الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 02:01 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل عبد العاطى(Abdel Aati)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2003, 08:19 AM

أبوالزفت
<aأبوالزفت
تاريخ التسجيل: 12-15-2002
مجموع المشاركات: 1545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    UP
                  

11-03-2003, 04:36 PM

AbuSarah

تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 667

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    اخي الاستاذ عادل
    تحياتي خالصة
    شكرا على تعقيبك الهادئ ، والتوضيح بان الامر ليس بحثا علميا وعندما قلت اعلاه ؛ ان هذا البوست ليس بحثا علميا ؛
    وانما هي شرات وملاحظات " لا ادري لربما تقصد شذرات وملاحظات ، و لخطا مطبعي صارت شرات!!!.
    على كل انت رجل عرفت بجدية تحمد وتثنى عليها ، بغض النظر عن صواب رأيك او خطأه في تناولك للقضايا وبالتالي لا مجال للتعاطي مع ما تكتب الا بقدر من المسئوليةو الجدية.

    لا اؤمن بقداسة لبشر ، والسيد الصادق المهدي ليس بشرا نبيا او مرسلا ، فهو شخص عادي واكثر من عادي ، ونراه بخلاف المتخيل الذي ينطلق منه بعض اليساريين في خصومة واستهداف هو جوهر انفعال ما سماهم البعض مثقفو حزب الامة ... لان الامر حين يخرج عن نطاق الموضوعية يعد استفزازا ، لا يتعامل معه ببرود الا شخص غير طبيعي في مشاعره الانسانيةاو الوطنية.
    - الصادق المهدي لم يقل ان ما قاله عن السندكالية كان نكتة صادرة عنه ، بل في تلك الفترة اي الستينات كانت الحركة النقابية حركة قوية وتشكل مجموعة ضغط قوية وانت تعلم ان الحزب الشيوعي في تلك الحقبة كانت مهيمن على الحركة النقابية والتي يعبر عنها باللغة الانجليزية Syndicate والسندكالي هو الشخص النقابي او الفئوي....فكانت تلك الفئويات تتطلع الى الحكم ، وهذا يتنافى ووظيفتها المطلبية كنقابات، هذه هي الظاهر التي وصفها الصادق المهدي وقتها بالسندكالية.... لربما يكن بعض الصحفين ورسمامي الكركتير او صناع الهزو البرئ " النكتنجية" ، قد سمعوا بها لاول مرة فجعلوا منها نكتة او كركتير ، لذلك جاء حديث المهدي في لقائه مع الاخت لنا مهدي بان الامر ليس مذهب او مشروع لحزب الامة وانما هي نكته ... استنبطها البعض من وصفه للحركة النقابية الطامعة في الحكم بالسندكالية.... فهي ليست مذهب او نظرية او مشروع اقتصادي لحزب الامة... لذا فلا ارى ضرورة للامعان في تحميل الكلم اكثر مما يحتمل او تأويله او تحريفه عن مواضعه.... فالتأويل غير الصحيح لحديث واضح الدلالة كهذا يجعل المرء يتوقف بان هناك سوء قصد او نية يصل الى درجة الخبث عند بعض الكتاب وهم ينتقدون المهدي بصورة غير لائقة تتجاوز حدود النقد كادب وفن... فمثل هذا نفر ينطبق عليه القول
    انه من النوع: الذين اذا علموا الخير اخفاه واذا علموا الشر اذاعوه واذا لم يعلموا شيئا كذبوا......
    كصاحبنا الذي يقول ان الانصار في الديمقراطية الاخيرة يقفون في الشوراع ... ويصرخون في وجوه الناس زح سيدك جاي وان ابيت فالعصا او التهديد بالسلاح..... هذا نوع من انواع الاختلاق الفاضح الذي يفضح سوء نوايا قائله .... لاننا لم نكن نعيش في بلاد الواق واق كنا في سودان الديمقراطية الثالثة وشهدنا مدى حلم الانصار الذين اغتالت الجبهة الاسلامية طالبا في عقر دار حزب الامة وتناولوا الامر بكل واقعية حتى يفوتوا الفرصة عن فتنة كادت تطل برأسها عام 1987م...هذا تجنى فيه لؤم باين واستهداف تجب ادانته من كافة الحركة الثقافية ، فحين تحيد مهمة المثقف عن الانصاف لم يعد يحمل صفة المثقف في تقديري فسمه ما شئت.

    - لست مع ان يضفي اي شخص على نفسه قداسة ولكني رأيت ان الموضوعية تقتضي ان تتعامل مع الظاهرة كظاهرة مجتمعية اولا ومن ثم لنحكم هل حالة الصادق المهدي هي حالة فردية متنحية في المجتمع السوداني ام انها ظاهرة مجتمعية سائدة بالمصطلح الوراثي للكلمة.....

    فلا يمكن لشخص ان يحاكم شخص اخر بصورة فردية و بحيثيات ما انتجته تراكمات ثقافة واعراف وتقاليد مجتمع .... فعندما نقر بان ما قال به الصادق المهدي هو ظاهرة سائدة في المجتمع السوداني ، نكون قد اتينا الى مربط الفرس اولا .... واذا رأينا ان مربط هذا الفرس غير ملائم سوف نفكر بوعي كيف يمكن تحويله الى ما هو مرغوب فيه.... نحن ضد ظاهرة الاعلون والادنون من اي نوع ..... وضد اضفاء قداسة او هالة شخصية تفوق المألوف واخال ان الصادق المهدي برئ مما نظن او يتخيل البعض.
    امااذا كانت الظاهرة موضع التناول تعد جزء من نواميس الطبيعة و لا يستطيع اي انسان ان يتجرد منها بالكامل وجب التعاطي بعقلانية معها خاصة تلك التي ترتبط بالاديان وكريم المعتقدات والتي لا يطمسها اي مستوى من مستويات التمدن والحداثة ، في عمق الدول الصناعية الكبرى والتي بلغت شأوا عظيما في الحداثة تجد صور كثيرة لاعلاء الذات تتمظهر في سلوك طبقات غاية في الوعي المعرفي... ولكن يمكن تهذيبها وتشذيبها بتحيدها في الشعور الداخلي للانسان..... فانت لا تستطيع ان تمحو الشعور الباطني لدى الرجل الابيض الامريكي او الاوروبي بعبودية السود .... ولكن تراهم يتعاملون بمشاعر محايدة في الاماكن العامة تمشيا مع روح الحضارة والمدنية التي تستوجب مثل هذا السلوك... فهناك بعض امور من طبيعة النفس البشرية يمكن تهذيبها و لكن لا يمكن انتزاعها كليا.... هذا بعض ما رميت اليه.... لا اقرارا بظاهرة تسهم في التخلف.
    من منطلق موضوعي لا يمكن ان يقبل عقلي ان احيل ظاهرة وقيمة مجتمعية بكاملها وكأنها شئ مختص به الصادق المهدي فحسب وانها سوءته وحده، هذا فضلا ان تطويع كلماته لتلبي رغبة في نفس الكاتب او غرض يهدف للتقليل من شأن الرجل والبخس في قدراته وتجريده من اي صفة حميدة!!!!.... وحتى وان قام الرجل بطواف حول السودان ، قيل لا ذلك ليس طواف بل تلك سياحة سيد بن سيد ليمتع ناظريه في عبيده او للتسلية ..... هذا منطق لا تقبله النفس السليمة في الانسان.. . يعبر حقا عن علة في قائله اقلها الغل.

    فوق ذلك يبدو واضحا حرصكم على ادانةالصادق المهدي انكم لم تتركوا شاردة او واردة الا جمعتموها وتوظيفها بما يخدم الاستهداف ضد المهدي ، فبلغ الامر درجة ان حتى الهزو او النكته البريئة او الحديث باريحية هي مادة استدلالية في الرغبة الجامحة في التشفي واشانة السمعة واختزال المواقف الشجاعة للرجل.

    ولكم تقديري

    اخوكم / ابوساره
    ****************************************************************
    مكتوب لك الدهب المجمر تتحرق بالنار دوام
                  

11-04-2003, 00:27 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: AbuSarah)

    الاخ العزيز ابوسارة

    تحية طيبة

    شكرا علي كلماتك الطيبة عن شخصي الضعيف؛ والتي اتمني ان تكون في محلها؛ وحقيقة ان ردودك تتمتع برحابة صدر عالية ؛ وعليه فان الحوار معك؛ وان كان من موقع المختلف؛ لهو للمرء مران فكري وحضاري؛ هين علي القلب؛ ومحفز لعمل العقل

    تقول ان الصادق المهدي هو شخص عادي واكثر من عادي؛ وهذا حق نتفق معك فيه؛ واذا تركنا متخيل اليساريين وغير اليساريين؛ فان موقفك يحتم عليك ان تقف موقف المعارضة الواضحة؛ لما يردده الصادق المهدي عن نفسه من قصص غيبية ؛ لتبرير رسالته في الحياة؛ والاسماء التي تطلق عليه ويتقبلها؛ من نوع الامام ؛ وصاحب العهد؛ الخ الخ ؛ وهي امور تصب في اطار اضفاء قداسة علي الرجل ؛ تخرجه من دائرة العادية ؛ الي دوائر اسطورية اخري؛ تصل بالبعض الي وصفه بانه قدر الكون دا كلو؛ واكبر بي كتير

    تقول:
    ------
    لست مع ان يضفي اي شخص على نفسه قداسة ولكني رأيت ان الموضوعية تقتضي ان تتعامل مع الظاهرة كظاهرة مجتمعية اولا ومن ثم لنحكم هل حالة الصادق المهدي هي حالة فردية متنحية في المجتمع السوداني ام انها ظاهرة مجتمعية سائدة بالمصطلح الوراثي للكلمة.....
    --------

    والحقيقة ان منهجك الذي تطرخ فيه الكثير من الحق؛ اذ لا يمكن عزل الانسان عن البيئة والثقافة السائدة والمجتمع الذي يعيش فيه .. لكن من الناحية الاخري لا يمكن ان تكون الثقافة السائدة وافكار المجتمع ؛ هي الشماعة التي نعلق عليها اخطائنا واستغلالنا للاخرين ..وانت تعرف انه في المجتمعات التقليدية هناك ثلاثة مناهج للتعامل مع الوعي السائد من قبل النخبة والمفكرين – والتي احسب الصادق يضم نفسه لهما:
    1- الرفض الواضح لهذه المؤسسات والوعي السائد ومحاولة تغييره ثوريا.
    2- التعامل مع هذا الوعي نقديا؛ بتطوير الايجابي فيه ومناهضة السلبي في عمل اصلاحي تربوي طويل المدي.
    3- الاتكاء علي السائد واعادة انتاجه واستغلاله في مشاريع ظلامية وانكفائية وتضليلية وبالضد من مصالح البشر
    انني اعتقد ان الصادق المهدي يركز علي المنعج الاخير؛ فهو الذي بدأ نشاطه داعيا للحداثة؛ وطارحا اعادة النظر للمهدية وفق معايير حديثه؛ انكفأ الان ليحدثنا عن الطيور والاحلام واقوال الصبية الخ الخ ؛ وهذا ليس فقط اعادة انتاج للوعي التقليدي السائد؛ وانما محاولة لاستغلاله لاهداف سياسية؛ ولتكريس السطوة السياسية والروحية للصادق علي مريديه ومؤيديه؛ لينتهي به الامر معيدا الروح للامامة التي رفضها قبل 30 عاما ونيف؛ وجامعا بين يديه السلطة الزمنية والروحية ؛ في الوقت الذي يتحدث فيه عن فصل السلطات ومدنية الدولة والسندكالية

    ان موقف الصادق المهدي هنا؛ يمكن مقارنته بثلاثة شخصيات تاريخية حديثة ؛ كانت قيادات لاممها او جزء من مجتمعها؛ واعني بهم المهاتما غاندي؛ والشهيد كمال جنبلاط؛ والمناضل نيلسون مانديلا

    فالمهاتما غاندي بما له من انجازات ودور في نهضة الهند الحديثة والوعي القومي الهندي؛ قد رفض رفضا باتا ادخال الهندوسية في السياسة ؛ وهو ابن عائلات براهمة ارستقراطيين؛ كما فصل بين دوره كقيادة معنوية للشعب الهندي؛ بما فيه من هندوس ومسلمين وسيخ ؛ وبين القيادة السياسية التي اسلمها كاملة لحزب المؤتمر ولجواهر لال نهرو وغيره من القيادات؛ ودفع الرجل في النهاية حياته ثمنا لدعوته لبناء هند حديثة قائمة علي المواطنة ولموقفه ضد التعصب الهندوكي ورفضه بناء الهند كدولة هندوكية.
    اما الشهيد كمال جنبلاط؛ وهو ابن عائلة اقطاعية ارستقراطية؛ وهي احد اميز العوائل القائدة في الطائفة الدرزية ؛ فقد تنائي تماما في عمله السياسي عن المنهج الطائفي؛ وبني الحزب التقدمي الاشتراكي واتخذ مواقفا عديدة لا طائفية ؛ في بلد مكبل بالطائفية ؛ وانفتح علي ظلامات ابناء البلاد البسطاء بما فيها ابناء الطوائف الاخري؛ وحاول بدلا عن الانتماء الطائفي ان يبني انتماءا وطنيا جديدا؛ دفع ثمنه بالدم؛ ولذلك يعتبر هو ابو الوطنية اللبنانية الحديثة؛ العابرة للطوائف والمتجاوزة لها.
    اما المناضل نيلسون مانديلا ؛ والمنحدر من اسرة حاكمة في قبيلة الكسوزا؛ فهو قد تحاوز الوعي القبلي والاقطاعي والارستقراطي؛ الي الوعي الافريقي القومي؛ بل وصل الي افاق الوعي الانساني؛ حينما دعا لجنوب افريقيا متحررة من الخوف والتمييز والظلامات ؛ وبني حركة سياسية قومية ؛ اصبحت رمزا لافريقيا كلها ؛ وليس لجنوب افريقيا.. ورغم طابع الرجل السلمي – مثله مثل ما يزعم الصادق عن نفسه- ؛ فقد رفض رفضا مطلقا ان يدين الكفاح المسلح ؛ وان يتبرأ من رفاقه؛ وامضي 27 عاما في السجن رافضا هذا الشرط الوحيد ؛ ثم لما وصل الي السلطة والتي كان هو الاكثر تاهيلا لها؛ ما لبث ان تنازل عنها لمن هو اصغر منه سنا من الاجيال الجديدة؛ وهو في اوج شهرته ونجاحه..
    فاين هذا السلوك من صاحبك الصادق الذي تنكر لرفاقه علنا؛ ودعا الي الجهاد المدتي عندما كان في الاسر؛ ثم رفع السلاح بعد هروبه؛ ثم عاد للجهاد المدني مرة اخري؛ مدينا الاخرين ممن رفعوا السلاح ضد الطغيان؛ والذي لا يفكر في الاعتزال مطلقا؛ رغم بلوغه السبعين؛ والذي يمهد لابنائه وبناته كي يخلفوه؛ وكان حواء السودانية لا تلد غيره واسرته؛ او كان مناضلي الانصار واعضاء حزب الامة قد عدموا البديل الا من يخرج من صلب ذاته الرفيعة ..

    اذن اخلص ان الصادق المهدي في تعامله مع الثقافة السائدة؛ يعتمد علي اكثر جوانبها غيبية واسطورية وتخلفا؛ لا لكي يواجهاها بالعلم والتربية ؛ كما فعل الامام المهدي؛ وانما ليركوها ويرسخها ويعيد انتاجها لتخدم مصالحه ؛ ولتحافظ علي مستوي الوعي الاجتماعي المنخفض.. فاين هو دوره اذن كمثقف؛ وكزعيم ؛ وكرائد في مجتمعه؛ وكانسان اتيحت له من الفرص ما لا يعد ؛ للنهوض بطائفته ومجتمعه؛ فاهدرها كلها؛ في لهثه وراء السلطة؛ الذي اعماه عن ادي دور تنويري يمكن ان يلعبه.

    ان الصادق المهدي؛ قد كان مؤهلا اكثر من اي انسان غيره؛ لاجراء تغييرات ثقافية واجتماعية عميقة في السودان؛ وكان تاهيله الاكاديمي؛ ومعرفته بالعالم ؛ ونفوذ عائلته واسمه؛ تكفلان له قدرة عالية للقيام بهذا الدور التثقيفي التنويري؛؛؛ الا ان الرجل قد بحث عن السهل؛ وعمي عن هذا الدور؛ واصبح يستغل الجهل والوعي السائد؛ لتكريس قيادته الفردية؛ وتعطشه الخرافي الي السلطة؛ فاهدر بذلك فرصته الغالية؛ وضيع نفسه ؛ وضيع معه سنينا غالية علي الشعب السوداني؛

    ونواصل
                  

11-04-2003, 01:17 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    وقد واصلت يا اخ ابو ساره وحاولت ان تدافع عن منهج الصادق المهدي في التعامل مع الالفاظ والمعرفة والوعي السائد؛ في موضوع السندكالية ؛ ورايت ان لا يحمل الموضوع اكثر مما لايحتمل؛ وشرحت وجهة نظر الصادق كما نقلها في لقائه مع الاخت لنا مهدي؛ والتي تفضلت مشكورة بتقله الينا هنا.

    ابدأ فاقول انني لم ازعم بان السندكالية كانت منهجا اقتصاديا للصادق او حزب الامة ؛ فانا اعرف انها لم تكن؛ وانما قلت انها من المصطلحات والتعابير الغريبة الانصرافية؛ التي شغل بها الصادق الناس؛ ولم يغسرها الي الان؛ وان كان في لقاه مع لنا مهدي قد حاول تفسيرها وتبريرها؛ في اسلوب واضح فيه نفاد الصبر

    فالسندكالية يا عزيزي خلافا لما تقوله ويقول الصادق المهدي؛ ليست هي النقابية؛ والنقابة بالانجليزية هي تريديونيون؛ والنقابية هي تريديونينيزم؛ ام كلمة سندكيت فتعني تجمع اقتصادي او اجتماعي؛ وقد تكون تجمعا نقابيا؛ كا قد تكون تجمعا صناعيا او مؤسسة تجارية؛ اما السندكالية فهي فلسفة مستقلة بذاتها.

    وقد طرحت السندكالية كطرح جديد منافي للراسمالية والشيوعية؛ وهي قائمة علي التجمعات الانتاجية والادارية للعمال؛ وقد قامت في فرنسا؛ ويعتبر من مؤسسيها المباشرين اميلي بوغيه ورودلف روكر؛ ومن مؤسسيها غير المباشرين اتباع المذهب الفوضوي وقادته؛ من امثال باكونين ؛ بل ويعتبر البعض ان ابا السندكالية الحقيقي هو برودون؛ وقد انشات السندكالية احزابها السياسية؛ ومن بينها الحزب السنديكالي الاسباني في فترة الحرب الاهلية الاسبانية؛ وشعار السندكاليين هو مربع مقسوم الي مثلثين واحد احمر والاخر اسود؛ وقد اندمجت السندكالية اخيرا مع الفوضوية؛ مكونة ما يسمي بالفوضوية –السندكالية (انارخو- سيندكاليزم)؛ وبذلك فان السندكالية هي مذهب قائم بذاته؛ له فلسفته وممثليه واحزابه وتنظيماته العمالية؛ ولا يمكن خلطه مع النقابية التقليدية او النقابية كما مارستها الاحزاب الشيوعية

    السؤال هنا: هل كانت في السودان حركة سندكالية في الستينات؟ الاجابة قطعا لا .. هل كانت حركة النقابات في السودان حركة سندكالية ؟؟ الاجابة من جديد لا ؛ هل كانت حركة الحزب الشيوعي واليسار في النقابات ذات توجه سنديكالي؟؟ الاجابة مجددا لا .. فلماذا اذن حشر الصادق المهدي المصطلح في اضابير السياسة السودانية؛ دون ان يكون هناك اي معادل موضوعي له؛ سوي ان يكون الامر اغرابا لفظيا؛ وموضوعا انصرافيا؛ يهرب به من المواضيع المهمة الاساسية.

    ان سؤال الاخت لنا مهدي؛ للصادق المهدي بعد ثلاثين عاما ونيف عن المصطلح ؛ يوضح حجم الخلط الذي ادخله الصادق بتعبيره الذي لم يعبر عن الواقع؛ ومرة اخري لم يوضح الصادق الامر كما يجلب؛ وانما عرف السندكالية تعريفا خاطئا؛ ثم زعم ان كان هناك توجه سنديكالي في السودان؛ وكان ذلك في حديثه عن ممارسات الشيوعيين واليساريين في السودان؛ ومن المعروف ان الشيوعيين هم من اكبر اعداء السندكالية ؛ بل لقد حطم الحزب الشيوعي الاسباني بدعم وطلب مباشر من ستالين؛ الحركة الفضوية –السندكالية في اسبانيا؛ ابان الحرب الاهلية هناك؛ وكان الصراع بين الشيوعيين والفوضويين –السندكالين؛ واحدا من الاسباب المهمة لانهزام الجمهورية وانتصار الينين بقيادة فرانكو

    ان الاستخدام الاعتباطي للمصطلحات؛ واغراق الناس في قضايا انصرافية؛ هو ما يهمنا؛ حتي لا ياتي احد ويسال الصادق عن مصطلح التنمية المستدامة مثلا؛ بعد عشرين عاما؛ فيقول انها نكتة انها نكتة .

    ونواصل
                  

11-04-2003, 01:51 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    ثم تتحدث يا اخ ابو سارة عن الكتاب الذين ينتقدوا الصادق المهدي بصورة غير لائقه؛ وتصفهم باوصاف؛ ثم تضرب لهم مثلا عضو البورد الذي قال ان الانصار كانوا يقفوا في الشوارع؛ ويدفعوا الناس قائلين لهم : سيدك جا؛ سيدك جا؛ الخ الخ من روايته

    في حقيقة الامر لا يمكنني ان اؤكد او انفي هذه الرواية؛ ففي خلال عامين كنت بعيدا عن اي اتصال بالشارع؛ وهذا بين فبراير 1986-مارس 1988؛ ثم سافرت بعدها لعطبرة والشمالية لعدة اشهر؛ ورجعت للخرطوم لمدة قليلة ثم افرت في نوفمبر 1988 بالخارج؛ وفي خلال كل الشهور التي صادفت ان كنت فيها بالخرطوم في عهد الديمقراطية الثالثة؛ فانني لم التق موكب الصادق المهدي؛ حتي اعرف كيف يتصرف حراسه من الانصار

    لكني في المقابل اعرف ان حكومة الصادق المهدي؛ قد قامت بالاعتداء علي تظاهرة سلمية لابناء دارفور بالعاصمة؛ استخدمت فيها القوة الكاسحة؛ وكان ذلك بتنفيذ مباشر من وزيركم صلاح عبدالسلام الخليفة؛ وكان ذلك محاولة لضرب التمرد الذي بدأ يظهر في معاقلكم؛ وذلك بضرب رواده وطلائعه من الطلاب ومثقفي دارفور بالعاصمة

    ثم اعلم ان مليشيات مجهولة؛ لا اعلم ان كانت مليشاتكم ام هي مليشيات حليفكم وقتها؛ حزب الجبهة القومية الاسلامية؛ قد قامت بضرب المتظاهرين بالرصاص؛ في انتفاضة السكر في نهاية عام 1988؛ واعلم ان الصادق المهدي لم يحرك ساكنا؛ وان هوية تلك المليشيات التي رصدت ارقام سياراتها ونوع سلاحها واماكن تحركها؛ لم تجد الكشف من حكومتكم؛ ولا يزال سرها مخفي الي اليوم

    كما اعلم ان وزير الزراعة حينها؛ وامين امانات حزب الامة؛ الراحل د. عمر نور الدائم؛ قد هدد باحضار المليشيات الي الخرطوم؛ لحسم المتظاهرين والمعارضين؛ في نفس الانتفاضة المشار اليها اعلاه؛ ضد قرارات حكومة الصادق لطائشة برفع اسعار السكر؛ وان الرجل قد قال ان الدم سيرتفع الي الركب؛ وقال البلد بلدنا ونحنا اسيادا

    كل هذه وقائع من التاريخ القريب؛ تمت في فترة ديمقراطية؛ كان الصادق فيها رئيسا للوزراء؛ فلا هو اقال صلاح عبدالسلام؛ او الراحل عمر نور الدائم؛ ولا هو حقق لمعرفة المجرمين الذين اغتالوا وجرحوا المتظاهرين العزل؛ ولا اتخذ اجراءات ضد التنظيم الذي اتهم بتلك الاحداث؛ وكل هذا موثق ومعروف ومعلن؛ فهل تعتقد اذن اننا نتجني علي الصادق؛ حينما نزعم انه لا يعرف من الديمقراطية الاقشورها؛ وانه في سبيل السلطة مستعد لاراقة الدماء؛ او التغاضي عن اراقة الدماء؛ وان تسلطه وعماه السياسي؛ لا بد منعكس كوارث والما وضحايا علي البلد.؟

    ونواصل
                  

11-06-2003, 00:18 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    وهذه مساهمات لكتاب اخر ؛ تكشف بعض شهصية الصادق المهدي

    جاء في مقال للدكتورد. عمر مصطفى شركيان
    بعنوان: آفاق الحل السِّياسي للمحتوى التأريخي بين حكَّام الخرطوم وأهل التخوم
    التَّجربة الديمقراطيَّة الثَّالثة (1986-1989م): دروس وعبر
    التالي:
    ----------

    ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ كتابتنا لتجربة الديمقراطية الثالثة في السودان ليست من باب تبخيس الناس أشياءهم بقدر ما هي محاولة منا لتقييم مسالبها ومن ثَمَّ الانكباب على تقويتها وتلافي منابت الخطل والزلل فيها عند استعادة الحياة البرلمانية، هذا إذا كنا نبغي لهذه الحياة البرلمانية الديمومة في السُّودان.
    على أية حال، فبعد أن تهاوى نظام المشير جعفر نميري وانتخاب السيد الصادق المهدي في انتخابات شبه عامة في العام 1986م(26) استبشر السودانيون خيراً بان سليل المهدى جدير بأن ينهض بالبلاد إلى ما يصبو إليه العباد. كان أمل القوم في الصادق (أمل الأمة) عظيماً، وخاصة في شعارات الصحوة الإسلاميَّة التي رفعها في الحملة الانتخابية.
    لكن ماذا حدث؟ وما هي الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها حكومته؟ كان الهدف من تبني الصَّادق هذا الشعار الرنَّان هو الكسب الدعائي الذي لا يعكس فلسفة وأسلوب عمل يسعى إلى الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجيَّة التي كان السُّودان يواجهها يومئذٍ، كما أنَّه كان يفتقر رؤية متكاملة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. لذلك فشل الصَّادق وحزبه – حزب الأمة القومي الجديد من دون جديد جدي – في أن يبتني من القيم الأخرى التي نرى أنها دافعة لعملية التنمية مثل المواطنة كأساس للمساواة التَّامة في الحقوق والواجبات، وتحديد الهوية السُّودانيَّة، وضمان احترام حقوق الإنسان، وتعزيز مسيرة الديمقراطية ومستقبل التعددية الحزبيَّة في السُّودان من خلال تفعيل الحريات العامة وتأكيد مبادئ الشفافيَّة والمساءلة في العمل العام، وتعزيز دور المجتمع المدني كشريك في التنمية، وتطوير الإصلاح السياسي. بيد أنَّ ما يتأسَّى له الفؤاد ويعتصر ألماً هو الافراط المتعمد والرغبة الجانحة لهتك الأعراض وإهدار حقوق الإنسان تحت دعاوي الحفاظ على الوحدة الوطنيَّة وبسط الأمن.
    ..................
    مخطىء من ظن أن الديمقراطية في السودان بيضاء من غير سوء. فعلى الرغم من إطلاق الحريات العامة المتمثلة في حق التعبير والنشر والتجمع والإضراب، إلا أن حكومة الصادق المهدى الديمقراطية أمرت بمضايقة واعتقال الذين شاركوا في في ورشة عمل أمبو (4-7 شباط (فبراير) 1989م) بإثيوبيا عقب عودتهم. فقد تعرَّضوا للتفتيش في مطار الخرطوم، واعتقلتهم السلطات الحكوميَّة بأمر من وزير الداخلية، السيد مبارك الفاضل المهدي، الذي هرول إلى الجمعيَّة التأسيسية بأمر مستعجل – هكذا زعم – لمناقشة أمر هؤلاء الذين شاركوا في في ورشة عمل أكاديمي مع "المتمرِّدين".(29) وعند اشتداد النقاش رد أحد النواب الجنوبيين – مجادلاً بالحق - أنَّه شخصيَّاً لا يعرف الدكتور قرنق، وإذا كان اللقاء به جريمة يعاقب عليها القانون فإنَّ السيد الصَّادق المهدي، رئيس الوزراء، أول من يطاله هذا القانون لأنَّه إلتقى بقرنق في أديس أبابا لمدة تسع ساعات بدون استراحة أو إحراز تقدم
    (Without a break or a breakthrough).
    ........................
    أما في مناطق النزاع المسلَّح - أو التماس - فقد اقترفت حكومة الصَّادق المهدي جرائماً تعادل في مقدارها وبشاعتها ما اعتادت أن تمارسه الحكومات العسكرية في السُّودان، خاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بسياسة الحريات في الجنوب وجبال النوبة. وعلى سبيل المثال - لا الحصر - نجد أن صحيفة بريطانيَّة(30) قد نشرت أنباءاً عن اغتصاب إناث من قبيلة الدينكا في بحر الغزال، ونهب ممتلكات بعض مواطنيهم، وتعرضهم لأفظع أنواع التعذيب، والقتل الجماعي للمدنيين، كإستراتيجية سياسيَّة تستخدمها الحكومة ضد الحركة الشَّعبيَّة والجيش الشعبى لتحرير السُّودان. وقد امتدت آثار التدمير إلى النُّوبة في جنوب كردفان ومناطق الفونج في جنوب النيل الأزرق وبعض القبائل الأفريقية في دارفور. كما أوردت مجلة تعني بشؤون أفريقيا أن اللواء أبو قرون، القائد العسكري لمنطقة بحرالغزال آنذاك، قد أجبر أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 6-10 أعوام على قتل ذويهم طعناً بالحراب، وجلس ينظر بإعجاب إلى ماهم بأهليهم يفعلون.(31)
    وفى قرينتي في مدينة واو أمر نفس القائد بوضع 62 مواطناً فى مخزن فارغ، وقتلوا بغاز أول أكسيد الكربون من عربة مدرعة بعد توصيلها بأنبوب الى هذه الحجرة.
    فماذا فعلت حكومة السيد الصادق المهدى بهؤلاء الجناة فى حق أولئك الضحايا؟ لم نسمع بتكوين لجنة للتحقيق في هذه التجاوزات اللانسانية كأضعف الايمان، حتى يشعر سكان الريف السُّوداني بأن السلطة فى الخرطوم التى ما فتئت تذكر الناس بأنها "حكومة وحدة وطنية" صادقة في مسعاها. إنَّ هؤلاء الذين لا يميِّزون بين النزعة الإنسانيَّة والوحشة الحيوانيَّة
    (Human reason and animal savagery)
    هم أولئك الذين ينتمون إلى الفئات التي قال عنها الدكتور فرانسيس دينج في محاضرة له بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم إنَّ أكثر القبائل شراسة في حربها ضد الجنوب هي التي تمازجت مع الجنوبيين في مناطق التماس كمحاولة للتبرؤ من الدماء الأفريقيَّة لأنَّهم يعانون عقدة التأريخ والجغرافيا. كان هذا ما شهدناه في "مذبحة الضعين والرق في السُّودان" في آذار (مارس) 1987م،(32) حيث صاحبت عمليات الاسترقاق أحداث الضعيين الأليمة، وكتب عنها الأساتذة الأجلاء عشاري محمود وسليمان بلدو.
    بالطبع والطبيعة، لم يعجب هذا التقرير أهل السلطة في البلاد، فبدلاً من تعقُّب الجناة والقسط فى الميزان، تم اعتقال الدكتور عشاري محمود، والتحقيق معه، لأنَّه – كما صرَّح السيد الصَّادق المهدي لوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئيَّة - أساء إلى الدولة. أيهما أكبر إساءة وساء سبيلاً: استعباد الإنسان لأخيه لأنَّه ليس من بني جلدته، أم الكشف عن هذا الاستعباد والمطالبة بإحقاق الحق وبسط العدل؟ ما لهم كيف يحكمون! ولعل أعظم وصمة عار لحقت بحكومة الصادق المهدي هي صمتها المطبق على ممارسة الاسترقاق فى مناطق الاحتكاك في بحر الغزال. فقد صرح السيد ألدو أجو دينج - وزير النقل والواصلات في حكومة الصادق المهدي يومذاك - أن أطفالاً قد اختفوا، أو اُختطفوا، في منطقة بحر الغزال، مسقط رأس الوزير. بيد أن حديث الوزير لم يُؤخَذ مأخذ الجد.
    ...........
    إضافة إلى تجاوزات حقوق الانسان فى مناطق الحرب، فقد اتصفت الديمقراطية الثالثة بنواقص شتى وفي عدة مناحى، منها الصرف البذخى الذى تم في شكل "تعويضات مالية ضخمة منحها الصَّادق المهدي لأهله (آل المهدي) بلغت في جملتها خمسة وثلاثين مليوناً من الدولارات، في وقت كان أغلب السودانيين يشكون مر الشكوى من ندرة السلع التموينية بل أنَّ تلاميذ المدارس لم يتمكَّنوا من توفير الأدوات المدرسية لبداية العام الدراسي الجديد." ولا نحسب أنَّ النِّظام "المايوي" قد ألحق ضرراً بآل المهدي وحدهم لا شريك لهم، فقد تضرَّر أُناس كثر، ونخص بالذكر هؤلاء الأنصار من غرب السُّودان الذين زالوا (هاجروا) إلى الحبشة ومن ثَمَّ إلى ليبيا ليعودوا مع العميد محمد نور سعد للاستيلاء على السُّلطة في الخرطوم لصالح الجبهة الوطنية - التي كان الصَّادق المهدي لها رئيساً - لبضع أيام في تموز (يوليو) 1976م، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من انتظر وما بدَّلوا تبديلاً. وبعد الانتفاضة "الأبريليَّة"، في العام 1985م، لم يُنظر في أمرهم ولا في سبيل تعويضهم، فكانت والدة العميد الراحل محمد نور سعد تتردَّد على مكاتب القيادة العامة في الخرطوم وهي تسعى سعياً حثيثاً للحصول على معاش إبنها الذي أعدمه نميري مع الذين معه بعد فشل المحاولة العسكريَّة. فما بالهم وبال الآخرين الذي جذَّ نميري رؤوسهم في غير بر! أليس لهم أقارب يستحقون التعويضات؟
    ثم ندلف إلى مناوارت الصَّادق السياسيَّة مع حلفائه السياسيين من الحزب الاتحادي الدِّيمقراطي لنرى ماذا هو بهم فاعل. فليس بخاف على أحد رفض الصَّادق المهدي ترشيح الدكتور أحمد السيد حمد (اتحادي ديمقراطي) لتولي المقعد الخامس في مجلس رأس الدولة" خلفاً للعضو الإتحادي المستقيل، السيد محمد الحسن عبدالله يسن، بحجة أنه قد تعاون مع جعفر نميري. لكن والحق يقال فقد انضم الدكتور حمد إلى (حكومة) جعفر نميري بعد المصالحة الوطنية التي تزعمها الصَّادق المهدى نفسه، بل شارك هو شخصياً في وضع ميثاقها في مدينة بورتسودان في العام 1977م وإن يكن قد خرج منها ولعنها بعد ذلك ".(33)
    ذلكم هو الصَّادق المهدي الذي زعم أنَّه استقال من وظيفته بوزارة الماليَّة – قسم التخطيط – في العام 1958م كموقف سياسي احتجاجاً على انقلاب الفريق إبراهيم عبود، لأنَّه التحق بوزارة الماليَّة ليخدم في حكومة شرعيَّة.(34) فمن أين جاءت حكومة المشير جعفر نميري الإنقلابيَّة بالشرعيَّة حتى يخدم الصَّادق المهدي في أعلى أجهزتها التشريعيَّة (الإتحاد الإشتراكي السُّوداني) لا الخدمة المدنية كموظف صغير
    (Apprentice or novice)
    في وزارة المالية – قسم التخطيط؟ وإذا كان الأمر متعلقاً بسدنة نظام مايو فلماذا جاء الصادق المهدي بصهره الدكتور حسن الترابي إلى الحكومة وأصبح نائباً لرئيس الوزراء، ووزيراً للخارجيَّة، ووزيراً للعدل، مع علم الجميع أنَّ الترابي كان غارقاً فى نظام نميري حتى قبيل الانتفاضة حيث تقلَّد فيه عدة مناصب. ليس هذا فحسب، بل أن الترابي كان قد فشل في الحصول على مقعد نيابي في الدائرة 27 (الصحافة) – منافساً للسيد حسن شبو، ممثل الحزب الإتحادي الدِّيمقراطي - لدخول الجمعية التأسيسية في الانتخابات التي جرت في العام 1986م، مما يعني أنَّه ملفوظ من قبل الشَّعب السُّوداني.
    غير أن اكبر خزلان مُني به الشعب السوداني كان هو الزمن الذي أضاعه السيد رئيس الوزراء، الصادق المهدي، في الكلام والخطب المنبرية حتى تخصَّص نفر من السُّودانيين في احصاء الخطب التي ألقاها السيد الصَّادق المهدي في المناسبات العامة والخاصة. إذ أضحى، من بعد هذا الزمن الضائع، الوعد الحق فجراً كاذباً. ويقودنا هذا إلى وصف الشاعر أبو آمنة حامد الفكر السياسي للصَّادق المهدي "بأنه حذلقات رفيعة المضامين تحتاج إلى تفسير ....(وإنَّه) أكاديميات شكسبيرية منتقاة لزعيم أكاديمى فاخر لا يفتأ عن تذكيرنا دائماً بأنَّه مثقَّف".(35) فمثل الصَّادق المهدي كمثل عالم يريد أن يتفيهق ويظهر كثرة ما وعى من العلم، وفي أولئك الناس يقول الشاعر أبو نواس:
    فقل لمن يدِّعي في العلم فلسفة حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
    ولا نكون قد حدنا عن الصواب إن قلنا إنَّ أكبر فشل لحكومة الصَّادق المهدي تمظهر فى عدم تحقيقه للسلام ووقف نزيف الدم فى الحرب الأهلية. فبدلاً من أن يشرع الصَّادق في اتخاذ خطوات عملية إزاء المبادرة السلمية المطروحة (كوكادام 26 آذار (مارس) 1986م) التى أجمع عليها معظم القوى المحبة للسَّلام بما فيها حزبه، بدأ الصادق فى مناورات جديدة مقترحاً ميثاق السُّودان. فما هو الجديد الذي أتى به ميثاق السُّودان؟ ميثاق السُّودان - حسب تعريف أولى الأمر - عبارة عن ورقة تصور تحاول تحديد الخطوط العامة لحقوق المواطنة وواجباتها وتتضمن تصورات محددة بشأن القضايا التي تثيرها حركة قرنق وبصفة خاصة الدين والسياسة، الهوية والقومية، المشاركة السياسية، واقتسام السلطة. ودعت ورقة الميثاق إلى العودة للعمل بأحكام اتفاقية أديس أبابا للعام 1972م التي تمنح الجنوب حكماً ذاتياً حتى ايجاد صيغة نهائية فى المؤتمر الدستورى، كما حددت الورقة معالجات معينة لقضايا إزالة آثار الحرب، وتأهيل المؤسسات الانتاجية والخدماتية والبنيات الاساسية في الجنوب، واستيعاب العناصر التي زعزعها القتال، وأكد ميثاق السودان على التزام موقعيه بالعمل السلمى كأساس لحل المشكلات القومية، والالتزام بالقرار الدِّيمقراطي وإدانة العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسيَّة.(36)
    بادىء ذى بدء، إنَّ الحديث عن الحكم الذاتي حديث ذو شجون، وتعميماً للفائدة دعنا نلج فى مدخل توضيحي لماهية الحكم الذاتي. كلمة الحكم الذاتي "أتونوميا" (Autonomy) أصلها يوناني، ومعناها حكم سياسي لمجموعة من البشر في مجتمع مدني واحد تسن قوانينه دون أي تدخل من عناصر خارجية. أما تعريف المصطلح اليوم فهو علاقة معينة لجهة سياسية أو اجتماعية أكثر شمولية واتساعاً، على أنَّ المجموعات الدينية والعرقية والمجموعات الثقافية والاقتصادية تحافظ على استقلالية معينة عن السلطة المركزية للحكومة. وهناك فرق بين حكم ذاتي اقليمي يمنح لمجموعة من الناس يعيشون على أرض معينة، وبين حكم ذاتي شخصي يمنح لأصحاب معتقدات معينة غير متركزين في أقليم معين لبلد ما، ولكنهم موزعون على كل مساحة البلد ومختلفون مع باقي السكان.(37) وبناءاً على هذا الفرق الجلي قد نضطر - غير باغين - بالمطالبة بحكم ذاتي شخصي لمجموعات النُّوبة والجنوبيين الذين يعيشون في مناطق منعزلة (فيما يُعرف إساءة بالسكن العشوائي) في العاصمة المثلثة، وذلك لحمايتهم من المخاطر والمجازر التي يتعرَّضون إليها في حياتهم اليوميَّة، كما حدث في بورتسودان (أحداث النُّوبة والبني عامر في شباط (فبراير) 1986م) والضعين (مذبحة الدينكا على أيدى الرزيقات في آذار (مارس) 1987م) وغيرها في المدن المختلفة، إضافة إلى أبشع ضروب الاضطهاد والمطاردة والترحيل القسرى (الكشة)، والسخرية واللمز والهمس والتنابز بالألقاب، "يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب إنَّ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" (الحجرات 49/11)، وكما تقول الفرنجة: "إضافة الإساءة إلى الأذى (To add insult to injury). ومن أكثر الأشياء غرابة أن يدعو الميثاق إلى العودة إلى العمل باتفاقية أديس أبابا للعام 1972م، التي تجاوزها الزمن وفقدت مفعولها بسبب عوامل التعرية والعبث بها وفقدان الثقة في أسلوب الشمال في التعامل مع العهود والمواثيق السُّودانيَّة. بيد أنَّ الذي يزيد الأمر غرابة في دعوة ميثاق السُّودان هو ما خبرناه عن رأي أحزاب الجبهة الوطنية (الأمة والاتحادي الديمقراطي والأخوان المسلمين) عن اتفاق أديس أبابا منذ الوهلة الأولى من توقيعه. كانت لديهم آراء واعتراضات حيال الاتفاقية فى المصالحة الوطنية في العام 1977م بين الرئيس حينذاك جعفر نميري والصادق المهدي الذي تزعم بدوره جوقة المعارضة السياسية والعسكرية. وكانت اعتراضاتهم، كما فصلها عبدالسلام الأمين، تتلخص في الآتي3
    قيام ثلاثة أقاليم بدلاً من إقليم واحد.
    دستور إسلامي بدلاً من دستور علماني.
    الاعتراض على الترتيبات الأمنية التي تمَّ الاتفاق عليها.
    أن يكون تعيين رئيس الإقليم الجنوبي حقاً لرئيس الحكومة المركزيَّة، حيث كانت ترمي الاتفاقيَّة لتقوية مركز الإقليم اقتصادياً.
    بهذه الشروط، التى استهدفت المرتكزات الجوهرية التى بنيت عليها الاتفاقية، استطاعت أحزاب الجبهة الوطنية تحطيم الاتفاقية بيد نميرى لا بيد قرنق. تلك هي حال الاتفاقية التي نحروها قادة الشمال وتنادوا مصبحين بالعودة إليها. ثم نتساءل فى عجب: كيف يستطيع الصادق المهدى - الذي أخفق في إزالة آثار مايو - أن يمحو آثار الحرب من دون العمل على وقفها في المقام الأول؟ لا ريب أن التعمير وإعادة التوطين لا يمكن أن تقوم بهما أية حكومة – كائنة ما كانت – قبل أن تضع الحرب أوزارها، وتُخرَج من الأرض ما فيها من الألغام المدفونة حتى يأمن الناس وتسهل الزراعة وتشييد الطرق والكباري والمدارس والمراكز الصحيَّة. فأي حديث عن التعمير وإعادة التوطين من دون االوصول إلى سلام عادل ودائم خبط عشواء من قبل المتفوهين به.
    ثم نقفز إلى دارفور لنذكِّر الناس بما كان يدورهناك من اقتتال وتخريب الممتلكات دون أدنى اعتبار من السلطة المركزية. كانت دارفور تعيش في حالة حرب مع قبائلها المختلفة، وأخذ الصراع يتخذ اشكالاً متباينة، تارة باسم النهب المسلح، وثانية باسم الحرب بين "العرب والزرقة"، فى اشارة إلى العناصر العربية ضد العناصر ذات الأصول الأفريقية في المنطقة، وثالثة تدخلاً أجنبياً، ورابعة تخلفاً تنمويَّاُ، وخامسة مزيجاً من كل ما ذُكر. واستمرت هذه الحالة منذ منتصف السبعينيات وظلَّت القوى السياسيَّة تتعامل معها بروح التراخي وعدم المبالاة، وتارة أخرى بمنظور المصالح الحزبيَّة الضيِّقة مما دفع المشكل أن يكبر وينمو ورجال الأحزاب في غفلة من أمرهم. على أية حال، عقدت الجمعيَّة التأسيسيَّة جلسة خاصة (رقم 54) في 13 كانون الأول (ديسمبر) 1988م لمناقشة المخاطر الأمنيَّة التي تواجه إقليم دارفور. وفي تلك الجلسة قدَّم السيد الصَّادق المهدي بياناً عن الوضع الأمني في دارفور ملخِّصاً ذلك في الأتي39)
    النهب المسلَّح؛ ويشمل النهب المسلَّح الحدودي، والنهب المسلَّح الداخلي، والنَّهب المسلَّح على الطرق الرئيسيَّة والأسواق، والنهب المسلح التشادي (عصابات وافدة وأخرى محليَّة).
    تفاقم الوضع الاقتصادي في الإقليم من جراء الجفاف والتصحر.
    التدخل الأجنبي.
    النزاعات القبليَّة.
    ولا نظن أنَّ السُّودانيين يومئذٍ كانوا لا يعرفون أسباب وطبيعة النزاع الدموي في دارفور ليأتي الصَّادق ويصنِّف هذه الأسباب على طريقته الكلاسيكيَّّة (His classical style)، بل كل الذي كانوا يودون حدوثه هو إيقاف الحرب، وبسط الأمن، وتصفية الوجود الأجنبي (الليبي-التشادي) في المنطقة، وتوفير الخدمات الأساسيَّة، وتحسين مستوى المعيشة، وإيقاف التدهور المؤسساتي. ومما أزعج حلفاء الصَّادق المهدي في الدول الغربيَّة السماح للمتمرِّدين التشاديين – المدعومين من قبل نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا – لشن هجمات على الحكومة التشاديَّة منطلقين من غرب السُّودان، وبالمقابل يقوم العقيد القذَّافي بمساعدة حكومة الصَّادق المهدي في حربها ضد الحركة الشَّعبيَّة والجيش الشَّعبي لتحرير السُّودان. ومن هنا برز دور البروتوكول اللِّيبي-السُّوداني، الذي كان الرائد يونس – عضو القيادة التأريخيَّة – له مهندساً من الجانب اللِّيبي. أيَّاً كانت الأسباب فإنَّ أولى الحزب اهتماماً بدارفور كان ينبغي أن يكون حزب الأمة – حزب الصَّادق المهدي – لما له من علائق تأريخية تعود إلى قيام الثورة المهديَّة في السُّودان (1881-1898م)، وبداية إحياء المهدية الجديدة (Neo-Mahdism) المتمثلة في حزب الأمة، حيث يعتبر الحزب دارفور منطقة نفوذ سياسي وكادر بشري.(40) ومهما يكن من أمر حزب الأمة ودارفور، فقد اجتمع أعيان القبائل المتناحرة فيما بينهم لإصلاح ذات البين من أجل التعايش السلمي ونبذ العنف. غير أن نتائج هذا الاجتماع أحكمت حلقاتها في عهد حكومة الفريق عمر حسن أحمد البشير، الذي اعتبر هذا العمل باكورة انجازات نظام الانقاذ، وبات يتباهى به. تلك هي الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها آلاف من المواطنين الأبرياء. والأدهي والأمر أن يتناول الصَّادق المهدي هذه الأحداث تناولاً عابراً حينما كان يتحدث عن اختلافه مع "بعض العناصر من أعضاء (الحزب) الاتحادي الديمقراطي التي سبق أن أعفيت من الحكومة". وقد ذهب الصادق باخعاً نفسه عليهم حسرات، حيث قال: "وبلغ الأمر بالتيار المعارض أن نظم مسيرة موكب للاحتجاج على بعض الأوضاع في إقليم دارفور...."(41)
    وفي خلاصة الجدال، نستطيع أن نقول إنَّ الصَّادق المهدي قد كون ثلاث حكومات طيلة الفترة الديمقراطيَّة الثالثة التي امتدت ثلاث سنوات، وهذه الحكومات هي: حكومة الوحدة الوطنيَّة (1986-1987م)، وكان قوامها حزب الأمة والاتحادي الدِّيمقراطي وبعض أحزاب الجنوب، بينما بقي الحزب الشُّيوعي السُّوداني والجبهة القوميَّة الإسلاميَّة والحزب القومي السُّوداني في المعارضة. وقد تميِّزت هذه الحكومة بالتوتر الذي أثاره رفض الصَّادق المهدي ترشيح الدكتور أحمد السيد حمد خلفاً لعضو مجلس السيادة المستقيل، السيد محمد الحسن عبدالله يسن، وقضايا الفساد التي أشار إليها - واُثارها – الوزير الإتحادي المستقيل، محمد يوسف أبوحريرة. أما الحكومة الثانية فقد جاءت تحت مسمى حكومة الوفاق الوطني (1987-198، وشاركت فيها كل الأحزاب السياسيَّة عدا الحزب الشُّيوعي السُّوداني الذي جلس في المعارضة، وكان أبرز معالم هذه الحكومة رفض اتفاقية السلام السُّودانية (قرنق-ميرغني) الموقَّعة في أديس أبابا في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988م، فكان من الطبعى أن تنهار هذه الحكومة لتخلفها حكومة الجبهة الوطنيَّة المتحدة (آذار (مارس) 1989 – حزيران (يونيو) 1989م)، التي جاءت بموجب الميثاق الذي جاء نتيجة مذكرة الجَّيش للحكومة في 20 شباط (فبراير) 1989م. وهكذا نجد أن هذه الحكومة ضمَّت كل القوى السياسيَّة بأجنحتها المختلفة والاتحادات النقابيّةَ الست. ففي كل هذ الحكومات - مهما تبدِّلت المسميات - كان العامل المشترك هو السيد الصَّادق المهدي، والفشل الذي صحاحب الأداء التَّنفيذي والتشريعي والقضائي. فأين تركَّز الفشل الأدائي في الحكومة التي كان الصَّادق المهدي رئيساً لوزرائها؟
    فشلت حكومة الصَّادق المهدي في إخراج البلاد من عنق الزجاجة سياسيَّاً واقتصاديَّاً، وأخفق الصادق شخصيَّاً في حل الخلافات بين حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي حول وضع مجلس رأس الدولة، وجهاز الأمن القومي الجديد، ومستقبل الحكومة، وحول بعض توجهات السياسة الخارجيَّة ولا سيَّما العلاقات السُّودانيَّة-المصريَّة. فبينما كان يرى المصريون ضرورة العمل باتفاقية الدفاع المشترك، كان يرى الصَّادق المهدي على أن تقوم العلاقات السُّودانيَّة-المصريَّة على أسس جديدة حدَّدها "ميثاق الإخاء" ليكون بديلاً "لاتفاقات التكامل"، لكن ميثاق الإخاء هذا لم يحرز شيئاً مذكوراً. كذلك شهد البلاد تأزُّم القضية الاقتصاديَّة وارتفاع تكاليف المعيشة على كاهل المواطن السُّوداني العادي، وتردِّي الوضع الأمني حتى في العاصمة القوميَّة.(42) إزاء هذا الإخفاق السياسي، علَّقت صحيفة بريطانية عشية انقلاب العميد عمر حسن أحمد البشير "أنَّه ليس هناك أحد آسف أن يرى السيد الصَّادق المهدي مطروداً من السُّلطة. فكما تمتَّع الصَّادق بالسُّلطة كثيراً، إلاَّ أنَّه لم يستطع استخدامها في شطب قوانين الشريعة. فقد عجز الصَّادق في اتخاذ القرار سواء فيما يختص بالاستثمار الاقتصادي، أو التعامل مع الحرب الأهلية في السُّودان أو نظافة شوارع الخرطوم. لم يفلح الصَّادق في انجاز شئ."(43) فلا نظن أنَّ قائداً يمتلك هذا الوهن السياسي ينبغي أن يحكم السُّودان. وحين ترك الصَّادق السُّلطة - أو أُجبِر على تركها – بلغت ديون السُّودان الخارجيَّة 12 بليون دولار، فكان السُّودان تقريباً أكبر دولة في العالم مثقلة بالديون.(44) وكما شمتت صحف بريطانيا العظمى على حكومة الصَّادق المترهلة المخلوعة، لم ترفق بها صحف الولايات المتحدة الأمريكيَّة. فقد علَّقت صحيفة النيويورك تايمز (New York Times): "أنَّ السُّودان قطر واسع جداً، فربما احتاج إلى تقليمه إلى حجم صغير". ومضت الصحيفة في وصف حكومة الصَّادق المهدي "بأنَّها حكومة ضعيفة تعاني من الفوضى وتدَّعي أنَّها تمسك بزمام الأمور في منطقة مساحتها تساوي ضعف مساحة ألسكا، ويقطنها 25 مليون شخص، ويتحدَّثون 115 لغة، وبها 42 حزب سياسي." ومن غير الخوض والولوج فى تفاصيل أخرى، هذه هي لمحات من عيوب الممارسة الديمقراطية فى عهدها الثالث. ومن المهم بمكان أن نشير هنا إلى خلاصة الكاتب السعودى محمد صلاح الدين، حيث أفصح قائلا: "فللصادق المهدي كزعيم سياسي ورئيس وزراء سجل سياسي عمره أكثر من ثلاثين عاماً لخصته هيئة الإذاعة البريطانية فى كلمتين: الفشل والفساد."(45)
    فالصادق المهدي قد لا يكون من الذين يحبون المال حباً جماً، لذلك أراد الصَّادق أن يعمل رئيساً للوزراء دون أجر، مما أثار ثائرة منتقديه الذين قالوا يومئذٍ نريد رئيس وزراء له راتب حتَّى نتمكن من محاسبته إذ هو أخطأ، ولا نبتغي حاكم متطوِّع. بيد أنَّ الصَّادق المهدي يعشق الجاه والسلطان ويسعى إليهما سعياً حثيثاً منذ وقت باكر ووقتما يفتقدهما، وهذا وجه آخر من أوجه الصَّادق المتعدِّدة. فقد ظفر الصَّادق بهاتين الحسنيين مرتين، لكن معترك الحياة السياسيَّة في السُّودان وتناقضات الصَّادق نفسه حالتا دون الاحتفاظ بسرابيلهما، فضعف الطالب والمطلوب. غير أنَّ اجتماع خصلتي الإعراض عن المال وطلب السلطان – وهما نقيضان متنافران- في شخصية الصَّادق قد جعله يغض البصر عن الفساد الذي تصايح به وزيره المستقيل – القاضي محمد يوسف أبو حريرة. فقد سكت الصَّادق عن تهم غليظة في الفساد الحكومي ضد أحد حُوارييه (بضم الحاء).(46) فالتستُّر على الخطيئة كمرتكبها، وقديماً قالوا الساكت عن الحق شيطان أخرس.
    ----------------------
    المصدر : سودان نايل .
                  

11-06-2003, 00:25 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    وهذا كا كتبه الاستاذ صديق محيسي عن تناقضات الصادق المهدي قي مقال بعنوان :
    ما سكت عنه الصادق المهدي

    ---------------
    ما سكت عنه الصادق المهدي
    *صديق محيسي
    في ما يقارب الصفحة «الحياة العدد 2003-10-22-14821» استعرض الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الاسبق الدور الامريكي في السودان من خلال تجربته الشخصية كمسؤول رفيع مع مسؤولين كبار في الولايات المتحدة، وقسم هذه التجربة الى مرحلتين من ديسمبر 1985 فترة الحكم الانتقالي الذي اعقب سقوط نظام الديكتاتور نميري، ثم مايو 1986 عندما اختير رئيسا شرعيا للوزراء ومن واقع الفرص المتاحة له كصانع للسياسة الخارجية كشف المهدي خفايا اتصالات تمت بنيه وبين الامريكيين، منها ما هو متعلق بقضايا سيادية كتدخل الامريكيين في الوجود الليبي الدبلوماسي بالخرطوم ومطالبتهم بتقليصه ومنها ما هو متعلق بوجهة نظرهم في التجربة الديمقراطية نفسها وفي أداء الاحزاب السياسية السودانية التي كان في مقدمتها حزب الامة الذي يقوده المهدي.

    وفي اسلوب سلس وذاكرة بصرية اعطى المهدي صورة مفصلة لعلاقته كحاكم سابق للسودان بصناع القرار الامريكي على عهد ولاية بيل كلينتون واظهر جانبا من المواقف الامريكية المناقضة للفهم الديمقراطي عندما يكون الموضوع المطروح هو الديمقراطية الليبرالية وكيفية التعامل معها غير ان الصادق المهدي ركز على المواقف الامريكية التي فسرها بالعدائية في قضايا محددة مثل مطالبة واشنطن حكومته بتسديد ديون نظام نميري بفوائدها كشرط لتلقي معونات امريكية اضافية وكان مطلوبا ان يسدد السودان 44 مليون دولار لتلقى 25 مليون دولار نظير ذلك الامر الذي هبط الى خمسة ملايين دولار عند وقوع انقلاب الجبهة القومية الاسلامية وهو ما يفسره المهدي ضمنا بان الولايات المتحدة لا تهتم كثيرا بشعار الديمقراطية عندما يكون شعار مصالحها هو احد اهم بنود الاجندة السرية في معاركها في العالم
    واظهر المهدي ايضا كيف رحبت الولايات المتحدة في ظل حكم الديمقراطيين بانقلاب الاسلاميين في السودان ويقول واشنطن رحبت بانقلاب الانقاذ جهلا بهويته الايديولوجية وظنته نظاما عسكريا عاديا يمكن ان يصبح نسخة من نظام جعفر نميري يسهل ترويضه ما دامت نوافذ الحريات مغلقة والصفقات تدار وراء الكواليس.. الولايات المتحدة في عالم الجنوب تجد التعامل مع النظم الديكتاتورية افضل من الديمقراطية للاسباب التالية: الحكومات المنتخبة تراعي مواقف ناخبيها وبالتالي فهي ليست مطيعة كما ان الحكومات المنتخبة تحرص على ان تقوم العلاقات على مصالح متبادلة والديكتاتورية يمكن ان تضحي بمصالح وطنية في مقابل الاستمرار في الحكم على هذا النحو قدم المهدي بإسهاب تجربته مع الامريكيين خلال فترة الديمقراطية الثالثة

    ويأخذ حديثه اهمية قصوى لكونه كان رئيسا للوزراء مطلعا على خفايا اسرار الدولة وكونه الآن «شاهد عصر» على ما آلت اليه الامور في السودان، واللافت في المعلومات التي اطلقها المهدي انها ظلت حبيسة صدره طوال اربعة عشر عاما هي حكم الانقاذ للسودان ولم تكن لتظهر الآن لولا استشعاره السياسي الحاد بان الولايات المتحدة تعالج الشأن السوداني ككفيل اوحد لا يشاركها في ذلك احد وانها تركت وراء ظهرها اهم حزبين كبيرين هما حزبه والاتحادي الديمقراطي وان الامريكيين يبحثون الآن عن احزاب جديدة غير تلك التي كانت تحكم السودان ما قبل وما بعد ثلاثة انظمة عسكرية، وهذا ما يفسر كيف ان واشنطن قد قصدت حل ازمة السودان على حزبين وحيدين احدهما كان عدوا لها وانتهى الآن صديقا بالترويض القاسي والثاني يمثل قوى سودانية افريقية قاتلت الشمال اكثر من اربعة عقود لإثبات هويتها وحقها في الحكم

    ونحسب ان اي قارىء لما يجري في السودان حاليا يتعين عليه ان ينظر الى اللوحة السياسية من كل زواياها وعلى نحو متكامل، والصادق المهدي وهو قارىء جيد للاحداث ولكن بعد فوات الاوان يكشف اليوم لنا اسرارا لم يكن يشاء يكشفها لولا تسارع هذه الاحداث التي لم يشارك فيها كما كان يفعل من قبل ثم لولا علمه بان الخريطة السياسية تتغير كلها بدءا من بوابة العرب الشرقية كما كان يسميها صدام حسين وانتهاء بـ «الجسر العربي لافريقيا» السودان الذي يعوم في بحار من النفط كما اكدت ذلك اكتشافات الاقمار الاصطناعية الامريكية ومع اتفاقنا مع المهدي على الدور الامريكي في السودان في عهد اخر ديمقراطية وموقف الديمقراطيين في واشنطن من حكومة الانقلاب العسكري الا اننا نأخذ عليه انه قدم جانبا من الصورة واخفى جانبا آخر مهما منها والجانب المخفي او المسكوت عنه هو انه لم يظهر لنا القصور الكبير الذي رافق تجربته في الحكم في المرحلتين الانتقالية والدستورية ولم يشأ ان يحدثنا عن الفوضى السياسية التي بدأ بها العهد الديمقراطي ولا عن مماطلته هو شخصيا في تغيير قوانين سبتمبر سيئة الصيت لأن تلك القوانين التي اطلق عليها قوانين الشريعة كانت ركنا من اركان خطابه السياسي

    وهو يعلم جيدا ان الحديث عن قوانين علمانية في ذلك الوقت يعد تنكرا صريحا لقاعدته الدينية التي طالما وعدها بإقامة حكم اسلامي مستدعيا في ذلك تجربة الثورة المهدية في القرن التاسع عشر ولا يزال خطاب المهدي ينزع الى المشاعر الدينية باتجاه انصاره وهو ما حدا به الى ان ينصب نفسه اماما وزعيما لحزب ليبرالي في وقت واحد، ومعروف ان مفهوم الامامة يتناقض مع مفهوم الديمقراطية الليبرالية، وتقارب نظرية الامامة المهدوية الامامة الشيعية في ايران وجنوب لبنان بل ان فكرة الامامة نفسها ليست فكرة سنية بقدر ما هي ايديولوجية شيعية وهذا موضوع آخر تماما

    اما اذا واصلنا نقدنا لمقالة الصادق المهدي من جانب انها سكتت عن اشياء وذكرت اشياء فاننا نشير الى انه تجاوز وجها قبيحا للديمقراطية الثالثة عندما سعى هو وافراد اسرته وسياسيون من حزب واحزاب اخرى لنيل تعويضات قدرت بالملايين في وقت خرج فيه الشعب السوداني من مجاعة تحدث عنها العالم كله وفي وقت لم ينس فيه الناس ما بدده نظام نميري من ملايين الدولارات في اكبر عملية فساد يشهدها السودان كما ان المهدي في سرده للدور الامريكي في السودان تعمد اهمال اهم حادثة وقعت له مع ادارة كلينتون ولو كان ذكرها لوفر على نفسه وعلى الآخرين مشقة تفسير الموقف الامريكي الآن في ظل ادارة الجمهوريين.

    ففي عام 1997 دعي الصادق المهدي لزيارة واشنطن بوصفه معارضا معروفا لحكومة الجبهة القومية الاسلامية وبوصفه ايضا رئيسا سابقا لحكومة شرعية اطاح بها انقلاب عسكري وجاءت دعوة المهدي ضمن دعوات أخرى شملت عبدالعزيز خالد قائد قوات التحالف السودانية وجون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحاد الديمقراطي. وكانت ادارة الديمقراطيين تريد يومذاك سماع وجهات نظر هؤلاء حول سودان جديد اذا ما قررت واشنطن اسقاط نظام «الاسلاميين» وقبل ثمان واربعين ساعة من توجه المهدي الى واشنطن من لندن نشرت صحيفة الحياة اللندنية خبراً على ثلاثة اعمدة نسب الى مصدر امريكي رفيع رفض الكشف عن اسمه يهاجم الصادق المهدي ويصفه بانه جزء كبير من مشكلة الحكم في السودان ولولا ممارساته السياسية لما استطاع الاسلاميون ان يصلوا الى السلطة في هذا البلد وقد اصيب المهدي يومذاك بإحباط كبير عند قراءته لذلك الخبر وعلى الفور رد على المصدر الامريكي الغامض بان ما ذهب اليه كان غير صحيح

    ولكن المهدي بذكائه السياسي عرف ان الخبر كان رسالة له قبل ان يركب الطائرة ويتوجه الى العاصمة الامريكية، وعرف ايضا انه جزء من حرب نفسية تهيئه لإعداد نفسه منذ الآن لما تريده ادارة كلينتون، كما عرف ان المقصود من نشر الخبر هو خلق اضطراب نفسي يجعله في حالة تفكير دائم قبل ان يواجه بالاسئلة الامريكية وبالفعل فان المسؤولين في وزارة الخارجية الامريكية، الذين استقبلوا المهدي كان اول سؤال وجهوه له هو ما تصوركم لطبيعة الحكم القادم في السودان اذا ما قررت ادارة كلينتون اسقاط نظام الجبهة الاسلامية في الخرطوم؟ وهل ستقيمون دولة اسلامية ام دولة علمانية؟

    وكان السائلون يريدون اجابات محددة للسؤالين وبدلا من ان يجاب المهدي على السؤالين بما يرضي رغبة الامريكيين راح يحدثهم عن ان ما يجري في السودان حاليا لا علاقة له بالاسلام، وانه يملك مشروعا سياسيا يزاوج بين الحداثة الاسلامية والديمقراطية الليبرالية وطفق يشرح برنامجه «للصحوة الاسلامية» التي لا تتعارض مع افكار العولمة الغربية الا ان السائلين لم يكن لديهم وقت لسماع محاضرة في الفكر الاسلامي، واعتبروا المقابلة قد انتهت، لانها كانت محكومة بمدة زمنية محددة وغادر المهدي واشنطن دون ان يحصل على اية وعود بدعمه شخصيا كما كان يحدث سابقا، واعطى كلاما غامضا فحواه ان ادارة واشنطن مهتمة جدا بملف السودان وانها تدرس مساعدة المعارضة ولكن بعد سماع وجهة نظر اطرافها

    وبعد زيارة الصادق المهدي وجهت الدعوة الى كل من عبدالعزيز خالد زعيم قوات التحالف السودانية وهو اول تنظيم شمالي مسلح وجون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان، والاستماع الى خالد كان توجها امريكياً جديداً لمعرفة افكار سياسية مغايرة لافكار المهدي فقد كانت واشنطن تبحث عن وجوه جديدة لحكم السودان غير تلك الوجوه التي يمثلها المهدي والميرغني وهي وجوه تقليدية تحمل كما ترى واشنطن نفس الاجندة الاسلامية التي يحملها نظام الحزب الحاكم في الخرطوم والى ذلك فان الذين سألوا المهدي ولم يحصلوا على اجابات مباشرة منه حصلوا عليها من قرنق وخالد عندما ذكر الاثنان انهما ضد الدولة الدينية وانهما يؤيدان قيام سودان جديد يؤمن بتعددية السياسة والثقافة وحقوق الانسان، وهذا ما يفسر بعد سبعة اعوام من زيارة المهدي لواشنطن لماذا تقصر واشنطن مفاوضات «نيفاشا» على الحركة ا لشعبية وحكومة «الانقاذ» التي تخلت نهائيا عن اجندتها الاسلامية؟ ولماذا قرر تنظيم التحالف السوداني الاندماج في الحركة الشعبية لتحرير السودان؟

    ثم لماذا اختارت واشنطن نظام «الانقاذ» حليفا جديدا للمرحلة المقبلة بعد ان كان عدوا لدودا في المرحلة السابقة. ولو كان المهدي قد قدم لنا صورة متكاملة للدور الامريكي في السودان ولم يخف الجانب السلبي من دوره هو كعامل رئيسي في قدوم نظام «الإنقاذ» ثم لم يسكت كل هذه السنوات، ليطالعنا بأسرار ليست ذات جدوى الان.. لو كان فعل ذلك لما احتاج الى كتابة صفحة كاملة يتحدث فيها عن تجربته مع الامريكيين، ولكن بعد انسكاب الحليب!
    * صديق محيسي – جريدة الشرق القطرية – القسم الدولي

    ------------
    المصدر: سودان نايل
                  

11-06-2003, 00:33 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    وهذا ما كتبه الاستاذ فيصل مصطفي لسنوات خلت عن اتفاق الصادق - البشير؛ والذي قتح الباب لكل هذه المناورات والمداورات ومسيرة الخداع وتسويق النظام الذي اصبح الصادق المهدي مدير مكتب علاقاته العامة

    ------------
    نداء الوطن .. وعقدة الزمن
    فيصل مصطفى ـ كندا
    30 نوفمبر 1999م
    مقدمة:
    "في يوم 25 نوفمبر 1999 .. بالعاصمة الجيبوتية ..الخ" أعاد السيد الصادق الصديق المهدي، رئيس الوزراء السابق والأسبق، رئيس حزب الأمة وراعي طائفة الأنصار، صفحة من التاريخ كان الظن أنه قد أحرقها وذرى رمادها لرياح الزمن بعد أن تجرع مرارة درسها العلقم يوم أن ساقه اليأس، وأحد لصوص السودان، للقاء الرئيس الأسبق جعفر نميري.
    كان ذلك على ظهر باخرة لم نعرف حتى الآن أي علمٍ خفق بساريتها، لكنها على أي حال ألقت مراسيها قبالة بورتسودان ليس بعيداً عن مقر الرئيس عمر اسماعيل الذي استضافه الآن. فبعد أكثر من عشرين عاماً على نداء المصالحة الوطنية لعام 1977، أطلق الصادق مجدداً "نداء الوطن" وهو هذا البيان المشترك الذي بين أيدينا والذي وقعه كل من السيد مبارك الفاضل أمين العلاقات الخارجية بحزب الأمة، والدكتور مصطفى عثمان، وزير خارجية السودان، وشهد مراسمه الصادق والبشير في جو شابته النشوة الخالصة ـ بل سمتها اللذة إن شئت ـ حيث تلحظ فيما بثته الفضائيات العربية من صور الحدث، اتحاد الكف بالكف في إلفةٍ طاغية بين مصطفى عثمان ومبارك الفاضل، وقد استبدت بالصادق البهجة فتلألأ وجهه وابتسم حتى بانت نواجذه! هذا فإن كنا نقدّر للصادق ارتباكه تحت تأثير الهزيمة لفيلق الجبهة الوطنية في يوليو 76، وإن تقاضينا عن سقطة الفكر وغيبوبة الضمير ح!!ين سعى لمصافحة يد لم تك قد جفت بعد من دماء محمد نور سعد والمئات من مجندي الأحزاب الثلاثة، فكيف لنا أن نكيِّف انصراف ذهنه عن تلك التجربة القاسية بما آل إليه حاله جرائها من ضعةٍ ومن هوان. فالصادق قطعاً لم ينس بؤس ما حاق به وهو يلاعب الرئيس البولو في مضمار نادي الفروسية مساءاً، ويلعب به الرجل في أروقة الاتحاد الاشتراكي وقصر الرئاسة نهاراً جهاراً حتى أهلكته الفاقة وفر هارباً من الذل والمسكنة.
    إن كنا نقدر ذلك بحسبان فقدانه الرهان على نجاح حملة واحة الكٌفرة، والخسارة الفادحة في الأرواح والعتاد التي نجمت عن ذلك، فهل ثمة من تقدير يستسيغه العقل لهذه الهمة في الهرولة العجول بين بون وجنيف وجيبوتي والتجمع ما زال يستجمع قواه، يستنهض قواعده، ويستنفر موارده البشرية والمادية لنزال سياسي وعسكري سجال! لم يمض وقت طويل منذ أن خرج الصادق معلناً الجهاد. أن غبار القافلة الميكانيكية التي نهبت به الأرض برفقة نجله، أمير أمراء جيش الأمة، إلى أرتريا نهاية عام 96 لم يهدأ بعد عن سماء البطانة ووادي سيتيت، فما باله لا يهدأ أو يستقر له فؤاد؟ بل ما باله وقد عجز عن كبح جماح نفسه المتهافتة على السلطة منذ حداثة الصبا، يعجز حتى عن إنتاج وسيلة تبرير أرقى من هذه الوثيقة التي تنضح فجاجة وإسفافاً في النص والروح معاً.
    أليس من حق شعب عاثر الحظ عرفه كنائب برلماني دائم عن دائرة الشوال، كفتىً مدلل يعدَّل من أجله الدستور ليستوي على سدة الحكم دون سن الحلم السياسي، كرئيس للوزراء خلال مرحلتين من مراحل الديمقراطية الليبرالية الثلاث، وكسياسي محترف لأربعة عقود من الزمان، أليس من حق هذا الشعب عليه وقد أحاطه تكريماً عند كل دورة انتخاب، وأضفى عليه من نبله الأصيل تسامحاً عند كل زلة قدم، أن يخاطب الصادق عقله ووجدانه بأرفع مما ورد في متن إعلان جيبوتيّ ؟ وهل هذا النص من الهذيان المطلق هو فعلاً رحيق العصارة النظرية لمدرسة سياسية وفكرية حكم باسمها الصادق هذا الشعب دهوراً وما زال يطمع في مزيد؟ نكتفي بهذا القدر من الاستهلال الضروري ونعود إلى الوثيقة:
    أولاً: اتفاقية السلام
    في هذا البند، وتأسيساً على منطوق الفقرات من (أ) إلى (ح)، وخاتمة البند بالفقرتين المتلازمتين (ط) و (ى) ونصهما على التوالي كما يلي:
    (إكمال تلك الإجراءات في فترة انتقالية قدرها أربعة أعوام.. في نهايتها يستفتى جنوب السودان ..الخ) و (معالجة قضيتي جبال النوبة والأنقسنا… في إطار السودان الموحد) فإن البند بأكمله، وهو يتعاطى مع قضية السلام، إنما يعبر في الواقع عن اختزال (أطراف النزاع) إلى طرفين اثنين فقط هما الجنوب (الحركة الشعبية) والشمال (سلطة حزب المؤتمر الوطني). وحزب الأمة بتبنيه لهذا إنما يحشر أقدامه حشراً في حذاء النظام ليعلن دون حياء عن تعامله مع (مبادئ الحل السياسي) من منصة الحزب الحاكم، مستخدماً لغته ومفرداته إزاء كل (الأطراف) الأخرى، الرئيسية والهامشية!
    عليه فبغير داع للالتفات لأي من الفقرات من (أ) إلى (ح) التي لا تستحق ـ في نظرنا ـ التعليق، نتوقف عند الفقرتين (ط) و (ى) سيما وأن النص يقر بأن كل ما سبقهما هو محض (إجراءات) يتطلب "إكمالها فترة انتقالية قدرها أربعة أعوام.. في نهايتها يستفتى جنوب السودان بحدوده لعام 56 .. الخ"، ومن ثم تتم "معالجة قضيتي جبال النوبة والأنقسنا بما يحقق مطالبهم في القسمة العادلة للسلطة والثروة في إطار السودان الموحد". إن أكثر ما يشد الانتباه هنا هو إنكفاء حزب الأمة، وعلى غير ما يدّعي في معرض انتقاده الدائم للإيقاد، على نهج السلطة في اعتبار قضية الحرب والسلام قضية شمال وجنوب فقط. وليت هذا كل ما في الأمر، بل الأخطر هو إقحام الحزب بنفسه في شأنٍ كان من الأجدر به الدفع بأنه لا يعنيه في المقام الأول، لكنه على العكس من ذلك تحمس حماساً منقطع النظير لإظهار تطابق وجهة نظره مع وجهة نظر النظام في مس!!ألة ظلت، وما زالت، محل اختلاف جوهري بين الحكومة المعارضة قاطبة طيلة السنوات العشر الماضية.
    أما الإلغاء لأهل الحق في الجنوب وجبال النوبة والأنقسنا في هذا المقام، فما هو إلا حلقة واحدة من سلسلة النفي للاعتراف بأهلية أي من قوى المعارضة الأخرى. وهذا بدوره يعزز سلامة استنتاجنا بأن حزب الأمة وقد أقر بهذا الاتفاق على المبادئ، قد أطلق لروحه العنان بالفعل لتغادر مركب التجمع وإن بقي جسده جثة سامة تنفث ضرراً يهدد بالوباء. وما موقف حزب الأمة في هذا السياق المؤسف، إلا ازدراء مركب لإعلان مبادئ الإيقاد لسنة 94، وإعلان أسمرا لسنة 95، وكل ما تعاهدت عليه أطراف التجمع من مواثيق بعد جهد شاق استغرق عدة سنوات. وهو ازدراء وعبث في آن، إذ يستحيل المزج بين حق الجنوب في الاختيار بين "وحدة طوعية" أو "الانفصال" في حين تتم "معالجة قضيتي النوبة الأنقسنا في إطار السودان الموحد". فهب أن الج!!نوب قد اختار الانفصال، ونعتقد أن جيبوتي قد أضاءت شارة المرور في هذا الاتجاه، فأي سودانٍ موحد ذلك الذي تعالج في إطاره قضيتي جبال النوبة والأنقسنا؟ أم لعل القصد، في إطار "الشمال الموحد" بعد الانقسام؟
    نظام الحكم:
    نوجز ملاحظتنا في نقاط ثلاث، أولاها أن أهم ما في هذا البند هو التأمين على اصطفاء الحزبين للنظام الفيدرالي الرئاسي باعتباره النظام الملائم للسودان. وهذا حلم قديم يراود الصادق منذ منتصف الستينات ولم يظفر بتحقيقه. وليت الصادق يعرف أن يمني النفس بغير هذا، فالأحلام كلها ليست ذات بال. بعضها أضغاث كما نعلم .. والبعض الآخر مما لا قبل للصادق به: أحلامُ "مستدامة"!
    والملاحظة الأخرى هي بصدد التعددية. فالوثيقة استعرضت وعلى وجه الحصر التعددية الدينية والثقافية والإثنية بإسقاط متعمد للتعددية السياسية. وحين نقول المتعمد هاهنا، فلدينا سند قوي من تكرار ذلك الإسقاط في ثلاث مواضع بما ينفي شبهة السهو، ولمن شاء التثبت أن يعود إلى الفقرات (ب) و (د) من البند الأول في الإعلان. وبطبيعة الحال أن هذا الإسقاط من الجسامة بما لا يفوت على فطنة حزب قديم العهد بالسياسة، بل هو في الواقع صاحب الأغلبية السياسية لآخر يوم من عمر الديمقراطية الثالثة. لكنه الغرض ... والغرض ـ على قول أهلنا ـ مرض! أما الملاحظة الثالثة فتتجه إلى ما جاء في الفقرة (هـ) لنتأمل عبارة " النظر في كافة المظالم وإنصاف المظلومين". وهنا حري بنا بدءاً الاحتفاء باعتراف حزب الأمة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم بوجود مظالم ووجود مظلومين. لكن لنا أن نتساءل من هو الظالم؟ ما هي آلية النظر؟ وكيف تقاس معايير الإنصا!!ف؟ أم علينا يا ترى ألا نتجاهل أن "نظام الحكم" يفسح في هيكل مؤسساته مكاناً مميزاً لديوان حسبة المظالم؟!
    العلاقات الإقليمية والدولية وآليات الحل السياسي:
    لا بأس بالفقرات (أ) و (ت) من عموميات الأبجديات أما الفقرة (ج) فنعف عن التطفل على المعنيين بها من دول الجوار، ونفضل أن ندع لهم خيار التقاط موجاتها القصار على أجهزة استقبالهم المرهفة، ولهم ـ إن أرادوا ـ الإعراب عن امتنانهم لطرفي الاتفاق لحصافتهما في الاكتفاء بالتلميح دون الإفصاح. لكن يدهشنا أن تلك الحصافة لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما انجلى البند (رابعاً) عن إسرافٍ لا مبرر له في التصريح بالانحياز لصالح المبادرة الليبية المصرية المشتركة على حساب الإيقاد.
    أما هذه الآليات للحل السياسي التي يقترحها المشروع فهي باختصار آلية واحدة لا غير، وتعريفها بمقتطفات حرفية من نص البد الرابع ذاته هو أنها:
    ((المبادرة الوطنية التي تشكل محور السوداني ـ السوداني .. وتعمل على دفع جهود السلام عبر المبادرتين المصرية والليبية المشتركة.. عبر اتفاق المبادئ أعلاه)). والسؤال هو كيف بحق السماء يستقيم منطقاً أن تكون آلية الحل هي هذه "المبادرة الوطنية" المرتكزة إلى "إعلان مبادئ" جيبوتي 99، في حين تعمل هذه الآلية ذاتها عبر مبادرتين أجنبيتين ليس من السهل التوفيق بينهما على انفراد دع عنك أن يكونا معاً وعاءاً لاستيعاب إعلان جيبوتي، الناسخ في الأصل، لأهم "اتفاق وطني" في التاريخ السياسي للسودان المعاصر، أي مقررات مؤتمر القضايا المصيرية لعام 95.
    خلاصة القول إنما ورد في البند (رابعاً) من (أ) إلى (د) ليس يؤهله لأن يحمل العنوان الفرعي: آليات الحل السياسي. تلك ليست آليات ولا يحزنون. بل هي أكروبات سياسية لا يحذق فنونها سوى حزب الأمة وحزب المؤتمر الوطني. لكنها أكروبات خشنة .. منفرة .. فظة الأداء ومصير لاعبيها السقوط من علٍ ودق الأعناق.
    خاتمة:
    لا شك أن السمة الطاغية على إعلان جيبوتي والتي تميزه عما سبقه من انتكاسات في مسيرة التجمع الوطني الديمقراطي، هي مجيء حزب الأمة بصفتهالمؤسسية Institutional للاجتماع بمؤسسة رئاسة الدولة السودانية بكامل ثقلها الدستوري، خلافاً لصفات التمثيل التي شابت اجتماعات التمهيد في بون "الصادق ـ وصال" وفي جنيف "الصادق ـ الترابي". وهذه العثرة القاتلة من قبل حزب الأمة الآن قد حفزت النظام للانتقال على الفور خطوة أخرى خاطفة في خندق إحدى كبريات "القوى الرئيسية" لحظة انهيارها وإملاء ما يليق بهذا الانكسار من بنود الاتفاق، بل بترتيب أسبقياته وأسلوب الصياغة.
    فديماغوغية الطرح، والتاكتيك البراقماتي الصرف هما من صميم نهج وفلسفة عرَّاب النظام د. ترابي لحظة الإجهاز على الخصم السياسي. والترابي فوق هذا وذاك، يعرف على وجه اليقين أين تكمن مواضع الجزع في الكيان النفسي لفريسته الثمينة: الصادق! فصهره الذي شب وبيمينه صولجان الحكم الموروث، يرتاع لمجرد التفكير في أن ذلك المجد إلى زوال. وبين سندان "السودان الجديد" حيث لا أمل في الحفاظ على تواتر السلطة من جيل إلى جيل داخل أسرة المهدي، ومطرقة النظام الذي سيحيله وحزبه العتيد إلى حيث أحالت التجربة المصرية الباشا فؤاد سراج الدين وحزب الوفد المهيب: مومياء ساكنة .. وطابية هدَّها الزمن. بين هذا السندان وتلك المطرقة فقد الصادق القدرة على أي اتزان سيما وقد دلف يخطو في عقد عمره السابع. فكيداً به، كثيراً ما يستعذب الترابي الماكر، وبيده النحيلة كل مفاتيح الحكم، بث إشارات تقطر سادية من نوع: أدركتنا الشيخوخة وليس لنا أن نعكر صفوها بالحكم. هو يقصد الصادق. كان دائماً يقصد الصادق ويعرف على أي الأوتار يعزف لحناً يثير في نفسه الشجن. نقرة على وتر السلطة وأخرى على وتر الزمن. عليه، فإن رأت عيناك يوماً الصادق!! قد وقف في جيبوتي وأدار ظهره للمستقبل، فلأنه يخشى الزمن .. ولا يثق في الزمن. لا تغتم. دعه وشأنه. عليه اللعنة يوم ولد .. يوم آلت إليه مقاليد الحكم .. يوم سقط .. ويوم يموت حياً.
                  

11-06-2003, 01:42 AM

Amin Elsayed
<aAmin Elsayed
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 1252

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Abdel Aati)

    الاستاذ محمود محمد طه قال الصادق مابطأ قوز اخضر؟ المصيبة انو الصادق واقف بين الشعب السوداني والقوز لا داير يمشي ولا قادر يطأ القوز الاخضر؟
                  

11-06-2003, 11:38 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الامام في متاهته .. او الصادق المهدي بين القداسة والسياسة (Re: Amin Elsayed)

    العزيز امين السيد

    صدقت وصدق الاستاذ محمود

    عادل
                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de