يسألونك عن المهدية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 07:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة إسماعيل فتح الرحمن وراق(إسماعيل وراق)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-04-2004, 10:36 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يسألونك عن المهدية

    ذكرت في بوست الأخ بلير بأن هناك خلط لدي بعض الجمهور حول علاقة الفكر الأنصاري بالفكر الشيعي، وفي هذه المساحة سوف أقوم بتسليط الضوء على هذه النقطة من خلال كتاب يسألونك عن المهدية، وكما أسلفت هو كتاب قيم يتناول فكرة المهدية ومدارسها في الإسلام بصورة عامة، كما يتناول بالتفصيل فكرة المهدية في السودان.

    ترقبونا قريباً
    مع تحياتي.،
    وراق
                  

03-04-2004, 11:21 AM

الزنجي
<aالزنجي
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 4141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)


    فى انتظارك اخى وراق
                  

03-04-2004, 11:42 AM

ebrahim_ali
<aebrahim_ali
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: الزنجي)

    الحبيب وراق ألف تحية وسلام أتمنى أن تسرع الخطى في إنزال ذلك السفر المميز لعل وعسى أن ‏يبعدنا ولو قليلاً من النعرات القبلية والعنصرية المتفشية هذه الأيام وغيرها مما يصيبك بالغثيان ‏والدوار والتي أشفقنا فيها على هذا المنبر من هؤلاء ... (من أين أتى هؤلاء) .‏
    لك الله ياحبيب .‏
                  

03-04-2004, 12:06 PM

حمزاوي
<aحمزاوي
تاريخ التسجيل: 10-10-2002
مجموع المشاركات: 11622

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    ود وراق
    كيف حالك
    مشتاقين
                  

03-04-2004, 01:09 PM

المهدي صالح آدم

تاريخ التسجيل: 02-12-2004
مجموع المشاركات: 648

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: حمزاوي)

    الاخ العزيز سمعه
    مع التحية اتمنى أن تكون بخير وصحة جيدة

    احيك على هذا المجهود وأتمنى دائما ان لا نحرم من مشاركاتك ومساهماتك القيمة وفقك الله وسدد خطاك.

    اخوك المهدي
                  

03-04-2004, 03:12 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الحبيب وراق
    كم صادفت فرحا فى انفسنا بشارتك بانزال كتاب يسالونك عن المهدية هنا ارجو ان تنزله كله ان استطعت فهو من اقيم ما كتب الحبيب الامام الصادق المهدى ولان الكتاب لم تعد طباعته كثيرا وبحكم تداوله بين الايدى و الاحباب فقد لدى كثيرين منهم، وان استطعت انزال احاديث الغربة و العقوبات تكون مشكووووووووووورا و ما قصرت ، لك منى المحبة و التحية
                  

03-04-2004, 09:09 PM

محمد عبد القادر سليمان

تاريخ التسجيل: 02-04-2004
مجموع المشاركات: 149

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الحبيب وراق ,,,,

    تشكر مقدما على هذا البوست وفي انتظارك
    مع تمنياتي لك بالتوفيق
                  

03-04-2004, 11:07 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: محمد عبد القادر سليمان)

    الأحباب الرائعون روعة بلدي
    الزنجي... لك التحية يا غالي... متابع رحلتكم الجميلة .. وأبقوا عشرة على خالد.. فهو إنسان

    إبراهيم علي... الحبيب الذي يغيب ويأتي .. كيف أنت... أتمنى أن يكون الكتاب مفيداً للجميع.

    حمزاوي..
    والله الشوق بحر.. لا أنما بحور... لا خبر ولا إتصال .. برضو مقبولة منك.. لك تحياتي.،

    الحبيب المهدي... شكراً على الطلة... كان آملي أن نتقابل حسب وعدنا.

    العزيزة لنا مهدي..
    نعم أن كتاب يسألونك عن المهدية يعتبر نادراً... حيث أنه لم يطبع في الوقت القريب... آمل أن يرضي طموحات الجميع.

    الحبيب محمد عبد القادر
    لك التحية وأنت تدير دفة الحوار في مداخلاتك بعقلانية ونفس هادئ... إلى الأمام
                  

03-05-2004, 01:15 AM

PLAYER
<aPLAYER
تاريخ التسجيل: 04-23-2002
مجموع المشاركات: 10283

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    المحترم اسماعيل
    شكرآ لتكرمك لاشباع رغبتي و اخرين في التبحر في كتاب يسالونك عن المهديه لمعرفه مقربه عن فكر المهديه وانصاره علاقتهم بالسنه او الشيعه اوالصوفيه.
    فارجو ان تسمح لنا بالتي:
    ا/ مقاطعتك احيانآ بالاسئله وطلب التوضيحات لما يعجز عقلنا البسيط في استيعابه
    ب/ عمل رابط بين موضوعك هذا و موضوع هل هناك شيعه في السودان حتي تكتمل حلقه المعلومات

    (عدل بواسطة PLAYER on 03-05-2004, 01:51 AM)

                  

03-05-2004, 06:28 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: PLAYER)

    العزيز بلير
    لك ما تشتهي وما تود
    سأقوم بإنزال المادة عبر فصول، ولا بأس من المقاطعة، والهدف يا صديقي هو الحوار والفائدة المرجوة منه.
    لا تظلم نفسك فعقلك ليس بسيط، والكتاب مادة سهلة سلسلة..
    سأرد على بعض أسئلتك الواردة في بوست هل هناك شيعة في السودان والمتعلقة بقول الإمام المهدي "من لم يؤمن بمهديتي فقد كفر" وما يتعلق أيضاً ببيعة الإمام الصادق... فتوقع ردي هناك.
                  

03-05-2004, 06:42 PM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الأخ اسماعيل وراق

    اشكرك على هذه البادرة فأرجو ان تسرع بها
    قالأمر جدا يهمني وشريحة لابأس بها من رواد
    هذا المنمبر فلا تبطئ علينا ولك التحية
                  

03-06-2004, 00:30 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)

    الأخ العزيز ود الشيخ
    تحية طيبة.،
    ٍخطر ببالي أن أقوم بتنزيل القسم الخاص فقط بالمهدية ولكن للفائدة وبعض إشارة بعض الأحباب سوف أٌقوم بإنزال الكتاب كاملاً.
    أتمنى أن يكون الكتاب خفيفاً رغم أني أخشى عليكم من الإطالة.
    إتمنى ألا تفوت الأخطاء الطباعية على فطنة القارئ.
    فيما يخص المراجع سوف أقوم بتثبيتها بعد الإنتهاء من تنزيل المادة.

    فإلى حلقات الكتاب....
                  

03-06-2004, 00:48 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة

    قال تعالى( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)).
    وهذه الآية تنطق بوعد دائم بأن دعوة الدين الحق منصورة مهما تأخر النصر وأحاط بأهلها الضعف والخوف، فهذا شاهد من صحيح المنقول.
    وإذا تلفتنا لواقع حياتنا لوجدنا أدلة عقلية تشير إلى حتمية بعث الإسلام بعثا جديدا.
    لقد سيطر على الفكر الإنساني منذ قرن من الزمان تفكير ينكر وجود الله أو يهمله ويدير قفاه للمعاني الروحية ولا يقر وجودها في كيان الإنسان ولا في نظام حياته. وراجت فلسفات تفسر الإنسان وحياته ومصيره تفسيرا ماديا. ولكن هذه التفسيرات المادية واجهتها عقبات: لوحظ أن سلوك الكائنات الحية يتخطى النظم المعهودة ويتنوع ويجدد، ولوحظ أن عقل الإنسان أوسع معنى من دماغه، ولوحظ أن الجماعة الإنسانية لها قدرات تفوق مجموع قدرات أفرادها. هذه الملاحظات معناها أن التفسير المادي لحياة الإنسان المفرد والجماعة تفسير ناقص. لذلك تقهقرت الفلسفة المادية وانبعثت اتجاهات فكرية تقر بأن في حياة الإنسان ونظام الكون عنصرا روحيا.
    وأدى تقهقر الفلسفة المادية إلى ضعف المذهب الشيوعي لأن الشيوعية تقوم على فهم مادي لحياة الإنسان ونظام العالم.
    لقد وجدت الشيوعية تجاوبا في أوروبا في القرن التاسع عشر لأنها فضحت نظاما رأسماليا مشبعا بالمظالم الاجتماعية فأدانته ووعدت بإسقاطه وبإقامة نظام عادل في مكانه يحقق للناس فردوسا في الأرض.
    وفي الخمسين عاما الماضية استطاع المذهب الشيوعي أن يقوم بالثورة في بعض البلدان وأن يتسلم السلطة. ولكنه لم يستطع إقامة الفردوس الموعود، بل تكشفت تجربته عن سلبيات فأتت بأنواع جديدة من الظلم الاجتماعي. ولم تستطع الشيوعية طرد النزعات الروحية في نفوس الناس، ولا طرد المشاعر القومية من قلوبهم. وفي نفس الوقت تنبهت المجتمعات الرأسمالية لإصلاح بعض مظالم النظام الرأسمالي وتحقيق بعض العدل الاجتماعي.
    وفي العالم الثالث وجدت الشيوعية تجاوبا في بعض البلدان لأنها بشرت بالتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وشاركت في التصدي للاستعمار وإعانة حركات التحرير. وعلى مر الأيام تأكد للجميع أن التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الاستعمار ليست حكرا تحتكره الشيوعية. واتضح للناظرين أن الشيوعية تشترط لاعتناقها إلغاء الاعتقاد الروحي، والانتماء القومي وتسلخ روادها من جلدتهم وتصبهم في قوالب انتماء طبقي والتزام أممي. وهذه الشروط ضد طبائع البشر فلا يرجى فلاحها. ولم تستطع القيادة الشيوعية نفسها أن تتخلص من مشاعرها القومية بل ظلت المشاعر القومية تلعب دورا في تفسير المذهب الشيوعي لديها. وكان التأثر بمشاعر قومية مختلفة من أسباب الاختلاف بين أكبر دولتين شيوعيتين.
    تلك الأسباب مجتمعة أدت إلى الإعراض عن المذهب الشيوعي في العالم الثالث، وهذا طبعا لم يمنع تعامل كثير من بلدان العالم الثالث مع دول شيوعية في قضايا التنمية الاقتصادية ومحاربة الاستعمار. وكما عجزت الشيوعية في توجيه العالم الثالث نحوها عجز النظام اللبرالي في أن يحقق النهضة في العالم الثالث. لقد دعا بعض المفكرين والقادة للنظام اللبرالي قياسا بنهج الحياة في أوروبا الغربية وأمريكا، ولكن المعلوم من حقائق التاريخ أن اللبرالية نوع من الاسترخاء مارسته مجتمعات أوروبا وأمريكا في مرحلة متقدمة من نهوضها الاقتصادي والاجتماعي. لقد خدم الفكر اللبرالي الإنسانية بتحديده لبعض المبادئ التي لا غنى عنها لحفظ كرامة الإنسان مثل بيان حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والحريات الأساسية، وصارت هذه المبادئ حقا يطالب به الناس في كل مكان، ولكن الأخذ بالمذهب اللبرالي كله ليس متاحا لمجتمعات تحبو تحت أقدام العالم يقيد خطواتها التمزق والتخلف والتبعية ولا نهضة لها دون تخطيط وترشيد.
    وفي العالم العربي هب مذهب قومي أعلن عجز اللبرالية والشيوعية وقلة جدواهما ودعا لبعث عربي يتحد بموجبه العرب ويحققون العدالة الاجتماعية ويتحررون من الاستعمار. لقد واجه الفكر القومي مشكلات من أهمها أن يحدد ماهية دور الإسلام في حركة البعث العربي لقد تعددت الآراء في هذا الصدد : فمن المفكرين القوميين من قال أن الإسلام إشراقة من إشراقات العروبة فلا بد من معاملته كتراث عربي فهما صنوان يتضامنان في بناء المصير العربي هذه التصورات لدور الإسلام عديمة الجدوى. الإسلام هو الرسالة الخالدة وهو وحده الأساس وانبعاثه من جديد أمر تشير إليه طائفة من المؤشرات فإذا سلمنا بذلك صار البعث العربي بعض ما سوف يعالج في نطاق البعث الإسلامي. إن للقومية إيجابيات ومن سلبيات التعلق بعصبية الدم، والاستعلاء على الآخرين، ومن إيجابياتها تأكيد رابطة اللغة، وإذكاء حب الوطن، ودعم المصالح المشتركة. والسلبيات لا بد من إسقاطها، أما الجوانب الإيجابية ففي متناول الإسلام أن يفعل بها ما فعله بالواقع الإنساني حيثما وجده وهو: طرد ما به من شرك وجاهلية، وإسقاط ما يعوق المثل العليا، واستيعاب الجوانب الإيجابية في إطاره الواسع أي أن الإسلام في متناوله أن يستصحب العروبة وهذا وحده هو السبيل الصحيح لبيان دور الإسلام وموقفه من البعث العربي. هذا الاتجاه هو الحق وهو الذي يحل تناقضات المفكرين ويستقطب الجماهير العربية المسلمة. وهو يقر بحقيقة الإخاء بين المسلم العربي وغير العربي، ويقر أيضا بأن العلاقة بين العرب المسلمين أكثر خصوصية وأدنى قربى وهذا واقع إنكاره نوع من المكابرة المجدبة.
    هذا الاتجاه قد يأباه أصناف من الناس هم:
    الصنف الأول:
    الذين لا يقبلون في تفسير حقائق الإسلام إلا الأدلة النقلية وتفسيراتها تفسيرات نقلية أيضا. ولدى هؤلاء أن لا وجود إلا لكيانين في النظام الإسلامي: كيان أكبر هو الأمة، وكيان أصغر هو الأسرة. أما كيان الأمة فقد انقسم منذ 132 هـ (750م) وعندما وقع الانقلاب العباسي قامت إلى جانبه خلافة أموية ثانية في الأندلس. وعلى مر الأيام تعددت الانقسامات ثم تغيرت الظروف حتى ولدت الشعور القومي الذي دعمته وحدة اللغة والاتصال الجغرافي، ودعمته مصالح مشتركة ومواقف مشتركة. كل هذا أدى لقيام كيان قومي توسط بين الكيان الأكبر والأصغر. وخير لحركة البعث الإسلامي تبين تلك الحقائق والعمل على ترشيد حركة الكيان الأوسط لتسير في طريق حركة الكيان الأكبر. وهذا نهج إسلامي أصيل. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمن العصبية أن أنصر قومي؟ فأجاب: لا، ولكن من العصبية أن تنصرهم في باطل".
    الصنف الثاني:
    وهم على طرفي نقيض من الصنف الأول ورأيهم أن الإسلام يعارض العصر الحديث الذي أتى للإنسان بالرقي، والتقدم، والثورة الصناعية،والثورة العلمية، والحرية، والديمقراطية، والاشتراكية وغيرها من المنجزات. لذلك فلا معنى للبحث عن دور الإسلام لديهم لأن دوره لديهم انطوى في التاريخ وكلما أسرعنا بالاعتراف بهذا واتجهنا لبناء حياة عصرية تقدمية كلما تخلصنا من قيود الماضي المظلم. هؤلاء هم أسرى الاستعمار الفكري: إنهم "بادية" أوربا بشقيها وأمريكا، ومقياس التقدم عندهم ما يجري في " البندر". والحقيقة هي أن الإسلام لا يعارض الرقي الحقيقي للفرد ولا للجماعة بل يحرص عليه ويقدمه في نظام موزون. والغموض الذي يحيط بهذه الحقيقة سوف يزول لا محالة عندما يعنى بالكتابة عن الإسلام مفكرون ملمون بحقائق هذا العصر.
    والصنف الثالث:
    المسيحيون العرب الذين يجدون تعارضا بين عروبتهم والإسلام وهم جماعة ذات شأن هام في تطور الفكر العربي وشاركوا في الكفاح القومي فلا سبيل لإغفال وجودهم ولا إنكار دورهم. هؤلاء طبعا يدركون أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعترف بأديان السماء الأخرى وينظم حقوق أهلها الدينية والمدنية، ويكفل لهم الحرية الدينية ويتعامل مع أهل الملل بأن لا إكراه في الدين. لذلك ليست أمامهم مشكلة "دينية" في نظام مسلم ولا يجرد الإسلام العروبة بالمعنى الذي ذكرناه من دورها ولذلك فإنهم لا يعانون من حرمان "قومي" في ظل مجتمع مسلم.
    والخلاصة هي أن ظروف الوطن العربي تسير إلى حتمية بعث إسلامي.
    وفي العالم الأفريقي كان المفكرون والقادة مشغولين بقضايا التحرر من الاستعمار، وعندما ضعفت قبضته المباشرة اتجه اهتمامهم نحو قضايا التنمية، والحكم، والعدل الاجتماعي، والبحث عن الذاتية وغيرها. وتجسيدا للماهية والذاتية الأفريقية قامت حركة الوحدة الأفريقية، وإشباعا للشعور بالذاتية نهضت تيارات فكرية مثل فكرة العزة الزنجية Negritude وفكرة سيادة السود وغيرها ولما كان الإسلام في افريقيا هو دين أغلبيات في غرب القارة وشرقها الشمالي، وأقليات كبيرة في شرقها ووسطها وجنوبها فان حركة البحث عن الذاتية والماهية أنعشت الشعور بالذاتية الإسلامية التي كان الاستعمار في أيام سطوته ينكر وجودها ويهضم حقوقها ويحارب أهلها، لذلك كان رحيل الاستعمار فاتحة صحوة إسلامية في افريقيا تزداد بقدر ما يتقلص سلطان الرجل الأبيض وبقدر ما يتبن المفكرون والجماهير الأفريقية اشتمال الإسلام على مزايا مطلوبة بإلحاح في المسرح الأفريقي مثل استطاعته أن يقيم إخاء بين أجناس مختلفة العرق واللون، أي أن البعث الإسلامي يلوح في الأفق الأفريقي أيضا.
    فإذا تأملنا المصير الإسلامي لوجب علينا أن نبحث الأرضية التي يتم فوقها البعث الإسلامي: علينا أن نتساءل ونعرف واقع المسلمين في بقاع العالم الإسلامي المختلفة. ومن هنا تنبع أهمية هذا الكتاب لأنه يتعرض لدراسة دعوة للبعث الإسلامي قامت في السودان قبل قرن من الزمان وما زالت حية في نفوس ملايين من أهل البلاد ولها أنصار في عدد من بلدان السودان الأكبر الممتد من بحر القلزم ( الأحمر) شرقا إلى بحر الظلمات (المحيط الأطلنطي) غربا، تلك الدعوة هي دعوة الإمام محمد المهدي بن عبد الله.
    لقد اتضح لي ولغيري من مناظرات دارت في سجون السودان ومعتقلاته، عبر الأعوام الخمس الماضية، جرت عن طريق الحوار المباشر والمراسلات واشتركت في طرف يسير منها، أن ماهية دعوة الإمام المهدي تفتقر إلى بيان يساهم في وضوح الرؤية لدى المؤمنين بها أنفسهم، ويقدمها لشركائهم في الوطن والمصير، ويبين موقعها في الإسلام ودورها في حركة بعثه.
    لقد ضمت سجون السودان ومعتقلاته في السنوات الخمس الماضية جماعات من كل مشارب الحياة: كان منهم المنتسبون لفئات دينية، وسياسية، ومهنيون: أطباء، ومحامون، ومهندسون، وزراعيون، وبياطرة، وجنود، وإداريون، ورجال شرطة وسجون. وفنيون: مهندسون، ومحاسبون، وكتبه، وممرضون. ونقابيون: عمال مهرة وغير مهرة، ومزارعون، وأساتذة ومدرسون وطلاب، وحرفيون، وتجار، ورعاة من البادية. وكانت اتجاهاتهم الفكرية عينات من أنواع الفكر الموجود في المجتمع السوداني. والمناظرات التي أشرنا إليها دارت بين هؤلاء فتناولت كل أمر جليل الشأن وحقيرة، وتطرقت للبحث في ماهية الدعوة المهدية مما حفزني لتستطير هذا الكتاب.لقد ذاع عن الدعوة المهدية ما كتبه خصومها بتوجيه من ونجت باشا رئيس قلم مخابرات الجيش الذي غزا السودان ودمر الدولة المهدية في 1898 م لقد كتب ونجت عن المهدية واستكتب آخرين أمثال نعوم شقير ‎، وإبراهيم فوزي، وسلاطين. وساعد على نشر ما كتبه الموتورون أمثال أوهرولد. ولم تقتصر تلك المؤلفات على تشويه أحداث تاريخ المهدية ومهاجمة نظامها السياسي والإداري بل اهتمت دعايتها أيضا بطعن عقيدة المهدية وفكرها سلخا لها من جميع أصولها وإبعادا لها من الإسلام حتى لا يتعاطف معها المسلمون في كل مكان أثناء حملة الغزو والإبادة.
    ولكن بعد أن مضى على الغزو أكثر من ثلث قرن بدأ بعض المؤرخين يؤلف وينشر كتبا دافعها البحث والدرس لا الانتقام والتشويه، ومن هؤلاء المؤرخين ثيوبولد وهولت من البريطانيين.
    كذلك انبرى لدراسة التاريخ وكتابته مؤرخون سودانيون فكتبوا بدافع الدراسة الموضوعية لحقائق التاريخ، أذكر من هؤلاء السيد محمد عبد الرحيم، والسيد صالح ضرار من الجيل القديم. وأذكر الدكتور مكي شبيكة من الجيل المخضرم، والدكتور محمد إبراهيم أبو سليم، والدكتور يوسف فضل، والرائد عصمت حسن زلفو من جيل الكهول والشباب.
    ويضاف إلى هؤلاء عدد كبير من الدارسين المؤرخين الذين نشروا كتبهم والذين لم ينشروها بعد. لقد فتحت كتابات هؤلاء أبواب تنوير وتعليم بحقائق تاريخ السودان. وساعد حركة التبصرة هذه نشاط وحدة السودان بجامعة الخرطوم وساهم في التعريف بتاريخ المهدية نشاط دار الوثائق المركزية. وكان لمدير دار الوثائق المركزية الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم دور فريد في تنظيم وتبويب وثائق المهدية ولفتت مؤلفاته النظر لفكر المهدية ونظامها.
    لقد استفدت كثيرا مما كتب هؤلاء المؤرخون الوطنيون والأجانب، ولا شك عندي أن كتاباتهم هي الرد الموضوعي على الأباطيل التي ألفها ونشرها مؤلفو الدعاية الحربية أعوان ونجت الجاسوس وكتشنر الانتقامي.
    أما الكتاب الحالي فإنه مع حرصه على الموضوعية مكتوب عن الدعوة المهدية من ناحية الاعتقاد والفكر وحدهما، ومن داخل الدعوة. وهذا المؤلف وغيره مما ذكرنا آنفا ذو أهمية بالغة لأننا مهما شغلنا أنفسنا بحركات التقدم الاجتماعي لن نخبر أمرها إلا إذا تيسر لنا الإلمام بخلفية المجتمعات المراد إنهاضها، إن كثيرا من القادة والمفكرين يخططون لمستقبل شعوبهم استنادا إلى تحليلات مستمدة من أحوال مجتمعات غريبة عنها تماما، إذا لم نحلل واقعنا ونلم بماهية وحداته الاجتماعية التليدة والطارفة فكيف نطمع أن نخطط لتحرك اجتماعي ناجح؟ إن الذين يزرعون دون معرفة المناخ وتحليل التربة وإحصاء مقوماتها إنما يعبثون.
    وختاما تقع مواد هذا الكتاب في ثلاثة أقسام وفصولها ألخصها فيما يلي:
    القسم الأول:
    1. لقد وقع خلاف حقيقي في الفكر الإسلامي بدأ من أصول إسلامية ثم اتسع ودخلت عوامل عليه وافدة.
    2. صحبت الافتراق الفكري انقسامات سياسية تداخلت معها عوامل اقتصادية واجتماعية فاشتركت كلها في زيادة تمزيق الفكر الإسلامي وتقسيم الكيان السياسي الإسلامي مما أضعفه وجعله لقمة سهلة للفتن الداخلية والغزو الاستعماري من الخارج.
    3. إن افتراق الرأي والتمزق السياسي مهما كانت أسبابهما نفر منهما المسلمون نفورا شديدا فقامت محاولات جادة للتخلص منهما. هذه المحاولات قادها مصلحون وثوار ودعاة.
    4. وكانت هذه المحاولات أحيانا تأخذ طابع حركة اجتماعية فيتجاوب مع داعية الإصلاح آخرون وينال قولهم رضا عاما مثل التجاوب الذي أدى لترجيح قفل باب الاجتهاد.
    5. وأحيانا تأخذ حركة الإنقاذ الفكري طابعا فرديا: يقوم في معمعان النزاع عملاق يجمع أطراف النزاع و يقدم حلا توفيقيا على مستوى أعلى من اتحاد الفكر. هؤلاء العمالقة يستجيب الواحد منهم لحاجة جماعية عميقة. ويتحدث بالمنطق السائد في زمانه، وبتعابير المعارف المتاحة له الرائجة في ذلك الزمان. ومن صفات هؤلاء العمالقة أن الواحد منهم يفوق أقرانه بثقة مستمدة من يقينه بأنه ملهم.
    6. وخاتمة القسم تحكي قصة التفرق التوفيق حتى القرن التاسع عشر الميلادي وتبين ما وصل إليه المسلمون من ضيق وتمزق وما يتطلعون إليه من خلاص.
    القسم الثاني:
    1. إن للفكرة المهدية أصولا إسلامية واضحة. وإن لها دوافع تاريخية.
    2. إن الفكرة المهدية مهما كانت أصولها الإسلامية ودوافعها التاريخية تشعبت وتعقدت لدى الفكر الشيعي، ولدى الفلاسفة وعلقت بها ألوان من المبالغات من المزايدات ومن الأدب الشعبي.
    3. إن العالم الإسلامي حدثت فيه مجموعة من حركات المهدية، وتلك الحركات تفاوتت في مضمونها، وقيمتها، وهدفها، ولا بد من اختيار مقياس معين للحكم عليها وبيان معناها.
    القسم الثالث:
    1. إن للإسلام في السودان وانتشار العروبة فيه ظروف خاصة هي التي كونت مزاج أهل السودان، فإذا أضفنا إلى المشاكل التي خلقتها تلك الظروف أحوال البلاد تحت ظلم الحكم العثماني الخديوي والتحالف الاستعماري الأوروبي أدركنا شدة حاجة البلاد للإنقاذ.
    2. السودان خاصة، والعالم الإسلامي، والعربي، الأفريقي والآسيوي عامة كانوا يتطلعون لنجدة: كل يرسم لها تصورا معينا.
    3. إن الجذور الإسلامية للمهدية، وحاجة المسلمين الملحة للإنقاذ، والضرورات السياسية والاجتماعية المتحرقة للخلاص من الواقع الأليم المتطلعة للبعث والتحرير، وغيرها من عوامل هي الظروف الموضوعية التي أحاطت بالدعوة المهدية.
    4. كان الشيخ محمد أحمد منصرفا للإصلاح الذاتي ولكن حالة " هجمت " عليه نقلته من إصلاح ذاته فقط إلى إصلاح ما حوله كذلك: اتجه من عمارة الداخل إلى عمارة الداخل والخارج، وكان الشيخ محمد أحمد شابا مشهودا له بالصدق والأمانة لذلك عندما أعلن أنه المهدي المنتظر آمنت بدعوته عصبة من الناس، والتقت هذه الأحوال الذاتية بتلك الظروف الموضوعية فشقت الدعوة عنان السماء.
    5. وكما "هجمت" الدعوة على المهدي هجمت عليه أصول هداية تجمع ما تفرق في كثير من مشارب الفكر الإسلامي مسبوكا في قالب موحد.
    6. وبالرغم من هزيمة الدولة المهدية في كرري فإن الدعوة المهدية تركت أثرا باقيا في حال الإسلام، والسودان، وفي قلوب الأنصار.
    7. إن معرفة حقيقة الدعوة المهدية وموقعها في الإسلام مهمة في حد ذاتها، ومهمة لمعرفة ماهية الأنصار، ومهمة للبحث في واقع المسلمين عن روابط الإخاء الواجب قيامها بين أهل القبلة طلبا للمشاركة في البعث الإسلامي.
    وغاية هذه الدراسة التي تمت في ظروف السجن التي لم تتوفر فيها كل المراجع المطلوبة أن تخدم قضية البعث الإسلامي في الواقع السوداني، والعربي، والأفريقي المعاصر.
    والله أسال التوفيق والسداد

    الصادق المهدي

    سجن بور تسودان في 21 صفر 1394هـ

    15 مارس 1974م
                  

03-06-2004, 06:34 AM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    أخي وراق

    اشكرك لإستجابتك وهذه المقدمه جعلتني في تشوق
    لقرأة المزيد فقد سمعت عن الكتاب ولم يشرفني
    أن انال نسخة منه ولعل الغربه والبعد عن الوطن
    من هذه الاسباب ليس بالضرورة أن اكون انصاريا أو
    متحيزاً للأنصار ولكن إذ كنت قد قرأت لسلاطين وعصمت
    زلفو أو حتى للدكتور منصور خالد وعبد الرحمن مختار
    وكل دلى بدلوه في قضايا مختلفة من تاريخ وطنا فحقيق
    بي أن اقرأ للصادق المهدي أنا مولع بكل شئ فيه حكوى
    عن وطني حتى كلام المقرضين منهم فلن تعرف المليح حتى
    تستطعم القبيح لذا خلق الله لكل شئ ضد ولك تحياتي
                  

03-06-2004, 10:15 AM

Omer54

تاريخ التسجيل: 02-10-2003
مجموع المشاركات: 783

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    شكرا للاخ اسماعيل وراق

    طولت من قراءت مداخلات الاخ اسماعيل و اتمني ان نقراء خيطا مفيدا. ان جاز لي ان اطلب فاني الفت نظر الاخ اسماعيل لخيط الاستاذ شوفي بدري (المسكوت عنه) و الرد علي الاراء المنشوره فيه.

    اين الاستاذ ابوساره؟

    شكرا
                  

03-06-2004, 09:18 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: Omer54)

    العزيز ود الشيخ
    لك التحية
    سأقوم بإنزال الكتاب كاملاً وتقريباً كل المادة جاهزة ولكني فضلت أن أنزلها على فصول حتى لا يمل القارئ.

    الغالي عمر54
    أتمنى أن نكون قدر العشم
    فيما يخص بوست شوقي أحتفظت به في إرشيفي وسوف أرجع له ولكن بعد حين.
    أبو سارة موجود... ولكن يبدو أن لديه بعض المشغوليات.
                  

03-06-2004, 09:36 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الأول
    ضوء على الصدر الأول


    في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحكام الشريعة للمجتمع الجديد تأتي عن طريق ما ينزل من قرآن، وما يبينه النبي بقوله وفعله من أحكام. وكان الاتصال المباشر بين النبي وأصحابه يمنح الجماعة قيادة مباشرة وبيانا عمليا لواجبات الدين. وكان الهدف الأساسي واضحا: بناء مجتمع موحد لله مستمسك بالإخاء والعمل الصالح محارب لعقيدة الشرك وحياة الجاهلية. وكانت الأمور مبسطة فعدد الجماعة الإسلامية في العام الأول للهجرة لم يتجاوز ألفا وخمس مائة رجل وعدد الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا هذا ما كان من أمر بساطة الكم. أما بساطة الكيف فمردها إلى يسر الاتصال بين النبي وأصحابه وعلو مكانته في نفوسهم مما جعل قوله فاصلا، ونزول القرآن باستمرار للهداية والإرشاد.
    لقد كان عهد الكلمة الموحدة والسريرة الصافية، ولكن بالرغم من كل ذلك فإنه لم يخل من خلاف في الرأي وذلك لسببين:
    الأول/ إن الإسلام نفسه يحث على التفكر والتدبر والشورى وهي أمور تفتح باب الاجتهاد بالرأي. والاجتهاد بالرأي يتيح مجال إختلاف. والثاني: لأن الإنسان وإن اتفق في الأسس يختلف في النظرة للأمور. وأصدق مثل لهذا ما روى عن النبي واصفا صاحبيه أبا بكر وعمر فقال عن أبي بكر: إن مثله في الأنبياء كمثل إبراهيم إذا قال: "رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم". وقال عن عمر إن مثله في الأنبياء كمثل نوح إذ قال وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) " .
    لقد قصت علينا كتب السيرة النبوية بعض الخلافات التي حسمها فيما بعد القرآن نحو الاختلاف على ما يتم لأسرى بدر. أيقتلون أم تقبل عنهم الفدية؟ وكان رأي عمر الذي أيده القرآن فيما بعد أن يقتلوا. وهناك قصة الإفك التي اختلف فيها الرأي وخاض فيها من خاض حتى حسمها القرآن. وثمة الخلاف الذي وقع حول صلح الحديبية. وكان عمر وآخرون يرون ألا يقبل الصلح بذلك الشرط فحسم النبي الأمر بحزمه. وروت لنا كتب السيرة خلافات أخرى أدخلت تعدد الآراء نذكر منها:
    1. روى ابن عبد البر عن ابن عمر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: " لا يصلي أحدكم العصر إلا في بني قريظة". فأدركهم وقت العصر في الطريق فقال بعضهم: " لا نصلي حتى نأتيها. وقال بعضهم بل نصلي ولم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي فلم يعنف واحدة من الطائفتين" .
    2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من مشورة أصحابه قال أبو هريرة ما رأيت أحدا قط أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما روى عن هذه المواقف أنه شاورهم فيما يعملون لوقت الصلاة قبل اتخاذ الآذان. فقال بعضهم نشعل نارا، وبعضهم قال: ننفخ بوقا وآخرون: ناقوسا. وهكذا وعن عيسى الواسطي مرفوعا إلى النبي أنه قال: ما شقي عبد بمشورة ولا سعد عبد استغنى برأيه."
    3. ولعل أهم اختلاف قائم على الرأي بين المسلمين ظهر أواخر عهد رسول الله هو ذلك الخلاف الذي رواه ابن حزم في كتاب الأحكام قال: عن ابن عباس قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي. قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط فقال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه. واستمر ابن حزم في بحث الأمر حتى جاء بحديث عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك الكتاب المراد كان في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه.
    والذي يهمنا هو الإشارة لفكر الكتاب، وإن كنا نستبعد أن يكون الغرض منه استخلاف آبي بكر رضي الله عنه وحده لأن إعلان ذلك على القوم كان كافيا. وإن كان النبي عليه السلام قد استخلف أبا بكر ففي ذلك حجة لتأييد بيعة أبي بكر ما كان يمكن كتمانها يوم السقيفة.
    تلك الروايات تشير إلى وجود اجتهاد بالرأي وخلاف بالرأي بين الصحابة في عهد رسول الله، وإن كان الخلاف محدودا وبموجب مبدأ الشورى، والاجتهاد مشروعا: قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن فقال له: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي لا ألو. قال معاذ: فضرب بيده في صدري وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله".
    في عهد أبي بكر الصديق:
    حدثت في عهد أبي بكر رضي الله عنه خلافات فرعية ولكن الأمر كان شبيها بما في عهد رسول الله من وحدة الكلمة وإخلاص السريرة، إلا أن أمرين هامين نشب فيهما خلاف حسم في وقته ولكن بذر بذورا كان لها ما بعدها: أما الأمر الأول فهو الخلافة: لقد كان بعض الأنصار يرون أنهم أولى بها، وكان بعض بني هاشم يرون أنهم أولى بها، وحسم الخلاف حزم عمر بن الخطاب إذ بايع أبا بكر وتبع الآخرون إما تقديرا لمكانة أبي بكر من رسول الله وإما خوفا من عمر وإما حرصا على وحدة الجماعة. ولكن سعد بن عبادة زعيم الأنصار، وعلى بن أبي طالب زعيم بني هاشم، لم يبايعا في بداية عهد أبي بكر. والخلاف الذي نما من ذلك الموقف هو: على أي أساس تكون الخلافة؟ وما هي المؤهلات لها؟
    أما الأمر الثاني فإن بني حنيفة امتنعوا عن دفع الزكاة فاستعد أبو بكر لقتالهم وكان عمر يرى غير ذلك: فكيف نقاتلهم وقد قال عليه السلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله؟ فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم. فقال أبو بكر: أليس قال: إلا بحقها؟ ومن حقها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو منعوني عقالا مما أدوه إلى النبي لقاتلتهم عليه. وفعل أبو بكر ما قال.
    لقد حسم الأمران في وقتيهما ولكن الأول تجدد في الصراع الذي أدى للفتنة الكبرى التي دارت رحاها حول الحق في الخلافة. والثاني تجدد في الخلاف الشهير حول: هل الإيمان دون عمل يكفي أم العمل جزء من الإيمان؟
    أما في بقية عهد أبي بكر فالخلافان الأساسيان انزويا واستطاع أبو بكر أن يقمع الفتن وأن يوحد الكلمة وأن يحصل على بيعة على بن أبي طالب وأن يزيد ديار الإسلام بفتح اليمامة، وفتح بعض أطراف الشام والعراق.
    في عهد عمر بن الخطاب
    كان عمر بن الخطاب إماما كثير الحزم، وكثير الاجتهاد، وقد مكنه ذلك من تطبيق أحكام جديدة لمصلحة عامة رآها بالرغم من وجود نصوص تؤيد أحكاما أخرى. فقد جعل لفظ الطلاق ثلاثا مساويا لثلاث بالرغم من أن المأثور المعروف أن العدد اللفظي لا يزيد عن طلقة واحدة مهما كثر. فعل ذلك تأديبا للناس لإكثارهم التلفظ بالطلاق. وطبق كثيراً من الأحكام الاجتهادية مما سوف نتعرض له في مقام لاحق. ولكن من أعظم منجزات عمر بن الخطاب أنه فتح الفتوحات فأقام الدولة الإسلامية في الأوطان التي كانت تابعة لإمبراطوريتي الروم والفرس. وبعد الفتح أسس الدولة الإسلامية الكبرى فانتقل بالإسلام من دولة أو دويلة إلى دولة كبرى. لقد وضع الديوان وأسس بيت المال، ورتب للرعية ما يكفيها، وأقام جيشا نظاميا، وفوق هذا كله حفظ بحزم وعزم وحدة الأمة ولم يسمح للخلافات القديمة أن تطل برأسها ولا لخلافات جديدة أن تنشأ.
    في عهد عثمان بن عفان:
    لقد سار عثمان بن عفان في بداية عهده بالدولة الكبرى بالطريقة التي سار بها عمر بين الخطاب. ثم بدأت تؤخذ عليه المآخذ فرماه بعض الناس بالانحياز لأهله من بني أمية فمنحهم المناصب ومدهم بالعطايا وامتنع عن معاقبة الآثمين منهم عقابا صارما وعفا عن بعض الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفاهم.. وهكذا تولد من التهم تآمر أدى لقتله.
    وبالرغم من تلك الظروف فإن عثمان رضى الله عنه قام بعمل اجتهادي كبير: إذ أمر بجمع المصحف بين دفتين وهو أمر امتنع بعض الصحابة عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله. ثم وحد القراءة على حرف واحد بينما أجازها النبي على سبعة أحرف. وبعد أن جمع المصحف ووحده على حرف واحد استنسخه وأرسل نسخا لكل جهات العالم الإسلامي وأمر أن يحرق ما سواه وكان هذا العمل حازما وجريئا ونافعا لحفظ كتاب الله .
    في عهد على بن أبي طالب:
    عندما بدأ على خلافته هم بعزل الولاة الأمويين وأهمهم معاوية بن أبي سفيان والي الشام. أما معاوية فلم يذعن له وزعم أنه تستر على قتلة عثمان وتعاون معهم واستعد لمنازعته أمر الخلافة.
    وفي هذا العهد انتعشت كل مواطن الفتنة النائمة: لقد كان بين بني هاشم وبني أمية تنافس في زعامة قريش في الجاهلية صوره أحد الأمويين بقوله: " كنا وهاشم كفرسي رهان حتى إذا اشتد التنافس بيننا قالوا: منا نبي!!" وثمة الخلاف على الخلافة: إذا كان عثمان قد مات مقتولا مظلوما وكان أهله من بني أمية ولاة الأمر في كثير من البلدان، وكان معاوية واليا على الشام وهي منطقة قوية غنية فماذا يمنعه من الطمع في الخلافة ومعاقبة قتلة عثمان؟ وهذا الطلب إذا وضع مقابل موقف على بن أبي طالب بدأ قمة الصفاقة. كان على بن عم رسول الله وكان أول من آمن به وكان من أعلم أصحابه ومن أشجعهم وفاتته الخلافة ثلاث مرات فكيف يتطاول على منافسته معاوية بن أبي سفيان وليس له في حساب تلك الأمجاد ناقة ولا جمل؟
    لقد كان لعلي بالإضافة لتلك المؤهلات هالة من الإعجاب لرجولته وفتوته فهو الذي نام في فراش النبي ليلة ائتمرت به بطون قريش لتمزقه نائما في فراشه. وهو الذي خلع باب خيبر وهو الذي نازل فرسان قريش وهو زوج فاطمة ووالد الحسنين وهو صاحب الصولة التي قيل أن النبي قال عنها: " لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي!!".
    إن الشعور العميق بأنه ظلم والإعجاب الشديد به شمسا في سماء الإسلام أورثا بعض أتباعه ولاء شخصيا له تجاوز حدود الحب والإعجاب ليصير نوعا من التنزيه عن صفات البشر.
    ولكل فعل رد فعل فاختلف آخرون من أولئك وقالوا وهم ما زالوا في معسكر علي إن عليا بشر وعرضة للخطأ والصواب وقد أخطأ فعلا لأنه لم يجهر بتأييده لقتلة عثمان. لقد كان عثمان مذنبا في نظرهم ذنوبا جسيمة أوجبت إدانته وهدر دمه.
    لقد كان مقتل عثمان في عام 35هـ- 656 م ومنذ ذلك اليوم اندلعت فتنة كبرى فبويع علي للخلافة ونازعه معاوية لأن موقفه من قتلة عثمان يجرده من حقه في الخلافة.
    وكان علي بالرغم من مكانته، وقوة حجته، وشجاعته قليل الحيلة والسياسة بينما كان معاوية من دهاة العرب. لقد استطاع أن يستغل قميص عثمان الملطخ بالدم وأن يقدم على القتال بجيش مدرب على الربط والضبط والطاعة للقيادة حتى وصفهم معاوية لفرط انقيادهم بأنهم لا يميزون بين الناقة والبعير.
    أما معسكر على فقد كان يعاني تمزقا سببه الاطمئنان أن النصر حليفهم، ويعاني من حدة الخلاف بين الذين تعاظم عندهم الولاء لعلي حتى التزموا بأن يوالوا من والاه ويعادوا من عاداه، ونسبوا له العصمة من الخطأ. وبين الذين أنكروا ذلك الاتجاه وعدوا عليا بشرا قابلا للخطأ والصواب.
    وتفجر الموقف يوم التحكيم. عندما كاد جيش معاوية أن يهزم لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح مطالبين بتحكيم كتاب الله. ولم يكن علي موافقا على التحكيم لاعتباره حيلة لكن الجماعة المخالفة له في معسكره حملته على قبوله. وكان التحكيم حيلة غش فيها عمرو بن العاص ( مندوب معاوية) أبا موسى الأشعري (مندوب علي ) فأتت النتيجة لصالح معاوية وزادت من تيارات الفوضى والخلاف في معسكر على. وكان المخالفون لعلي أول من أدانه على قبوله التحكيم بالرغم من أنهم هم الذين حملوه عليه ونتيجة لهذا الموقف خرجوا عليه وجهروا بإدانته. من هؤلاء تأسست حركة الخوارج التي ائتمرت أن تقتل عليّ ومعاوية لتضع حدا للفتنة فنجحت في اغتيال عليّ وحده.
    لقد كان الذين والوا عليا ونزهوه نواة الشيعة والذين خرجوا عليه وأدانوه نواة الخوارج وعلى افتراقهم قام أول وأخطر انقسام بين المسلمين.
                  

03-07-2004, 06:24 AM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    اشكرك اخي اسماعيل

    شوقتني اكثر ويمكنك زيادة الجرعة ضعفها
    أو نصفها ولو كان الكتاب في يدي اقسم بالله
    لن أنام حتى اختمه فزد ولا تخف من أن نمل


    ود الشيخ
                  

03-07-2004, 01:05 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)

    العزيز ود الشيخ
    حسناً سأعمل بنصيحتك
    وسأحاول أن أكمل القسم الأول وهو قسم يتكون من أربع فصول لكي أسرع الخطى للقسم الثاني والذي يتحدث عن المهدية بأسهاب وعمق.
                  

03-07-2004, 06:18 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثاني

    ملكيون وجمهوريون

    القبيلة كانت أساس النظام الاجتماعي والسياسي في المجتمع العربي الجاهلي. وكان الانتماء القبلي، ورابطة الدم، والتقاليد القبلية التي تسندها العقائد الجاهلية محققة لنوع من الاستقرار وتنظيم الحياة. وكانت القطاعات العربية المتقدمة كالعاملين بالتجارة الخارجية، وكالزعماء الكبار، خاضعة لحماية الروم أو الفرس. حماية يمارسها الروم أو الفرس عن طريق ملوك يتوارثون عروشا مواقعها بين الجزيرة العربية وبين الشام بالنسبة لاتباع الروم، وبين الجزيرة العربية وبين العراق بالنسبة لاتباع الفرس. فالقبيلة والهيمنة الأجنبية كانتا سياج النظام السياسي العربي.
    ثم جاء الإسلام وأطاح بذلك النظام محدثا انفجارا هائلا في الكيان العربي فلم تستقر الأحوال إلا على نظام جديد أحل الأمة محل القبيلة، والنبي أو الخليفة محل زعامة العشيرة، والسيادة أو الرسالة محل التبعية والحماية فتحقق الاستقرار والنظام للمجتمع العربي في سنام الإنسانية بعد أن كان تحت أقدامها.
    ثم جاءت الفتنة الكبرى لتزعج ذلك الاستقرار وألفينا كثيراً من الناس يبحثون عن عوامل استقرار يقاومون بها تفكك التبعية القيادية. ولعل هذا من الأسباب التي ساعدت في نشر الفكرة الشيعية فهي فكرة تجعل القيادة مطلقة وتكفل استمرارها عن طريق الوراثة على نحو ما هو حادث عند الروم الفرس ففي كليهما يتولى القيادة ملك مدعم مركزه بالرئاسة والقداسة مكفول استمراره بالوراثة .
    لئن تطلع بعض الناس للاستقرار في ظل نظام ملكي محتمين بعصمة القائد فإن خصومهم أنكروا تلك العصمة فعثمان أخطأ، وعلي أخطأ، ولا سبيل عندهم لاستقامة الأمور إلا في طهارة الجماعة وسلامة سلوكها فإن تحقق ذلك فإن القائد ليس مهما لأن الجماعة تستطيع تقويمه إذا انحرف عن الجادة. ألم يكن هذا هو شأن القبيلة؟ فالقبيلة كيان جماعي تصونه تقاليده الجماعية من العبث ويقوده زعيم يمارس صلاحيات محددة على سبيل النيابة عن الجماعة لا الهيمنة عليها. لذلك كان من مبادئ الخوارج. أن الخلافة ليست أمرا جوهريا ولا واجبا ولا ترتبط بمؤهلات معينة من حيث الحسب والنسب. والأهمية كل الأهمية معلقة بالكيان الجماعي: بالأمة. فلا بد من طهارتها التامة "وخلع" كل من يلوث تلك الطهارة ولا يعد منها من كان مؤمنا إيمانا لفظيا بل لا بد أن يكون عاملا أيضا. العمل جزء لا يتجزأ من الإيمان. ومن ارتكب كبيرة فلا مكان له في هذا الجسم الطاهر، إنه كافر في الدنيا وسوف يخلد في النار في الآخرة. هذه هي المبادئ التي تعلق بها الخوارج. وإن كنا قد سمينا الشيعة ملكيين فإنه يجوز لنا أن نسمي هؤلاء جمهوريين لأن ما وصفوا به القيادة، أو الخلافة، عندهم يشبه أوصاف النظام الجمهوري.
    لقد احتد الجدال بين الفرقتين. والجدال يورث الإيغال، فأوغلوا وخرجوا من البساطة إلى التعقيد، وانتقلوا من خلاف في السياسة وولاية الأمر، إلى خلاف في العقائد: ففتحوا باب "الكلام" على مصراعيه وركبوا كل صعب وذلول. ولكي نتبع قصة الخلاف سنذكر فيما يلي نبذة عن أهم أفكارهم.
    الجمهوريون:
    قال هؤلاء إن عثمان بن عفان رضي الله عنه مذنب ذنبا كبيرا والمذنب كافر ودمه هدرا ولذلك فإن قتله إجراء مشروع. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه داهن في الحق فلم يعلن تأييده لقتل عثمان وارتكب ذنبا كبيرا آخر عندما قبل التحكيم:كيف يقبل تحكيم البشر بينه وبين معاوية؟ فلا حكم إلا لله ومن حاد عن ذلك فقد خرج عن الدين. ولا هوادة مع الذين يتهاونون في هذه الأمور فلا يلفظون مرتكب الكبيرة ويعدونه كافرا. ولا بد لمجموعة الأطهار هؤلاء أن تنجو بدينها من المتسترين على الذنوب والكبائر وأن تقيم دار سلام يهاجر إليها الأنقياء الأطهار ومن لم يهاجر لدار السلام هذه فهو في دار الكفر مهما تلفظ بالإسلام ودمه هدر وماله غنيمة لأنه كافر وسيخلد في النار. هذه هي آراء الخوارج كما بينها نافع بن الأزرق ومن تبعه فسميت فرقتهم: الأزارقة.
    وقد استطاع بعض هؤلاء أن يحصلوا على السلطة فعلا في إقليم من الأقاليم وأن يقيموا نظام الجماعة الطاهرة المنشودة ولكن الواقع أجبرهم على التنازل عن بعض الأفكار الصارمة وأن يكونوا أكثر مرونة ففعلوا وعدلوا الرأي كالآتي: من لم يهاجر إليهم لم يعتبر كافرا بل هو منافق. والمسلمون عامة ليسوا كفارا بل هم أهل قبلة وتوحيد ولكنهم لعدم حزمهم مع مرتكبي الكبائر يرمون بالنفاق. وسميت هذه الفرقة الأكثر اعتدالا من الخوارج بالنجادات.
    واحتد الجدال بين الفرقتين وتفرق الرأي حول القضايا الهامة التي ميزت الخوارج في بداية الأمر. وخطا الاتجاه المرن خطوة أخرى فنشأت فرقة ثالثة قالت: إن التمييز بين أهل الجنة وأهل النار محال علينا نحن البشر ولذلك لا نستطيع أن نعرف ما يحل بأحدنا في آخرته. فلا سبيل لنا للحكم في الدنيا على مصائر الناس في الآخرة فعلم ذلك عند الله وهو الذي يعلم من سوف يخلد في الجنة ومن سوف يخلد في النار ومن يحاسب بين بين. لذلك وجب علينا ألا نحكم في هذا الأمر فسميت هذه الفرقة بالواقفية. ومن هذا المنطق نشأ اتجاه فرقة أخرى ترى أن مصير الناس في الآخرة ينتظر فيه أمر الله لذلك سميت الفرقة المرجئة واتخذت حجتها من قوله تعالى: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
    وعندما أطل العام السبعون بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد هذا الجدال والتفرق على قدم وساق تدور حلقاته في مدن العراق وتنتشر في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي.
    الملكيون:
    انطلاقا من الولاء للإمام على وبحثا عن نظام مستقر نما التشيّع. ولكن عليّا قتل عام 40هـ(661م) ونجا معاوية من القتل وكان داهية فاستطاع أن يحسم أمر الخلافة لصالحه وأخذ البيعة لنفسه، وأغرى الحسن بن على أن يتنازل له ويبايعه مقابل تلبية معاوية لمطالبه الخاصة فقبل الحسين التسوية وأعطاه معاوية مطالبه الخاصة وبايع هو معاوية على الخلافة وحقن الدماء. وتأمينا لحكمه اقتبس معاوية من مبادئ الشريعة، فأخذ البيعة من بعده لابنه يزيد وحصل من الناس على تلك البيعة طوعا وكرها.
    هكذا تحولت الخلافة إلى نظام ملكي على نحو ما طلب الشيعة ولكنها ملكية أموية لا هاشمية. ولا يخفى هذا من استفزاز لمشاعر الذين شايعوا عليا وابنه الحسن. ولا يخفى ما أثاره هذا النظام غير المألوف في نفس الجماعة الإسلامية لذلك لا يستغرب أن يقابل عهد يزيد كما قوبل بالثورات المتلاحقات وكان أهمها ثورتا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير.
    لقد مات الحسن بن علي مسموما وخلفه أخوه الحسين الذي لم يقبل بيعة يزيد ونهض على رأس جماعة قليلة العدد فحاصرته جيوش يزيد في منطقة كربلاء في عام 60 هـ(680م) فقتلته وقتلت عددا من أعوانه وأهله وبعث برأسه ليزيد.
    لقد تكررت المآسي على آل بيت النبي وتصاعد وقعها في نفوس أشياعهم فقامت بينهم روابط عاطفية قوية ونزعة حماسية لمنازلة الحكم الأموي والثأر لمقتل الحسين. فتكررت ثورات الشيعة ضد بني أمية وصاروا يبحثون في كل مكان عن حلفاء يواجهون معهم سلطان بني أمية. وكان الحكم الأموي ملكا عربيا لم يشأ أن يشرك معه الشعوب غير العربية التي صارت جزءا من الأمة الإسلامية فاتجهت العناصر الطموحة من تلك الشعوب لمعارضة الحكم الأموي والتحالف مع خصومه. لذلك قامت رابطة بين الشيعة والعناصر غير العربية وخاصة الفرس.
    لقد قوي باع الحركة الشيعية وزادتها الاخفاقات السياسية والعسكرية تماسكا وصهرها الجدل بينها وبين الفرق الإسلامية الأخرى حتى تبلورت اتجاهاتها في الآتي: علي بن أبي طالب هو وارث مقام النبي صلى الله عليه وسلم ابنا ه الحسن والحسين، وحفدته من بعدهما، أئمة الأمة الإسلامية بعد النبي. وهؤلاء الأئمة معصومون من الخطأ وحاصلون على قدرات روحية خاصة تؤهلهم للهداية والإرشاد وهم بالتوالي: عليّ ثم الحسن، ثم الحسين، ثم على زين العابدين بن الحسن، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق وهكذا. ومن هذا المنطق تفرعت خلافات سنذكرها في موضعها شتتت الفكر الإسلامي وفتحته لغزوات فكرية أجنبية.

    يتبع...
                  

03-07-2004, 06:32 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثالث

    انقسام الكلام


    قام العهد الأموي ونقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى دمشق ولم يهدأ الجدل حول العقائد بل تزايد فانقسم الرأي حول مرتكب الكبيرة فألح الخوارج أنه كافر ومصيره إلى جهنم خالدا فيها أبدا. وقال آخرون: إنه في منزلة بين الكفر والإيمان. وفي ظل هذا السوق من الجدل تناول المتكلمون أمورا كانوا يتقبلونها مسلمة دون بحث وتعديل. وكان على رأس تلك الأمور التي خاضوا فيها مسألة القضاء والقدر. قال قوم: ما دام كل شيء مقدرا فلماذا نعمل؟ لقد قدر الله كل شيء وليس للإنسان اختيار ولا كسب يخالف ما قدر الله فليقنع الناس بما قسم الله لهم. إن الخير والشر، وأصحاب الجنة والنار، وكل أمر يخطر ببالنا أمور حددها الله في الأزل. والدليل على صحة هذا التفسير متوفر فساقوه. قال تعالى: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وهكذا اعتبروا هذه الآيات هي المحكمة وأولوا كل آية أو حديث وجدوه مخالفا لها، وسمى أصحاب هذا الرأي المجبرة أو دعاة الجبر. وكان هذا الرأي يريح الحكم الأموي ويعطيه سلاحا روحيا ماضيا ضد خصومه. لقد أراد الله أن يلي الأمة بنو أمية فحكمهم بإرادة الله، ورفضه عصيان لتلك الإرادة. فمن كان حسن الإيمان فليكن حسن الإذعان. قال آخرون لا ليس الأمر كذلك فرأي المجبرة لا يوافق العدالة الإلهية: إذا كان الله هو الذي خلق أعمالنا فلماذا يعاقبنا على بعضها؟ ليكون الجزاء عادلا لا بد أن يكون الإنسان مختارا فيثاب على ما يفعل من خير ويعاقب على فعل الشر. والدليل على صحة هذا الرأي متوفر في القرآن. قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال تعالى أيضا: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا دليل على أن الإنسان مختار ويعاقب أو يثاب حسب اختياره وهذا ما يلائم العدالة الإلهية. أصحاب هذا الرأي هم المعتزلة وهم فئة اتجاهها الأساسي هو: أن حقائق الوحي موافقة لحقائق العقل ولذلك ينبغي أن نفسر النصوص الإسلامية تفسيرا عقليا وهذا هو أمر الشارع الذي حثنا على (التدبر، والتفكر واستخدام العقل قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) وتكرر في القرآن قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) . وكثر أيضا قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) . وقوله : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وسيرا في هذا الاتجاه نظروا في نصوص الإسلام فعدوا ما وافق القواعد العقلية محكما وما اعتبروه مخالفا لها عدوه متشابها وأولوه ليوافق القاعدة العقلية.
    هكذا سلكوا بالنسبة لصفات الله. فالله واحد كما قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ولذلك كل الآيات التي تذكر شيئا عن وجهة أو يده أو مكانه آيات متشابهة ومعانيها مجازية. قال تعالى: (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) . فيده تعني قدرته، وقال: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) . فوجهه يعنى ذاته، وقال: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) . الإشارة لكونه في السماء كناية عن سمو مكانته وهكذا.
    لقد بدأ الاعتزال تأويلا عقليا لمعاني الإسلام، وعندما اطلع على علوم وفلسفات أجنبية استعان المعتزلة بها في الدفاع عن موقفهم هذا فصار لهم موقف عقلي متكامل في تفسير حقائق الإسلام وبنى الاعتزال على خمس:
    ‌أ. العدل: ومعناه أن الإنسان مختار ويحاسب على فعله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
    ‌ب. التوحيد: ومعناه أن الله ليس له صفات كصفات البشر فذاته واحدة وصفاته هي عين ذاته.
    ‌ج. الوعد والوعيد: ومعناه أن الله سينفذ وعده ووعيده قطعا. فلا يطمع العصاة في شفاعة ولا يخاف البررة من عقاب.
    ‌د. المنزلة بين المنزلتين: أي أن مرتكب الكبيرة لا هو بمؤمن ولا هو كافر.
    ‌ه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعناه أن يتخذوا موقفا إيجابيا من إرشاد الناس.
    المحافظون:
    لقد ذكرنا أن الاجتهاد والاختلاف في الرأي وجدت لهما شواهد في الصدر الأول من الإسلام. لكنه اختلاف تناول مسائل عملية ذكرناها ولم يتناول أمور العقائد فلم يتناظر الناس عن الجبر والاختيار، ولا عن ذات الله وصفاته، وعندما خاض المعتزلة في هذه الأمور وقالوا ما قالوا. واعترك معهم المجبرة والمشبهة وهم الذين زعموا أن الصفات التي جاءت عن الله من يد، ووجه، وساق، ومكان وغيرها صفات حقيقية وليست مجازية، عندما احتد هذا الجدال والتمس كل أصحاب رأي آيات تدعم رأيهم وكان الأمر كما قال فخر الدين الرازي واصفا له: " إن كل واحد من أصحاب الرأي يدعي أن الآيات الموافقة لمذهبه محكمة، وأن الآيات الأخرى الموافقة لقول خصمه متشابهة، فلا بد من تأويل المتشابهة حسبما جاء في المحكمة".
    عندئذ هب المحافظون على صفاء العقائد، يعارضون الخوض في بحث العقائد ويطالبون بالعودة إلى ما كان عليه الحال قبل الجدال: الإمساك عن الكلام في العقائد. ولذلك عندما سئل الإمام مالك بن أنس عن قوله تعالى: (الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ما معناه؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعه. وقال سفيان الثوري: "عليكم بالأثر وإياكم والكلام في ذات الله". وقال مالك أيضا: " الكلام في الدين أكرهه، وما زال أهل بلدنا يكرهونه، نحو الكلام في رأي جهم، والقدر، وما أشبه ذلك. و لا احب الكلام إلا فيما تحته عمل".
    وكان اتجاه هؤلاء أن العقائد تؤخذ تسليما دون خوض في ماهيتها. أما العلم بالأحكام الشرعية العملية فلا غبار على ذلك. هؤلاء المحافظون يعتمدون على التراث المنقول ويعدونه كافيا لهداية الأمة. علينا أن نقبل ما جاءنا من السلف كما هو وأن نفهمه كما فهموه فإن فسروه فبها وإن سكتوا عن تفسيره نسكت ونؤمن.
    وكان أقوى ممثل لهذا الاتجاه الإمام أحمد بن حنبل الذي كان يرى أن مجرد الرد على الذين يخوضون في أمر العقائد خروج عن جادة الدين. لقد كان هذا الاتجاه الصامت عن الكلام في العقائد هو الموقف الأول لأهل السنة.
    الظاهريون:
    كان التطوير المنطقي لذلك الموقف المعتمد على النص المنقول أن يقفل الباب في وجه التأويلات وأن يقال أن الدين يؤخذ نقلا عن السلف بلا تصرف في شيء.وهذا هو الذي قاله داود بن علي الأصفهاني المتوفى 370هـ (883م) وسمى مذهبه بالظاهري. أي الاهتداء بظاهر الكتاب والسنة وحسب.
    وأوضح تعبير عن هذا الاتجاه جاء على لسان أحد أئمته المتأخرين: الإمام ابن حزم المتوفى 456هـ (1064م)، قال: " إن دين الله ظاهر لا باطن فيه، وجهر لا سر تحته، وكله برهان. وأن كل ما يلزمنا لهدايتنا قد جاءنا منقولا عن السلف فلم يتركوا في الدين نقصا يزداد ولا زيادة تنقص".
    المعتدلون:
    احتدم النزاع الفكري بين فرق الخوارج، والمعتزلة، والمشبهة، والمجبرة، ولمحافظين ومضوا في مباريات تمزق كيان الأمة الإسلامية، وبدأ أنه بالرغم من المنازعات الجانبية فإن الصراع الأساسي دائر بين اتجاهين أساسيين:
    اتجاه التفسير العقلي لحقائق الدين، واتجاه التفسير النقلي لتلك الحقائق. إنهما موقفان متقابلان: قول مفاده أن حقائق الوحي تطابق العقل وكلما كان في ظاهره مخالفا لذلك ينم تأويله ليصير معقولا. وقول آخر مفاده: هذا الدين انتهى إلينا كاملا من السلف وعلينا أن نفهمه كما فهموه منقولا نقلا صحيحا ولا مجال لترتيب حقائقه وفق نظرتنا العقلية القاصرة.
    هذه المعركة هي التي سميت معركة الكلام وعلمها هو علم الكلام وهو علم يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام. وهانحن قد شهدنا أن النزاع قد بلغ حالة حادة فقوم يرفضون مجرد الخوض في الكلام بحجة أن السلف لم يفعلوا ذلك، وآخرون يخوضون ويختلفون: فهل من سبيل إلى اتجاه يوفق بين مدرستي العقل والنقل ويحسم انقسام الكلام؟
    موقف أهل الكلام:
    لقد تصدى للبحث في قضايا الكلام الإمام أبو الحسن الأشعري المتوفى 324هـ (936م). لقد كان الأشعري من المعتزلة وروى أنه رأي الرسول عليه الصلاة والسلام مرات في المنام وأنه دعاه لنصرة أهل السنة. كان الأشعري يسلم بأن وسائل المعتزلة التي تستخدم العقل في فهم حقائق الوحي صحيحة فلا بد من الأخذ بها في الانتصار لرأي أهل السنة ففعل ذلك وصار نهجه هذا يسمى بالأشعرية. وربما كان يطمح أن يكون نهجه هذا حاسما لصراعات الكلام وقاضيا عادلا في النزاع بين العقل والنقل.
    وبيانا لأسلوبه نذكر المثال الآتي:
    كان المجبرة يرون أن أعمال المرء خلقها الله فلا حيلة للإنسان فيما يفعل. والمعتزلة يرون أن أعمال الإنسان اختيارية وهو محاسب على أعماله لأنه حر.
    قال الأشعري في هذا لأمر: أن الله قادر على كل شيء ولا يقع عمل أو حركة إلا بإرادته فهو القادر على كل شيء العالم بكل شيء. والإنسان عندما يفعل شيئا يشعر في نفسه أنه مختار وأن لإرادته دخلا فيما يفعل. وما دام الله هو الخالق لكل شيء فهو الذي خلق الإنسان ويخلق أيضا ما يكون منه من عمل كما يخلق أيضا هذا النوع من القدرة الذي يحسه الإنسان على أعماله. وهذا النوع من القدرة يمكن أن نسميه كسبا لأن الله نفسه أطلق اسم الكسب على أعمال العباد. والنتيجة أن العمل يصدر بتأثير الله ( لأن الخلق للعمل منه) وبتأثير الإنسان ( لأن الكسب للعمل منه) فالتأثير على هذا النحو من الله والإنسان.
    وعلى هذا النحو سار الأشعري منتصرا للعقائد المنقولة بالبراهين المعقولة.
    لم يرض أهل السنة في بداية الأمر عن الأشعرية ولكن بمرور الزمن صار غالبتهم أشعرية.
    يتبع...
                  

03-07-2004, 06:40 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الرابع

    انقسام الفقهاء

    لم تهدأ المعارضة للعهد الأموي وقد ائتلف ضده كما شهدنا الشيعة وشعوب إسلامية غير عربية وظهر الوهن عليه حتى قال أحد رجالهم وهو العباس بن الوليد بن عبد الملك ينبه أهله:
    إن البرية قد ملت سياستكم
    فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا
    لا تلحمن ذئاب الحي أنفسكم
    إن الذئاب إذا التحمت رتعوا

    واستغل قضية الشيعة بنو العباس وارتبطوا مع حلفائهم من الفرس وقاموا بثورة هدمت ملك بني أمية وأقامت الدولة العباسية في 132هـ (750م) وكان بنو العباس حريصين أن يتفادوا ما رمى به بنو أمية( إذا استثنينا عمر بن عبد العزيز) بأنهم لم يهتموا كثيرا بإخضاع الدولة لمطالب الشرع. لذلك استكتبوا الفقهاء الأحكام الشرعية واهتموا بما كتب في هذا الصدد.
    لقد كان المتعارف بين الفقهاء أن ثمة أصولا أربعة لاستنباط الأحكام الشرعية هي: القرآن، السنة، القياس، الإجماع، ولكنهم اختلفوا في كثرة الاعتماد على أصل من الأصول دون آخر، وفي الركون إلى بعض الأحاديث المتضاربة دون البعض. وكان أهم اختلاف بينهم ما قام بين أهل الرأي وأهل الحديث.
    أهل الرأي وأهل الحديث:
    كان الصحابة يستندون في فتواهم أولا إلى كتاب الله ثم إلى السنة النبوية فإن لم يجدوا نصوصا فيهما قاسوا على تلك الأصول وأفتوا بالرأي. وكان منهم من يحرص أن يقف عند الفتوى على الحديث: يفتي في كل مسألة بما يجده من حديث يستند إليه. وكان فريق آخر يرى أن الشريعة معقولة المعنى، ولها أصول يسهل الرجوع إليها فكانوا لا يخالفون ما يجدون في كتاب الله وسنة الرسول ولكنهم كانوا لا يحجمون عن الفتوى برأيهم فيما لم يجدوا فيه نصا.
    هكذا وجد أهل حديث وهم فقهاء يقفون عند ظواهر النصوص دون بحث في عللها وقلما يفتون برأي. وأهل رأي يبحثون عن علل الأحكام ويربطون المسائل بعضها ببعض، ويقدمون على الإفتاء برأيهم إذا لم يكن عندهم نص مقيد. ولما كان الحجاز أكثر حظا من سنة رسول الله وأقل خوضا في الرأي كان أهله أهل حديث. ولما كان العراق أقل حظا من حديث وأكثر خوضا في رأي ولما كانت بغداد عاصمة الدولة الكبرى الجديدة ومحط الرجاء في معالجة مشاكل حياة جديدة معقدة على هدى الشريعة الإسلامية، كان أهل العراق أهل رأي.
    إمام أهل الرأي:
    ذلك هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى 150هـ (767م) ونهجه هو الاستناد على الكتاب والسنة في استنباط الأحكام الشرعية. ولكنه فهم أن هذه الشريعة لا بد أن تكون لها مصالح مقصودة التحصيل من أجلها شرعت، وصح له اعتبار هذه المصالح فجعلها أساسا للاستنباط فيما لم ير فيه نصا من كتاب وسنة. وفضل أبي حنيفة على فقه الشريعة الإسلامية أنه ورجال مذهبه هم الذين رتبوا أبواب الفقه وجمعوا مسائله في الأبواب المختلفة.
    إمام أهل الحديث:
    ذلك هو مالك بن أنس المتوفى عام 179هـ ( 795م ). وهو الذي دون الأحكام الشرعية مبوبة مرتبة معتمدا على المنقول من السنة أكثر من اعتماده على الرأي بل كان هو ورجال مذهبه يعتبرون الرأي ضرورة لا يلجأن إليها إلا للضرورة القصوى.وألف مالك الموطأ وجمع فيه القوي من حديث أهل الحجاز وأضاف إليه أقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
    الإمام الموفق:
    كما اعتبرنا النهج الأشعري محاولة لتوحيد الفكر الإسلامي بالتوفيق بين اتجاهي العقل والنقل فإننا نعتبر مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى 204هـ (819م) محاولة للتوفيق بين اتجاهي الرأي والحديث. لقد كان الشافعي تلميذا لمالك وعندما قدم إلى العراق ووجد هجوما على مالك دافع عنه منتصرا لأهل الحديث. ثم ذهب إلى مصر وأعاد النظر في مذهب مالك فظهرت له مآخذه: وجده يقول بالأصل ويدع الفرع، ويقول بالفرع ويدع الأصل: ثم بين أن الادعاء أن إجماع أهل المدينة حجة في بيان الأحكام قول ضعيف. لقد اتضح له أن بينه وبين شيخه اختلافات هامة فماذا يفعل؟ قال: "استخرت الله تعالى في الأمر" وبعد تلك الاستخارة جاء بما لم تستطعه الأوائل.
    ماذا فعل الشافعي؟ لقد جمع أصول الاستنباط الفقهي وقواعدها وجعلها علما مميزا وجعل الفقه تطبيقا لتلك القواعد وبهذا امتاز مذهبه.
    الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الثابتة للأفعال الإنسانية كالوجوب والحظر والإباحة والندب والكراهية. وأصول الفقه ( وهو العلم الذي رتبه الشافعي) هو بيان أدلة هذه الأحكام ومعرفة وجهة دلالتها.
    لقد كان الناس قبل الشافعي يستخدمون مبادئ أصول الفقه ويستدلون به ولكن لم يكن لهم قانون كلي يرجعون إليه في معرفة الأدلة الشرعية وفي كيفية ترجيحها. وفضل الشافعي أنه استنبط أصول الفقه ووضع قانونا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع هادفا بذلك إلى وضع المقاييس التي تحسم النزاع بين أهل الرأي والحديث.
    قانون الشافعي:
    الأصل في الهداية كتاب الله. وقد قال تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) والبيان هو إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي.
    ووجوه البيان خمسة:
    ‌أ. ما أبان الله في كتابه نصا جليا.
    ‌ب. ما أبان في كتابه بنص يحتمل أوجها عديدة فدلت السنة على المراد منه.
    ‌ج. ما أبان الكتاب غاية البيان في فرضه، وأوضح الرسول كيف فرضه، وعلى من فرضه، ومتى يزول فرضه ويثبت.
    ‌د. ما قال الرسول ولم يرد في القرآن؟ وقد فرض الله طاعة الرسول فمن أذعن لذلك فبغرض من الله.
    ‌ه. ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه وهو القياس والقياس هو ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب والسنة.
    وأضاف الشافعي معلقا على الوجه الخامس: "وهذا الصنف من العلم ( يعني الاجتهاد) دليل على ما وضعت قبل هذا. على أن ليس لأحد أبدا أن يقول في شيء حل ولا حرم إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الاجماع أو القياس.
    وشرح الشافعي تفاصيل تلك الوجوه وضرب لها الأمثال ووضع هذا القانون العام: "نحكم بالكتاب والسنة المجمع عليها التي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا حكمنا بالحق في الظاهر والباطن. ونحكم بسنة رويت في طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها فنقول حكمنا بالحق في الظاهر، لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث. ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورية لأنه لا يحل القياس والخبر موجود" .
    ولكن الخلاف استمر حتى بين أصحابه وكان بينهم من أكثر في احترام المأخوذ من النصوص فأدى هذا إلى نشأة مذهب الإمام احمد بن حنبل المتوفى 241 هـ (855م) وهو مذهب كثير الحرص على الاعتماد على النص والنقل دون سواهما إلا في حدود ضيقة جدا.

    يتبع...
                  

03-07-2004, 06:48 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الخامس

    تجاوز النطاق


    لقد كانت آراء الخوارج والشيعة في بداية أمرها محدودة غير مجافية للأصول الإسلامية. كذلك كان انقسام أهل الكلام بين العقل والنقل دائرا في نطاق نصوص الإسلام مع اختلافات في تأويلها، أما اختلاف الفقهاء بين الرأي والحديث وما ذهبوا إليه من مذاهب، فكان كما رأينا محصورا في الفروع وكان في بداية أمره متحليا بقدر كبير من المرونة والتسامح.
    لكن أمورا طرأت على الأمة الإسلامية وسعت الخلافات المحدودة وأدخلت نحلا وأفكارا غريبة على ملة الإسلام.
    ففي نطاق السياسة انتقل الحكم من المدينة، إلى دمشق، ثم بغداد ولم تكن القيادة عربية محضا كما كانت في المدينة ودمشق بل صار الحكم في بغداد مشاركة بين العرب والفرس وغيرهما من شعوب الدولة الإسلامية الكبرى- وهو أمر حثت عليه مبادئ الإسلام ودفع إليه الواقع الجديد. ومع أن لسان هذا الكيان الجديد كان عربيا فإن فكره صار إسلامي المبدأ، شرقي أو عالمي التعبير والمفاهيم، وتشعبت المصالح الاقتصادية في دولة صارت قائد الدنيا في الزراعة والتجارة، والصناعة، والحرف والعلوم.
    وانعكس الحال السياسي والاقتصادي الجديد على الحياة الاجتماعية فأصبحت العلوم مدونة، مرتبة، لها نظمها، ومتخصصوها، ومعاهدها وصار للتعليم معاهده وللاستشفاء مراقده. وتنوع الأدب والفن يخدم أغراض حضارة شرقية جديدة سلخت رداء الريف والبادية ورفعت لواء دين عالمي مفتوح الذراع وافر الحماس والاستعداد لرعاية شئون الكون.
    ودخلت في نطاق الدولة الكبرى، منذ أيام الفتوحات: الشام، والعراق، ومصر ، وشمال افريقيا، وإيران والأندلس، ودخلت مع تلك الأقاليم معاهد الحكمة القديمة في الرها، ونصيبين، والإسكندرية، وإنطاكية، وكان اللقاح الفكري بين حملة الدين الجديد وأهل تلك المناطق محدودا في بداية الأمر. فالسلطة الإسلامية لم تكره أحدا على النطق بالإسلام ولكن بمرور الزمن أقبلت الشعوب المغلوبة على الإسلام إقبالا.
    واهتمت السلطة العباسية بترجمة تراث الشعوب الأخرى. لقد كان الإلمام بذلك التراث قبل العصر العباسي محدودا في نطاق المشافهة. ولكن في عهد أبي جعفر المنصور132 هـ (750م) بدأت ترجمة ذلك التراث وخاصة المسائل العلمية منه نحو الطب، والتنجيم الرياضيات. ثم فتح باب الترجمة على مصراعيه في عهد المأمون بن الرشيد.
    كان الشرق الأوسط موطن عدة أديان: اليهودية والمسيحية والزردشية، والحرانية وغيرها وفرقها المتشعبة. وكان أصحاب تلك الأديان قد رحبوا بالفتح الإسلامي نجاة لهم من نظم مستبدة. ووجدوا جميعا قدرا معقولا من التسامح والحرية الفكرية والدينية. ولما لم يكن في الإسلام سلطة دينية تحسم قضايا الحق والباطل بقرارات وجد أصحاب الآراء المختلفة والعقائد متسعا للجدل والمناظرات.
    في هذا السوق العالمي تلاقح الفكر،الرأي، والاعتقاد ونشأت تيارات في الفكر الإسلامي تجاوزت نطاق عقائده والمعهودة.
    وتكملة لقضية الخلاف سنبحث هذه الطفرات تحت ثلاثة عناوين: التشيع، والتصوف، والتفلسف.
    التشيع
    قصة التشيع بدأت، كما رأينا، قصة حب وإعجاب بشخصية أخاذة من رجال الإسلام وانطبق على هذا الحب والإعجاب انفعال بما لحق علي بن أبي طالب وبنيه من مظالم والتهبت تلك المشاعر تحت ضغط سياسة القمع التي اتبعها بنو أمية نحو الشيعة ثم غدر بني العباس لهم، وانفرادهم بالأمر وتسليط العذاب والحرمان عليهم. فاقترن التشيع بالتمرد ضد السلطة، وكلما زاد الاضطهاد، وأخفقت الثورات كسب التشيع عمقا عاطفيا وفكريا جديدا في نفوس أصحابه. والتقط التشيع أثناء تعمقه في تلك النفوس والقلوب معاني اقتبسها من أفكار وافدة على البيئة الإسلامية.
    صارت عقيدة الشيعة في أواخر القرن الثامن الميلادي هي: إن الإمامة ليست من الشئون التي تترك للبشر بل هي كالرسالة تجري بأمر الله وتعيينه للإمام. والإمام معصوم وحائز على علوم سرية إلهية لا يعرفها غيره. وطاعة الإمام واجبة ومخالفة أمره تخرج المخالف من ربقة الإسلام. الإمام الأول هو علي بن أبي طالب وقد نص رسول الله على تعيينه خليفة له، والإمام الثاني هو الحسن ابنه، والثالث هو الحسين، والرابع علي بن زين العابدين، والخامس هو محمد الباقر، والسادس هو جعفر والتاسع هو محمد التقي، العاشر هو على النقي، والحادي عشر هو الحسن العسكري، وخلفه ابنه محمد الحسن العسكري المولود في 255هـ (896م). ومحمد هذا هو الإمام الثاني عشر ويعتقد الشيعة أنه ما زال حيا، وأن الرسول قال في حقه: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يوافق أسمه اسمي.
    نبذة عن التشيع:
    هؤلاء الأئمة كانوا في الغالب محجمين عن القيام بأي نشاط قيادي: لقد رأينا أن الحسن تنازل عن الخلافة لمعاوية. كذلك تعايش جعفر الصادق مع الدولة العباسية وتبعه في خطته هذه ابنه موسى الكاظم. وكان لجعفر الصادق ابن آخر أكبر من موسى الكاظم واسمه إسماعيل وكان إسماعيل قد اسخط والده عليه مما جعله يحرمه من أن يكون خليفته، لم يكن إسماعيل راضيا عن خطة والده ولا على مهادنة السلطة العباسية فانصرف لتنظيم نشاط سري ثوري وكان مستمتعا بتأييد بعض الشيعة إذ قالوا: لا يحق لوالده حرمانه من الخلافة لأن سلسلة الخلافة إلهية محددة منذ الأزل فلا يحق لبشر تعديلها. وكان هؤلاء الذين شايعوا إسماعيل هم الإسماعيلية.
    لقد كان المأمون مشغولا بتوحيد المسلمين فحاول فرض الاعتزال على كل أهل القبلة، وحاول التوفيق بين النظام العباسي والشيعة فزوج ابنته لإمام الشيعة الثامن على الرضا وأعلنه ولي عهد الخلافة من بعده. لكن على الرضا مات قبل موت المأمون وعلى أية حال فإن سياسة المأمون المذكورة لم تكن ناجحة. وبعد وفاة المأمون انصرف بنو العباس عن سياسة احتواء الشيعة وأمر الخليفة العباسي بسجن الإمام العاشر على النقي. وظل حبيسا حتى توفاه الله في (868م) وبعد موته سيق إلى الحبس الإمام الحادي عشر الحسن العسكري ثم أطلق سراحه قبل وفاته. وبعد وفاة الحسن صار الإمام ابنه محمد. وكان أهله يخافون عليه الحبس فأخفوه وهو صبي في سن التاسعة من عمره في سرداب في دار أبيه. ومهما كان من أمره بعد ذلك فإن الشيعة يعتقدون أنه حي وسيعود يوما ليملأ الأرض عدلا. هؤلاء الذين فصلنا عقائدهم هنا هم الفرقة الإثناء عشرية.
    أما الإسماعيلية فقد نشأ بينهم تنظيم سري ثوري كامل. وجندوا الأعوان والدعاة وبثوا دعايتهم في كل بقاع العالم الإسلامي. وفي أوائل القرن العاشر الميلادي حالفهم الحظ فأقاموا الدولة الفاطمية في تونس. واتسعت دولتهم حتى استولوا على مصر عام 296هـ (969م). وشيدت مدينة القاهرة.
    لقد اتخذت الحركة الإسماعيلية أسلوبا دقيقا للثورة السرية فإذ هموا بتجنيد أحد تفرسوا حاله ثم استمالوه بما يحب، ثم شككوه في العقائد الأخرى، ثم اتخذوا معه عهدا: أن يلتزم السرية، وأن يرجع للإمام في كل ما يشكل عليه من أمر، والتسليم بما يقوله الإمام. ومن الأساليب التي عرفت عنهم التدليس: وهو استمالة الأفراد بإيهامهم أن أكابر الدين والدنيا معهم. والخلع وهو القول بوجود مرحلة تسقط فيها عن الشخص التكاليف البدنية. والسلخ وهو تأويل الاعتقادات والشرائع.
    ولما كانت الإسماعيلية حركة ثورية فقد تحالفت مع غيرها من الحركات الرامية لتبديل الأوضاع مثل حركة أخوان الصفا ، وتفرعت من الإسماعيلية فرق عديدة مختلفة الأغراض نذكر منها:
    الحشاشون: وهم تنظيم سري يحصل على ولاء أعضائه بوسائل التخدير والوعود ويستخدمهم وهم في قمة الانقياد في اغتيال الخصوم والأعداء لنشر دعوته.
    الدروز: من الفرق التي تفرعت من الإسماعيلية وينسب لهم الإيمان بأن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله المتوفى 1021م قد حلت فيه الذات الإلهية. وعندهم تنظيم سري وأفكار مضنون بها على غير أهلها. وتفرع من الإسماعيلية أيضا الفرق العلوية أو النصيرية واعتقادهم هو أن علي بن أبي طالب حلت فيه الذات الإلهية فهو في مرتبة تفوق النبوة.
    أما الفرقة الاثنا عشرية فقد اعتنقتها الأسرة الصفوية في إيران وعندما اعتلى العرش الشاه إسماعيل الصفوي في أذربيجان في 906هـ (1500م) جعل المذهب الاثني عشري مذهب الدولة الرسمي.
    ومن الاثني عشرية تفرعت البابية التي كونها السيد علي محمد الشيرازي الذي أعلن في 1260هـ (1844م) أنه الباب: أي طريق الاتصال بالإمام الغائب. ولكنه بعد فترة عدل عن هذا الرأي وأعلن أن معنى الباب هو أنه وسيلة معرفة الحقيقة الإلهية. وأتباع الباب يعتقدون أن الحقيقة الروحانية المنبعثة من الله قد حلت فيه حلولا جسمانيا. وأن الأنبياء جميعا من لدن آدم قد تجسدوا في شخصه واتخذوه سبيلا للعودة للدنيا مرة أخرى. وأعلن الباب أن هذا التجلي للروح الإلهية سوف يتجدد في المستقبل ليواظب على هداية البشرية.. وكتب كتابا سماه "البيان" فسر فيه الإسلام تفسيرات باطنية وركز اهتمامه على وجوب التآخي بين البشر والمساواة التامة بين الرجل والمرأة.
    وتفرع من البابية البهائية وهي فرقة اتبعت ميرزا حسين على نوري أحد أعوان الباب. وقد أطلق عليه لقب بهاء الله. وزعم الباب أن الله تجلى فيه وتجاوز البابية قائلا: إن الشريعة الإسلامية نسخت تماما وحل محلها دين عالمي هو الداعية اليه.
    هكذا دون أن نتقيد بالمراحل التاريخية تفرع الفكر الشيعي وغادر مواطنه المبسطة إلى تفاريع معقدة خارجة.
    يتبع الفصل الخامس....
                  

03-07-2004, 06:54 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    التصوف
    التصوف نزعة تجعل الإنسان زاهدا في الحياة المادية متجها نحو المعاني الروحية، وهو بهذا المعنى ظاهرة عرفتها كل البيئات باختلاف بينها في التفاصيل. وتروي لنا كتب السيرة أن أول حال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلوة والتبتل إلى جبل حراء حيث كان يخلو بربه ويتعبد حتى قالت العرب: "إن محمدا عشق ربه". وفي مسيرة الرسول ألوان من الإكثار من الذكر والتعبد والزهد. روى أنه قال: " مالي وللدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف، ثم راح وتركها". وروي عنه ألوان من الزهد: نحو ترقيع ثوبه وقوله لعائشة:" لا تخلعي ثوبا حتى ترقعيه".
    وفي كتاب الله آيات تحث على الإعراض عن الدنيا ومباهجها، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) وفي كتاب الله آيات تدل على أن المؤمن يستطيع أن يرتقي في درجات القربى من الله فينال مكانة أدنى وأكرم. قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) . وقال: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) .وقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وفي هذا الصدد روى حديث قدسي أنه قال: "مازال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته صرت يده التي يبطش بها، وقدمه الذي يسعى به، ولسانه الذي ينطق به". (أي أن نور الله يهدي سائر أفعاله). وفي النصوص الإسلامية دلائل على أن الأعمال بظاهرها لا تكفي فلا بد من إخلاص النوايا، قال عليه الصلاة والسلام: " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى".
    تلك الأصول الإسلامية هي التي نبت منها التصوف الإسلامي وهي: الزهد في الدنيا، والإكثار من العبادة فوق المكتوبة، وإخلاص النوايا قبل الأعمال، والتطلع لقربي روحيه مع الحق عز وجل.
    وتحدثت الروايات عن سلوك بعض الصحابة فقيل أن أول من آثر العزلة من الصحابة هو أبو ذر الغفاري وقيل عنه أنه يمشى بزهد عيسى بن مريم وهو سيد أهل الخلوة . وقيل أن الصحابي حذيفة بن اليمان كان يتحدث عن المعاني الروحية الكامنة وراء العبادات . وقيل أن الحسن البصري المتوفى 110هـ (728م) أخذ عن حذيفة الاهتمام بتلك المعاني والتحدث عن تلك الخفايا النفسية للتكاليف الإسلامية وقيل أن أبا حمزة الصوفي أخذ عن الحسن البصري ذلك الاتجاه.
    وكان أول ما واجه هؤلاء الزهاد المشغولين بأسرار الأعمال وبواطنها موضوع الظاهر والباطن. فمن بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم كثيرون كانوا يحرصون على تفهم النصوص الإسلامية بظاهرها الذي تدل عليه ولكن آخرين وجدوا أن هذا ليس ممكنا في كل الأحوال. ففي قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) . إذا نحن تبعنا التفسير بالمعنى الظاهر وجب علينا أن نقدر للسماء والأرض حياة، وسمعا، وبصرا، لفهم المخاطبة والامتثال. وهذا لا يستقيم فلا بد أن نقدر أن المشار إليه في الآية هو لسان الحال وأن المراد بيانه هو إنباء عن كون السماء والأرض مسخرتين بالضرورة. وفي قوله تعالى حاكيا المناظرات بين أهل الجنة وأهل النار: (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ) فالتفسير بظاهر المعنى يلح على حرفية العبارة والتفسير الآخر يشير إلى أن المعنى المراد هو لسان الحال. وهكذا الحال بالنسبة لتفسير الحديث نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن". فالمعنى الحرفي يبدو غريبا وبالتأويل يستقيم المعنى.
    هكذا أخذ فريق من الزهاد يتحدث عن المعاني الباطنية لكل النصوص الدينية ويعدون أنفسهم أهل حقيقة لا تكشفها النصوص المنقولة بل يهتدي إليها قلب المؤمن بنور الله. وهم يسوقون الدليل مع الدليل على أن للأمور أسرارا وراء الظاهر وأن قلب المؤمن هو الذي يهتدي بنور الله وينفذ لمعرفة تلك الأسرار. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك"، وقوله: " استفت نفسك وإن أفتاك المفتون". وهذا ما قال به المتصوفون. وصاروا يعدون لأنفسهم مكانة خاصة في الدين فلا تكاليفهم كتكاليف عامة الناس ولا عباداتهم كعبادات سائر الناس ولا هم مخاطبون بالنصوص الشرعية العادية: سئل أحدهم، كم يجب من الزكاة في مائتين درهم؟ قال: "أما على العامة فخمسة دراهم، أما نحن فعلينا بذل الجميع".
    ولو بقى الأمر في تلك الحدود لكان لونا من ألوان التفسير لنصوص الإسلام. ولكن إفساح مجال التأويل الفردي بغير حدود والتعرض لمؤثرات دينية وفكرية وافدة عقّدا الفكر الصوفي وأعطياه طابعا شديد التأثر بتراث فارس، والهند، واليونان.
    لقد كان أقوى أثر لتراث الهند هو القول بالأحدية أي أن الله والكون في النهاية واحد وأن ما يبدو لنا من تعدد في الوجود مرجعه للوهم. فإن تخلصنا من الوهم لوجدنا أن الكل في النهاية واحد. ومن هذه الأحدية نشأت فكرة وحدة الوجود وهي التي تقول: إن الموجودات التي نشهدها في الكون كالبشر، والحيوانات، والنباتات، والجمادات مظاهر ناقصة لذات كلية واحدة. ومن آثار هذا الفكر أيضا فكرة الحلول ومعناها: أن الموجودات التي في الكون ليست مستقلة الوجود بل الإله يتجلى في مخلوقاته كلها. هذه الأفكار صارت سارية لدى المتصوفة فصاروا يقولون: إنما يستوحش العباد والزهاد من الأشياء لغيبتهم عن الله. ولو شهدوا الله في كل شيء لم يستوحشوا من شيء. والاستدلال من المخلوقات لخالقها من المعاني الواردة في كل النصوص الإسلامية حتى أن الشاعر صاغها في قوله:
    وفي كل شيء له آية تدل على إنه واحد
    ولكن الفكر الصوفي لم يعد يقبل هذا فقال ابن العربي مبدلا معنى هذا البيت:
    وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه
    فما الوجود إلا الله، ولا يعرف الله إلا الله وفي هذا المعنى قال من قال: أنا الله.
    وهكذا ازدحم الأدب الصوفي بهذه المعاني: روي أن أحد الصوفية عندما سمع قول الشاعر يصف معشوقته بقوله:
    وجهك الوضاح حجتنا يوم يأتي الناس بالحجج
    عندما سمع هذا البيت مات من شدة الوجد لأنه عد ذلك الجمال تجليا لجمال الله.
    وضمن ابن الفارض مذهب وحدة الوجود في بعض أشعاره إذ قال:
    وفي الصحو بعد المحو لم أك غيرها
    وذاتي بذاتي إتحلت تجلت
    وما زلت إياها، وإياي لم تزل
    ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

    إن مذهب وحدة الوجود إن سلمنا به يضع حدا نهائيا لميزان الأخلاق ولكل التكاليف لأن كل شيء في الوجود ليس إلا مظهرا لله وفي ذلك الخير والشر يستويان.
    وكان ابن العربي أوضح معبر عن منتهى الفكر الصوفي وكان يرى أن الخاصة من الناس يبلغون الولاية، والولاية مرتبة يستطيع صاحبها أن يطلع على أسرار الوجود وعلى الغيب. ولا فرق بين الولي والنبي إلا أن النبي ينزل عليه التشريع.
    ومحمد عليه الصلاة والسلام ليس بشرا رسولا في نظره بل هو الواسطة بين الله والكون. وفكرته هذه تشابه بعض ما في الفكر اليوناني الذي يرى أن الله لم يخلق الكون مباشرة لأن الله كامل والكون ناقص وصدور الناقص عن الكامل محال. والذي يصدر عن الله أو واجب الوجود هو النفس الكلية أو العقل الأول. وكان أفلاطون يرى أن الذي خلق العالم إله تنفيذي غير الإله الواحد. فبين الإله والكون واسطة هي إما النفس الكلية وإما العقل الأول وإما الإله التنفيذي.
    وهذه المفاهيم اليونانية الأصل هي التي أثرت في الفكر المسيحي وجعلته ينادي بوجود دور الهي للسيد المسيح فيغير طبيعة المسيحية من دين توحيدي خالص كما كان يرى آريوس إلى دين يؤله السيد المسيح إلى جانب الإله الأب وهذا ما دعى إليه القديس بولس. لقد نسج بولس من الديانة المسيحية ذات الأصل التوحيدي، ومن الفلسفة اليونانية نسيجا لم يكن واردا في تصورات الحواريين، الذين كانوا يعتبرون السيد المسيح مصححا للدين اليهودي مركزا على جوانب الهداية الروحية والخلقية التي نبأعنها رجال الدين لا إلها ذا دور الهي ناسوتي في الكون.
    وتحدث ابن العربي عن الحقيقة المحمدية وهي في نظره العماد الذي قامت عليه قبة الوجود. والحقيقة المحمدية هي القوة المدبرة للكون منذ الأزل وإلى الأبد. وهذا المعنى الذي يضع محمد صلى الله عليه وسلم حلقة في عقد الوجود بين الله والكون تسرب إلى الأدب الشعبي وصدح به المادحون ومن ذلك قول الشاعر يمدح الرسول:
    لولاه ما كان أرض لا ولا افق
    ولا زمان ولا خلق ولا جيل

    ودور النبي هذا دور أساسي في نظام الكون بدأ قبل مولده في الدنيا واستمر بعد وفاته. والنبي الذي هو صاحب الحقيقة المحمدية المدبرة لشئون الكون متصل بالناس عن طريق أولياء الله. ويشير ابن العربي لوجود دولة في الغيب يتم عن طريقها تدبير شئون الحياة. الأولياء على اتصال مباشر بالناس وهم بدورهم يتصلون بالحقيقة المحمدية المدبرة للكون نيابة عن الحق عز وجل. وهؤلاء الأولياء لهم في كل زمان رئيس هو الغوث وهو الواحد هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. تحت الغوث الأوتاد وهم أربعة، مكلفون بالقيام بشئون أركان العالم الأربعة. ثم يأتي تحتهم البدلاء وهم سبعة. وتحت هؤلاء النقباء وهم ثلاثمائة وعليهم استخراج خبايا النفوس، وتحتهم النجباء وهم أربعون وهم الذين يحملون أثقال الخلق. تلك هي دولة الصوفية وقد يصفها غيرهم بتفاصيل مختلفة ولكن الحقيقة المتفق عليها أنها دولة في الغيب يعرف حقيقتها أولئك الذي يبلغون مقاما روحيا خاصا هو مقام الحضرة وهو اجتماع روحي تتكشف فيه حقائق الأمور.
    وإلى جانب مقام الحضرة الذي يبلغه خواص الأولياء مقامات أخرى يبلغها الصالحون عن طريق العبادات، والمجاهدات، والتجرد والزهد. نحو مقام التوبة وهو الندم بالقلب عما ارتكب المرء، ومقام الفقر والفقراء مراتب أعلاها من لا يملك شيئا ولا يقبل إن أعطاه الناس، وأدناها من لا يملك شيئا ويقبل إن أعطاه الناس.. وهكذا فالمقامات على كثرتها تنال بالجهد المتواصل وخلاف المقامات توجد الأحوال وهي نوازل تنزل على المرء فيضا من الله نحو: حال الحب، وحال الإنس بالله وهكذا.
    وعندما أطل القرن العاشر الميلادي صار التصوف يقدم لأهله تفسيرا كاملا للوجود ولمكانة الإنسان فيه ولعلاقة الإنسان بالله. ومن لوازم هذا التفسير إن بعض الناس ينالون مكانة خاصة في نظام الكون وفي علاقة الله بالإنسان: أولئك هم أولياء الله. وحول الأولياء التف المريدون والطلاب يلتمسون النجاة والرشاد. هذا الاتصال بين المريد والولي حلقة أساسية لا بد أن يسعى إليها كل مريد لأنه عن طريق الولي يتصل بسلسلة الأولياء التي تنتهي من طرفها الآخر بالنبي عليه الصلاة والسلام. فمن لا شيخ له فهو هالك ولا سبيل له للتعلق بحبل النبي. على هذا الأساس قامت الطرق الصوفية فأقبل الناس وخاصة العامة إقبالا شديدا عليها حتى كادت تضم الناس كلهم في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي. وكان من أسباب رواجها أنها لبت حاجات نفسية للجماهير.
    لقد صارت القيادة الرسمية (أي الخلافة) بعيدة عن حياة الناس يحيط بها الصولجان ويحمي طريقها الحجاب ويتقلب خلفاؤها في علوية من قيصيرية قيصر أو كسروية كسرى. وطبقة العلماء رجال الفقه ولاة القضاء والإرشاد الديني أبعدتها الوظائف من الاتصال بالجماهير واحتلال المكانة في نفوسها فوجدت الجماهير في الطرق الصوفية وفي شيوخها إشباعا لما تتطلع إليه من قيادة وحلقات انتماء.. وسهل على الشخص العادي أن يلتمس النجاة في علاقة مباشرة بشيخ الطريق وصعب عليه طلبها في مبادئ مجردة. ولقرب الطرق الصوفية من البيئة الشعبية استخدمت وسائل في ذكر الله، ومدح الرسول، وإحياء للمناسبات الاجتماعية، والدينية، مستمدة من الأدب الشعبي والفنون الشعبية فدقت الطبول، أنشدت الأناشيد، أحرقت البخور، وخاطبت العاطفة الدينية في نشوة من الحماس والطرب. وكان المسلم العادي الذي توارث الاعتزاز بالإسلام، وبالأمة الإسلامية، يلمس منذ منتصف القرن الثالث عشر الميلادي سحابات قاتمة جدا في سماء دنياه. وكان يهرب من ذلك الواقع القبيح عن طريق قصص الغيب والكرامات التي وفرتها له الطرق وروادها فكانت نوعا من العلاج الجماعي لأسقام الجماعة.
    هكذا بدأ التصوف بسيطا إسلامي المولد ثم تعقد واقتبس حتى خرج من النطاق. وبالرغم من هذا فإن ظروفا جعلت التصوف عن طريق الطرق الصوفية يقدم للجماهير ديانة شعبية في حمى الإسلام.
                  

03-07-2004, 06:57 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    التفلسف
    الفلسفة تعبير يوناني من كلمتين هما فيلا ومعناها إيثار وسوفيا ومعناها الحكمة أي إيثار الحكمة. لقد عرفت الفلسفة أمم قبل اليونان كأهل الصين، والهند وغيرها وأثرت أفكارها في فلسفة اليونان. لكن الفلسفة التي عرفها العرب يونانية الأصل. قال الشهرستاني: "فإن الأصل في الفلسفة والمبدأ في الحكمة للروم وغيرهم كالعيال عليهم" .
    لقد انتقلت مراكز ومعاهد الفلسفة اليونانية حتى صارت منذ منتصف القرن السابع الميلادي في الإسكندرية وصارت بعد ذلك في مدارس الرها، ونصيبين، وإنطاكية وظلت فيها حتى القرن الثامن الميلادي. وكانت تلك البلدان جزءا من العالم الإسلامي الذي بدأت فيه حركة الترجمة والنقل في القرن الثامن كما أوضحنا سابقا.
    وعندما اطلع المسلمون على الفلسفة اليونانية أعجبتهم فيها أشياء عديدة: وجدوا في تراثها علوما تفيد فوائد عملية، ووجدوا دقة رائعة في الرياضيات والمنطق، ووجدوا أن علم الإلهيات يستدل بوسائل عقلية خالصة على موجود أزلي واحد، وعلى نفس إنسانية، وعلى عالم مفتقر إلى ذلك الواحد الأزلي، ووجدوا أيضا بحثا رائعا لفضائل الأخلاق واستدلالا قويا على فضل الخير وبغض الشر. لقد نالت هذه الأمور إعجابهم واعتبروها دلائل عقلية عرفها الإنسان قبل الوحي على صحة حقائق الوحي.
    وفي هذا المعنى قال الفارابي:
    " ولولا ما أنقذ الله أهل العقول والإذعان بهذين الحكيمين (يعني أفلاطون وأرسطو) ومن سلك سبيلها ممن وضحوا أمر الإبداع بحجج واضحة مقنعة، وأنه إيجاد الشيء لا عن شيء وأن كل ما يتكون من شيء ما، فإنه لا محالة إلى ذلك الشيء. والعالم مبدع من غير شيء فمآله إلى غير شيء.. فما شاكل ذلك من الدلائل والحجج والبراهين التي توجد كتبهما مملوءة منها، وخصوصا ما لها في الربوبية وفي مبادئ الطبيعة- لكان الناس في حيرة .
    لقد تصدى للإطلاع على علوم الفلسفة والتأليف فيها عدد من الحكماء المسلمين سنذكر منهم ثلاثة هم أشهرهم وهم: أبو يعقوب بن اسحق الكندي المتوفى 260هـ (870م). وأبو نصر الفارابي المتوفى فيما بين 323- 239 هـ وأبو على بن سينا المتوفى 428هـ (1037م). لقد كانت نظرتهم الفلسفية متشابهة في جوهرها وإن اختلفت التعابير. وهذا ما لاحظه الشهرستاني عنهم وذكر أن طريقة ابن سينا أدق وهي مجزية عن طرق الآخرين " وكل الصيد في جوف الفرا".
    لقد ألم هؤلاء الفلاسفة بالفلسفة اليونانية وانحازوا لمدرسة أر سطو مع تفسيرات الأفلاطونية الحديثة لآرائه، وأدخل كل واحد منهم عناصر طريفة في طريقته، كما امتازوا جميعا بالحرص على التوفيق بين الفلسفة وحقائق الدين الإسلامي. وحاول الفارابي أن يوفق أيضا بين رأي الحكيمين وهما أفلاطون وأرسطو ولكنه اعتمد في ذلك على كتاب منحول فلم تأت المحاولة ثمارا باقية.
    ولتوضيح ما أدخله التفلسف على البيئة الإسلامية سنذكر فيما يلي بعض الآراء الفلسفية اليونانية الهامة عن الوجود وعن النفس الإنسانية. ثم نوضح كيف حاول فلاسفة الإسلام التوفيق بين الآراء الفلسفية والعقائد الدينية.
    بعض آراء أرسطو:
    الوجود مكون من واجب الوجود وممكن الوجود، أما ممكن الوجود، فهو القابل لأن يجب ويقع، وإذا وجب كان وجوبه من غيره، لأن حركة انتقاله من قابلية الوقوع إلى الوقوع بالفعل وجب أن يتصوره العقل واقعا من أول الأمر، لأن ما بالذات لا يتخلف. ففرض أنه قابل لأن يقع، مع فرض أن حركة وقوعه من ذاته تناقض. وإن كانت حركته من غيره فهو محتاج في وقوعه لهذا الغير. فممكن الوجود إذن معناه: المفتقر لغيره، المتحرك غير الثابت ويسميه أرسطو أيضا مادة أو هيولي. ومادة معناها القابلية للتصوروالتشكل. وإذا كانت بداية الممكن قابلية، ونهايته وقوع بالفعل، صح أن يقال في شأن بدايته مادة، ونهايته صورة.
    أما الوجود الواجب فهو المقابل للمكن المغاير له، والعقل يتصوره بالضرورة عند تصوره الممكن. لأن انتقال الممكن من حال القابلية إلى حال الوقوع يستدعي حركة، الحركة ليست ذاتية له كما تقدم في خصائصه. لا بد إذن من أن تكون من أمر خارج عنه، وإذا فرض أن هذا الأمر الخارج عنه من نوعه، أي ممكن أيضا لزم فيه ما لزم في الممكن الأول، وقيل فيه ما قيل في شان ذلك هناك.. وهكذا حتى ينتهي الفرض أما إلى التسلسل لا نهاية له، وإما تصديق بوجود آخر ليس من نوع الممكن. ذلك هو واجب الوجود وصفاته:
    - أنه غير متحرك، لأن التحرك هو الانتقال من حال القابلية إلى حال الوقوع. الواجب واقع بالفعل.
    - أنه قائم بنفسه غير محتاج لغيره.
    - أنه تام مستقر على حالة واحدة.
    - وهو واحد.
    - وهو بسيط.
    والصلة بين واجب الوجود وممكن الوجود هي الصلة بين التام ( واجب الوجود) والمتطلع للتمام ( ممكن الوجود) وواجب الوجود يحرك ممكن الوجود من غير أن يتحرك كما يحرك المعشوق العاشق. ولذلك سمى أرسطو واجب الوجود المحرك الذي لا يتحرك.
    والإنسان جزء من هذا العالم الممكن الوجود، والإنسان مستعد بطبعه لأن يكون تاما في إنسانيته وليس هناك ما يملي عليه طريق الكمال غير ذاته، فالكمال ذاتي وكامن فيه. وإذا تطور الإنسان في المعرفة ووصل بها في مراتبها لأن يكون صورة إنسانية خالصة أي عقلا خالصا فقد صار شبيها بالصورة المحض للعالم كله وتلك الصور المحض هي واجب الوجود. لأنه عندئذ يكون صورة محضة لنوعه، أو قد صار شبيها بالإله، لأن الإله هو واجب الوجود، وهو الصورة المحضة أيضا.
    تلك هي أراء أرسطو عن الوجود وعن مكانة الإنسان في الكون.
    والآراء الفلسفية الأخرى التي تأثر بها فلاسفة الإسلام هي آراء أفلوطين صاحب مدرسة الأفلاطونية الجديدة.
    بعض آراء أفلاطون:
    ثمة وجود خير واحد بسيط سماه الأول. والأول هذا صدر عنه مباشرة وبطريقة طبيعية، أي دون إرادة، وجود آخر سماه العقل. والعقل ليس بسيطا فمقتضى كونه عقلا يستلزم معقولا، أي موضوعا للتعقل. العقل هذا صدر عن الأول لا في زمان ولا وقت بل فاض عنه فيضا. وصدر عن العقل النفس الكلية والنفس الكلية هي آخر مراحل الموجودات المجردة، وبها تتحقق الصلة بين العالم الإلهي وبين العالم المحسوس.
    وبعد النفس الكلية تأتي المادة وهي نقص محض وظلام محض لا تنيرها إلا صلتها بالنفس الكلية التي تتصل من أعلاها بالموجودات العلوية المجردة ومن أدناها بالمادة وهي منتهى تسلسل الموجودات وأحطها. والمادة صادرة عن النفس الكلية صدورا طبيعيا ومن المادة تتكون الموجودات المشاهدة في العالم هكذا في نظر أفلوطين صدرت الكثرة عن الواحدة، وهكذا بيان الوجود الذي يبدأ بالأول وينحدر حتى يصل المادة التي لا خير فيها ولا نور إلا بقدر ما تأخذ من شعاع النفس الكلية.
    لقد تقبل الفلاسفة الإسلاميون جزءا كبيرا من هذه الآراء الفلسفية وأضافوا لها بعض آرائهم الطريفة واستخدموها في تفسير الإسلام.
    فأخذوا نصوص الدين وفسروا تفاصيلها بمبادئ فلسفية مثلما فعل ابن سينا في تفسير قوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) والآخر أي إذا نسبنا الموجودات إلى أسبابها ومباديها لانتهت إليه.
    وأولو عقائد الدين على أساس طريقة الفلسفة فتحدث الفارابي عن أن عالم الربوبية مكون من الواحد، وعنه صدرت القدرة، وعن القدر صدر العالم الثاني وهو عالم الأمر ويقصد به عالم الملائكة التالي لعالم الربوبية. وعن هذا صدر عالم الخلق وهو الأخير. وفي مجال آخر كان تعبير الفارابي عن صدور الكثرة عن الواحد كالآتي:
    هناك الأول وهو واجب الوجود وعنه صدر العقل الأول، والعقل الأول واحد بالذات متكثر بالاعتبار فصدر عنه العقل الثاني وهكذا يتوالى صدور العقول الثالث، فالرابع، فالخامس.. الخ وكل عقل يدير شأن فلك من الأفلاك السماوية: زحل، المشتري، الشمس.. الخ حتى القمر والعقل الذي يديره هو آخر العقول.
    والعقل الأخير هذا سبب وجود الأنفس الأرضية من وجهة، وسبب وجود الأركان الأربعة التي منها المادة من وجه آخر. والعقل الأخير هذا يسمى العقل الفعال. وهذه العقول كلها عبارة عن عالم الأمر الذي ذكرناه سابقا أو عالم الملائكة وهو العالم المتوسط بين عالم الربوبية وعالم الخلق.
    والإنسان حاصل على إدراكه للأشياء بحواسه ويدرك ماهيات الأشياء بعقله الذي هو قبس من العقل الفعال. ويستطيع الإنسان أن يرتقي في معرفته حتى يكون متصلا مباشرة بالعقل الفعال فتتكشف له الحقائق وينال ما شاء عن طريق الفيض الإلهي.
    ومن أهم الآراء التي ركز عليها فلاسفة الإسلام أن جميع حقائق الكون والمعاني الروحية يمكن إدراكها عن طريق العقل وقد صور هذه الفكرة تصويرا كاملا ابن طفيل في القصة الرمزية التي كتبها بعنوان: حي بن يقظان.
    وفي هذا الصدد قدم ابن سينا قانونا شاملا يوضح وسائل الهداية ويقارن بينها بما مفاده أن هداية الأنبياء جزء من وسائل الهداية وقال:
    " إن السعادة العظمى والمرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع لما له من صفات الكمال والتنزه عن النقصان، وبما صدر عنه من الآثار والأفعال في النشأة الأولى والآخرة وبالجملة معرفة المبدأ والمعاد. والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين: أحدهما طريقة أهل النظر والاستدلال. وثانيهما طريقة أهل الرياضة والمجاهدات. والسالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم المتكلمون. وإلا فهم الحكماء المشاءون. والسالكون إلى الطريقة الثانية إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية، وإلا فهم الحكماء الإشراقيون.
    وبالرغم من كل المحاولات بقى البون شاسعا بين نظرة الدين ونظرة الفلسفة للأسباب الآتية:
    (1) الله واحد قادر مريد وهو الذي خلق الكون بإرادته. أما واحد الفلسفة فقد صدر العالم عنه صدورا طبيعيا لا إراديا.
    (2) الأول أو واجب الوجود عند الفلسفة لا يعلم تفاصيل الأشياء لأنه لو علمها لكان محلا للحوادث. والله بكل شيء عليم.
    (3) العالم في نظر الفلسفة صادر عن الأول صدورا مباشرا ليس متأخرا بزمان. والله في العقيدة الدينية خلق العالم بإرادته فالعالم لم يكن معه صادر عنه منذ الأزل.
    ولكن المجادلات الفلسفية وما تفرع عنها أزعجت الحادبين على سلامة الدين واحتد الصراع الفكري حدة قصوى.
    حكمة ابن رشد (المتوفى 595هـ):
    لقد كان اتجاه ابن رشد في التوفيق بين الفلسفة والدين أكثر حكمة وقد ضمن رأيه في كتابه: " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" لقد اتجه ابن رشد للتوفيق بين طبيعة الدين وطبيعة الفلسفة قال:
    "الشرع يوجب استخدام العقل والبرهان اليقيني"، واستدل لذلك بآيات ولذلك فالتفلسف واجب على من يستطيعه. وقال: إن طباع الناس متفاوتة فمنهم من يصدق بالأقاويل الخطابية. والشريعة لأنها للناس كافة دعت للتصديق بالوسائل الثلاث، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) . النظر البرهاني لا يؤدي لمخالفة الشرع لأن الحق لا يجافي الحق. إن الدين والحكمة وسائلهما مختلفة ويجب ألا نخلط بين تلك الوسائل ولكن النتيجة واحدة.
    الموفق الأعظم
    في القرنين الرابع والخامس الهجري تشعبت تيارات التفرق والتمزق الفكري في ديار الإسلام: مضى المتفلسفون يضعون تفسيرات عقلية لملة الإسلام، ويبشرون بأن الحق واحد ومعرفة الحق كلها صادرة من واجب الوجود بواسطة العقل الفعال، فإن أطلعنا على تلك المعرفة بواسطة وحي نزل على نبي، أو علم أدركه حكيم، فالنتيجة واحدة. لكن الفلاسفة عولوا في نظراتهم الفلسفية على الفلسفة اليونانية وهذه لم تكن عقلية خالصة، بل كانت فيها عناصر عقائد يونانية وثنية، واندرجت فيها أيضا أفكار أديان شرقية قديمة. فأقحم فلاسفة الإسلام بعض تلك العناصر في تفسيراتهم للإسلام ظنا منهم أن الفلسفة اليونانية تراث إنساني عقلي خالص.
    ومضى المتصوفون يفسرون الإسلام كله على أساس باطني خالص فاندرجت في تفسيراتهم عناصر هندية، وفارسية، ويونانية، ومسيحية، واستبدلوا الحياة الماثلة للعيان وواقعها الحي بنظام كامل القواعد والأركان ماثل في الخفاء.
    ومضى الشيعة في اتجاهاتهم التي زادها الصراع السياسي بين الدول التي أقاموها والدول المعادية لهم حدة وحرارة اختلاف حتى اكتملت لدى فرقهم أديان سرية.
    لقد شهد الإسلام الخلافات قبل القرنين كما أوضحنا عندما بحثنا افتراق الكلام، وانقسام الفقهاء، ولكن الخلاف الذي بين يدينا من نوع آخر يوشك أن يهدم كيان الإسلام.
    لقد شهدنا أن انقسامات المتكلمين عندما بلغت قدرا معلوما من الحدة قيض الله قيادة فكرية ملهمة ساعد موقفها على حسم قضايا الكلام والتوفيق بين أطرافه في مستوى أعلى من الوحدة.
    ذلك ما فعل الإمام الأشعري. ورأينا أن انقسام الفقهاء انكشف ضبابه عن قيادة فقهية ملهمة نظمت أدلة الشريعة، ورتبت مراتبها، وجعلت للاتفاق والاختلاف أسسا وحدودا معلومة. ذلك ما فعل الإمام الشافعي، فهل تظهر قيادة فكرية ملهمة تنتشل الأمة من جراح الصراع الجديد؟
    لقد تنوعت ردود الفعل للخطر المحدق وفيما يلي بيان لأهمها دون تقيد بالتدرج التاريخي.
    (1) هب قوم لإدانة كل جديد وافد على الفكر الإسلامي، ولما كان الاجتهاد بالرأي من مداخل التجديد نادوا بقفل باب الاجتهاد، وصيانة الملة الإسلامية بتطهيرها من كل العلائق وسد أبواب التغيير. ولا بد من ردع من يخالف هذا الاتجاه بالنقد والتجريح، وكشف الأباطيل، وإثارة الحكام والجماهير ضده. لذلك رميت الفلسفة بكل قبيح، قال شاعرهم.
    لا خير فيما الفل أوله وآخره سفه
    وقال ثائرهم:
    " كلام مترجم، وعلم مرجم، بعيد مداه، قليل جدواه، مخوف على صاحبه سطوة الملوك وعداوة العامة".
    (2) واكتسب الاتجاه الظاهري في تفسير معاني الإسلام قوة هائلة، عبر عنها أصحابه حتى وجدوا أقوى ناطق باسمهم وهم الإمام ابن حزم الأندلسي المتوفى 1064م. وكان اتجاه الظاهرية الجديد هو الأخذ بوسائل المنطق، وأساليب الكلام في الدفاع عن المذهب الظاهري والرد على كل محاولات التفسير العقلي والباطني لحقائق الملة. قال ابن حزم: " إن القرآن الذي أنزله الله ينبغي أن يؤخذ كما هو لأنه وحي خالص ولا أثر للنبي فيه، وما علينا نحن البشر إلا التسليم بما جاء فيه كما جاء فيه وفهمه كما هو دون البحث عن قواعد عقلية ولا عن بواطن خفية".
    واستمر تيار الاحتماء بالتفسير الظاهري من التأويل العقلي والباطني قويا وانتمى إليه تقي الدين أحمد بن تيمية المتوفى 1328م الذي قال: "إن عدم التشابه بين الله والإنسان مطلق، ولذلك محال على الإنسان أن يعرف الله بعقله. والهدف الأسمى للإنسان هو عبادة الله وأساس العبادة مبين في الشريعة. لذلك وجب علينا أن نفهم نصوص الشريعة كما وردت إلينا ولا نحاول استخدام العقل في أمور هي فوق طاقته".
    وعلى دربه سار تلميذه ابن قيم الجوزيه المتوفى 1350م ودعا لمذهبه.
    (3) أما الرجل الذي جمع أطراف الفكر في زمانه مطوعا اتجاهات الفلسفة، والتصوف، ومدارس أهل السنة، في بيان طريف لحقائق الإسلام، فكان للفكر الإسلامي عامة بمثابة الأشعري للكلام، وبمثابة الشافعي للفقه، فهو الأمام أبو أحمد الغزالي المتوفى 505هـ (1111م )
    الإمام الغزالي:
    تأمل الإمام الغزالي الموقف الفكري المضطرب المحيط به ووجد أن علاجه بالدعوة إلى حالة البساطة الأولى لا يجدي. لقد جدت ظروف واطلع الناس على معارف وأفكار فإن طالبتهم بإلغاء تلك الظروف والمعارف، والركون إلى حالة النقل والتقليد للمأثور من التراث وحده، واعتبار ما جد عليهم كأنه لم يكن أبدا، فأنت تطلب ما لا يستطاع. قال الغزالي في هذا المعنى: " إذ لا مطمع في الرجوع إلى التقليد بعد مفارقته، إذ من شرط المقلد أن يعلم أنه مقلد، فإذا علم ذلك انكسرت زجاجة تقليده، وهو شعب ( شق) لا يرأب (يصلح) وشعث ( متفرق) لا يلم بالتلفيق والتأليف، إلا أن يذاب بالنار، وتستأنف له صيغة أخرى مستجدة"
    لذلك اجتهد الغزالي للإلمام بما يقول الفلاسفة وما تنطوي عليه علوم الفلسفة. وكان كتابه الأساسي في هذا الصدد هو تهافت الفلاسفة. وفيه تعرض لأكثر من عشرين مسألة فلسفية وأوضح موقف الإسلام منها كما رآه. لقد وجد أن بعض علوم الفلسفة كالرياضيات، والمنطق، والطبيعيات، والأخلاق نافع ويمكن الاستفادة منه إذا أمن الإنسان إلا يظن أن ما في المنطق والرياضيات من دقة وانسجام ينطبق على كل أقسام الفلسفة، ووجد أن قسما من التفسيرات العقلية لا يتعارض مع أصول الدين ولا يخرج صاحبه من نطاق الملة إلا في ثلاث مسائل هي:
    (‌أ) قولهم أن العالم قديم أزلي لم يتأخر عن الأول بزمان.
    (‌ب) قولهم أن الواحد (الله) لا يعلم تفاصيل الأشياء بل كلياتها فعلمه ناقص.
    (‌ج) قولهم أن لا معاد للأجسام بل للأرواح وحدها.
    وفي كتاب آخر سجل الغزالي سيرته الفكرية، قال في المنقذ من الضلال: لقد نما الشك في قلبه إذ وجد أن كل الأمور معرضة للبطلان. فالحواس لا تصدق صاحبها: الظل الذي تراه أمامك تظنه ثابتا، فإذا انصرفت عنه لمدة وعدت إليه وجدته قد انتقل. هذا يدل على أن الظل لم يثبت لحظة واحدة بل كان متحركا باستمرار ولكن ببطء فات على النظر إدراكه فالنظر مخدوع وكل الحواس كذلك مخدوعة. وإذا كانت حواسنا تضللنا فلماذا لا يكون العقل أيضا مضللا وتكون المعاني العقلية أيضا كاذبة؟ ويكون قولنا أن اثنين زائد اثنين تساوي أربعة وهما من الأوهام‍!
    هكذا غلب عليه الشك وصار لسان حاله سفسطائيا لا يقر بوجود حقائق يقينية، ويرى الوهم والتضليل في كل أمر من الأمور.
    روى الغزالي أنه تأمل حاله هذه تأملا عميقا ولم ينقذه من الضلال التام إلا عناية الله التي شرحت صدره من حيث لا يدري فأيقن أن الحقائق في هذا الكون لا تقوم بإرادة الإنسان بل بعناية الله. فلولا عناية الله لغرق الإنسان في الأوهام ولما وجد مستندا يسند إليه الحقائق. لذلك ظهر له معنى الحديث: " إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليه من نوره" . لقد ذكر لنا أنه التمس الهداية في كل مذاهب المسلمين وفي آراء المتكلمين، وفي مدارس الفلاسفة، وفي فرق الشيعة، وفي التصوف فوجد نفع تلك الاتجاهات محدودا ووجد بعضها باطلا ولكنه وجد مفتاح الهداية في التصوف. ووجد أن التصوف لا يعلم بالفكر وحده. فتخلى عن أعماله وأمواله ليسبر غور التصوف ويعرف ماهيته. فوجد في طريق التصوف مشاهدات ومكاشفات انتهت به إلى حال قرب لله لا يوصف: فإن قلت : حلول كذبت. وإن قلت : اتحاد بين العبد والمعبود كذبت. وإنه حال لا يعرفه إلا من يجربه، ولا يصلح الكلام في وصفه ولا يجوز في الكلام عنه إلا قول الشاعر:
    وكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
    وهذا التفوق من القرب الروحي ضروري في نظره لكل من يريد أن يلم بمعاني العقائد الإسلامية: فالنبوة، والوحي، لا يمكن أن يفهمها من لم يذق الحال المذكور. والعبادات والمعاملات الإسلامية لها أعماق روحية لا يدركها إلا من ذاق حال القرب المذكور.
    لقد كان الصوفية قبل الغزالي يتحدثون عن المقابلة بين الشريعة والحقيقة، وكانوا يعتقدون أن الحقيقة تبدأ حيث تنتهي الشريعة. أما الغزالي فقد كان يرى أن للأعمال الشرعية والواجبات الدينية عمقا روحيا لا بد من بلوغه لتصح ممارستها. بهذا النهج وفق الغزالي بين اتجاهي الظاهر والباطن، بين المتصوفة وأهل السنة. وتناول الغزالي في كتابه أحياء علوم الدين جميع التكاليف الشرعية من عبادات، ومعاملات، وأوضح أعماقها الروحية وأوضح أن إحيائها في الممارسة متوقف على الأخذ بعمقها الروحي.
    هكذا كتب الإمام الغزالي مستخدما كل موارد الفكر المتاحة له في زمانه مستمدا من معارف العقل، وتجارب الروح، وحقائق النقل لبيان هدى الإسلام

    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-07-2004, 07:05 PM)
    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-07-2004, 07:09 PM)

                  

03-07-2004, 06:49 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)
                  

03-08-2004, 09:03 AM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)


    أخي اسماعيل

    اشكرك على تنزيل هذا القدر المشبع واحمد الله
    باني بدأت اول قرأتي بمدارج السلكين للإمام
    ابن القيم والذي ساقني لكثير من الكتب بحثا عن
    الحقيقة وانتهى بي المطاف بقرأة العواصم من القواصم
    ثم اتيت انت لتعيد الى ذاكرتي وتضيف إليها ما
    غاب عني او قصر عني فهمه بهذا الكتاب بوركت وجزاك
    الله كل خير وانا في تشوق لا يوصف للبقية

    ,د الشيخ
                  

03-09-2004, 11:42 AM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)



    يا الحبيب طولة المده وليك زمن ما بنته

    ود السيخ
                  

03-10-2004, 02:21 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)

    العزيز ود الشيخ
    تحية طيبة.،
    سبب إنقطاعي يعود لأسباب طارئة
    سوف أقوم بإنزال الفصل السادس وبالتالي يكون القسم الأول من الكتاب قد إكتمل.
    أما القسم الثاني المتعلق بالمهدية في الإسلام فسوف أقوم بإنزاله قريبا إن شاء الله.
                  

03-10-2004, 06:00 PM

بهاء بكري
<aبهاء بكري
تاريخ التسجيل: 08-26-2003
مجموع المشاركات: 3518

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الحبيب اسماعيل سلام الاحبة لك

    يلا نزل وماتتأخر الجميع ينتظرك ليقرا عن هذه المهدية التي

    سبقت الجميع في محاولتها لخلق تعايش وتمازج بين ابناء هذا

    الوطن سعيا لصهر جميع الاعراق والثقافات المختلفة .


    لك الود الصديق الحبيب اسماعيل وراق

    محمد عبدالرحمن
                  

03-11-2004, 01:18 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: بهاء بكري)

    الحبيب محمد عبد الرحمن
    لك تحياتي ولكل الأحباب بدولة قطر
    حسناً سأقوم بتكملة الكتاب
    فقط لدي بعض المشغوليات
                  

03-13-2004, 01:06 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    لكل الأحباب
    ولكل من يسأل عن تكملة الكتاب
    موعدنا غداً إن شاء الله
                  

03-13-2004, 11:31 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل السادس

    سبة التفرق

    الإسلام دين توحيد خالص وعقائده قوية الدلالة على وحدانية الله. ومعاني الإسلام تشير إشارة مركزة على أن الحق واحد معلنة أن ليس بعد الحق إلا الضلال. لذلك يؤكد الإسلام أن دين الله واحد وإن تعددت رسالات المرسلين وشرائعهم. فالرمل والأنبياء عديدون وشرائعهم التي تراعي اختلاف ظروف الزمان والمكان متعددة. لكن الدين الذي ارشدوا إليه دين واحد لم ولن يتعدد. قال تعالى: ) شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ( .. الآية. وقال (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) .
    هذا التركيز على أن دين الله منذ الأزل واحد، وأن الحق واحد أورث المسلم إحساسا عميقا ببطلان التفرق، وحتى عندما تفلسف المسلمون لم يبارحهم هذا الإحساس العميق بأن الحق واحد فأجهدوا أنفسهم لاكتشاف الحق الواحد الذي ظنوه مخبوءا في الفلسفات المتعددة، وأجهدوا أنفسهم أيضا ليوفقوا بين الفلسفة والدين انطلاقا من أن الحق واحد وإن تعددت دروبه.
    لم يقع التفرق في فكر المسلمين اعتباطا وقد سببته عوامل عديدة منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما يرجع لأمزجة الأفراد فاجتمعت تلك العوامل وأوقعت الافتراق قهرا. ولما كان التفرق بغيضا لنفوس المسلمين لم يطمئنوا إليه أبدا وأرجعه كثير منهم لتآمر أجنبي ضد أهل القبلة. ومما لا شك فيه أن بعض أعداء الإسلام كادوا له وحاولوا إيقاع الفتنة بين أهله ولكن جل التفرق أسبابه ذاتية وليست تآمرية. على أي حال مهما كانت الأسباب فإن نفوس المسلمين تنفر منه وتجد في آيات كتاب الله حاديا مستمرا ضده. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) وقال: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)
    هذا التكوين النفسي الرافض للتفرقة هو الذي دفع نوابغ رجال الإسلام أن يحاولوا التوحيد والتوفيق فالشافعي، والأشعري والغزالي، وغيرهم هم تلبية لنداءات نابعة من الضمير الجماعي للأمة. وقفل باب الاجتهاد، والإقبال على الظاهرية، والانصراف عما سوى النقل والتقليد كلها محاولات للتخلص من سبة التفرق.
    وبالرغم من كل هذه المجهودات فإن تفرق الفكر وتمزقه لم يبرحا المسلمين. وكان بقاء سبة التفرق جرحا غائرا في نفوس الأشخاص وفي كيان الأمة.

    التفكك
    كانت الدولة الإسلامية من أعظم ما شهد تاريخ الإنسان، لقد انتشرت في رقعة واسعة من الأرض كالشعاع وتركت قصة نجاح وفلاح باهرة. كما أن الكلمة كانت موحدة فتفرقت، فإن تلك الدولة الموحدة المجيدة تفككت. ومنذ التفكك والتفرق لم يزل ضمير الأمة الإسلامية الجماعي يلتفت بحثا عن فردوس مفقود طواه الزمان ولم يستطع أن يطويه النسيان. فكيف وقع التفكك؟
    عندما وقع الانقلاب العباسي في 132هـ فر أحد أمراء بني أمية إلى الأندلس حيث أقام خلافة أموية ولأول مرة في تاريخ الإسلام عاش في وقت واحد خليفتان.
    وبالرغم من ذلك تقدمت الدولة العباسية حتى بلغت أوج مجدها على يد الرشيد والمأمون ابنه ثم دب فيها التفكك وكان في بدايته متمثلا في استقلال أطراف الدولة عن بغداد. فاستقل بنو طاهر بخراسان، واستبد الولاة ببعض الأقاليم البعيدة وصاروا يتوارثونها مثل ما وقع في شمال أفريقيا.
    وبعد ضعف الأطراف انتقل الضعف للعاصمة، ففي عام 936م فرض بنو بويه وهم أسرة شيعية سلطتهم علي الحكم العباسي. لقد صاروا كيانا آمرا داخل الدولة يتوارث منصب الأمر والنهي ويتحرك الخليفة العباسي إلي جانبه شكلا بلا مضمون.
    ثم قامت الدولة الفاطمية وهي دولة شيعية معادية للحكم العباسي السني الاتجاه، وفي عام 969م 296هـ استولى الفاطميون على مصر شاطرين جل إقليم الخلافة القديمة بينهم وبين الخلافة العباسية الخاوية.
    وفي عام 1000م انهارت الخلافة الأموية في الأندلس وقامت في إقليمها إمارات متعددة.
    وتوالت الاضطرابات في شمال أفريقيا ففي 1058م قامت فيها دولة المرابطين ثم في 1147م قامت فيها دولة الموحدين. ثم حلت بالعالم الإسلامي كارثة كبرى إذ ضاع منه الأندلس وطرد العرب من شبه الجزيرة الآيبيرية.
    وفي عام 1258م وقع ما لم يكن متصورا لأحد: فقد غزا التتر ديار الإسلام واقتحم هولاكو بغداد وداس على كل حرماتها وقتل الخليفة العباسي.
    وكانت مصر تحت حكم الفاطميين الذين ثبتوا لهجمات التتر ولكنهم لم يستقروا في الحكم فتوالت الثورات والمنازعات حتى قامت الخلافة العثمانية في 1453م واستطاعت أن تمنح جزءا كبيرا من العالم الإسلامي سياجا من الوحدة والحماية. ثم صار العالم الإسلامي موزعا بين ثلاث إمبراطوريات إسلامية: العثمانية ومولدها 1453م، والإيرانية ومولدها 1503م، والهندية ومولدها 1605م.
    لقد كانت تلك الإمبراطوريات وخاصة العثمانية في بداية أمرها رابطة منعت تمزق الكيان الإسلامي إلى دويلات متنافرة ولكنها: أي الإمبراطوريات حرمت العرب لأول مرة من المشاركة في قيادة الإسلام واستخدمت لغات غير عربية في تصريف الأمور ففقدت العربية مكانتها المعهودة في حياة الأمة الإسلامية.
    ولم يقف السوء عند ذلك الحد، فإن أوروبا التي اكتشفت طاقات جديدة واكتسبت خبرات جديدة شرعت تطوق العالم كله بنفوذها وتحاول إخضاعه لخدمة مصالحها, ومنذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي صارت المصالح الأوربية هي المحرك الحقيقي للأحداث في العالم فضاعت السيادة الإسلامية في بلاد الإسلام. فالدولة المغولية في الهند قضت عليها شركة الهند الشرقية البريطانية. والدولة العثمانية تقهقرت لصالح بريطانيا، وفرنسا وروسيا، وألمانيا، خطوة خطوة ممتثلة لأوامرها. "ومن يهن يسهل الهوان عليه" لذلك وابتداء من 1830م بدأت الدولة الأوربية تمزق أوصال الدولة العثمانية وتستولي على أقاليمها إقليما إقليما.
    لم يبق للمسلم كرامة ولم ير فيما حوله إلا ظلمات بعضها فوق بعض. هكذا كان الحال السياسي في العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر. أما الحال السياسي في العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر. أما الحال الفكري فقد ترسب فوق التفرق الجمود فلم يعد العلماء والمفكرون يؤلفون كتبا تنطوي على شيء من الاجتهاد والتجديد. بل انحصرت المؤلفات في شرح المتون القديمة، أو اختصارها، أو التعليق عليها بحديث معاد مكرر لا يسمن ولا يغني من جوع. وانحطت أساليب الكتابة تعبر بالسخف عن فكر آسن. فكان العلماء في ظل الدولة العثمانية مثلا منصرفين لولاية القضاء، والفتوى، والتدريس معتمدين على الرواتب المضمونة، بعيدين عن البحث والاجتهاد وإرشاد الجماهير. لذلك اتسعت الفجوة بينهم وبين الجماهير التي زادت من تعلقها بالطرق الصوفية ولدى الطرق الصوفية وجدوا السلوى في الغيب عن الواقع المر.
    بالرغم من هذه الصورة القاتمة لم يقف انتشار الإسلام. فاستمرت العقيدة الإسلامية تفتح فتوحات سلمية أرضا بكرا، بينما كانت أوطانها الأصلية معرضة لغزو نفسي، واقتصادي، وسياسي.
    أما الفتوحات السلمية الجديدة فهي التي تمت على أيدي مهاجرين ودعاة وتجار في شرق وغرب أفريقيا، وفي جنوب شرقي آسيا في الملايو وفي إندونيسيا. لقد دخل الإسلام هذه المناطق بعد أفول نجم الخلافة وانتشر انتشارا سلميا وعرف المسلمون الجدد الإسلام عقيدة مشوبة بمفاهيم التصوف ولكنهم لم يعرفوه تشريعا وحكما. لذلك كانت التجربة الإسلامية في تلك الأقاليم ناقصة. وعندما نهض الدعاة والثوار مدفوعين بطائفة من الأسباب كان من بين أهدافهم الهامة تكملة التجربة الإسلامية في أوطانهم بشقيها: العقيدة والشريعة. واستمدت بعض تلك الحركات حماسا دافعا مرده أصداء الصدر الأول يوم كان السيف عاريا في خدمة الحق.
    والحركة التي نذكرها هنا مثلا لتلك الحركات: نهضة المجاهد الكبير الشيخ عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا.
    أما العالم الإسلامي القديم في المشرق العربي والمغرب فقد ألمت بأهله حالة من الضياع لا مثيل لها: ضاعت مصالحة وتفككت أوطانه، واستبد بهم المستعمرون وتكرست في حياتهم وأفكارهم التفرقة، وخيمت عليهم سحب الركود الآسنة. ضاعت العزة والكرامة والسيادة وسامهم بالخسف كل مساوم.
    وألفينا الدعاة والمصلحين والثوار بالسيف حينا، وبالقلم حينا، يعملون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا للقضاء على ذلك الواقع المرير واسترداد الحق والكرامة.
    ومن الحركات التي قامت في هذا الصدد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتوفى 1792م الذي دعا للنهج السلفي، وانعقد العزم بينه وبين الأمير سعود، فتم نتيجة لهذا التضامن عمل إسلامي من نتائجه: توحيد إقليم الجزيرة العربية ورفع السلطان التركي من ديارها وتوحيد الاعتقاد والفكر.
    لكن الحال في بقية العالم الإسلامي استمرت على ما كانت عليه وقد سجلت لنا العروة الوثقى غضبة أقلام المسلمين على تلك الحال القائمة وإليك منها هذه المقتطفات:
    جاء فيها: " هل يسوغ لنا أن نرى أعلامنا منكسة وأملاكنا ممزقة، والقرعة تضرب بين الغرباء على ما بقى في أيدينا ثم لا نبدي حركة، ولا نجتمع على كلمة، وندعى مع هذا أننا مؤمنون بالله وبما جاء به محمد؟ وأخجلناه لو خطر هذا ببالنا ولا أظنه يخطر ببال مسلم يجري على لسانه شاهد الإسلام".
    وجاء فيها: " كانت الملة كجسم عظيم قوي البنية، صحيح المزاج، فنزل به من العوارض ما أضعف الالتئام بين أجزائه، فتداعى للتناثر والانحلال، وكاد كل جزء يكون على حده وتضمحل هيئة الجسم. بدأ هذا الانحلال والضعف في روابط الملة الإسلامية عند انفصال الرتبة العلمية عن رتبة الخلافة وقتما قنع الخلفاء العباسيون باسم الخلافة دون أن يحوزوا شرف العلم والتفقه في الدين والاجتهاد في أصوله وفروعه كما كان الراشدون رضى الله عنهم. كثرت بذلك المذاهب وتشعب الخلاف من بداية القرن الثالث من الهجرة إلى حد لم يسبق له مثيل في دين من الأديان، ثم انثلمت وحدة الخلافة فانقسمت إلى أقسام: خلافة عباسية في بغداد، وفاطمية في مصر والمغرب، وأموية في أطراف الأندلس تفرقت بهذا كلمة الأمة وانشقت عصاها وانحطت رتبة الخلافة إلى وظيفة الملك، فسقطت هيبتها من النفوس، وخرج طلاب الملك والسلطان يدأبون إليه من وسائل القوة والشوكة لا يرعون جانب الخلافة" .
    وجاء فيها بعد الحديث عن مجد الإسلام الأول وازدهار المسلمين الغابر الآتي:
    "… ذلك شأنهم الأول ووصفهم للآن، ولكنهم مع هذا" " كله وقفوا في سيرهم بل تأخروا عن غيرهم في المعارف" " والصنائع بعد أن كانوا فيها أساتذة العالم، وأخذت ممالكهم تنقص أطرافها وتتمزق حواشيها مع أن دينهم يرسم عليهم أن لا يدينوا لسلطة من يخالفهم بل الركن الأعظم لدينهم طرح ولاية الأجنبي عنهم وكشفها عن ديارهم بل منازعة كل ذي شوكة في شوكته، هل نسوا وعد الله لهم بأن يرثوا الأرض وهم العباد الصالحون؟ هل غفلوا عن تكفل الله لهم بإظهار شأنهم على سائر الشئون ولو كره المجرمون؟ هل سهوا عن أن الله اشترى منهم لإعلاء كلمته أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة؟ لا. لا. إن العقائد الإسلامية مالكة لقلوب المسلمين حاكمة في إرادتهم وسواء في العقائد الدينية والفضائل الرعية عامتهم وخاصتهم.
    ثم واصل المقال بحثه إلى أن قال:
    ".. إن رعاة المسلمين فضلا عمن علاهم تتصاعد زفراتهم وتفيض أعينهم من الدمع حزنا وبكاء على ما أصاب ملتهم من تفرق الآراء، وتضارب الأهواء، ولولا وجود الغواة من الأمراء ذوي المطامع في السلطة بينهم، لاجتمع شرقيهم بغربيهم، وشماليهم بجنوبيهم، ولبى جميعهم نداءا واحدا، أن المسلمين لا يحتاجون في صيانة حقوقهم إلي تنبه أفكارهم لمعرفة ما به يكون الدفاع واتفاق آرائهم على القيام به عند لزومه وارتباط قلوبهم الناشئ عن إحساس بما يطرأ على الملة من الأخطار.
    وهكذا توالت المقالات وهدفها الأساسي أن تكشف عن حزن المسلمين بواقع حالهم، وأن تنهضهم للتخلص من المذلة للعزة. جاء في مقال عنوانه: " لماذا صدرت هذه الجريدة" الآتي:
    والذي يحكم به العقل الصريح ويشهد به سير الاجتماع الإنساني من يوم علم تاريخه إلى اليوم أن الأمم الكبيرة إذا عراها ضعف لافتراق في الكلمة، أو غفلة عن عاقبة لا تحمد أو ركون إلى راحة لا تدوم، أو افتتان بنعيم يزول، ثم صالت عليها قوة أجنبية، أزعجتها ونبهتها بعض التنبيه فإذا توالت عليها وخزات الحوادث، وأقلقتها آلامها فزعت إلى استبقاء الموجود ورد المفقود، ولم تجد بدا من طلب النجاة من أي سبيل وعند ذلك تحس بقوتها الحقيقية وهي ما تكون بالتئام أفرادها، والتحام آحادها، وأن الإلاهي، والإحساس الفطري، والتعليم الشرعي ترشدها إلى أن لا حاجة لها إلى ما وراء هذا الاتحاد وهو ايسر شيء عليها"
    وفي الوقت الذي كانت تؤلف فيه هذه الآراء في باريس كانت هناك دعوة وراء الصحارى والأحراش، حيث الملتقى بين الشرق العربي والوجود الأفريقي، ترفع ألوية تجاهد لتقيم نظاما يضع أفكارا مماثلة موضع التنفيذ العملي. ولم يكن بين دعاة باريس ومجاهدي السودان من اتصال سوى ما أرادته العناية، وما كان مصدره الضمير الجماعي لأمة منكوبة.

    أنتهى القسم الأول من الكتاب...

    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-13-2004, 11:34 AM)

                  

03-13-2004, 11:39 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    القسم الثاني

    المهدية في الإسلام

    الفصل الأول

    الأصول الإسلامية للفكرة

    لقد رأينا ببيان واضح أن الاتجاهات التي فرقت مشارب المسلمين بدأت من أصول إسلامية، وأن ظروفا معينة طرأت عليها فزادتها تعقيدا وخرجت بها أحيانا من نطاق ملة الإسلام. وللفكرة المهدية أصول إسلامية واضحة المعالم بيانها فيما يلي:
    المهدي لغة هو اسم المفعول من هدى، يهدي، هديا. والهدى نقيض الضلال ومعناه الرشاد. عبارة المهدي بمعناها الديني واللغوي معناها: رجل هداه الله فاهتدى وهي عبارة قديمة في اللسان العربي وقد جرى استخدامها في نصوص الأدب العربي العريقة. قال حسان بن ثابت في رثائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ما بال عينيك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمد
    جزعا على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطئ الثرى لا تبعد

    واستعملها بمعنى المنسوب له الرشد جرير إذ قال يمدح الخليفة الأموي هشام:
    فقلت لها الخليفة غير شك هو المهدي والحكم الرشيد
    وروى ابن منظور في لسان العرب أن ابن الأثير قال: المهدي هو الذي هداه الله إلى الحق وبه سمى المهدي الذي بشر به رسول الله.
    والقرآن يشتمل على آيات تدل على تكليف أناس بأمر الهداية العامة محاربة الضلالات.
    قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) .
    وفي تفسير هذه الآية روى ابن كثير الآتي: "قال مسلم في صحيحه حدثنا ابن أبي عمر سفيان، عن عبد الملك بن عمر، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا. ثم تكلم رسول الله كلمة خفيت علي، فسألت أبي فقال: كلهم من قريش. ورواه البخاري من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير. قال ابن كثير: وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلا.
    وليسوا بأئمة الشيعة، فإن كثيرا من هؤلاء لم يكن لهم من الأمر شيئا ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعا ومتفرقا. وقد وجد منهم أربعة على الولاء هم الراشدون. ثم كانت بعدهم فترة. ثم وجد منهم ما شاء الله. ثم قد يوجد منهم من بقى في الوقت الذي يعلمه الله. ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله وكنيته تطابق كنيته يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
    وثمة آيات أخرى: قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) . قال فخر الدين الرازي: الشهيد المقصود هنا ليس هو الذي قتله الكفار. بل الشهيد فعيل بمعنى فاعل: وهو الذي يشهد بصحة دين الله تعالى: تارة بالحجة والبيان، وأخرى بالسيف والسنان. فالشهداء هم القائمون بالقسط. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار في تفسير قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ، أن الشهادة التي تقوم بها حجة أهل الحق على أهل الباطل تكون بالقول والعمل والأخلاق والأحوال. فالشهداء هم حجة الله تعالى على المبطلين في الدنيا والآخرة بحسن سيرتهم. وروى الشيخ حديثا في هذا الصدد عن على بن أبي طالب أنه قال: إن الأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة.
    وفي آية أخرى قال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ) .
    وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) .
    وقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ) .
    وقال: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) .
    وقال: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) .
    وقال: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) .
    هذه الآيات صريحة في تكليف أفراد بالهداية والرشاد ورويت من أحاديث رسول الله مطابقات لهذا المعنى نحو قوله:
    "إن الله ليبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد دينها".
    ورويت أحاديث نبوية تذكر اسم المهدي بوجه خاص، وقد أخرج جماعة من الأئمة هذه الأحاديث منهم: الترمذي، وأبو داود، والبزاز، وابن ماجه، والحاكم، والطبراني، وأبو يعلي الموصلي، واسندوها إلى جماعة من الصحابة رفعوها إلى رسول الله هم: على، وابن عباس، وطلحة، وابن مسعود، وأبو هريرة، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرة ابن أياس، وعلى الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيدها.
    وقد بلغت الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم في كتب هؤلاء الأئمة أكثر من ثلاثين حديثا تخبر عن المهدي. لقد تعرض بعض النقاد لهذه الأحاديث فرموا بعضها بالضعف، ووجدوا بعضها حسنا، وبعضها على شرط الشيخين، وكان ابن خلدون أشهر هؤلاء النقاد: ففي المقدمة تناول ابن خلدون أكثر تلك الأحاديث فطعن في صحة أكثرها، ولكنه اعترف بقوة أسانيد بعضها مثل الحديث الآتي: "روى الحاكم عن طريق عوف الإعرابي عن أبي الصديق النجي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جورا وظلما وعدوانا. ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا". وقال فيه الحاكم: " هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" .
    وحديث آخر رواه الحاكم عن طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمه عن مطر الوراق، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد، أن الرسول قال: " تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا، أو تسعا، فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما".
    أما ابن خلدون فإنه كان رافضا لفكرة المهدية في الإسلام لأسباب هي:
    أولا: لأن فكرة المهدية كما قال صارت مخلبا للحركات الثورية في الإسلام. وابن خلدون من أنصار الاستقرار وطاعة ولى الأمر حتى انه أهدى كتابه الشهير لولي الأمر في ذلك الحين من الزمان.
    ثانيا: لأنه كان يرى أن الدعوة المهدية تحاول أن تستند على عصبية بني هاشم وعصبية قريش في إقامة رئاستها وعصبية بني هاشم لم تعد قوية فلا طائل في الاستناد إليها ولا جدوى من ذلك.
    ثالثا: لأن الفكرة المهدية اختلطت بآراء شيعية وأخرى صوفية أحاطت بها المطاعن.
    وابن خلدون بالرغم من موقفه الناقد هذا ختم حديثه بما يؤكد صحة بعض الأحاديث النبوية المروية عن المهدي إذ قال: "فهذه جملة الأحاديث التي أخرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان. وهي كما رأيت لم يخلص من النقد منها إلا القليل".
    هكذا نرى من النظر في أدلة الإسلام: الكتاب والسنة أن ثمة معاني تشير لقائمين بأمر الدين بعد انفراط عقده. وكان كثير من أهل السنة يقولون بمجيء مصلح للعالم يبعث به الله ويسمونه المهدي: أي الذي هداه الله إلى الطريق السوي. والمهدي بهذا المعنى متوفر الدليل عليه في الآيات المذكورة. ومهما كانت التفاصيل فإن هذه الأصول أفهمت كثيرين بمجيء قيادة مختارة لإصلاح فساد الأحوال.
    وفي الأدلة الإسلامية أيضا ما يشير إلى إتيان قيادة ملهمة يلهمها الله الصواب ويهديها. قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِي) ، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) .
    وجاء في حديث الرسول ما يبين أن لله علاقات روحية مباشرة بالبشر عن طرق منها الرؤية الصادقة قال: " الرؤيا الصادقة جزء من 46 جزءا من النبوة".
    والإلهام معروف في حياة المسلمين. فعمر بن الخطاب كان يلهم المعنى ثم ينزل القرآن مؤيدا له. روى ابن سعد أن الصحابي الذي نقل الآذان أول مرة للنبي نقله عن رؤيا رآها في منامه. وقد روينا أن الإمام الأشعري استلهم مبادئ مذهبه كما قص علينا في رؤى منامية ظهر له النبي عليه الصلاة والسلام. وتحدث الإمام الشافعي عن استخارة الله قبل إقدامه على العمل الكبير الذي قام به. والإمام الغزالي كان أوضحهم عبارة في هذا الصدد:
    روى الغزالي أنه بعد أن عاش تجربة روحية استمرت عشر سنوات يصف حال الذين انصرفوا للحياة الروحية كالآتي:
    "ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد".. حتى قال: "وبالجملة فمن لم يرزق منه شيئا بالذوق فليس يدرك من حقيقة النبوة إلا الاسم. وكرامات الأولياء على التحقيق هي بدايات الأنبياء .
    وحتى خارج نطاق التراث الإسلامي فإن من يقر أن للإنسان جانبا روحيا لا يستطيع أن ينكر الإلهامات والحوادث غير المادية. لقد كان كثير من المفكرين يتشككون في أقوال الذين يرون مشاهدات، ويسمعون أصواتا، ويرون قصصا على معارف تأتيهم من غيب خارج عنهم. هذه المعاني لم يعد ينكرها علماء النفس فقد اكتشفوا وجود عقل باطن في الإنسان تقع فيه مناشط عديدة. أما الماديون من هؤلاء العلماء أمثال فرويد فقد وصفوا العقل الباطن بأنه مستودع لمشاعر وأفكار ورغبات استقرت فيه بعد أن مرت على العقل الواعي في المكان الأول. وآخرون مثل جونق أنكروا ذلك وأكدوا أن العقل الباطن قد يأتي للإنسان بمعارف جديدة كأن يطلع على غيب آت، أو يعثر على فكرة جديدة، أو يحقق اكتشافا طريفا، إنه ليس مستودعا فحسب بل هو أيضا يقوم بنشاط خلاق. هذا الاتجاه يطابق اكتشافات أولئك العلماء الذين أكدوا أن في الإنسان قدرات ذات طاقات غير مادية، فلا تحدها قوانين الزمان والمكان مثل قراءة أفكار الآخرين، وقراءة المستقبل، والنظر وراء حجاب المادة، وهكذا.
    إن الإلهام وارد في التراث الإسلامي، وارد ومدعم بالدراسات في التراث الإنساني عامة.
    إن في الأدلة الإسلامية مكانا واضحا لقيادة مهتدية مرشدة مصلحة للمفاسد يؤهلها صلاحها لاستقبال الهامات روحية. والنصوص الواردة في هذا الصدد في القرآن وفي بعض الأحاديث تعمم الإشارة لهذه الهداية المنتظرة. وفي بعض الأحاديث تخصص القول. وهذه الأصول الإسلامية للمهدية.
                  

03-13-2004, 11:42 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثاني

    الأصول التاريخية للفكرة

    (‌أ) في كل تراث الإنسان نجد مقدارا من التباين ما بين المبادئ المثالية المنشودة. والتطبيقات العملية لتلك المبادئ. وفي التراث الإسلامي منذ الصدر الأول بدأ بعض الصحابة يلمسون تباينا ما بين المبادئ النظرية كما نصت عليها سور القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين تطبيقاتها العملية: لقد اتهم الخليفة الثالث عثمان بن عفان الصدر الأول بأنه يجافي العدل ويعمل بالمحسوبية وكان الصحابي المعروف أبو ذر الغفاري أحد خصوم الخليفة عثمان في هذا الصدد حتى غضب عليه الخليفة ونفاه. وعندما قام العهد الأموي ازداد التباين بين العدل الذي يوجبه الشرع والحكم الأموي فاتسعت المظالم الاجتماعية واكتسب الحكم غضب النقاد حتى قال الشاعر الأموي:
    مهر الفتاة بألف ألف كامل وتبيت سادات الجنود جياعا
    لو لأبي حفظ أقول مقالتي وأقص ما سأقصكم لارتاعا

    (‌ب) وبمرور الزمن صار الحكم كسروي الملامح قيصري القسمات: لقد كان أهل السنة يشترطون في الخليفة الذي هو إمام المسلمين أن يكون حائزا على مؤهلات: أن يكون عالما بأحكام الله منفذا لها، مجتهدا غير مقلد، عادلا لإقامة الأحكام وحماية بيضة الإسلام. ولكن بعد الصدر الأول تدهور أمر الخلافة حتى صار وليها ذات يوم الوليد بن يزيد الذي تبارى الرواة بحق وبباطل في تصوير مجونه. رووا أنه ذات يوم فتح المصحف فوجد فيه آية وعيد، فرمى المصحف بالسهام وأنشد:
    أتوعد كل جبار عنيد وها أنذا جبار عنيد
    إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد!!

    وهكذا ضاعت هيبة الملك إلا من قليل من خلفاء بني أمية مثل عمر بن عبد العزيز الخليفة الورع وعبد الملك بن مروان.
    وكان حال خلفاء بني العباس إذا استثنينا عددا قليلا منهم مثيرا لسخط الناس، ومشيرا لفجوة كبيرة بين العدل الذي ينشده الإسلام في الأحكام والواقع الذي طبقوه قال دعبل الخزاي ساخطا على بعض خلفاء بني العباس:
    خليفة مات لم يحزن له أحد وآخر قام لم يفرح به أحد
    فمر ذاك ومر الشؤم يتبعه وقام ذا فقام النحس والنكد

    وقال:
    أنى يكون وكيف ذاك بكائن يرث الخلافة فاسق عن فاسق
    والخلفاء ماضون في سبيلهم يجندون الأجناد لحماية ملكهم، ويحرمون الرعية من حق الشورى، ويتوارثون السلطان ولا يجد الناس سبيلا يقومون به الحكام. وبمرور الزمن صار ولاة العهد معزولين تماما من الناس: نشأتهم في عرصات القصور وأفياء البساتين. ظنوا منذ نعومة أظفارهم أن ولاء الناس لهم أمر طبيعي وأن توارثهم الملك من سنن الحياة فما بذلوا جهدا لتأهيل أنفسهم علما وفضلا ودينا، ولا لاستمالة الناس نحوهم كما كان يفعل أسلافهم الذين أسسوا هذا الملك!! وعندما تولى الخلافة هذا النوع من أمراء بني العباس تكشفت مطاعنهم لكل طاعن حتى قال الشاعر العباسي مخاطبا بني أمية واصفا حال الخليفة العباسي في وقته:
    ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا خليفة الله بين الزق والعود
    (‌ج) أضف إلى هذه المساوئ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، حالة التفرق والتمرق التي أشرنا إليها لتدرك الأسباب التاريخية لكفرة الزعيم المخلص الذي ينتظر لبعث الروح في الجماعة الإسلامية، وهي جماعة تعتقد أن اليأس قرين الكفر. قال تعالى: (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) وتعتقد أيضا اعتقادا عميقا أنها مستودع الخير في العالم إلى يوم القيامة. أيجوز أن تترك هذه الأمة هكذا مفتونة بالباطل دون الإنقاذ المنتظر؟
    إن الأصول الإسلامية التي ذكرناها والدوافع التاريخية التي أوضحناها، وجهت أنظار الكثيرين في العالم الإسلامي لالتماس خلاص وشيك على يد قيادة مهدية منتظرة.
    ولكن الفكرة المهدية لم تقف في حدودها المذكورة في الأصول الإسلامية، والدوافع التاريخية، بل دخلت عليها أفكار خارجية كما دخلت على الأفكار الإسلامية الأخرى التي درسناها سابقا. لقد تعقدت الفكرة على أثر العوامل الخارجية تعقيدا بالغا، وفيما يلي نقص ذلك.
                  

03-13-2004, 11:49 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثالث

    المهدية عند الشيعة

    كان أهل السنة يرون الإمامة (أو الخلافة) رئاسة عامة في شئون الدين والدنيا، ويرونها واجبة لتواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي على امتناع خلو الوقت من أمام ليدفع الضرر المظنون. قال الايجي ( في المواقف): "إنا نعلم علما يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات، والمنافحات، والجهاد، والحدود، والمقاصات، وإظهار شعار الشرع في الأعياد، والجمعات، إنما هو مصالح عائدة على الخلق معاشا ومعادا وذلك لا يتم إلا بإمام يرجعون إليه فيما يعن لهم فإنهم قلما ينقاد لبعض فيفضي ذلك إلى التنازع، وربما أدى إلى هلاكهم جميعا". والإمام عندهم تنعقد إمامته ببيعة أهل الحل والعقد وله شروط محددة.
    ولكن الإمامة عند أهل السنة ليست من أركان الدين وعقائده ،بل من الفروع المتصلة بأفعال المكلفين . وقد كان بعض الخوارج يغالون في الاستخفاف بمكانة الإمامة حتى عدوها سببا من أسباب الفتن لا حاجة للناس به !!
    علي النقيض من هذا كان موقف الشيعة :قال المجلسي في كتابه " حياة القلوب " : " الإمام يبعثه الله للخلافة والنيابة عن حضر صاحب الرسالة " ، والإمامة عندهم ركن أساسي من أركان الدين . قال الكليني في "الكافي " : " أن من أصبح في هذه الأمة لا أمام اصبح ضالا تائها وأن مات علي هذا الحال مات ميتة جاهلية " . والإمام الأول عندهم هو علي أبن أبي طالب ، وهو لا يستقي العلم من كتاب الله والسنة وحدهما بل استقاه أيضا من مصدر سري خاص ، فقالوا :
    وأوضح بالتأويل ما كان مشكلا علي بعلم ناله بالوصية وعلي يعرف أسم الله الأعظم ، ويعرف جميع الكتب التي أنزلها الله علي كل رسله ، وكتبا أخري سربه . وثمة كتاب ، حكوا عنه ، نزل به جبريل علي النبي محمد فدفعة النبي إلى علي لذريته يتوارثونه . وفي هذا الكتاب أوامر مختومة مجزاة في حلقات ، وكل حلقة معنوية لإمام من أئمة الشيعة الاثني عشر . وعلي كل إمام أن يفتح الحلقة التي تخصه وينفذ ما فيها من أوامر ويسلم الكتاب والحلقات الباقية لم يخلفه وينفذ ما فيها من أوامر ويسلم الكتاب والحلقات الباقية لمن يخلفه في الأمة. وهكذا يتداولون الأمر حتى ينتهي إلى الإمام الأخير الثاني عشر وهو محمد الحسن العسكري. وقد روينا قبل ذلك أن هذا الإمام اختفى في سرداب في دار أبيه في سر من رأى (سامرا) في عام 265هـ وكان عمره تسع سنوات وهو لا يزال حيا وسوف يأتي يوما ليملأ الأرض عدلا. إنه في نظرهم المهدي المنتظر. عقيدتهم هي: بعد أن آلت الإمامة لمحمد الحسن هذا، علم أن الخليفة العباسي سوف يقتله فاختفى يعرف الاختفاء بالغيبة. ولإمام الزمان هذا غيبتان: صغرى وكبرى. فأثناء الغيبة الصغرى وطولها 69 عاما ظل الإمام مختفيا ويتصل بالناس بواسطة أربعة من كبار الشيعة بهديهم ويرشدهم على أسئلتهم. وثمة غيبة كبرى بيانها أن الشيعة أبلغوا بوفاة جسد الإمام، وأنه لن يتصل بأشياعه بعد ذلك وستطول غيبته ثم يأتي مهديا. وأثناء غيبته الكبرى يتولى الإرشاد مجتهدون وأكثر هؤلاء علما يسمى الوكيل العام وبه يقتدي الناس.
    هذا الإمام وأسلافه الأحد عشر معصومون وعندهم من أسرار علوم الدين ما لم يطلع عليه أحد وهم في نظر الشيعة، يعلمن ما كان وما سوف يكون، والإمام الثاني عشر هذا المهدي المنتظر سوف يحسم النزاع الذي دار في الإسلام لصالح الشيعة. قال شاعرهم:
    بنات زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفلوات
    فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد لقطع قلبي أثرهم حسراتي
    خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله والبركات

    فالمهدي عند الشيعة أمام يرجع بعد غيبة، وينتقم لآل البيت ويمحو الظلم، ويستمد العلم من كتب غير القرآن. وجدت سبيلها للفكر الإسلامي عن طريق اليهود. قال الشهرستاني: " أما جواز الرجعة فقد وقع لليهود في أمرين: الأول: حديث عزيز ن الله أماته مائة عام ثم بعثه، والثاني: حديث هارون أنه مات في النية أو غاب وسيرجع. وقد أدخل هذه الفكرة على المسلمين عبد الله بن سبأ اليهودي الأصل، إذ قال: "عجبت لمن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب أن محمدا يرجع. وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى". ثم انتقل بالفكرة من النبي محمد إلى الإمام على وبذر الفكرة في التراث الشيعي فقالوا برجعة محمد بن الحسن العسكري.
    وبالإضافة لاقتباس فكرة الرجعة اقتبست الشيعة من المسيحية فكرة انتظار قائد لاهوتي، ناسوتي، يقود شعبه إلى حياة مثلى كالفردوس الأرضي. والتراث الهندي حافل بالتطلع لتجليات إله في أشكال بشرية ويأخذ بيد الناس إلى حياة فضلى. لقد تسرب هذا الفكر الوافد فلون فكرة المهدية عند الشيعة.
    المهدية عند الصوفية
    هناك تقارب بين التشيع والتصوف في بعض الأفكار والأحوال. فعلي بن أبي طالب قدوة الشيعة محل إعجاب الصوفية وكانوا يقولون أنه اثنى على الحسن البصري معلم التصوف.
    وكان الشيعة قد تعرضوا كما رأينا للهزائم في محاولاتهم السياسية وكلما وقعت هزيمة عالجوا آثارها بالتوغل في عالم الغيب. والصوفية لم يجدوا رواجا كبيرا إلا عندما أجبر الواقع القائم بعض المسلمين أن يتلمسوا الهرب من الواقع المرير في روب الباطن الخفية.
    فالشيعة والصوفية وجدوا أن المغيبات والبواطن والأسرار تصنع واحات من الأمل في صحراء التعاسة والإخفاق وكلما طاردوا تلك الواحات فارقوا الاعتدال.
    لقد رأينا كيف صورت الفلسفة اليونانية في مدرسة الأفلاطونية الجديدة تسلسل الوجود من الأول، ثم العقل، فالنفس الكلية وهكذا انحدر الوجود درجة من الأول حتى اشتمل على كل الموجودات بما فيها الإنسان. هذا التصور اقتبسه الصوفية المؤمنون بوحدة الوجود فصار النبي في نظامهم يقوم بدور كوني يشبه دور العقل الأول. والمهدي في نظر بعض الصوفية يقوم بدور الصلة بين المخلوقات وبين النبي الذي يربط الصلة بالله أو واجب الوجود فالمهدية درجة من درجات الوجود بين النبوة وعالم الخلق والقائم بها يسمى قطب الزمان. والى جانب المهدي يعمل في تدبير الكون 12 نقيبا على عدد بروج الفلك. فالمهدية في نظر هؤلاء من درجات تسلسل الوجود يتصل عبرها عالم الخلق، بعالم الربوبية.
    في نظام الفيلسوف الفارابي الذي شرحه في كتابه عن أهل المدينة الفاضلة توجد نفوس شريفة تتوسط بين النفوس الإنسانية وبين النفس الكلية لقد الفارابي شيعيا وكان نظام المدينة الفاضلة يفلسف دور الإمامة والمهدية في النظام الأمثل الذي هو صورة للكون ولقيادة الجماعة.
                  

03-13-2004, 11:57 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الرابع

    أصداء الفكرة المهدية

    الفكرة المهدية بأصولها الإسلامية، وما ألم بها من مؤثرات تاريخية سياسية، واقتصادية، واجتماعية، ونفسية، وما شب فيها من مصادر غير إسلامية عن طريق التشيع، والتفلسف، والتصوف.. تلك الفكرة بكل ما تلونت به أحدثت آثارا كبيرة في البيئة الإسلامية.
    (1) ففي البيت الأموي نشأ نزاع بين آل معاوية وآل مروان وكان النجاح من حظ آل مروان. فقيل أن آل معاوية تحدثوا عن سفياني منتظر منهم.
    روى أن خالد بن يزيد بن معاوية روى حديثا عن حذيفة بن اليمان أن النبي ذكر فتنة تقوم بين أهل المشرق والمغرب وقال: بينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشا إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل. ويروي الأستاذ سعد محمد حسن مستمدا من تذكرة القرطبي أن الشيعة عندما بلغهم هذا الحديث قبلوا نبأ خروج السفياني وأضافوا حديثا آخر فحواه: وسيبايع المهدي الناس يومئذ بمكة بين الركن والمقام ثم يقول المهدي: أيها الناس اخرجوا لقتال عدو الله وعدوكم فيجيبونه فيخرج المهدي ومن معه من مكة لمحاربة السفياني.
    (2) وكان بنو العباس أيضا يزعمون أن المهدي منهم وكان أبو جعفر المنصور يدرك أهمية سريان الفكرة في الأوساط العامة ومن دهائه سمى ولده وولي عهده المهدي.
    (3) كانت قبائل اليمين تعتبر جنوب الجزيرة العربية هو مهد الحضارة العربية وقد أدى ظهور الإسلام إلى انتقال الرئاسة لقبائل شمال الجزيرة العربية وعلى رأسها قريش، وربما كان من أبناء القبائل اليمنية من يتطلع إلى زمان تصحح فيه الأوضاع ويعود المجد إلى موطنه يمنيا قحطانيا. وربما كان من قبيل هذه الاتجاهات ما روي الإمام من أحاديث عن القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه. روى الإمام البخاري في صحيحه الآتي: " حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان عن ثور، عن أبي الغبث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" .
    (4) وتحدث بعض الرواة عن دعوات أخرى. قال ابن سعد : أن الناس كانوا يعتقدون أن موسى بن طلحة بن عيد الله هو المهدي المنتظر. وقال أيضا أن التابعي المعروف سعيد بن المسيب كان يقول بمهدية عمر بن عبد العزيز، وفي الطبقات أيضا يروى ابن سعد عن نافع عن عمر قال: كنت أسمع أن عمر يقول: ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة، يملأ الأرض عدلا؟ وفي الطبقات أيضا أن ابن عمر قال: إنا كنا نتحدث أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يلي هذه الأمة رجل من ولد عمر يسير فيها بسيرة عمر بوجهه شامة.. وما جاء عمر بن عبد العزيز (وعمر جده لأمه) قال يزيد: ضربته دابة من دواب أبيه، فجعل أبوه يمسح الدم ويقول: سعدت إن كنت أشج بني أمية.
    لقد كان لفكرة المهدية أثر في نفوس الناس ولذلك علق فيها كل حزب آماله. فسجلت لنا الكتب القديمة تلك الروايات وغيرها مما لو جمع لكان مرجعا هاما لأدب المهدية الذي يسجل مشاعر القادة والجماهير في حلبات الصراع إن فاته أن يسجل أحاديث صحيحة الأسانيد.
    ولكن بخلاف ذلك الأدب فإن كتاب أئمة الحديث روت أحاديث نبوية بأسانيدها عن علامات المهدية وأوصاف المهدي نذكر منها:
    (1) أن الترمذي وأبا داود أخرجا بسنديهما إلى ابن عباس من طريق عاصم بن أبي النجود (أحد القراء) إلى زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي.
    (2) وأخرج أبو داود أيضا وتابعه الحاكم عن أبي سعيد الخدري من طريق عمران القطان عن قتادة عن أبي بصرة عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: المهدي مني أجلى الجبهة، اقني الأنف ( أجلى الجبهة أي واسعها، واقني الأنف أي مرتفع أعلاه محدودب وسطه ) يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. يملك سبع سنوات. وفي رواية أخرجها الترمذي قال يعيش خمسا، أو سبعا، أو تسعا.
    (3) وروى الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي الواصل عبد المحميد بن واصل عن أبي الصديق الناجي عن الحسن بن يزيد السعدي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي ينزل الله عز وجل له القطر من السماء، وتخرج الأرض بركتها وتملأ الأرض منه قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يعمل على هذه الأرض سبع سنين وينزل على بيت المقدس.
    (4) وأخرج الحاكم في المستدرك عن علي رضى الله عنه من رواية أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند على فسأله رجل عن المهدي فقال على: يخرج في آخر الزمان. إذا قال الرجل الله الله قتل. ويجمع الله له قوما قزعا (أي أفواجا) يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد دخل فيهم. عدتهم على عدة أهل بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون. ثم قال، إنه يخرج من بين هذين الأخشبين (جبلا مكة).
    (5) ورويت أحاديث عديدة عن وقت خروجه، وعن أنه شبه النبي خلقا وخلقا، وعن أماكن ظهوره في المدينة، والقدس، والمغرب، وعلى ذلك اختلفت الروايات.
                  

03-14-2004, 04:45 PM

ebrahim_ali
<aebrahim_ali
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2968

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الحبيب اسماعيل وراق لك التحيات الغوالي على هذه النفحات العطرة وهذا التواصل المقيم فقد أفضت ‏وأبنت حقائق وسير كان لابد من إيرادها لكي يطلع عليها الجميع وأستميحك عذراً في أنني سوف ‏أقوم بنسخ للملف هل يسمح لي بذلك الحبيب ؟‏
                  

03-14-2004, 11:12 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ebrahim_ali)

    الحبيب العزيز إبراهيم
    لك ما تود
                  

03-15-2004, 00:58 AM

Hadia Mohamed

تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 1463

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    نحن في الانتظار وانا اجهل الكثير عن فكر الثوره المهديه وكل ما قراته يدور حول الثوره والحروبات وشخصية الامام امهدي وتنقصنا التفاصيل والفكر نفسه الذي لم نقرا عنه بعمق كلنا شوق يا اخي ولك الشكر .
                  

03-15-2004, 06:28 PM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)



    اشكرك اخي اسماعيل

    وانقطاعي لمشغوليات لا تنتهي ولكن سأعود لاقرأ
    ما قدمته لنا من مجهود يجزيك المولى عليه وندعو لك
    بالصحة والعافية
                  

03-16-2004, 01:23 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)

    الأخت هادية بدر الدين
    أولاً مرحباً بك في المنبر
    ثانياً لك جزيل الشكر بمرورك ومداخلتك في البوست
    من ناحيتي سوف أقوم بإنزال كل ما يتعلق بالجوانب الفكرية للثورة/الدعوة/الدولة المهدية.
    عشمي أن يكون على قدر طموحك ويلبي غاياتك

    الأخ ود الشيخ
    كالعهد بك
    كنت عوناً وحافزاً ودافعاً، كم أغريتني رغم مشغولياتي بالإتيان للمنبر إيفاء بوعدي.
    لك التحية.
                  

03-16-2004, 12:08 PM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)


    بارك الله فيك أخي اسماعيل ومجهودك لن يضيع عند
    الله سدا وانظر كم من القراء للموضوع واعتقد
    أن الكتاب سرد تاريخي اسلامي شرفني ما اطلعت عليه
    حتى الآن جزاك الله ومتعك بالصحة والعافية
                  

03-17-2004, 12:46 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)

    شكراً لك أخي ود الشيخ
    وشكراً على إهتمامك
                  

03-16-2004, 12:21 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    هل كانت المهدية محض حركة سياسية [نضمت]كل فئات المجتمع السودانى فى سبحة واحدة لمقاومة الدخيل؟ام تراها خلاص لامة طالها [خبل وقعود]فاشرئبت الى عالم الشهادة علها تتخلص من طول ركون [مؤسس و متعمد]من فقهاء السلطان لتظل فى عالم الغيب شاخصة ابصارها الى اللاهوت دون الناسوت لاهية عن مؤامرات مدبرة من علماء السوء لتمعن فى انصرافها؟
    هل كان الامام المهدى -عليه السلام-الذى وصفه اعدى اعدائه القس اهرولدر النمساوى بانه كان "عجيب الفتنة شديد السمرة تعلو وجهه دائما ابتسامة عذبة و كان اسلوبه فى الحديث عذبا بدرجة غير عادية ،لا يلوم احدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته يحمل اقوى راس و اصفى بصيرة ذهنية"هل كان الامام المهدى ثائرا خارق الذكاء ام مستغلا للدين فى توحيد السودانيين كما وصفه البعض؟؟
    هل كان الامام المهدى هو المنقذ الذى يظهر على راس كل قرن هجرى "ليملا الارض عدلا بعد ان ملئت جورا"ام كان مصلحا اجتماعيا خدمته ظروف معينة ليطلق شرارة اكبر الثورات الافريقية وقتها و يقتلع المستعمر من جذوره مع احبابه [الراكبين عواتى الخيل]؟؟
    ولماذا قابل السودانيون المهدى و دعوته بكل ذاك الشغف و كانهم ظامىء فى بيد لا متناهية وجد قطرةماء فكفته و انقذته؟؟
    ننتظر وراق و ما لديه ليجيب عن كل الاسئلة السابقة
    و محبتى
                  

03-16-2004, 03:22 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: lana mahdi)

    الأخت العزيزة لنا مهدي
    تلخيصك للفصول القادمة كان رائعاً
    وحتى تكتمل الصورة البهية لدي المهتمين والمتابعين
    فها هي الفصول المتبقية تجيب عن مكنون إسئلتك.
                  

03-16-2004, 04:56 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الخامس

    الدعوات المهدية

    لقد ادعى المهدية عدد كبير من الأشخاص أحصاهم في التاريخ القديم العلامة ابن خلدون. وعرض أقوالهم وأفعالهم فلم يجد وراء دعواتهم طائلة. ثم أحصاهم إحصاء شامل في التاريخ القديم والحديث العالم الأزهري سعد محمد حسن في كتابه " المهدية في الإسلام".
    وكان أهم من ادعى المهدية في التاريخ الإسلامي القديم محمد بن تومرت المتوفى 524هـ 1230م.
    سيرة ابن تومرت: ولد في احدى قرى المغرب وحفظ القرآن صبيا ثم رحل في طلب العلم إلى الأندلس ثم إلى المشرق: إلى مكة، والقاهرة، وبغداد. وسمع من أكابر العلماء. ثم عاد إلى المغرب فانتقد بعد عودته ثلاثة أمور هي:
    الاعتقاد السائد يومئذ بأن صفات الله تشبه الصفات البشرية.
    اعتماد الفقه على التقليد الخالص اتباعا لمذهب الإمام مالك.
    انتشار عادات وتقاليد غير إسلامية بين المسلمين.
    واستند في نقده على الحديث: " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". فشرع يخطب ويجادل داعيا للإصلاح الديني ومكلفا نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكانت الأوضاع التي وجه ضدها انتقاداته تستند إلى حماية دولة المرابطين فوجد نفسه يصطدم بالحكام والقضاة والفقهاء.
    ثم عاد إلى الغربة التي ولد فيها واعتزل الناس في غار. وأثناء تلك الخلوة ألّف عددا من الكتب التي سجل فيها آراءه وانشغل بدراسة كيفية مواجهة دولة المرابطين. وأثناء تلك الفترة التف حوله عدد من الأصحاب واشتهر بالعلم والصلاح وذاع صيته بين القبائل المجاورة. وكان يستخدم اللغة البربرية في تدوين تعاليمه ونشرها بين القبائل البربرية.
    وفي 515هـ 1121م ترك غاره وهاجر إلى منطقة تسمى تينمالم تقع بين مراكش والسوس، وهناك أعلن أنه المهدي، وأقام حصنا ليحتمي به هو وأنصاره وتوالت المعارك بين جماعته وبين دولة المرابطين، ولم يفلح في هزيمة تلك الدولة حتى وفاته في 524هـ. وقبل موته بأشهر لقيت جماعته هزيمة منكرة في معركة قرب مدينة مراكش مما جعل مستقبل دعوته قاتما. ولكن خليفته الأول عبد المؤمن على واصل الدعوة ومصادمة دولة المرابطين حتى هزمها وفتح مراكش في عام 541هـ 1146م.
    دعوته:
    التوحيد: كان ابن تومرت يرى أن معرفة وجود الله تتم بضرورة العقل ويقول أن وحدانيته تعالى مطلقة فمن شبهه بخلقه في شيء فقد أشرك. ولشدة تمسكه بهذه الوحدانية المطلقة سمى دعوته الموحدين. وقال ابن تومرت إن العبادات لا قيمة لها بدون الإيمان والإخلاص وهما يقتضيان العلم بالله، قال: "نبه الله تبارك وتعالى في كتابه فقال: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أخبر تعالى أن فاطر السموات والأرض ليس في وجوده شك. وما انتفى عنه الشك وجب كونه معلوما، فثبت بهذا أن البارئ- سبحانه- يعلم بضرورة العقل".
    فوجود الله يعرف بالعقل، ولكن العقل لا يستطيع تصور الله. ولذلك قال ابن تومرت: " إذا علم أن الله خالق كل شيء، علم أنه لا يشبه شيئا. إذ لا يشبه الشيء إلا ما كان من جنسه والخالق- سبحانه يستحيل أن يكون من جنس المخلوقات، إذ لو كان من جنسها لعجز كعجزها. ولو عجز كعجزها لاستحال منه وجودها محال. فعلم بذلك أن الخالق- سبحانه- لا يشبه المخلوقات كما قال الله تبارك وتعالى: أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ أفلا تذكرون! فابن تومرت يضع تفرقة مطلقة بين الله والمخلوقات ومن هذا المنطق يهاجم التجسيم الذي اتهم به المرابطين وعلماءهم وسماهم المجسمين والملثمين. وكان هجومه عليهم عنيفا جدا. قال إن المرابطين (الملثمين) لم يفهموا قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فوصفوا الله بصفات كثيرة، لأنهم جسموا الخالق- سبحانه- وأنكروا التوحيد وعاندوا الحق". ومن عنفه أنه أمر بإعدام كل من ليسوا مخلصين له أو لمذهبه وكانوا بالآلاف فشهد معسكره في تينمال في 523هـ مذبحة كبيرة.
    المهدية: كان ابن تومرت يرى ضرورة وجود إمام في كل عصر يهتدي الله وهو المهدي أو الإمام المعصوم. والإيمان بهذه الإمامة المهدية فرض على الجميع. قال في هذا الصدد "هذا باب في العلم وهي وجوب اعتقاد الإمامة على الكافة وهي ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الشريعة. ولا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان، إلى أن تقوم الساعة، ما من زمان من الأزمان إلا وفيه أمام الله قائم بالحق في أرضه، من آدم إلى نوح، ومن بعده إلى إبراهيم. قال تبارك وتعالى: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). ولا يكون الإمام إلا معصوما من الباطل ليهدم الباطل، لأن الباطل لا يهدم بالباطل. "ويقول ابن تومرت أيضا: "إن العلم ارتفع، وإن الجهل عم، وإن الرؤساء الجهال استولوا على الدنيا. وأن الباطل لا يعرفه إلا المهدي. وأن الحق لا يقوم به إلا المهدي. وأن المهدي معلوم في العرب والعجم، والبدو والحضر.. الخ" ويقول إنه المهدي وإنه سيفتح الدنيا شرقها وغربها ويملؤها بالعدل كما ملئت بالجور.
    الفقه: كان ابن تومرت يقول إن أدلة الشرع هي: القرآن والسنة، وإجماع صحابة النبي. فلا يقر حجة القياس ولا حجة إجماع الفقهاء أو العلماء. وأحكامه مبنية على الأدلة التي اعتمدها وعلى قراراته كإمام معصوم. فقراراته تفسر نصوص تلك الأدلة وتقرر فيما لم يرد فيها. ولما كان المذهب السائد في المغرب يومئذ هو مذهب الإمام مالك فقد أدى هذا النهج الجديد إلى رفع تقليد مذهب مالك واتباع تشريعات مذهب ابن تومرت.
    وعلى أساس مذهب ابن تومرت في التوحيد والفقه قامت دولة الموحدين التي شملت كل إقليم دولة المرابطين في المغرب والأندلس وزادت عليه.
    واستمرت دولة الموحدين ملتزمة بدعوة ابن تومرت إلى أن تولى أمرها الخليفة الثامن إدريس المأمون الذي حكم من سنة 624هـ 1227م إلى 629هـ 1232م وكان هذا الخليفة منكرا لدعوة ابن تومرت فحالف نصارى الأندلس ونبذ السلطة الروحية لصاحب دعوة الموحدين.
    وبعد أن تخلت الدولة من مساندة دعوة ابن تومرت ذبلت وتلاشت.
    وقد لوحظت هذه الظاهرة في كل دعوات المهدية. إنها تتلاشى سرعان ما يزول النظام السياسي الذي تستند إليه. اللهم إلا في حالة دعوة واحدة سوف نذكرها.
    المهدي السنوسي
    لقد كان السيد السنوسي شيخ طريقة صوفية تلتزم بالكتاب والسنة وقام بحركة إصلاح إسلامية تحدث السلطان العثماني. وفي مرحلة ما أعلن أن ابنه الذي سماه المهدي هو المهدي المنتظر. ولكن هذه الدعوة لم تحقق منجزات وقيل أن بعض اتباع السنوسية قالوا إنه غاب وسوف يعود.
    وبعد أن استعرض الأستاذ سعد محمد حسن الحركات المهدية تناول الحديث عن دعوة الإمام المهدي بن عبد الله فأفرد لدراستها أطول فصول كتابة مفتتحا الفصل بالعبرة الآتية:
    " محمد أحمد شخصية فذة من شخصيات التاريخ وعلم من أعلامه كرسته أحوال بلاده وما تردت فيه من انحطاط فكري، وخلقي، واقتصادي نتيجة لرزوحها تحت نير الاستعمار البغيض، فثار الرجل بمهديته لينقذ السودان من تلك الهاوية السحيقة. ولقد عمر قلبه الإيمان العميق في حق بلاده أن تحيا فأعلنها حربا شعواء لا هوادة فيها، خرج منها ظافرا منتصرا. وفي فترة وجيزة جمع بين السودانيين وألف بين قلوبهم وأشاع بينهم العدالة والطمأنينة والحياة الكريمة، وخلق منهم أمة أبية تأبى الضيم وتتمسك بتعاليم الإسلام".
    وبعد عرض لتعاليم المهدي وأقواله وأفعاله اختتم الأستاذ حديثه بالعبارة الآتية:
    " ولا يسعنا في ختام حديثنا عن المهدي إلا أن نشيد بالأعمال العظيمة التي قام بها من أجل السودان في النواحي السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، حتى ليعد محمد أحمد- بحق- خير من ادعى المهدي فلقد كان الرجل حريصا على تحرير بلاده من نير الاستعمار كما كان حريصا على رفع مستواها الاقتصادي والخلقي وبناء مجتمع إسلامي صالح في السودان قائم إلى حد كبير على التعاليم التي أقامت المجتمع الإسلامي الأول: لقد وفق الرجل في كل ذلك توفيقا كبيرا.
    تلك هي شهادة الكاتب بعد دراسة الحركات المهدية في الإسلام قديمها وحديثها. والحقيقة التي لا شك فيها أن الدعوة المهدية في السودان انفردت بأنها نمت من المنطلقات الإسلامية، وبأنها لبت حاجة ظروف تاريخية، وباتجاه قائدها بالدعوة للالتقاء على الحق والاتحاد لكل أهل القبلة، وبالسعي لسد جميع الفراغات الفكرية، والسياسية، والقيادية التي عاناها المسلمون في القرن الماضي، وبتأسيس دولة أثناء حياة قائدها، وبتكوين طاقة جهادية لم يعهد لها مثيل إلا في الصدر الأول للإسلام، وبأنها خلافا لكل الدعوات المهدية الأخرى، عندما دالت دولتها وهزمت عسكريا لم تدفن مع أجداث الشهداء بل تحصنت في قلوب الجرحى والأسرى والشيوخ والنساء والأطفال وبقيت حية. وبالرغم من أن الغزاة وجهوا ضدها حربا نفسية هدفها تدمير الدعوة نهائيا في قلوب الأفراد ونظم الجماعات، لم يلحق بها الدمار بل ظلت عامرة في القلوب إلى أن انبعثت مرة أخرى. فما هي تلك الدعوة ذات الخصال الفريدة؟.
    إنتهى القسم الثاني بنهاية الفصل الخامس
                  

03-16-2004, 04:59 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    القسم الثالث

    الفصل الأول

    حيوية الإسلام

    لقد رأينا ما آل إليه حال الإسلام في مواطن نشأته الأولى وفي الأقطار التي أطل عليها نوره أيام اتحاد الكلمة وقوة الخلافة. رأينا تفرق الفرق، وانقسام الرأي، وتمزق الديار، وضياع استقلال المسلمين.
    وبالرغم من هذا الضعف فإن حيوية الدعوة الإسلامية لم تضعف وانتشار الإسلام لم يتوقف. لقد لاحظ الأستاذ ارنولد في كتابه القيم "الدعوة للإسلام" إن غالبية أهل الشام، ومصر، كانوا حتى فترة متأخرة من العصر الأموي غير مسلمين، لقد دخلت تلك الأقطار في الدولة الإسلامية منذ أيام عمر بن الخطاب ولكن التزم المسلمين مبدأ: لا إكراه في الدين أبقى السكان على ملتهم الأولى فإن كان من سياسة المسلمين إجبار غيرهم على الإسلام لكان أولى بهم أن يفعلوا ذلك أيام فتوة الإسلام. وقد لاحظ الأستاذ أرنولد أن أعداد وفيرة من رعايا الدولة الإسلامية من غير المسلمين اعتنقوا عقيدة الإسلام عندما شيدت عوامل الضعف في كيان الدولة الإسلامية. ونتيجة لذلك فإن تدهور قبضة الكيان الإسلامي الرسمي لم يؤثر أثرا سلبيا على انتشار الإسلام.
    هذه الظاهرة نفسها تكررت مرات أخرى: فعندما بلغ الضعف غايته في مواطن الإسلام الأولى كانت مناطق أخرى تهرع إلى الإسلام وتقيم في ظله الدولة وتؤسس المعاهد. ونتيجة لهذا المد انتشر الإسلام في شرق وغرب أفريقيا، وفي جنوب شرقي أسيا، كانت الهجرة، والصلة التجارية، والقدوة الحسنة- لا الأجهزة الرسمية والجيوش- هي مطايا انتشار الإسلام في تلك البقاع. إنها قاعدة مطردة تقاس بها قوة الدعوة وحيويتها أن نعرف ما يجري لها بعد زوال الكيان السياسي الذي يحميها فإن زالت بزواله فهي دعوة قليلة الحيوية وقليل إيمان الناس بها، لقد عرف التاريخ كثيرا من الملل والنحل والأيديولوجيات التي اعتنقها حكام ومن موقع السلطة الرسمية حاولوا إلزام الناس بها فالتزم بها ببعض طلاب المنافع لينعموا بعطايا السلطة، فإن زالت تلك السلطة أو تدهور كيانها السياسي انفض الناس عن تلك المعتقدات وطواها النسيان. أما إذا حدث العكس وزال الكيان السياسي الرسمي أو ضعف ولم يؤد ذلك إلى انكماش الناس عن معتقدات بها آمنوا فإن هذا دليل حقيقي على صدق تلك المعتقدات. وقد أثبت التاريخ الإسلامي أن تمكن العقيدة الإسلامية في قلوب أهلها وانتشارها وكسب أراض جديدة ظاهرتان برزتا للعيان بالرغم من عثرات كيان الإسلام الرسمي. عقيدة تحصلت بالقلوب فاحتفظت بطاقة الانبعاث والصلة بعد أن دالت الدولة.
    ويمكننا أن نحكي سيرة تلك الحيوية الإسلامية في إندونيسيا، والملاين، والحبشة، والصومال، وغيرها من البلدان، ولكننا هنا سوف نحصر بحثنا عن سيرتها في السودان.
                  

03-16-2004, 05:04 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثاني

    الإسلام في السودان

    كان السودان موطن إمارات متعددة وديانات مماثلة للأديان الأفريقية المحلية. تماثلها من ناحية تأليه القوى الطبيعية، وتأليه الأجداد، والرمز للقوى الإلهية عن طريق الأوثان، وتقديس بعض البقاع والأشياء والأفراد. واتخاذ بعض الأفراد وسطاء بين الآلهة والبشر، والإيمان بوجود قوة سحرية يمكن تسخيرها عن طريق السحرة لقضاء الأغراض والكيد للخصوم.
    ومع أن كثيرا من تلك الديانات تؤمن بأنه واحد مهيمن على كل شيء فإن ذلك الاعتقاد بعيد من توجيه الحياة الدينية الخاضعة عمليا لعقائد التعدد والرمزية، والسحر. تلك هي الخلفية الأفريقية للديانة في السودان.
    وبالإضافة لتلك العوامل تأثرت البيئة السودانية. وفي الشمال خاصة، بالحضارة، والثقافة، والديانة الفرعونية. لقد كانت العلاقة بين شمال السودان وجنوب مصر في التاريخ الفرعوني القديم علاقة اتحاد حينا ومغالبة حينا آخر.
    وفي أواسط القرن السادس الميلادي دخلت المسيحية اليعقوبية السودان الشمالي وقامت في السودان ثلاث مملكات مسيحية أهمها اثنتان هما: المقرة وعاصمتها دنقلا وعلوة وعاصمتها شوبا.
    ويدل وجود آثار مسيحية قديمة في غرب السودان على دخول المسيحية هناك، ولكن معرفة تاريخ تلك المنطقة في تلك الفترة تفتقر إلى مزيد من البحث والدراسة.
    لقد كانت المسيحية السودانية متأثرة بالبيئة الأفريقية شبيه الهوية بالكنيسة الأثيوبية المشاهدة اليوم.
    وفي عام 22 هـ(642م) عبد الله بن أبي السرح القائد المسلم حدود دولة مقرة، وبعد حرب تصالح حكامها معه سلمي بين مصر المسلمة والسودان المسيحي.
    هكذا استمرت ديار السودان تابعة من ناحية الديانة للمسيحية ولبعض الأديان المحلية. ولكن المنطقة لم تكن معزولة عما يحيط بها وكان من أهم وسائل اتصالها بمن حولها توافد مهاجرين من العرب دخلوا السودان بأعداد محدودة قبل الإسلام ووجدوا فيه بيئات تشابه البيئة العربية من نواح، وتفضلها من نواح أخرى لوفرة المرعى والماء. وتعاظمت الهجرة بعد الإسلام فهاجر العرب المسلمون عبر البحر الأحمر، وعبر مصر، وعبر المغرب، واستقروا في بقاع السودان المختلفة واختلطوا مع قبائل السودان الأخرى في المعاش والدم.
    الهجرة العربية
    من الشرق:
    لقد تمت هجرات واتصالات عربية بشرق السودان، وعبر البحر الأحمر، منذ قبل الإسلام واستمرت تلك الظاهرة بعد الإسلام وزادها ازدياد النشاط التجاري أيام ازدهار الدولة الإسلامية ونتيجة لتلك العلاقات التجارية والهجرات دخ الإسلام سواكن ، ومقديشو، وزنجبار، وغيرها من ثغور البحر الأحمر والمحيط الهندي.
    من الشمال:
    وفد للسودان من مصر علماء، وتجار، ودعاة، ومجموعات من القبائل العربية المهاجرة. وتعاظم سيل الهجرة العربية عندما فرت القبائل من ضغط حكام مصر وخاصة المماليك فوجدت في الهجرة جنوبا ملجأ ومستقرا.
    من الغرب:
    كان النشاط الإسلامي قويا في شمال أفريقيا وخاصة في عهد عقبة بن نافع فاحدث ذلك اتصالا بالسودان، من جهة الغرب، وعندما أغارت قبائل بني هلال التي أرسلها الحكم الفاطمي لتأديب قبائل البربر في شمال افريقيا تدفقت قبائل البربر على الجهات ومنها من لجأ للسودان. وعندما طرد العرب من الأندلس تدفقت هجرات عربية ومنها هجرة القبائل الهلالية إلى أفريقيا الغربية ووصل بعضها إلى دارفور.
    لقد هاجر للسودان عشرات القبائل العربية أذكر منها المجموعات الآتية:
    مجموعة القبائل الجعلية وهي:
    ميرفاب، رباطاب، جعلية، مناصير، شايقية، جوابرة، بديرية، جمع، جوامعه، ركابية، جموعية، بطاحين، وغيرها.
    مجموعة القبائل الكاهلية وهي:
    كواهله، حسانية، حسنات، بنو حسين، بنو حسان، عبابدة، وغيرها.
    مجموعة قبائل فزارة وهي:
    دويح، مسلمية، مسيرية، حمر، رزيقات، سليم، دار محارب، نزي، حوازمة، مغاربة، بنو هلبة، تعايشة، سلامات وغيرها.
    مجموعة قبائل جهينة وهي:
    رفاعة وفروعها، لحويون، عوامرة، شكرية، دار حامد، زيادية، شنابلة، معالية، كبابيش، دغيم، كنانة، حلاوين، أولاد حميد، وغيرها.
    هاجرت تلك القبائل وعشرات غيرها لم نذكرها هنا حتى تجاوز عدد قبائل السودان العربية ثلاثمائة قبيلة متوافدة على السودان عبر مئات السنين من قبل الإسلام. وفي السودان اختلطت تلك القبائل بالعربية بقبائل حامية، ونيلية، واستوائية موزعة الأوطان على طول البلاد وعرضها.
    ففي الشمال: تقيم قبائل النوبة وفروعها هي: محس، كنوز، سكوت، ودناقلة، وهؤلاء يتحدثون لغة نوبية ذات لهجات عديدة.
    وفي الشرق: تقيم قبائل البجة وفروعها: البشاريون، الهدندوة، الأمرأر، بني عامر، وهؤلاء يتحدثون غالبا اللغة التبداوية وبعضهم يتحدث لغة التيقرة.
    وفي الغرب: تقيم مجموعات من القبائل هي:
    مجموعة القرعان، والبديان، والزغاوة.
    مجموعة البرقد، والبرني، والداجو.
    مجموعة الميدوب، والتنور.
    مجموعة الميمية، والمراريت، والفلاتة، والبرنو، والتكارنة.
    مجموعة الفور، والمساليت، وتاما، والارتجا، والمون. وهؤلاء يتحدثون لغات ولهجات يبلغ عددها حوالي ثمانية عشر.
    وفي الغرب الأدنى: تقيم قبائل النوبة الجنوبية هؤلاء ينقسمون إلى مجموعات هي: الدلنج، كادوقلي، تقلي، رشاد، كالوقي، وتلودي وتتفرع المجموعات إلى حوالي مئة فرغ ويتحدثون لغات ولهجات عديدة بعضها يشابه في تركيبة والفاظه لهجات النوبة الشمالية.
    وفي الجنوب: تقيم القبائل النيلية مثل الدينكا، والشلك والنوير وغيرها. وفي الجنوب الأقصى تقيم قبائل الاستوائية مثل الزاندي، والمورو، والمادي وغيرها. وقبائل الجنوب تتحدث أكثر من مئتي لغة ولهجة.
    لقد اختلطت القبائل العربية بهذه القبائل الحامية، والنيلية، والاستوائية بدرجات متفاوته فامتزجت الدماء، وتبودلت السحنات، مما أورث السودان صفته المشاهدة وجعله "خلاطة" بشرية عظمى. واختلطت الأنساب أيضا فأصبحت تجد بطنا عربيا مندمجا في احدى القبائل الكبيرة مثل ما حدث لبطن من قبيلة خزام وقبيلة المساليت. واختلطت أنساب البجة والكواهلة وتداخلت تداخلا وثيقا وانخرطت بطون جعلية بقبائل النوبة الشمالية. والفيت بطونا عربية تنخرط في الفور، والفيت امتزاجا سلاليا واضحا بين الرزيقات والدينكا، والمسيرية والدينكا، والحوازمة ونوبة الغرب.. وهكذا.
    وغلبت على هذا الامتزاج صفتان: انتشار الإسلام دينا وانتشار اللغة العربية لسان عبادة ومخاطبة عامة. هكذا أسلم السودان واستعرب. وعروبة أهل السودان ظهرت عليها في الحاضرة ملامح نوبية، وفي البادية ملامح بجاوية ولكنها في كل حال احتفظت إلى حد مدهش بعروبتها. ولم يكن هذا الانتشار بتوجيه من سلطة مركزية بل جرى نتيجة عوامل اجتماعية وتاريخية معينة استمر مندفعا قرونا بعد قرون بحيوية ذاتية متوقدة.
    لقد حالت عوامل جغرافية دون وقوع الاتصال والاختلاط البشري المذكور في معظم مناطق السودان: فعبر البر حالت دونه غابات وجبال توفرت الوسائل التي ذللت العقبات الجغرافية الحائلة دون الاتصال تدخلت عوامل سياسية وإدارية لتعزل أقليم السودان الجنوبي: جعلت الإدارة البريطانية التي حكمت السودان جنوب السودان منطقة مقفولة وطبقت عليها ما سمته سياسة جنوب السودان، وهي سياسة أهدافها أن تحافظ على تراث الجنوب القبلي، وثقافته الموروثة من المؤثرات الإسلامية والعربية، وأن تسلط عليه التبشير المسيحي وحده وتجعله يتخذ الانجليزية لغة تفاهم عام على نحو ما فعلوا في أفريقيا الاستوائية.
                  

03-16-2004, 05:07 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثالث

    التحول السياسي

    كانت الحضارة المحيطة بالسودان شمالا، وشرقا، وغربا، حضارة إسلامية عربية. وكانت الهجرات العربية لإقليم السودان قد بلغت أعدادا كبيرة وكان الدعاة والتجار والعلماء الوافدون من مصر، والمغرب، والجزيرة العربية يسببون بطريق مباشر وغير مباشر ضغطا على الكيان المسيحي الحاكم في مملكتي المقرة، وعلوة.
    وفي القرن الثالث عشر الميلادي تولى الملك أحد أفراد الأسرة المالكة المسلمين في مملكة المقرة. ونتيجة لذلك بدأ تحول الدولة نحو الإسلام وتم تحويل كنيسة دنقلا إلى مسجد في عام 717هـ (1317م
    ونتيجة لعوامل مماثلة ضعفت المملكة المسيحية الجنوبية وعاصمتها سوبا فتحالفت ضدها القبائل العربية بقيادة عبد الله جماع فقضت عليها في القرن الخامس عشر الميلادي ونافسهم على الرئاسة الفونج فغلبوهم ثم تحالفوا معهم.
    وعندما بلغت الهجرة العربية درجة معينة، ونشطت الدعوة الإسلامية التي بشر بها الأفراد والجماعات، وقويت روابط الاختلاط بالمصاهرة والانتماء بين العناصر الوافدة والمحلية، عندما وقع هذا كله أدى إلى قيام واقع سياسي جديد في افريقيا فقامت ممالك إسلامية قوية في غانا وفي مالي وفي السودان وغيرها من البلدان. أما المملكتان اللتان قامتا في السودان فهما:
    مملكة الفونج، ومملكة الفور.
    أما مملكة الفونج فقد قامت على حلف بين الفونجوالعبد اللاب في عام 1504 وقد كشفت عن هويتها في خطاب أرسله عمارة دنقس أول ملوك الفونج من عاصمته سنار إلى سليم الأول عندما غزا سليم سواكن ومصوع وهم بفتح سنار أيضا. قال عمارة في الخطاب لسليم: " إني وأهل مملكتي عرب مسلمون". وأرفق مع ذلك الخطاب انساب قبائل العرب الذين بمملكته. وعندما وصل ذلك الخطاب لسليم قال إنه أعجب به وعدل عن فتح سنار.
    أما مملكة الفور فتاريخها يروي أن أحد أعيان بني هلال ويسمى أحمد المعقور وجد جريحا وأخذ لسلطان الفور آنئذ فاستضافه في بلاطه واتخذه مستشارا ثم زوجه ابنته. فولدت لهما سليمان سولنج. ولما كان توارث الملك عن طريق الأم صار سليمان هذا ملكا واستطاع أن يساعد في نشر الإسلام في مملكته التي يرجع تأسيسها لعام 1637م.
                  

03-16-2004, 05:11 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الرابع

    طبيعة الإسلام في السودان

    لقد دخل الإسلام السودان بعد أن تفرقت بأهله الكلمة، وكانت القبائل المهاجرة تحمل عقيدتها معها، كما كان عدد من مشايخ الطرق الصوفية يفد للسودان بدوافعهم الذاتية أو بتشجيع من سلاطين السودان ويعملون على نشر الإسلام وإلى جانب هؤلاء وفد عدد من علماء الدين واللغة العربية.
    وكانت السلطنتان تشجعان هذا النشاط إلا أن معلوماتنا عن النشاط في ظل الفونج أكثر منها عن النشاط في ظل الفور لعل السبب هو أن أكثر من كتب من مؤرخين من رعايا السلطنة الأولى. فإلى إقليم الفونج وفد مشايخ طريق وعلماء من العراق والمغرب، والحجاز، ومصر، كما سافر للأزهر بعض السودانيين (وكانوا يسمون الساريين)ونالوا تعليما فقهيا. وعندما رجعوا صاروا قضاة شرعيين في محاكم الفونج أو فتحوا دورا للتعليم مثل إبراهيم البولاد الذي عاد من مصر واستقر في دار الشايقية أول الأمر ثم اتجه للجزيرة ونشر الفقه على مذهب الإمام مالك. وكذلك أولاد جابر الذين كان لهم فضل كبير في التعليم ونشر الفقه.
    وبالرغم مما كان لهؤلاء من فضل في التعليم الديني في السودان فإنهم لم يستطيعوا بمجاراة الطرق الصوفية في توجيه الحياة الدينية، وقيادة الجماهير، والتحدث باسمها لدى الحكام.
    ونتيجة للمكانة التي حققها رجال الطرق الصوفية لأنفسهم بين الناس ولدى الحكام وهيمنت الطرق على حياة البلاد الدينية وقد سجل ذلك المؤرخ السوداني العالم المتطرق محمد نور الدين ود ضيف الله المولود 1129هـ في كتاب الطبقات.
    وكتاب الطبقات يترجم لحوالي 250 شيخا من رجال الدين في السودان، ويؤرخ الأحداث الهامة في عهد الفونج، ويكشف عن صفات العقلية السودانية في زمانه.
    لقد رأينا ما قالته الصوفية عن دولة الغيب وما نصت عليه من نوسط الأولياء بين العباد والمعبود. وهم لذلك حائزون على قدرات خارقة يصفها لنا ود ضيف الله بقوله:
    " إن الأولياء ينقسمون إلى درجات: فدرجة صغرى أصحابها يطيرون في الهواء ويمشون على سطح الماء وينطقون بالغيب، ودرجة وسطى بلغوا القدرة على أن يقولوا كن فيكون ودرجة كبرى هي القطبية".
    وروى في الطبقات كرامات الأولياء: الشيخ القدال طار أمام تلاميذه بسريره، والشيوخ عبد المحمود النوفلابي حج طائرا. والشيخ حسن ود حسونه أحيا امرأة بعد موتها.
    هذا النوع من الاعتقادات أثار نزاعا بين الصوفية والفقهاء، إذ كان هؤلاء ينكرون ما يقوله الصوفية ولكنهم يعجزون عن زحزحة مكانتهم في نفوس الجماهير والتوسط لدى الحكام، واشهر قصة ترمز لهذا النزاع ما روى ود ضيف الله إذ قال:
    "إن الشيخ الهميم في إحدى حالاته تزوج بأختين وأكثر من أربعة نساء فأنكر عليه القاضي دشين ذلك وقال له: فسخ الله جلدك. وروى ود ضيف الله أن جلده انفسخ فعلا إثر علة أصابته.
    لقد كان الصراع بين الفقهاء، وشيوخ الطرق قائما طوال عهد الفونج وكان واضحا أن العلماء معزولون فلا استطاعوا أن يكسبوا إلى جانبهم الحكام ولا استطاعوا أن يحصلوا على ولاء الجماهير. لقد حصلوا على وظائف في المحاكم وساهموا في التعليم والإفتاء ولكن حزبهم كان ضعيفا. وكتب طبقات ود ضيف الله مع أن كاتبه من الفقهاء فقد انحاز إلى جانب أهل الطرق معلنا بذلك مواكبة التيار الغالب.
    ولما خلا الجو لرجال الطرق في الإرشاد والتوجيه احتد الصراع بينهم فتنافسوا في كسب الجماهير وفي الكرامات،وفي المدائح وتنوعت علاقاتهم بحكام الفونج فبعضهم أقام مع الحكام علافة طيبة واستخدمها في التسهيل على أتباعه كإعفاء تلاميذه من الضرائب، أو الحصول على أتراض زراعية وغير ذلك. وبعضهم نال مكانة كبرى لدى الحكام حتى أن الملك بادي عرض على الشيخ إدريس ود الأرباب أن يجعل الملك قسمة بينهما. فرفض الشيخ إدريس ود ألباب ذلك لأن الملك المذكور مغتصب بالقوة فهو لا يريد اقتسامه.فأعطاه الملك بادي الشفاعة فدخل سنار سنة 71هـ متشفعا فكان كمن ينوب عن الناس أمام الحكومة وكان بعض شيوخ الطرق معرضا عن الحكومة تماما كأنه يمثل معارضة شعبية وهذا ما تدل علي الأبيات المنسوبة للرجل الصالح الحكيم والشيخ فرح ود تكتوك إذ قال:
    يا واقفا عند أبواب السلاطين أرفق بنفسك عن هم وتحزين
    من يطلب الخلق في طلب المصلحة أو دفع ضر فهذا في المجانين
    استغن بالله عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن دالدين
    وأعلم بأن الذي ترجو شفاعته من البرية مسكين ابن مسكين.
                  

03-16-2004, 05:20 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    في الحلقة القادمة سنتناول الآتي:
    الفصل الخامس
    الصوفية في السودان
    الفصل السادس
    يتحدث هذا الفصل عن الدعوة المهدية، ونتطرق إلى الظروف التي هيأت قيام الدعوة المهدية - حال المسلمين عامة
    حال الإسلام في أفريقيا
    حال السودان
    كما نتناول في الفصل السابع
    مبادئ دعوة الإمام المهدي

    وإلى الملتقي
    في أمان الله وحفظه

    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-16-2004, 05:23 PM)

                  

03-18-2004, 06:25 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الخامس

    الصوفية في السودان

    شيوخ الطريق هم الذين ساهموا بقدر معلوم في نشر الإسلام في السودان ، وهم الذين شيدوا المساجد وأشعلوا نار القرآن فقاموا بمحو الأمية الدينية في البلاد. وحول مساجدهم ومقاماتهم تجمع الناس فتكونت المدن والقرى الكبيرة على ضفتي النيل ( مثل نشأة العيلفون حول مسجد الشيخ إدريس ود الأرباب ونشأة الدامر حول مسجد الشيخ مدني السني .. وهكذا) وهم الذين جمعوا ولاءات الناس حول طرق أتاحت لهم مجال اتصال وتعامل أوسع واعمق من القبيلة. وهم الذين حصلوا على قيادة الناس الاختيارية فكانوا مصدر التوجيه الفعلي للناس فلعبوا دورا هاما في تكوين الشعب السوداني السناري حتى قيام الدعوة المهدية.
    والفكر الصوفي السوداني مترسم خطى الفكر الصوفي الذي ذكرناه آنفا فالكون الذي نشاهده خلقه الله ويديره بواسطة الحقيقة المحمدية. والحقيقة المحمدية لم تولد مع محمد صلى الله عليه وسلم بل كانت منذ الأزل وتوارثها الأنبياء حتى استقرت في سيدنا محمد. والحقيقة المحمدية ما زالت مستمرة يستمد منها الأولياء الخاضعون لنظام غيبي كامل على رأسه في كل زمان غوث. ويجتمع النبي مع الأولياء في حضرات هي الحضرة النبوية والى جانبها حضرة أخرى هي الحضرة القطبية. وهذه الحضرات مشاهد روحية يجتمع فيه ذوو الأهلية سواء كانوا أمواتا أم أحياء. وفي هذه الحضرات تبرم عظائم أمور الكون والحياة.
    والولاية لا تنال بالعلم الظاهري بل بالتقوى والسلاح وعلم الحقيقة الذي يهبه الله موهبة للعبد الذي نال القربى. فإن بدأ من الولي ما لا يتفق مع علوم الظاهر فلتحمل صحته على الباطن. والولي يستطيع عن طريق الزهد والمجاهدة للنفس والعبادة أن يفنى في الله. والإنسان العادي يستطيع أن يهدي الصلاح والفلاح التي تنتهي في طرفها الآخر إلى النبي عليه الصلاة والسلام. والمريد الذي يريد أن يلتحق بالولي أو بخليفته يعاهد على ذلك ويلتزم بأداء طاعات وأذكار بالإضافة للعبادات المكتوبة. ومن أهم ما يلتزم به الطاعة التامة لشيخه.
    ومن أهم الوسائل التي استخدموها للتأليف بين المريدين وترسيخ العقائد الصوفية إقامة حلقات الذكر واستخدام وسائل النشاط الاجتماعي كالنوبات، والأناشيد والرايات لتدعيم نشاطهم الديني.
    هذه هي المعالم الهامة للفكر الصوفي السوداني وللدلالة عليها سوف استشهد بنصوص من علماء التصوف السوداني أمثال الشيخ الطيب البشير، والشيخ إسماعيل الولي، الشيخ العبيد محمد بدر.
    قال الشيخ الطيب : أول ما خلق الله معرفته الدالة على ذاته صفاته وأفعاله وبثها في أرواح الخلق منذ يوم: الست بربكم. والمعرفة التي قسمت على أرواح الخلق يومئذ ثلاثة أصناف:
    ‌أ. معرفة إجمالية تكفي لأغراض عامة الناس.
    ‌ب. معرفة تفصيلية: وهي التي يدركها أهل السنة وعلماء الكلام وفيها تنزيه الله ذاتا، وصفاتا، وأفعالا. وهؤلاء يفهمون من عبارة: لا إله إلا الله معناه: لا مستغنيا عن كل ما سواه إلا الله.
    ‌ج. معرفة إلهامية: أي معرفة الخواص وهي آتية لخوص العباد بالهام الله لا بكسب منهم. والأدلة الإسلامية عليها قوله تعالى: (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) . وقوله: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) وهؤلاء الخواص يفهمون من عبارة "لا إله إلا الله"، أن معناها: لا فاعل في الوجود إلا الله. حتى إذا سرى في القلب هذا المعنى أيقن الشخص أن لا حي في الوجود إلا الله. ثم أدرك أن لا موجود إلا الله.
    وعندما تحدث الشيخ الطيب عن الصلاة قال: وإذا صليت فلاحظ أنه المصلي لا أنت لأن جميع الأشياء خلقت من نوره عز وجل. فمن كانت صلاته هكذا فقد بلغ الكمال الإنساني وصار وارثا للحقيقة المحمدية، وجامعا للكمالات المصطفوية. ويرى الشيخ أن النور المحمدي كان موجودا قبل أن يخلق الناس وانه انحدر عبر آدم وعبر الأنبياء بعده حتى انتقل إلى عبد المطلب بن هاشم ثم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا النور واسمه الحقيقي المحمدية يتسلسل عبر الأولياء بعد محمد إلى يوم الدين. وهذا السر هو الذي جعل للأولياء قدرات خاصة مستمدة وتدعيما لهذا الرأي روى الكرامات التي تحققت على يد الأولياء: الشيخ عبد القادر الجيلاني، الشيخ أحمد الرفاعي، الشيخ أحمد البدوي، الشيخ إبراهيم الدسوقي، الشيخ زروق المغربي، والشيخ حسن ود حسونة.
    وقال الشيخ إسماعيل المولي :
    "ولا يفلح المالك إلا بمتابعة شيخه في أفعاله وأقواله. فإنك يا بني إذا وجدت الرجل المرشد فإنه غنيمتك فلا تفارقه لحظة تندم. فكن تحت أمره ونهيه كالميت بين يدي الغاسل. والزم الأدب معه فلا تر منه شيئا قط في جميع أفعاله. فإذا ارتكب محظورأ فلا تعتقد أنه على غير الصواب بل هو أعرف منك بذلك"..إلى أن قال:
    "محبة شيخك تورثك الفناء في محبة الرسول عليه الصلاة والسلام. فإذا ثبت ليك وقلبك في عدم مفارقة روحانيته لك فقد تشهد روحانية الرسول عليه الصلاة والسلام توصلك إلى الفناء في المشاهدة الإلهية. فانظر يا بني نتيجة محبة الشيخ المرشد وفناء الذات فيها: لأن الشيخ هو الواسطة إلى حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام الرسول هو الواسطة العظمى إلى حضرة الحق جل جلاله".
    ونسب للشيخ العبيد محمد بدر أنه تحدث عن العلاقة بين المريد والشيخ وأشار إلى لاحتمال اطلاع المريد على بعض ما لا يرضاه في أحوال الشيخ تمثل هذا المريد لا تنقص محبته فإن نقصت محبته بوجود حالة رآها فهو كاذب لا يصلح للطريق لأن الشيخ لا يعمل عملا إلا على أصله .
    والمكتبة السودانية غنية بمؤلفات هؤلاء المشايخ وغيرهم أمثال الشيخ محمد عثمان الميرغني (الجد)، والشيخ محمد المجذوب، والشيخ عبد المحمود نور الدايم وغيرهم. وكتاباتهم مع آفاقها في بعض المعالم الأساسية للفكر الصوفي تختلف في التفاصيل والشروخ والنظرات. وكان معظمهم يلح على أن طرقهم تسير في خط عبر عنه الشيخ العبيد محمد بدر بقوله:
    "من شروط الصوفي أن يكون ظاهره موافقا للشريعة، وباطنه مجالا للحقيقة. لأن الشريعة بلا حقيقة عاطلة. والحقيقة بلا شريعة باطلة".
    وإن قالوا أقوالا أو فعلوا أفعالا جافت المألوف من معقول ومنقول اسموا تلك الأفعال والأقوال شطحات معترفين بخروجها عن المألوف وأنها من حالات الصوفية الخاصة التي لا يعلم كنهها إلا من يجربها:
    لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها

    يتبع ....
                  

03-18-2004, 06:31 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وفيما يلي بيان ملخص لأهم الطرق الصوفية في السودان:
    (1) القادرية:
    ويستمد اسمها من الشيخ عبد القادر الجيلاني وهي بعد الشاذلية أول طريقة دخلت السودان، لقد أسسها في القرن الثاني عشر الميلادي الشيخ عبد القادر في العراق ودخلت السودان في أوائل سلطنة الفونج في عام 1545م. وذلك حسن قدم تاج الدين البهاري من بغداد إلى السودان تلبية لدعوة أحد تجار أربجي الذين قابلوه في الحج. وأثناء تلك الزيارة انضم للطريقة القادرية بعض أعيان البلاد مثل الشيخ عجيب المانجلك شيخ العبدلاب، والشيخ محمد الأمين عبد الصادق جد الصادقاب، والشيخ بان النقا الضرير جد البعقوبات، والشيخ عبد الله العركي جد العركيين، والشيخ محمد سوار الذهب جد السواراب. وهؤلاء جميعا من أهم بيوتات السودان السناري.
    (2) السمانية:
    هذه الطريقة أصلها فرع من القادرية ومؤسسها الشيخ محمد الأمين السماني المدفون بالمدينة المنورة. وكان الشيخ أحمد الطيب البشير تلميذا له فقضى معه سبع سنوات ثم عاد للسودان وأسس الطريقة السمانية. وبعد وفاته تفرع منها فروع على رأس بعضها حفدة الشيخ الطيب نفسه، وعلى رأس بعضها كبار خلفائه ومريديه مثل : الشيخ القرشي، والشيخ البصير والشيخ البرير.
    (3) الشاذلية:
    هذه تنسب للإمام أبي الحسن الشاذلي المتوفى عام 1258م وهو عالم وفقيه وصوفي، لقد انتشرت الطريقة في مراكش في القرن الخامس عشر علي يد أبي محمد عبد الله محمد سليمان الجزولي. ويقال أن إحدى بناته تزوجت الشريف حمدابي دنانه الذي نزح إلى السودان وسكن هو وابنه المحمية 1445م. وانتشرت طريقتهما على يد الشيخ خوجلي عبد الرحمن المحسي الذي كان قادريا ثم صار شاذليا. ومن بعده تحولت الخلافة إلى الشيخ حمد بن محمد المجذوب المتوفى 1776م. والشيخ المجذوب أسس فرعا للشاذلية صار ينسب إليه هو: المجاذيب.
    (4) الخلوتية:
    وهي طريقة يقال أن الذي أسسها هو الشيخ محمود العركي وكان فقيها. وروى صاحب الطبقات أن الشيخ محمود عندما عاد للسودان من مصر وجد أن النساء لا يمارسن العدة بعد الموت والطلاق فعلم الناس العدة.
    (5) التيجانية:
    وهي طريقة أسسها الشيخ أحمد التيجاني في الجزائر عام 1781 ودخلت السودان في منتصف القرن التاسع عشر بعد سقوط دولة الفونج.
    (6) الميرغنية:
    ويروى أن السيد أحمد بن إدريس أوفد السيد محمد عثمان الميرغني ( الجد) إلى السودان في 1835م لنشر تعاليم الإسلام، وفي السودان لقي السيد محمد عثمان ترحيبا والتف حوله أتباع وأسس الطريقة الميرغنية أو الخاتمية.
    (7) السنوسية:
    وهذه تنسب للشيخ محمد بن علي السنوسي المتوفى عام 1859م وقد لقيت طريقته نجاحا كبيرا في شمال أفريقيا وغاربها وامتد أثرها إلى غرب السودان والصومال.
    ( الإسماعيلية:
    وهري طريقة أسسها السيد إسماعيل الولي المذكور آنفا. وقد كان من خلفاء الخاتمية ثم دعا إلى طريقة مستقلة سميت الإسماعيلية. ولا صلة لها بإسماعيلية الشيعة المنسوبة لإسماعيل ابن جعفر الصادق.
    هذه هي أهم الطرق الصوفية التي دخلت السودان في الفترة المعنية وحازت على ولاء أهله .
    الشيوخ والفقهاء والتركية:
    في عام 1820م قام في السودان حكم جديد على اثر حملة غزو أرسلها محمد علي باشا للسودان وسمى هذا الحكم في التراث السوداني بالتركية وأرسل محمد على باشا مع الحملة مجموعة من العلماء المؤهلين للإفتاء والقضاء وكلفهم أن يكونوا دعاة تأييد للحكم الجديد وأن يوجهوا أهل السودان باسم الإسلام لطاعته ففعلوا. واستوظف الحكم الجديد الفقهاء الوافدين والوطنيين في كثير من وظائف الدولية وخاصة في المحاكم. وكانت بين أهل السودان والحكم الجديد فجوة فقد جاء إليهم بأساليب لم يعهدوها وبدأ معهم بداية دموية أرهقتهم أثناء حملة الدفتردار العقابية التي قام بها انتقاما لمقتل إسماعيل بن محمد على باشا. ومع الأيام اتسعت الفجوة ومع اتساعها صار العاملون في وظائف الحكومة منحازين لجانبها.وهذا الانحياز إلى جانب السلطة التركية هن ما أتصف به غالبية الفقهاء. لقد انتموا لحزب الحكومة.
    هناك عوامل عديدة جعلت وزن الفقهاء يزداد في ظل الحكم الجديد وجعلت مكانتهم بالقياس لمكانة شيوخ الطرق تعلو. فنوع احكم الجديد، وزيادة عدد الفقهاء، واستجابتهم لتأييد الحكومة هي العوامل التي أعلت شأنهم في ظل التركية. ولكن الحكم الجديد لم يهمل شيوخ الطرق فقد كان يعلم التفاف الناس حولهم ولذلك حاول أن يكسب تأييدهم وأن يجعلهم إلى جانب الفقهاء سندا روحيا له وعمالا لنفوذه وهي محاولة لم يكتب لها النجاح التام لأن شيوخ الطرق لم يندفعوا في الاستجابة لمطالب الحكومة وصارت جزءا من حزبها تساندها وتساعدها في حل المشاكل مع المواطنين.
    وفئة كبيرة لاذت بالصمت والصبر فابتعدت عن الحكومة ولكنها لم تجهر بالرأي ضدها ولم تمانع في قبول عطاياها. وفئة ثالثة اتخذت موقفا معارضا للحكم ولم يثنها جبروته عن الجهر والتلميح برأي الناقد حينا والناصح حينا نذكر من هؤلاء السيد إسماعيل الولي الذي ضاقت الحكومة ذرعا بموقفه فحبسته. ولكن الحبس لم يحمله على الانقياد بل فسر المحنة لاتباعه بقوله: "فجاءني الخطاب من الحضرتين: أدبناك بهذا كله لأجل تأخرك عن إظهار طريقتك" .

    يتبع...
                  

03-18-2004, 06:35 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    ومن المعارضين أيضا الشيخ العبيد محمد بدر القائل: " بئس الفقير إن طلب الأمير" .
    هؤلاء معارضون وجلهم من شيوخ الطرق وفيهم من الفقهاء آحاد نبضت أقوالهم بمشاعر الناس مثل الشيخ مضوي عبد الرحمن، والشيخ حسين الزهراء وغيرهم ساهموا في تعبئة الشعور العام ضد الدولة الظالمة ولكنه كانو عاجزين عن منازلة الدولة منازلة صريحة وتصفيتها وإقامة نظام آخر.
    وكلما تقدم الزمن احتد الاستقطاب بين احكم يكيل للناس المظالم الاقتصادية والاجتماعية ويسيء لأخلاقهم ولكرامتهم، وجمهور يتألم ويئن. وكان أنصار الحكومة من الفقهاء يجدون أنفسهم في حرج متزايد فهم أهل شريعة، وهو حكم لا يتلزم بالشريعة بل يتعدى الحدود بتوظيف أوروبيين على غير ملة الإسلام في مناصب عليا لإدارة شئون الناس.
    وبالرغم من الحرج مضى معظمهم ينصح الناس قائلا: " من خرج عن طاعة شبرا فقد عصى الله ومات ميتة جاهلية" .
    فمن الذي يضع حدا لهذا العبث؟
    فالفقهاء في الغالب مع الدولة بوظائفهم والفئة المعارضة منهم لم تألف التصدي للعمل وسط الجماهير الشعبية. وشيوخ الطريق مع التصاقهم بالناس لم يألفوا التوجيه الإيجابي للقيام بعمل فإن نصحوا وانتقدوا فإلى حد محدود وبالإضافة إلى تلك أحاط بالضعف بموقف كثير من الخلفاء الذين لم يكن عنده صلاح آبائهم ولا نشاطهم الديني الاجتماعي فصار كثير منهم كمن يستثمر الجاه والخلافة والوراثة ويخلد لحياة العطالة.."يتناولون ما كان ساقطا في أعين آبائهم ومورثيهم من الجاه والمال وحسن الصيت ويتكالبون على الزيارة الدنيوية رغبة في الغانيات وقد سدهم غرور الزينة من الحالة الحسنية" .
    والزعامات القبلية انشغلت بالمصالح القبلية عن التصدي للدولة التي كانت تسودهم بسياسة فرق تسد.
    هؤلاء هم مظان القيادة في البلاد في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. وبالرغم من سوء الحال، ومعرفة بعضهم لذلك، وتنديدهم به، فإن الظروف المذكورة حالت بينهم وبين قيادة دعوة الخلاص. وصارت الظروف كلها تخبر بأن عافية الإسلام، وتحقيق مصالح البلاد الوطنية، ورفع المطالب الوطنية تتطلب قيادة قامتها غير القامات المعهود: قيادة تستوعب القوى الاجتماعية المفرقة في النظم التقليدية في ماعون أوسع، وكان أهل السودان من شدة تلفتهم وانتظارهم لنداء الخلاص "كلما رأوا رجلا صالحا يفضلهم عقلا ودراية وله الغيرة على الدين وأهله ظنوه المهدي" .
    وهذا التلفت والتطلع والانتظار للخلاص كان عاما في ديار الإسلام.
    (1) ففي المناطق التي دخلها الإسلام في مرحلة متأخرة اجتمعت طائفة من المشاكل والمواقف التي التمس القادة علاجها بمحاولة إقامة دولة إسلامية قوية. ولتحقيق هذا الهدف نهض عدد من الدعاة المجاهدين في تلك المناطق مثل الشيخ عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا، وأحمد بن عبد الله الحسن في الصومال، ودعوات أخرى. وكان الشعور الهامس المتكرر هو انبعاث دعوة مهدي تحقق الأمل المنشود.
    (2) وفي مواطن الإسلام الأولى كانت الأنظار تدور نحو عمل لبعث الإسلام، وتوحيد أهله، وطرد الظلم الاجتماعي، ونزع الولاية من خلافة صارت ملكا عثمانيا استبداديا، وللحماية من النهم الأوربي الاستعماري الذي بلغ ذروته في القرن التاسع عشر . فأدت تلك التطلعات لحركات بعث إسلامي، وتحرير عربي، وتحرير اجتماعي، مثل حركة محمد بن عبد الوهاب، والحركة العرابية، وحركة عبد القادر الجزائري، والحركة السنوسية، ونداءات الإمامين جمال الدين ومحمد عبده وغيرهما.
    إننا إذا تأملنا أحوال المسلمين في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر لحصلنا على قائمة واضحة من المشاكل الملحة والتطلعات، والآمال، التي تملأ النفوس الأفراد وتحن لإرضائها الجماعات.
    أغريب أن تولد دعوة وقيادة تأخذ على عاتقها تلبية ذلك النداء الصارخ؟

    انتهى الفصل الخامس...
                  

03-19-2004, 11:52 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    روضة الفكر
    فوق
                  

03-20-2004, 00:22 AM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: lana mahdi)

    شكراً العزيزة لنا على المرور ورفع البوست
    لك التحية.
                  

03-20-2004, 07:28 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل السادس

    الدعوة المهدية

    تلك الظروف هي الرحم الذي قذف الله فيه بذرة الدعوة المهدية في السودان.
    لقد عدد المؤرخون أسباب الحركة المهدية، فنعوم شقير يذكر أنها: الانتقام من فظائع الترك وخاصة تنكيلهم بالأهالي بعد مقتل إسماعيل باشا، ومنع تجارة الرقيق مما أثار التجار، وسوء الإدارة مما استثار الرعية، وفداحة الضرائب والأساليب المتبعة في جمعها، واستخفاف الحكومة بحركة محمد أحمد، وانشغال حكومة مصر بحركة عرابي وضعف الحاميات العسكرية، وسياسة التردد إزاء الثورة.
    ويضيف مؤرخ أخر هو إبراهيم فوزي إلى الأسباب: التدهور الخلقي الشاهد عليه زفاف رجل لرجل. ويذكر ثيوبولد أن فتوحات الخديوي ضمت إليه مناطق واسعة فاقت الطاقة الإدارية لحكومته. وكانت طريقة اختيار الموظفين سيئة ونظرة الموظف للخدمة في السودان كأنه في منفى. وسبب آخر ذكره هو تكالب الدولة على موارد البلاد.
    ويقول الحسن محمد العبادي أن أسبابها هي: الضغط الأوربي على العالم الإسلامي، واحتلال الأوروبيين لبعض البلاد الإسلامية وقصدهم إلى احتلال الباقي. ومن الأسباب التي يذكرها أيضا ضعف الإيمان بالقرآن والتشبه بالأوربيين، ووضع القوانين الوضعية بدل المنزلة. وهو يرى أن المهدي كلف بالدعوة لدرء هذه المخاطر.
    وردا على التساؤل عن أسباب الدعوة المهدي أقول: إذا تتبعنا بدقة قصة هذا الكتاب لاتضح لنا أن ثمة أسبابا موضوعية لمثل تلك الدعوة. والأسباب الموضوعية تقع تحت ثلاثة بنود:
    الأول: حال الإسلام عامة:
    (1) أوضحنا أن العالم الإسلامي كان يعاني من تفرق الفكرة وهو غير مطمئن لهذا التفرق ضائق به تواق لاتحاد الكلمة.
    (2) أصداء تجربة الإسلام في الصدر الأول تشد خيال المسلمين وتجعلهم متشوقون لتكرارها.
    (3) السلطة السياسية المتحكمة في البلاد الإسلامية لم تعد تمثل كيانا شرعيا ولا ترعى حقوق رعاياها.
    (4) والناس يعانون من مظالم اجتماعية لا أول لها ولا آخر يزيدها تفاقما تسلط موظفي الدولة وأعيانها على الرعايا نهبا لمواردهم.
    (5) طرد الاستعمار الأوربي ومواجهة هجماته المنتظرة.
    (6) التطلع الملح في كل أنحاء العالم الإسلامي للخلاص من سوء الحال، وإقامة وضع في سلامة الدين، وعدالة الحكم، وكفالة المعايش، ورد الكرامة السليبة.
    (7) وكان في تراث الإسلام أدلة كافية على نهضة قيادة توحد بعد تفرق، يدعم هدايتها الهام من العناية الإلهية. لقد توافر انتظار تلك القيادة في العالم الإسلامي من غانه حتى فرغانه وإن اختلف الناس في مواصفاتها: أهو مصلح القرن، أم هو المهدي المنتظر؟
    الثاني: حال الإسلام في أفريقيا:
    (1) الحال هنا مشترك مع الحال الإسلامي العام مع إضافة التطلع لوضع سياسي يعبر عن الواقع الجديد.
    (2) التعلق بنظام يكفل الحياة الإسلامية بكامل حلقاتها.
    (3) لذلك تكرر التطلع لقيادة تفوق الأقران، وتهدم الواقع المرفوض، وتقيم الموضع المنشود، فتكررت في الأقطار الأفريقية المسلمة توقعات المصلح المجاهد، أو المهدي المنتظر.
    الثالث حال السودان:
    (1) ركب الفساد الحياة الدينية ولم يعد مأمولا في الطبقات القيادية المعهودة إصلاح.
    (2) يتسلط الحكم نهبا وسلبا وحرمانا للرعية.
    (3) انتشر الظلم الاجتماعي حيث نهمت بالامتياز قلة وجدرت من الحقوق قابلية السكان.
    (4) صار الحكم معزولا يطبق سياسات لا صلة لها بواقع البلاد. وكان الناس يهمسون بالتطلع للخلاص على يد صاحب الزمان.
    هذه الأسباب الموضوعية لا يماري في وجودها أحد وهي أسباب ظلت قائمة في العالم الإسلامي لمدة من الزمن، وأدت كما رأينا لظهور حركات ثورية لا تفسير لها إلا إذا اعتمدنا هذه الأسباب. وبالنسبة للدعوة المهدية في السودان فقد اجتمعت كل تلك الأسباب مما جعل كثيرا من الناس يتلفتون ذات اليمين وذات الشمال منتظرين النداء. وكان الشيخ محمد أحمد نفسه من المتلفتين الراجين صرخة الخلاص. وكان مشغولا بقضايا الإصلاح الديني والاجتماعي يتصل برجال الدين ويسافر في أنحاء البلاد لعله يجد القيادة المأمولة. وبينما هو في تعبده، وتأمله، وتفكره حسم له الأمر. قال: "هجمت" على الخلافة الكبرى المهدية: "أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأنني المهدي المنتظر".
    هكذا توفر بالإضافة للأسباب الموضوعية، سبب خاص ذو أهمية فحواه: رجل مشهود التقوى والصلاح، أقدم وأعلن ما أعلن خال من الموانع الشرعية فلا هو مجذوب، ولا هو يشطح، ولا هو مريض. وأقدم جماعة من القوم فبايعوه وصدقوا دعوته. بذا توفرت الأسباب العامة والخاصة، الموضوعية والذاتية، انتقل السودان من ركن مهجور، إلى خشبة المسرح العالمي.
    فهل كان هو المهدي حقيقة؟
    بين أيدينا طائفة من الردود على هذا السؤال الهام:
                  

03-20-2004, 07:32 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    (‌أ) رد العلماء ( الفقهاء) الذين كلفهم عبد القادر باشا حاكم عام السودان يومئذ ثم كلفهم شارلس غردون باشا الذي تولى حكم السودان بعده بفترة من الزمان خلاصة هذا الرد :
    1- رسالة الشيخ أحمد الأزهري: عنوانها "النصيحة العامة لأهل الإسلام عن مخالفة الحكام والخروج عن طاعة الإمام" كتبها في 20 رمضان 1299هـ وجاء فيها: الإمام المهدي يولد في المدينة في الأخبار المروية. وصفاته المذكورة في الأخبار لا تطابق صفات محمد أحمد ما عدا وجود خال على خده الأيمن وهذه علامة لا تدل وحدها على شيء. ومن علامات المهدية في نظره أن يخسف القمر في أول ليلة من رمضان أو تكسف الشمس في النصف منه، ومع أن دعوة محمد أحمد قد أعلنت في شعبان المنصرم في الجزيرة فإن رمضان جاء بعدها دون أن يخسف القمر أو تكسف الشمس، هذا يدل على بطلان دعوته.
    وروى أحاديث نبوية تدعم ذلك البطلان ذكر حديثا رواه الشعراني مفاده: أنه يخرج في آخر الزمان رجل يقال له المهدي من أقصى المغرب، يمشى النصر بين يديه أربعين ميلا، راياته بيض، وصفر، منها رقوم وفيها اسم الله الأعظم فلا تهزم له رأيه. وانبعاث هذه الرايات من ساحل البحر بموضع يقال له ماسا.. ثم روى حديثا عن الترمذي: أن الرجل يجئ إليه فيقول يا مهدي ا‘طني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. وهكذا تستمر الرسالة حتى يحصر 21 دليلا من أقوال العلماء المتقدمين لمنافاة مهدية الشيخ محمد أحمد. وأهم ما ركزت عليه الرسالة: وجوب طاعة الرعية للسلطان وتأكيد أن الخروج على تلك الطاعة حرام. وذكر أن العلماء نصوا على أن السلطان لا يعزل ولا تنبذ بيعته، إلا إذا كفر أو أمر بالكفر.
    وكان السيد أحمد الأزهري واثقا من قوة منطقه مؤكدا أن رسالته إذا وصلت للشيخ محمد أحمد " وتليت بين يديه فإنه لا يسعه إلا الرجوع إلى الحق، ومقابلة أولي الأمر بالسمع والطاعة، وتسكين هذه الفتنة التي هاجت بين الخلق".
    (‌ب) رسالة أخرى بقلم المفتي شاكر مفتي مجلس استئناف السودان عنوانها: بطلان دعوى محمد أحمد المتمهدي، ، خلاصتها: لا بد من طاعة السلطان وولاة الأمر، وإنكار دعوى محمد أحمد لعدم تطابق الشروط عليه. وأورد حديثا أخرجه الحاكم جاء فيه: يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم حتى لا يجد الرجل ملجأ. فيبعث الله رجلا من عترتي من آل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما يحبه ساكن الأرض وساكن السماء، والسلطان الحالي في نظر الكاتب لا يوصف حكمه بشدة البلاء، ولا عدم الملجأ بل انه وهم في رغد من العيش مطمئنين. وملجأنا وملجأ العامة موجود وه ولي النهم الخديوي الأعظم. ثم قال مشيرا للحروب بين جيش الحكومة وأتباع محمد أحمد: إن وقوع الفشل لبعض العساكر لا ينهض دليلا على صحة دعوا، ولا بد للعصاة من العود لحظيرة الدين وذلك بالدخول في طاعة الحكومة مرة أخرى. ثم قال: ما دام الدين هو طاعة الحكومة فمن عصاها خرج عن الدين. والعلماء في نظره أجمعوا على أن الخروج من الطاعة من الكبائر. ولا بد من قتل العصاة وقتلهم فرض يؤجر القائمون به يوم القيامة.
    على هذا المنوال: ذكر أحاديث وأقوال علماء نصف المهدي وظروف خروجه وبيان التعارض بين تلك النصوص وحال الشيخ محمد أحمد (المهدي). وأورد أدلة من نصوص منقولة تحث على طاعة السلطان وتجعل ذلك مرادفا للدين وترمي الخارجين عن الطاعة بالكفر واستحقاق القتل. وأورد الشواهد على شرعية الحكم القائم وعدالته في تصريف الأمور.
    قال المفتي شاكر: "فكم للحكومة عليكم من الإحسان الجليل والغفران الجزيل، فإنها ربتكم فوق مهد عدلها، وأدارت عليكم وافر فضلها، وخلعتكم من ملوككم الأولين الذين اتخذوكم عبيدا وخولا.. الخ" إلى أن قال: "فإذا علمتم ذلك وعلمتم ما تضمنته الآيات الكريمة والأحاديث العظيمة من وجوب طاعة ولاة الأمور وحرمة قتالهم والخروج عن طاعتهم أيقنتم أن من خرج عن طاعته شبرا فقد عصى الله ومات ميتة جاهلية..الخ".
    (‌ج) رسالة الشيخ الأمين الضرير وعنوانها: هدى المستهدي إلى بيان المهدي والمتمهدي.
    وخلاصتها: .
    تحدث حديثا عاما عن المهدي المنتظر وركز على إثبات صحة خلافة السلطان عبد الحميد وأكد أن الخروج عن طاعة الإمام حرام. ثم تناول الحديث عن الخديوي توفيق وسيرته وآتى بالحجة للزوم الطاعة. وفيما يتعلق بدعوة الشيخ محمد أحمد انتقد قوه " أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة في حال الصحة خاليا من الموانع الشرعية لا يقوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون متصفا بصفات العقل اقفوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بما أمر به والنهي فما نهي عنه.. الخ".
    انتقد هذا القول ذاكرا أن رؤية رسول الله يقظة بعد موته لم تصل إلينا من الصحابة ولا من بعدهم. وقال: " وبالجملة القول برؤيته صلى الله عليه وسلم بعين الرأس في اليقظة يدرك فساده بأوائل العقول لاستلزامه خروجه من قبره ومشيه في الأسواق، ومخاطبته الناس، ومخاطبتهم له، وخلو قبره من جسده. أشار إلى ذلك القرطبي في الرد على من قال بأن الرائي له في المنام رؤيا حقيقية يراه بعد ذلك في اليقظة قال وهذه جهالات .. الخ".

    يتبع ...

    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-20-2004, 07:35 PM)
    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-20-2004, 08:00 PM)

                  

03-20-2004, 08:15 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    واختتم الشيخ حديثه في هذا الأمر قائلا: "هذه الرؤية لا تقع وكان أولى أن تقع للصحابة عندما اختلفوا في الخلافة. وكيف تثبت تولية شخص على هذه الأمة بما لم تثبت به إمامة الصديق ولا غيره من الإلهة؟"
    وتعرض في ختام رسالته إلى تصحيح سهو وقع في بعض الكتب القديمة يفهم منه أن بعض الأئمة قالوا إن مولد المهدي في سنة خمس وخمسين ومائتين بعد الألف. والسهو هو زيادة عبارة: بعد الألف. لأن المهدي المشار إليه هو من ولد الحسن العسكري ومولده كان في شعبان 255هـ.
    أي أن الدعوة المهدية باطلة وطاعة السلطان والخديوي واجبة والخروج عليها حرام.
    على هذا المنوال سارت كتابات طائفة من الفقهاء.
    (3) تولى الرد على هذه الكتابات طائفة من علماء الأنصار المؤيدين لدعوة الإمام المهدي
    بيانه:
    أ‌- كتب الشيخ حسين الزهراء وهو من خريجي الأزهر رسالة سماها: " الآيات البينات في ظهور مهدي الزمان وغاية الغايات" خلاصتها: يذكر علامات مروية عن المهدي في النصوص المأثورة ويطابق بينها وبين ما هو حال الإمام المهدي. تلك العلامات هي: تكامل خلقه، حكمته في أقواله وأفعاله، تطابق أسمه مع اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه مع اسم أبيه، وذكر أن نسبه إلى بيت رسول الله، وأن نجما ذا ذنب طلع معلنا ظهوره، وأن الخال على خده الأيمن وارد في النصوص المأثورة وأنه طبقا للوعد المنصوص عنه ألغى المذاهب والطرق ووحد كلمة المسلمين، وأن راياته لا تهزم وطبقا لذلك لم تهزم رايات المهدي حيثما وجهها، وأن أوصافه الجسمانية تطابق الروايات. فهو أجلي الجبهة وأقني الأنف. أو على حد تعبير الشيخ حسين تنطبق عليه " مجموع الأحاديث النبوية والآثار السلفية، والفيوضات الكشفية مما حوته الدفاتر الإسلامية في وصفه".و
    ويتناول الشيخ الحسين الزهراء جانبا آخر هاما إذ يرى:
    أن نقد العلماء للمهدي ولمهديته ليس مجديا لأنهم علماء غير عاملين فالعلم يقتضي العمل وإلا فليس بعلم. والجاهل العادي أعلى مرتبة من عالم غير عامل أما العلماء حقيقة أي الذين يعملون فلهم المكانة السامية.
    وتعرض الشيخ حسين لفتوى علماء مصر بتأييد محاربة المهدي فانتقدها وأبطل ولاية آل عثمان ورتب على بطلان ولاية محمد على وأولاده.
    وأشاد بالثورة العرابية ولام الخديوي محمد توفيق الذي صار أداة للإنجليز لعلمهم "ما كان عليه من الغفلة والبلادة وفقد العلم والدين والسياسة والتدبير والحيلة. رجاء منهم أن يحصلوا في زمنه على مصر وملحقاتها من الأقطار السودانية لأن مصر باب طريقهم إلى الهند التي هي ينابيع ثروتهم ومجرى ماء حياتهم وأما السودان فلكونها البلاد المتوسطة بين مصر وأملاكهم الجنوبية الأفريقية وقد فازوا بأمنيتهم وصارت مصر في قبضتهم سائرة تحت بندر عساكرهم بجهل هذا الشاب الجهل وسوء تدبيره وخيبته ونفوره من عساكره ورؤساء جيشه وهم أبناء رعيته الذين هبوا لمساعدته (عرابي) لتحرير الوطن من أسره وربقته ورفعه من وهدة الذل وإقالته من عثرته، حيث استعان على كسر رعيته المسلمين بعساكر الإنجليز ومراكبهم".
    ب‌- رسالة أخرى هي التي كتبها الشيخ الحسن سعد محمد العبادي " سميتها الأنوار السنية الماحية لأنوار المنكرين على الحضرة المهدية على أن تكون لي حسنة أعدها من أوسع ما لدي مدخرا" خلاصتها: أورد الشروط التي ذكرها الأقدمون عن المهدي ووجدها مطابقة لحال صاحب الدعوة من ناحية أوصافه، وعكسوا الآية فاجبروا المسلمين على دفع الجزية، وطمعوا في امتلاك كل ديار الإسلام. لقد احتل الكفرة كما قال: مسجد العلماء، وعش الأولياء، مصر المحببة. وهذه الأمور تبرر قيام المهدي بدعوته وتوجب على المسلمين تأييدها وتلبية نداء الجهاد.
    هذا ملخص للمساجلة التي دارت على صعيد العلماء والفقهاء حول الدعوة المهدية. واشترك فيها كثيرون. والملاحظ أن خصوم الدعوة في الغالب لم ينكروا حقيقة المهدية في الإسلام بل كانوا يقرونها ولكنهم ينكرون مهدية الشيخ محمد احمد.
    (4) ومن زاوية أخرى كتب الشيخ محمد العوام وهو أحد زعماء الثورة العرابية في مصر، الثورة التي كانت تنشد تحرير البلاد من قبضة بلاط أجنبي الانتماء، خاضع للاستعمار، مستعبد لأهل مصر، مستغل لثرواتهم. لقد قاد أحمد عرابي ثورة ضد ذلك البلاط، ووضع الجيش المصري في خدمة الأغراض الوطنية، فساندت بريطانيا الخديوي توفيق وحاربت الجيش المصري في معركة التل الكبير، واحتلت البلاد في 1833. ووقع زعماء الثورة العرابية في قبضة جيش الاحتلال فعوقبوا وكان النفي للسودان من نصيب أحمد العوام. وفي السودان بلغته أخبار الدعوة المهدية فكتب رسالة سجل فيها رأيه عنها. وقد ظلت الرسالة سرية في حوزته إلى أن عثر عليها الأنصار بعد تحرير الخرطوم فعرضوها على المهدي فأجاز طبعها ونشرها. الرسالة عنوانها: " نصيحة العوام للخاص والعام من أخواني أهل الإيمان والإسلام "
    خلاصتها:
    ‌أ- أن إمامة الخليفة العثماني سقطت لأنه لم يعد مطبقا للشريعة الإسلامية، ولم يعد مستقلا بسيادة دولته التي استباح حرماتها الأجانب.
    ‌ب- ولاية الخديوي في مصر فقدت شرعيتها لأنها تخلت عن الشرع واستغلت شعب مصر، وظلمت الفلاح المصري.
    ‌ج- لذلك وجب على المسلمين القيام ضد عبد الحميد الخليفة العثماني وضد توفيق الخديوي المصري.
    ‌د- إن الوحدة بين المسلمين أمر واجب. ولا بد من التعاون بين أهل القبلة، وإيقاف الاقتتال بينهم والحرب الدائرة الآن في السودان مسئولة عنها السلطة العثمانية والخديوية لأنهما تخلتا عن الإسلام استعانتا بغرودن وهو أجنبي الدين، والوطن، والمصلحة، وهذا دليل على إفلاسهما. وقد وقع عبد الحميد (السلطان التركي) وتوفيق ( الخديوي) في خطأ فادح لأنهما لم يرسلا للمهدي العلماء لمناظرته، بل أرسلوا له الجيوش لمحاربته وحرضوا عليه موظفيهم من الفقهاء للهجوم عليه والتشهير به.
    ‌ه- وعبد الحميد ليسا أهلا للإمامة الإسلامية لأن من شروطها أن يكون الإمام مسلما صحيح الإسلام، وقرشيا صحيح النسب، مبايعا من قبل أهل الحل والعقد أو مختارا بواسطة سلفه. وهذه الشروط مفقودة فيهما.
    ‌و- حال الإسلام يتطلب أن ينهض ناهض بأمر الدين فنسأل الله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا وفاء لصادق وعده، وتصديقا لحديث نبيه، سواء كان بالإمام المهدي هذه عليه السلام فقد ظهرت كواكبه، ولاجت بوارقه، أو بغيره من عباده الصالحين.
    وفي نهاية الرسالة يوجه العوام نداء للمسلمين لتأييد الإمام المهدي.
    وعندما أطلع المهدي على رسالة العوام هذه بعد فتح الخرطوم أعجب بها وحولها للشيخ حسين الزهراء لمراجعتها فكتب عنها الشهادة الآتية:
    " فقد وقعت من حضرة المهدي الإشارة بأن أنظر فيها" " لتسد خلل بزيادة أو نقص عبارة فإذا هي وافية وفيما"
    "إرادة منها كافية جزاء الله عن نصيحة الأمة خيرا.."
    هذه هي رسالة العوام وهي تشبه في بعض ما جاء فيها ما عبر عنه الإمامان جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، حيال الدعوة المهدية في السودان في مجلة العروة الوثقى. وفيما يلي مقتطفات من أقوالهما: جاء في العروة الوثقى:
    "صرح اللورد جرانفيل في مجلس اللوردات بأن المقاومة الشديدة التي لاقاها من قبائل العرب ورئيسهم عثمان في سواحل البحر الأحمر، لم يكن القصد منها إلا الرغبة في تمكين سلطة محمد أحمد في البلاد السودانية، يريد من هذا أنه لم يحملهم على الثبات والترامي على الموت عدوانهم للإنجليز ولا طمعهم في توسيع الفتح وإنما كان الحامل هو الدفاع عن شوكة محمد أحمد في السودان خاصة. وهذا من اللورد أما غفلة أو تغافل عن لواحق دعوى المهدوية بل لوازمها لا تنفك عنها: فإن القائم بهذه الدعوة لا يقف في سيره عند غاية، ولا يقنع بملك وإنما يريد بسط دعوته في أقطار العالم واحياء الأوامر الإلهية التي جاء بها صاحب شريعته الذي يدعي النيابة عنها في تبليغها وصيانتها في نفوس الناس كافة. وسواء كان صادقا في دعواه أو كاذبا، فلن يتم له أمر ولن تتمكن له سلطة في بقعة من بقاع الأرض سودانا كان أو مصرا أو غيرها ن البلدان إلا بتقدمه إلى ما ورائها حتى يعلي كلمه دينه، ويرد إلى الحق من انحرف عنه، ويكون له التصرف التام في قلوب المسلمين، ويأخذ منها مكانا عليا يشرف منه على مطامح دعواه في غيرهم من الأمم، وسواء يسر الله له النجاح في ذلك أو باء بضده، هذا لا كلام لنا فيه الآن، ولكننا نتكلم في الخصائص الطبيعية لهذه الدعوة العظيمة.." وجاء فيها:
    " وردت برقية من تاشكند إلى جريدة الساندر الإنجليزية مفادها أنه حصل اضطراب عظيم في أفكار المسلمين سكنه بخارى عندما سمعوا بانتصار أعراب السودان وظفرهم الأول. وظهر فيهم داع جديد يحث على الحرب ومقاتلة الذين ينتهبون الأراض الإسلامية لتوسيع ممالكهم ويهدد صاحب السلطة العامة بين المسلمين بخلعه من مغرسه إذا لم ينشر اللواء الأخضر (المغالبة ومساهمة المتعدى عليهم ) هذا برهان جلي على ما أنذر به سابقا من أن دعوى المهدوية في السودان لهذه الأوقات التي صدم المسلمين فيها أشباه الحوادث الماضية في القرن الخامس والسادس من الهجرة ستدعو إلى حركة عامة يصيح منها الشرقي بالغربي ويصعب على الإنجليزي وهو في مجراها أن يتنكب عنها دون أن تعروه هزة من مفزعاتها خصوصا والمظاهرة الدينية في البلاد المحكومة بسلطة أقوى وأظهر".
    "إن بلاد بخاري بينها وبين السودان مسافات متطاولة وأبعاد متنائية ويظن الناظر في لوح الجغرافيا أن المواصلات بينها منقطعة ومع ذلك سرى التنافس بين القطرين في الغيرة بغاية السرعة فما ظنك ببلاد هي أقرب إلى مبعث الدعوى وأدنى منها منالا. يغلب على الظن أن الروح هبطت إليها ولكن تتحرك بحركة العقل وتنمو على القوانين الطبيعية والشرائع السياسية والاعتقادية فلا يشعر الأقوياء إلا وقد بات بحلاقيمهم المستضعفون والأرض أرض الله يورثها من يشاء من عباده الصالحين" .

    يتبع...
                  

03-20-2004, 08:32 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وتتوالى عبارات الإشادة والإعجاب نذكر منها:
    (1) في مقال عن الإنجليز في السودان وردت العبارة الآتية:
    وتضافرت الأخبار على أن العرب أظهروا من البسالة والشجاعة ما لا يوصف، حتى قال الرواة أن ما شاهدوه منهم يعد من غرائب الأعمال البشرية.."
    (2) وجاء الآتي: "..وفي أهم الجرائد الفرنسية أن وقوع خرطوم في قبضة محمد يكون له رجة هائلة وأثر عظيم في تغيير الأحوال الحاضرة في البلاد الشرقية".
    وفي مكان آخر: " الاعتقاد بمحمد أحمد أخذ سبيلا في قلوب الهنديين حتى كتب إلينا أحد أصدقائنا في لاهور أن محمد أحمد لو كان دجالا لأوجبت علينا الضرورة أن نعتقده مهديا وأن لا نفرط في شيء مما يؤيده" .
    إلى هنا ننتهي من تلخيص ردود
    (1) الفقهاء الذين وقفوا إلى جانب الحكومة.
    (2) فقهاء الأنصار.
    (3) نصيحة العوام وآراء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.
    (4) إما الإمام المهدي نفسه فقد كان جوابه عن صحة مهديته كالآتي:
    ‌أ- إنني كنت ساعيا في إحياء الدين وتقويم السنة وما زلت ماضيا في هذا السبيل دون أن أجد إقبالا كبيرا من رجال الدين وأعيان الناس. وكنت استبعد عن نفسي أن أكون ولي الأمر الذي علي يديه الخلاص وانتظره لأكون له عونا وخادما لتأييد السنن النبوية "وإني لا أعلم بهذا الأمر حتى هجم على من الله ورسوله من غير استحقاق لي بذلك".
    وفي مقام آخر قال: " هجمت على الخلافة الكبرى من الله ورسوله وأعلمني النبي بأني المهدي المنتظر".
    وقال: " ومعلوم أن الله يظهر قدرته في أضعف خلقه ويؤيد الدين رغم أنف أعدائه". وقال: " ومعلوم أن خستي وصغاري لا يمنعان فضل الله على وفضله يؤتيه من يشاء " .
    ‌ب- وفي خطابه المذكور للشيخ دفع الله أشار لحديث العلماء عن علامات المهدية وشروطها ثم قال: إن علم العباد يقصر عن علم الله تعالى، وجميع العلوم لا تزيد في علم الله نقطة،بل لا علم في الحقيقة " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.. ويفعل ما يشاء ويختار.. ولا يتوقف عطاؤه على علم الخالق تعالى الله عن ذلك.
    ‌ج- والذين يتحدثون عم معرفة ما هو آت عن طريق النصوص المنقولة والعلوم والكشف يجب أن يدركوا أن الكشف يتخلف ويثبت غيره وقد قال تعالى: ( وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) . محي الدين بن العربي: "علم المهدي كعلم الساعة، ولا يعلم الساعة إلا الله تعالى". وقال الشيخ أحمد بن إدريس: كذب في المهدي أربعة عشر نسخة من نسخ أهل الله (أي كذب ما قالوه لقصور علم الإنسان). وقال: سيخرج المهدي من جهة لا يعرفونها وعلى حال ينكرونه. فإن محاولة البت في أمر الدعوة المهدي بالرجوع إلى النصوص وحدها لا تجدي لأنه من المعلوم أن الحديث الصحيح ينسخ الحديث الصحيح، والآيات تنسخ الآيات.
    فالنصوص وحدها لا تحسم الأمر. والأحاديث منها المقطوع أو الموضوع أو الضعيف.
    ‌د- لم يتعرض المهدي لإثبات وجود المهدية في الإسلام لأن الشك في ذلك كما نبهنا لم يكن واردا يومئذ. وفي تأييده لصحة دعوته ذكر الشروط المروية ومطابقتها لأحواله، وسمح لعلماء الأنصار أن يفعلوا كذلك، ولكنه لم يركز على الشروط المنقولة ومطابقتها بل جعل دورها هامشيا وركز الحجة على أن الله يفعل ما يشاء فلا قيد على أفعاله. وإن ظروف الإسلام عامة وفي السودان خاصة تفرض على المؤمن أن ينهض لإحياء الدين وأن معارضة الحكام لإحياء الدين توجب الجهاد ضدهم. وأن دعوته ليست لدين جديد بل لإحياء الكتاب والسنة المقبورين. وهذا هو مضمون البيعة التي بايع الناس عليها: ففي رسالة لاتباعه على سكة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر من عام 1301هـ قال: يا أحبابي قد بايعتموني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تأتوا ببهتان، ولا تعصوني في معروف، وعلى أنكم تختارون الآخرة فلا تطلبون إلا ما عند الله. وأن تزهدوا الدنيا وتبذلوا أنفسكم وأموالكم في سبيل الله وألا تفروا من الجهاد رغبة فيما عند الله لا لرغبة الدنيا ولا رياسة ولا ثناء.
    كانت هذه ملخصات لما قال الإمام المهدي تأييدا لصحة دعوته. وارد على السؤال عن صحتها بالآتي:
    (1) لقد ثبت لنا بكل الدلائل ويثبت بالعقل أمران: أن للقيادة الدينية دورا في الإسلام. وكذلك يبلغ المؤمن درجة من الصفاء تفتح أمامه دروبا روحية. وهذان الموقفان يسند الإسلام فيهما علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم التاريخ، فعدد من مدارس علم النفس مثل مدرسة العلامة جونق تثبت للإنسان وجودا روحيا. وثبت بالتجربة العلمية لطائفة من العلماء والباحثين استطاعة الإنسان أن يحصل على معارف من غير طريق الحواس وأن في الإنسان عنصرا لا يخضع لقوانين المادة وهذا الرأي أيده بعض علماء وظائف الأعصاب . هذا ما كان من أمر الدروب الروحية. أما علم الاجتماع فقد أثبت أن للقيادة الملهمة دورا لا مندوحة عنه في بلورة شعور الجماعة وكسب ثقتها لصناعة الأحداث العظام والقيام بالتضحيات الجسام. وهذا ما يدعمه التاريخ الذي لم يقع فيه حدث ذو بال إلا في ظل قيادة قوية قادرة حائزة على ثقة الناس. إن الصفاء الروحي وإلهاماته، وحاجة الجماعة الملحة للقيادة الملهمة لتبعث وتتحرك أمور لا يمكن إنكارها إلا من وجهة نظر شكلية بحتة في فهم النظام الاجتماعي، ووجهة نظر مادية بحتة في فهم الإنسان.
    لقد اتضح لنا عبر هذه الدراسة أن عمالقة الفكر الإسلامي الذين تصدوا لانتشال الجماعة من التمزق لم يفعلوا ذلك من منطلقات " عقلية" بحتة بل كان الهام الروحي دائما يلعب دورا في تفجير طاقاتهم الفياضة.
    (2) كان المهدي معروفا منذ صباه بالصدق، والأمانة، والزهد، والتقوى والورع. لم يختلف أحد من أقرانه ممن ناصره أو عاداه في وصفه بتلك الصفات.
    لقد قال الشيخ محمد شريف نور الدائم وهو أستاذ المهدي الذي أنكر مهديته وكتب قصيدة يهجوه فيها: ذكر في تلك القصيدة صلاح المهدي وتقواه، تواضعه، وحبه للعلم وغيرها من الصفات الحميدة..قال في تلك القصيدة عن المهدي:
    كم صام، كم صلى، كم قام كم تلا
    من الله ما زالت مدامعه تجري
    وكم بوضوء الليل كبر للضحى
    وكم خدم القرآن في سنة الوتر
    .
    وعندما اختلف الشيخ محمد أحمد مع أستاذه الشيخ محمد شريف في أمر ديني فطرده الأستاذ، وذهب لأخذ الطريق عن الشيخ القرشي ود الزين وهو من الذين أخذوا الطريقة السمانية مباشرة من الشيخ الطيب، رحب به الشيخ القرشي ورد على مطالبة الشيخ محمد شريف بطرده.. بالعبارة الآتية: " إنني رأيت الشيخ محمد أحمد مستحقا ومنع المستحق ظلم".
    وإذا عهدنا في شخص صدقا وأمانة فنحن عادة نحتج بذلك على صحة ما يقول والعكس بالعكس.

    يتبع...

    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-20-2004, 08:39 PM)

                  

03-20-2004, 08:46 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    قال الإمام الغزالي مؤيدا هذه الحجة " لو فرضنا رجلا بلغ وعقل ولم يجرب المرض فمرض وله ولد مشفق حاذق بالطب يسمع دعواه في معرفة الطب منذ عقل. فعجن له ولده دواء فقال: هذا يصلح لمرضك ويشفيك من سقمك، فماذا يقتضيه عقله؟ وإن كان الدواء مرا كريه المذاق، أيتناوله؟ أو يكذب ويقول: أنا لا أعقل مناسبة هذا الدواء لتحصيل الشفاء ولم أجربه. فلا شك أنك تستحمقه إن فعل أهل البصائر في توقفه"
    إذا كان الشيخ محمد أحمد صبيا صادقا، صالحا، أمينا ولازمه ذلك الحال حتى قارب الأربعين فإن ذلك السلوك حجة قوية لصدقه فيما أعلن.
    (3) والمضمون الواضح لدعوة الإمام المهدي هو إحياء الإسلام عن طريقة الالتزام بالكتاب والسنة. ورفع التفرق من تمذهب وتطرق. وتطبيق النصوص بفهم ملائم لظروف البيئة. وهذا الفهم المتفتح لأدلة الإسلام هو الذي تحيا به السنة. ففي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الآيات تنسخها الآيات، والأحاديث تنسخها أحاديث. وهذا النسخ ليس في أمور العقائد والعبادات بل في الأمور المتعلقة بمصالح الأفراد والجماعات والنصوص الناسخة هي الأفضل ملائمة للظروف الجديدة. وبعد وفاة الرسول ان الشيخان يراعيان مصلحة الأمة في الظروف المختلفة. جاء عن أبي هريرة أنه قال: " لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عتاقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه. قال عمر فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي للقتال فعرفت أنه الحق" (رواه الخمسة).
    وموقف أبي هذا فيه تصرف في النص مراعاة للمصلحة العامة كذلك كان تعيينه لعمر بن الخطاب خليفة بعده، مع العلم بأن النبي لم يستخلف، تجنبا لاختلاف الناس على الخلافة في ظروف حرجة.
    وعمر بن الخطاب منع الزكاة من المؤلفة قلوبهم مع أن الآية تنص لهم يسهم من الأسهم الثمانية تقديرا منه أن الإسلام لم يعد في حاجة لذلك.
    ومنع عمر تقسيم الأنفال على المجاهدين لدى فتح الشام والعراق لأن ذلك سوف يقتطع لهم ولذريتهم من بعدهم الأرض وربعها فعدل عن تقسيمها كما يطلب النص وقسم لهم الربع وحده. وفعل عثمان بن عفان فعلا صالحا عندما جمع القرآن بين دفتين ووحد القراءة ووحد ترتيب الصور والآيات الزم الناس بنسخه واحدة من القرآن وأعرض عن آراء الذين عارضوه في هذا الأمر بحجة أن النبي والشيخين لم يفعلوا ذلك. لقد كان في إجراء عثمان بن عفان رضي الله عنه صيانة لمصلحة الأمة.
    لذلك حق لنا أن نقول أن الفهم المتفتح الواعي لأدلة الشرع وتطبيقها المصحوب بإلمام بظروف الزمان والمكان والمصلحة العليا هو الذي يتمشى مع السنة ويجعلها حية. والإعراض عن ذلك والوقوف عند النصوص المنقولة وحدها هو البدعة لأنه يجعل النصوص يابسة فتكسر.
    (4) ودعوة الإمام المهدي مختلفة عن المهدية لدى الصوفية فمهدي الصوفية يقرأ اللوح المحفوظ ويقوم بدور أساسي في تدبير نظام الكون. وعندما توهم يوسف حسن الشلالي القائد المرسل من قبل الحكومة لمحاربة المهدي أن مهديته مطابقة للوصف الصوفي للمهدية طالبه بعدم إرسال الطلائع ما دام مهديا يقرأ الغيب، وعندما بلغت المهدي تلك المخاطبة رد عليها مخاطبا الشلالي قائلاك إن النبي نفسه كان يرسل الطلائع مثل الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان وإنما الغيب لله هو يعلمه لا غيره إلا أن يريد الله اطلاعه في بعض الأحيان لحكمه يعلمها هو .
    كما أن دعوته مختلفة عن المهدية التي ينتظرها الشيعة الذين ينتظرون الإمام الثاني عشر أن يرجع فيقوم بالدور المنحدر إلي من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. هذا التصور لم يكن ورادا أبدا في أقوال المهدي ولا في أفعاله. وبالرغم من أن المهدي كان يذكر نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يربط أبدا، على نحو ما يفعل الشيعة، بين القيادة الدينية والرابطة الرحمية. فالشيعة لا يقرون مكانة أبي بكر الصديق عند رسول الله، أما الإمام المهدي فقد أكد تكرارا ومرارا أن القيادة مربوطة بسلامة الدين واستقامة السلوك لا الحسب والنسب. فأكد تعظيمه لمكانة أبي بكر الصديق في منشوراته مثل قوله عن خليفة المهدي: آن الخليفة عبد الله هو خليفة أبي بكر الصديق، وأبو بكر الصديق هو الذي قال فيه النبي: ما طلعت شمس على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر.
    ومما يباعد بينه وبين المفاهيم الشيعية أنه جعل المكانة الثانية بعده لغير أولي قرباه. وعندما توهم بعض أهل المهدي أن علاقة الدم تفوق ما هداه زجرهم الإمام المهدي في خطبته بتاريخ 27 شعبان 1302هـ حيث قال مشيرا لأصحابه متحسرا على ذلك: فمنهم قحطان، ومنهم شبعان، خصوصا الأشراف فقد أهلكهم أحمد سليمان بالدنيا. وعبارته المشهورة في هذا الصدد "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"
    لذلك أقول: لقد صدق الإمام المهدي في دعوته ومن صدقه فقد صدقها. ومن كان يقر انفتاح أبواب الهداية بالإلهام في الإسلام ويعلم أن مضمون الدعوة هو إحياء الكتاب والسنة، ويدرك أن ظروف زمانه كانت مفتقرة إليها، لما وسعه أن يكذبه أو ينكرها.
    ومع تعب المواصفات والنعوت فإن الذي أصف به الدعوة المهدية هو: أنه نداء قيادة دينية ملهمة توحد الكلمة وتجدد الدين، وتلتزم بالكتب والسنة، وتملا فراغ الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولإزالة ما ألم بأهل الإسلام منظلم واستعباد وقوله " بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ. ونكون بمثابة بحث المصدر الإسلامي الأول وطاقاته الإيمانية التي تلين الحديد في ظروف طال على أهل الإسلام فيها الأمد.

    إنتهى الفصل السادس..
                  

03-23-2004, 12:44 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    بقية الفصول قريباً إن شاء الله
                  

03-24-2004, 09:41 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    ودوحة الفكر فوق
                  

03-24-2004, 01:06 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: lana mahdi)

    شكراً العزيزة لنا
    وسأحاول اليوم إن شاء الله تكملة بقية الفصول وبعدها سيكون الباب مفتوحاً للنقاش.

    وراق...
                  

03-24-2004, 05:04 PM

PLAYER
<aPLAYER
تاريخ التسجيل: 04-23-2002
مجموع المشاركات: 10283

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    المحترم اسماعيل
    تقديري لجهدك الكبير
    لقد استنيرنا في جوانب عده
    ونتمني ان يتضح لنا ما خفي باجابتكم علينا بعد انتهائكم من انزال الكتاب

    وفقكم الله
                  

03-24-2004, 06:41 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: PLAYER)

    الأخ بلير
    لك التحية
    وآمل أن يستفيد الجميع من الكتاب
    فيما يتعلق بأسئلتكم فهي ذات شقين
    الشق الأول متعلق بقول الإمام المهدي من شك في مهديتي فقد كفر
    والشق الثاني يتعلق بالبيعة الأخيرة في مؤتمر السقاي
    فيما يخص الشق الأول ربما تجد إجابة شافية في هذا الكتاب
    أما الشق الثاني فسأفرد له مساحة كبيرة إن شاء الله.

    الآن سوف أقوم بإنزال بعض فصول الكتاب....

    وراق...
                  

03-24-2004, 06:54 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل السابع

    مبادئ دعوة الإمام المهدي

    إنها من أكثر الدعوات أفصحا عن مقاصده فقد أصدر المهدي وخليفته آلافا من المنشورات وتعددت الكتب التي الفت ونشرت عن الدعوة. واستنادا إلى كل 1لك التراث المدون المنقول سوف نبين اتجاه المهدي الفكري، وهديها الروحي، وتوجيهها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.
    الاتجاه الفكري العام:
    إنها دعوة لإمام القرن الذي كلفه الله ورسوله بسد فراغ القيادة التي شغرت بخلو كريس الخلافة عن المصطفى فهو خليفة المصطفي وزمانه مندرج في زمان الصدر الأول. وهو الذي يبعث الكتاب والسنة دون ارتباط بالقيود التي وضعها الأقدمون مطبقا لنصوصها تطبيقا يلائم ظروفا جديدة وهو الذي يرفع المذاهب دون انتقاص من قدر أئمتها الذين اجتهدوا في ظروفهم فكانوا خير الهداة. ولكن تبدل الظروف افتراق الكلمة مع سريان التعصب في التمذهب أوجبت رفع الخلاف. وهو الذي يوحد الطرق الصوفية حول الكتاب والسنة والقيادة الموحدة، دون إنكار لفضل مشايخ الطريق على ما قدموا من هداية وما تحلوا به من صلاح وتقوى., لكن توحيد الكلمة، والخروج من سكينة الخلوة إلى ساحة الجهاد أوجبا تجاوز الطرق مع الاحتفاظ بما نبهوا إليه من محبة بين المؤمنين ومعان روحية في العبادة والمعاملة. هذا ولا بد من إزالة الفرقة بين أقطار الإسلام كلها ومنحها مخرجا من السلطان العثماني الذي سقطت شرعيته، وتحريرها من غزوات أوربا التي اقتطعت ديارها جزءا جزءا وسيطرت عليها مباشرة أو عن طريق التفريط العثماني.
    والمسلمون يفتقرون إلى بعث جديد يخلصهم من مفاسد ماضيهم كما يخلص الإسلام من عمايات الجاهلية، ويدخلون بالبعث عهدا جديدا رشيدا.
    ومن بين ما ينبغي التخلص منه اعتبار علم العلماء كافيا في حد ذاته للنجاة. فلا علم إذا كان صاحبه مسخرا علمه ونفسه لخدمة طلاب المنافع الدنيوية.
    والعلم هو العلم النافع الذي يتجه لإعلاء كلمة الدين ويرفع الظلم عن الناس. ولا بد من التخلص نهائيا من شبهة الوساطة بين الخلق وخالقها فلا أحد يستطيع عن طريق الأحجية المكتوبة والبركات المنسوبة أن يضمن السلامة لغيره في دنياه وآخرته. من قبل تلك المعاني من هداية وإرشاد صار أنصاريا.
    الهدي الروحي:
    اشتملت الدعوة على حض على الزهد في الدنيا والترحيب بالمشاق لأنها تهذب الروح. وحث على الاستعداد الدائم للآخرة والاشتياق للقاء الله. وتقرن الدعوة ما بين الزهد والاستعداد للآخرة والتضحية بالنفس والمال جهادا في سبيل الله . هذه المعاني تلتقي في نفس المؤمن وتربط الجندية بالفداء. وبالرغم من خشونة الزهد ووعورة مسالك الجهاد فلا تؤثر تلك الخشونة والوعورة في رقة المحبة المطلوب توفرها في العلاقة بين العبد وربه، والعلاقة بين المسلم ورسوله، والعلاقة ما بين الأنصار، وفي العلاقة ما بينهم وبين قائدهم: فهم جميعا أحباب الله، وأحباب في الله.
    وهذه المعاني الروحية آخذة ببعضها بعضا، مركزة في راتب يتلى في وقتي الإجابة وهما: قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.
    الاتجاه السياسي:
    اشتملت الدعوة في هذا الصدد على المطالبة بقيادة مفوضة مسئولة أمام الله عما تفعل وبعل عمالها، وهي تشرك في الأمر القبائل والبطون، دون أن يحول تفرق الأرحام دون اتحاد الكلمة.
    وهذه القيادة يسندها جيش شعبي فدائي يجند كل طاقة الأمة لمهمة إحياء الإسلام وتحريره دياره ف يكل أقطاره.
    وعلى القيادة والإدارة ألا يفصلا بين الواجبات الرسمية والاعتبارات الخلقية والروحية لأن من خان أمانة الله فهو لأمانة الناس خوان. وعلى الجميع مراعاة المساواة بينهم لأن الإخاء بين الناس لا يتم إذا لم يكونوا سواسية.
    أما في العلاقات الخارجية فلا بد أن تتحد إرادة دعاة الإصلاح والفلاح لبعث الإسلام وتحريره دياره ومواجهة جميع أعدائه دون هوادة.
    هذا والقيادة تعطى عمالها في وظائفهم تفويضا حاسما وتحاسبهم على سلوكهم وتشاورهم في الأمر.
    الاتجاه الاقتصادي:
    أن تكون الثروة الأساسية في يد بيت المال. وأن يكسب الأفراد معاشهم بالعمل الحلال وحده. وللمال الذي يجمعونه حرمة ولا بد أن يراعوا أنه مال الله الذي استخلفهم فيه فلا يصرفونه إلا في معروف. أما إذا استبدوا بالتصرف فيه فأنفقوه في الحرام أو في التفاخر والمباهاة فلا بد من آخذه منهم عنوة ورد أمانة الله إلى بيت المال.
    والمال لا بد منه لأغراض الحياة ولكن يجب إلا يسمح له باستعباد الإنسان فمكان المال أن يكون في أيدينا ليساعدنا على قضاء حاجاتنا لا في قلوبنا فيضلنا عن سواء السبيل. ومن أقعده عجز شرعي عن الكسب فبيت المال يقوم بكفالته يقدر حاجته.
    الاتجاه الاجتماعي:
    الدعوة هنا لإزالة مظاهر الترف كلها، وإزالة الفساد ومسبباته من خمر، وتنباك، وفساد جنسي وغيرها. وتسهيل الزواج حتى لا تحول كثرة النفقات دونه وحتى لا يكون وسيلة لإتلاف أموال الناس التي هي مال الله الذي استخلفهم فيه. هذا ومحاربة العادات السودانية المستنكرة.
    هذه هي قواعد الهدي المهدوي وفيما يلي نفصل ما أجملنا مستشهدين بالوثائق التاريخية المثبتة في كتابات الإمام المهدي وخليفته. وكل عبارة ذكرناها في الملخص مستمدة من نص في الوثائق وهاك البرهان:
    مستندات الاتجاه الفكري العام
    (1) في أنه إمام القرن:
    قال خليفة المهدي في منشوره بتاريخ 1301هـ (1884م): "إذ قد جرت سنة الله تعالى بأن كل رسول ينسخ شريعة من قبله حتى كان آخرهم محمد. ولذلك استمرت شريعته إلى يوم القيامة مع تجديدها على أيدى الورثة في كل قرن حتى ختمهم الآن بالمهدي".
    ولأن الإمام المهدي كان مقرا لهذا المعنى فإنه لم يجعل تطبيق أحكام دولته منذ تاريخ بداية دعوته بل جعلها مقرونة بنهاية القرن. وهذا ما بينه في منشور منه في 1300هـ (1882م) لقد قال: "ولا تفتحوا الأبواب التي تؤدي إلى حصول الغش وظهور الفساد وسفك الدماء كالأموال والرقاب التي سلف زمانها مع حكومة الترك من ابتداء ملكهم إلى انتهاء سنة تسعة وتسعين بعد الألف ومايتان"
    (2) في إنه يسد فراغ القيادة في الإسلام:
    قال الإمام المهدي في منشور لاتباعه في شوال 1299هـ (1882م) الآتي: "أن الله تعالى قد فرض علينا وعليكم طاعته وطاعة رسوله وقال محرضا: ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال: وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم. فما من رسول مضى ونبي سلف وإمام سبق إلا وقد فرض الله تعالى على أهل قرنه وزمانه طاعته واتباعه ولزوم أمره ونهيه. وما هلك من هلك إلا بمخالفة رسلهم وأنبيائهم أئمتهم قال تعالى: لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل، لكونه أرسلهم إلى إرشاد خلقه وأذن في الاقتداء بهم لقوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ) . فإذا علمتم ذلك فمن خالف إمام قرنه وزمانه فقد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين".
    وقال المهدي مشيرا لواجب القيام بأمر الدين المهجور في خطابه إلى عبد الفتاح عبد الله في 1297هـ (1880م) ما نصه:
    "وحيث أنه ما بقى من الإسلام إلا اسمه من القرآن إلا رسمه حصلت الغيرة. وغيرة المؤمن على حرم الله أكبر من غيرته على حرمه".
    (3) في أنها دعوة إتباع لا ابتداع:
    تتكرر في منشورات المهدي وخليفته عبارات: الوراثة،المصطفوية، الأسوة النبوية، خليفة رسول الله ومدلولها جميعا هو أن المهدي امتداد للصدر الأول الإسلامي مندرج فيه. فهو يتبع له وأحكامه موافقة لأحكامه ولذلك كانت صيغة مخاطبته لأتباعه كالآتي:
    ".. من العبد المفتقر إلى الله محمد المهدي بن عبد الله إلى أحبابه في الله وأتباعه على سكة رسول الله صلى الله عليه وسلم.."
    وقال الإمام المهدي في منشور موجه لاتباعه على سكة رسول الله في 1301هـ (1882م): "أن أمرنا هذا تبع لا بدع".
                  

03-24-2004, 07:06 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وقال في منشور للملازمين في 1300هـ ( 1882م) الآتي: "وكما لا يخفاكم أن من أحبني فليقتد بي فإن على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمني مندرج في زمنه، وأصحابي على قدم أصحابه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبني فليستن بسنتي. وقال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي".
    وفي منشور إلغاء التسمي بالألقاب قال مشيرا لعهد رسول الله وأصحابه:
    ".. وحيث لم يتسم أصحابه (النبي ) بالأمراء فكذلك أصحاب المهدي لأنهم علا أثرهم وقدمهم: فكان من ولاه صلى الله عليه وسلم على بلدة أو قرية كان يلقب بأنه عامله على البلد الفلاني والجهة الفلانية والإمارة تذكر ممن لا يعرف حاله ولو ذكرت من العارف فبطريق الاستطراد على الانصرام لا بطريق الاعتياد على الدوام. ولأجل ذلك لم تجد رسم أسمائهم إلا خالية من الإمارة والسيادة والشياخة ونحو ذلك مع أنهم جراثيم الإمارة والسيادة والشياخة ونحو ذلك. ولكنهم علموا أن السيادة بالزهادة والارتفاع بالاتضاع..".
    ومن أقوال المهدي: " أني عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما". وقال: "ما جاءكم منسوبا لي إذا وجدتموه مخالفا للكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط".
    وقال:
    ".. أقفوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بما أمر به والنهي عما نهى عنه.."
    وقال:
    "وأعلم أني محي ما مات من الدين. ومظهر ما أندفن من سنن الأنبياء والمرسلين".
    ولما كان كل فحوى دعواه هن إحياء الكتاب والسنة، ولما كان بعد قيامه بهذه الدعوة واجبا على كل مسلم تأييده في إدانة فانه أعلن أن من تخلف فقد كفر.
    (4) في أنه رفع المذاهب:
    فكر الإمام المهدي في خطابه للشريف محمد الأمين الهندي عدم التعلق بأقوال أئمة المذاهب والتمسك بالكتاب والسنة وحدهما.
    وكتب المهدي للفتية بلل صابون ما جاء فيه: إنه نسخ جميع الكتب من فقه وتوحيد ما عدا القرآن العظيم والحديث الصحيح ثم قال:
    "لأن جميع الكتب المذكورة مصدرها القرآن العظيم. وأن من عمل بالقرآن بالآية المحكمة، والأحاديث الصحيحة كان بذلك جامعا لجميع ما ذكرته من الكتب خصوصا الفقه والتوحيد فمندرج في القرآن العظيم وداخل في الشهادة".
    وقال المهدي في منشور حياة الدين الكبرى الصادر بتاريخ 1201هـ (1884م) الآتي:
    "والذي ينقذكم من الهلاك ويورثكم عظيم المكانة عند الله هو أن تتركوا معارفكم السابقة وتصفوا لدلالتي بإذن واعية حيث وجب عليكم ذلك ولزمكم الانقياد لي والخروج عن ما عندكم".
    وقال خليفة المهدي في منشور بتاريخ 1301هـ مشيرا للمهدي:
    "ومعلوم عندكم وعند جميع أهل البصائر أنه على نور من الله، وتأييد من رسوله، وموعود أنه يرفع المذاهب، ويطهر الأرض من الخلاف ويعمل بالسنة حتى لا يبقى إلا الدين الخالص بحيث لو كان رسول الله موجودا لأقره على جميع أفعاله".

    يتبع....
                  

03-24-2004, 07:19 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    (5) في موقف الإمام المهدي من أئمة المذاهب:
    سئل المهدي: معلوم أن المذاهب أربعة.. فما هو مذهب المهدي"؟ قال: "الأئمة الأربعة جزاهم الله خيرا قد درجوا الناس ووصلوهم إلينا، كمثل الرواية وصلت الماء من منهل إلى منهل حتى وصلت صاحبها. فهم رجال ونحن رجال ولو أدركونا لاتبعونا. وأن مذهبنا الكتاب السنة والتوكل على الله وقد طرحنا العمل بالمذاهب ورأي المشايخ".
    (6) في موقفه من مشايخ الطرق:
    قال الإمام المهدي عن المشايخ:
    "جزاهم الله خيرا وصلوا ووصلوا ولكن لو فرضنا أن كل قبيلة حفرت تمدة (حفيرة) لتشرب منها واعتادت أن تشرب منها زمنا طويلا فجاء البحر وغطاها كلها فماذا يفعلون بها؟ أيكتفون بأن يشربوا من البحر أم يبحثوا وراء تمدهم ليشربوا منها؟".
    فرد عليه الحاضرون:
    "إذا بحثوا عنها فلن يجدوها لأن البحر سيكون قد غطاها وصارت جزءا منه"
    فقال لهم: " هكذا الحال الآن".
    وقال له بعض الأنصار يوما: الناس تسألنا عن طريقتنا ومذهبنا فماذا نقول؟ قال:
    "قولوا لهم طريقتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله ومذهبنا السنة والكتاب: ما جاء من عند الله على رؤوسنا، وما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم على رقابنا، وما جاء من الصحابة إن شئنا عملنا به وإن لم نشأ تركناه".
    وأشار المهدي إلى أن دعوته جمعت محاسن ما في الطرق الصوفية، وأضافت ما يلزم للعمل الإيجابي والجهاد. هذا وارد بيانه في خطابه للشيخ محمد الطيب له في حضرة: " الطريقة فيها: الذل، والانكسار، وقلة الطعام والشراب، والصبر، وزيارة السادات. فتلك سنة. والمهدية أيضا فيها سنة: الحرب، والحزم، والعزم، والتوكل، والاعتماد على الله، واتفاق القول. فهذه الاثنا عشر لم تجتمع لأحد إلا لك".
    ودليل آخر في هذا الصدد هو الآتي: عندما أراد الإمام المهدي تعيين عامل له على البحر الأحمر استشار الشيخ الطيب المجذوب في أن يعين الشيخ الطاهر المجذوب عثمان دقنة. فقال الشيخ الطيب للمهدي:
    " هل المهدية تقوى وخلوة أم هي حزم وعزم؟".
    فرد الإمام المهدي قائلا:
    "المهدية تقوى وخلوة وحزم وعزم".
    فقال الشيخ الطيب:
    "إذا كان الأمر كذلك فعثمان دقنة أنسب".
    وكان الإمام المهدي يلمس أن الألقاب الدينية تكرس الفرقة بين الناس والعجب في النفوس ولذلك وجه إلى إلغاءها قال:
    "..من يتطلب الفانيات من الأغراض النفسية بصيت الدنيا وجاهها لينال غرضه من الدنيا فيقول أنا الفكي فلان أو الحاج فلان أو السيد فلان أو الأمير فلان أو نحو ذلك ومن عرف أن ذلك عار عند العارفين انكف عنه.."
    (7) في تأكيده لبطلان خلافه آل عثمان:
    قال المهدي في منشور بتاريخ 1299هـ (1882م) الآتي:
    "إن هؤلاء الترك لما بسط الله عليهم النعم ومد لهم في العمر وطول العافية ظنوا أن الملك لهم والأمر بأيديهم وخالفوا أمر الله وأنبيائه ومن أمره بالاقتداء بهم وحكموا بغير ما أنزل الله وغيروا شريعة سيدنا محمد وسبوا دين الله ووضعوا الجزية في رقابكم مع سائر المسلمين وكل ذلك لم يأمرهم به الله ولا رسوله. ومع ذلك أمهلهم الله وبسط عليهم النعم، فلم يتفكروا حتى خذلهم الله وسلبهم ثوب الملك والهيبة بتعديهم حدود الله"
    وجاء في نفس المنشور:
    " وإن الترك كانوا يسجنون رجالكم ويسحبونهم في القيود ويأسرون نساءكم وأولادكم ويقتلون النفس التي حرمها الله بغير حقها. وكل ذلك لأجل الجزية التي لم يأمر الله بها ولا رسوله. ومع ذلك لم يرحموا صغيركم، ولم يوقروا كبيركم. وكيف نسيتم هذا كله، ولم تأخذكم الغيرة في دين الله ولا في انتهاك محارمه؟".
    ( في أن المهدي اعتبر ما قبله فترة ضلال ودعوته لقيام عهد جديد:
    قال المهدي في منشور منه مشيرا لوجوب تجديد عصم زوجات الذين كانوا بمدينتي الأبيض وبارة موضحا دخولهم في عهد جديد يوجب تجديد عقودهم وذلك بتاريخ 1300هـ الآتي:
    " وعلى هذا فينبغي أنكم تجددوا عصم نسائكم السابقات المتأخرات عنكم في الخروج ولا تعولوا على العصم السابقة وتقيموا معهن بدون تجديد فإن ذلك محظور".
    لذلك كان يسمى الإمام ما قبله: الفترة.
    (9) في تركيزه على الجهاد:
    قال المهدي في منشور كتبه في 1300هـ الآتي:
    " فإني عزمت عليكم أن تتجردوا عن الدنيا وتعرضوا عنها بالزهد فيها اختيار ليصير فعلكم هذا في زمانكم هذا سنة حسنة للمقتدين بكم فيكون لكم أجرها وأجر من عمل بها كما في الحديث. فواجب عليكم أن تعملوا بذلك حسب ما ظننا بكم ولا تمسكوا شيئا من أرزاق الدنيا لتكثروه وتدخروه بعد هذا الإنذار والبيان بل أبذلوها في الله وتجهزوا بها للجهاد في سبيله بجميع آلات الاستعداد. لتكونوا دائما على أهبة واستعداد لحرب الجهاد وليوم الميعاد".
    وقال في منشور كتبه في 1301هـ (1884م) الآتي:
    "على أن شهوات الدنيا وراحاتها لا توضع في الميزان ولا تعلي عند الرحمن ولا يستحق صاحبها بها منازل أهل الشأن. فإذا فهم العاقل ذلك آثر ما يوضع في الميزان وما يعلو به عند الرحمن وما يسبق به أهل الشأن. ومن ذلك الجهاد في سبيل الله فقد نوه الله بفضله ورغب في نوله وزهده في حياة الدنيا وشهواتها فقال تعالى: ( مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ.. الآية) فإذا علم المؤمن خسة الدنيا وقلتها وقرب فواتها ومقتها عند خالقها، وعلم أن من أرادها لا نصيب له لا يلتفت إليها فيتأخر بسببها وبسبب شهواتها عن الجهاد وما يقريه عند الله تعالى".
    وقال في منشور آخر بتاريخ 1300هـ 1883م الآتي:
    "وجاهدوا في سبيل الله وأعلموا أن سيدنا سيفا سل في سبيل الله أفضل من عبادة سبعين سنة".
                  

03-24-2004, 07:29 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    (10) في أن الاتباع لا يمنع التجديد:
    قال المهدي في منشور بتاريخ 1302هـ (1885م) مشيرا إلى تبرير حكم من أحكامه بأن المصلحة هي التي اقتضته ذاكرا أن مراعاة المصلحة هي التي جعلت بعض الآيات تنسخ آيات أخرى. وبعض الأحاديث تنسخ أحاديث أخرى فالناسخ من الآيات والأحاديث يراعي المصلحة في ظروف تغيرت. قال المهدي في هذا الصدد:
    "وأظن أن الحكمة في ذلك إن كانت الآيات تنسخ الآيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب مصالح الخلق. وكذلك الأحاديث تنسخ بعضها البعض على حسب المصالح. فلأن مصالح الخلق الآن صارت.. الخ".
    أي أنه برر حكما جديدا باختلاف الظروف ومصالح الخلق. وقال المهدي في خطاب بتاريخ 1302هـ (1884م) الآتي:
    "وارفعوا حوائجكم إلى بالصدق مع الإقبال. ولا تعرضوا لي بنصوصكم وبعلومكم على المتقدمين: فلكل وقت ومقام حال. ولكل زمان وأوان رجال".
    (11) في أن لا واسطة بين العبد وربه:
    قال الإمام المهدي في رسالة لأحد عماله بالجزيرة بتاريخ 1301هـ (1884م):
    "وأما ما ذكر تم في الدعاء الذي يحمل الاستعاذة من السقم والعين ونحوه فهذا ليس من مذهبنا إنما مذهبنا التوكل على الله، حيث أنه النافع الضار وناصية كل شيء بيده. بل لا يخرج من قدرته فلتة ناظر. فينبغي لمن كان تابعا لنا أن يسلك طريقنا ويتوكل على الله وحده ولا يلتفت إلى غير لا وجود له بشيء".
    وكتب المهدي في خطاب له عن التوكل الآتي: أوحى الله في حديث قدسي إلى داود:
    "أما وعزتي وجلالي لا يستنصر بي عبد دون خلقي أعلم ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن إلا جعلت له منهن فرجا ومخرجا. أما وعزتي وجلالي وعظمتي لا يستعصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعلم ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات السبع من دونه واسخنت الأرض من تحته ولا أبالي في واد هلك".
    (12) في الموقف من العلماء الذين لا يعملون:
    كان المهدي يقول عن هؤلاء أن الدين قد صار على أيديهم متونا وحواشي لا حياة فيها يحفظونها ويرددونها ويستخدمونها في أغراض الحكام.
    قال الإمام المهدي في خطاب للشيخ محمد الخير عامله في بربر بتاريخ 1302هـ الآتي:
    "فأن نيل ما عند الله إنما هن بإيثار نصيب الآخرة الذي اندرس قصده بكثرة الوساخات الدنيوية والتفاخر بها وإظهار عظمة ذلك وتلبيس علماء السوء بفوز صاحبها وشكره في المجالس وقرناء السوء الذين يعلمون ظاهرا من الحياة وهم عن الآخرة هم غافلون".
    وقال في منشور في 1300هـ (1882م) مخاطبا العلماء الذين لا يعملون:
    " يا علماء السوء تصومون وتصلون وتتصدقون وتدرسون ما لا تفعلون فما سوء ما تحكمون. تثوبون بالقول والأماني ولا تعملون بالهدى".
    (13) في دعوته لتحرير وتوحيد الأقطار الإسلامية:
    بعد أن استتب الأمر للمهدي في السودان وجه الدعوة لخديوي مصر ولأهلها. ولأهالي مراكش، ومالي، وفاس، وغيرها من البلدان وكان قبل ذلك قد خاطب السنوسي في ليبيا، وحياتو بن سعيد بن عثمان في سكوتو، وجاءه وفد من الأراضي المقدسة. وخطاب المهدي للخديوي يجمع المعاني التي خاطب بها المسلمين في كل مكان. قال المهدي مخاطبا الخديوي توفيق:
    ".. وهكذا صارت جيوشك تأتيني ثلة بعد ثلة وأقدم لهم الإنذارات ولم تنفعهم، والله يؤيدني ونصرني عليهم كما وعدني ويقطع دابرهم. إلى أن قلت حيلتك وتلاشى أمرك فسلمت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأعداء الله الإنجليز وأحللت لهم دماءهم وأموالهم. وما كان يحسن بك أن تتخذوا الكافرين أولياء من دون الله وتستعينوا بهم على سفك دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أفلم تسمع قول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وأعلم إن هذا الملك لم يصل إليك إلا بموت أو عزل من كان قبلك. وهو خارج من يدك بمثل ما صار إليك. فتدارك نفسك فيما ينجيك عند ربك، إذا مثلت بين يديه وسألك عما جرى منك. إياك والركون إلى قول علماء السوء الذين أسكرهم حب الجاه والمال، حتى اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فيهلكوك ما أهلكوا من قبلك. وليكن في علمك أن أمرنا هذا ديني مبني على هدى من الله ونور من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤيد من الله بجنود ظاهرية وباطنية، وما قصدنا منه إلا إحياء الدين وأثار الأنبياء والمرسلين. ولا نريد من ذلك ملكا لأحد ولا جاها ولا مالا. فإن نور الله بصيرتك وخالفت النفس الأمارة بالسوء وقبلت هدينا وأتيت إلى الله بنية خالصة، فعليك أمان الله ورسوله، وما بيننا إلا المحبة الخالصة لوجه الله تعالى ونكون نحن الجميع يد واحدة على إقامة الدين وإخراج أعداء الله من بلاد المسلمين، وقطع دابرهم باستئصالهم من عند آخرهم إن لم ينيبوا إلى الله ويسلموا. وقد حررت إليك هذا الكتاب وأنا بالخرطوم شفقة عليك وحرصا على هدايتك. فأرجو الله أن يشرح صدرك لقبوله وبدلك على صلاحك ورشادك في الدارين. وها أنا قادم إلى جهتك بجنود الله عن قريب إنشاء الله تعالى فإن أمر السودان قد انتهى".
    وقبل ذلك وجه المهدي الدعوة للشيخ محمد المهدي السنوسي أن يهاجر إلى السودان للعمل معه على إحياء الدين وتوحيد بلاد المسلمين وذلك في رجب 1300هـ وجاء في الخطاب:
    "وقد علمت أن الهجرة المذكور واجبه كتابا وسنة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو شبرا استوجب الجنة).
    ولم أقف على رد الشيخ السنوسي على هذا الخطاب، ولكن توجد رواية أن الإمام المهدي عينه الخليفة الرابع وبعد وفاة الإمام المهدي جدد الخليفة الاتصال بالشيخ السنوسي وكتب أيضا لأهل مصر والحجاز، وقبائل نجد وقريش وأهل المدينة، والسلطان عبد الحميد والملكة فكتوريا، وملك الحبشة، وسلطان وداي، وسلطان سكوتو، والسلطان رابح، وسمى بعضهم أمراء على بلادهم.
    (14) في تسمية الأنصار:
    من آمن بتلك المبادئ وبايع عليها صار من الأنصار، ولكن التعبير الدارج، والدعاية الحكومية، كانا يطلقان على اتباع المهدي لفظ الدراويش. واللفظ كما هو معلوم يوصف به اتباع رجال الطرق. وكان المهدي يرى أن هذا اللفظ يقصد به التحقير لأن الدرويش هو الذي لا يعرف مصلحته ولذلك فإن طلاب الدنيا هم الدراويش لأنهم يطاردون ما لا ينفع. أما الزهاد الذين التفوا حول دعوته فهؤلاء عرفوا المصلحة الحقيقية الدائمة ونصروا دعوة الحق ولذلك يلقبون بالأنصار.
    قال المهدي في منشور بتاريخ 20 جمادى الثاني 1301هـ الآتي:
    "فمن نفذ قلبه إلى ما عند الله من خير، وترك ما في الدنيا من ضير، لا يسمى درويشا وإنما يسمى عاقلا ومدركا وبصيرا، وناصرا لدين الله حيث أنه وافق أراده الله وترك ما لا يريده وذلك البصيرة فلزم من سمى مثل هذا بالدرويش الذي هو ذاهب العقل التغرير والجلد".
    وثائق الهدي الروحي:
    كان الإمام المهدي يوجه بالتماس الهداية في كتاب الله وتفاسيره، وأحاديث الرسول الأمين وشروحها. ومن الكتب القليلة التي أشاد بها خارج نطاق التفاسير القرآنية والأحاديث النبوية كتب الإمام الغزالي وخاصة كتاب أحياء علوم الدين. وكان الإمام الغزالي كما رأينا ينظر للتصوف باعتباره عمقا روحيا للواجبات الدينية لا بديلا عنها. وفي كتابات الإمام المهدي وسلوكه في العبادة والمعاملة والقيادة والإدارة دلائل متواترة على اهتمام بالغ بالجذور الروحية لسلوك المسلم. وفيما يلي الشواهد على ذلك:
    قال الإمام المهدي في المنشور المسمى حياة الدين الكبرى بتاريخ 1301هـ (1884م) الآتي: " اعلموا وتحققوا أن للدين أغوارا وبواطن لا يصلح الظاهر منه إلا بإصلاح تلك البواطن والتحقيق بها وثم تصلح ظواهر الدين بعد ذلك. وله ظواهر مبينة على حقائق لم تظهر لأحد ولا تمكن منها إلا من تلقى من أهل التحقيق الآخذين من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
    وفي مجموعة من المنشورات أوضح المعاني الروحية وراء العبادات كلها مثل منشور الصلاة ومنشور الصيام. ففيهما أفصح عن المعنى وراء كل حركة وسكون. قال في منشور الصلاة: أحبابي أعلموا أن الصلاة محل المصافات والموافاة والمناجاة كما هو معلوم أن الإنسان قبل الوصول إلى ديوان الملك لا يعرف قدرته على الحقيقة. ولا يجد عند الملك الكريم عطاء في حضرته. فإن الكبراء الوافدين إلى الملك فما يريدون الدخول عليه يتطهرون ويتفرغون من كل ما لا يرضيه ويدخلون على الإجلال له، راجين ما عنده بانكسارهم له وتفويضهم وامتثالهم لأمره. وأنت أيها المؤمن أن مسجد صلاتك محل مصافاتك أي مصادقتك مع ربك وموافاتك له ومناجاتك إذ قال تعالى: وأقم الصلاة لذكري.. وهكذا".
    وكان المهدي يرى فلاح الإنسان في الزهد. قال في منشور بتاريخ 1301هـ (1883م) الآتي:
    " ولما كان إنقاص الدنيا هو الفوز في الآخرة وقد سمعتم عن أحوال النبي وأهله وانهم يجوعون أياما، وما خفيت عليكم حكايات الصحابة فلا ترغبوا في المال الدنيوي والتمتع في الدنيا فتخذلوا دينكم وتنقضوا عهدكم وتنزلوا من قدم النبي. فلا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إذ قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه".
    وقال في منشور إلى أحبابه في 1300هـ (1882م) الآتي:
    "فهانا أوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن المهدية قائمة بهذين وشروطها الصفاء مع الله، والصدق بعبودية الله، والانصراف عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، والتواضع والذل والانكسار والالتفات إلى الله كما في الحديث: الفقراء جلساء الله، واختيار الآخرة على الدنيا وطلب ما عند الله وترك ما عند الناس، وتحمل الأذى وعدم مقابلة فاعلة. وخلاف النفس في كل ما تهواه، والتجرد عن الأشغال الدنيوية..".
                  

03-24-2004, 07:36 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وكان يؤكد أن التوكل على الله يورث الإنسان قوة روحية.
    قال في منشور بتاريخ ذي الحجة 1301هـ (1884م) الآتي:
    "والرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان متحاشيا رؤية شيء مع الله تعالى فلربما يحصل الالتفات من بعض كمل اتباعه كما حصل يوم حنين، فإن بعض الصحابة قال: لن نغلب اليوم من قلة لما كان الكافرون نحو 4 آلاف والصحابة نحو12 الفا. وقيل أن القائل بهذا القول هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه. فحصلت عليهم الهزيمة كما حكى الله في كتابه العزيز: ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ..الآية) حتى أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين. فحينئذ علم يقينا أن النصر من عند الله".
    وفي نفس المنشور أشار بأن المصائب والمحن..
    " تزيد همتهم وتنور قلوبهم بالاعتماد على الله والوثوق به والخروج من الخلق إلى الخالق حيث أن المصائب تبين الحقائق وتخرج الدقائق، وتدر الأنوار وتصفي الأخيار كما قال بعضهم:
    لله در النائبات فإنها صدأ اللئام وصيقل الأحرار
    وقال الرسول: إذا أحب الله عبدا ابتلاه".
    وعلى منوال هذا المعنى وهو أن المصائب والشدائد تورث صاحبها تربية روحية وأنها من علامات الخير المعنوي كثرت كتابات الإمام المهدي.
    قال في منشور حياة الدين الكبرى بتاريخ 1301هـ الآتي:
    "لما رأوا وسمعوا من نبيهم كانوا للمسكنة محبين وعن حب التكاثر والعلو ورعين وإذا أقبل عليهم الرخاء حزنوا. وإذا أتتهم الشدة قالوا: الآن تعاهدنا ربنا. فبين الله أنهم هم الصادقون في الإيمان وفي طلب الآخرة، فقال تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ.. الآية) ولتجنبهم لحب العاجلة قال الله فيهم أولئك هم المتقون. وللزوم أن الفوز عند الله بذلك قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ.. الآية) .
    وفي منشور الصلاة الصادر بتاريخ 1301 هـ قال مؤكدا هذا المعنى ومشيرا إلى أن وجود البلايا يجعل الإنسان يتجه لربه وهذا الاتجاه فيه كل الخير قال معبرا عن ذلك:
    " ..والمعلوم أنه إذا كثرت أم قرانجة (قطاع الطريق) انجبر الإنسان إلى قرب الملك ولله المثل الأعلى. وهو قد سلط عليك هذه الأعداء ليحوشك إلى قربه والالتجاء إليه فنجد خير الدارين وتنال خلع المقربين. وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقوم إلى الصلاة إذا حزبه أمر، أي أهمه، خروجا من الحول والقوة واكتفاء بالله والتجاء إليه وتعريفا أنه لا يتولى الأمور إلا الله. ونظرا للخير المشكور عند الله ولعظمة مكانه عند الله قال صلى الله عليه وسلم: ما ابتلى نبي مثلما ابتليت. لأن المزايا على قدر البلايا ولعظمة مكانه عند الله خص مع كثرة البلايا بفريضة الجهاد هو وأمته لينالوا عظيم المكانة بالخروج عن النفس والمال والاكتفاء بالله الرغبة فيما عنده.." .
    وكان المهدي يقرن ما بين الزهد في الدنيا والصبر على مشاقها والتطلع للآخرة وبين تقوية روح الفداء. قال في منشور في 1300هـ (1883م) الآتي:
    " على أن الكفرة يقاتلون فيموتون ويجرحون من غير رجاء عند الله تعالى. فكيف لا يرضى المؤمن الطالب ما عند الله؟ قال تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) . فترك الجهاد بعد ذلك إما جهل بقدرة الله، أو كفر بآيات الله، أو جهل بعظيم ما عند الله من الثواب أو عدم معرفة بخسة الدنيا السراب مع أن الأجل موقت معلوم لا ينقضي إلا عند المدة التي كتبها الله له. وإذ تم الأجل المعلوم ومات عند انقضاء أجله في الجهاد فله ما لا يحصى من الخير كما هو معلوم. وإذا فر وترك الجهاد لا يزيد عمره ولا يزول عنه المكتوب له من جراح وغيره. قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) بل من فر وترك الجهاد وتخلف عن أمر الله بالجهاد يميته الله بأبشع ميتة حسرتها تقوم. ولو كانت هذه الميتة بإقبال في الجهاد لنال ما نال مع عدم الإحساس بألم الموت. قال تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ..الآية) وبالجملة أن الخوف عند الجهاد أما من عدم التوحيد أو من الجهل بقدرة الله وخسة الدنيا".
    ولا يكاد يخلو منشور من منشورات المهدي من الحث على الزهد في الدنيا، والاستبشار بالصعاب والمشقات، وشحذ روح التضحية والفداء واعتبار هذه المعاني دليلا على عمق إيمان المؤمن. وكان يرى أن الأمور المادية ليست مغنية فقلب الإنسان لا يملؤه إلى المعاني الروحية والأمور الدنيوية مهام تكاثرت أسبابها لا تشبع النفس بل تطمع في المزيد ثم المزيد. فاطمئنان القلب لا يتحقق إلا بالروح. قال في منشور بتاريخ 1301هـ:
    " وأعلم يا حبيبي أن القلب لا يملؤه شيء دون الله. أعني من لم ير قوة الله وقدرته على كل شيء، وصدق وعده وحسن ما عنده وفراغ ما في الدنيا ن النعم وعدم نفع شيء منها دون الله لا يمتلئ قلبه بشيء في الدنيا فكيف يمتلئ قلبه بما فيها؟ وقد قال الله تعالى: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) فلا يمتلئ قلب أحد بقليل فإنه لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما واديا ثالثا كما ورد".
    وكان يرى أن كل الطاعات لا بد أن يصحبها عمق روحي وتلاوة القرآن لا بد أن يصحبها التدبر والتعمق.
    قال في خطاب منه إلى الشيخ الطاهر المجذوب بتاريخ 1302هـ (1885م)مشيرا إلى قراءة القرآن وترتيله الآتي:
    " وعليك بالترتيل فيه والتأمل في معانيه وقف عند كل آية وافهم الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وثمرة القصص والأخبار فعند الأمر أسأل الله التوفيق ولو بسرك. وكذلك عند النهي أسأل الله التباعد من المنهي عنه. وعند الوعد اسأل الله أن يجعلك من أهل ذلك. وعند الوعيد تعوذ بالله واستعن به. فكذلك في قصص الأنبياء وأصحابهم. وقصص المكذبين وأجزم عنه الأمر بالقيام به امتثالا مع السؤال ولو بالسر. وعند النهي أجزم بالترك. وكذلك في كل ما ذكر كن مستعينا بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
    ومن ثمار هذا التهذيب الروحي أن يكون مضاء المرء الجهادي نافذا ضد أعداء الله، وأن يكون جانبه لينا نحو اخوته المؤمنين، فهم جميعا أحباب الله وأحباب في الله ولذلك كان الإمام المهدي يخاطب الأفراد والجماعات من الأنصار بعبارات المحبة، وهذه نماذج من مخاطباته:
    إلى "حبيبي"، "أحبابي" ، " حبيبي في الله" ، " أحبابي في الله وأتباعي على سكة رسول الله ".. وهكذا.
    ومعنى المخاطبة بعبارات المحبة أن العلاقة بين الراسل والمرسل إليه تقوم على المحبة المجردة من الأغراض الدنيوية الممحضة على الإخلاص لله وحده فكما أن الفدائية في ساحات الجهاد دليل على صدق الإيمان والتوحيد، فإن إخلاص المحبة بين المؤمنين دليل على أن تلك المحبة ليست مستقلة عن الله بل صادرة عن إيمانهم المشترك به وبوحدانيته.
    قال الإمام المهدي في هذا الصدد:
    "والحال أن محبتنا لما هو هنالك من رضاء الله وقربه العظيم المقدار أو لنعيم دوام دار الحوار، فالحب لغير ذلك هو نقص في الحقيقة، والمعلوم أن الحب من الأصحاب إنما هو لله" .
    وكان الإمام المهدي يتحدث عن الكرامات التي وقعت لتأييد دعوته ولكنه لا يجعلها أمرا أساسيا في موقفه.
    وكان يذكر المخاطبات النبوية وبعدها متاحة لكل أهل الكشف والصلاح. وكان يؤكد أن سيفه مصحوب بالنصر دائما لوعد تلقاه.
    وموقفه في هذه الأمور واضح في أقواله وكتاباته وهاكها:
    في خطابه ليوسف حسن الشلالي في رجب 1299هـ (مايو 1882م) قال عن الكرامات الآتي:
    "نحن ليس علينا إلا التبليغ ولا نطلب من الله إظهار آية على مهديتنا بل نقف معه على حد أدبنا وعبوديتنا فإن شاء آظهر آية كما ظهر لكثير من المؤمنين المحبين.."
                  

03-27-2004, 11:26 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وفي نفس المنشور قال عن المخاطبات النبوية:
    "المخاطبة النبوية تعتبر أمرا مفتوحا لكل أهل الكشف كذلك الحضرات النبوية والقطبية.."
    وعن السيف المنصور قال في برقيته المرسلة للحكمدارية في 1298هـ الآتي عن سيف النصر:
    " وليكن المعلوم أنه أتاني من الحضرتين النبوية والقطبية سيف وأعلمت أنه لا ينصر على معه أحد".
    تلك هي شذرات من الهداية الروحية التي حفلت بها إرشادات الإمام المهدي. وقد كان راتبه مأدبة روحية جمعت المعاني الروحية التي ركز عليها وصقل بها نفوس أصحابه وستقدم دراسة للراتب في مقام لاحق إن شاء الله.
    بيانات الاتجاه السياسي
    كان نظام الحكم في السودان نظاما عسكريا إداريا مستمدا تفويضه السياسي من الخديوي الذي كان يخضع شكليا للخلافة العثمانية. وعلى رأس النظام في السودان قائد إداري عسكري يعاونه في الوظائف العليا أخلاط من الطبقة الحاكمة في مصر (وهي شبه أجنبية) ويعاونه عدد من المرتزقة الأوربيين. أما أهل البلاد فكانوا يستخدمون في وظائف دنيا إلا نادرا جدا. ودرجت السلطة الحاكمة على جمع الأعيان في مجالس في مجالس استشارية مهمتها مباركة سياسات الحكومة وفهم أوامرها.
    وبسقوط الحكم التركي سقط ذلك النظام وقامت دولة ذكرنا نبذة عن طبيعتها السياسية.
    ونذكر فيما يلي تفاصيل ما ذهبنا إليه:
    (1) أساس العلاقة السياسية التفويض لقيادة تسوس الناس بالمعروف الذي نصت عليه البيعة وفحواها ما نص عليه المنشور الصادر من الإمام المهدي في 1301 هـ والذي جاء فيه:
    ".. يا أحبابي إنكم قد بايعتموني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأتوا ببهتان ولا تعصوني في معروف على أنكم تختارون الآخرون فلا تطلبون إلا ما عند الله وآن تزهدوا الدنيا وتبذلوا أنفسكم وأموالكم في سبيل الله وأن لا تفروا من الجهاد رغبة فيما عند الله لا لرغبة في الدنيا ولا رياسة ولا ثناء فإذا كنت موفون لبيعتكم وعهدكم فإن بيعتكم هذه هي بيعة رسول الله..".
    (2) وعين المهدي أربعة خلفاء هم أعوانه في تصريف الأمور وكما كان المهدي خليفة لرسول الله كان أعوانه هؤلاء خلفاء لأبرز أعوان رسول الله: فالخليفة الأكبر خليفة أبي بكر الصديق، والثاني خليفة عمر بن الخطاب، والثالث خليفة عثمان بن عفان، والرابع خليفة على بن أبي طالب، ولكل خليفة راية ترمز لإقليم من أقاليم السودان ذات الوزن في ذلك الحين: الغرب، النيلان الأزرق والأبيض، الشمال والشرق. ويتولى كل خليفة شأن لواء من تلك الألوية. والخلفاء بالإضافة لكونهم قادة مجموعات معينة، ولكونهم خلفاء المهدي. أعضاء في مجلس أعلى للشورى وقد أشار المهدي لهذه الشورى في عدد من منشوراته مثل المنشور بتاريخ 22 شعبان 1302هـ (يونيو 1885م) قال: " ولذلك استصوب عندنا مع المشورة المسنونة أن تكتب إلى كافة المحبين أن يرفعوا أيديهم من الشارع.. الخ".
    وكان على الخلفاء أن ينظموا قبائل المناطق التابعة لهم تحت أمراء مختارين لهم من أبناء تلك القبائل. وكان المهدي يعقد اجتماعا دوريا لهؤلاء الأمراء وقد أشار إلى ذلك الاجتماع في عدد من مناشيره مثل ما جاء في منشور بتاريخ 1300هـ (1883م) إذ خاطب الأمراء بقوله: " و ما أشكل عليكم فأمروهم فيه بالصبر لغاية طلب الأمراء وجمعهم عندنا فيصير تنجيزه بحسب الحكم فيه من الله ورسوله".
    تلك الإجراءات كانت تكفل مشاركة للأقاليم والقبائل دون الاعتراف لها بذاتية تضعف انتماءها لكيان واحد فيصدق في وصف النتيجة العبارة: تعقد في وحدة.
    وكانت الرايات لا تقف عند حد تجنيد قوة نظامية ضاربة بل تنتظم في سلكها كل أهل السودان مستخدمة النظام القبلي لأغراض تتجاوزه وتصهره موفرة جيشا شعبيا عبر عنه المهدي بقوله: "بل استنفرنا جميع عباد الله إلى الجهاد".
    إن شأن المهدية مع الواقع الاجتماعي السوداني المفرق بين الأقاليم والقبائل، إنها عرفت حقيقته وأسقطت الجوانب الضارة منها، واستصحبت الجوانب الأخرى فأدخلتها في نظام جديد، فصنعت من ذلك الواقع المفرق أقوى وحدة عرفها السودان في تاريخه.
    (3) والعدل هو أساس الحكم ليطمئن الناس على حقوقهم وتتوفر الثقة بين الحاكم والمحكوم. قال المهدي في هذا الشأن: " أحبابي سألتكم بالله العظيم وبنبيه الكريم من كانت له عليّ مظلمة والحال أني ناس لذلك فليطلبني قبل الآخرة فإني قد اتهمت نفسي بذلك، ومن كانت له مظلمة على الخلفاء والأمراء والإشراف فليطلب ذلك.."
    وقال في خطابات عامة: " وأعلموا أيها الأمراء والنواب أن كل أمير منكم أ, مقدم أو نائب عنا في سائر الجهات فليتدارك الأمور والقضايا في جهته بالحكم فيها وراحة أصحابها.. وانظروا الوقائع واحكموا فيها على وجه الصواب. واعدلوا في حكمكم ولو على أنفسكم.. وردوا المظالم إلى أهلها ولو من أنفسكم واعلموا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجحد حقا عليه وليؤده فورا ولا يلجئه إلى سلطان وخصومه ليقطع بها حقه.."
    ومن موجبات العدل التزام القائمين بأمره بالحدود المشروعة. وفي هذا الصدد قال المهدي مخاطبا السجان: " فمن أتى إليك به للحبس فاستعمل فيه الرفق واجر عليه حسب الحدود المشروعة. ولا يصير تشغيل المحابيس إلا في ضرورة".
    (4) كان على عمال الدولة وأمرائها أن يراعوا الجانب الروحي والخلقي في جميع تصرفاتهم فلا فصل بين الواجب القيادي والإداري وبين السلوك الفردي الخلقي. قال الإمام المهدي في منشور للخلفاء والأمراء والنواب في عام 1300هـ الآتي: ".. فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين واعلموا أني لا أتمم لكم خلافتكم ولا إمارتكم ونيابتكم عنا في الأحكام والقضايا إلا أن تشفقوا على خلق الله وتهدوهم في الدنيا ليتركوها وترغبوهم في الآخرة ليطلبوها وتعلموهم عداوة أنفسهم له ليحذروها وتنصفوهم من أنفسكم إذا ادعوا عليكم حقا".
    وبشأن قبول الحكام للهدايا كتب المهدي إلى حبيبه عثمان خالد في عام 1302هـ (1885م) ما جاء فيه: " حبيبي إن البصيرة النيرة تأبى التدنيس بالدنيا وجزاك الله خيرا حيث رأيت الضرر فكاتبتنا. فكذلك إن العمال والحكام والقضاء كان المتقي منهم في السابق من الزمن لا يتدنس بالهدايا التي لا بد فيها من العلل ولو كان الواحد منهم في بيته واتى إليه من أهدى إليه الآن ما كان يهدي إليه وقتها سابقا. فلما كان كذلك يا حبيبي فتباعد عن ذلك. وكلما أتى إليك بشيء وأهدى إليك بهذه الوسيلة فأدخله بيت المال.." الخ.
    وفي نصيحة أخرى قال" "وقد بلغني أن من أتى إليك بهدية ترده فيحث أن المسلمين كالنفس(الواحدة) فأرد لهم ما تحبه لنفسك فلا ترد ما أخرجه لك من الدجنيا مخفيفا عنه، ولا تنتقل بها أتت، واجعلها في بيت (مال) المسلمين واستلامها على وجه الشفقة بمهديها شرطها أن تكون خالية من العلل فإن كنت تعلم فيها علة أو شفاعة في حكم أو نظر على إبطال أمر ديني فردها ولا تقبلها إذ أن الدنيا سحارة فعساها أن تأخذ ببعض القلب فتسوده فتزيل رغبة الآخرة لرغبة الدنيا".
                  

03-27-2004, 11:31 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    (5) وكان المهدي حريصا على الحزم، والانضباط، وتفويض المسئولين فيما أوكل إليهم تفويضا واضحا.
    قال في منشور بتاريخ الحجة 1301هـ الآتي: .. "إلى كافة الأمراء والمقاديم وأتباعهم وجميع من ينتمي إلينا من الأصحاب. يا أحبابي من المعلوم أن من شروط المهدية الحزم في أوامرها والنشاط في قوام الدين.. الخ".
    وفي منشور بتاريخ الحجة 1301هـ (1884م) قال: "قال صلى الله عليه وسلم: من اتبع أميري فقد اتبعني، ومن خالف أميري فقد خالفني وقد نبهت غير مرة في موافقة الأخوان لأمرائهم والأمراء لخلفائهم والكل للخليفة عبد الله ففي ذلك راحة بالنا وإقامة الدين".
    (6) وفي توجيهه أن المساواة بين الناس تورث الإخاء وتقضي على الغرور. قال في منشور إلى أحبابه بتاريخ 1301هـ " فمن أراد الآخرة صدقا لا يريد التميز على الأقران في الدنيا ولا التمتع الذي يعتب الحسرة عند المفارقة لأن المعلوم أنه على قدر ما يكثر الفاني تكثر الحسرة عند فراقه. ولا يدوم للعبد إلا ما وافق رضوان الله تعالى. قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) . وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يكره العبد المتميز عن أخيه المؤمن أعاذنا الله وإياكم من ذلك".
    وقال في منشور إلغاء الألقاب: "أيها الأحباب إن المعلوم أن العاقل العارف يسعى فيما يدوم ولا يسعى في فراغ لا يوصله إلى ما يدوم له من رضا الحي القيوم ولذلك قد كتبت للاخوان جميعا المنشورات بترك التسمي باسم الشيخ والسيد وغير ذلك من الألقاب التي تلفت إليها النفوس المغرورة بالزائلات إذا أن التفات النفس إلى علو الدنيا يذهب طلب الآخرة وإرادتها كما هو وارد والله تعالى عنده المنكسرة قلوبهم".
    وقال في بعض توجيهاته: " فلا ترغبوا فيما تسمى به الظالمون والكفرة المعرضون فإنهم لا يرضون إلا أن يسموهم بالوظائف. فلا تتسموا بذلك".
    (7) ولما كان المهدي قد ألغى المذاهب لم تكن المحاكم في المهدية ولا الأحكام مقلدة لمذهب من المذاهب المعروفة. بل كان المهدي والخليفة بعده وقضاة المحاكم يلزمون أنفسهم بنصوص القرآن وسنة النبي وما بينه الإمام المهدي من تطبيقات لتلك النصوص وإرشادات في الظروف المستجدة.
    ويوجد الآن كتاب جامع للأحكام التي أجاز المهدي العمل بها ويتضح من دراستها أنها لا تقل مذهبا من المذاهب المعروفة. بل تطابق بعض أحكام هذا المذهب أو ذاك حينا وتضع حكما مختلفا منها أحيانا. إنها أحكام إسلامية غير مقلدة لمذهب ما وإن كانت في كثير من نصوصها أقرب إلى مذهب الإمام الشافعي من غيره.
    بيان الاتجاه الاقتصادي
    1. كان واضحا من منشورات الإمام المهدي وأقواله أن حركته هي مواجهة شاملة لأركان الظلم وحلفائهم الدخلاء على طول العالم الإسلامي وعرضه. وأثناء حرب البعث والتحرير هذه سيكون اقتصاد السودان اقتصاد طوارئ توجه فيه كل الطاقات لمعركة بعث الإسلام وتحرير دياره. وقد عبر عن هذا المعنى أوضح تعبير الشيخ الحسن محمد العبادي في رسالته المسماة الأقوال السنية والتي اطلع المهدي عليها وأجازها. قال الشيخ العبادي: "نجاهد مع المهدي الكفرة والخوارج، ونحمي ملتنا وأنفسنا، وعشيرتنا وأهلنا وجميع البلاد الإسلامية- ثم بعد الفراغ من النصر والفتح والاستحصال على مقصودنا ونشر الراحة العمومية يرجع كل واحد منا لما كان متلبسا به أن كان مطلوبا شرعا من تدريس، وتربية نفوس، ومعايش عائلية ضرورية".
    2. والشيخ الحسين الزهراء يوضح أن حملة الإمام المهدي ضد الانشغال بالدنيا لم يقصد منها تعطيل الأرزاق الدنيوية فالالتفات إليها من الواجبات باتفاق الجميع لتوقف الاستقامة عليها. والمنشورات بالتخلي عن الدنيا متوجهة إلى ما وراء الأمور التي لا بد منها لتقويم البنية. وذلك لأن غالب الناس إنما كانت أنظارهم في التوسع في الدنيا. وفي ذلك صرفوا غاية وسعهم وتركوا الآخرة فنهاهم عن ذلك. قال هذا في رسالته المسماة الآيات البينات والتي اطلع عليها المهدي وأجازها.
    3. إن المعنى الذي يكرره الإمام المهدي في علاقة الإنسان بأسباب المعايش الدنيوية هو ألا يسمح الإنسان لنفسه أن تستقر الدنيا في قلبه ويركن إليها ودعوته في الراتب هي: ولا تجعل في قلوبنا ركونا لشيء من الدنيا يا أرحم الراحمين.
    وفي رسالته لاتباعه بتاريخ صفر 1301هـ (1883م) أشار المهدي إلى وجود المال في أيدي أصحاب رسول الله وقدم تفسيرا أزال فيه التناقض بين الزهد في الدنيا واستخدام أسبابها لأغراض مشروعة قال: " وكان الذين عندهم سبب إنما هو في أيديهم لا في قلوبهم حتى يؤثر فيها حبا وأسفا أو التفاتا. وإنما هم عليها كالوكلاء ينفقونها حسب أوامر موكلهم ومولاهم ولذلك قال ربهم العالم بضمائرهم: وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه. ولم يقل أنفقوا مما ملكتموه".
    4. (أ) ولما كان المال مال الله فإنه عند الأفراد أمانة وعليهم أن يحسنوا التصرف فيه وإلا أخذ منهم وأضيف إلى بيت المال إن صرفوه في حرام أو في التباهي والتفاخر. وفي هذا الصدد قال المهدي مشيرا لموقف من صرف على الزواج أكثر من المقدار المحدد في منشور عن المهور بتاريخ 1300هـ الآتي: "فما زاد على ما ذكرت ما دام أن المال مال الله ومبذول للجهاد في سبيل الله، وعليه البيعة، فلا يخلو من سرقة، حيث لا أذن منا على ذلك فلازم أن يؤخذ منه للمساكين والمجاهدين في سبيل الله والسلام".
    (ب) والعمل التجاري الخاص يجب أن يخضع لضوابط تمتع الظلم والاستغلال ولا تتعدى الربح الحلال. قال المهدي في منشور بتاريخ شعبان 1300هـ (1882م) الآتي: "فعزيمة من محمد المهدي بن عبد الله لكل من بلغه هذا المنشور ودرى ما فيه أن لا يفتري على الله كذبا ولا يغش أحدا ولا يمكر و لا يخادع ولا ينقض عهدا ولا يحلف يمينا فاجره لاستجلاب حطام الدنيا الساحرة ولا يبخس ميزانا أو مكيالا ولا يطففه وأن يتخذ بين ذلك سبيلا ويلزم الصدق في أخذه وعطائه وبيعه وشرائه وجميع معاملاته دون خيانة وغدر مع الوقوف على حد السلامة بمقتضى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي أوردناها فتلك تجارة رابحة إلى معادكم يوم لا ينفع مال ولا بنون"
    (ج) والذي ينبغي أن يكتفي به الفرد في أمر معاشه هو ما يلزم للضرورة. أما الزائد عن الضرورة إنما هو على العبد لا له كما هو مبين لمن فتح الله بصيرته والسلام".
    (د) ومن كان صاحب طين عليه أن يزرع منه ما يستطيع ويترك الباقي ليزرعه الآخرون دون مقابل لأن المؤمنين كالجسد الواحد ولتكون ثمرة الأرض لمن يفلحها قال الإمام المهدي في منشور بتاريخ 1301هـ (1884م) الآتي: "وتعلمون من تذكير الله وتذكير رسوله صلى الله عليه وسلم أن من بدأ بنصيب الآخرة ما يريد. وحيث أن الأمر كذلك وأنا أحب لكم ما يدوم نفعه فمن كان له طين فليزرع فيه ما استطاع زرعه وإذا عجز أو (فوق) ما احتاج إليه لا يأخذ فيه دقندي (أجرة الأرض) لأن المؤمنين كالجسد الواحد.
    وما يساوي به أخاه المؤمن يكون له في ميزانه دائما بدرجات عليا عند الله وليست المسابقة بين المؤمنين إلا فيما يبقى. وإن كل مؤمن ملكه من الطين له ولكن من باب إحراز نصيب الآخرة فما لا يحتاج إليه يعطيه لأخيه المؤمن المحتاج، وما عجز عنه وأراد به الآخرة خير له من نفع دقندي (أجر الأرض) يفنى عن قريب وتحسر عليه إذا لم يصرفه لآخرته.."
                  

03-27-2004, 11:39 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    5. وقد جعل الإمام المهدي كل الأعمال الاقتصادية ذات الربح الكبير والمصالح التي تخدم الجمهور قطاعا عاما.
    وفيما يلي ثلاثة شواهد من منشوراته على ما أتخذ في هذا الصدد من إجراءات:
    (‌أ) كتب الإمام المهدي في 1302هـ (1885م) الآتي: أحبابي أن المقصد إقامة الدين وإزالة الضرورة عن كافة المسلمين وتفرغهم للديانة والمجاهدات والصلوات والرواتب المطلوبة. فليزم لذلك أن يفرغوا الإخوان جميع المواضع التي تنتج منها المصالح جميعا ولا يعرض لها أحد من الأنصار وذلك جميع الدكاكين، ولوكالات، والقصيريات، والعصاصير، والطواحين، والبنوك التي كنت بالبحر للإيجار ولو كانت غير مسكونة فيخرج منها من هو ساكن بها لما يترتب عليها من مصلحة عامة المسلمين من ضعفائهم ومجاهديهم وللملازمين الرواتب والصلوات. حيث أن كل ما هو ساكن بتلك المحلات يمكن أن يتدارك له مسكنا بنحو الشكاكيب (مظلات من قش ) ونحوها ولا يؤخر مصلحة المسلمين للمسكن الذي لا يدوم. وإنما المسكن للمؤمن في الآخرة وإنما الدنيا دار ممر فلا يطمئن بالممر دون المقر والسلام".
    (‌ب) وكتب في شعبان 1302هـ يونيو 1885م بعد مقدمة تحدث فيها عن المشارع ثم قال: "ولذلك استحسن لدينا أن تكون مصلحة المشارع لبيت مال المسلمين: وقال: (والمعلوم أن المشارع فيها أموال جسيمة وكل من استولى على مشرع جمع فيه مالا كثيرا ولا يجهز فيه غزوة ولا سرية بل استضر بكنزه. ولذلك استصوب عندنا مع المشورة المسنونة أن نكتب إلى كافة المحبين أن يرفعوا أيديهم من المشارع ولا يستخدموا الدنيا كما كانوا يستخدمونها سابقا وأن يكون همهم العمل لما عند الله. وإعانة المجاهدين وإقامة الدين.." وقال أيضا: " وفضلا عن ذلك فأنا ما أذنا لمن نحب له الخير أن يشتغل بنفسه وعياله عن الجهاد. بل استنفرنا جميع عباد الله إلى الجهاد. ومن انضم إلى البوارق صادقا تولاه الله في الدنيا والآخرة ووجد ضرورته.."
    (‌ج) كتب المهدي لمدير الجناين التي ضمت لبيت المال خطابا في ربيع ثاني 1302هـ يناير 1885م يوضح فيه بعض التعليمات قال: "حبيبي إن الاعتماد على الله وعليه المعول والتكلان. وحيث أن من الذي رزقه الله لنا الجناين وتذكرنا مع خليفة الصديق وإخوانه أن نقوم بنظارتها. الخ". ودولته دولة الكفاية قال الإمام المهدي: .."وقد عزمت على كل واحد من الاخوان: أن من كان يؤمن بالله ورسوله مهديه ألا يؤخر عن بيت المال درهما ولا دينارا وتكون راحة جميع الاخوان والأصحاب منبيت المال. ولتفرغ الاخوان لخدمة الدين وراحة المسلمين لا يخدم أحد لنفسه ولا لجماعته فكل مؤمن بالله ورسوله ومهديه ومعاون لي على هذا الدين تكون على راحة المسلمين.. ولتكن الراحة من بيت المال لجميع الأنصار وليبين من كان له عيال وأهل من كثير وقليل ومن ليس له إلا القليل فالكل يقنن له من بيت المال ما يكفيه والجميع خدمتهم لله..".
    خلاصة الهدي الاقتصادي:
    أن يكون المال في اليد لا في القلب. وإن يكتفي المؤمن منه بما يقتضي الحاجة الضرورية، وأن يعدل في بطشه المعاشي وألا يستغل غيره. وأن يعامل ما عنده من مال كأمانة من الله لا يصرفها إلا في مصارف الحلال والاعتدال والا أضاع واستحق العقاب. وأن تتولى الدولة المصالح العامة والأعمال المفرطة الربح لأن عليها أن توفر ما يسد حاجة كل الناس أي أن تقيم مجتمع الكفاية.
    بيانات الهدي الاجتماعي
    كان للمهدية كما أوضحنا اتجاهات واضحة فاهتمت بصياغة المجتمع السوداني وفق تلك الاتجاهات، وفيما يلي نماذج للسياسات والإجراءات التي اتخذتها.
    1- كان الإمام المهدي ينهي عن جميع مظاهر الترف وتكرر ذلك في منشوراته وأقواله مثل ما جاء في المنشور بتاريخ رجب 1300هـ مايو1885م قال: "فم كان معنا فليتصف بهذه الصفات ولا ينظر إلى الدنيا بعين المحبة والشهوات، ولا يزيد الغنى على جارية لخدمة الداخل وأخرى للخارج، وليتجنب الترفهات، والركوب على فرواى الريف، وتعدد الغلمان في ركوبه ليسعوا خلف دابته. بل يقتصر على تابع واحد فقط يمشى خلفه لحفظ دابته ويكتفي بالجبة المرقعة عن عدد الملبوسات. فإن من نظر إلى الدنيا بعين المحبة جذبته الشهوات إلى الغلو. ومن لم يستطع على جهاد نفسه فليلق زمام أمره إلينا ويعاملنا بذلك ويرضى بحكم الله ورسوله بعد في نفسه وماله لما علمتم أن من صدق في بيع نفسه لله فارق حكمها.." أي من لم يستطع أن يقتصد إلى الحد الأدنى المذكور في الصرف على نفسه يفوض أمره وأمر ماله للمهدي ويرضى بحكمه فيه.
    2- ولما كانت المفاسد قد عمت وتفشى الانحلال الخلقي فإن المهدي اتخذ أحكاما صارمة لتطهير المجتمع من المفاسد المحرمة مثل: الزنا، شرب الخمر، السرقة، الدخان ( وقد حرمه) والتبرج. وأصدر منشورات مجموعة في كتاب الأحكام تبين عقوبات مرتكبي تلك الآثام. كما حرص على صيانة حمة الأسرة بمنع الحلف بالطلاق والمبالغة في ألفاظه وحدد عقوبة لمن يعتدي على تلك الحرمة. وقرر عقوبات لكل من استخدم ألفاظا نابية 0كالشتائم، والقذف وكان الهدف من هذه الإجراءات التطهيرية هو: تحقيق الإخاء والصفاء بين الناس وترشيد العلاقات الاجتماعية وفق ما يرضى الله. ولما كانت المفاسد منتشرة بأقبح صورها فقد كانت العقوبات المقررة صارمة جدا للردع.
    3- ولما كان الفساد الجنسي ذا أثر كبير على الانحطاط الخلقي، ولما كان غلاء المهور من عوائق الزواج، قرر المهدي تسهيل الزواج وتحديد نفقاته بسلطة الدولة. كتب في منشور بتاريخ 1300هـ 1883م الآتي إلى كافة أحبابه: "لا تزيد العزبة (مهرها) على 5 ريال ولا البكر على 10 ريال واللباس لا يزيد على ثوبين. وكل هذا خروجا من المباهاة وحب الدنيا. فما زاد على ما ذكرت فما دام أن المال لله ومبذول للجهاد في سبيل الله وعليه البيعة، فلا يخلو من سرقة، حيث لا إذن منا على ذلك ، فلازم أن يؤخذ منه للمساكين والمجاهدين في سبيل الله. أي حدد نفقات الزواج وجعل العقوبة على مخالفة ذلك مصادرة مال الجاني لأنه متلاعب بأمواله وهي في الحقيقة مال الله فإن لم يرغ فيها الاستقامة أخذت منه لتوضع في مصالح الجماعة.
    4- وكان التوجيه الاجتماعي مناهضا للعادات السودانية البالية. وفي هذا الصدد كتب خليفة المهدي منشورا بتاريخ رمضان 1302هـ (يونيو 1885م) جاء فيه: "وكان المهدي عليه السلام نهى عن الحلف بالحرام والطلاق وقال يؤدب الفاعل وكفارة اليمين فيها. ونهى عن جعل الصمغ في رؤوس النساء". وحدد خليفة المهدي عقوبات لمخالفة هذه الأمور ثم قال: "فيكون العمل بمقتضى منشورنا هذا في المسائل الثلاثة وهي الحلف بالحرام، والطلاق، والصمغ، من وقت تنبيهنا هذا".
    وقال: " وكان المهدي عليه السلام نهى عن الفراش على الميت وبلغني أنه جارى فعل ذلك ورأينا أنه من الآن فصاعدا من بعد اجتماع الناس لتجهيز الميت ودفنه إذا عادوا وفعلوا الفراش وفرشوا له كالعادة السابقة فيؤخذ نصف مال الميت نفسه ونصف مال وليه الذي فرش له ويورد هذا لبيت المال. وإلا فأيهما له مال فيؤخذ نصفه ويورد كذلك جزاء على المخالفة وزجرا عن الإعادة لها".
    وكذلك كان النواح على الميت ممنوعا منعا باتا. وكان الإمام المهدي يقول أن موت الأحباب تذكرة لنا بتفاهة الدنيا وتحبيب لنا بالآخرة ولذلك فإن النظر في موت الأحباب بعين البصيرة يظهر فيه خيرا. قال المهدي في منشور إلى كافة أحبابه في ربيع آخر 1302هـ فبراير 1885م الآتي: "ومن الأحباب هو أعظم منفر لنا من دار السراب إلى ليم الأحباب في دار المآب. ولما كانت لا ولاية إلا ولاية الله فالحجاب عنها بولاية غيره شئوم فالأولى للعبد زواله عنه للاكتفاء بالله الذي لا يدوم سواه".
    وشدد المهدي على منع تبرج النساء ومنع الزينة البراقة وأوصى أن يكون التحلي بالسوميت والصدف والمرجان واللولو وأبطل حفلات اللهو. ومنع لباس شعر العارية(الشعر المكذوب) ومنع الحد وتسويد الباب حزنا وأبطل جميع أعمال السحر والشعوذة والرقي والتمايم وغيرها.
    5- ومن الإرشاد الاجتماعي محاربة لبس أزياء الترك (المقصود اللباس الأجنبي عموما) ففي منشور بتاريخ ذو الحجة 1300هـ قال المهدي: "كل ما يؤدي إلى التشبه بالترك الكفرة الركوة كما قال تعالى في الحديث القدسي: قل لعبادي المتوجهين إلى لا يدخلوا مداخل أعدائي، ولا يلبسوا ملابس أعدائي، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي. فمن اللباس البرنيطة والبورى: وكل الذي يكون من علاماتهم ولباسهم فاتركوه. وتخلقوا بأخلاق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين".
    ومنع المهدي من ضرب السلاح فرحا وبطرا إذ قال: " لا تقتدوا بالترك الظالمين الذين نسوا الله واستقبلوا النعمة بالفرح والفخر وبضرب البنادق والمدافع". وأمر المهدي بسجدة الشكر عند الفرح قائلا: " وقد سجدنا شكرا لله على نصره الدين فافعلوا أنتم كذلك".
    وحارب كل العادات التي تورث التنافر والتفاخر بين الناس فلا يقتحم أحد بجواده الناس ولا يسل سيفه في غير موقف القتال. ويراعي الجميع قانونا عام يورث التعاون والمحبة بين الناس.." وعلى قدر ما يمكنكم انفعوا المؤمنين وأزيلوا عنهم جميع الضرر فإن من أضعف الإيمان إزالة الأذى عن الطريق".
    تلك النماذج المختصرة ضربنا بها المثل لبيان جوهر الهداية التي أفصحت عنها دعوة الإمام المهدي وفي وثائق المهدية المزيد لطالب.

    إنتهى الفصل السابع...
                  

03-28-2004, 07:17 AM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)



    إن الله لا يضيع أجر من احسن عملا
    جزاك الله خيرا اخي على
    هذا الجهد المقدر وعلى
    اتحافك لنابتنويرك للقراء
    بتاريخ لا يمكن أن يجهل
    أو يُتجاهل

    ,د الشيخ







                  

03-28-2004, 01:05 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: ود الشيخ)

    العزيز ود الشيخ
    عميق الود وخالص التحايا
    حقيقة إفتقدتك في الأيام الخوالي
    أمنياتي أن تكون بخير.

    أمافيما يتعلق بالكتاب فإن المتبقى فقط فصلين
    الفصل الثامن يتحدث عن شبهات حول المهدية... وهو فصل فيه رد شاف على كثير من الشبهات التي تحوم حول المهدية والمهدي.

    الفصل التاسع وهو خاتمة وفيه تلخيص لكل فصول ومضمون الكتاب

    أتمنى أن يشبع الكتاب رغباتك ورغباتنا جميعاً...
                  

03-30-2004, 07:48 PM

الصادق خليفة
<aالصادق خليفة
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 2351

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الاخ وراق

    تحياتي ،،

    نحن في انتظار بقية الكتاب ،، و تسلم على الجهد الجبار ،،

    تسلم و السلام
    الصادق خليفة
                  

03-31-2004, 05:31 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: الصادق خليفة)

    الحبيب الصادق
    هاك بقية فصول الكتاب بالتتابع
    وهما فقط فصلين.. الثامن والخاتمة.
                  

03-31-2004, 06:49 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل الثامن

    شبهات

    لا أحد يدعي العصمة الكاملة للمهدية. نحن معشر المسلمين نعلم أن التصويب وارد في حق جميع البشر. والله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن مواضع تقويم لبعض تصرفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
    قال تعالى مخاطبا النبي: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) .
    وقال: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) .
    وقال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) .
    وما دمنا ندرك ذلك فلا بد أن ندرك أن التقويم والتصويب وارد في جميع أعمال البشر. ولكن الذي راح عن تاريخ المهدية وعقيدتها وفكرها ونظامها هو ما كتبه خصومه الدخلاء الذين تسلموا أمر السودان على بحر من الدم. وكانوا قد مهدوا للغزو بدعاية حربية واسعة، وبعد الغزو واجهتهم مقاومة راح ضحيتها آلاف الشهداء وبقدر ما بالغ المدافعون عن حياض الدين والوطن في التضحية والفداء بالغ الغزاة في الوحشية واستخدام السلاح الحديث للأذى والإبادة.
    وبعد المذابح التي لم يشهد القرن التاسع عشر لها مثيلا اهتم ونجيت باشا رئيس قلم مخابرات الغزاة بالكتابة عن المهدية تاريخا وعقيدة ونظاما، فكتب واستكتب الأذناب، فطلوا المهدية طلاء أسود. ولم يقف التشويه عند حد الكذب في تاريخ الأحداث واستهجان النظم بل تناول بالتشويه العقيدة والفكر راميا وراء ذلك إلى هدفين: أولهما- عزلها تماما عن منطلقها الإسلامي وبيئتها الواسعة ليمسك عن التعاطف معها المسلمون في كل مكان، ولكيلا يحسب قادتهم الانقضاض على المهدية انقضاضا على كيان إسلامي. وثانيهما- عزلها في البيئة السودانية ليستريح السودانيون المتعاونون مع دولة الغزاة على سلامة موقفهم من الناحية الدينية. فانبرت الأقلام تؤلف وتترجم وتنشر إرادة الغزاة. ومع أن الأيام كفت بعض أصداء تلك الحملة فإن تساؤلات عديدة ما زالت عالقة ببعض الأذهان عن المهدية ولا شك عندي أن الباحثين سوف يتناولون شئون المهدية من كل جانب ويطلعون على حقائقها. وفيما يلي سوف أتناول تساؤلات هامة محاولا بيان حقيقة الأمر فيها.
    (1) العبادات في الإسلام تامة والمهدي ألزم أنصاره بقراءة الراتب في الصباح والمساء كأنه عبادة فكيف يجوز ذلك؟.
    (2) لقد منع المهدي والخليفة الحج إلى بيت الله الحرام والحج لمن استطاع إليه سبيلا ركن من أركان الإسلام؟
    (3) لماذا قاتل المهدي قوما مسلمين؟
    (4) لماذا نبذ المهدي العلماء وهم حفظة الدين؟
    (5) قول المهدي: " أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة.. الخ".
    الراتب
    راتب الإمام المهدي ديوان للمعاني الروحية الإسلامية وجرعة مكونة من تلك المعاني لتيسير تناولها والاهتداء بها. فيما يلي بيان ذلك:
    1- الراتب هو دعاء، وتسبيح، وتحميد، وذكر، وصلاة على النبي تقرأ في وقتين أمر الله أن يخصصا للتسبيخ والذكر هما الأول: ما بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، والثاني: ما بد العصر وقبل غروب الشمس.
    أما الآيات التي تحث على الذكر، والدعاء، والصلاة على النبي بإكثار فهي:
    قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) .
    وقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).
    وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .
    وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .
    والآيات التي تخصص الوقتين المذكورين المختارين لهذا الذكر والتسبيح والدعاء هي:
    قال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) .
    وقال: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) .
    وقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) .
    وقال: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) .
    من أدلة الحديث عن الذكر في الصباح:
    عن معاذ بن أنس الجهني رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قعد في مصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر .
    وقال صلى الله عليه وسلم: " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد بذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " .
                  

03-31-2004, 06:52 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمره: " كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاة حتى تطلع الشمس".
    وعن ذكر الله في المساء:
    روى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يذكره من رحمة ربه يقول أنه قال: " يا ابن آدم اذكرني بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما .
    والمعهود حسب التوجيه قراءة الراتب في جماعة وفي شكل حلقة. وفي الأثر تحسين لذكر الله في جماعة في شكل حلقة.
    عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".
    عن أنس رضى الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قيل وما رياض الجنة؟ قال: "رياض الجنة حلق القرآن".
    2- ولو أن راتب الإمام المهدي اشتمل على وصف الله بما لم يصف به نفسه تعالى ولا وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو القسم عليه بخلقه، أو بحقوقهم عليه دون إذنه، أو القسم بغيره، أو وصف رسول الله بما لا يصح وصفه به أو إسناد أفعال نابية إليه، أو الغلو في وصف الرسول بما لا يليق إلا لخالقه.. لو اشتمل الراتب على هذه الأمور لكان خروجا عن قصد السبيل.
    ويمكننا أن نتخذ هذه الأمور مقاييس لقياس سلامة أو انحراف رواتب وأوراد الذاكرين. فإن صحت الأفكار عندنا بهذا المقياس فلا مجال للنقد والتجريح بل الإشادة والاستزادة.
    وراتب الإمام المهدي مبرأ من تلك العيوب. إن راتب المهدي مكون من آيات قرآنية واردة في مستهله وعلى طوله وفي خواتمه. وهو تطلع للاهتداء بالقرآن. وبدعوات مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويشتمل كذلك على حمد لله، والشهادة بوحدانيته، وبرسالة نبيه، والتوبة إليه تعالى، واستغفاره وتسبيحه، وطلبه الهداية والتوكل عليه، ونسبة الأمور كلها إليه، والصلاة على رسول الله والاستعداد لاتباع سنته، والثناء عليه وعلى آله وصحبه، والدعوة للتضحية في سبيل الله وإذكاء روح الفداء، وتأكيد الصبر على الشدائد والمشاق، والزهد في الدنيا وطردها من الإحاطة بالقلب، والشوق للقاء الله، ومناجاة الخالق مناجاة العبد المجرم المسيء الراجع إلى مولاه خاضعا تائبا منكسرا.
    هذه هي المعاني التي اشتمل عليها الراتب دون سواها وفيما يلي نماذج منها:
    الآيات القرآنية في متن الراتب:
    توضح أمهات كتب التفسير مثل الطبري، وابن كثير، وصحاح كتب الحديث مثل البخاري أن لبعض السور ولبعض الآيات بركات خاصة-مثال ذلك:
    " عن أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم، ثم قال لي لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" .
    وهناك عشر آيات من البقرة وردت في الراتب روى عنها ابن مسعود الأثر الآتي: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة: أربع آيات من أولها، وآية الكرسي، وآيتان بعدها، وثلاث آيات من آخرها.
    وفي الراتب عامة تتلى مائة وواحد وخمسين آية قرآنية فمنها ما تقرأ مرة واحدة، ومنها ما تكرر ثلاث مرات، ومنها ما تكرر سبع مرات، وهي في جملتها تبلغ حوالي ثلث الراتب.
    الاهتداء بالقرآن:
    في الراتب ذوب قرآني فريد جعل الراتب كله قبسا من نور الذكر الحكيم وتداخلت فيه الدعوات والآيات تداخلا يسكب في القلوب فيضا من نور القرآن وهدية يربط المواظبين على قراءة الراتب رباطا وثيقا بالقرآن وتلاوته وتدبر معانية والعمل بما فيه، ويكفينا دليلا يسيرا على هذه الدعوة: "وأسألك الهم بأن لك الحمد لا إله إلا أنت بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام، صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله واجعلنا من خاصة أهل الصدق والصفا، وأجذب قلوبنا إلى ما عندك زلفى، وعظم حبنا فيك وفي القرآن كلامك إلى حين الوفاة، ولقائك على الصفا، إنك أنت ولي المصطفي فاجعلنا من المصطفين عندك يا أرحم الراحمين. ويا من اضطرت الخلائق كلها إليه، فلا ملجأ لها إلا إليه، إذ هو الآخذ بنواصيها، فمنه مبدؤها واليه يلجيها، ويا من انزل لها قرآنا يحييها، وآياته لو نزلت على الصم الراسيات لخشعت من عظم ما فيها، ولما سمعتها جماعة من الجن اهتدت من حسن معانيها فوحدت بها باريها، ولما تنورت منها أقبلت على قومها منذرة من طيب معانيها، فنسألك ربنا أن نقذفها في قلوبنا ومن الغفلة عنها برحمتك ورأفتك تنجيها، وأنت أعلم بنا منا وقد قلت ولقد كرمنا بني آدم وبفضلك علينا قد انشأتنا من آدم عليه السلام الذي حمل نور من أنزلت عليه آيات القرآن التي عظمت مثانيها، وكان لها من الله ثناء وتنويها، فنورنا بها يا من عظمت مثانيها، وكان لها من الله ثناء وتنويها، فنورنا بها يا من بعثت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لينقذ العباد من غضب باريها وجعلته حريصا علينا رؤوفا بنا لإخراجنا من التيها، ولو رحمتنا وبرحمتك عقلناها وفتحت في قلوبنا أعينا تعيها، فنحن أولى بالبأثر بكلامك من الجبال الصم الراسيات إذ مننت علينا بنور الفؤاد وحواس الخيرات فارحمنا يا ربنا كما انك خلقتنا في أحسن تقويم، وأنقذنا من السقوط في اسفل سافلين بإيمان صادق بما أنزلت، لنؤثر ما عندك على ما ذممته مما اختبرتنا به من خيال هذه الدار، التي هي ليست بمحل قرار، وارفعنا من سفليتها إلى ما رفعت إليه الأخيار، وفهمنا حسن كلامك وما فيه ن الأسرار، ونورنا به من ظلمة السفل والإيار، يا واحد يا رحيم ياغفار.."
    وفي الراتب تتكرر المواقف التي تطلب الاهتداء بالقرآن مثل قوله: "فسلم قلوبنا من النظر لسواك، وأملاها من أنوارك العظام، واجعل القرآن العظيم ضوءها من الظلام".
    وقوله: "اقذف في قلوبنا عظمتك، وهيبة كلامك، وفهمنا ما فيه من المعاني الدالة إليك".
    وقوله: " إن تهب لنا حلاوة القرآن، وأن تبين لنا المعنى فيه أحسن البيان وأن توفقنا على العمل بما فيه يا رحمن".. وهكذا.
    الدعوات المأثورة:
    من يطلع على تفسيري الطبري وابن كثير، والصحيحين، وعلى كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، يقف على طائفة من الدعوات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والدعوات الواردة في الراتب كلها وراد عنها الخبر في تلك المصادر مثال ذلك:
    في كتاب الدعوات في تصحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا اله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر من صنعت، أبوء لك بنعمتك علىّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وهذه الدعوة تتكرر ثلاث مرات في الراتب. وهكذا سائر الدعاء من المأثور.
    حمد الله:
    الحمد لله يتخلل الراتب كله فبه يبدأ الراتب بفاتحة الأنعام: " الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون". وقد ورد عن مطلع الأنعام أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها ما رواه جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى قوله (ويعلم ما تكسبون) يكتب له الملائكة أجرا، ويحجب من وسوسة الشيطان ويظله الله يوم لا ظل إلا ظله.
    وبحمد الله تعالى افتتح الإمام المهدي كل فصل من فصول الراتب الأربعة فالأول يبدأ بآيات الحمد من فاتحة الأنعام كما ذكرنا آنفا والدعاء يقرأ قبل المسبعات افتتح بقوله:" الحمد لك يا الله حمدا يوافي نعمك ويكافئ مزيدك ولك الحمد لذاتك حمدا يوافي مرضاتك..
                  

03-31-2004, 06:56 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    والدعاء الذي يقرأ قبل الآيات القرآنية افتتح بقوله:
    " اللهم يا رب العالمين لك الحمد لذاتك يا من يستحق جميع الحمد ولك الحمد على ما أنعمت وأعطيت كل القصد، وزدت من رحمتك وفضلك ما لم يكن بالعد، فأحمدك اللهم حمدا يرضيك، وبحمدك صل وسلم وبارك على سيدنا محمد دليلنا إلى مراضيك".
    والدعاء الذي يسبق تلاوة حزب القرآن افتتح بقوله:
    "اللهم أني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدكم القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم."
    وفي الراتب صيغات أخرى لحمد الله تعالى.
    والتشهد:
    قال في الراتب: "اللهم إني أصبحت أشهدك حملة عرشك، وملائكتك وأنبيائك وجميع خلقك، بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا محمدا عبدك ورسولك."
    وقال: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأنا أشهد بما شهد الله به وملائكته وأولوا العلم واستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (ثلاثا) وهكذا.
    التوبة:
    وردت في صيغات مختلفة مثل قوله في الراتب:
    "فسبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين، فلم يكن لي قول إلا أن اقر بظلمي واطلب منك المغفرة والتوبة والتوفيق والتولية في كل شان، فاغفر لي وتب على ووفقني وتولني يا من تولى كل ذي ولاية فلم يكن له من نفسه مكان وليس له من غيرك حال في جميع الأزمان".
    والاستغفار:
    تكرر الاستغفار وتنوع مثل قوله في الراتب: "استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا".
    التسبيح:
    تعددت جميع معاني الذكر كالتسبيح، والتكبير، والتعظيم، مثل قوله في الراتب: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" وهذه تكرر سبع مرات؟
    وطلب الهداية:
    وهذا طلب تكرر كثيرا مثل قوله في الراتب: " اللهم إن عفوك عن ذنوبي، وتجاوزك عن خطيئتي، وسترك على قبيح عملي، أطمعني أن أسألك ما لا استوجبه مما قصرت فيه، أدعوك آمنا وأسألك مستأنسا فإنك المحسن إلى، وأنا المسئ إلى نفسي فيما بيني وبينك، تتودد إلى بنعمك، أتبغض إليك بالمعاصي، ولكن الثقة بك، حملتني على الجرأة عليك، فعد بفضلك وإحسانك على أنك أنت التواب الرحيم".
    وهذا جزء من دعاء يكرر ثلاث مرات.
    وقوله: "فانقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك صلى الله عليه وسلم لأجلك يا من بيده الأكوان. آمين. وحقق اللهم إيماني وكمله مع نور الإيمان بلحمي ودمي ومخي وعظمي بعد أن تجعله في سويداء قلبي وتعظم نوره في لبي.." وهكذا.
    التوكل على الله:
    تعددت صيغ التوكل على الله مثل قوله في الراتب:
    "بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله، ما كان من نعمه فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أني آمنت بالله، ورجعت إلى الله، وتوكلت على الله، واعتصمت بالله، فوضت أمري إلى الله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله". يكرر ثلاثا.
    وقوله في التوكل: "اللهم إني تبرأت إليك من نفسي وتعوذت بك منها ومن جميع ما يصدني عنك، وتوكلت عليك ثقة بك وانبت إليك اختيارا لك، وايثارا لما عندك، فلا تؤاخذني يا رب بعيبي فتكلني إلى من يصدني عنك ويقعدني عن حسن وعدك والتنور بنورك.."
    نسبة كل الأمور لله:
    تكرر هذا المعنى في الراتب مثل قوله: "الهي اجعل ذكرك قمري في الليالي، وشمسي في ظلمة الأهوال، واجعل التفكر في عظمتك انسي، والاكتفاء بك والنظر إليك نصب عيني في جميع الأحوال واجعل لقاءك مأملي في جميع ساعات الليل والنهار.."
    وقوله: " فاجعل مطمع قلوبنا إليك ولا تجعل نظرها إلى ما كان من عدم وكذا حقيقته الراهنة بغيرك عدم، وسيعود ما فر من ظاهرها عدم، فعرفنا بالحقيقة يا ذا الكرم، فإن أمورنا بيدك وأنت بنا أعلم.."
    الصلاة على رسول الله:
    جاءت أكثر من عشر صيغ للصلاة على رسول الله في الراتب وبعضها يقرأ مرة وبعضها يكرر أكثر من مرة:
    "اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره، ورحمة للعالمين ظهوره عدد من مضى من خلقك ومن بقى، ومن سعد منهم ومن شقى، صلاة تستغرق العد، وتحيط بالحد، صلاة لا غاية لها ولا منتهى ولا الفساد، صلاة دائمة بدوامك، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مثل ذلك". عشر مرات.
    وقوله: "اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها أعلا الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات، من جميع الخيرات، في الحياة وبعد الممات.." وهكذا.
    التمسك بالتزام السنة:
    جاء في الراتب قوله: ".. وتغمدنا برحمتك وأوصلنا بنبيك المختار وأجعلنا على أثره، ولا تزغ بنا سكته، إذ بيدك تواصينا".
                  

03-31-2004, 06:59 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وجاء فيه: ".. فنسألك اللهم بحق كل كريم عندك وبجميع الأنوار، وبنور الأنوار، أن تفصل علينا بما تحب وترضى على التخلق بخلق نبيك صلى الله عليه وسلم. وأحسن لنا على نهجه بأحسن القدم، آمين يا رب العالمين.." وهكذا.
    تأكيد معاني التضحية والفداء والصبر على المشقة:
    جاء في الراتب قوله: "واجعل لنا منك نصيرا على أنفسنا وشياطين الإنس والجن، واجعل بدلها في قلوبنا نورك لنفسي بالصدق، ونقوم بالحق ولا نتزلزل عن رضائك إلى يوم لقائك يا أرحم الراحمين". يكرر ثلاث مرات.
    وجاء فيه: "اللهم اجعلنا من العارفين لحسن قدرك، الصابرين عليه رجاء لوعدك، ورغبة في الصلوات، والرحمة مع هدايتك، واجعلنا ممن آثر المسكنة لحسن الوعد الدائم عندك، ولا تجعلنا ممن آثر الشئون الفانية مع ذمك، والشهوات الزائلة مع تبعيدها عنك، واجعلنا ممن آثر التقوى والوفاق، الصبر على الشدايد والمشاق، رغبة في دوام القرب والتلاق وقوي نورنا ليهون علينا ذلك..".
    والآيات القرآنية التي تذكر الشدة والنعمة الآتية بعدها واردة في أماكن مختلفة من الراتب نحو قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) .
    وكذلك آيات الصمود مثل قوله تعالى: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) .
    الزهد في الدنيا والشوق للقاء الله:
    جاء في الراتب قوله مناجيا ربه.."أن تهب لنا حلاوة ذكرك، وهيبة حضرتك، ومعرفة عظمتك، وخوف سطوتك، ورجاء رحمتك، والطمع فيما عندك والشوق إليك، وشدة الحب فيك، وإيثارك في كل حال، والنظر إلى قدسك وجمالك والجلال، وأزل من قلوبنا الغفلة عنك، والالتفات إلى شئ دونك، والمح عنا جميع الاغترار والضلال، وجنبنا عدم المبالاة بوعدك ووعيدك، واجعلنا بفضلك على ما تحب وترضى، وقربنا منك في كل حال. ولا تجعل في قلوبنا ركونا لشيء من الدنيا يا أرحم الراحمين.(ثلاثا).
    وجاء فيه مناجيا الله: ".. فاصدق حسن ظننا بك، حتى لا نلجأ إلى غيرك ولا نلتفت إلى شيء ليس له شيء معك، وعظم نورنا حتى نقوى على شهودك، وتعظيم كلامك، فنأخذ منه بالمحبة الكاملة مع شدة الاشتياق إليك، يا نور النور، ويا من بيده الأكوان والدهور، لا تؤاخذنا يا رب بعيوبنا فتصرفنا عن قربك والتعظيم لك، فإنا مشتاقون إليك فحقق شوقنا لك، إذ أن أمورنا كلها بيدك، ولا تحرك لنا حاسة إلا بك، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا اقل من ذلك لأنا لا نجد خيرا من سواك".
    وجاء في الراتب قوله: "واقذف في قلوبنا حبك وعظمة كلامك والعمل بأوامرك فيه وشوقنا إلى لقائك يا أرحم الراحمين".
    ويناجي الإمام المهدي ربه مناجاة الذليل المنكسر لسيده، قال في الراتب:
    "ونسألك اللهم بحق أسمائك المكنونة العظيمة، وبما فيها من الأسرار، أن تستجيب لنا دعاءنا ولا تردنا عن بابك ولا تطردنا من جنابك بما علمته فينا من العيب يا رحيم يا ستار، وتغمدنا برحمتك وأوصلنا بنبيك المختار.."
    وقال في الراتب: "يا من يعطي للحقير عظيم الإحسان، فلا أحقر ممني إن لم تتولني فأنقذني إلى ما عندك لاؤثرك على جميع ما كان فلا تردني إلى المهاوي، بما علمته في من المساوئ، برحمتك يا أرحم الراحمين، فلا أعرف إلا فضلك مع كثرة دواعي السقوط في الأطيان فأنقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك صلى الله عليه وسلم..".
    وقال مناجيا ربه: "يا هادي المضلين، ويا راحم المذنبين، ويا مقبل عثرات العاثرين، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم، والمسلمين كلهم أجمعين، واجعلنا مع الأحياء المرزوقين الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
    وبعد الفراغ من الراتب تحميدا وتسبيحا وتهليلا وتكبيرا يكون بمثابة المقدمة لحزب من القرآن يتلى في الصباح وحزب آخر يتلى في المساء يكون المرء قد قرأ على الأقل جزءا من القرآن كل يوم.
    ويختتم القرآن كل شهر كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمر رضى الله عنهما: "اقرأ القرآن في شهر قلت: إني أجد قوة حتى قال: اقرأه في سبع ولا ترد عن ذلك" .
    لقد وجه الإمام المهدي أتباعه على سكة رسول الله إن يتناولوا هذه الوجبة الروحية من ذكر مأثور وقرآن مرتين في اليوم في ساعتي الإجابة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها تطهرا لنفوسهم، وحجابا من الوسواس الخناس، وسحنا لطاقاتهم الروحية الإيمانية الوجدانية وأعدادا لهم لتحمل مهمة بعث الإسلام حيا فتيا وتحرير دياره من غانه إلى فرغانة.
    الحج إلى بيت الله
    1. الحرص على تأمين طريق الحج وإزالة العوائق في سبيله كله حق أريد بها باطل. لقد كتب غردون للإمام المهدي وفيما بعد كتشنر للأمير عبد الرحمن النجومي وغيرهما من رجال الدولة الخديوية مظهرين الإشفاق على انقطاع سبل الحج بسبب القتال في الدائر في السودان.
    2. وحقيقة الأمر هي أن الدعوة المهدية كانت موجهة لبعث الإسلام في كل دياره ولطرد المتسلطين عليها ولوضع حد لخلافة آل عثمان لأنها فقدت المؤهلات ونتيجة لذلك نشأت حرب جهادية بين المهدي في السودان والخلافة التركية، وكان السلطان عبد الحميد والخديوي توفيق يبسطان سلطانهما على طريق الحج وعلى الأراضي المقدسة. فلم يكن ثمة بد من مصاولة ذلك السلطان بالجهاد في سبيل الله وتحرير ديار الإسلام من السلطان الجائر المفارق لكتاب الله وسنة رسوله وإقامة الشريعة الإسلامية وتوحيد الأمة الإسلامية حول قيادة مؤهلة وعندئذ يطيب للمسلمين ممارسة شعائر الحج. لقد كان الإمام المهدي يعتبر الحرمين في أسر وما دام الموقف كذلك فلا سبيل لممارسة فريضة الحج في ظروف تسيطر على الحرمين سلطة معادية، قال تعالى مشيرا لظروف مماثلة: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) أي أن ظروف القهر تمنع أداء الحج.
                  

03-31-2004, 07:01 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    3. لقد كان واضحا من رد المهدي على المشفقين على الحج وزيارة قبر الرسول من رجال الدولة التركية أنه كان يعتبر إشفاقهم زائفا وأنه كان يرى الحج فريضة واجبة الأداء في ظروف قادمة وإليك الشواهد:
    (أ‌) في رده على يوسف حسن الشلالي بتاريخ 4 رجب 1299هـ- مايو 1881م.
    قال المهدي:
    " وقولكم قم واحضر عندنا وتوجه بنا إلى محل الهدى: مكة المشرفة فاعلموا أن توجهنا إنما يكون بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يريده الله".
    (ب‌) وفي رده على غردون بتاريخ 11 جماد أول 1301هـ الموافق مارس 1884م قال الإمام المهدي:
    " وكيف من يكون على خلاف سكة رسول الله يفتح باب زيارة قبره؟ ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن يرغب في زيارة الكلاب. كما ورد: أن الدنيا جيفة وطلابها كلاب. ولم يرغب ممن عبد غير الله، ونسى الله، وأعرض عن كلامه، وطلت متاع الحياة الدنيا الفانية. فإن كنت شفيقا على المسلمين فبالأولى أشفق على نفسك وخلصها من سخط خالقها، وقومها على ابتاع دين الحق، واتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أحيا ما اندرس من ملل الأنبياء والمرسلين وأتى مصدقا لما بين يديه من الكتاب لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولو حضروا لما سلكوا غير ملته".
    إن موقف المهدية من الحج هو أنه فريضة من فرائض الإسلام حال دون أدائها الجهاد في سبيل الله الذي كان متوقعا أن يبلغ الأراضي المقدسة فيقهر فيها سلطان آل عثمان فيعيد للإسلام سيرته التي كان عليها في الصدر الأول. وتراث المهدية الأدبي عامة وفي المدائح خاصة واضح في الإفصاح عن هذه الأهداف.
    قتال المسلمين
    لقد روينا آنفا حديث اختلاف أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب حول قتال مانعي الزكاة. ورأينا أن أبا بكر قال بقتالهم لأنهم منعوا الزكاة وأن عمر قال بأن نطقهم بالشهادة يعصم دمائهم وأموالهم حسب ما جاء في الحديث المذكور. وكان موقف أبي بكر هو أن النص إذا اختلفت الظروف يدور مع المصلحة العامة: فالحديث يخص موقف النبي من أهل بيئة جاهلية تجافي دعوة التوحيد في أساسها. فالنطق بشهادة الإسلام يكفي للانتقال بهؤلاء من الجاهلية العمياء إلى الإسلام. أما الموقف أيام أبي بكر فكان يخص مانعي الزكاة وهم قوم كانوا قد أسلموا وعملوا بواجبات الدين الجديد. هؤلاء لا يكفي في أمرهم النطق بشهادة الإسلام لأن انتقالهم من إيتاء الزكاة إلى منعها خطوة للوراء. لذلك لم يتقيد أبو بكر بالنص وحده بل راعي ظروفه وهذا هو السلوك الصحيح لمن يعتبر الدين حيا لا نصوصا دستورية صماء. وقال أبو بكر وفعل ما قال: والله لو منعوني عتاقا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
    ومن هذه الخلفية نبحث موقف الإمام المهدي من قتال قوم نطقوا بشهادة الإسلام.
    قال الإمام المهدي مشيرا إلى بداية نشاطه الإصلاحي في خطاب بتاريخ شعبان 1298هـ 1881م أنه كان يدعو للإصلاح بوسيلة سلمية فردية: " وقد كنت قبل ذلك ساعيا في إحياء الدين وتقويم السنة".
    وكان المهدي لا يجد استجابة كافية لدعوة الإصلاح هذه. قال في خطابه للشيخ ود بقوي بتاريخ شوال 1298هـ : "ثم أني نبهت على بعض المشايخ وما أدركت من الأمراء ولم يساعدني على ذلك أحد".
    وكان المهدي يلمس مفارقات واضحة: فالدولة تدعي أنها إسلامية ولكنها تفعل الآتي:
    1. تفوض غير المسلمين على حكم المسلمين مثل غردون، وجسي، وسلاطين، وبيكر، وغيرهم وتجبر المسلمين على دفع الجزية وما شاكلها من ضرائب فادحة.
    2. وتسمح الدولة بالمفاسد الممارسة جهرا من بغاء وشراب خمر حتى أن المهدي وبعض تلاميذه كانوا يسيرون في بعض شوارع الخرطوم فعرضن البغايا لهن أنفسهن.
    3. وتمنع تطبيق الأحكام الشرعية فقد كان المهدي جالسا مع قاضي الكوة فشكت امرأة للقاضي شخصا شرب عندها خمرا ولم يدفع لها الثمن. فكان المهدي ينتظر أن يطبق القاضي حكم الشريعة في شارب الخمر وبائعها لا أن يحكم في أمر الثمن الذي لم يدفع. فقال للقاضي: " احكم يا قاضي الإسلام" واعتذر القاضي بأن الأحكام التي عليه تطبيقها لا تشتمل على ذلك فخرج المهدي من مجلسه غاضبا.
    لتلك الأسباب وغيرها كثير في سيرته وحياته استقر في ذهن المهدي بحق أن ادعاء تلك الدولة أنها إسلامية إدعاء باطل.
                  

03-31-2004, 07:04 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وفي مرحلة تالية عندما أعلن المهدي دعوته وجاهر بها أرسلت إليه الحكومة قوة لاعتقاله فهزمها. ثم تتالت اعتداءات الحكومة عليه حتى دبرت له مباغتة لقتله هو وأنصاره. قام راشد بك أيمن على رأس قوة هدفها محاصرة المهدي وأنصاره في قدير والانقضاض عليهم بغتة. فأخفقت مساعيهم وانتصر المهدي. وهكذا استمر الصدام بين المهدي الذي جهر بدعوة إسلامية تحريرية والحكومة التي اعتبرته مارقا وجندت ضده قوتها. ولم يكن المهدي معتديا في حروبه وقد كان يسبقها في كل حالة بالإنذار الكافي وكانت الحكومة دائما معتدية لا تراعي معه أدب الحرب وتحاول الغدر به وبجماعته. لقد كان المهدي يدعو لبعث الإسلام وتطبيق الشريعة وطرد الإنجليز وغيرهم من الفرنجة ولرفع المظالم عن كاهل الناس ويقول إن موقفه ينطلق من أنه مكلف بالخلافة الكبرى عن الرسول أي المهدية. وكانت الحكومة ترفض تلك المطالب مدعية أن كل شيء على ما يرام وترفض الاعتراف بحقه في قيادة أي دعوة. لذلك لم يكن من الحرب بين الطرفين بد. ولكن هل مسئولية إراقة الدماء تقع على عاتق المهدي أم الحكومة التركية؟.
    الإمام المهدي رد على هذا الموقف بجلاء قائلا:
    (أ‌) في رده على غردون بتاريخ جمادى الأولى 1301هـ الآتي: " وليكن معلوم عندك يا حضرة الباشا أن جميع الذين قتلوا على يدي قد أنذرتهم أولا إنذارا بليغا وهاهو واصل إليك إنذار ولد الشلالي من بعد مخاطبته لي وإنذار هكس بأجوبة عديدة للعامة وجواب مخصوص له ولأكابر جيشه. وقد أرسلنا إلى باشا الأبيض بجواب فقتل رسلنا".
    (ب‌) وفي الرد على ولد الشلالي أوضح بعض مبررات قتاله للحكومة الظالمة قال بتاريخ رجب 1299هـ الآتي:
    "وقولكم إن الذين قتلناهم من العسكر مسلمون ومتبعون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم نسأل عن دمائهم بين يدي الله باطل لأن القطب الدرديري قد نص في باب المحاربة على أن أمراء مصر وعساكرهم وجميع أتباعهم محاربون لأخذ أموال المسلمين منهم كرها فيجوز قتلهم كما قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ...) .
    لقد عرفت في أراء المسلمين نظرتان للحاكم الظالم: نظرة القعود والسلبية وهي التي تقول أن الحاكم مطاع ولا تشترط للطاعة عدلا ولا استقامة أخلاق. ونظرة أخرى هي التي انطلقت منها قوله أمير المؤمنين أبي بكر الصديق: إن أحسنت فسددوني وإن أسأت فقوموني. والتي انطلقت منها قوله المؤمن الذي رد على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قائلا: لئن أخطأت لقومناك بسيوفنا. وهي التي بموجبها قال الإمام مالك رضى الله عنه: ليس على مستكره طلاقة . هذه النظرة هي الإسلامية الأصلية وهي التي تمنح القائمين بأمر الإصلاح ونداء العدل شرعية إسلامية هي في أضيق معانيها شرعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي معناها الواسع فإنها تبيح منازلة الباطل بكل الوسائل.
    الموقف من العلماء
    1. كلمة عالم ذات معان عديدة والمعنى المفضل لدينا هو ذلك الشخص الذي نال تأهيلا فقهيا في معهد نظامي وربما اشتغل بالتدريس أو القضاء، أو الإفتاء، في الأجهزة الرسمية لدولة الفونج أن دولة التركية التي قامت بعدها في السودان.
    2. ومنذ أن تردد على ألسنة بعض الفقهاء أن باب الاجتهاد قد قفل في القرن الرابع الهجري نشأ اختلاف في المجتمع الإسلامي بين الذين تمسكوا بالمذاهب المعتمدة من ناحية، وبين أولئك الذين رفضوا دعوة قفل باب الاجتهاد وانطلقوا في الفكر الشيعي، أو العقلي، أو الصوفي، من الناحية الأخرى. وقد أوضحنا تعاريج هذه الخلافات في مكان سابق.
    وكانت الدولة الإسلامية السنية مثل الدولة العباسية ثم الدولة العثمانية توظف العلماء في الإفتاء والقضاء والتدريس. فكانون يميلون لتقليد المذاهب المعروفة ولمساندة النظام الحاكم.
    وكانت الاتجاهات الثورية في ظل النظام العباسي والعلماني تهل من مصادر شيعية، أو عقلية، أو صوفية وكان هؤلاء يعرضون عن التقليد للمذاهب. لذلك نشأ نزاع حاد بين الاتجاهين: اتجاه المقلدين وغير المقلدين.
    وكتابات الإمام الغزالي اصدق معبر عن مدى التباين الفكري بين نظرة المقلدين ومخالفيهم
    3. وفي السودان كان العلماء يشغلون بعض وظائف القضاء والإفتاء والتدريس في ظل دولة الفونج وكان مشايخ الطرق الصوفية، وهم ينهلون من مصادر فكرية مخالفة لمصادر العلماء، يكونون الزوايا والطرق ويجمعون الجماهير حولهم ويقضون لهم حاجاتهم أحيانا لدى حكام الفونج. وكان موقف مشايخ الطرق هو الأرجح لأن الروايات الواردة عن تلك الفترة تروي الصراع وتروي انتهاءه لصالح رجال الطريق.
    وعندما قامت الدولة التركية في السودان أدخلت عددا من العلماء ووجهتهم لكسب الأهالي لجانب الدولة الجديدة. وكانت دواوين الدولة الجديدة وأجهزتها التدريسية، والقضائية والإفتائية أكثر وأوسع من أجهزة دولة الفونج مما ضاعف عدد العلماء. وقد صار ارتباط العلماء بالدولة أكبر وأعمق.
    4. وعندما قامت الدعوة المهدية كان معظم العلماء يتخذون موقفا عدائيا منها للأسباب الآتية:
    (‌أ) لارتباطهم بالدولة القائمة فدافعوا عنها وقاموا الحركة الثائرة الموجه ضدها.
    (‌ب) لالتزامهم بالنظرة النقلية بحثوا الدعوة المهدية من ناحية النصوص وحدها، وعندما وجدوا عدم تطابق بين بعض النصوص أعلنوا بطلان الدعوة. وهذا التعلق بالنصوص منطقي مع موقف ينكر استطاعة الإنسان الحصول على معارف بوسائل وجدانية إلهامية.
    5. لم يكن موقف المهدي ضد العلماء كعلماء فقد كان هو حريصا على التعلم والمزيد منه أخذ عليهم المآخذ الآتية:
    ( أ ) إنكارهم للمعرفة عن طريق الوسائل الإلهامية جعلهم عبيدا للنصوص وحدها وحاولوا تقييد إرادة الله بنصوص منقولة والنصوص لا تقيد إرادة الله فالآيات نسختها آيات، والأحاديث نسختها أحاديث مما يدل على أن النص وحده لا يقيد إرادة الله. فإنه يفعل ما يشاء ويختار. والعلماء الذين ربطوا أنفسهم بالنصوص وحده وقيدوا إرادة الله وقيدوا مداركهم وصاروا يقدسون الشكل لا الجوهر ويحكون النص وحده لا المصلحة معه. فتمادوا في تأييد حكم ظلم الناس وأباحوا المفاسد بحجة شكلية: هي وجوب طاعة ولي الأمر.
    (‌ج) وإنهم لا يعلمون بما يعلمون بل ينافقون وهذا ما أخذه المهدي عليهم بعنف فهم يعلمون وجوب تطبيق الشريعة وعدم جواز ولاية الإفرنج ولكنهم لا يفعلون شيئا في هذا الصدد بل يقبلون ما يقرر ولاة نعمتهم دون مراعاة للحق. بل يحرفون الحقائق نفسها إرضاء لولاة الأمر. فقد كان غردون وهو محاصر في الخرطوم ينتظر ارتفاع النيل ليستخدم الوابورات في فك الحصار عن الخرطوم وليسهل على نجدة الإنجليز الوصول إليه. وفي تلك السنة ارتفع النيل مع حلول شهر رمضان المعظم وكان غردون يرى أن الصيام يعطل أغراضه فلجأ لعلماء الخرطوم ليبيحوا الفطر والحرب في شهر رمضان ففعلوا ذلك وأفتوا بجواز الفطر والحرب في رمضان بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة في رمضان!!!
    إن هذا الاتجاه: الا يعملوا بما يعلمون، وأن يطوعوا الحقائق لمصلحة الحكام- هو الذي جعل الإمام المهدي يطلق عليهم عبارة علماء السوء.
    لم يكن المهدي ضد العلم والتعليم بل كان حريصا عليهما، ولم يكن كل العلماء ضد دعوته فقد ناصرها عدد كبير منهم. ولكن ربط المعرفة والهداية بالنصوص وحدها، والتسليم بما يفعل الحكام مهما كان باطلا، والرضا بظلم الناس واستغلالهم، وتلبية مطالب الحكام مهما كانت مزيفة هي أسباب ما اشتهر من موقف المهدي من مقلدة العلماء.
                  

03-31-2004, 07:09 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    إخبار النبي
    قال الإمام المهدي: " أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة في حال الصحة خاليا من الموانع الشرعية لا بنوم، ولا جذب، ولا سكر، ولا جنون متصفا بصفات العقل أقفو اثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بما أمر به والنهي عما نهى عنه..الخ".
    وذكرنا أن الشيخ الأمين الضرير انتقد هذه العبارة بما خلاصته:
    (‌أ) إننا لا نجد في منقول الأدلة رؤية أحد الصحابة للنبي بعد وفاته مع شدة حاجتهم لذلك خاصة عندما اختلفوا في الخلافة،ولم يبايعوا أبا بكر إلا بعد مشقة روتها كتب السيرة.
    (‌ب) إن مغادرة جسد النبي لقبره ومقابلته للناس حيا في الدنيا أمر يجافي المعقول ولا يؤبه له.
    وهذا صحيح ولكنه لا ينال من عبارة المهدي شيئا. فالمهدي لم يقل: رأيت رسول الله حيا، ولا قابلته، بل قال: "أخبرني" والإخبار المقصود وسائله روحية لا يدخل ضمنها مقابلة النبي بجسده. وهذا النوع من الأخبار معروف في التراث الروحي الإسلامي ذكره وأيد حدوثه كثير من الأئمة. ومما قال الإمام الغزالي في هذا الصدد عن الذين ينالون القربى الروحية: إنهم يصلون إلى حالة.. " تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد" .
    والمهدي وصف حالته لدى وقوع ذلك الإخبار باليقظة والخلو من الموانع الشرعية ولكنه لم يتعرض لوصف حال الرسول مصدر ذلك الإخبار ولم يقل أنه التقى به حيا لأن الاتصال الروحي بالنبي صلى الله عليه وسلم أمر معروف في التراث الإسلامي عامة وفي التراث الديني السوداني خاصة. وعندما التبس هذا الأمر على يوسف حسن الشلالي باشا أوضح المهدي المخاطبة المقصودة في جوابه له في 1299هـ 1882م قائلا: " المخاطبة النبوية تعتبر أمرا مفتوحا لكل أهل الكشف.." .
    وهذه الصلات الروحية سواء التي تقع لبعض الناس يقظة أو التي تحدث في الرؤيا الصادقة صلات ذاتية لا يطلع على كيفيتها إلا الأشخاص الذين يجربونها. ومن هذه التجارب ما هو هواجس كاذبة ومنها ما هو صادق. ومن المخبرين عنها صادقون ومنهم كاذبون مفترون. وفي سيرة عيسى عليه السلام أنه سئل: كيف تفرق بين الحق والباطل في هذه المزاعم؟ فأجاب: من ثمارها تعرفونها.
    وإخبار المهدي صلة ذاتية لا يعلم كيفيتها إلا هو. ولكن بين يدينا في أمرها مقاييس: إنه شخص شهد له بالصدق والأمانة ك من تعاملوا معه من صديق وعدو: لقد عف أن يكذب على الناس فهل يكذب على الله ورسوله؟ اللهم لا. ومقياس آخر: ألم ينتصر للإسلام، ويطرد عنه الأباطيل، ويحارب أعداءه ونصر حقائقه؟
    اللهم نعم. ومقياس ثالث: ألم يستجيب الناس لدعوته بإخلاص فاق كل المعهود؟ اللهم نعم. وقال الشيخ حسن الزهراء واصفا هذا الإقبال الفريد والاستجابة المنقطعة النظير: "وقد دعا إلى الله في حال لا يطمع غيره أن يطيعه فيها بنوه وإخوانه، فإذا الدهر بما فيه أنصاره وأعوانه" .
    إن التراث الروحي الإسلامي حافل بالحديث عن أخبار ومكاشفات، وهواتف واتصالات نبوية. والمدعون لها منهم صادقون وكاذبون ودليل الصدق أن يكون معهودا في سلوك صاحبه، وأن تكون لأقواله وأفعاله ثمرات يانعات في ميزان الفضيلة والحق، وهذه المقاييس تقلد الإمام المهدي بقلائد الصدق والأمانة".
    هذه هي الحكمة والأسانيد التي تطرد تلك الشبهات الخمس المذكورة، وترد عليها بما يؤكد التزام الدعوة جانب الحق. والله يهدي لنوره من يشاء.

    وبهذا يكون الفصل الثامن إنتهى... وتبقى فقط الفصل التاسع "الخاتمة"

    (عدل بواسطة إسماعيل وراق on 03-31-2004, 07:12 PM)

                  

03-31-2004, 07:16 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الأخ وراق
    بافتراض ان الأنصار لا علاقة لهم بالشيعة

    هل محمد احمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر ومن كان في انتظاره
    و هل هو مهدي أم مجدد مائة وهل هنالك عدة مهديين أم مهدي واحدوهل هي نسخ بالكربون أم مختلفة وهل هو منتظر للمعمورة كافة أم لفئة محدودة وبالنسبة لأنصار السودان لماذا إحتفظوا بإسم المهدي في نسيهم ولماذا إنحصرت الإمامة فيهم ولماذا لم يجسدوا تضحيات الإمامة و لماذا إستشرى التنازع بينهم
    ولك تقديري
                  

03-31-2004, 07:23 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: jini)

    الأخ جني
    أسئلتك جميلة وهي دون شك أسئلة مشروعة... وستجد الإجابة عليها كاملة غير منقوصة بعد الإنتهاء من تفريغ الكتاب.. بعدها سنترك الفرصة للنقاش (زي ما بقولوا ناس الأركان)..
    وأتمنى أن تكون معنا على الخط.

    ختاماً لك عميق ودي.
                  

04-05-2004, 05:03 PM

الصادق خليفة
<aالصادق خليفة
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 2351

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الاخ / وراق

    تحياتي ، في انتظار باقي الكتاب وبطل شحتفة روح يا اخي .

    لك ودي الصادق خليفة
                  

04-07-2004, 04:03 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: الصادق خليفة)

    حسناً الحبيب الصادق
    لك ما تود وتشتهي.،
                  

04-07-2004, 04:12 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    الفصل التاسع

    خاتمة

    الحركات التاريخية بعضها يثير ضجة ثم ينطوي، وبعضها يستقر في نفوس الناس لتبقى له حياة وصوله حتى بعد نهاية الدولة التي أقامها واحتمى بها. هذا البقاء المستمر في العقول والقلوب هو مقياس الانتصار الحقيقي للدعوات وبيان المساحة التي تحتلها في تاريخ الإنسان.
    والدعوة المهدية دخلت في نزاع دموي مع كل الدول المستعمرة التي كانت تسيطر على المناطق المحيطة بالسودان فنازلت بريطانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، وتركيا العثمانية، ومصر الخديوية التي كانت في واقع الأمر مطية وقادته بريطانيا واستخدمت فيه أحدث الأسلحة يومئذ، والتنظيم والتدريب العسكري الدقيق، ومواصلات المجتمع الصناعي ووجهت كل ذلك في حرب هدفها إبادة الوجود المهدوي وتصفية قيادته تصفية جسدية. لقد كان الانتقام والثأر من أهداف الحرب المعلنة فخرج القائد البريطاني كتشنر من كل آداب الحرب ونظم القتال ليقطع دابر الدعوة المهدية وأهلها فيمحو أثرها تماما. لقد انتصر المنتقم عسكريا ووضع حدا للدولة المهدية في معركة كرري. فماذا بقى من الدعوة بعد أن سقطت الراية في كرري؟
    لقد تركت الدعوة المهدية أثرا إنسانيا عاما، وموقفا إسلاميا، وتراثا سودانيا وجذوة حية في نفوس من آمنوا بها وبايع أسلافهم عليها: الأنصار.
    وفيما يلي نذكر الآثار وهي متداخلة غير متعارضة ولكننا قسمناها توضيحا لمعانيها.
    الأثر الإنساني العام
    لقد أداء الدعوة المهدية في معاركها لتحرير البلاد ثم لحمايتها من الغزو دليلا على فيض روح التضحية والفداء لا حد له. قال ستيوارت وهو يعلق على قتال الأمير عثمان دقنة وجنوده: وا أسفاه أن تضطرنا الأيام لقتال هؤلاء الرجال البواسل ! وقال تشرشل: حدثت كتب التاريخ عن التضحية والإقدام اللذين قاتل بهما قلة من الرجال كثرة تفوقها مالا، ونظاما، وعتادا، ولكن هؤلاء الأنصار واجهوا عدوا يفوقهم بالسلاح الناري الحديث تفوقا بالغا فما ترددوا وما تراجعوا بل تدافعوا مقدمين مصاولين وتساقطوا زرافات ووحدانا. وقال أحد كتاب التاريخ العسكري واسمه وارنر في كتاب نشره قريبا: " ربما وجدنا إذا نقبنا في تاريخ الإنسان جماعة ماثلت في شجاعتها الأنصار، ولكننا قطعا لن نجد مهما بحثنا جماعة فاقتهم شجاعة" .
    والعجيب في أمر هذه الروح أنها خالطت الأنصار في كل تاريخهم وشهد لهم بها كل من عرفهم سواء كان صديقا لهم أو عدوا.
    وفي بداية القرن الحالي لفتت تلك الروح الأنظار في حركة عبد القادر ود حبوبة (1908م) وفي التاريخ المعاصر لمس الجميع وجودها في أحداث مارس 1954م، وفي حوادث المولد في عام 1961م، وفيما وقع من أحداث في الجزيرة أبا وفي شوارع ود نوباوي في مارس 1970. ففي تلك الأحداث هجمت عليهم مباغتة ودون إنذار قوات تفوقهم سلاحا وتدريبا وعتادا فصمدوا وصبروا حتى نالت من الشهادة، والجراح والسجون ما نالت.
    وحتى في النشاط المدني العادي ظهرت تلك الروح في انضباط خارق وأداء متفوق في أوساط الأنصار في أعمال الفلاحة والصناعة.
    لقد كانت تعاليم الإمام المهدي واستمرار خليفته فيها هي التي خلقت تلك الروح. وعندما دالت الدولة وراحت الصولة تعهدتها مجهودات الإمام عبد الرحمن المهدي فانبعثت.
    إذا نظرنا لما حققت الدعوة المهدية في هذا الصدد لوجدنا له أصداء باهرة في الصعيد الإنساني عامة. ذلك أنها دلت على أن التعبئة الوجدانية العميقة وقوة الإيمان لا تعرفان الحدود والقيود. لقد عبر الإمام المهدي عن ذلك بقوله: " إذا كان إيمانكم قويا إذا أشرتم بأدنى قشة يقضى أمركم". إن قوة الإيمان تشحذ همة الإنسان وهمة الإنسان إذا تعلقت بالثريا لنالها. أو كما قال أبو الطيب:
    على قدر أهل العزم تأتي العزائم
    وتأتي على قدر الكرام المكارم.
    فتعظم في عين الصغير صغارها
    وتصغر في عين العظيم العظائم
    تلك هي العبرة الأولى:
    والعبرة الثانية هي دلالتها على عبقرية الرجل العادي: لقد أظهرت الدعوة القيمة المخبوءة في عراة الأجساد، جياع الأكباد، الذين لاحظ لهم من جاه ولا مال ولا ثقافة. لقد آمن هؤلاء الرجال العاديون بالدعوة فاشتعلوا بنورها وصار منهم القائد والإداري والسياسي أيدوا الدعوة وشيدوا الدولة لقد أثبتت أن الإنسان العادي إذا خوطبت أفكاره ومشاعره وربطت همته بقيادة مخلصة ودعوة خالصة صار قوة تلين الحديد وتدني البعيد. الإنسان إذا عرفنا مفتاحه فادر دائما على تجاوز قدراته المحدودة والتحليق فوق سمائه. إنها شاهد من التاريخ على عبقرية الرجل العادي الذي سماه الإمام المهدي في خطاب الدعوة الفقير الذي لا يعبأ به. قال: " .. فلم يساعدني على ذلك أحد حتى استعنت بالله وحده على إقامة الدين وإحياء السنن ووافقني على ذلك جمع من الفقراء الذين لا يعبأ بهم".
    آثارها الإسلامية
    إن للدعوة المهدية آثرا في الموقف الإسلامي في الماضي وأهمية للفكر الإسلامي المعاصر.
    لقد كان المسلمون في بداية عهدهم بالإسلام يتصفون باتحاد الكلمة تصون وحدتهم ظروف ذكرناها سابقا. وقصصنا خبر العوامل التي أدت إلى تفرق الكلمة وحللنا أنواع الخلاف في الفكر الإسلامي. وأوضحنا أن الفرق انطلقت من أصول إسلامية ثم التقط بعضها مؤثرات وافدة فاتسع الخلاف.
                  

04-07-2004, 04:15 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    إن قصة افتراق الفكر الإسلامي ودرجات التفرق جزء لا يتجزأ من قصة الإسلام ومصيره إذ لا سبيل لإسقاط ما طرأ على عقلية المسلمين وتمنى العودة إلى حالة التقليد الأولى لأن ما طرأ صار راسبا في وعي المسلم وفي باطنه. إن ما طرأ على الفكر الإسلامي هو ما وصفه الإمام الغزالي كانكسار الزجاجة التي لا يتم إصلاحها بعد ذلك إلا بإذابتها وسبكها من جديد. وهذا هو ما فعله عمالقة الفكر الإسلامي في مجالات مختلفة. فالإمام الشافعي في ميدان الفقه لم يحاول إلغاء الصراع بين أهل الرأي وأهل الحديث، بل انطلق من الاعتراف به لتقديم مذهب يحقق مستوى أعلى من الوحدة بين الحديث، والرأي. وهكذا فعل الإمام الأشعري: فإنه لم يحاول إلغاء النزاع بين أهل النقل والعقل، بل قدم مدرسة تحقق مستوى أعلى من نهجي العقل والنقل. وكذلك فعل الإمام الغزالي بالنسبة للصراع الفكري القائم في زمانه: لم يقل بقفل العيون عن التفلسف كما قال بعض معاصريه، بل تناول من الفلسفة ما استطاع ومن التفقه، ومن التصوف، وقدم لنا هديا إسلاميا مستنيرا بكل تطورات الفكر حتى أيامه. وكان نهج هؤلاء الأئمة الغوص في لجة النزاعات القائمة واستلهام الله والتعرض لنفحاته ثم الأطلال على الدنيا بالاتجاه المهتدي. وسنرى أن هداية الإمام المهدي تتجاوز صراعات الفكر الإسلامي وتقدم هديا إسلاميا يمكن أن يحقق مستوى أعلى من الوفاق واتحاد الكلمة. لا أعني أن الإمام المهدي عالج هذه الأمور نظريا ثم قدم نداءه. بل إذا نظرنا لطبيعته الشخصية قبل المهدية لوجدناه يميل للهدوء والإصلاح الذاتي لا التعرض لقضايا صناعة التاريخ. ومن ذلك ما كتب يصف حاله قبل المهدية إذ قال.." وهو أني كنت في ابتداء أمري عازما على التوكل الخالص وعدم الالتفات لمخلوق أبدا إيثارا لما عند الله وكنت إذا حصلت لي ضرورة من جوع أو عرى أو غير ذلك أعد ذلك من النعم وأحمد الله عليها.."
    كان هذا الانصراف للنقاء الذاتي هو طبعه الشخصي. ولكنه كان إذا صادفته الأباطيل مجاهرا بإدانته وغضبه. وفي مرحلة لاحقة من حياته "هجمت " عليه المهدية فتغير تغييرا شاملا وتحولت كل طاقاته لأعمال إيجابية.
    وكما هجمت عليه المهدية دون إرادة منه وتحضير بالاستنتاج والاستدلال، هجمت عليه الهداية التي أفصحت عنها كتاباته. وإذا بحثنا معالم تلك الهداية لوجدناها مستوعبة لمعالم الفكر والتجربة الإسلامية في مستوى أعلى من الوحدة والوفاق فصار كل السيد في جوف الفرا. وكتابات الإمام المهدي وأقواله تشير إلى هذه المعاني:
    وإليك البيان:
    ( 1 ) كان الإمام المهدي حريصا على احترام النص في استخدام الأدلة الشرعية لذلك قال ما جاءكم منسوبا لي إذا وجدتموه مخالفا للقرآن والسنة فاضربوا به عرض الحائط، وهذا الحرص على النصوص يطابق موقف أهل السنة. وكان المهدي يكن احتراما خاصا لائمة المذاهب وهم ركائز أهل السنة وما قاله في أمرهم لا ينتقص شيئا من قدرهم. فقد كان معترفا بفضلهم واجتهادهم. ولكنه أعرض عن التفرق الذي جلبه التعصب المذهبي فرفع المذاهب واهتدى بالنصوص الأصلية.
    (2) والشواهد التي قدمناها مرارا توضح أن الإمام المهدي كان يقول إن حياة الدين تقتضي مراعاة الظروف في تحديد وتطبيق الأحكام الشرعية، وهذا معنى قوله في خطاب بتاريخ 1301هـ "فلكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال". وهذا الاتجاه يطابق ما قال به المعتدلون من أصحاب المذهب العقلي.
    (3) وكان المهدي يقر دور مشايخ الطرق في الماضي وقد قدمنا الشواهد على ذلك من أقواله. ولكنه كان يعلم أن ظروف توحيد كلمة المسلمين، وضرورة الخروج من نهج السبحة والخلوة إلى نهج الحزم والعزم، تجاوزت دور الطرق الصوفية. هذا كما أن المهدي كان يأخذ بكثير من وسائل الصوفية المعتدلة ويلح على أن للواجبات الدينية أغوارا روحية لا بد من إشباعها.
    (4) ودعوة المهدي خالفت التراث الشيعي في كثير من الأمور فلم تقبل عقيدة الأئمة الاثني عشر، ولم تفترض أن للمهدي كتابا مقدسا سريا، ولم تقلل من شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم تربط بين رابطة الدم وقيادة الدين. لكنها طابقت التراث الشيعي المعتدل في تأكيد أهمية القيادة الدينية المفوضة تفويضا شاملا بموجب البيعة.
    (5) ولم يقرن الإمام المهدي بين الإمامة والوراثة الهاشمية فبعض أهل السنة جعلوا النسب القرشي شرطا للخلافة، والشيعة جعلوا النسب الهاشمي الفاطمي شرطا للإمامة، أما الدعوة المهدية فلم تشترط من ذلك شيئا وكان الرجل الثاني بعد المهدي شخصا لا تربطه بالمهدي أي قرابة من الدم والرحم سوى إخلاصه للدعوة.
    هذا الاتجاه يماثل رأي أصحاب قطري بن الفجأة .
    لقد استوعبت الدعوة المهدية تيارات قوية من تيارات الفكر الإسلامي وهضمتها وتجاوزت تعددها وتفرقها بوحدة ربطتها بإحياء الكتاب والسنة معيدة الفروع إلى الأصول صاهرة الكل في بوتقة جديدة: لقد سبكتها سبكا جديدا. لقد نسجت الخيوط المتنافرة في ثوب إسلامي واحد فأعطت مثلا وأبانت وسيلة للبعث الإسلامي في زمانها وفي الزمان اللاحق.
                  

04-07-2004, 04:18 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    أثرها السوداني
    (1) إقليم السودان الحالي مكون من إقليمي سلطنتي الفونج والفور وما امتد بينهما شمالا وجنوبا. وهذان الإقليمان لم يعرفا الاتحاد في تاريخهما القديم بل ساد بين السلطنتين النفور والنزاع. وعندما سقطت سلطنة الفونج في يد الغزو التركي في عام 1820م ظلت سلطنة الفور مستقلة حتى سقطت في عام 1875م على الزبير باشا . ولكن الزبير لم يجن ثمار فتحه لأن حاكم السودان يومئذ علاء الدين باشا ادعى الفتح لنفسه وخدع الزبير باشا فسافر إلى مصر بحثا عن الإنصاف فتم اعتقاله في القاهرة. أما إقليم دارفور فتم ضمه إلى إدارة السودان الموحد فكان هذا أول اتحاد بين الإقليمين: اتحاد تم بإرادة الغزاة.
    وبعد ست سنوات من ضم دارفور انطلقت الدعوة المهدية وكانت تستقطب جماهير دارفور وتخاطب فيهم نفس العوامل التي خاطبتها في بقية أجزاء السودان مما أدى إلى عصيان أهل دارفور لحاكمهم سلاطين باشا. وعندما أدرك سلاطين باشا درجة التجاوب بين الأهالي للدعوة المهدية حاول إرضاءهم بإعلان إسلامه ثم استسلم وسلم القيادة للأمير محمد خالد زقل الذي عينه المهدي عاملا على دارفور. كانت المهدية أول حركة تخاطب وجدان جميع أهل السودان وتجمع بينهم في مسيرة واحدة. إنها أول تاريخ مشترك بين أهل السودان وتجمع بينهم في مسيرة واحدة. إنها أول تاريخ مشترك بين أهل الإقليمين وما بينهما وأول عمل اشتركوا فيه معا قيادة وجماهير لذلك يحق لنا أن نقول إنها أول صنع للوجود السوداني بكيانه المعروف. إنها لأهل السودان كلهم الدعوة المؤسسة لوحدتهم الناسخة على الصعيد الشعبي وفي النطاق الوجداني لانشطارهم.
    (2) وهي الدعوة الموحدة لأهل السودان بمعنى آخر: ذلك إنها تجاوزت بهم روابط الطريقة والقبلية للانخراط في سلك بناء واحد وأداء واحد. إنها لم تلغ القبائل والطرق، فتلك النظم جزء من واقع لا يمكن إلغاؤه بالتعليمات ولكنا رشدت ذلك الواقع وإذابته في كيان أوسع: كانت القمة المنطقية لمواقع النمو في المجتمع السوداني.
    إن التجديد الحقيقي لا ينكر الواقع الماثل بل يعرفه ويعرف سلبياته وإيجابياته فيطرح السلبيات ويستصحب الإيجابيات. وهذا ما فعلته الدعوة المهدية بالواقع السوداني فأخرجه من دروب مفرقة إلى درب عريض.
    (3) ولأول مرة في تاريخ السودان اشتركت العناصر العربية والمستعربة، والنيلية والحامية، في حماس لحركة واحدة. لقد كان التنافر بين العناصر العربية وغير العربية كبيرا في داخل كيان سلطنة الفونج، وفي داخل كيان سلطنة الفور وكانت العناصر العربية تشكل المعارضة لدولة الفونج وكانت القبائل العربية تشكل معارضة لسلطنة الفور. هذا التفرق والتمزق نسخته الدعوة المهدية وانخرطت في سلك الدعوة القبائل المستعربة والحامية وبعض النيلية قتمت المشاركة في زحف واحد ومصير واحد لأول مرة.
    وكان أمراء المهدية من كل إقليم وقبيلة وكان الحماس لها لدى المسلاتي والرزيقي، والبرتاوي، والجعلي، والحمري، والبديري، والدنقلاوي، والبرقاوي، والكاهلي، والفوراوي، والبجاوي، والشلكاوي، والعبادي الخ.. هكذا كأنها أقامت عصبة لقبائل السودان. ومع أن بعض القبائل تخلفت عن هذا فإن بطونا منها وأفرادا ذوي بأس شاركوا في المسيرة العامة.
    (4) وكانت المهدية أول تحد شامل للحكم الأجنبي الدخيل في البلاد. لقد واجه الأتراك غداة غزو السودان مقاومة من بعض القبائل وكانت لقبائل الشايقية وقفة قوية في وجه الغزاة. ثم نصب زعيم قبيلة الجعليين فخا لإسماعيل باشا بن محمد على لأن إسماعيل أساء التصرف في معاملة أهله فأعد له ولمن معه ثم أحرقهم بالنار ليلا. وواجه الغزاة أيضا عصيان في كسلا ومقاومة مستمرة من سلطنة الفور التي ظلت مرفوعة الرأس ولم تسقط إلا بعد عشرات السنين من الفتح التركي لإقليم سلطنة الفونج . تلك هي وجوه المقاومة التي وجدها السلطان التركي في السودان ويضاف إليها أنواع من المقاومة السلبية والمدنية كالامتناع عن دفع الضرائب ونحوها من موقف مشهودة لبعض رجال الدين ورجال القبائل.
    (5) وكانت الحركة المهدية بمثابة إعلان وتعريف بالسودان ترابا وأهلا. فقد كان السودان قبلها ذا تاريخ قديم طواه النسيان وصار قبيل المهدية محافظة نائية من محافظات مصر الخديوية منزوية تتأثر بالأحداث ولا تؤثر فيها. ولكن بعد قيام الدعوة المهدية صار السودان مسرح أحداث عظام وقف العالم الإسلامي، والعربي، والأفريقي، والأوروبي والأسيوي يشاهدها ويتتبع أحوالها من موقع التعاطف في عالم إسلامي يتطلع للبعث والاتحاد، وعالم عربي يتحرق للتخلص من الظلم العثماني ولرد الكرامة العربية السليبة، وعالم أفريقي وآسيوي يتغنى بالخلاص من السلطان الأوروبي ويطرب طربا هائلا للحركات التي تتحداه تنازله تهزمه . ومن موقع الإشفاق والخوف في عالم أوروبي كان يرى أن ازدهاره الاقتصادي وضمان حصوله على المواد الخام وعلى الأسواق مقرونا بفرض الأسر والاستعمار والحماية على الأقطار الأخرى. لقد كانت أحداث شدت انتباه العالم كله وقذفت بالسودان إلى الأمام في مسرح التاريخ فخلقت له ولأهله اسما ذائع الصيت ما زال صداه يتردد. لقد صار السودان في لغة السياسة الدولية أول شعب تحرر بذاته من نير الظلم التركي والتحالف الأوروبي.
    الباقون على الإيمان بها
    الأنصار هم الجماعة التي بايعت الإمام المهدي وقبلت دعوته وهم قوم تجمعوا حول الدعوة من طرق شتى وقبائل متفرقة واستمروا على عهدهم بالرغم من سقوط الدولة المهدية. وهذا الكتاب ترجمان للعقائد، والأفكار، والمشاعر، والتعاليم التي يزخر بها تراثهم وتقوم عليها تربيتهم. ومقالي هذا محاولة لرسم مكونات عقيدة وشخصية الأنصار وبيان موقع الدعوة التي آمنوا بها في الإسلام.
                  

04-07-2004, 04:21 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    إن دعوة المهدي لم تمت بعد الغزو الثنائي واستشهاد خليفة المهدي والخليفة على ود حلو والخليفة شريف وأبناء المهدي والأمراء بل عاشت في الضمائر وتحصنت بالقلوب. وكان الحكم الدخيل يدرك مدى إيمان أهلها بها لذلك أعد برنامجا مكثفا لمحوها من النفوس تماما. فمنع قراءة الراتب وقراءة منشورات المهدي وخليفته ودعم موقف كل من اتخذ موقفا عدائيا من المهدية وجرد الذين اتهموا بميل نحوها من كل شيء ومنع من بقى من أبناء المهدي من التسمي ببنوة المهدي.
    وكانت التوجيهات الصادرة للإداريين في كل أنحاء السودان أن يقتلعوا كل جذر للدعوة المهدي فطبقوا سياسة صارمة هدفها استئصال الاتجاه الأنصار بحزم وحسم وكان من أولى حملات الإبادة لمن بقي من قادة الأنصار الهجوم على بقايا أسرة المهدي المقيمة في العراء في منطقة الشكابة بالنيل الأزرق. وفي ذلك الهجوم قتل جنود الحكومة الخليفة شريف وابني المهدي الفاضل والبشرى وغيرهم من أعيان الأنصار وكان معهم طفل في الثالثة عشر من عمره من أبناء المهدي يدعى عبد الرحمن الصادق. هذا الطفل ضرب بالرصاص كما ضرب الآخرون ولكنه لم يمت.
    لقد شب الفتى عبد الرحمن الصادق فوجد دعوة أبيه ما زالت مستقرة في نفوس بعض الناس. ولكن مجرد الدليل على وجودها كان كافيا لتقوم الحكومة بحملة إبادة. وكانت الحكومة القائمة حكومة قوية بما يدعمها من موارد أجنبية وينفذ أمرها جيش حديث التسليح والتنظيم تمده الإمبراطورية البريطانية في عز قوتها. ولم يكن السيد عبد الرحمن معتبرا زعيما لبقايا الأنصار فالنظام القائم لا يعترف لهم بوجود ولا زعامة والخلفاء الذين عينهم المهدي وربما توارثوا الخلافة بعده استشهدوا جميعا والأمراء الكبار كانوا في الأسر والمنفي في مصر. هذا الفراغ في قيادة الأنصار مع وجود العقيدة في النفوس حض كثيرا من رجالات الأنصار على التصدي لقيادتهم فنهض عدد من الثوار باسمهم مثل عبد القادر ود حبوبة في الجزيرة، والفكي سنين في كبكابية بدارفور وحركة الشريف محمد الأمين في تقلي وانتفاضات في سنجة، وتلودي، وغيرها من بقاع السودان. وكانت الحكومة تبطش بهذه الحركات بطشا عنيفا. ولكن الجذوة لم تمت. وبالصبر الطويل والمعاناة استطاع السيد عبد الرحمن أن يصبح زعيما فعليا لبقايا الأنصار فوثقوا به وسلموه زمامهم. وبعد صبر ومصابرة بدأ يجدد معهم بيعة الإمام المهدي مختطا نهجا جديدا أوضحه قائلا:
    "البيعة تابعة لأمر الدين وتعديل الإمام القائم لها حسب ظروف الأزمنة مع سلامة العبادات واتباع الأثر. وهي لازمة لمن أقام عليها ولم ينقص حرفا منها إلا ما كان بحكم القهر. فإن الرضا بمراد الله يوجب التحليل منه لأنه مراد. وإن تفسير الجهاد بأنه جهاد النفس لا يختلف عن غيره خصوصا إذا تفهمنا أغراض الإمام المهدي في الجهاد وأنه دعا الخلق أولا إلى الله بغيرة. وأخيرا أمر بالجهاد تحقيقا بأنه على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئ.
    وزهد الدنيا وتركها أمر كان مطلوبا للتفرغ لجهاد العدو. أنا الآن فإن طلب الحلال فيها بالكسب الحلال واجب خصوصا إذا كان بذل الكسب في سبي الله معيشة الأولاد. وإننا في هاتين النقطتين نقر البيعة كما هي.
    ولما كان لقوام الإنسان في دينه حالتان نور يفيض على القلوب وسلطان يتحكم في الأبدان فإن أمرنا أن تكون بيعتنا بيعة رضا".
    ومن أراد مزيدا من بيان نهج الإمام عبد الرحمن الصادق وتفسيره لاستمرار العهد بين حاضره وماضي دعوة الإمام المهدي فليطلع على ذلك في كتاب جهاد في سبيل الاستقلال .
    وفي ذلك الكتاب يوضح الإمام عبد الرحمن الآتي:
    1. أنه جارى أحوال الزمن المحيط، وحفظ دعوة المهدي في جوهرها، وحفظ للأنصار سلامة العبادات واتباع الأثر، وحفظ روحهم الفدائية كما هي.
    2. أنه دعا لاستقلال السودان لرد كرامة أهل السودان في وجه من ادعوا السيادة عليهم. وأن الواجب اقتضاه أن يلح على استقلال السودان لنفض حق الفتح الثنائي الذي كان بعض الطامعين في السودان يرتبون عليه نتائج معينة. لا بد أن يقرر السودانيون مصيرهم دون اعتراف بحق الفتح لأحد.
    على هذه الاتجاهات سار الإمام عبد الرحمن الصادق يجمع فلول الأنصار من جديد ويجدد معهم العهد ويؤسس المساجد لتعليم القرآن والراتب وواجبات العبادة ويحافظ على روح الفداء في الأنصار ويقيم قرى (كوميونات) دينية النموذج الأول لها هو المجتمع الطاهر الذي أقامه في الجزيرة أبا. فكان مجتمعا يضم أشتاتا من قبائل السودان ويعيش حياة تكافل في ظل هداية الدين واقتداء بذلك المجتمع سارت كثير من القرى مثل الهدى والنورانية، والرحمانية وغيرها من البقاع في النيل الأبيض، والأزرق وفي كردفان دارفور والقضارف وفي بعض مناطق المديرية الشمالية هكذا كتب للأنصار عمر جديد واستيقظت في نفوسهم جذوة الدعوة المهدية.
                  

04-07-2004, 04:24 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    البعث الإسلامي
    اليوم ونحن على عتبة الربع الأخير من القرن العشرين ننظر حولنا على خريطة الفكر فماذا نجد؟
    في ضجة صراعات الفكر برزت مدارس محترمة في عالم العلم الفلسفة تعلن أن للإنسان قدرات غير مادية أي أن في تكوينه قبس من روح. واتضح أن الإنسان بكل قدراته مفتقر لوسيلة تتماسك بها شخصيته حتى لا تقتله الحسرة إن فاته ما يطلب، أو يحطمه الخوف إن أحاطت به المخاوف، أو تشتت إرادته الأمور إن لم يستطع التمييز بينها وهكذا. اتضح أن الإنسان كي يحصل على وسيلة تحقق تماسك شخصيته وترشد تفاعله الإيجابي مع ما حوله يفتقر إلى يقين يركن إليه وهن يواجه هواجس النفس وتقلبات ما حوله ويستمد منه مقياسا خلقيا يصنف به الأمور المحيطة به. الإنسان الفرد محتاج إلى يقين ليحيا هذا قانون روحي لا يشذ منه أحد أبدا.
    ودراسة أحوال الجماعة تؤكد أن بقاءها لا يتم بغير نظام والنظام لا يستقيم إلا على أساس خلقي. والأخلاق لها قانون روحي هو الإيثار: إن تحب لغيرك ما تحب لنفسك. ومهما تعددت الملل والنحل والفلسفات والآراء فلا تستقيم حياة الفرد دون يقين ولا حياة الجماعة دون نظام خلقي يحث على الإيثار.
    لقد استطاعت الملل الدينية أن تكفل تلك القوانين الروحية بدرجات متفاوتة وفي كثير من الحالات سيطرت على توجيه الملل الدينية سلطات استغل أفرادها مراكزهم وجعلوا الملة الدينية مطية مصالحهم الشخصية. هذا الموقف جلب نقدا لموقف الدين كله. فقيل إن الدين يزعم أنه يقدم هداية روحية ولكن الذي يحدث هو استغلال السواد الأعظم من الناس لخدمة المصالح المادية لقلة من الناس. أي وجه النقد ضد التدين على أنه يزعم أن الناحية الروحية هي وحدها المهمة بينما يوجه القادة كل همهم لتحقيق مآرب مادية وهذا يزيد من الظلم الاجتماعي فيزداد فقر السواد الأعظم من الناس ويزداد ثراء القلة المميزة. ووجه نقد آخر وهو أن السلطات الدينية تستغل موقعها لتحجر حرية البحث العلمي ونقد ثالث: إن الدين يتدخل في حرية الاعتقاد ويجعل التعايش بين أصحاب ملل مختلفة أمرا مستحيلا.
    تلك الانتقادات وهي في الحقيقة موجهة لأديان معينة أدت إلى انتقاص من شأن الدين بالرغم من وجود الحاجة الإنسانية الماسة ليقين وأساس للأخلاق.
    هذا التعارض بين حاجة الإنسان الملحة لإشباع قوانين روحية معينة كفلتها الأديان وبين وعي اجتماعي واقتصادي وعلمي هو الذي أدى إلى إضعاف الديانة المسيحية في أوروبا وأمريكا. ولكن حاجة الإنسان المستمرة لإرضاء الجانب الروحي في حياته الفردية والجماعية جعلت كثيرا من المفكرين الغربيين يلحون على ضرورة إيجاد قبلة روحية جديدة، فأدى هذا إلى تلفت في الفكر الأوروبي صاغه العالم النفساني الكبير جونق في عبارة: "الإنسان الحديث في بحث عن روح"، وأدى إلى بعث روحي جعل الفكر الأوروبي يحاول إحياء ملل هندية قديمة أو يعبر عن ضيقه بالمادية بحركات الرفض المعروفة .
    وإذا نحن نظرنا إلى الأديان المعروفة اليوم من زاوية مطالب البعث الروحي المشاهد اليوم لوجدنا أن أغلبها يعاني من مشاكل جوهرية تمنعه من تلبية نداء البعث الروحي. فبعضها (مثلا) لا يمكن أن يشبع نداء اليقين لأن في معتقداته أمورا يصعب التصديق بها. فالمؤشرات الإيمانية والعقلية تدل على توحيد الله بينما تشير تلك المعتقدات إلى تعدد الآلهة. وبعض تلك الأديان يناقض قانون الإيثار لأنها تقوم على أساس تصنيف للناس سلالات وطبقات. وبعضها يهدم ركنا من أركان الحياة لأنه لا يعترف بأهمية الناحية المادية في الحياة. وبعضها ينكر وجود أديان أخرى وينكر وجود الظلم الاجتماعي ولذلك فهو لا ينطوي على وسائل لمعالجة الظلم الاجتماعي ولا كيفية التعايش بين الأديان.
    إن دينا واحدا يلبي الحاجة الروحية تلبية مثلي ويلبي المطالب الأخرى فهو يهتم بالعدل الاجتماعي، ويعترف بأهمية الناحية المادية في الحياة، ويعترف بوجود أديان أخرى وينظم علاقته بها في تسامح، ويقر حرية البحث العلمي في مجالاته ولا يقر بوجود سلطة دينية. ذلك الدين هو الإسلام. وكل دين آخر يعيد النظر في بعض عقائده على ضوء الحق الذي أطل برأسه ومطالب الإنسان الروحية والاجتماعية سيجد نفسه يقارب من الإسلام ويتجه نحوه. وخلاصة القول: إن تيارات البعث الاجتماعي الروحي والوعي الاجتماعي الإنساني تشير إلى اتجاه بعث إسلامي.
    وإذا نظرنا للإسلام في واقع أقطاره لوجدنا كما ذكرنا دوافع أخرى للبعث الإسلامي. أوضحنا ظروف الإسلام في أفريقيا بما يفيد ذلك. وفي آسيا وبالرغم من انشطار باكستان فأن موقف الإسلام في شبه القارة الهندية، وفي إندونيسيا، وفي الملايو، وفي الفلبين، وفي إيران، وفي تركيا موقف تنفس بعد جمود. وكانت تركيا مسرح أعنف مشهد في تاريخ الإسلام الحديث. لقد فرت بها قيادتها الكمالية من رحاب الإسلام واتجهت بها نحو بعث القومية الطورانية ملتمسة برنامجا اقتصاديا اجتماعيا مقتبسا من حضارة أوروبا. وبالرغم من هذا كله تشهد تركيا اليوم حركة بعث إسلامي.
    وفي العالم العربي وجد الفكر المادي في بعض الأوساط تجاوبا إذ ركز دعايته على محاربة الاستعمار والظلم الاجتماعي، ووجد الفكر القومي تجاوبا أوسع إذ أقام جبهة مقاومة للتسلط العثماني، وللاستعمار، واستلهم رابطة اللغة، والامتداد الجغرافي، والمصلحة المشتركة، وأدخل في برامجه سياسة عدل اجتماعي. ولكن هذا الفكر القومي وصل مفترق طرق وانطرحت أمامه السبل الآتية:
    (‌أ) أن يقتفي الأثر الكمالي ويحاول أن يقيم القومية والبرنامج الاجتماعي المختار مقام الإسلام ويملأ بهما ساحة الوجود الفكري عاطفة وعقلا.
    (‌ب) إن يعتبر الإسلام وجها من وجوه العبقرية العربية فيحترمه كتراث وإذا أقر له دورا إرشاديا فباعتباره من رسالات السماء جنبا إلى جنب مع المسيحية
    وفي الحالين الأول والثاني تعتبر رسالة القومية العربية هي الرسالة الخالدة وهي الأساس الذي ترد إليه تيارات الفكر والمشاعر.
    (‌ج) الإقرار بأن الرسالة الخالدة هي الإسلام وأن العروبة لعبت دورا بارزا في تاريخ الإسلام فهي بعض منه وليس هو بعضا منها بل يتجاوزها ويشع هداية لا يحدها زمان ولا مكان.
    والقومية في ثياب القبلية الضيقة سبقت الإسلام، وهي في ثوبها الإقليمي الموسع بقيت بعد الإسلام ولعبت دور تعبئة ضد الظلم العثماني وتحرير من الاستعمار وتوعية ولكن قيامها مقام الإسلام ليس واردا أصلا بل الوارد في هذا الصدد أن يفعل بها الإسلام ما فعل طوال تاريخه: احتواء الواقع واستصحاب عناصره الإيجابية وإسقاط سلبياته. وسلبيات القومية الواجب إسقاطها هي: التعصب لرابطة الدم، والاستعلاء على الآخرين واتخاذ الحماس القومي بديلا عن المثل العليا والعدل الاجتماعي.
    وإيجابيات القومية الواجب استصحابها هي: رابطة اللغة، وحب الوطن، وتنظيم المصلحة المشتركة.
    وموقف الإسلام ليس جنبا إلى جنب مع المسيحية أو اليهودية لأنهما تدخلان في تفاصيله ولا يدخل في تفاصيلهما. فالإسلام يعلن أن دين الله واحد نزلت به كل الرسالات خلاصته: التوحيد لله والعمل الصالح للناس.
    (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) .
    وقال: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ..) الآية.
    وقال (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ..) الآية.
    ويعلن الإسلام أن اختلاف الأديان السماوية اختلاف في شرائعها وأ، الشريعة الخاتمة هي أكملها فأثبتت ما أثبتت منها ونسخت من نسخت منها أضافت ما أضافت إليها. ومع ذلك فالإسلام يعامل غيره من أديان السماء بالاعتراف بها وتنظيم التعامل مع أهلها وعدم الإكراه في الدين. وهذه الخصال لا تتوفر في الأديان الأخرى لا في تعاملها مع بعضها ولا في علاقتها بالإسلام. فموقف الإسلام مهيمن على موقفها وليس ماثلا جنبا إلى جنب معها.
    إذن: سواء نظرنا من ناحية نظرية عامة، أو استعرضنا وجودا واقعيا محددا سنجد أن كل المؤشرات تعلن حتمية البعث الإسلامي.
                  

04-07-2004, 04:27 PM

إسماعيل وراق
<aإسماعيل وراق
تاريخ التسجيل: 05-04-2003
مجموع المشاركات: 9391

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)

    وكان بإمكاننا أن نستدل على حتمية ذلك البعث عن طريق داخلي أي من نصوص القرآن فنورد قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) .
    وقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) .
    وقوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) .
    وهذا استدلال يقبله المؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وحدهم. ولكننا هنا سقنا أدلتنا من مشاهدات في الكون وحياة الإنسان للاستدلال على حتمية البعث الإسلامي. وهل الكون والإنسان إلا كتاب آخر من كتب الله؟
    والاستدلال من الكون والإنسان على حقائق الدين وسيلة حث عليها القرآن وأكد جدواها. قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) .
    أن الدعوة التي بحثناها هنا هي دعوة بعث إسلامي في القرن الماضي ولكنها لم تذهب مع الأيام بل بقى منها في نفوس الملايين إخلاص لتكاليف الإسلام بكل الأغوار الروحية التي نطقت بها منشورات الإمام المهدي وراتبه، وبقي منها حماس ديني فريد وتعلق باتحاد المسلمين. وإحياء الدين في سلوك الفرد والجماعة وبقى منها في نفوسهم حب فدائي للوطن الذي سالت دماؤهم في كل رقعة من رقاعه وبقى منها استعداد متلهف لمواصلة رسالة البعث الإسلامي بلسان الزمان ووفق ظروفه: " فلكل وقت ومقام حال".
    الأنصار وغيرهم من أهل السودان شركاء في الوطن وفي المصير الإسلامي، والعربي، والأفريقي، والمصلحة العليا تقتضي أن تعرف كل جماعة ماهيتها وأن تعرف غيرها لا تشجيعا للتفرق والخلاف بل إحاطة بالحقائق وتزودا بها لتحديد الأهداف المشتركة ليتجه الجميع ومن كل موقع صوب القبلة.
    إن عالمنا الإسلامي، العربي، الأفريقي ميئوس منه إذا لم يقتلع نفسه من سبة التفرق والتخلف والتبعية ومن الخطوات الهامة في هذا السبيل أن نعرف حقائق واقعنا الاجتماعي لكي نحركه بالفعل الواعي لا بالوهم.
    لم يعد في الوقت متسع فإن الدول الكبرى بإرادتها الاستعلائية وأحجامها العملاقة ساعية لاقتسام العالم وفرض الوصاية على مصير سكانه. وأن قدراتها على سيادة الدنيا تتزايد يوما بعد يوم فإن نحن لم نفعل شيئا حاسما نوحد به إرادتنا ونحقق تقدمنا فسنكون الأقزام في عالم العمالقة. وسنظل أبدا "بادية" العالم المتقدم و "الخامة" التي يفعل بها ما يشاء.

    وبهذا الفصل يكون كتاب يسألونك عن المهدية قد إنتهى... وتبقى لنا فقط تثبيت المراجع والهوامش.
    مع خالص ودي وتحياتي.،
    محبكم/ إسماعيل فتح الرحمن وراق
                  

04-08-2004, 09:29 AM

ود الشيخ


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يسألونك عن المهدية (Re: إسماعيل وراق)


    أخي إسماعيل

    لا ادري هل اقول شكراً ام ادعو لك منظهر
    غيب ولكن إن الله يحب الشكر فلك عميق امتنانا
    لجهدك الكبير ولكرمك الفائض في إشباع طمعنا
    في شخصكم ولكن لك أن تعذرنا فوجودنا في ارض
    المهجر حرمنا من اشياء كثيرة وهي هجرة كتبت
    علينا لم نسعى لها بارك الله فيك وجزاك عنا الف خير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de