الإنجيل برواية القرآن: ميلاد عيسى // فراس السواح

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 09:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-06-2008, 11:04 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنجيل برواية القرآن: ميلاد عيسى // فراس السواح

    أعطى القرآن الكريم ألقاباً لعيسى تزيد عما أُعطي لأي شخصية دينية من شخصيات الماضي. فهو النبي، والمبارك: "قال إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً." (19 مريم: 30-31). وهو رسول الله، وكلمة الله، وروح الله: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه." (5 المائدة: 171). وهو قولُ الحق: "ذلك عيسى ابن مريم قولُ الحق الذي فيه يمترون." (هنالك اختلاف في إعراب كلمة "قول" الواردة في هذه الآية. فالبعض يُشكِّل آخر الكلمة بالفتح ويقرؤها "قولَ" أي أقول قولَ الحق. والبعض يشكل آخرها بالضم ويقرؤها "قولُ" أي أن عيسى هو قولُ الحق، بمعنى كلمة الله. وقد اخترت القراءة الثانية.) وهو آية ورحمة: "ولنجعله آية ورحمة منا، وكان أمراً مقضياً." (19 مريم: 21). وهو مثلٌ: "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل". وهو وجيه، ومقرب: "ووجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين." (3 آل عمران: 45). وقد حفِلت بأخباره ثلاث سور كاملة في المصحف الشريف وهي "آل عمران" و"المائدة" و"مريم"، بالإضافة إلى ما ورد متفرقاً في سور أخرى عبر الكتاب.

    وقد ورد ذكره في القرآن نحو 35 مرة، إما بصيغة عيسى، أو عيسى ابن مريم، أو المسيح ابن مريم، أو المسيح، أو المسيح عيسى ابن مريم. ولم يتفوق عليه في عدد المرات التي ذُكر فيها إلا إبراهيم وموسى.

    من الصعب العثور على جذر عربي للاسم عيسى؛ ومعظم مفسري القرآن يرون أنه مشتق من الاسم الآرامي- السرياني "يشوع". وهو ترجمة للاسم العبراني "يُشو- وا" المختصر عن الاسم الكامل "يهو- شُوا" أي خلاص يهوه، أو يهوه مخلّصٌ. وإلى هذا المعنى أشار متَّى في إنجيله عندما قال: "فستلد ابناً، وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم." (متَّى 1: 21). وقد دُعي بالاسم يشوع عدد من شخصيات العهد القديم، أبرزهم يشوع بن نون خليفة موسى.

    ومن الاسم يشوع جاءت التسمية اليونانية "ياسو"، أو "ياسوس" بعد إضافة حرف السين الذي يلحق أسماء الأعلام في اللغة اليونانية. ومن "ياسوس" جاءت التسمية Jesus المستخدمة في اللغة الإنكليزية، وأشكالها الأخرى في بقية اللغات الأوروبية.

    و"يسوع" هو الاسم المعتمد في الأناجيل الأربعة التي لم تطلق عليه اسم ابن مريم أو اسم المسيح. وهنالك إشارة واحدة إلى يسوع على أنه ابن مريم وردت في إنجيل مرقس، ولكن على سبيل التعريف به لا على سبيل التسمية. وهذا أمر متوقع من مرقس الذي لم يكن يعرف شيئاً عن يوسف النجار ولا عن قصة الميلاد. ولهذا فقد وضع على لسان أهل الناصرة قولهم في يسوع: "أليس هذا هو النجار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوَ ليست أخواته هنا عندنا؟" (مرقس 6:3). أما متَّى الذي كان يعرف يوسف وابتدأ إنجيله بقصة الميلاد، فقد قال في الموضع نفسه: "أليس هذا ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم، وإخوته يعقوب وسمعان ويوسي ويهوذا؟ أوَليست أخواته جميعهن عندنا؟" (متَّى 13: 54-55). وأما لوقا صاحب الرواية الثانية في الميلاد فقد قال: "وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون: أليس هذا ابن يوسف؟" (لوقا: 4: 22).

    جرياً على ذلك، فإن بقية أسفار العهد الجديد، وكذلك الأناجيل المنحولة، لم تطلق على يسوع لقب ابن مريم، عدا إنجيل الطفولة العربي الذي استخدم اللقب خمس مرات. ففي قصة الفتاة البرصاء التي شفيت بعد اغتسالها بماء حمام يسوع الطفل، أعلنت الفتاة أنها قد شفيت بفضل يسوع ابن مريم، وفي قصة تحويل الأطفال إلى أكباش، ثم استعادتهم ثانيةً كما كانوا، صاحت أمهاتم: يا يسوع، يا ابن مريم، أنت حقاً راعي إسرائيل الصالح. وفي قصة الفتاة الممسوسة التي يتراءى لها الشيطان في صورة تنين مرعب، والتي شفيت بعد أن عرضت أمام ناظريه قطعة قماش من ثياب يسوع الطفل، خرج الشيطان من جسدها وهو يصرخ: ماذا يوجد بيني وبينك يا يسوع ابن مريم: أين أجد ملاذاً منك؟

    البشارة والحمل

    "إذا قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك، واصطفاك على نساء العالمين... إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلاً، ومن الصالحين. قالت: ربَّ أنِّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ قال: كذلك الله يخلق ما يشاء. إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون. ويعلِّمه الكتاب والحكمة والتوارة والإنجيل، ورسولاً إلى بني إسرائيل." (3 آل عمران: 42-49).

    وفي سورة مريم لدينا تنويع آخر على قصة البشارة والحمل:
    "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذت من دونهم حجاباً، فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً. قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً. قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً. قالت: أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيَّا. قال: كذلك قال ربك هو علي هين، ولنجعله آيةً للناس ورحمةً منَّا، وكان أمراً مقضياً." (19 مريم: 16-21).

    ولدينا في سورة الأنبياء، سورة التحريم، إشارتان مختصرتان للقصة نفسها:

    "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وصدقت بكلمات ربها وكتبه، وكانت من القانتين." (66 التحريم: 12).

    "والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا، وجعلناها وابنها آية للعالمين." (21 الأنبياء: 91).

    إذا انتقلنا إلى الرواية الإنجيلية، نجد أن قصة البشارة لا ترد عند متَّى. والملاك يأتي إلى يوسف، لا إلى مريم، لكي يخبره بحقيقة أمر الحمل لا ليبشره به: "لما كانت مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا، وُجدت حُبلى من الروح القدس. فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهِّرها. أراد تخليتها سراً. وبينما هو يفكر في هذه الأمور، إذ ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم." (متَّى: 1: 18-21).

    لوقا وحده هو الذي يسوق لنا قصة البشارة كاملة: "في الشهر السادس أُرسل الملاك جبرائيل من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المُنعَم عليها، الرب معك. مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه، وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكه نهاية. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله... لأنه ليس شيئا غير ممكن لدى الله. فقالت مريم: هوذا أنا أَمَةُ الرب. ليكن لي كقولك." (لوقا 1: 26-38).

    تحتوي قصة لوقا هذه على أهم العناصر التي تقوم عليها القصة القرآنية، على ما تبينه المقارنة التالية:

    إنجيل لوقا

    قرآن كريم

    - "فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المُنعمُ عليها، الرب معك. مباركة أنت في النساء." (1: 28).

    - "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك، واصطفاك على نساء العالمين." (3: 42-45).

    "فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً." (19: 17).

    - "فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ماعسى أن تكون هذه التحية." (1: 29).

    - "قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً." (19: 18).

    - "فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى." (1: 30-31).

    - "قال: إنما أنا رسول ربك إليك لأهب لك غلاماً زكياً." (19: 18).

    "إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهاً في الدنيا والآخرة، ومن المقربين." (3: 45)

    - "فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لم أعرف رجلاً؟" (1: 34).

    - "قالت: أنَّى يكون لي غلامٌ ولم يمسسني بشر ولم أكُ بغيَّاً؟" (19: 20).

    - "فأجاب الملاك: الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك." (1: 35).

    - "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها، فنفخنا فيه من روحنا." (66:12).

    - "لأنه ليس شيئاً غير ممكن لدى الله." (1: 37).

    - "قال: كذلك قال ربك هو عليَّ هين." (19: 21).

    - "فقالت مريم: هو ذا أنا أَمَةُ الرب. ليكن لي كقولك." (1: 37).

    - "وصدقت بكلمات ربها وكتُبِهِ وكانت من القانتين." (66: 12).

    هذا وتساهم الأناجيل المنحولة بدورها في إلقاء ضوء على النص القرآني. وعلى الأخص مسألة "الحجاب" الذي ارتبط في سورة مريم بالبشارة: "واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذت من دونهم حجاباً. فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً."

    لقد اختلف مفسرو القرآن في تعيين المكان الذي انفردت فيه مريم، وماهية الحجاب المذكور. فقالوا في المكان أنه ناحية شاسعة منتحية، أو منزل منفرد تتعبد فيه، أو مكان ذهبت إليه لتستقي الماء، أو غرفة شرقية في المنزل. وقالوا في الحجاب أنه ستارة اختفت وراءها واستترت، أو ستارة أسدلتها مريم لتغتسل، وبعد أن انتهت ووضعت ثيابها ظهر لها الملاك. ولكننا اعتماداً على الأناجيل المنحولة، وخصوصاً إنجيل يعقوب، نفهم أن المكان هو غرفتها في البيت (بيت زكريا في النص القرآني كما استنتجنا آنفاً. أو بيت يوسف النجار في النصوص الإنجيلية المنحولة). أما الحجاب فهو حجاب الهيكل الذي كانت تغزل خيوطه في غرفتها عندما ظهر لها الملاك بالبشارة. وحجاب الهيكل هذا هو ستارة تفصل القسم الداخلي من المعبد المدعو قدس الأقداس عن القسم الأوسط. وقد كان من عادة الكهان أن يعهدوا إلى بعض العذارى غزل وحياكة حجاب جديد للهيكل كلما بلي القديم. وفي هذه المرة وقع الاختيار على مريم بين سبع فتيات أخريات لهذه المهمة، وأُعطيت اللون الأرجواني لتغزله بينما وُزعت بقية الألوان على العذراوات الست، فأخذت مريم حصتها وعادت إلى البيت. وهنا نتابع في إنجيل يعقوب:

    "شرعت مريم تغزل غزلها الأرجواني. وعندما حملت جرتها وخرجت لتأتي بالماء، سمعت صوتاً يقول لها: السلام عليك يا مريم، أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك. مباركة أنت بين النساء. فتلفتت يُمنة ويُسرةً لترى من أين يصدر الصوت، وعندما لم ترَ أحدً خافت وهرعت إلى البيت، فوضعت جرتها ثم جلست على الكرسي وسحبت خيط الغزل إليها. ولكن ملاك الرب ظهر أمامها قائلاً: لا تخافي يا مريم، فقد نلتِ نعمةً عند رب الكل، ولسوف تحبلين بكلمته."

    الميلاد

    "فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، قالت: يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً. فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً. وهُزِّي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رُطباً جنياً، فكلي واشربي وقَرِّي عيناً. فإما تريِّن من البشر أحداً فقولي إني نذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيَّاً." (19 مريم: 22-26).

    "وجعلنا ابن مريم وأمه آيةً، وآويناهما إلى ربوةً ذات قرار ومَعين." (23 المؤمنون: 50).

    عندما بدأت دلائل الحمل تظهر على مريم، غادرت المنزل خشية القيل والقال. فآواها ربها إلى مرتفع من الأرض (ربوة) فيه مُستقر يمكن الراحة عنده (قرار)، وفيه نبع ماءٍ جارٍ (مَعين)، وشجرة نخيل. وعندما اشتدت عليها آلام المخاض لجأت إلى جذع النخلة وتَمسكت به، وتمنت لو أنها ماتت ولم تتعرض لهذه المحنة. فناداها جبريل مواسياً وقال لها إن الله قد أجرى من أجلها جدول ماء (سرياً)، وأن باستطاعتها أن تحصل على ثمر النخلة بهزِّ جذعها فتُساقط عليها من رُطبها. وعليها بعد الولادة ألا تحفل بالرد على أسئلة المتسائلين، وتمسك عن الكلام، لأن الله عازم على إظهار آية تبرِّئها عندما يتكلم وليدها وهو في المهد.

    لا يورد إنجيل متَّى ولوقا أي تفاصيل عن واقعة الولادة. فمتَّى الذي يجعل من بيت لحم موطناً ليوسف ومريم يكتفي بالقول: "ولما وُلد يسوع في بيت لحم اليهودية، في أيام هيرودُس، إذا مجوس من الشرق قد جاؤوا إلى أورشليم... إلخ". أما لوقا الذي يجعل من الناصرة موطناً ليوسف ومريم، فيأتي بهما إلى بيت لحم من أجل الإحصاء السكاني، وهناك تضع مريم مولودها: "وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما مكان في المنزل (= الفندق)."

    ولكن الأناجيل المنحولة تطوعت لملء الفراغ الذي تركته الأناجيل الرسمية بخصوص واقعة الميلاد، وقدمت لنا قصة مليئة بالتفاصيل. ففي إنجيل يعقوب، ومنحول متَّى، والإنجيل العربي، تحدث ولادة يسوع داخل مغارة في مكان منعزل على الطريق إلى بيت لحم التي قصدها يوسف مع مريم من أجل الاكتتاب في الإحصاء السكاني. وبينما هما على الطريق شعرت مريم بآلام المخاض، فطلبت من يوسف أن يوقف الدابة. وهنا نتابع القصة في الإنجيل العربي لأنها الأكثر اختصاراً.

    "قالت مريم ليوسف: لندخل هذه المغارة لأن زمن ولادتي قد حلَّ ولا أستطيع الوصول إلى المدينة. وكانت الشمس في لحظة الغياب. فأسرع يوسف في طلب امرأة تعين مريم على الولادة، والتقى إسرائيلية عجوزاً كانت آتيةً من أورشليم، فقال لها محيياً: ادخلي هذه المغارة حيث تجدين امرأة في وقت وضعها. وبعد غياب الشمس وصل يوسف مع العجوز إلى المغارة ودخلا، فإذا بالمغارة ساطعة بنور يفوق نور مشاعل لا حصر لها، ويلمع أكثر من الشمس في منتصف النهار. وكان الطفل ملفوفاً بأقمطة وراقداً في مذود يرضع من صدر أمه مريم."

    من مقارنة الرواية القرآنية مع هذه الروايات الإنجيلية، نلاحظ أن الرواية القرآنية قد انفردت بعدد من العناصر التي لا نعثر على أثر لها في الروايات الإنجيلية. فمريم كما هو متوقع في ظل غياب شخصية يوسف النجار تلجأ إلى مكان منعزل لتلد ابنها وحيدةً. ولدينا أيضاً عنصر النخلة التي تمد مريم بالطعام، وعنصر النبع الذي يتفجر قربها لتشرب منه. فهل غابت هذه العناصر تماماً عن الرواية الإنجيلية؟ في الواقع إنها لم تغب وإنما اختفت من قصة الميلاد لتظهر في قصة السفر إلى مصر بعد ولادة يسوع. فقد ورد في منحول متَّى أنه في اليوم الثالث على الطريق إلى مصر، أن مريم قد تعبت وأرادت النزول للراحة، فرأت شجرة نخيل وأحبت أن تستريح تحتها. فلما نظرت إلى الأعلى ورأت ثمرها أعلنت عن رغبتها في تذوق بعضها. فقال لها يوسف إن الشجرة عالية جداً، وأن ما يشغل باله أكثر هو قلة زادهم من الماء. كان يسوع الطفل جالساً في حضن أمه منفرج الأسارير عندما سمع ذلك، فأمر النخلة أن تعطي أمه بعض رطبها، فانحنت النخلة حتى لامست قدميها فأخذت من ثمرها ما شاءت، ثم أمر يسوع النخلة أن ترتفع ثانيةً ففعلت. ثم أمرها أن تفتح مجرى للماء المخزون عند جذورها، فانبثق من هناك جدول ماء فشربوا منه وسقوا حيواناتهم.

    الاتهام والبراءة

    "فأتت به قومها تحمله. قالوا: يا مريم لقد جئت شيئاً فريَّاً. يا أخت هارون ما كان أبوكِ امرأ سَوْءٍ وما كانت أمك بغيَّاً. فأشارت إليه، قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبياً؟ قال: إني عبد الله آتانيَ الكتاب وجعلني نبياً. وجعلني مباركاً أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً." (19 مريم: 27-31).

    لا تورد الأناجيل الرسمية شيئاً عن اتهام مريم وظهور براءتها. أما في الأناجيل المنحولة، فإن ذلك يحصل عقب ظهور دلائل الحمل عليها لا بعد الولادة، عندما ظن الناس أن يوسف قد دخل على مريم الموكلة إليه قبل أن يعقد قرانه عليها. عند ذلك يؤتى بهما إلى المحكمة ويوجَّه إلى مريم تقريع شبيه بما وردَ في الرواية القرآنية. نقرأ في إنجيل يعقوب: "فمضى الرُسُل وجلبوا معهم يوسف ومريم إلى مكان القضاء. قال الكاهن: لماذا دنَّستِ روحك ونسيت الرب إلهك؟ أنت يا من تربيت في قدس الأقداس تتلقين الطعام من يد ملاك... فبكت مريم بحرقة قائلةً: حي هو الرب، إنني نقية أمامه ولم أعرف رجلاً. فالتفت الكاهن إلى يوسف قائلاً: لماذا فعلت ذلك يا يوسف؟ فقال يوسف: حي هو الرب إلهي، إنني نقي فيما يتعلق بها." يلي ذلك إخضاعهما للشرب من ماء امتحان الرب، وظهور براءتهما.

    أما عن العنصر الثاني في قصة الاتهام والبراءة القرآنية، وهو معجزة كلام يسوع في المهد وإعلانه براءة أمه، فإننا نعثر عليه في إنجيل الطفولة العربي، حيث نقرأ في مطلعه أن يسوع تكلم في المهد قائلاً لمريم: أنا الذي أنجَبْتِهِ، أنا يسوع، ابن الله، الكلمة، كما بشرك بذلك الملاك جبرائيل، وأبي أرسلني لخلاص العالم.

    وقد سبق للنبي زرادشت أن تكلم في المهد أيضاً، عندما أرسل الشيطان زبانيته لإهلاكه، ونطق بصلاة للرب طردت الشياطين، على ما تخبرنا به أسفار الأفيستا الزرادشتية.





    http://www.alawan.org/?page=articles&op=display_articles&article_id=71
                  

02-06-2008, 11:06 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الإنجيل برواية القرآن: ميلاد عيسى // فراس السواح (Re: Sabri Elshareef)

    ناسوت عيسى (2)

    بقلم فراس السواح





    في الحلقة الماضية تحدثنا عن ناسوت يسوع وعن الألقاب الدالة عليه في القرآن وفي الإنجيل، حيث تناولنا لقب "النبي". وفي هذه الحلقة سوف نتناول لقبين آخرين هما "الرسول" و "عبد الله".

    عيسى الرسول:

    "وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقاً لما بين يديَّ من التوراة." (61 الصفّ: 6). "ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرُسُل." (5 المائدة: 75). "ويُعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ورسولاً إلى بني إسرائيل." (3 آل عمران: 47- 48).

    تؤكد هذه الآيات على أن عيسى هو مجرد إنسان اختصه الله بالنبوة والرسالة، شأنه في ذلك شأن الرسل السابقين واللاحقين عليه. ولكن الله فضله على هؤلاء الرسل، فجعله "آية للعالمين" من خلال واقعة الميلاد العذري. وأيده بروح القدس: "وتلك الرسل فضَّلنا بعضهم على بعض. منهم من كلَّم الله، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس." (2 البقرة: 253).

    لم ترد صفة الرسول لعيسى في العهد الجديد إلا مرة واحدة، وذلك في رسالة بولس إلى العبرانيين: "لذلك أيها الإخوة المشتركون في دعوة سماوية، تأملوا الرسول والحَبْرَ الذي نشهد له، أعني يسوع. فهو أمين لمن أقامه (= الله) كما كان موسى أميناً لبيته أجمع." (العبرانيون 3: 1- 2). وتعلق الترجمة الكاثوليكية الجديدة على هذا المقطع بقولها: "يسوع هو رسول الله أرسله ليكون معلماً لهم ومخلَّصاً. وهو حبر لأنه الوسيط بين الله وبينهم."

    على أن يسوع قد أشار إلى نفسه مراراً باعتباره مرسلا من قبل الله لينطق بكلمته بين الناس، كما تبينه المقتبسات التالية: "روح الرب علي، لأنه أرسلني لأشفي المنكسري القلوب." (لوقا: 16- 18). "وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني." (يوحنا 5: 24). "لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها، هي تشهد لي بأن الآب قد أرسلني، والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي." (يوحنا 5: 36- 37). "هذا هو عمل الله، أن تؤمنوا بالذي أرسله." (يوحنا 6: 29). "فتعجب اليهود قائلين: كيف يعرف هذا الكتب وهو لم يتعلم؟ أجابهم يسوع وقال: تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني... من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه، وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم." (يوحنا 7: 14- 18). "ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق، الذي أنتم لا تعرفونه." (يوحنا 7: 28). "فقال يسوع للتلاميذ أيضاً: سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا." (يوحنا 20: 21).

    إن الرسول باعتباره حلقة وصل بين الله والبشر، لا يتكلم من عنده وإنما ينقل كلمة الله ورسالته إلى الناس. ويسوع يتحدث عن وضعه الرسولي هذا باعتباره ناقلاً للوحي الإلهي، في هذه المقتبسات: "لم أتكلم بشيء من عندي، بل الآب الذي أرسلني أوصاني بما أقول وأتكلم." (يوحنا 12: 49). "ليس كلامي من عندي بل من عند الذي أرسلني." (يوحنا 14: 24). "بَلغْتهم كلامك فأبغضهم العالم، لأنهم ليسوا من العالم." (يوحنا 17: 14). "جئت باسم أبي فلم تقبلوني، ولو جاء غيري باسم نفسه لقبلتموه." (يوحنا 5: 43). "لا يستطيع الابن أن يصنع شيئاً من عنده إلا إذا رأى الآب قد صنعه." (يوحنا 5: 19). "من آمن بي لم يؤمن بي بل بالذي أرسلني." (يوحنا 12: 44).

    عبد الله:

    يدعى عيسى في القرآن بعبد الله، وذلك بمعنى المستسلم له، المقدم فروض الطاعة له، المنفذ لمشيئته: "قال إني عبد الله آتاني الكتاب." (19 مريم: 30). "لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله، ولا الملائكة المقربون." (5 المائدة: 172). "إن الله ربي وربكم فاعبدوه. هذا صراط مستقيم." (43 الزخرف: 63- 64). "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل." (43 الزخرف: 59).

    وقد استخدم القرآن، بهذا المعنى، صفة العبد لجميع الأنبياء: "الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده، ولم يجعل له عِوجاً." (18 الكهف: 1). "تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده، ليكون للعالمين نذيراً." (25 الفرقان: 1). "ووهبنا لداود سليمان نِعم العبد إنه كان أواب." (38 ص: 30). "ذريةً من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً." (17 الإسراء: 3). "اصبر على ما يقولون، واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب." (38 ص: 17).

    كما أشار كتاب العهد القديم أيضاً. بهذه الصفة إلى الأنبياء الكتابيين: "واختار داود عبده، وأخذه من حظائر الغنم ليرعى يعقوب شعبهُ." (مزمور 78: 70). "يا ذرية داود عبده، يا بني يعقوب مختاريه." (المزمور 105: 6). "أرسل موسى عبده، وهرون الذي اختاره." (المزمور 105: 26). "والحَلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله، لأنَّا أخطأنا إليه." (دانيال 9: 11).

    لم يوصف يسوع بعبد الله في أسفار العهد الجديد. ولكن لما كانت صفة العبد مشتقة من العبادة والطاعة لله، فقد كان يسوع بهذا المعني عبداً لله، نراه منصرفاً إلى الصلاة والعبادة في معزل عن تلاميذه، وفي كل ظرف دقيق من ظروف حياته. والمقتبسات التالية تظهر تشديد الأناجيل على كون يسوع رجل صلاة:

    "وإذ كان يصلي، انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة." (لوقا 3: 21- 22). "وفي الصبح باكراً جداً، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك." (مرقس 1: 35). "وللوقت ألزم تلاميذه أن يدخلوا السفينة... وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلي. ولما كان المساء كانت السفينة في وسط البحر وهو على البر وحده." (مرقس 6: 45- 47). "فاجتمع جموع كثيرة لكي يسمعوا ويشفوا به من أمراضهم، وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي." (لوقا 5: 15- 16). "وأخذ بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد إلى جبل ليصلي. وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعاً. وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا." (لوقا 9: 28- 30). "وإذ كان يصلي في موضع خلاء، لما فرغ قال واحد من تلاميذه: علَّمنا أن نصلي كما علَّم يوحنا أيضاً تلاميذه." (لوقا 11: 1).

    من هذه المقتبسات نلاحظ أن يسوع كان على الدوام يصلي منفرداً وبعيداً عن الناس، وبطريقة لا تشبه الصلاة الطقسية اليهودية. فصلاته كانت توحداً صوفياً بالله، عن طريق التأمل والمعرفة الباطنية، لا عن طريق القرابين الحيوانية، والمحارق التي كان اليهود يصعدونها على مذبح الهيكل. ولا يوجد في الأناجيل ما يدل على أن يسوع قد صلى في الهيكل الهيودي، أو أنه مارس طقس القرابين الحيوانية. وعندما علَّم تلاميذه الصلاة المسيحية: "أبانا الذي في السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض... إلخ." نصحهم بالصلاة الانفرادية في خلوتهم بعيداً عن الأعين، عندما قال لهم: وأما أنت، فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء." (متَّى 6: 7).

    في آخر صلاة له قبل أن يلقى القبض عليه، عبَّر يسوع أفضل تعبير عن وعيه بعلاقته بالآب، التي تميزت بالطاعة المطلقة والخضوع للمشيئة الربانية: "وخرج ومضى إلى جبل الزيتون كالعادة وتبعه تلاميذه. ولما صار إلى المكان قال لهم: صلوا لكي لاتدخلوا في تجربة؛ وانفصل عنهم نحو رمية حجر، وجثا على ركبتيه وصلى قائلاً: يا أبتاه إن شئت أن تجيز هذه الكأس عني، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك. وظهر له ملاك من السماء يقويه. وإذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض." (لوقا 22: 39- 46).

    لقد وضع يسوع نفسه رهن المشيئة الإلهية، وأطاع حتى الموت، موت الصليب، على حد تعبير بولس الرسول في رسالته إلى أهالي فيليبي 2: 8، مستحقاً بذلك لقب "البار" الذي يُطلقه عليه سفر أعمال الرسل، بمعنى "التقي" و"الصالح": "ولكن أنتم (= اليهود) أنكرتم القدوس البار (يسوع)، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل (باراباس)" (أعمال 3: 14). وفي خطبة استيفانوس الذي رجمه اليهود وكان أول شهيد في المسيحية، يقول: "أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم، وقد سبقوا فأنبئوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه." (أعمال 7: 51- 52). ويقول حنانيا لبولس في دمشق بعد أن أعاد إليه بصره: "إله آبائنا انتخبك لتعْلَمَ مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتاً من فمه." (أعمال 22: 14).

    ولعلنا واجدون أوضح صورة ليسوع كعبد لله، في الصلة التي عقدتها الأناجيل بين شخصية "العبد البار" في كتاب العهد القديم وشخصية يسوع. وهذا العبد البار عبارة عن شخصية ضبابية تظهر على ما يبدو نحو نهاية الأزمنة، واقترنت تدريجياً بشخصية مسيح العهد القديم، مع فارق كبيرهو أن العبد البار لا يسير في طريق الانتصارات العسكرية، بل يحيا حياة الطاعة الأمينة، فيأخذ على عاتقه وهو البريء ثقل خطايا الشعب، ويخلصهم بفضل ما يتكبده من آلام. وهو إلى ذلك ينشر العدل في الأرض ويحمل البشرى للمساكين.

    نقرأ في سفر أشعيا على لسان إله العهد القديم: "هو ذا عبدي الذي أَعضِده، مختاري الذي سُرَّت به نفسي. وضعتُ روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يُسمع صوته في الشارع، قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفيء، إلى الأمان يُخرج الحق، لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنظر الجزائر شريعته... أنا الرب قد دعوتك بالبر فأُمسك بيدك، وأحفظك وأجعلك نوراً للأمم، لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين، و (تخرج) من بيت السجن الجالسين في الظلمة." (إشعيا 42: 1- 7).

    وفي موضع آخر من سفر إشعيا، نجد هذا العبد البار يتحدث عن نفسه بألفاظ مشابهة: "روح السيد الرب عليَّ، لأنه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنة مقبولة للرب." (إشعيا 61: 1- 2).

    وقد قرن يسوع نفسه بهذا العبد البار الذي يتحدث عنه سفر إشعيا عندما: "جاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى، ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت، وقام ليقرأ. فدُفع إليه سفر إشعيا النبي، ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه: روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأُرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه للخادم وجلس، وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصةً إليه. فابتدأ يقول لهم أنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم (أي تم في شخص يسوع." (لوقا 4: 16- 21).

    ونقرأ أيضاً في سفر إشعيا عن العبد البار: "هوذا عبدي يعقل، يتعالى، ويرتقي ويتسامى جداً... محتَقَرٌ ومرذول من الناس، رجل أوجاع ومختبِر الحزن، وكمُسترٍ عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا... والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظُلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه... أما الرب فقد سُرّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها. لذلك أُقسِم له بين الأعزاء، ومع العظماء يَقسِم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه، وأُحصِيَ مع أَثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين." (إشعيا 52: 13- 15 و 53: 1- 5).

    ولقد قرن يسوع نفسه بهذا العبد البار المتألم الذي سكب للموت نفسه، عندما ابتدأ يُعلم تلاميذه بأن: "ابن الإنسان (= يسوع) ينبغي أن يتألم كثيراً، ويُرفض من الشيوخ والكتبة، ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم." (مرقس 8: 31). كما توقع أن يُحصى مع أثمةٍ كما أحصي العبد البار مع أثمة في سفر إشعيا أعلاه، عندما قال: "لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتم فيَّ أيضاً هذا المكتوب: وأُحصي مع أثمةٍ." (لوقا 22: 37). وعندما صُلب عن يمين يسوع ويساره اثنان من اللصوص، استحضر إنجيل مرقس الآية إياها من سفر إشعيا وقال: "فتم التكاب القائل: وأُحصيَ مع أثمةٍ." (مرقس 15: 27- 28).

    وكما يحمل هذا العبد البار خطيئة الناس ويخلصهم من آثامهم، كذلك هو يسوع الذي يعني اسمه "خلاص يهوه"، والذي قال فيه الملاك عندما جاء يوسف بالبشارة: "يا يوسف لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم." (متَّى 1: 20- 21).

    والعبد البار الذي قال فيه إشعيا في المقتبس السابق إنه "لم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازِّيها فلم يفتح فمه." والذي "جعل نفسه ذبيحة إثم." هو يسوع أيضاً كما يراه مؤلف إنجيل يوحنا الذي أطلق عليه لقب "حَمَل الله". فعندما رأى يوحنا المعمدان يسوع لأول مرة أشار إليه قائلاً: "هو ذا حَمَلُ الله الذي يحمل خطيئة العالم." (يوحنا 1: 29). وكاستكمال لرمزية "حمل الله" فقد جعل مؤلف إنجيل يوحنا موت يسوع بعد ظهر اليوم السابق لعيد الفصح اليهودي، أي في نفس الوقت الذي كان اليهود يريقون فيه دم حمل عيد الفصح من أجل مغفرة الخطايا، مؤسساً بذلك للفكرة التي نضجت فيما بعد في اللاهوت المسيحي عن معنى موت يسوع باعتباره تحريراً للإنسانية من الخطيئة ومن الموت.

    وفي المزمور 22، لدينا صورة نابضة بالحياة للعبد البار المتألم: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي عن كلام زفيري... أحاطت بي ثيران كثيرة، أقوياء باشان اكتنفتني، فغروا علي أفواههم كأسد مفترس مزمجر. كالماء انسكبتُ، انفصلت كل عظامي، صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي... جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديَّ ورجليَّ، أُحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون فيَّ. يقسمون ثيابي فيما بينهم وعلى لباسي يقترعون." (مزمور 22: 1- 18).

    نلاحظ من قراءة هذا المزمور أن مؤلفي الأناجيل قد عقدوا ثلاث مقارنات بين هذا العبد البار المتألم ويسوع المسيح. فيسوع ينطق قبل أن يلفظ الروح بنفس العبارة الواردة في مطلع المزمور: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني." (مرقس 15: 34). ويدا يسوع ورجلاه تثقبان من أجل تثبيته على الصليب، مثلما ثقبت يدا العبد البار ورجلاه... وبعد أن عرى الجنود يسوع وسمروه على الصليب "اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد." (مرقس 15: 24)، مثلما اقترع خصوم العبد البار على ثيابه. وفي هذا الموضع يضيف إنجيل يوحنا: "لكي يتم الكتاب القائل: اقتسموا ثيابي فيما بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة." (يوحنا 19: 24).

    ويُجري مؤلف إنجيل يوحنا عدداً آخر من المقارنات بين مقاطع من العهد القديم تفهم منها إشارة إلى العبد البار، وما حدث ليسوع وهو على الصليب. فعندما قال يسوع "أنا عطشان"، وضع الجنود اسفنجة مبللة بالخل ورفعوها على قضيب فأدنوها من فمه؛ فلما ذاق يسوع الخل قال: "قد تم كل شيء. ثم حنى رأسه ولفظ الروح. وذلك لكي يتم الكتاب" (يوحنا 19: 28- 30). ويوحنا هنا يشير إلى ما ورد في المزمور 69: "ويجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلاً." (69: 21). وعندما سأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقان المصلوبين من أجل التعجيل بموتهم، جاء الجنود وكسروا ساقي اللص الأول ثم الثاني، وعندما جاؤوا إلى يسوع لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات. فطعنه أحد الجنود بحربته في جنبه فخرج على إثرها دم وماء (يوحنا 19: 28- 37). وهنا يعلق يوحنا قائلاً: "ليتم الكتاب القائل: عظم لا يكسر منه. ويقول كتاب آخر: سينظرون إلى الذي طعنوه." ويوحنا يشير هنا إلى المزمور 34: "كثيرة هي بلايا الصِّديق ومن جميعها ينجيه الرب. يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر." (19- 20). كما يشير أيضاً إلى ما ورد في سفر زكريا: "فينظرون إلى الذي طعنوه، وينوحون عليه كنائح على وحيد له." (زكريا 12: 10).
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de