الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست عربيآ".

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 00:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-15-2007, 01:15 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست عربيآ".



    رزنامة الأسبوع:

    يَا لَلرَّوْعَةِ .. أَيُّ نَاسٍ أَنْتُمْ؟!.
    -----------------------------------

    [email protected]

    كمال الجزولي
    [email protected]

    الثلاثاء:
    ----------

    في حواره مع حسن الجزولي كشف محمد وردي أنه رفض ، ابتداءً ، المشاركة في فعاليات (الخرطوم عاصمة للثقافة العربيَّة للعام 2005م) ، كونه تشكك في الأمر برمَّته ، رغم أن الوزير حاول إقناعه بأن المهرجان مقام في إطار الجامعة العربيَّة ، والسودان عضو فيها ، وهي التي ستتولى الصَّرف! وعقب وردي على ذلك بقوله: "ياخي الدولة في الجامعة العربيَّة ، لكن .. أنا شخصياً لست عربياً"! ومضي قائلاًً: "أعلنت أنني لست مؤمناً بذلك .. حضرت اجتماعاً واحداً وابتعدت"! ثمَّ دلف إلى أخطر جانب في حديثه ، بقوله: "في الافتتاح شاركت بدون اقتناع ، غنَّيت جزءاً من نشيد (يقظة شعب) ، لكنني أضفت كلاماً نظمته ارتجالاً بالرطانة قلت فيه: هذا موضوع مفروض علينا ، وأنا لساني ليس عربياً ، لكنهم عرَّبوني رغماً عني"! وأردف: "كلُّ النوبيين كانوا مبسوطين جدَّاً" (الميدان ، 28/8/07).

    إستدعت هذه الواقعة إلى ذاكرتي القرار الذي كانت اتخذته الحركة الشعبيَّة ، مطالع الألفيَّة ، في مؤتمرها بـ (كاودا) بجبال النوبا ، بتحويل لغة التعليم والتخاطب هناك من العربيَّة إلى الانجليزيَّة (راجع كتابنا بعنوان: الآخر ـ بعض إفادة مستعرب مسلم عن أزمة الوحدة المتنوِّعة في السودان ، ط 1 ، منشورات رواق ومدارك ، القاهرة 2006م ، ص 141 ـ 233).

    الواقعتان ، معاً ، آية في الأساليب التي يمكن أن تستخدمها (لغات) الهامش المظلوم للاقتصاص لنفسها من (عربيَّة) المركز الظالم! وهذا ما ظلَّ يحذر منه الوطنيُّون الديموقراطيُّون وسط الجماعة المستعربة المسلمة في بلادنا ، مجاهرين بدعوتهم لإنصاف إثنيَّات (الهامش) ، وبالأخص تشجيع استخدامها للغاتها في تعليم أبنائها ، باعتبار ذلك مطلباً ضروريََّاً لتجاوز ميراث الاستعلاء الذى ظلَّ يُمارَس باسم هذه الجماعة لما يربو على خمسة قرون ، مِمَّا أفضى ، ضمن عوامل أخرى ، لكلِّ هذه الحرائق التي تنتظم البلاد.

    اللغة ، بصرف النظر عن أىِّ تقدير آخر ، تمثلُّ ، لدى كلِّ شعب أو تكوين إثنىٍّ ، نسقاً من الاشارات والرموز يتشكل ، بالأساس ، فى سياق النشاط المادى لهذا الشعب أو التكوين ، فيصوغ ، من خلاله ، بنيته الثقافيَّة الروحيَّة. ومن ثمَّ فهي صورة لفكره ، وعاكس معنويٌّ لعلاقاته ، ومعادلٌ موضوعيٌّ للوجود كله ، بل وأحد أهمِّ العوامل المؤثرة فى تشكيل الوعى الاجتماعى نفسه ، كأداة للمعرفة من جهة ، ولحفظ واستعادة الثقافة الروحيَّة من الجهة الأخرى ، أي كأداة رئيسة للذاكرة الاجتماعيَّة ، وكفى بذلك خطورة!

    ولئن بحَّت أصوات الحادبين في التنبيه لهذه الخطورة ، فقد لبَّى هذه الدعوة ، مؤخراً جداً ، الدستور الانتقالي لسنة 2005م حين عَمَدَ ، على ما يَعِجُّ به من عيوبٍ ، إلى معالجة مسألة اللغات الوطنيَّة ، لأوَّل مرَّة ، باستقامة تامَّة ، فنصَّ على حقِّ كلِّ برلمان ولائي في اعتماد لغته القوميَّة كلغة رسميَّة ، إلى جانب العربيَّة والانجليزيَّة. وبهذا انفتحت الأبواب على مصاريعها ، أو هكذا يُفترض ، أمام شتى التكوينات لتلبية أشواقها في هذه الناحية ، دون أن تضطرَّ لتسريب أيِّ شكل من (القصاص) ، صغر أم كبُر ، ضدَّ العربيَّة ، في شرايين علاقات الهويَّة الثقافيَّة واللغويَّة بين مفردات منظومة التنوُّع السوداني ، ففي هذه الشرايين ، أصلاً ، من تركة هذا (التسريب) المُثقلة ، ما يكفيها .. وزيادة!

    لكن ينبغي أن نستدرك ، فوراً ، على أن هذا لا يمثل سوى البداية! فالأمر ، في حقيقته ، أكثر صعوبة ، كونه يتعلق بعمليَّات معقدة في مستوى البنية الاجتماعيَّة الفوقيَّة superstructure ، بالاستناد إلى عمليَّات أخرى في مستوى البنية التحتيَّة ، يتحدَّد بها الاقتصاد السياسي لهذه المعضلات ، كما تتحدَّد قابليَّات التغيير صعوبة أو يُسراً. أهمُّ ذلك سيرورة الاقتصاد السياسى الذي تكوَّنت ، من خلاله ، الطبقات والفئات والشرائح المنحدرة ، أصلاً ، من العنصر النوبىِّ على الشريط النيلىِّ من الشمال إلى الوسط ، منذ أن تهيَّأت لها أسباب (التمكين) فى علاقات السلطة والثروة ، على خلفيَّة مشهد التحالف بين (الفونج) و(العبداللاب) فى سنار (1504 ـ 1821م) ، تعبيراً عن تخلق تشكيلة اقتصاديَّة اجتماعيَّة جديدة فى أحشاء نظام الممالك القديمة ، وما أفضت إليه المراكمات التى جرت طوال سبعة قرون على اتفاقيَّة (البقط) من غلبة لعمليات الاستعراب والتأسلم فى تلك البقاع.

    تكوَّنت قوى (التمكين) تلك فى ملابسات نشأة النظام التجارى البسيط على نمط التشكيلة قبل الرأسمالية ، وازدهار التجارة الخارجيَّة تحت هيمنة السلاطين ، وانخراط فئات وشرائح التجار والموظفين والفقهاء والقضاة فى خدمة (الكَكَرْ) وحكام الأقاليم ، وما كانوا يصيبون من امتيازات تحلقهم حول مركز (السلطة) ، وما كانوا يكسبون ويعيدون استثماره من أنصبة صغيرة من الذهب والرقيق وخلافه.

    بالمقابل كانت هناك قوى الانتاج البدوي: العبيد ورعاة الإبل والماشية ومزارعي الرَّي المطري والصناعي وصغار الحِرَفيين فى القرى ، الرازحين بين مطرقة السلطان وسندان قوى (التمكين) ، والمنتسبين ، أساساً ، إلى التكوينات الاثنيَّة فى الجنوب و(بحر ابيض) وجبال النوبا وأجزاء أخرى من الغرب وجنوب النيل الأزرق ، وقد اعتبرت ، وفق تيم نبلوك ، مورداً رئيساً للرقيق والعاج وسلع أخرى كانت تنتزع بالقوة ، مما كانت له تأثيراته السالبة على تلك المناطق التى أصبح يُشار إليها ، لاحقاً ، بمصطلح (الهامش).

    بقيت هذه الوضعيَّة الاقتصاديَّة السياسيَّة على حالها إلى يوم الناس هذا ، برغم تعاقب الأنظمة الأجنبيَّة والوطنيَّة ، وبرغم تغيُّر أشكال وأساليب ومناهج الحكم. صحيح أن الاستعمار البريطاني عَمَد ، في مرحلته ، لاستثمار هذه الوضعيَّة ، لكنه لم يخترعها! كما وأن نخب الجماعة المستعربة المسلمة لم تألُ جهداً فى تكريسها فكرياً وسياسياً ، لا اقتصادياً فحسب ، طوال سنوات حكمها.

    مع الزمن استكملت قوى (التمكين) استعرابها ، حتى ذوَت هويَّتها القديمة ، تماماً ، ولم يعُد لنوبيَّتها أىُّ معنى حقيقي ، باستثناء النوبيين الحاليين من قوم وردي في الشمال الاقصى ، وذلك مِمَّا قد لا يصعب فهمه فى إطار جدل الهويَّات وحراكاتها التلقائيَّة. لكن المشكلة بدأت بتقديم تلك القوى لنفسها كنموذج هويويٍّ (قوميٍّ!) ، وكمركز (استتباع!) للمهمَّشين ، فتشكلت فى رحمها ذهنيَّة (الاستعلاء السلطوي) عليهم بالاستعراب والتأسلم ، عِرقاً ولغة وديناً وثقافة. لذلك ، وبمنأى عن نظريَّة هنتنجتون ، حالَ تحويلها من (ماكرو) إلى (مايكرو) ، والتى يشدِّد فيها على الطابع الثقافي (للانقسامات البشريَّة) ، نافياً ، بقطعيَّة أيديولوجيَّة صنميَّة ، أيَّة أهميَّة للعامل الاقتصادي ، وبمنأى ، أيضاً ، عن معكوس هذه النظريَّة ، فإن بإمكاننا قراءة مشكلتنا الاثنيَّة في منظور أصلها الكامن فى ظروف التخلف وغياب التنمية الشاملة المتوازنة ، دون أن نغفل عن أن من شأن تطاول أمد العلاقات الاثنيَّة المُعتلة ، فى خلفيَّة المظالم الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ، أن يعمِّق الأزمة بإعادة ترتيب المدركات perceptions في جبهة (الهامش) ، ويدفع بحراكاته للدفاع المستميت ، حدَّ إشعال الحرائق ، عن هويَّاته القائمة فى أعراقه ومعتقداته وثقافاته ولغاته التى تتهدَّدها ، بحسب هذه المُدركات ، هويَّة (المركز) النيلي المستعرب المسلم ، ضمن سياقات تدرك perceive هذه الهويَّات كسبب (أصيل) لهذه الظلامات! وبقدر تطاول أمد التعانف ، تتراجع (أسبابه) الأصليَّة ، بينما تتقدَّم بعض (نتائجها) لتشكل (أسباباً) أخرى لمفاقمتها فى الوعي الاجتماعى ، حسب نظريَّة محمد سليمان السديدة التي استشهد بها عالم عباس بحق.

    لغات التكوينات الاثنيَّة المتنوِّعة هي حامل ثقافاتها ، وموئل ذاكراتها. وأيُّ (مشروع) يتأسَّس على (تهميشها) إنما ينطوى على خطر ساحق ماحق ، ليس عليها وحدها ، بل وعلى (العربيَّة) ذاتها ، بنفس الدرجة ، حين يندفع (الآخرون) لـ (الاقتصاص) منها لهويَّاتهم! وأوَّل سبل الرشاد للخروج من هذا المأزق يبدأ ، من جهة ، باعتراف الجماعة المستعربة المسلمة باستقلال هذه اللغات والثقافات ، بدلاً من مواصلة السعي ، بلا طائل ، خلف سراب بقيعةٍ لـ (صهرها) أو (إدماجها) أو (تذويبها) فى (بوتقة) ما ، فتلك خطة فاشستيَّة ، وعينا أم لم نع! كما ويبدأ ، من جهة أخرى ، بتشمير (إنتلجنسيا الهامش) نفسه عن ساعد الجِّد لاجتراح أبجديات للغاتهم القوميَّة ، تمهيداً لتدوين ثقافاتهم الشفاهيَّة بها ، واستخدامها في التعليم والمكاتبات الرسميَّة ، ودفعها ، عموماً ، على طريق التطوُّر والازدهار ، فما من أحد غيرهم يمكن أن توكل إليه هذه المهمَّة ، بينما هم مشغولون بالمفاضلة بين الانجليزيَّة والسواحيليَّة .. الخ!


    الأربعاء:
    ---------------

    أخيراً جداً انعقدت محكمة مختلطة في كمبوديا ، غالبيَّة قضاتها من أهل البلد ، لمحاكمة مجرمي الخمير الحمر على ما ارتكبوا من فظائع خلال فترة حكمهم الأسود ما بين عامي 1975 ـ 1979م. لكن أهالي الآلاف من ضحايا ذلك النظام الدموي ، الذي قتل حتى تلاميذ المدارس بتهمة (الخيانة!) ، يشعرون بالحسرة ، كون المجرمين الكبار جميعهم ماتوا ، وعلى رأسهم بول بوت ومساعده تايموك (الجزار)!

    خلال تلك السنوات المرعبة تمَّ محو الطبقة الوسطى تماماً ، وأخليت المدن من سكانها ، ولم يعُد في البلاد سوى المزارع الجماعيَّة يكدح فيها ، ليل نهار ، فلاحون ناحلون ، هم وأطفالهم ، كالعبيد ، بدعوى إقامة (المجتمع المثالي)!

    رأس ذلك النظام ما زال حيَّاً يناهز التسعين. جلست أستمع إليه (يلغلغ) في التلفاز بعينين جاحظتين ولسان كالفلقة! قال إنه كان رئيساً صُوَريَّاً! ولم يكن يعلم بالقتل والترويع والتجويع والتعذيب والارهاب الذي مارسه نظامه ضد المدنيين العُزَّل!

    أكثر ما أضحكني قوله إنه يوافق على محاكمة ومعاقبة مرتكبي تلك المجازر من اتباعه السابقين! غير أن أكثر ما أصابني بالغثيان هو (تحفظه) على مشاركة القضاة الدوليِّين في المحكمة المختلطة ، معتبراً ذلك انتهاكاً .. للسيادة الوطنيَّة!


    الخميس:
    ------------
    صحيح أن في صفوف الانقاذ (صقور) و(حمائم). لكنَّ من فادح الوهم ، يقيناً ، تصوُّر أن حلقتها القياديَّة الأكثر نفاذاً ، على مأزقها المتفاقم بين فكَّي كمَّاشة العوامل الداخليَّة والخارجيَّة ، يمكن أن ترهن استراتيجيَّاتها للخصائص الشخصيَّة لهذا أو ذاك مِن رموزها ، (صقراً) كان أم (حمامة)! بالتالي ما من سبب واحد معقول للضجَّة المثارة حول تكليف مساعد رئيس الجمهوريَّة ، نائب رئيس الحزب الحاكم ، نافع على نافع ، بملف دارفور! فما كان المرحوم مجذوب الخليفة يصدر ، في أبوجا ، عن (تشدُّد) شخصي ، وإنما عن (ثابتة) من (ثوابت) الانقاذ ، وكذا كان على عثمان في نيفاشا ، ومصطفى عثمان في أسمرا ، ونافع نفسه في القاهرة. جميعهم اتبعوا (وصفة) واحدة من ثمانية عناصر متفق عليها ، كالآتي:

    (1) نلِت ونعجن بكلِّ ما أوتينا من (مهارة!) لنستديم التفاوض أطول ما نستطيع.

    (2) نتصيَّد السقطات السياسيَّة والتفاوضيَّة للآخر لنحمِّله وحده تبعات تعطيل الاتفاق.

    (3) لا نتنازل ، أثناء ذلك ، البتة ، عن (المضمون) القديم لـ (سلطتنا).

    (4) مع ذلك لا بأس من مساومة محسوبة على (شكل) جديد يرتب نوعاً من المشاركة (المحدودة) للآخر.

    (5) نحرص على أن يقوم (الشكل) الجديد على ثغرات تسمح بتسريب نفس (المضمون) القديم إلى ثنايا الاتفاق.

    (6) بعد توقيع الاتفاق نثير ضجَّة إعلاميَّة تظهرنا كسعداء تماماً به.

    (7) لكننا لا نبادر ، إطلاقاً ، بتنفيذ ما يلينا ، بل نواصل المراوغة ، والعرقلة ، وشق صفوف الآخر ، وشراء الذمم المتاحة ، واللعب تحت الموائد ، ودسِّ العِصِي في الدواليب ، والمغالطة في تفسير النصوص ، بلا توقف ، المرَّة تلو المرَّة ، لنكسب مَن نكسب ، ونحيِّد مَن نحيِّد ، ونفرغ الاتفاق من محتواه ، وننهك طاقات الآخر في المطالبة بتنفيذه ، على علاته ، أو حتى بإعادة التفاوض ، فنظهره كمتعنت ، وكمثير للمشاكل ، أمام الوسطاء الذين ينبغي ألا نغفل عن نهمهم لتحقيق إنجاز .. بأيِّ ثمن!

    (8) يضمن لنا ذلك ، في النهاية ، أن نبلغ الانتخابات ، حسب (الشكل) المتفق عليه ، محتفظين بطاقاتنا في السماء ، وطاقات الآخر في الحضيض!

    تلك هي (الوصفة) السحريَّة ، وقد طبَّقتها الانقاذ بحذافيرها ، لا لأن (فلاناً) من (صقورها) تولى الملف المعيَّن ، ولا لأن (عِلاناً) من (حمائمها) أبعد عنه ، بل لأن عقيدتها المُجمع عليها هي أن أيِّ تراخ في تطبيق تلك (الوصفة) ، أو أيِّ تنازل تحت حدِّها (الأدنى!) ، إنما يعني الموت الزؤام من كلِّ بُد!

    بالنتيجة ، خرجت (الانقاذ) من نيفاشا بنصيب الـ 52% من السلطة في الشمال ، بينما هي مستغنية ، أصلاً ، عن أيَّة سلطة في الجنوب ، بل تعمل لانفصاله ، وتنتظر ذلك ، في نهاية الفترة الانتقاليَّة ، بفارغ الصبر! وليس أدل على كون الحركة الشعبيَّة قد فقأت عينها بإصبعها حين قبلت بهذه القِسمة ، من اكتشافها المتأخر ، خلال الأيام الماضية فقط ، وبعد أكثر من عامين على توقيع الاتفاقيَّة ، أنها لا تملك غير الشكوى إلى المبعوث الكيني! كما خرجت الانقاذ من نيفاشا ، أيضاً ، بنصِّ المادة/226/5 من (الدستور الانتقالي لسنة 2005م) التي تضمن لها استمرار سريان نفس قوانينها القمعيَّة المصادمة ، صراحة ، للدستور نفسه ، وعلى رأسها (قانون قوَّات الأمن الوطني لسنة 1999م) ، في ظلِّ إحجام المحكمة الدستوريَّة عن اجتراح أيَّة سابقة تحِدُّ من ذلك!

    وخرجت الانقاذ مِن اتفاق القاهرة مع المرحوم (التجمُّع الوطني الديموقراطي) بتمزيقه شرَّ ممزق ، بل واقتناص بعض رموزه ، ضغثاً على إبالة ، لـ (تصميغهم) ، بصفاتهم الحزبيَّة أو الشخصيَّة ، على فضل ظهر مقاعد وزاريَّة يعلمون ، تماماً ، أنها قد (تغني) وقد (تسمن) من (جوع) ، لكنها ، يقيناً ، لا أرضاً ستقطع ، في منظور طيِّب الذكر (ميثاق أسمرا للقضايا المصيريَّة) ، ولا ظهراً ستبقي!

    وخرجت مِن أبوجا .. بمني أركو! حَمَله تبكيرُه بالصرخة الأولى ، في سجال (عضِّ الأصابع) ذاك ، إلى الكرسيِّ العالي ، يرفعون له (تعظيم سلام) في (القصر) صباحاً ، ويقتلون ويعتقلون أتباعه في (المهندسين) وغير (المهندسين) مساءً ، فلا يملك غير الشكوى لطوب الأرض! كما خرجت بفصائل تتناسل أميبياً مع كلِّ إشراقة شمس. ولا تسل عن مآل الاتفاق نفسه! فبقدر ما تسابق الوسطاء ، العام الماضي ، لدفع الحركات ، بالترغيب والترهيب ، لتوقيعه ، لدرجة التهديد بأنهم لن يسمحوا بإضافة (شولة) واحدة إليه ، وبأنهم سيأخذون رافضيه إلى .. لاهاي (!) ها هم يتراكضون الآن ، بين أروشا وطرابلس ، لتوحيد صفِّ نفس هؤلاء الرافضين ، تمهيداً لإعادة التفاوض بينهم والحكومة ، ولكن بذات الرؤية الغائمة ، والاعداد الركيك ، مِمَّا يُنذر بشرٍّ مُستطير! فوسطاء (الخير!) هؤلاء لم يتمكنوا ، بعد ، مِن اقناع فصيل عبد الواحد الذي ، مهما قيل عنه ، لن ينجح تفاوض بدون مشاركته ، ولن تضمن مشاركته بدون تنفيذ شروطه المعلنة حتى الآن ، على الأقل ، وأهمها حماية القوات الهجين للمدنيين ، وتأمين عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم الأصليَّة ، ونزع أسلحة الجنجويد ، وتحقيق العدالة والانصاف ، قبل التفاوض على المسائل السياسيَّة ، كالاقليم الواحد ، وقِسمة السلطة والثروة ، وما إلى ذلك. أما (الانقاذ) فما تزال تبارك ، في الصباح ، مسعى الوسطاء ، ثمَّ ما تلبث أن تعود ، في المساء ، تهدِّد بأنها لن توافق على فتح الاتفاق من جديد! فعلام ، إذن ، سيجتمعون في طرابلس الشهر القادم؟! لا إجابة! بل لا يبدو همُّ الوسطاء منصرفاً سوى إلى تحديد المكان ، والزمان ، وجمع الشمل ، وبدء مزاد الكلام ، كيفما اتفق ، فلكأن (أبوجا) ما انهارت لذات هذا الابتذال الذي يبدو أنه سيخلص ، هذه المرَّة أيضاً ، إلى ذات الفشل! فالمقدمات الخاطئة تقود ، حتماً ، إلى نتائج خاطئة!

    وأخيراً ، ها هي الانقاذ خرجت من أسمرا بعطر مَنْشَم بين قادة (جبهة الشرق) ، وبنذر انسلاخ (مؤتمر البجا) ، نهائياً ، عنها. وعلى حين انخرط رفقة نضال الأمس في سجال عبثي يتبادلون من خلاله اتهامات الخيانة ، والارتهان لإرتريا ، والتنكر لمطالب الاقليم ، وقفت هي وحدها تتفرَّج على ثمرة مكائدها!

    تكسب الشموليَّة أرضاً جديدة ، كلَّ يوم ، خصماً من حساب الأمل في (السلام المستدام) و(التحوُّل الديمقراطي) ، طالما أن الذهن المعارض يبدِّد طاقاته في استكناه خصائص مَن يتولى مِن قادتها أمر هذا الملف أو ذاك: (صقر) أم (حمامة)!


    الجمعة:
    ----------

    عندما زار يفغيني يفتوشينكو القاهرة أواسط ستينات القرن المنصرم ، وقرأ قصائده للجمهور المصري في الأوبرا ، وأعدَّ وقرأ ترجماتها خلفه كبار الشعراء والادباء العرب: أدونيس وعبد الصبور وحجازي وماهر عسل ، بالاضافة إلى المستشرقة السوفيتيَّة تمارا كوزمنيا ، وأصدرت مجلة الهلال عدداً خاصَّاً بتلك المناسبة ، أحسَّت الحركة الشعريََّة السودانيَّة بالغيرة ، وتمنَّت لو انها نالت عُشر مِعشار تلك الحظوة ، فقد كان اسمه وشعره يصهلان صهيلاً ، أوان ذاك ، في أركان الدنيا الأربعة!

    فقط في منتصف الثمانينات اتفق لنا في اتحاد الكتاب أن نحقق هذه الأمنية. كان يفتوشينكو يقوم ، وقتها ، بجولة في أفريقيا بداية من شمالها ، ولم يكن السودان ضمن برنامجه! كانت تربطني به علاقة قديمة في موسكو عن طريق المرحوم جيلي عبد الرحمن. قلت أستثمرها. كان في تونس عندما نجحت في الاتصال به. عرضت عليه أن يدرج الخرطوم في جدول زياراته. تمنَّع بشدَّة ، دون أن تفارقه روح فكاهته: "ما بالك؟! هل تريد إقناعي بأن ثمَّة جمهور يُحسن الاصغاء للشعر في بلدكم هذه"؟! لم أيأس ، وواصلت الالحاح: "رجاءً .. أنت أصلاً ذاهب إلى كينيا .. تفضل عندنا يومين أو ثلاثة ، وسترى"!

    وافق بعد لأيٍّ ، مشترطاً ألا تزيد الزيارة عن يوم واحد ، فوافقت! وجاء ، وذهل للكمِّ الهائل من المثقفين والصحفيين الذين وجدهم بانتظاره في المطار ، ودفء المشاعر التي أحاطوه بها ، ودقة البرنامج المعد له على مدار الساعة. زار رئيس الوزراء ، ووزير الثقافة ، ودار الاتحاد ، وبيوتنا ، وبهره مستوى الحوار العميق الذي نظمناه له حول مأدبة غداء أقمناها على شرفه ، في باخرة نيليَّة ، مع عدد كبير من اعضاء الاتحاد ، وتولى إدارته المرحوم خالد الكد. وإلى ذلك فتنته الشمس المشرقة ، وصفحة النهر الرائقة ، والمقرن المدهش ، ومشاهد توتي ، وشمبات ، وأم درمان ، وأم دوم ، ومرائي الخضرة العميقة ، والسماء الصافية ، والصيَّادين والمزارعين يلوِّحون من عرض النهر ومن الشاطئين في مودة آسرة. وبعد الغداء أشرع كاميرته بملحقاتها المعقدة تكاد عدستها تلتهم كلَّ شئ ، وهو المصوِّر المحترف الذي يجيد التصوير إجادته للشعر. وفي المساء اكتظت قاعة الشارقة بجمهور غفير تلقاه ، عندما اعتلى الخشبة ، بعاصفة من التصفيق. سألني: "بماذا أبدأ"؟! أجبت: "سوق في سمبرسك"! همس مبتسماً: "أحسنت ، فأنا متيَّم بمديح المدن"! وعندما بدأ الالقاء ، ران على القاعة صمت رهيب ، وطفق الجمهور يتابع إلقاءه مبهوراً ، وليس ليفتوشينكو في الالقاء أخٌ ، فلكأن جسده موجٌ يصطخب ، ولكأن صدره وحنجرته أوركسترا من اصوات متعدِّدة تنثال بهارمونيَّة بليغة! وتوالت القصائد. وتوالى انفجار القاعة بالتصفيق. ولكم بهره تبادُل تاج السر الحسن وبشرى الفاضل والياس فتح الرحمن إلقاء القصائد في ترجماتها العربيَّة ، حتى ذاب حاجز اللغة الثلجيِّ تماماً ، واستحالت القاعة طقساً من دفء الانفعال والتواصل الشغوف: "يا للروعة! أيُّ ناس أنتم؟! كيف رتبتم كلَّ هذا"؟!

    في الطريق إلى المطار ، آخر الليل ، كان يُعبِّر لنا ، وجهشة الدمع في عينيه ، عن عميق أسفه ، كونه لم يخصِّص للسودان وقتاً أطول! لكنه ، عندما عاد لموسكو أفرد لتلك السويعات مساحة رحبة في أحاديثه الصحفيَّة!

    السبت:
    -------------

    اعتاد السيد الصادق المهدى ، لدى فراغه من بحث ، أن يبعث به إلى البعض يستأنس بآرائهم قبل نشرها ، وهذا ، لعمري ، مسلك ثقافي فيه من تواضع العلماء الكثير. وفي يناير 2005م تلقيت ، لذات الغرض ، ورقته القيِّمة الموسومة بـ (النموذج السوداني فى ظل الاسلام والعروبة والافريقانيَّة وأثره على مصير القارة الافريقيَّة) ، فاستمتعت بما أدركت من ثرائها الباذخ ، ثمَّ بعثت إليه ، في الأوَّل من فبراير ، أشكر ثقته ، وأبدي بضع ملاحظات لعله يسمح بأن أعمِّم منها هنا ما يلي بتصرُّف:

    (1) أتفق مع أكثر ما انتهيتم إليه ، ومن ذلك:

    أ/ إضاءة الأثر الحضارى السودانى على مصر شمالاً وعلى أفريقيا جنوب الصحراء ، وبصماته حتى على الحضارة اليونانيَّة. تلك دعوة صائبة لإعادة كتابة تاريخنا.

    ب/ الإشارة الناقدة لخطل القول (باعتباطيَّة) التكوين الراهن للسودان كمحض (نزوة) تركيَّة ، ففيه تيئيس من الوحدة.

    ج/ التنويه بضرورة الكشف عن المشترك بين مفردات التنوُّع. هذا أفضل من استسهال (التعريب والأسلمة).

    د/ إبراز خط (الأصالة) في إسهامات المهديَّة ، فما أحوجنا لإعادة تحشيد الثقة في النفس التي هشمتها ذهنيَّة (الاتباعيَّة الغردونيَّة)! مع ذلك وددت لو عرضتم لمأزق المهديَّة الفكري ، من حيث الزراية بالمال كبعض (أوساخ دنيويَّة) ، والتركيز على (هدم الحياة الدنيا وإعمار العالم الآخر) ، وتداعيات ذلك فى مرحلة (الدولة) وما بعد كررى.

    هـ/ الكشف عن قصور (الاتفاقيَّة) في جبهة (الثقافة). واسمحوا لي أن (أحرِّضكم) ، بما لكم من نفوذ فكري وسياسي ، على قيادة عمليَّة اختراق مدنيَّة لاستكمال ذلك مع مفكرين ومثقفين من مختلف المدارس ، مِمَّن لا أعتقد أنهم سيختلفون معكم في هذا الشأن ، رغم اختلافهم معكم في قضايا أخرى.

    (3) مع ذلك ، فالجزء الذي أردتم فيه إثبات (السلوكيات السودانيَّة المشتركة) جاء أقرب إلى (الانطباعات الصحفيَّة) منه إلى الرصانة العلميَّة للورقة.

    (4) وأعجبتنى مواصلتكم اجتراح (النحت) و(السَّك) لرفد لغة الفكر فى بلادنا ، كما في استخدامكم الموفق لـ (مقرن أفريقيا) و(أميَّة حوض النيل) وصفاً للسودان ، فوددت لو توقفتم ملياً ، أيضاً ، عند مصطلحي (التأصيل) و(الأفريقانيَّة) .. توصيفاً لمشكلة (مفرق الطريق القطري) ، وهو ما أود التركيز عليه كالآتي:

    أ/ (التأصيل) ، بدلالاته المتجذرة دينيَّاً وفطريَّاً ، أعزُّ من أن ننسبه إلى خبرة (شماليَّة) تاريخيَّة خاطئة بلغت (شأوها) فى ظل نظام الانقاذ ، لولا تحفظكم على استخدام مصطلح (الاستعلاء). واسمحوا لي أن اختلف معكم. فالذى (بلغ شأوه) لدى الانقاذ هو (الاستعلاء) بالعرق والدين والثقافة واللغة ، وهو البغيض المرفوض. أما (التأصيل) فمرغوب فيه حتى من زاوية اجتثاث شأفة هذا (الاستعلاء) ، سواءً في مستوى وعي المستعربين المسلمين على الشريط النيلي الشمالي ، أم في ما أفضت إليه الممارسة من مُدرَكات سالبة مرشحة ، لدى (الأغيار) في (الهامش) ، للانفجار الآن ، بسبب هذا (الشأو الانقاذي) نفسه ، فى صورة (استعلاء مضاد)! ولعلَّ دعوتكم المجيدة ، في مناسبة سابقة ، للاعتراف بهذا (الاستعلاء) والاعتذار عنه ، تشكل مَعْلماً لبرنامج تساكن ديموقراطي ، و(لتأصيل) ثقافة المستعربين المسلمين ووعيهم العقدي.

    ب/ أما (الأفريقانيَّة) فنسبة ملتبسة جغرافيَّاً وإثنيَّاً. فبعض العرب أفارقة. وعلى حين لا يُعتبر كلُّ العرب أفارقة ، ولا كلُّ الأفارقة عرباً ، يمثل جزء من العرب حوالى 60% من المكوِّنات الاثنيَّة ، الشاملة للغات والثقافات ، في القارَّة. أما من حيث الثقل فإن الأثر العربي يتجاوز ذلك ، ويكفي أن نشير إلى أثر العربيَّة ، مثلاً ، في السواحيليَّة ، حيث 80% من ألفاظها عربيَّة الأصل. وأما الاسلام فأثره كاسحٌ هنا بما لا يُقاس. وإذن ، فقد تقابل الثقافة العربيَّة الاسلاميَّة في أفريقيا الثقافة اليوروباويَّة والبانتويَّة والنيليَّة والنوبيَّة .. الخ ، لا (الأفريقانيَّة) ، فجميعها تنتسب إلى أفريقيا. وحتى حركة (التأصيل) الثقافي التى أسَّسها شعراء ومفكرون كسنغور وآخرين ، في خواتيم خمسينات ومطالع ستينات القرن المنصرم ، فقد أطلقوا عليها اسم (الزنوجة Negrotude) ، لا إبرازاً لوضعيَّة عنصريَّة ، لكن للاشارة فقط إلى قوام متميِّز ضمن منظومة الثقافات الأفريقيَّة التي تشمل القوامين (المستعرب المسلم) و(المسلم غير المستعرب) ، علاوة على القوامات (غير المستعربة أو المسلمة).

    وبعد ، لقد آن الأوان لإطفاء حرائق الوطن باستصحاب هذه الحقائق ، وتأسيس مشروع النهضة الوطنيَّة على التنمية المتوازنة ، والديموقراطيَّة التعدُّديَّة ، ولامركزيَّة الحكم ، ومبادئ المواطنة والعدالة والمساواة.

    الأحد:
    -----------

    يزورني أحياناً أصدقاء شعراء ونقاد كلِفون باستكناه ظاهرة (القصيدة) ، نبشاً لخصائصها ، وسبراً لطبوغرافياها ، وكشفاً عن محدِّدات احتمالاتها الحداثويَّة. بعضهم شديد الحماس لما يُصطلح عليه بـ (قصيدة النثر) ، لا فرق في ذلك بين (الشاب) مامون التلب و(الشيخ!) محجوب كبلو ، بجامع التفرُّد والنماذج المُعلاة ، وهذا دليل على كون (الابداع) ليس (ظاهرة بيولوجيَّة) ، بعكس (اللغو) السائد الذي يريد أصحابه أن (يُسلِكوا) به بضاعة كاسدة ، وسط ضجيج (زفة) متعمَّلة ، على أن هذا أمر آخر!

    يتشقق الحديث ، وينداح في مناح شتى ، ثمَّ ما يلبث أن يعود لينصبَّ على واقع ومستقبل (الظاهرة الشعريَّة). لكنني ظللت أفتقد ، دائماً ، السؤال الأهمَّ: لِمَ ازدهرت (قصيدة التفعيلة) ، أكثر ما ازدهرت ، خلال العقود التي أعقبت الحرب الثانية؟!

    الاجابة ليست سهلة ، وقد تحتاج إلى مبحث كامل يلمُّ بأطراف مصادر معرفيَّة متشابكة. لكن لا بأس من أن نقول كلمتين! فحقبة الخمسينات والسِّتينات والسبعينات هي حقبة (التحرُّر) الوطني والعالمي ، والعام والفردي. ولأن ذلك كذلك فهي تمثل (العصر البطولي) لازدهار حركة الفكر الديموقراطي الملتزم بقضايا الكادحين. وكان ذلك (العصر) في أفضل حالات الوضوح ، من حيث الطابع ، وتمظهرات الحراكات الاقتصاديَّة والسياسيَّة والفكريَّة ، وتطلعات الناس العاديِّين وأحلامهم الفرديَّة. كانت القطبيَّة الثنائيَّة تختزل الفرز بين الاستعمار والشعوب ، بما لا يسمح بطمس أوضاع الاستقطابات الوطنيَّة والعالميَّة الشبيهة ، مع الفارق بين (الفيزياء) و(الاجتماع) ، بتأثر بُرادة من الحديد فوق سطح ورقة بفعل مغناطيسين يتحرَّكان تحتها باتجاهين متعاكسين! جوهر التشبيه هنا ليس (البرادة) أو المغناطيسين ، بل وضوح منطق (الحركة) نفسها!

    كان (العصر) في ريعان تفتحه على مشهد الهزيمة التاريخيَّة للنازيَّة والفاشيَّة ، وتصفية النظام الاستعماري القديم ، ورفرفة رايات الديموقراطيَّة فوق سماوات العالم ، والاتجاه لأنسنة العلاقات الدوليَّة ، وشيوع مبادئ الامم المتحدة ، وثقافة السلام ، ونبذ الحرب ، وحقوق الانسان ، ليس سياسيَّاً ومدنيَّاً فحسب ، بل اقتصاديَّاً واجتماعيَّاً أيضاً. وكان عبد الناصر ، الفتى الصعيدي الطالع من وسط عذابات المسحوقين المصريين ، يخفي وراء كاريزميَّته الطاغية ، وقرارات التأميم ، وبناء السَّد ، وشراكة العمال والفلاحين ، كلّ سلبيات (ثورة يوليو)! ومن ثمَّ انطبعت حركة الفكر الغالبة ، في كلِّ مناحيها ، والنتاج الابداعي في حقلي الآداب والفنون ، وبالأخص (قصيدة التفعيلة) العربيَّة ، بالرؤى المنفتحة ، والاحلام العريضة ، والتحليق الطليق ، والآفاق غير المحدودة. كانت رياح اليسار تملأ الأشرعة ، وبشارات الاشتراكيَّة تعِد بالمستقبل الأفضل ، وكلُّ شئ يبدو واضحاً ومحسوماً ، فالنبوءات ملء الأكف ، والاشواق تحت أرانب الأنوف ، والتشهِّيات على مرامي الحجارة! وكان لا بُدَّ للفكر العربي أن يتأثر بهذا كله.

    ليس مِن عجب ، إذن ، أن يكون ذاك هو عصر (قصيدة التفعيلة) المتحرِّرة ، بلا منازع ، كما وليس من عجب أن يتميَّز شعراؤها ، عموماً ، بانتماءاتهم اليساريَّة! كان ذاك مناخ الطلاقة والانفتاح والوسع ، وبعبارة أخرى: مناخ تلقائيَّة الوعد بـ (الحرِّيَّة) على جميع الجبهات ، السياسيَّة منها والشخصيَّة ، حيث لا انفصال ولا انفصام بين (الخاصِّ) و(العام). وليس أنسب من ذلك لولادة (قصيدة) جبلت ، أصلاً ، على التمرُّد والثورة ، فتأسَّس مشروعها على ذات هذه المعاني. وبقدر ما يصحُّ هذا لجهة شعرائها ، يصِحُّ أكثر لجهة الملايين من متلقييها الذين لطالما استثارت شغفهم بتلك الاحلام ، عبر (شكلها) الجديد ، وهو شغف تلقائيٌّ ، أيضاً ، وبالضرورة!

    الإثنين:
    ------------

    من مكرمات بوش على الأمريكان أنه غالباً ما لا يضطرهم لـ (تأليف) النكات عنه ، إذ يوفرها بنفسه! وقف مؤخراً ، بسدني ، يلقي كلمة أمام قمَّة (منتدى التعاون بين دول آسيا والمحيط الهادئ ـ أبك) فنطقها (أوبك ـ منظمة البلدان المصدِّرة للنفط) ، فأضحك القاعة والعالم! ثم أخطأ في نطق اسم (أستراليا) بالانجليزيَّة ، فجعلها (النمسا) ، فأضحك الناس مرَّة أخرى! أما في الثالثة فقد فجَّر منظره القهقهات المجلجلة ، وهو يخطر ، في خيلاء نعامة ، نحو باب الخروج الخطأ ، حتى أعاده الرئيس الاسترالي إلى الباب الصحيح .. بإشارة من اصبعه!
                  

09-15-2007, 01:30 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست (Re: بكري الصايغ)

    ثـلاثـة أفـراح خـلال ثـلاثـة أيـام:
    -------------------------------------

    قـدوم شـهـر التـوبة والغـفـران،

    اتحاد الكتاب السودانيين يُحرز جائزة مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية لعام 2007،

    رزنـامـة الأسـبوع والأسـتاذ كـمال الجـزولـي.

    للأخ كـمال الجـزولـي وعـائلته الكـريـمة وأهـله وللـجـميـع اطـيب الأمنيـات بـحـلول شـهـر رمـضـان الكـريـم وتقبل اللـه فيـه دعـواتنا وأمنياتنا وكل عـام وانتـم بـخـيـر.
                  

09-15-2007, 05:42 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست (Re: بكري الصايغ)

    كلام جميل
    وددت لو أن العالم كله يقرأ ما يكتبه كمال الجزولي
    رمضان كريم
                  

09-16-2007, 10:32 AM

عوض محمد احمد

تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 5566

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست (Re: Nasr)

    لماذا الاصرار المتواصل من الاستاذ وردى على نفى حكاية انه عربى كانه صدر قرار من جهة ما بعروبته؟

    و ليته فعل مثل ما قال على عبد اللطيف عند ما قال انه سودانى و كفى.

    لكن وردى ينفى العروبة و يثبت عرقية اخرى، فما الفرق بينه و بين العروبيين؟

    ثم انه هل يستطيع وردى محو ابداع 50 عاما بالعربية


    ثم سوال اخر هل يستطيع وردى احياء حفل فى النادى النوبى باغانية باللغة النوبية فقط من غير ان يغضب السامعين؟

    و سوال اخر هل هناك اى مستقبل للغة شبة مندثرة كاللغة النوبية فى وقت تواحه فيه العربية نفسها المصاعب
                  

09-16-2007, 05:58 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست (Re: بكري الصايغ)

    قال عوض
    "لماذا الاصرار المتواصل من الاستاذ وردى على نفى حكاية انه عربى كانه صدر قرار من جهة ما بعروبته؟"
    وقد سأل عوض السؤال ورد عليه طوالي. والإجابة بأنه بالفعل قد صدر قرار بعروبته. وفي الواقع فإن القرار قد صدر بعروبة كل السودانيين، رضوا ذلك ام أبو. وعشان كدة الحروب مدورة منذ الإستقلال وحتي الآن. ولا تجد الصفوة الحاكمة (مدنية كانت أم عسكرية) من حلول إلا بمزيد من التعريب ومعاها تؤأمها (الأسلمة). ولذلك الفعل بالطبع رد فعل. كلام وردي (الذي يقوله دون أن يحمل سلاحا) وكلام ناس تانيين كتار هو من قبيل رد الفعل. يعني لو إنت عافصك ليك زول بكراعك مش بتتوقع مرة مرة الزول دا يفرفر أو حتي يتأوه.
    كدي أقرأ كلام كمال الجزولي مرة ثانية.
    ونواصل الحوار.

    (عدل بواسطة Nasr on 09-16-2007, 08:56 PM)

                  

09-16-2007, 06:55 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأسـتاذ كمـال الجزولـي ورزنامة الأسبوع: الفنان الكبيرمحـمـد وردي يقول "انا شخصيآ لست (Re: بكري الصايغ)

    الأخ الـحـبيب،
    نـاصـر،
    الأخ الـحـبوب،
    عـوض مـحمد أحـمـد،

    تـحـية طيبـة ورمـضان كـريـم وشـكرآ عـلي مشـاركتكـما الـمـقـدرة.

    هـذا رأي الفنان وردي وهـو مـقتنـع بـه ..وعليـنا ان نـحـتـرم رأيـه تـمامآ كـما هـو يـحـتـرم رأي أهل " الـمـجـراب " الذين قالوا ان اصـولـهـم الأولـي مـجـرية " دولـة الـمـجـر "،
    واحـتـرم وردي ايـضآ رأي ناس قبيلـة "الرشـايـدة " بشـرق السـودان اللذين قالوا ان اصـولـهـم عـربية وطاعـنة فـي القـدم وجـاء الاولييـن مـنهـم للسـودان مـن الـجـزيـرة العـربية، الـمعـروف عـن أهـل الرشـايـدة بالسـودان انـهم يـدخـلون السـعـوديـة بلا تأشـيـرات دخول للـممـلكة،
    الفنان وردي يـحـتـرم رأي الـجـنوبيـيـن الـذين يقـولون انهـم ليسـوا بعـرب وان السـودان ليـس عـربيـآ.

    والـكل يتـحـمـس لأصـلـه.

    لكـما مـودتـي.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de