، جزء من الذخيرة ا للغوية للشخص
    المعين. ومن الملاحظ أيضًا أن القلة من العرب الذين يجيئون إلى السودان لا يغيرون لهجاﺗﻬم حتى إذا
    مكثوا وسط السودانيين لعدة سنوات. بل إن الشماليين الذين يختلطون ﺑﻬؤلاء العرب، في السودان،
    غالبًا ما يعدلون لغتهم ولهجتهم حتى تتوافق مع لسان العرب الذين يعيشون وسطهم. 59
    14
    الوكالة عن المركز
    "السودان جسر بين العالم العربي وإفريقيا" هذه واحدة من أكثر العبارات تردادًا من قبل النخب
    السياسية والثقافية الشمالية. ويقصدون ﺑﻬذه العبارة أن الدور المنوط بالسودان هو نشر الثقافة العربية
    الإسلامية إلى قلب أفريقيا التي غالبًا ما يشرون إليها بعبارة "القارة السوداء". وعلى ذلك فقد أصبح
    السودان مقر العديد من المنظمات التي جعلت رسالتها الدعوة للإسلام ونشر اللغة والثقافة العربية.
    يقول الدكتور عبد الله علي إبراهيم:
    وأصبح السودان بواقع هذه المهمة مقرا لمنظمات دعوة عربية إسلامية كثيرة، مثل
    معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، ومعهد تعليم العربية لغير الناطقين ﺑﻬا سابقا، والمركز
    الإسلامي الأفريقي، ومنظمة الدعوة الإسلامية وفروعها المتخصصة مثل :الوكالة
    الإسلامية الأفريقية للإغاثة ومؤسسة دان فوديو الخيرية للتجارة واﻟﻤﺠلس الإفريقي للتعليم
    الخاص والجمعية الخيرية الإفريقية لرعاية الطفولة والأمومة ... من الأهداف القومية
    العربية لمنظمة التربية والثقافة والعلوم العربية نشر اللغة العربية وتعريب المدرسة واﻟﻤﺠتمع
    تعريبا كاملا في الدول العربية والإفريقية ذات الأوضاع الثقافية الخاصة، والمنضوية في
    جامعة الدول العربية مثل موريتانيا والصومال وجيبوتي وجنوب السودان. ومن أهداف
    المركز الإسلامي الأفريقي في الجانب الآخر العمل على نشر الإسلام وتعميق الثقافة
    الإسلامية في أفريقيا. 60
    ويمضي إبراهيم في القول
    فقد ترتب على استعدادنا للقيام بدورنا المرسوم أن تعاملنا مع الجماعات
    الأفريقية المساكنة لنا في الوطن السوداني كرجرجة بلا ثقافة ولا دين .. فقد
    اﺗﻬمنا لغتهم بالعجمة ودينهم بالوثنية، واتصلت دعوتنا الفكرية المدعومة
    بإجراءات الدولة الوطنية لكسر المقومات اللغوية والدينية لهذه الجماعات
    الأفريقية لتستبدل لغتها بالغة الصواب (العربية)، والدين بالدين الصحيح
    (الإسلام). يجب الإقرار أن الجماعة العربية الإسلامية، بفضل مهمة الدعوة
    الموكلة إليها، وقد انتهت إلى منهج خاطئ حيال ديمقراطية التساكن القومي
    بالسودان. وفيما يلي أجمل أنواع الكساد والبوار التي ترتبت على ذلك:
    1. أدت وظيفة الدعوة موضع النقاش إلى تشويهين كبيرين في بناء الدولة
    السودانية:
    15
    أ/ في أكثر الأحوال لا ينبثق المطلب لإرساء الدولة المسلمة في السودان من حاجة
    باطنية للمسلمين تجسد أشواقهم للتقوى والعدل الاجتماعي، فقد كان – دائما –
    لحاجات الجهاد والتبشير الخارجية اعتبار عظيم في هذا المطلب.
    ب/ لقد أصبح من الصعب عند الكثيرين ممن تشربوا وظيفة الدعوة القومية العربية
    والإسلامية أن يوازنوا بين مهمتهم كرجال دولة مسئولين عن جماعات وطنية متباينة
    الثقافات، وبين مهمتهم كدعاة دعوة مخصوصة .. وكثيرا ما تغلب الداعية على رجل
    الدولة وهذا ما يفسر التوتر بل الإخفاق الذي لازم بناء الدولة السودانية لعقود
    ثلاث. 61 .... والذي نخشاه أن يأتي مستقبلا للحكم في السودان أفراد من الطاقم الذي
    تدرج وتربى في مؤسسات الدعوة القومية العربية والإسلامية ... الذي تعمق عنده أن
    الجماعة العربية في السودان موجودة، حيث هي، بالوكالة عن العرب والمسلمين، لا
    بالأصالة عن نفسها .. فما نخشى عليه، في هذا الباب، أن تتدهور أكثر فأكثر العلاقة
    بين الدولة والدعوة إذا قاد كادر الدعوة، هذه، سدة الحكم. 62
    وهذه الأسطر تحتوي على تحليل عميق، و فكر مستقيم، ونتائج تشبه النبوءات المتحققة، مما
    يدل على أن البحث، إن تجرد من الغرض والالتواء، يمكن أن يصيب كبد الحقيقة. فأين هذا
    من كتابات الدكتور إبراهيم الأخيرة التي يدعونا فيها لدخول برج الأنقاذ،
    الوعي بخفاء الهامش:
    نسبة لأن الهامش يشعر بحالة من الخفاء، إزاء المركز، فهو محتاج دائما للإعلان عن نفسه.
    ولذلك فإن علامة أخري من علامات الهوية الهامشية للشماليين، هي تركيزهم المفرط علي الأصل
    العربي، فالشماليون، وخاصة نخبتهم، يرددون دائما أﻧﻬم عرب. فعبارات مثل: "أنا عربي ولدي شجرة
    نسب"، 63 أو "أنا عربي شئت ذلك أم أبيت" 64 ، أو "نحن عرب العرب" 65 ، أو "أنا عربي، قوميا
    وثقافيا"، 66 تتكرر دائما في خطاب النخبة السياسية والثقافية. وعلي عكس النخبة في العالم العربي،
    التي لا تحتاج لإثبات أمر واضح بذاته، يشعر الشماليون بالحاجة للتعويض عن غياب القسمات العربية
    بالكلمات العربية. وينظر المرء لهذه الظاهرة باعتبارها استمرارًا للظاهرة القديمة التي كانت سائدة
    وسط الشماليين لكتابة شجرة النسب. فالظاهرتان تعكسان الشكوك العالقة بادعاءات الشماليين
    للعروبة.
    وتمثل كل هذه العلامات، شواهد علي أن الشماليين يعانون كل أعراض "عدم الاعتراف"،
    التي ناقشها شارلس تيلور في كتاب "سياسات الاعتراف"، وخاصة استبطان الدونية، "الحط من قيمة
    الذات"، و"الكراهية الخانقة للذات".
    16
    تكوين الهوية العربية الإسلامية في الشمال:
    السودان الشمالي الحالي هو موطن الثقافة النوبية التي ازدهرت لعدة آلاف من السنين قبل مولد
    المسيح، وهو موطن الممالك النوبية العظمى. وتقف الأهرامات حتى الآن في أرض النوبة، شاهدة علي
    عظمة الأمة النوبية. وفي القرن الثامن قبل الميلاد قامت المملكة النوبية باحتلال كل أرض مصر
    وفرضت سلطاﻧﻬا علي وادي النيل. 67 وكانت مملكة النوبة لاعبًا أساسيا في المسرح العالمي في العالم
    القديم، و أقامت الصلات مع عدة حضارات. وكما أوضح لويدس بنغاي "للسودان الشمالي حضارة
    قديمة مزدهرة، سابقة لحضارة مصر الفرعونية وﻟﻤﺠيء الإسلام. وكانت النوبة ذات علاقة مع كل
    حضارة ظهرت في مصر .. الإغريق .. الرومان .. العرب .. الأتراك والبريطانيين". 68
    دخلت المسيحية إلي النوبة في القرن السادس، وحولتها إلى مملكة مسيحية، استمرت ألف عام.
    ومباشرة بعد ظهور الإسلام في القرن السابع، فتح المسلمون مصر، وطرقوا أبواب دنقلا عاصمة
    النوبة. ومع أن مقاومة النوبيين قد نجحت في إيقاف الزحف الإسلامي، إلا أﻧﻬا لم تفلح في طرد
    العرب من الأراضي النوبية. 69 وقد أدت حالة التوازن التي قامت بين الطرفين إلي الوصول إلي تسوية
    652 ميلادية، وتفسر هذه الاتفاقية – سياسية. وقد أبرمت معاهدة بين النوبيين والعرب عام 651
    تفسيرات مختلفة من قبل الكتاب المعاصرين. وبينما يراها بعض هؤلاء الكتاب في صالح العرب، 70 فإن
    آخرين يعتبروﻧﻬا نصرا للنوبة. 71 ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن مملكة النوبة حققت ما لم
    تحققه مملكة أخرى في الزمان القديم، وهو إيقاف الزحف الإسلامي الذي كان لا يقاوم. كان
    المسلمون يقسمون العالم إلي دار الإسلام ودار الحرب. ولما بقيت النوبة وحافظت علي سلامة
    أراضيها كان علي المسلمين أن يخلقوا فئة ثالثة، لا هي دار إسلام ولا دار حرب، فأطلقوا عليها دار
    العهد. ومع أن الاتفاقية ضمنت سيادة النوبة لمدة ألف سنة تقريبا، إلا أﻧﻬا فتحت اﻟﻤﺠال للعرب
    ليدخلوا بحرية من أجل التجارة، مما دشن عملية الأسلمة والتعريب، التي قادت في ﻧﻬاية المطاف إلي
    اﻧﻬيار المملكة.
    ومع أن الهوية العربية الإسلامية يمكن إرجاعها إلي دخول العرب السودان، إلا أﻧﻬا ظاهرة
    حديثة نسبيا. فالقرنان الرابع عشر والخامس عشر، يعتبران فترة تغيير في السودان النيلي. اذ أن
    الحركات الاجتماعية وخاصة تلك الخاصة بالعرب والفونج، مصحوبة بالتطورات الاقتصادية والثقافية
    الوافدة من الأقطار اﻟﻤﺠاورة 72 ، وفرت ظروفا مواتية لعمليات الأسلمة والانتماء إلي العرب. فالرحالة
    الذين جاءوا إلي مملكة الفونج في الربع الأول من القرن السادس عشر، وصفوا تكوينات أثنية شبيهة
    بتلك التي نجدها في سودان اليوم. فقد وصفت قبائل الشايقية والجعليين والرباطاب باعتبارهم برابرة،
    أي نوبيين شماليين، من قبل غيليود الذي زار مملكة الفونج عام 73.1523 وقد وجد غيليود أن
    17
    سكان المملكة ينقسمون إلي ست فئات أثنية وكانت هذه الفئات من الوضوح والتمايز بحيث لم يكن
    هناك فرد واحد لا يعرف إلي أي منها ينتمي. 74 خمس من هذه الفئات صنفت حسب لون البشرة،
    بشكل أساسي. كان لون الفونج هو "الأزرق". "كان لوﻧﻬم لون النحاس". حسب غيليود .. وكان
    العبدلاب قريبين في ألواﻧﻬم وملامحهم من الفونج، إذا أستثنينا شعورهم الملتفة، وكان لوﻧﻬم أخضر،
    (أي نحاسي غامق إلي أسود). أما البرارة، أي الجعليين والرباطاب والشايقية والدناقلة، فوصفوا بأﻧﻬم
    "خاطف – لونين"، أي خلطة من لونين. يقول غيليود "أفراد هذه الفئة نصف صٌفر ونصف خٌضر ..
    وفصيلة الدم التي تغلب عليهم هي تلك التي نجدها عند الأثيوبيين". 75 أما لون العرب فوصف بأنه
    "أصفر" أي "أبيض" وقد قال عنهم مايلي :
    "هؤلاء هم الأقل اختلاطا من حيث الألوان، أﻧﻬم ينتمون إلي العرب البدو
    الرحل. شعورهم مرسلة. ولا يختلطون مع الفئات الأخرى إلا فيما ندر.
    ويسهل التعرف عليهم، ليس فقط من ملامح وجوههم، بل من نقاء الطريقة
    التي ما زالوا يتحدثون ﺑﻬا اللغة العربية".
    والمدهش أنه تحدث كذلك عن "العبيد" الذين جلبوا إلي سنار من الجنوب والغرب "أي جبال
    النوبة". 76 هذا هو علي وجه التقريب التصنيف اللوني الموجود حاليا.ومن المحتمل أن الفارق الوحيد
    أن الجعليين والرباطاب والشايقية، كانوا ما يزالون في القرن السادس عشر، يتحدثون لغاﺗﻬم النوبية.
    وقد استمروا يتحدثوﻧﻬا حتى أوائل القرن التاسع عشر. 77 هذه الظروف هي التي غرست مكونات
    الهوية الشمالية في تربة الشمال. هذه المكونات هي اللغة العربية، مزاعم الأصول العربية، الإسلام،
    وتراث الرق. فسكان هذا الجزء من السودان أظهروا تعلقا خاصا بالعرب. وتدل الشواهد علي أﻧﻬم
    انتهزوا كل فرصة عابرة، سواء كانت هذه رابطة بعيدة، متخيلة، أو حتى ملفقة، للتماهي مع العرب
    وتبني لغتهم. الفونج يزودوننا بمثال واضح لانقلاب الهوية، الذي ربما يلقي لنا الضوء علي عملية
    التماهي مع العرب. ففي بداية مملكتهم، كان الفونج وثنيين، من الناحية الدينية، وكانوا يتحدثون
    لغتهم الخاصة، والتي كانت هي اللغة لرسمية للمملكة حتى القرن الثامن عشر. وكانوا يسيرون العدالة
    في محاكمهم وفق تقاليدهم الخاصة. 78 وقد اعتنق ملكهم الأول، عماره دنقس، الإسلام اسميا، من
    أجل أهداف سياسية. 79 وبعد ثلاثة قر ون من ذلك التاريخ، أي خلال القرن الثامن عشر، أقيمت
    العدالة علي أساس الشرع الإسلامي، وصارت الوثائق الرسمية تحرر باللغة العربية، والتي أصبحت هي
    اللنغوافرانكا للدولة. 80 ليس ذلك فحسب، بل أعلن بادي الثالث، ملك الفونج، رسميا في خطاب إلى
    رعيته، أنه وقومه "ينحدرون من العرب، ومن الأمويين علي وجه التحديد" وقد أصدر ذلك المنشور
    ردا علي حملة من الإشاعات، صاحبت تمردا في الأقاليم الشمالية، يدمغهم بأﻧﻬم "وثنيين من النيل
    الأبيض". وقد أختتم المنشور، الذي ٌأرسل إلي دنقلا، بالعبارة التالية :" وما دمتم قد رأيتم الحقائق
    18
    فلتخرس الألسنة، وعسي أن يتوخى العبد عزيز فضيلة الحذر في أحاديثه المؤذية". 81 ومن هذه
    الأحاديث المؤذية "اﺗﻬامه" للملك بأنه ليس من أصل عربي فمع زيادة قوة التجار العرب، وانتشار
    الطرق الصوفية، وتعاظم نفوذ العلماء، سعي الملوك إلي الإبقاء علي نفوذهم القضائي المتداعي بدراسة
    الشريعة الإسلامية، ليتحولوا إلي "علماء" لهم مكانتهم المستقلة. ويقول سبولدنج أن الطبقة الحاكمة
    الفونجية "انضمت إلي العائلات الأرثوذكسية للتجار في نشر مزاعم الأصول العربية "بل أﻧﻬم"
    اكتشفوا حقيقة كانت مجهولة حتى ذلك الوقت وهي أﻧﻬم أمويون" 82 وهكذا فإن انقلاب الهوية الذي
    حدث في القرن السادس عشر لخدمة أهداف سياسية، قد أكتمل في القرن التاسع عشر. وكما قال
    ديفيد ليتين : "ما يعتبره هذا الجيل مسألة عملية محضة، يعتبره الجيل الذي يليه أمرا طبيعيا." 83
    وإذا كان ملوك الفونج قد صاروا عربا بأمر ملكي، فإن قبائل الشمال النيلي قد ضمنت هذا
    الأصل المرغوب، لأنفسها، بطرق أخري. فقد كان هؤلاء قادرين علي كتابة أشجار نسبهم الخاصة
    والتي "كان من المعروف عنها أنه يتم تقفيها، مع القفزات والفجوات، حتى الجزيرة العربية، وفي
    الحالات التي يكون فيها الأصل السوداني بارزا سياسيا أو دينيا، فأنما تنسب الأصول إلي النبي محمد،
    وقبيلته قريش؛ وذوي قرباه، وأصحابه الأقربين". 84
    ومن الواضح أنه بالنسبة للنوبيين، وللفونج بعدهم، لم يعد العالم مستقرا. فالهويات القديمة
    حامت حولها الشكوك، والناس لم يعد بإمكاﻧﻬم أن يكونوا أنفسهم. الحوافز لإجراء انقلاب في الهوية
    كانت قوية وكثيرة. والشروط قد اكتملت. وكانت نتيجة ذلك أن نوع  ي التماهي اللذين تحدث
    عنهما شيلر قد حدثا في نفس الوقت، ونقصد ﺑﻬما الايديوباثي و الهيتروباثي.ويمكن ملاحظة حدوث
    التماهي الأيديوباثي في المناطق التي تلاشت فيها اللغات المحلية، وتم تبني العربية بدلا عنها. كما يمكن
    ملاحظة التماهي الهتروباثي في المناطق التي صمدت فيها اللغات المحلية.
    الخواص الأكثر وضوحا للثقافة العربية الإسلامية :
    في الفصل الماضي حاولت الإجابة علي ذلك الجزء من السؤال الذي يقول : لماذا تماهى
    الشماليون مع العرب؟ أو بمعني آخر، ما هي دوافع انقلاب الهوية الذي حدث لهم؟ وأحاول في هذا
    الفصل أن أوضح الكيفية التي تم ﺑﻬا ذلك. أي بمعنى آخر، ما ا لذي يسّر للشماليين، بل لشعوب
    عديدة عبر العالم الإسلامي، أن تتعلق بالأصل العربي؟ اعتقد أن هناك ثلاث خواص بارزة للثقافة
    العربية الإسلامية جعلت من الميسور تماما، للأفراد والجماعات، إدعاء الأصول العربية دون أن تواجه
    بتحدٍ جدي ومعلن من قبل مركز الهوية العربية.
    الخاصية الأولي هي التركيبة الأبوية للقبائل العربية. في هذا النظام ينسب الأطفال لإبائهم، ولا
    تلعب المرأة دورا يذكر في النسب، وذلك لأﻧﻬا "حرث" الرجل و"ماعونه". ويترتب علي هذا المفهوم
    19
    الذي يجعل الزوجة مزرعة لزوجها، أﻧﻬا وإن حملت بذوره، إلا أن الحصاد حصاده هو، وليس
    حصادها. 85 وهكذا فإن أي اختلاط للدم العربي، بخط النسب النوبي، يضع حدا لكل الأنساب
    النوبية قبل هذا الاختلاط، ولا فرق إذا كان هذا الاختلاط حقيقيا، أو متخيلا أو مفتعلا. وهكذا،
    وبناء علي الاعتقاد الشعبي الشائع في الشمال، كان الجد الذي تحدرت منه اﻟﻤﺠموعات الجعلية الكبرى
    في الشمال : أي الشايقية، الرباطاب والجعليين أنفسهم، هو إبراهيم جعل. عن هذا الجد المشترك،
    تحولت أنساب هذه اﻟﻤﺠموعات النوبية إلي الجزيرة العربية (إلي قريش) وارتبطت بالعباس عم النبي.
    ولكن هذا الإدعاء، وبناء علي بحوث مؤرخ كبير ينتمي إلي نفس هذه اﻟﻤﺠموعة "يصعب إثباته". 86
    الخاصية الأخرى للمجتمع العربي الأبوي، هي أن القبائل القوية تكون لها دائما مجموعات
    تابعة، مثل الحلفاء والمستجيرين والعبيد، وغيرها من أنواع الارتباط. النظام التراتبي للقبيلة يستوعب
    كل هذه اﻟﻤﺠموعات في فئات اجتماعية مصنفة تصنيفا دقيقا، ويسمح لها بالانتساب إلى القبيلة رغم
    أﻧﻬا تعرف مكاﻧﻬا جيدا. ويمكن للفرد الذي ينتمي إلي هذه الفئات الدنيا، أن يصعد إلي مرتبة أعلي
    بناء علي فضائله، أو اعترافا بأبوته، أو كليهما، كما يوضح مثال عنترة. هذه الخاصية جعلت من
    السهل علي العرب قبول الانتساب الشمالي، مع وضع الشماليين في فئة أدني من نظامهم التراتبي.
    الخاصية الثانية هي مفهوم النقاء، أو الطهارة في الإسلام. فالطهارة مفهوم مركزي للإيمان،
    ومع أنه يمكن تحقيقه من خلال عملية محددة للتطهير، 87 إلا أنه أيضا هبة من الله للرسول وآل بيته.
    يقول القرآن : "أنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". 88 وهكذا، كلما
    كان المرء قريبا إلي قبيلة النبي كلما كان ذلك أفضل، والأفضل من كل ما عداه هو انحدار المرء
    مباشرة من فاطمة بنت النبي. ولكن مع ذلك فإن قطرة من الدم العربي تكفي لتطهيرك وذريتك.
    ويلاحظ المرء أن الثقافة الغربية تقوم علي مفهوم نقيض تماما في هذا الشأن، حيث تكفي قطرة دم
    واحدة من السواد أن تلوثك وتجعلك أسودا، حتى ولو كان لونك غالب البياض.
    الخاصية الثالثة هي العلاقة بين الإسلام واللغة العربية. فحقيقة أن الإسلام نزل علي نبي عربي،
    وأن الذين نشروه هم العرب، وأن اللغة العربية هي لغة القرآن، كل هذه الحقائق جعلت العرب أفضل
    الأمم في عيون الشماليين، وجعلت اللغة العربية، ليس فقط أفضل اللغات، بل جعلتها لغة مقدسة.
    ومع أن غياب العربية لم يمنع غير المتحدثين ﺑﻬا في العالم العربي، مثل تركيا وإيران والباكستان وحتى
    في السودان، من ادعاء الأصول العربية، إلا أن تحدث العربية كلغة للأم قد ثبّت أسطورة الأصل
    العربي لدي بعض الشماليين، وأمدهم ببرهان يسمي "لسا ُ ن عر  بي مبين." 89
    عملية مستمرة :
    20
    ومع ذلك فإن تشكيل هوية عربية إسلامية في الشمال هو عملية مستمرة. فالأتراك دفعوا إلي
    الأمام عملية التعريب، وجاءوا بالإسلام التقليدي المدرسي، وسيروا، مع العرب والأوربيين
    والشماليين، حملات الاسترقاق، في أراضي القبائل التي لم تستعرب، وخاصة في الجنوب وجبال
    النوبة. وجاءت الدولة المهدية، وحلت محل الدولة التركية المنهارة، عام 1885 ، ودفعت بدورها
    عمليات التعريب والأسلمة. ولم تكن الدولة المهدية مختلفة عن الأتراك فيما يتعلق بحملات الاسترقاق.
    وعندما أستعمر البريطانيون السودان عام 1898 ، وضعوا القبائل المستعربة فوق القبائل الأفريقية
    السوداء. وقد وصف عالم الأجناس ك. سيلجمان، الذي دعمته حكومة الخرطوم الاستعمارية لدراسة
    الجماعات السكانية بالسودان، وصف القبائل الجنوبية بأﻧﻬا "متوحشة" 90 وقد تعامل البريطانيون
    باحترام شديد مع مجموعات الشمال المستعربة، كما عبروا عن احترام عظيم لهويتهم العربية-
    الإسلامية، وشجعوها. 91 وقد ركزت السياسات التعليمية، بصورة أساسية، علي اﻟﻤﺠموعات المسلمة،
    التي تتحدث العربية، من الشمال الأوسط النيلي 92 وقد كان المستفيدون من هذه السياسات التعليمية،
    من بين هذه الجماعات، أبناء الأسر البارزة : أسرة المهدي، والخليفة، وأسر أمراء المهدية، والأسر
    العربية "الراقية". 93 وفي السنوات الأولي من القرن العشرين، بدأت الترعات الوطنية تنشأ وتزدهر
    وسط الأجيال الشابة المتعلمة لهذه الأسر. 94 "وقد صاروا يفتشون عن "السودانوية" في القصائد
    العربية، والمقالات، والأشكال الأدبية الأخرى، وصاروا يمجدون اللغة العربية؛ والتراث العربي، والدين
    الإسلامي، باعتبارها القيم الجوهرية لهذه الوطنية." 95
    ونسبة لوعيهم بالتاريخ الطويل لمصطلح "سوداني"، والمعاني السلبية العالقة به، فقد أعطوه معني
    مزدوجا. فعلي أحد المستويين بقي لفظ سوداني كما كان دائما، أي مرادفا ل"عبد". وعلي مستوى
    آخر أستخدم اللفظ "كمجال للانتماء الوطني" 96 أي أﻧﻬم تعاملوا معه كإطار خا ٍ و، حاولوا أن يملئوه
    بصورﺗﻬم الذاتية. وهكذا أصبح مصطلح "سوداني"، علي هذا المستوى، "علامة علي الهوية الوطنية
    التي تخصص قيمة عظيمة للثقافة العربية الإسلامية." 97 ولذلك ومن وجهة نظر الجماعات الاثنية
    الأخرى، أن تكون سودانيا علي هذا المستوي يعنى أن تكون شماليا. يعنى "محاكاة أسلوب" أكثر
    عروبة "للحياة" واعتناق "أسلوب للحياة ظهر تاريخيا علي ضفاف النيل" 98 وقد اتضح فيما بعد أن
    هذا التعريف كان محدودا جدا، وضيق الأفق وينطوي علي كثير من المشكلات. فهو استبعادي من
    جهة، واستيعابي من جهة أخري. فأولئك الذين لا ينطبق عليهم التعريف الجديد للفظ "سوداني"، أما
    أن يبعدوا من اﻟﻤﺠال السياسي، ماديا (بالانفصال)، أو سياسيا (بالتهميش)، أو تتم إعادة صياغتهم
    ليلائموا اللفظ (أي يصيروا شماليين). وكما لاحظت هيذر شاركي عن حق "إذ فشل في الاعتراف
    بالمساهمات الثقافية للسكان غير العرب وغير المسلمين، فإن برنامجهم الوطني نفر مجموعات كثيرة،
    بدلا من جذﺑﻬا وإغرائها، وخاصة في الجنوب. أن الحرب الأهلية، التي ظلت تشتعل علي فترات منذ
    21
    1955 ، هي الثمرة المرة لهذا النوع من الوطنية." 99 والثمرة الأكثر مرارة لهذا التعريف هي الجبهة
    الإسلامية القومية، التي استولت علي السلطة عام 1989 ، وشرعت في إزاحة "الخلعاء" عن طريق
    القوة الغاشمة.
    الثقافة العربية واللون الأسود :
    يقول عبده بدوي في كتابه "الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي" ما يلي:
    "العرب يكرهون اللون الأسود، ويحبون اللون الأبيض. ويصفون كل شئ
    حسن (ماديا كان أو معنويا) بأنه أبيض. اللون الأبيض مصدر فخر للرجل،
    وخاصية جمالية بالنسبة للمرأة. البياض بالنسبة لهم علامة علي الشرف.
    ويمدح الرجل بأنه ابن امرأة بيضاء. والواقع اﻧﻬم يفخرون بامتلاكهم النساء
    البيض كجوار لهم. ويطلقون علي الشعراء السود أغربة العرب، في تشبيه لهم
    بذلك الطائر البغيض الذي يعتبر سواده عادة علامة علي الشؤم." 100
    كراهية اللون الأسود نشأت من تجارب العرب مع الأفارقة. فالصورة النمطية للأفريقي
    الأسود، في الثقافة العربية أنه كريه الرائحة. ناقص جسدا وعقلا، ومنحرف عاطفيا. المثل العربي
    القائل : "الزنجي إذا جاع سرق، وإذا شبع زنا" 101 يلخص هذه الصورة تلخيصا وافيا. وتمثل عبارة
    "يا ابن السوداء" قمة الإساءة التي يمكن أن توجه للرجل الأسود.
    قبل الإسلام :
    قبل الإسلام، لم يكن أبناء الرجل الأبيض من أم أفريقية يقبلون كأعضاء كاملي العضوية
    بالقبيلة، حتى ولو كانت القبيلة تعتمد عليهم في الحروب، كما توضح قصة عنترة، ويوضح بدوي
    كيف كان اللون الأسود عقبة كؤود أمام هؤلاء الشعراء. فدعوة أحدهم بالغراب كانت إساءة.
    يقول بدوي :
    "كانت هناك حساسية عالية بالألوان وسط الشعراء السود قبل الإسلام.
    وذلك لأﻧﻬم كانوا فئة مضطهدة وتعيسة. وكانوا يستبعدون، بقسوة أحيانا
    وبلطف أحيانا أخري، من دخول النسيج الاجتماعي للقبيلة. وهكذا عاشوا
    علي هامش اﻟﻤﺠتمع كفئة فقيرة وبائسة. ولم يكن يتم الاعتراف ﺑﻬم إلا في
    ظروف الضرورة القصوى، كما نعرف من حياة عنترة. فبالرغم من أن هذا
    الشاعر كان حامي قبيلته، وكان صوﺗﻬا الشعري السامق، إلا أن الطريقة التي
    22
    ظلت تعامله ﺑﻬا قبيلته كانت تؤلمه وتثقل علي عقله. وقد علق به اسم "ابن
    السوداء" حتى عندما يكون عائدا من المعركة منتصرا". 102
    أثناء حياة النبي :
    مع أن الإسلام دعا لوحدة ومساواة بني البشر، رغم اختلاف ألسنتهم وألواﻧﻬم "إن أشرفكم
    عند الله أتقاكم" إلا أن موقف العرب من السود لم يتغير أبدا. وقد قال النبي "لا فضل لعربي علي
    أعجمي أو لأبيض علي أسود، أو لأحمر علي أصفر، إلا بالتقوى". ولكن ذلك لم يمنع أباذر
    الغفاري، أحد صحابة النبي البارزين، من أن يدعو أخاه بلال بن رباح الصحابي الآخر الجليل ومؤذن
    الرسول، "بابن السوداء". وعندما سمع النبي بذلك وبّخ اباذر توبيخا شديدا حتى شعر أبوذر أن مجرد
    الاعتذار لبلال لا يكفي. ولذلك انطرح أبوذر أرضا، ووضع خده علي التراب، وطلب من بلال أن
    يطأ خده برجله، كعلامة علي التواضع والصغار. 103
    القرون الوسطي :
    وإذا كان ذلك هو الوضع إبان حياة النبي، الذي كان يدعو للمساواة بين المؤمنين، فمن
    الطبيعي أن مسلك العرب نحو السود سيسوء بعد وفاته. ويشير برنارد لويس إلى ذلك في الفقرة
    التالية:
    في الوقت الذي كان فيه الدعاة الدينيون ينادون بالمساواة، وإن بعبارات
    غامضة، كانت حقائق الحياة تحكم بغير ذلك. فالتوجهات السائدة لم يكن
    يحددها الوعاظ ورواة التراث، بل كان يحددها المنتصرون ومالكو العبيد،
    الذين يمثلون النخبة الحاكمة في اﻟﻤﺠتمع الإسلامي. والاحتقار الذي كان يشعر
    به هؤلاء، تجاه العناصر غير العربية عموما، وتجاه السود علي وجه الخصوص،
    يتم التعبير عنه بآلاف الطرق، في الوثائق، والآداب والفنون التي وصلت إلينا
    من القرون الوسطى. هذه الآداب، وخاصة الشعبية منها، تصور (الرجل
    الأسود) في صور نمطية عدوانية : كشيطان في الأساطير، وكجنس متوحش
    في قصص الرحلات والمغامرات، أو كعبد كسول، غبي، كريه الرائحة،
    أبرص، في الحالات العادية. وشهادة الآداب أكدﺗﻬا الفنون. ففي الرسومات
    واللوحات العربية والفارسية والتركية، كثيرا ما يظهر السود، كشخصيات
    أسطورية شريرة في بعض الأحيان، أو كبدائيين يقومون بأعمال حقيرة، أو
    كمخصيين في القصور أو البيوت." 104
    23
    ابن خلدون يرى أن السود معروفون بالهزل والطيش والعاطفية الزائدة وأﻧﻬم "يتصفون بالغباء
    أينما وجدوا". وهو يفسر هذا الغباء وحب الملذات بإرجاعه إلى "تمدد وشيوع الروح الحيوانية". 105
    أسطورة العهد القديم القائلة بأن السود هم أبناء حام، تبناها ووسعها بعض الكتاب العرب
    مثل ابن جرير 106 . ولكن ابن خلدون لم يقبل هذه الحكمة السائدة في زمانه، بل حاول أن يتوصل
    إلي تفسير "علمي" لسواد الأفارقة يقوم علي حرارة الشمس. 107
    وفي وصفه لسكان خط الاستواء قال الدمشقي ما يلي:
    "خط الاستواء تسكنه أقوام من السود يمكن اعتبارها من الحيوانات
    المتوحشة. ألوان أجسادهم وشعورهم محروقة، وهم غير طبيعيين جسديا
    وروحيا. إن عقولهم تكاد تغلي من حرارة الشمس." 108
    ويسير ابن الفقيه الهمذاني على نفس المنوال. وقد اعتمد في رأيه علي نظرية يونانية جغرافية
    قديمة، تقسم الأرض إلى سبعة أقاليم عرضيه، حيث يمثل الإقليم الأول والسابع الحرارة الشديدة
    والبرودة الشديدة علي التوالي. ويفترض أن هذين النقيضين ينتجان متوحشين، بينما في الإقليم
    الأوسط، حيث اعتدال المناخ، يوجد الناس المتحضرون. وبالنسبة إليه فإن أهل العراق لهم "عقول
    راجحة، وعواطف حميدة، وطبيعة متزنة، وإنتاج غزير في كل الفنون، مع أطراف متناسبة متناسقة،
    ولون أسمر رقيق، هو أنسب الألوان وأصحها." ولكن الزنج الذين يسكنون الإقليم الأول وهم
    "مفرطون حتى درجة الاحتراق، ولذلك يجئ الطفل منهم أسودا، معتكرًا، كريه الرائحة، ومفتول
    الشعر، بأطراف غير منسجمة، وعقول ناقصة وعواطف منحرفة." 109 ويلاحظ جون هنويك أن تحيز
    الهمذاني ضد السلاف ينحصر في ألواﻧﻬم " البرصاء"، إلا أن عداءه للزنج يتخطى اللون ليصور
    "أجسادهم الشائهة"، "وعقولهم الضعيفة" و"روائحهم البخرة". وكان ابن خلدون يعتقد أن الأفارقة
    أقرب إلى الحيوانات منهم إلى البشر، وأﻧﻬم يأكلون لحوم البشر. فهو يقول: "خصائص شخصياﺗﻬم
    أقرب إلى الحيوانات البكماء .. أﻧﻬم يسكنون الكهوف، ويأكلون الأعشاب، ويعيشون في عزلة
    وحشية، ولا يجتمعون، ويأكلون بعضهم البعض." 110
    استجابات السود :
    في وجه هذه العداوة الصارخة، يمكن تصور نوعين من ردود الأفعال : المقاومة واستبطان
    الاحتقار. ففي الوقت الذي تصدي بعض السود لمواجهة هذه الآراء المتحيزة ضدهم، استسلم آخرون
    لمصيرهم التعيس، وصاروا يرون أنفسهم من خلال انعكاسها العربي. ولكن المقاومة نفسها أخذت
    طابعين : أحدهما رفض الصورة النمطية معلنا أن اللون الأسود هو اللون الجميل، والثاني قبل الرأى
    السائد بأنه قبيح، واعتذر عنه، وتغنى بالخصائص الإنسانية الأخلاقية. ويخبرنا عبده بدوي بما يلي :
    24
    "نظر الشعراء إلى أنفسهم وإلى ذويهم كقوم مضطهدين، ومع أن هذا
    الشعور بالاضطهاد يختلف من قرن إلى قرن، ومن شاعر الي، إلا أن الرجل
    الأسود لم يتردد في أن يكون صوت احتجاج على الحياة من حوله وعلى
    مأساوية أوضاعه الشخصية. وسنرى فيما بعد (الشعراء السود) وهم
    ينفجرون في وجوه أولئك الذين يشيرون إلى سواد الواﻧﻬم، كما يشهد علي
    ذلك شعر "الشعراء الثلاثة الغاضبون" وهم الحيقطان، صنيج وعاكم (أوائل
    القرن الثامن). فبالنسبة لهؤلاء لم يكن يكفى أن يدافعوا عن أنفسهم
    فحسب. بل تراهم يفخرون بسواد ألواﻧﻬم، وبتاريخ قومهم السود والبلدان
    التي جاءوا منها، بل كانوا يهاجمون العرب بما كان هؤلاء يفخرون به. 111
    استبطان الاحتقار :
    المثال على استبطان الاحتقار هو نسيب الأكبر، الشاعر ذو الأصول النوبية. إن مسلكه شبيه
    بمسلك "أنكل توم" في الثقافة الغربية. فقد اختار ألا يواجه اﻟﻤﺠتمع بل يتواءم معه، ويقبل تحامله.
    وعندما تقدم ابنه لخطبة فتاة من عائلة مالكيه السابقين، والذين كانوا مستعدين للموافقة عليه، جاء
    نسيب وأمر بعض عبيده السود بجر ابنه من رجليه وضربه ضربا مبرحا. وقد ضرب العبيد ابنه ضربا
    شديدا. ثم رأى نسيب رجلا شابا من أصل نبيل، فقال لعم الفتاة "زوّج بنت أخيك لهذا الشاب
    وسأقوم أنا بدفع المهر." 112 وهكذا لم يجد ابنه أهلا للزواج من فتاة نبيلة الأصل، بل ضربه ليعرف
    مكانه الصحيح. وتقول حكاية أخرى، أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، طلب من نسيب أن
    ينضم إلى ندمائه، ولكن الشاعر اعتذر بأنه أحط من أن يستحق هذا الشرف وقال للخليفة:
    "يا أمير المؤمنين، لونى اسود، وقامتي عوجاء، ووجهي دميم، ولست أهلا
    لهذا المكان". 113
    وتقول قصة أخري انه كان يلوذ بالخفاء. كان يحب أن يخفى سواده عن مستمعيه، عندما
    طلب منه أن يلقى شعره على بعض النساء، حتى لا يجرح شعورهن. وقال في ذلك: "دعوني أقرأ من
    وراء حجاب. لماذا يردن رؤيتي. لونى أسود، وشِعري أبيض. دعوهن يستمعن لي من وراء
    حجاب." 114
    ويعطينا عنترة، الشاعر الفارس، مثالا آخر على استبطان الاحتقار. فكان يظهر كراهية لأمه
    الأثيوبية، زبيبة، باعتبارها المسؤولة عن سواده. وكان يراها تجسيدا للقبح. وكان يدعوها الضبعة،
    ويشبه رجليها بساقي النعامة، وشعرها بالفلفل الأسود. 115
    25
    : ( المقاومة ( 1
    المثال علي المقاومة، على غرار المنهج الأول، نجده في أعمال الكاتب الكلاسيكي العظيم
    الجاحظ، الذي عاش ببغداد في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، والذي كان هو نفسه أسود
    اللون. كان لا يفتأ يذكر العرب أن السود خلقهم الله، وأنه لا يمكن أن يكون صحيحا أن الله قصد
    تشويه خلقه، كما يعتقد العرب، قال :
    "لم يشوهنا الله بخلقنا سودا. فألواننا السوداء جاءت نتيجة أحوال البلاد
    (البيئة). والشاهد على ذلك أننا نجد السود بين القبائل العربية، مثل بنى سليم
    بن منصور الذين يعيشون بالحرّة. فكل سكان الحرّة سود، وحتى دببتها،
    ونعامها، وذئاﺑﻬا، وضباعها وبغالها ومعيزها وطيورها سوداء، بل إن هواءها
    نفسه أسود." 116
    وقد كتب الجاحظ "فخر السودان علي البيضان" وهو يمجد البشرة السوداء مشبها لها بالحجر
    الأسود المقدس، حجر الكعبة، فضلا عن عناصر الطبيعة الداكنة اللون والقوية، مثل التمر، الأبنوس،
    الأسود، النوق، المسك، الليل والظل. 117 وبعد ثلاثة قرون أخري، سينهض كاتب بغدادي آخر، هو
    الجوزي، الذي عاش في ﻧﻬاية القرن السادس الهجري (الثالث عشر الميلادي)، للدفاع عن السود. وقد
    كتب الجوزي "تنوير الغبش، في فضل السودان والحبش". وكان يمجد اللون الأسود، ويمدح فضل
    وأخلاق ونبل ملوك وملكات السودان وأثيوبيا، إضافة إلي صحابة النبي السود. 118
    : المقاومة 2
    المقاومة وفق المنهج الثاني، تقبل سلبية اللون الأسود، ولكنها تركز على الخصائص الأخلاقية
    والعقلية. والحجة هنا تتخذ الشكل التالي : "نعم نحن سود، ولكننا ذوو فضل. " الشاعر النوبي،
    سحيم عبد بنى الحساس يقول :
    " إن كنت عبدًا فنفسي حرة كرمًا أو أسود اللون إني أبيض الخلق
    ويقول أيضا :
    أتيت نساء الحارثيين غدوًة بوجهٍ براه الله غير جميل
    فشبهنني كلبًا ولست بفوقه ولا دونه إذ كان غير قليل
    وقال أيضًا :
    فلو كنت وردًا لونه لعشقنني ولكن ربي شانني بسواد" 119
    26
    الشاعر خفاف بن ندبة، وهو شاعر أسود أيضًا، نسج على نفس المنوال. فهو يقبل حقيقة أن
    سواده  سبّة، ولكنه يفخر بصفاته كمحارب صعب المراس، يصفي حساباته مع من يذمونه في ميدان
    المعركة. يقول :
    أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافًا أنني أنا ذلكا
    ويقول :
    فجادت له يمنى يديّ بطعنة كست متنه من أسود اللون حالكا 120
    سلك عنترة نفس الطريق. فهو يقول :
    ينادونني في السلم يابن زبيبة وعند صدام الخيل يابن الأطايب
    ويقول كذلك :
    فأنا الاسود والعبد الذي يقصد الخيل إذا النقع إرتفع
    نسبتي سيفي ورمحي وهما يونساني كلما إشتدّ الفزع 121
    ويقول عن أمه :
    وأنا ابن سوداء الجبين كأﻧﻬا ضبع ترعرع في رسوم المترل
    الساق منها مثل ساق نعامة والشعر منها مثل حب الفلفل
    ويتمنى لو أن عبلة تقبله علي "علاته"، أي سواده :
    لعل عبلة تضحى وهي راضية علي سوادي وتمحو سورة الغضب
    ولكن أعمال المقاومة الشحيحة هذه، لم يكن لها أثر أبعد من إثبات حقيقة الرفض. فالتحامل
    علي اللون الأسود صار أكثر حدة في الثقافة العربية الإسلامية، مع نمو الإمبراطورية، وانخراط العرب
    في اصطياد العبيد. وبمرور الزمن نشأ ارتباط بين العبودية والسودان، أي السود. وكما يكتب أكبر
    محمد، مع اتساع الإمبراطورية، "اختفت بشكل كامل تقريبا، واﻧﻬارت نزعات المساواة التي كانت
    سائدة علي عهد النبي، تحت ثقل التمدن، والتثاقف، والانقسامات الاثنية الداخلية، والمركزية
    العربية." 122 وهذه الترعات تنعكس بصورة واضحة، وبأشكال لا حصر لها في الأدب العربي
    الكلاسيكي.
    لم يكن العرب، عادة، يخاطبون السود بأسمائهم، بل يخاطبوﻧﻬم بكلمة "الأسود" أو "العبد
    الأسود". وعندما كان أحد الشعراء السود يلقى شعره أمام أمير أو خليفة فإن عبارة الإطراء عليه هي
    عادة: "أحسنت يا أسود". 123 وكان الشعراء العرب يشعرون بالغضب والحسد عندما ينظم شاعر
    أسود شعرا جيدا. وكان رد فعلهم الطبيعي عندما يسمعون شعرا جيدا هو "وددت لو قلت هذا
    27
    الشعر قبل هذا العبد الأسود." وكانت طريقتهم المفضلة في إغاظة زملائهم السود أن يقولوا لهم "قل
    غاغ"، أي قّلد صوت الغراب. 124
    وتعتبر قصائد المتنبي التي يسخر فيها من كافور الإخشيدي، حاكم مصر في العصور الوسطى،
    مثالا علي ذلك. فالمتنبي معروف بأنه أعظم الشعراء العرب موهبة علي مر العصور. وقد قصد كافور،
    العبد النوبي، الذي تحرر واستولى علي الحكم بمقدراته العسكرية والإدارية المتفوقة. وكان المتنبي يأمل
    في أن يتفضل عليه كافور بأمارة يحكمها. ونظم لهذا الغرض قصائد عديدة في مدح كافور. بل وصل
    إلى درجة مدح لونه الأسود وأعبره تجسيدا للجمال. ولما فشل في الحصول علي مبتغاه، كره كافورا،
    وفرّ هاربا من مصر، وبدأ حملة من التشنيع والهجاء ضد كافور. وقام بنظم قصائد في هجاء كافور،
    تعتبر من عيون الشعر من حيث خصائصها الفنية، وسماه "الأسود المخصي"، والزنجي الدميم. في كل
    هذه القصائد كان المتنبي يعيّر كافورا بلونه الأسود. ويقول في إحداها :
    وأسود مشفره نصفه يقال له أنت بدر الدجى
    وهو يسخر من المصريين أيضا، ويدعوهم مضحكة الأمم ، لأﻧﻬم يرضون بكافور حاكمًا لهم.
    ويهجو كافورًا بسواده في أبياته المحفوظة عن ظهر قلب من قبل كثير من السودانيين ذوي الثقافة
    العربية:
    العبد ليس لحر صالح بأخ لو أنه في ثياب الحر مولود
    لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد
    إلي أن يقول :
    من علم الأسود المخصي مكرمًة أقومه البيض أم آباؤه الصيد
    أم أذنه في يد النخاس داميًة أم قدره وهو بالفلسين مردود
    أوَلى اللئام كويفير بمعذرة في كل لؤم وبعض العذر تفنيد
    وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصية السود 125
    ومن المدهش أن الشماليين عندما يقرأون هذه القصائد، فاﻧﻬم ينحازون إلى المتنبي وليس إلي
    كافور، رغم أن كافورًا كان رج ً لا نوبيًا، وبمعنى معاصر كان سودانيًا شماليًا.
    المصادر الإسلامية ورمزية اللون :
    ذكرنا من قبل أن الثقافة العربية الإسلامية، في نظامها الرمزي، تجعل اللون الأبيض هو المقياس
    والمثال، وتذم اللون الأسود. وسواء في الشعر قبل الإسلامي، أو في القرآن، أو في الفقه الإسلامي
    الكلاسيكي، وفي الأدب القديم والمعاصر، يصور اللون الأبيض كرمز للجمال، والبراءة، والنقاء،
    والأمل .. بينما يمثل اللون الأسود نقائض هذه المعاني.
    28
    ويحتوى القرآن نوعين من الخطاب، أحدهما واع باللون والآخر محايد لونيًا. أحدهما يمدح
    اللون الأبيض، ويذم الأسود، والآخر محايد لونيًا حيادًا كام ً لا. الأمثلة على الخطاب الأول هو الآيات
    التالية:
    "يوم تبيضّ وجوهٌ و تسودّ وجوهٌ، فأما الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا
    العذاب بما كنتم تكفرون. وأما الذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون." (آل
    126 "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسوّدة. أليس .( عمران، آيات 106 و 107
    في جهنّم مثوى للمتكبرين"، (الزمر،آية 60 ). "وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظ ّ ل وجهه
    127.( مسودًّا وهو كظيم" ( الزخر، آية 17
    نماذج على الخطاب القرآني الثاني ، في هذه الآيات.التالية:
    "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآياتٍ للعالمين"
    128 "يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، .( (الروم، آية 22
    129 والأحاديث النبوية .( إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير." (الحجرات، آية 13
    كذلك لها نفس الخصائص للمستويين المتوازيين للخطاب. نموذج المستوى الأدنى للخطاب مثل"أسمعوا
    وأطيعوا أولي الأمر منكم وان تأمّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة". المستوى الأعلى من
    الأحاديث النبوية يبشّر بوحدة وتساوي الجنس البشري رغم اختلافات اللون، اللغات، والعادات.
    نموذج لذلك"الناس سواسية كأسنان المشط"، و "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على
    أسود، إلا بالتقوى"، و"كلكم لآدم وآدم من تراب".
    في التعامل مع هذين النوعين من الخطاب، تبنيت فكرة محمود محمد طه، حول ثنائية الخطاب
    القرآني. فطه يعتقد أن القرآن يحتوي مستويين من الخطاب، أدنى وأعلي، خاص وعام، زمني وخالد.
    المستوى الأدنى يعكس، بدرجة ما، القيم العربية المحددة، والأيديولوجيا والثقافة الخاصة بالقرن
    السابع. وهو محدود تاريخيًا، ولذلك، يعكس ويستوعب بعض نقائص العرب وأهوائهم. أما النوع
    الأعلى، فيعكس القيم الإنسانية ويرمي، بالتالي إلي رفع العرب، وكل المسلمين، إلي مستوى هذه
    القيم الإنسانية الشاملة. المستوى الأدنى نسخ المستوى الأعلى. 130 ومشكلة المسلمين هي أﻧﻬم ينظرون
    إلي هذا النسخ كظاهرة أبدية وغير قابلة للمراجعة. ولكن طه، من الجانب الآخر، يقول أن هذا
    النسخ ليس أبديا ولا ﻧﻬائيا، ويحث المسلمين على الارتفاع من المستوى الأدنى إلي المستوى الأعلى،
    بعكس عملية النسخ، وإحداث بعث جديد على هذا الأساس. 131
    وكما أوضحنا بالنوع الأول من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فإن اللونين الأبيض
    والأسود يستخدمان كرمزين للخير والشر، للحظ السعيد والحظ السيئ، للسعادة والشقاء. هذا
    المستوى الانتقالي للقرآن والسنة، يعكس تحيز العرب ضد السواد، ويجعل اللون الأبيض هو اللون
    29
    الصحيح. وعلى أساس هذه الحجج التي سقناها، يمكن للمرء أن يقول أن هناك علامات ظاهرة
    توضح أن الثقافة العربية الإسلامية، في مجراها الرئيسي، تنظر إلي نفسها كثقافة بيضاء.
    الاغتراب عن الذات :
    الهوية الثقافية العربية هي انعكاس خارجي للنفس العربية. أﻧﻬا تعكس تصورهم للعالم، وهو
    تصور لابد أن يكون مختلفا عن تصورات الآخرين للعالم، وذلك لأن الناس يفهمون العالم من خلال
    الثقافة وليس من خلال الطبيعة. إن اللغة العربية تعكس العالم كما تراه العيون العربية، وذلك لان
    وبين الخطاب والكون. فالكلمات هي ،(word & world) هناك علاقة قوية بين الكلمة والعالم
    التعبيرات اللفظية عن محتويات الكون. وفي تحليلاته النفسية للثقافات الغربية توصل لاكان إلي أن
    الثقافات الغربية واللغات الغربية، تتميز بالذكورة. وعندما تستخدم النساء هذه الثقافات، لا يستطعن
    أن يكن فاعلات كنساء. وعندما يتحدثن فإنما يتحدثن لغات مذكرة. ولا يستطعن، بالتالي، في إطار
    البنية القائمة لهذه اللغات، أن يحققن رغباﺗﻬن ككائنات متحدثة. 132 ويوضح لاكان كذلك كيف
    يدخل الطفل إلي عالم اللغة من خلال "رمزيتها الاجتماعية" وتحدث هذه العملية بالتماهي مع الأب
    والاغتراب عن الأم. وككائن متكلم فإن الطفل "ينمو داخل عالم الأب ".
    يمكن إثارة نقطة مشاﺑﻬة في علاقة الشماليين باللغة العربية. فعندما يدخل الطفل الشمالي عالم
    اللغة العربية، فهو أو هي، يدخل في عملية التماهي مع الأب العربي، والاغتراب عن الأم الأفريقية،
    ولكن الشماليين يشعرون بالوجود الظاهر للأم في جلودهم ووجوههم، وكما أوضح فرانسيس دينق
    : "ولا يحتاج الأمر إلي عالم متخصص في علم النفس الاجتماعي، لاستنتاج أن هذا الاحتقار لبعض
    العوامل الظاهرة في ملامح الوجه، لا بد علي مستوى ما من مستويات الوعي أن يسبب لصاحبه
    درجة من التوتر والتشويش". 133 ولكن طريقة الشماليين في التعامل مع هذا التوتر والتشويش، تعتبر
    متفردة نوعا ما. فبدلا من محاولة إعادة صياغة وتدجين اللغة لتناسب ملامحهم، فاﻧﻬم يخترعون صورة
    خيالية لوجوههم لتلائم اللغة. ولذلك يتفادون استخدام كلمة "أسود" لوصف أنفسهم، ويصرون
    إصرارا مبالغا فيه علي أصلهم العربي". ويحدثنا أحمد الشاهي الذي درس قبيلة الشايقية قائلا : "من
    الوقاحة أن تصف الشايقي بأنه أزرق (أسود)، حتى ولو كان لونه كذلك، لأن هذا الوصف يساويه
    بالعبد." 134
    ومن الأمثلة الصارخة علي وجود هذا التوتر، هذا المقتطف من خطبة للشريف زين العابدين
    الهندي، أحد القادة السياسيين البارزين في الشمال. فقد قال :
    "أنا عربي. وأعرف أنني عربي. ولا يستطيع أحد أن يناقشني في ذلك. فأنا
    أملك شجرة نسب. فأنا فلان بن فلان بن محمد رسول الله. ولكن، من
    30
    الجانب الآخر، يستطيع أي فرد أن يشير إلي أفريقيتي. فقد جئنا (نحن)،
    واختلطنا (معهم)، والنتيجة هي هذه (الخَِلق القبيحة التي صرنا عليها." 135
    "نحن" في المقتطف تشير إلي العرب، و"هم" تشير إلي الأفارقة النوبيين، و"هذه الخلق التي صرنا
    عليها" تشير إلي الحاضر، إلى الشماليين الموجودين الآن. والعبارات تعبر عن التماهي مع "الأب"،
    والاغتراب عن الأم "هم" وكراهية الذات (هذه الخلق التي صرنا عليها). هذا هو المثال الأكثر فصاحة
    لمفهوم دوبوا عن الشخص الأسود الذي "يرى نفسه من خلال عيون العالم الآخر، والذي يزن روحه
    في ميزان يبخسها ولذلك ينظر العالم الى هذه العملية باستمتاع يختلط بالاحتقار والشفقة." 136
    ويعتبر تماهي الشماليين، مع المتنبي، في هجائه لكافور، النوبي، مثالا آخر علي تكوين نفسي منحرف.
    تشعر النخبة السياسية والثقافية الشمالية، بالحاجة لترداد أﻧﻬا عربية. ويشعرون بالضيق من
    كلمة "السودان". وقد قال الطيب صالح، الروائي ذو الصيت العالمي، ما يلي :
    "تمنيت لو أن قادتنا سموا هذه البلاد سنار. ربما يكون السبب وراء عدم
    استقرار هذا البلد أن اسمه (السودان) لا يعنى شيئا بالنسبة لأهله. فما
    السودان؟ مصر هي مصر، واليمن هو اليمن، والعراق هو العراق، ولبنان هو
    لبنان. ولكن ما السودان؟ فالاستعماريون أطلقوا هذا الاسم علي المنطقة التي
    تمتد من أثيوبيا في الشرق وحتى السنغال في الغرب. الأمم الأخرى أطلقت
    علي أوطاﻧﻬا أسماء تعنى شيئا بالنسبة لها، وتركنا وحدنا نحمل هذا العبء علي
    أكتافنا. 137
    كراهية السواد تنبع من التماهي مع العرب، وتبنى منظورهم للعالم. وهذا الاقتراح بتغيير اسم
    البلاد ليس جديدا، فقد ظهر مباشرة بعد الاستقلال. والسبب الأساسي وراء الاقتراح هو معنى الاسم
    وإيحاءاته. فكلمة (سوداني) يستخدمها الشماليون كمرادف لكلمة (أسود) وكلمة (عبد). وهذه
    الكلمات تستخدم للدلالة علي العبودية أو الأصل العبودي، أي لأولئك الذين ينتمون لجماعات غير
    عربية مسلمة ، سواء من الجنوب أو جبال النوبة. 138 بالنسبة للشمالي أن تكون سودانيا يعني أن
    تكون أسودا، وأن تكون أسودا يعني، بدوره، مستوي اجتماعيا أدنى، وأصلا أدنى. ويتفق أغلب
    الباحثين الذين درسوا السودان، مثل هيذر شاركي وأحمد شاهي، أن وصمة (السواد) متأصلة في
    تراث الرق، خاصة وأن كل الأسر الشمالية تقريبا، في منطقة الوسط النيلي، كانت مالكة للعبيد. 139
    ومع أن هذا صحيح، إلا أنني أعتقد أنه لا يمثل كل الحقيقة. فهناك مستوى أعمق تجد فيه وصمة
    (السواد) أصولها، وهو الثقافة العربية، التي تحتقر السود، كما رأينا من قبل. فالشماليون لم يدجنوا
    الثقافة العربية، واللغة العربية والقيم العربية، بل استبطنوها جميعا. وهذا هو السبب في كوﻧﻬم يرون
    العالم من خلال العيون العربية، رغم المفارقات، ورغم ابتذال الذات المترتب على هذه النظرة. ومن
    31
    الملاحظ بصورة عامة، أن الشمالي كلما تبحر في اللغة العربية والأدب العربي، كلما بالغ في تأكيد
    أصله العربي، وكلما أمعن في كراهية (السواد) وكلمة (سوداني). ويحدثناالراحل خالد حسين أحمد
    عثمان ( الكد )أن أعضاء جمعية "أبو روف" (رفضوا بعد الاستقلال، أن يقدموا لاستخراج
    الجوازات، لأن الفرد منهم كان مطالبا بتسجيل أسمه كسوداني قبل أن يحصل علي الجواز)، 140
    ولذلك فإن عبارة الطيب صالح تعبر عن تجديد لرغبة شمالية قديمة للتخلص من لعنة اسم (سوداني).
    ولو أخذناها مقروءة مع ما قاله الهندي، لوضعنا أيدينا علي الرغبة لهروب المرء من جلده، أو تبييضه،
    من خلال الخطاب، ليشبه جلدا عربيا. ويصيب دينق عين الحقيقة عندما يفسر نزعة السودانيين
    الشماليين للمبالغة في أصولهم العربية والإسلامية، ونظرﺗﻬم للسود كعبيد بأﻧﻬا "عقدة نقص عميقة، أو
    علي العكس من ذلك، عقدة تفوق مستخدمة كأداة تعويض لهامشيتهم العربية الواضحة". 141
    خاتمة :
    ذكرنا أن الشماليين يؤمنون بأﻧﻬم ينحدرون من أب عربي وأم أفريقية، وأﻧﻬم يتماهون مع الأب
    ويرفضون الأم. وبالنسبة للشمالي المتوسط، فإن الأم تمثل الجنوب داخله، وما لم يقبل الشمالي أمه،
    ويتماهى معها، فإنه لن يقبل الجنوبي كند له. إن الاعتراف بالمكون الأفريقي داخل النفس الشمالية،
    بعد النكران الطويل، وتحرير الأم الأفريقية المقموعة داخل أنفس الشماليين، هي الشروط الضرورية
    لقبول الجنوبيين اجتماعيا من جانب الشماليين، والاعتراف ﺑﻬم كأنداد، رغم الاختلافات القليلة
    القائمة.
    يمكن لمشكلة الحرب أن تحل عن طريق انفصال الجنوب عن الشمال. ربما يكون في ذلك حل
    لمشكلة الجنوب مع الشمال، ولكنه لن يحل أزمة الهوية الشمالية. ومن الواضح أن أزمة الهوية في
    الشمال قد وصلت إلى قمتها، وبدأ التوازن يختل من جديد. وقد طرحت التساؤلات حول الهوية
    وعلي الشماليين أن يختاروا : أما أن يتشبثوا بالهامش، أو يخلقوا مركزا خاصا ﺑﻬم، أن يستمروا
    كعرب من الدرجة الثانية، أو سودانيين من الدرجة الأولي. وثمة انشطار بين الَفعَلة السياسيين
    والثقافيين، بين أولئك الذين يسعون لإنشاء هوية سودانية جديدة، تمكن الشماليين من رؤية العالم
    بعيوﻧﻬم، وأولئك الذين يدافعون عن الوضع القائم.
    ولكن زعزعة الهوية القديمة هو المنطلق لإنشاء الهوية الجديدة، وفضح تناقضات هذه الهوية
    القديمة هام لعملية الزعزعة المقصودة. وهذه هي المهمة التي تصدت لها هذه الورقة.
    32
    ملاحظات :
    1 مصطلح "شمال السودان" لا يعني هنا الشمال الجغرافي، بل الشمال الأيديولوجي بالأحرى، والذي تنحصر محدداته
    الجغرافية بشمال السودان المسلم، العربي، الناطق باللغة العربية، والمتمرآز بالوسط النيلي.
    2 آلمات أوديب في مسرحية سوفوآليس.
    3 راجع خطاب د.جون قرنق للجنة حقوق الإنسان بجنيف، في 24 مارس 1999 ، المنشور من قبل مفوضية اللاجئين التابعة
    . للأمم المتحدة، يوم 27 مارس 1999
    .( 4 فرانسيس م.دينق: حرب الرؤى: تناقضات الهوية في السودان (واشنطون دي. سي. معهد بوآينغز 1995
    . 5 مصدر سابق، 4
    .( لندن، جي . بيل وأولاده ليمتد 1959 ) Language Unabridged ، 6 فيليب بابكوك قوف
    A Theory of Political Identities”, in Identity in Formation: the Russian Speaking " ، 7 ديفيد ليتن
    Population in the Near Abroad, (Ithaca & London: Correll University Press, 1998).
    International Encyclopedia of Social Sciences, ed. (The Macmillan Company & : 8 ديفيد ل. سيلز
    the Free Press, 1968), 7, 61.
    9 مصدر سابق.
    Identity & Anxiety,eds. ( 10 موريس ر. ستاين، آرثر فيرديتش، وديفيد م. هوايت، (نيويورك، فري بريس 1960
    Laitin: A Theory of Identities, 13. 11
    . 12 مصدر سابق، 20
    . 13 دينق، حرب الرؤى، 1
    Julius Ground & William L. Kolb (ed) A Dictionary of Social Science, London: Tavistok 14
    Publication 1964, 314.
    The interpretation of Dreams, trans. J. Starchy, (London: Allen & ، 15 سيجموند فرويد : تفسير الأحلام
    .Unwin, 1945), 150
    J. P. Seward, “Learning Theory and Identification”, Journal of Genetics Psychology, 84, 16
    (1954), 202.
    Sigmund Freud, Group Psychology and the Analysis of the Ego, trans. J. Starchy, (London : 17
    The International Psychologists Press, 1922) 65.
    M. Scheler, The Nature of Sympathy (London: Routledge & Kegan Paul, 1945), 18, 19. 18
    Laitin, “A Theory of Identities”. 19
    . 20 مصدر سابق، 14
    Erik H. Erikson, Identity: Youth and Crisis, (New York: Norton, 1968), 19-23. 21
    H. M. Johnson, Sociology: A Systematic Introduction, (New York: Harcourt, Brace, 1960), 128. 22
    Laitin: “A theory of Political Identities”. 23
    George A. De Vos, “A Psycho-cultural Approach to Ethnic Interation in Contemporary 24
    Research”, in Marthsa E. Bernal and George P. Knight, ed. Ethnic Identity: Formation
    and Transmission among Hispanic and other Minoroties, (Albany: State University of
    New York Press, 1993), 235-68.
    A Theory of Identities 25 ليتين
    . 26 مصدر سابق، 18
    Charles Taylor, “The Politics of Recognition”, in Amy Gutmann, ed., Multiculturalism 27
    Examining the Politics of Recognition, (Prinston, New Jersey, Prinston University Press,
    1994), 25.
    Laitin, “A Theory of Political Identities”, 21. 28
    29 سابق.
    . 30 سابق، 23
    . 31 سابق، 22
    . 32 سابق، 23
    33 سابق.
    Erikson, Young Man Luther, New York: Norton, 1958. 34
    Erikson, Identity: Youth and Crisis, 19-23. 35
    Laitin, “A Theory of Identities”, 17 - 18. 36
    37 سابق.
    The Politics of Recognition. 38 تيلور
    . 39 سابق 25
    40 سابق.
    33
    41 حضر الكاتب هذا الاجتماع بعد صلاة الجمعة عام 1990 بقاعة مارتن لوثر بجامعة آستون ببيرمنجهام. وآان أغلب الذين
    حضروا الاجتماع من أعضاء الجبهة الإسلامية القومية.
    42 آثيرون ممن أجابوا على أسئلتي اعترضوا على عنوان بحثي وقالوا أن الشماليين ليسوا سودا، بل سمر، اتهموني بأني واقع
    تحت تأثير المفهوم "الغربي" للون.
    43 تقول النكتة السودانية أن أحد الشماليين من ذوي اللون الأسود، والشعر الناعم المرسل، أستقل سيارة تاآسي، وأخذ يتجاذب
    أطراف الحديث مع صاحب التاآسي ..........
    44 الشاب في الشمال غالبا ما يبحث عن فتاة بيضاء أو فاتحة اللون، شعرها ناعم وطويل. والفتيات أيضا يفضلن الفتيان ذوى
    الألوان السمراء والبيضاء.
    Janice Boddy, Wombs and Alien Spirits, Women, Men, and the Zar Cult in Northern Sudan, 45
    (Wisconsin : The University of Wisconsin Press, 1989), 64.
    46 ربما يكون استخدام الشماليين لكلمة "أخضر" أثرا من آثار الثقافة العربية. العرب القدماء آانوا يستخدمون آلمة "أخضر"
    لوصف الأفراد ذوي الأصل النبيل ، الموثوق ، والذين جاءت ألو انهم، لسبب من الأسباب، سوداء. مثالي علي ذلك
    الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. ويقال أنه أخذ اللون الأسود من جدته. وقد قال عن نفسه :
    "أنا "الأخضر" لمن يعرفونني، لونى أخضر ولكنني ابن بيت عربي نبيل. (راجع عبده بدوى : الشعراء السود
    .93 ( وخصائصهم في الشعر العربي، القاهرة 1973
    47 استخدام المستحضرات الكيماوية والكريمات لجعل الألوان "فاتحة" شائع وسط الفتيات في الشمال. وقد أصبحت الآثار
    الجانبية لهذه الأصباغ مصدر قلق في الصحف المحلية، ووسط مجموعات الحوار السودانية علي الأنترنت. للإطلاع
    على وصف تفصيلي للأساليب المستخدمة من قبل العرائس في الشمال لحبل بشرتهن ناعمة و"فاتحة" راجع :
    Boddy : Wombs & Alien Spirits 64 - 65
    48 دينق : حرب الرؤى. ص 5
    “Proverbs and Social Values in a Northern Sudanese Village”, in Ian Cunnison : 49 احمد الشاهى
    and Wendy James ed., Essays in Sudan Ethnography, (London: C. Hurst & Company,
    1972),97.
    .298 ( 50 عون الشريف قاسم : قاموس اللهجة العامية في السودان (القاهرة 1985
    Boddy, Wombs & Alien Spirits, 64. 51
    52 من الملاحظ أن آل الباحثين الشماليين الذين درسوا مبكرا بالغرب، والذين تزوجوا من نساء أوربيات أو أميرآيات،
    تزوجوا نساءً بيضاً. لا أعرف شخصيا، ولا يعرف أي ممن أجاب علي أسئلتي، حالة واحدة لواحد منهم تزوج امرأة
    سوداء. وحتى بين الأجيال الشابه، تزوجت الأغلبية الساحقة منهم نساء بيضا، وقليلون جدا من ارتبطوا بنساء سود.
    53 نسبة لأن الزواج بين النساء المسلمات والرجال غير المسلمين محظور في الإسلام، يقبل الشماليون الإعلان الأسمى
    للإسلام من قبل الأوربيين، قبل أتمام زواجهم ببناتهم.
    (Cheshire: Andre´ ، 54 محمد أحمد محجوب: الديمقراطية في الميزان، تأملات في السياسة العربية والأفريقية
    .Deutsch, 1974), 59
    55 تمتد هذه الفترة من الاستقلال عام 1956 وحتى مايو 1969 . خلال هذه الفترة آانت العروبة، هي الهوية والأيديولوجية
    غير المعلنة للحكومات. ولكن، ومنذ مايو 1969 ، اتخذت الحكومات هويات "اشتراآية" ثم "إسلامية"، وبذات تنحاز
    إلى حلفائها في العالم العربي على هذا الأساس. من أجل مناقشة واسعة لسياسة السودان الخارجية، خلال هذه الفترات
    راجع منصور خالد:
    Nimeiri & the Revolution of Dismay, (London: Boston Routledge & K., 1985); The
    Government they Deserve: The Role of the Elite in Sudan Political Evolution, London/
    New York: Kegan Paul International 1990).
    . 56 محجوب : الديمقراطية في الميزان، 136
    R. S. O ‘Fahey, Arabic Literature of Africa, the writing of Eastern Sudanic Africa to c. 1990, 57
    (Leiden, New York, Koln, E. J. Brill, 1994), xi.
    ، 58 لمزيد من المعلومات حول جمعية اللواء الأبيض لعام 1924 ، راجع يوشيكو آوريتا : على عبد اللطيف وثورة 1924
    بحث في مصادر الثورة السودانية، ترجمة مجدي النعيم (القاهرة، مرآز الدراسات السودانية 1997 ) ولمزيد من
    ومحجوب : ;The Government they Deserve : المعلومات حول الحرآة الإتحادية راجع : م. خالد
    الديمقراطية في الميزان.
    59 مع أنني لم أطلع علي أية دراسة حول هذه الظاهرة، إلا أنها واسعة الانتشار.
    . 60 د. عبد الله علي إبراهيم، الثقافة والديمقراطية في السودان، دار الأمين للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 1996
    30 – 61 نفس المرجع السابق، 31
    . 62 المرجع السابق، 31
    63 الشريف زين العابدين الهندي.
    . 64 عبد الله الطيب: رابطة الدراسات السودانية، جامعة درام 1990
    65 صلاح أحمد إبراهيم، شاعر معروف.
    . 66 الصادق المهدي، مقابلة: مسارات جديدة، القاهرة 1998 . ص 171
    Revolution and Nationalism in the Sudan, (Bames and Noble, 1974), 2- 67 محمد عمر بشير: 3
    Lloyd A. Binagi, “The Genesis of Modern Sudan: An Interpretive Study of the rise of Afro-Arab
    68 Hegemony in the Nile Valley, A.D. 1260-1826”, Ph.D. Dissertation, (Temple
    University, 1981), 3-4.
    Sudanese – Egyptian relations, (The Hague: Martinus Nijhoff, 1960), 69 عبد الفتاح إبراهيم السيد بدُر:. 17
    34
    70 سابق.
    William Y. Adam, Nubia Corridor to Africa, (Princiton: N.J. : Prenciton University Press 1977). 71
    R.S.O’Fahey and J.L. Spaulding, Kingdoms of the Sudan, (London: Methuen & Co. Ltd, 1974), 15. 72
    . 73 سابق، 31
    . 74 سابق، 30
    . 75 سابق، 30
    . 76 سابق، 31
    . 77 سابق، 28
    Some Documents from Eighteenth Century Sennar, (Khartoum, : 78 محمد إبراهيم أبو سليم وجاى سبولدنج
    Khartoum University Press 1992), 8.
    79 هناك نظريات آثيرة تحاول شرح آيفية اعتناق الفونج للإسلام. إحدى هذه النظريات تقول أنهم اعتنقوا الإسلام خوفا
    من الأتراك الذين غزوا المملكة في الغابة ودمروها. وتقول نظرية أخرى أنهم فعلو ذلك اقتناعا بحجج العبدلاب،
    R.S.O’Fahey and J.L. Spoulding, Kingdoms of the : حلفائهم المسلمين. لمزيد من المعلومات راجع
    Sudan, 31-33.
    . 80 اعتناق الإسلام دعم اللغة العربية، وذلك لأن المسلمين "يقدرون اللغة العربية تقديرا آبيرا" أوفاهى وسبولدنج، ص 31
    81 سابق، 75
    82 سابق، 86
    Laitin, “A Theory of Political Identities”. 83
    . 84 سابق، 40
    85 محمد بن جرير الطبري : تفسير الطبري، جامع البيان عن تأويل علوم القرآن، تحرير: محمود محمد شاآر (القاهرة، دار
    . المعارف، بدون تاريخ) مجلد 8، ص 104
    . 86 يوسف فضل حسن: العرب والسودان من القرن السابع إلي فجر القرن السادس عشر. (أد نبرة، 1967 ) ص 146
    87 من المعروف أن المسلمين يطهرون أنفسهم بغسل أطرافهم ووجوهم خمس مرات قبل الصلوات الخمس. وحكمة الوضوء
    هي أنك تقف أمام الله، ولذلك يجب أن تكون طاهرا. غسل الأطراف المادي، يرمز إلي التطهر الأخلاقي والنفسي من
    الذنوب التي أرتكبت عن طريق هذه الأطراف، أي عن طريق الفم، اللسان، الأذن، العين والأنف. وتشمل عملية
    التطهير، العبادة وعمل الخير والامتناع عن الشر.
    .33 : 88 القرآن، السورة 33
    89 الآية 103 ، في سورة النحل تقول : "لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين".
    C. G. Seligman and Brenda Z. Seligman, Pagan Tribes of the Nilotic Sudan, (London: 90
    Rontledge & Kegan Paul Ltd., First Published in 1932, Revised 1965), XVIII.
    J. S. Trimingham, The Christian Approach, 25. 91
    Heather J. Sharkey, Colonialism and the Culture of Colonialism in the Northern Sudan, Ph.D. 92
    Dissertation, (Princeton: Princeton University, 1998), vol. 1, 40.
    Colonialism and the Culture, vol., 1, 40- 93 شارآي: . 58
    . 94 سابق 34
    . 95 سابق 34
    . 96 سابق 35
    . 97 سابق 40
    Paul Doombos, “On Becoming a Sudanese”, in Tony Barnett and Abbas Abdelkarim, eds. 98
    Sudan: State, Capital and Transformation, (London, New York, Sydney: Croom Helm,
    1988), 100 & 101.
    vol., 1, 99 شارآي، سابق، 34
    .224 – 223 ( 100 عبده بدوي : الشعراء السود وخصائصهم في الشعر العربي (القاهرة 1973
    John Hunwick, West Africa and the Arab World: Historical & Contemporary Perspectives, 101
    (Accra: Ghana Academy of Arts and Sciences, the J. B. Danquah Memorial Lectures,
    Series 23 February, 1990, 1991), 2.
    Hunwick, West Africa and the Arab World, 224 ، في : . 12 - 102 عبده بدوي : الشعراء السود، 223
    103 هذه قصة معروفة في العالم الإسلامي.
    B. Lewis, “The African Diaspora and the Civilization of Islam”, in M.I. Kilson & R.I. 104
    Roteberg, The African Diaspora (Harvard University Press, 1976), 48-9.
    . 105 سابق. ص 7
    .22 ( 106 عبده بدوي، السود والحضارة العربية (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1976
    Hunwick, West Africa and the Arab World, 1990, 6&7 107
    108 سابق ، 5
    109 سابق ، 5
    110 ابن خلدون، المقدمة، ترجمة فرانز روزنتال.
    In Hanwick, West Africa and the Arab World, 11 & 12 ،224 – 223 ( 111 بدوي، الشعراء السود (القاهرة : 1973
    112 سابق ، 108
    113 سابق ، 6
    35
    114 سابق ، 6
    . 115 بدوي، الشعراء السود، 31
    . 116 بدوي السود والحضارة العربية، 23
    Carolyn- Fluehr- Lobban, “ A Critical Anthropological review of the Race concept in the 117
    Nile Valley”, a paper presented at the Fourth International conference of Sudan Studies
    at the (American University in Cairo, 1997), 5.
    . 118 سابق، 5
    . 119 عبده بدوي، الشعراء السود، ص 78
    . 120 سابق، 42
    . 121 سابق، 34
    122 سابق، 5
    123 سابق، 111
    124 سابق، 111
    .186- 125 عبده بدوى، السود والحضارة العربية، 185
    The Holy Qur’an, Text, Translation and Commentary, 3rd ed., (Cambridge, : 126 أ. يوسف علي
    Massachusetts, Murry Printin Co., 1938).
    127 سابق.
    128 سابق.
    129 سابق.
    .( 130 محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام (بيروت : 1968
    131 سابق.
    Teresa Brennan, History After Lacan, (London, New York: Routledge, 1993). 132
    . 133 دينق، حرب الرؤى، 64
    Proverbs and Social Values in a Northern Sudanese Village. 134 أحمد الشاهي: . 95
    135 الهندي هو الأمين العام الحالي للحزب الاتحادي الديمقراطي (الأمانة العامة)، وهى أقلية انقسمت عن الحزب الإتحادي
    . الرئيسي بقيادة محمد عثمان الميرغني. وقد جاءت هذه العبارات في مخاطبة له لسودانيين بلندن 1995
    W. E. Burghardt Du Bois, The Souls of the Black Folk, Essays: and Sketches, (Chicago: A. 136
    C. McClurg & Co. 1908), 3
    .1989/6/18 ، 137 الطيب صالح : مجلة المجلة، عدد 78
    Colonialism & Culture, vol. 1, 138 شارآي، . 36
    139 في القرن التاسع عشر، غزت الأسواق في الشمال أفواج من الرقيق، مما أدى إلي إنخفاض شديد في أسعارهم، لدرجة أن
    "أآثر الأسر تواضعاً في السودان النيلي الأوسط أصبحت قادرة على شراء واحد أو أثنين) آما يقول شارآي، مصدر
    . سابق، 37
    Khalid H. A. Osman, The Effendiyya and the Concept of nationalism in the Sudan, Ph.D. 140
    Dissertation, (University of Reading, 1987), 122; see also Sharkey, ibid, 71.
    . 141 دينق حرب الرؤى 64
                  

العنوان الكاتب Date
توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-23-07, 08:43 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . هاشم أحمد خلف الله12-23-07, 09:02 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمدين محمد اسحق12-23-07, 10:07 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . سيف النصر محي الدين محمد أحمد12-24-07, 00:28 AM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-24-07, 01:22 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-24-07, 01:07 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-24-07, 01:01 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمدين محمد اسحق12-25-07, 00:51 AM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-25-07, 01:49 AM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Nasr12-24-07, 00:16 AM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-24-07, 01:51 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . abdelwahab hijazi12-24-07, 02:36 AM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . صلاح شعيب12-24-07, 03:30 AM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-25-07, 01:15 AM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-24-07, 06:05 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمدين محمد اسحق12-24-07, 10:51 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمدين محمد اسحق12-24-07, 11:39 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Nasr12-24-07, 07:22 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . manubia12-24-07, 08:11 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمدين محمد اسحق12-25-07, 02:09 AM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-26-07, 02:24 AM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . أنور أدم12-25-07, 02:09 AM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-25-07, 07:28 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-25-07, 01:57 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-25-07, 01:35 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . أنور أدم12-26-07, 08:03 PM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمدين محمد اسحق12-26-07, 09:01 PM
          Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-27-07, 09:47 AM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-27-07, 10:28 AM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . نصار12-26-07, 10:35 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-27-07, 10:25 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى12-29-07, 05:30 AM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-29-07, 05:10 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Elmoiz Abunura12-29-07, 06:38 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى12-30-07, 04:14 AM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-30-07, 12:32 PM
        Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى12-30-07, 07:07 PM
          Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى12-30-07, 07:40 PM
            Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد جميل أحمد12-30-07, 11:10 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . abdelwahab hijazi12-30-07, 10:27 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Elmoiz Abunura12-31-07, 00:32 AM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى12-31-07, 04:35 AM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . محمد على طه الملك12-31-07, 01:01 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Elmoiz Abunura01-01-08, 00:26 AM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . abdelwahab hijazi01-01-08, 01:28 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Elmoiz Abunura01-01-08, 06:31 PM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى01-01-08, 08:20 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Tragie Mustafa01-01-08, 08:42 PM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . Elmoiz Abunura01-04-08, 02:27 AM
    Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . khalid kamtoor01-04-08, 05:33 PM
      Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . ابراهيم على ابراهيم المحامى01-05-08, 04:14 AM
  Re: توهان هوية الشمال في مخيلة د. العفيف ( رأي آخر ) . نصار01-05-08, 05:08 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de