الأسـتاذ كـمال الـجـزولـي ورزنامة الأسـبوع : دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 00:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-18-2007, 07:43 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
الأسـتاذ كـمال الـجـزولـي ورزنامة الأسـبوع : دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!

    رُزنامة الأسبوع الثلاثاء, 17 يوليو 2007

    دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!.
    -------------------------------
    [email protected]

    الثلاثاء, 17 يوليو 2007

    كمال الجزولي
    [email protected]


    الثلاثاء:
    ----------------

    ليس غريباً أن تعود النخبة الاسلامويَّة الحاكمة تفرض على الوطن بأسره الاحتفال بذكرى انقلابها على الديموقراطيَّة ، وإنما الغريب ألا تعود!

    وليس عجيباً أن تقع الاتهامات المتبادلة بين شريكي نيفاشا ، كالتي وقعت ، مؤخراً ، وإنما العجيب ألا تقع!

    وليس محيِّراً أن تراقب الجماهير المشهد كله بامتعاض وخيبة أمل ، بل المحيِّر لو انها أبدت أدنى حماس ، أو انحازت بأيِّ قدر لأحد الطرفين!

    والحقيقة أن اكتفاء المؤتمر الوطني ، العام الماضي ، باحتفال (حزبيٍّ) متواضع في ذكرى الانقلاب ، لم يكن من باب الاقرار المستقيم بواقع جديد (يُفترض!) أن يكون ترتب على إيقاف الحرب ، وإبرام السلام ، وإصدار دستور يدشن عهداً (انتقالياً!) باتجاه الحريات والحقوق والعدالة والتنمية المتوازنة والتحوُّل الديموقراطي ، بل كان محض إحناء للرأس ، لا أكثر ولا أقلَّ ، ريثما يبوخ (اللغو!) حول هذه الأمور في الشارع ، وريثما يتضح حجم (عضلات) الشريكة الجديدة القادمة لتوِّها من (الثورة) إلى (الدولة)!

    تعويل الجماهير ، في البداية ، على التغيير الذي انتظرت أن يأتي به دخول الحركة في تركيبة الحكم ، لم يكن اعتباطاً ، وإنما بسبب تجربتها المؤلمة لانفراد الانقاذيين بالسلطة ، واستبشارها بشخصيَّة قرنق القياديَّة ، وبشعار (السودان الجديد) الذي استمدَّت منه الأمل في مستقبل أفضل ، وإن كان من الصعب القول بأنها فهمته تفصيلاً! على أن ذلك التعويل سرعان ما راح يذوي ، يوماً عن يوم ، في نفوس الغالبيَّة ، غير الجنوبيَّة بالأساس ، وهي ترى الحركة منكفئة تعضُّ بالنواجذ على كلِّ ما هو (جنوبيٌّ) ، من (النفط) إلى (أبيي) ، بينما حِملها (ريش!) من قضايا الوطن الأخرى ، بما في ذلك حتى تحالفاتها التي استثمرت فيها تاريخياً ، وكانت تشكل ملاذاتها الآمنة في الشمال ، حيث سارعت ، وسط دهشة الجميع ، إلى نفض يديها ، عملياً ، حتى عن شعار (السودان الجديد) ، وإلى رفع شعارها الجديد: (لن نخوض للآخرين حربهم)! فلكأن مهام الفترة الانتقاليَّة ، كالاصلاح القانوني والتحوَّل الديموقراطي وتحقيق العدالة والتنمية المتوازنة ، والتي انضافت إليها معضلة دارفور ، ضغثاً على إبالة ، هي مجرَّد (حرب آخرين)!

    هكذا ، ما أن تكشفت للانقاذيين هذه الحقيقة ، في أقلِّ من عام واحد ، حتى تنفسوا الصعداء ، وعادوا ، لا ليمدُّوا أرجلهم ، ويحتفلوا احتفالاتهم ، فحسب ، بل وليستأنفوا سيرتهم القديمة ذاتها ، مع تعديل طفيف فحواه أن يَدَعُوا كلَّ ما للجنوب للجنوب تحت سلطة الحركة ، شريطة أن تقنَع هي بذلك ، في ما بدا كصفقة ، منذ أوَّل حكاية النسب المئويَّة التي كان واضحاً تماماً أنها لن تمكن الحركة من أيِّ دور فاعل في القضايا غير الجنوبيَّة ، فلكأن نيفاشا لم تكن سوى فرصة تتخلص فيها الانقاذ من الجنوب و(مصائبه) بدفع (الحركة الشعبيَّة) ، دفعاً ، على طريق الانفصال! أما بالنسبة لأجندة الشمال ، فلم تمثل نيفاشا ، للاسلامويين ، سوى (سندة) قصيرة ، ريثما يلتقطون أنفاسهم ، ويميطون عن طريقهم أذى (حركة قرنق) ، وتحالفاتها الشماليَّة ، وعقبة حربها الكئود ، ليصبح هذا الطريق آمناً لهم تماماً؟!

    لم يضع الانقاذيُّون ، بالطبع ، في حسبانهم ، وهم يراهنون ، بمثل هذه الخطة البئيسة ، على استتباع (الشمال) نهائياً لسلطتهم ، أن الشعوب والاوطان ليست ميداناً خالياً لمن يشاء كي يباغت فيه التاريخ بألاعيبه الصغيرة ، وأن قوى المجتمع الحيَّة ، مهما تكاثر عليها القمع بدرجات متفاوتة من الوحشيَّة ، سوف تستعيد عافيتها ، طال الزمن أم قصُر ، أو يضمحلُّ بعضها لتنشأ ، بدلاً عنه ، قوى جديدة ، ما تنفكُّ تتحشَّد حول نفس المطالب ، طالما بقيت شاخصة في أفق تطوُّرنا الوطني والاجتماعي.

    لقد سبق أن عبَّرنا ، في رزنامة 13/2/07 ، عن سعادة لا تحد ، بمناسبة خطاب سلفاكير أمام اجتماع قيادات (قطاع الشمال) فى 4/2/07 ، والذي شمَّرت به الحركة عن ساعد (الوطن الواحد) فى عقلها ووجدانها ، لأوَّل مرَّة بعد أن تقاعست عن ذلك دهراً ، حيث وضع ذلك الخطاب الحركة كلها فى بؤرة الهمِّ الوحدوى ، خصوصاً بتعبيره عن الاستعداد "للعمل المشترك مع القوى السياسيَّة كافة لإيجاد مخرج للسودان من أزماته" ، فكتبنا ، في حينه ، أنه ليس سوى أعمى بصيرة من لا يلمح فى ذلك الطرح النوعي الجديد رغبة أكيدة فى (الانعتاق) من (ربقة) الاقتصار على (شراكة) المؤتمر الوطني وحده!

    على أن الأمور واصلت تصلبها في خطين لا يساعدان الحركة على الانفكاك من طوق المشكلات (الجنوبيَّة) باتجاه قضايا السودان الكبرى: الخط الأول هو الشكوى المستمرَّة لطوب الأرض من عدم جديَّة المؤتمر الوطني في تنفيذ اتفاق السلام ، حتى حقت للبعض السخرية من أمثولة (عبد المعين)! أما الخط الآخر فهو مواصلة العزلة عن غالب الجسم السياسي الوطني ، وسائر شواغله ، حتى حق للبعض التشكك في أن ما يصدر ، أحياناً ، حول هذه الشواغل ، من تصريحات منسوبة لقيادات الحركة ، لا يعدو المضمضة اللفظيَّة lip service يلجأون إليها كلما ضيَّق عليهم الانقاذيُّون الخناق!

    لكلِّ ذلك لا نبدو ، كما أسلفنا القول ، بعيدين عن الموضوعيَّة حين نقرِّر أن الغريب ألا تعود النخبة الاسلامويَّة الحاكمة تفرض على الوطن الاحتفال بذكرى انقلابها على الديموقراطيَّة! وأن العجيب ألا يتبادل شريكا نيفاشا الاتهامات العنيفة في عزلة عن الجماهير التي لا تبدي أدنى اهتمام بمساجلة الطرفين ، حيث يقول مصطفى عثمان: الحركة سمسار في قضيَّة دارفور ، فيردُّ عليه باقان اموم: لسنا سماسرة! ويعود مصطفى يقول: أهل الحركة مفسدون ، فيردُّ عليه مالك عقار: وفي أنفسكم أفلا تنظرون .. وهلمجرا! واستطراداً ، فإن مسألة الفساد والستين مليون دولار ستبقى شوكة حوت في حلق الحركة ، سواء اتهمها بها أهل المؤتمر أم لم يفعلوا ، ما لم تحسمها هي بشفافية تامَّة. ولو فعلت لرأت حجم تقدير الجماهير لخطوة كهذي! أما أن تدعها معلقة هكذا ، وتروح تنزلق ، بمثل هذه السلاسة ، في مصيدة المساجلة العبثيَّة التي ما ينفكُّ ينصبها لها المؤتمر على طريقة (فعلتم وفعلنا!) ، فسيخصم ذلك من رصيدها المتبقي في نفوس الجماهير ، دون أن يكون لدى أهل المؤتمر ما يخسرونه! وإلا فما الجديد ، أو ما الذي يضير هؤلاء حين تتهمهم الحركة بالفساد؟!

    ما في الانقاذ قد انعرف بجلاء ، للقاصي والدَّاني ، ومنذ آماد طويلة ، فليس ثمَّة من ينتظر أن (تكتشف!) له الحركة ، أخيراً ، أن المؤتمر الوطني (غير جاد!) في تنفيذ اتفاقيَّة السلام ، فذلك مِمَّا كان إدراكه متاحاً للحركة نفسها منذ ما قبل نيفاشا بأزمان! فإذا كانت تتطلع ، الآن ، إلى لعب دور تاريخي بطولي يهئ لمستقبل وضئ لسودان موحَّد ، فلتثبت أن لديها الارادة السياسيَّة لذلك. أما إذا كانت غاية طموحها الانكفاء على فكرة انفصاليَّة ، تنغلق بمقتضاها في (دويلة) بلا منافذ ، على تخوم البحيرات ، تراوح ليلها ونهارها بين حروب الاطماع الخارجيَّة وحروب الداخل التي لا تنتهي ، فهي وشأنها ، وستجد من يحرِّضونها ، بل ويعينونها على ذلك ، وفي مقدِّمتهم .. المؤتمر الوطني! فقط عليها أن تدرك ، منذ الآن ، في ما إذا اختارت الخيار الآخر ، أن أجيالاً من الوطنيين في السودان ، بما في ذلك الجنوب نفسه ، سوف تشن كفاحاً مريراً من أجل (استعادة) الوحدة الضائعة! وإن كان لدى الحركة شكٌّ في ذلك ، لا سمح الله ، فعليها مراجعة حساباتها!

    نقول قولنا هذا ، راجين أن يتقبله أهل الحركة باعتباره كلام من يُبكيهم ، فما أكثر من نراهم يتطوَّعون لإضحاكهم!


    الأربعاء:
    --------------------

    لو ان الأمر بيدي لوجَّهت بمنح مصوِّر (السُّوداني) عباس عزت مكافأة على فوتوغرافياه البارعة في الصفحة الأولى من عدد الأربعاء 11/7/07 ، والتي التقطها بعين (نجيضة) لما تبقى ، في إثر السيول ، من أحد منازل أم ضوَّاً ، ولوجَّهت ، أيضاً ، بتحفيز المحرِّر الذي تفتقت عبقريَّته عن تعليق لا يقلُّ براعة ، أسفل الصورة ، يقول: "بقي هذان الديكان يصيحان ، ليس لبزوغ الفجر ، وإنما طلباً للنجدة ، فالمياه تحاصر المكان ، ولا أحد يسمع الصياح أو يستطيع الوصول إلى موقعهما ، وهما الآن يواجهان مصيرهما المجهول ، فهل تصمد البوَّابة واقفة حتى تجفَّ المياه ، أم تنهار وهما على رأسها"؟!

    أعادتني الصورة والتعليق ، فوراً ، إلى كتاب قديم عنوانه (طرائق الرؤية Ways of Seeing) ، كان بعث به إليَّ صديقي هاشم صديق من لندن على أيام دراسته في E – 15 أواسط سبعينات القرن المنصرم. الكتاب مبنيٌّ على جملة أفكار مشمولة بسلسلة تلفزيونيَّة سبق أن قدَّمها ، بذات العنوان ، للبي بي سي ، جون بيرقر الذي أسهم ، لاحقاً ، في وضع الكتاب ضمن خمسة مؤلفين ، لتصدر طبعته الأولى عن مؤسَّستي البي بي سي والبنغوين عام 1972م ، ولتتوالى طبعاته العديدة بعد ذلك. ويقع هذا المبحث الطريف في سبع مقالات يمكن للقارئ مطالعتها بأيِّ ترتيب شاء ، أربع منها مكتوبة بالألفاظ والصور ، بينما الثلاث الأخريات مكتوبة بالصور وحدها! وتقوم فكرتها الاجماليَّة على كون (الرؤية) سابقة على (الألفاظ) ، تأسيساً على كون الطفل (ينظر) و(يدرك) قبل أن يتعلم (الكلام). وشرط التعاطي مع هذه الفكرة ، قبولاً أو رفضاً ، أبعد ما يكون عن التبسيط ، إذ هو مؤسَّس على حدٍّ شديد الدِّقة ، حيث قد يصعُب ، وقد لا يصعُب ، الاتفاق معهاً ، تبعاً لإمكانيَّة ، أو عدم إمكانيَّة ، فضِّ الاشتباك وإزالة الخلط الباديين فيها ، للوهلة الأولى ، بين مفهومي (اللغة) و(الادراك). فهذان المفهومان وثيقا (الاتصال) جدلياً ، لكنهما شديدا (الانفصال) ، أيضاً ، بحكم جدليَّة علاقتهما نفسها ، فلا يصحُّ استخدامهما بالتبادل. (فالادراك) وليد (التفكير) ، وهذا ، بدوره ، لا غنى له عن (اللغة) ، بل يستحيل أن يتحقق خارجها. ولئن كانت إحدى أهمِّ النتائج التي توصُّل إليها برجسون فى مقدِّمة رسالته عن الأفكار والوعي هي أننا: "إنما نفكر بالضرورة بالألفاظ" ، فإن الامام عبد القاهر الجرجاني كان قد خلص ، أيضاً ، إلى ذات الفكرة ، في (دلائل الاعجاز) ، بقوله: "إن العلم بمواقع المعاني فى النفس ، علم بمواقع الألفاظ الدالة عليها فى النطق" ، فأنت إنما "تطلب المعنى ، واذا ظفرت بالمعنى فاللفظ معك ، وإزاء ناظرك. وإنما كان يُتصوَّر أن يصعب مرام اللفظ من أجل المعنى أن لو كنت طلبت المعنى فحصلته ، احتجت الى أن تطلب اللفظ على حدة ، وذلك محال".

    على أن ما يهمُّنا هنا هو السياق الآخر لمبحث بيرقر وزملائه ، وفحواه أنه ، وباعتبار (اللغة) ، من زاوية النظر الفلسفيَّة والثقافيَّة التاريخيَّة ، نسقاً من الاشارات والرموز يشكل أداة للمعرفة ، ولحفظ واستعادة منتجات الثقافة الروحيَّة والعُشرة البشريَّة ، فبإمكان (الصورة) أيضاً أن تمثل أحد احتمالات هذا النسق ، بحيث تحلُّ محلَّ الالفاظ ، وتقوم مقامها ، أو تتكامل معها لتكثيف المعنى. ولئن كانت (رؤيتنا) للوسط المحيط هي التي تؤسِّس لـ (إدراكنا) لموقعنا فيه ، بحيث يضحى بإمكاننا (وصف) ما (ندرك) من هذا الوسط بـ (الألفاظ) أو (الصور) ، فإنه ليس بمقدور هذه (الألفاظ) أو (الصور) ، أيَّاً كانت ، أن تبطل حقيقة كوننا محاطين بهذا الوسط ، موضوعيَّاً ، (أدركنا) ذلك أم لم (ندركه)! وهكذا فإن علاقة ما (نرى) + ما (ندرك) + ما نعبِّر عنه بـ (اللغة) ، (ألفاظاً) كانت أم (صوراً) ، ما تزال ، من زاوية النظر الفلسفيَّة ، أكثر تعقيداً مِمَّا قد نتصوَّر.

    مصوِّر (السُّوداني) ومحرِّرها اشتغلا ، بطريقتهما الخاصَّة ، وبقصد أو بغيره ، على ذات الاشكاليَّة ، وذلك بمراوحتهما المبدعة بين (المُدرَك) القريب المباشر و(المُدرَك) البعيد غير المباشر ، وإحالتهما واحدهما إلى الآخر ، حسِّيِّاً وعقليَّاً ، وبمثل هذه السلاسة البصريَّة والذهنيَّة المدهشة .. فاستحقا الاشادة!


    الخميس:
    ---------------------

    صديقي الشاعر الجميل والناشر البارع الياس فتح الرحمن كان في الخرطوم ، خلال الأيام الفائتة ، دون أن يعلم حتى الكثير من أهله وأصدقائه! ذلك أنه ، وفور وصوله من مقرِّ إقامته بالقاهرة ، انغمس في عمل متصل ، نهار مساء ، يضع لمسات ما قبل تدشين (دار مدارك للنشر) ، بعد أن ظلَّ ينشط في هذا المجال خارج البلاد ، محققاً فيه من الانجازات ما بهر العرب العاربة والمستعربة ، بل والخواجات .. كمان!

    مع أكيد رغبتي في (تمام كيفي) بصحبة الياس في المدينة ، إلا أنني نصحت له ، مثلما كنت نصحت ، من قبل ، لصديقي الآخر المفكر حيدر ابراهيم علي ، مدير مركز الدراسات السودانيَّة ، بالاحتفاظ بجزء من عمله ومكتبه بالقاهرة. ولا أعتقد أن حصيفاً سيسألني عن السبب!

    ولأن الشئ بالشئ يُذكر ، ولو مع الفارق ، فإن الشاعر والمسرحي الشيوعي الألماني برتولد بريشت ، حتى بعد أن قرَّر ، عام 1949م ، أن ينهي رحلة تشرُّده الطويلة في المنافي ، ويعود ليستقرَّ وينشئ (البرلينر أنسامبل) في برلين الشرقيَّة ، في ظلِّ سلطة حزبه نفسه ، ظلَّ محتفظاً ، في جيب سترته الداخلي ، بجواز سفر نمساوي الجنسيَّة ، ووثيقة حساب في مصرف سويسري!

    ولا يغيِّر من دلالة ذلك شيئاً كونه لم يضطر لاستخدام أيٍّ من تلك (الابواب الخلفيَّة) حتى وفاته عام 1956م!


    الجمعة:
    ----------------------

    عدت ، هذا المساء ، إلى الأنس بسيرة شاعري الأثير فلاديمير ماياكوفسكي الذي لم يحظ شاعر روسي ـ سوفيتي ، في زمانه وحتى يوم الناس هذا ، بمثل ما حظي به من صيت داخل وخارج بلاده ، اللهم إلا سيرغي يسينين ، شاعر الرومانسيَّة والطبيعة الريفيَّة ، هذا إذا استثنينا ، بطبيعة الحال ، يفغيني يفتوشينكو الأصغر سناً بكثير.

    رحت أقلب بعض ما وضع عنه من مؤلفات ، أتلمَّس فيها ، للمرَّة الألف ، حقيقة ذلك القناع من التجهُّم والجفاء يكسو بهما وجهه ، ويحيط شخصيَّته ، عله يتقي شرور خصومه وحُسَّاده الكثر ، ولؤمهم ، ولكن .. هيهات ، فقد هزموه ، في نهاية المطاف ، ودفعوه دفعاً .. للانتحار!

    رغم تلك النهاية الفاجعة ، فإن ما وثق له كاتبو سيرته من معارك كبيرة وصغيرة اضطر لخوضها مع أولئك الخصوم والحُسَّاد يكشف عن نفس أبيَّة لا ترضى الانكسار أو الضيم ، وعن شخصيَّة مستقيمة لا تعرف المهادنة أو النفاق. لكن تلك المعارك ، على شراستها ، لم تخلُ من طرافة! ولعل ذلك يعود ، في المقام الأوَّل ، إلى حدَّة ذكائه ، وسرعة بديهته ، والأساليب غير المعتادة التي كان يستخدمها ضدَّهم ، فيقلب سحرهم عليهم ، ويردُّ كيدهم إلى نحرهم ، ويمرمط بهم الأرض ، ويجعلهم عبرة لمن يعتبر! وهذا باب واسع ربَّما نعود إليه في فرصة قادمة ، ولكن لا بأس من أن نروي هنا ملمحاً ، ولو بسيطاً ، من مناخات معاركه تلك .

    وقف ، مرَّة ، يقرأ قصائده في محفل عماليٍّ. وحيث أن تقليد الأمسيات الشعريَّة هناك يقتضي أن تعقب القراءة مناقشة الشاعر ، فقد لاحظ أن خصومه قد توزَّعوا بأعداد كبيرة في أرجاء القاعة ، فتهيَّأ لكونهم ما جاءوا ، بطبيعة الحال ، للاشادة به! وبالفعل ما أن فرغ من القراءة ، حتى تصدَّى له أحدهم بقوله:

    ـ "في شعرك ، أيها الرفيق ، عيب أساسي ، فأنا لا أحسُّ بقصيدتك إلا بعد قراءتها بوقت طويل"!

    فما كان من مايا إلا أن ردَّ عليه قائلاً:

    ـ "وأنا ما ذنبي إذا كنت أنت كالزرافة ، تغمس أقدامها في الماء البارد يوم السبت ، فلا تشعر بالزكام إلا يوم .. الاثنين"!


    السبت:
    -----------------------

    كنا ألمحنا ، في رزنامة 8/5/07 ، إلى ضرورة (العدالة الانتقاليَّة) لـ (المصالحة الوطنيَّة). وفي نفس اليوم أوردت الأخبار أن (هيئة جمع الصف الوطني) سلمت مقترحاتها للأحزاب ، شاملة (تشكيل هيئة للمصالحة) ، فاقتربت بنا شيئاً من المطلوب. ولكن أيَّة (مصالحة)؟! وما هي مهام (الهيئة) المراد (تشكيلها) لإنجازها؟!

    هيئة سوار الدَّهب نفسها تعي ، ولا بُدَّ ، أن هذين أعقد سؤالين سيواجهان عملها ، وذلك ، بالأساس ، من جهة موقف الحزب الحاكم. فلئن كان مضمون (المصالحة) الجادَّة وضع علامة فارقة بين توجُّهات الماضي وتوجُّهات المستقبل ، فمن البدهى أن يجد أىُّ نظام ترعرع على الاستئثار بالسلطة صعوبة فى تجرُّع أن يُفرض عليه اكتشاف الخطأ القاتل فى إصراره على مواصلة السير بالطريق القديم ، واستحالة استمرار شعبه فى الصمت بإزاء بقاء الحال على ما هو عليه ، دَعْ مخاطر الاطماع الاجنبيَّة التى تجد في مثل هذه الفجوة ما يغوي ، عادة ، بالتسلل!

    مع ذلك ، فلا مناص من طرح بعض الأفكار التى لا بديل ، فى الوقت الراهن ، عنها ، حيث تشكل المخرج الوحيد المتاح من بابين أساسيَّين:

    أوَّلهما أن مرجعيَّة الحكم ، الآن ، والتي لا سبيل إلى القفز فوقها ، هى (اتفاقيَّة السلام) و(الدستور الانتقالى) ، وأضيفت لاحقاً (إتفاقيَّة أبوجا) المجمع على هشاشتها ، و(اتفاقيَّة أسمرا) لسلام الشرق. ولئن كان غرض (الدستور) تحقيق هدفين مترابطين جدلياً: (السلام الشامل) و(التحوُّل الديموقراطى) ، فإن تحقيقهما يمرُّ ، بالضرورة ، عبر تحقيق شرط (العدالة الانتقاليَّة) ، كمقدمة لازمة لإعادة بناء (الجبهة الداخليَّة) المنهارة. لكن من فادح الوهم ، يقيناً ، تصوُّر إمكانيَّة إنجاز هذه الأهداف ، بدون إصلاح بنية السلطة والعلاقات السياسيَّة ، والتخفيف من غلواء (التهميش الطبقي) بمناهج العدالة الاجتماعيَّة ، ومحاربة (التهميش الاثني) للتكوينات القوميَّة المستضعفة ، و(التهميش النوعي) للنساء ، وفض التناقض المصطنع بين (الديموقراطيَّة) و(الدين) ، وإنجاز الاصلاحات التشريعيَّة اللازمة ، وإتاحة المشاركة الواسعة للجماهير فى هذه العمليَّات.

    على أنه ، ورغم أن بلادنا ليست حديثة عهد بـ (الديموقراطيَّة) ، حيث ظلَّ النضال في سبيلها قانوناً ثابتاً للثورة السودانيَّة منذ فجر الحركة الوطنيَّة ، إلا أن عهود الشموليَّة المتطاولة أسهمت فى تغذية الهشاشة النسبيَّة للبنية الاجتماعيَّة التى تتيح استشراء الغلو باسم الدين ، وإضعاف آليات المقاومة للقهر ، وتكريس قيم السوق بالمصادمة لقيم التضامن ، مِمَّا انعكس سلباً على أداء الدولة الوطنيَّة فى نموذجها القمعي ، والتى أضحت تبدي ، منذ حين ، لا فى السياق المنسجم للتطوُّر الداخلي ، وإنما استجابة ، فحسب ، للضغوط الخارجيَّة ، إيحاءً خدَّاعاً بالقبول الشكلاني لـ (التحوُّل الديموقراطي) ، دون أن تحفل ، مقدار قلامة ظفر ، بمطلوبات (العدالة الانتقاليَّة) التى تفضِّل هذه الدولة أن تستخدم ، بدلاً منها ، مصطلح (المصالحة) ، بشكل مخاتل ، على خلفيَّة الخبرة المايويَّة الشائهة عام 1977م.

    لذا ينبغي الأخذ فى الاعتبار بتداخل قضايا (التحوُّل الديموقراطى) لبلادنا فى نسيج حراكات عالميَّة لا سبيل لفصلها عنها ، حيث صارت إلى ازدياد ملحوظ ، بفضل ثورة الاتصالات ، التجمُّعات الدوليَّة المعنيَّة ، على مبدأ (الاعتماد المتبادل) ، بحقوق الانسان والشعوب ، وبالدفع باتجاه التواثق على المعايير الدوليَّة (للتحوُّل الديموقراطى) ، ورفض التنصُّل عنها من جانب أىِّ حكومة. وهكذا لم يعُد (التحوُّل الديموقراطى) محض (خيار) يؤخذ به أو لا يؤخذ ، فيتوجَّب ، إذن ، التعاطى معه فى منظور إلزاميَّته المحروسة برقابة دوليَّة ، رسميَّة ومدنيَّة.

    أما الباب الثاني فهو أن الدولة الخارجة ، لتوِّها ، من قبضة نظام قمعى ، سواء بصورة راديكاليَّة ، كما في جنوب أفريقيا ، أو بصورة إصلاحية ، كما في المغرب ، فإن (التحوُّل الديموقراطى) فيها لا يمكن أن يقع إلا عبر جملة ترتيبات عدليَّة تهدف إلى تضميد الجراح ، وتعويض الضحايا ، مادياً ومعنوياً ، وترميم شروخات الممارسة القمعيَّة السابقة ، مِمَّا قد لا يفى بمقتضياته مجرَّد النظام القانوني والقضائي التقليدي ، خصوصاً عندما يتطاول الأمد بالنظام القمعى ، وبالحصانات التى يسبغها على عناصره ، وبالتعقيدات التى تترتب على ذلك فى ما يتصل ، مثلاً ، بالتقادم المسقط للحق فى التقاضى وما إليه. لذلك فإن ما أضحى يُصطلح عليه بـ (العدالة الانتقاليَّة) هو ما تحتاجه بلادنا ، حقاً ، في الوقت الراهن. لكن هذه (العدالة الانتقاليَّة) التى تقترن وجوباً (بالتحوُّل الديموقراطى) ليست محض تعبير (لغوي) سائب ، بل (مصطلح) منضبط أكسبته دلالته المحدَّدة تجارب الشعوب من تشيلى إلى الارجنتين ، ومن البيرو إلى غواتيمالا ، ومن المغرب إلى جنوب أفريقيا وغيرها ، فضلاً عن الجهود الفكريَّة والحركيَّة التي يدعمها مركز (العدالة الانتقاليَّة) بنيويورك ، بحيث أضحى أيُّ (تحوُّل ديموقراطي) مشروطاً بتوفير هذه (العدالة الانتقاليَّة) التي ينبغي أن تتصدَّر أولويَّات أيَّة جهة تسعى لـ (توحيد الجبهة الداخليَّة) في السودان ، كهيئة جمع الصف الوطني ، بذات القدر الذي تتصدَّر به أولويَّات الرقابة والاهتمام الدوليَّين.

    غير أن المشكلة الحقيقيَّة التي ستجابه هذه الهيئة تتمثل ، ابتداءً ، فى شحِّ فرص هذا (التحوُّل) نفسه الذى لا يبدو ، حتى الآن ، أن النظام يمتلك لأجله إرادة سياسيَّة كافية! والدليل ما ظلَّ يبدى من جفول كلما ورد مفهوم (العدالة الانتقاليَّة) المنضبط ، فما يلبث أن يشيح عنه ، ليستخدم مفهوم (المصالحة) أو (الوفاق) ، محاولاً إعادة إنتاج مبادرة فتح الرحمن البشير عام 1977 ، وهي نموذج سائب بلا ضمانات ، يقول كلَّ شئ ولا يقول شيئاً ، ويأخذ بالشمال ما قد يكون منح باليمين! ويجدر ، للدِّقة ، أن نلاحظ ، أيضاً ، أن الحركة الشعبيَّة ، شريك نيفاشا ، وحركة مني أركو ، شريك أبوجا ، قد تجاهلتا ، بدورهما ، مطلب (العدالة الانتقاليَّة) ، وقبلتا ، بدلاً عنه ، بصيغة (المصالحة) الفضفاضة! ففى الدستور الانتقالى ، المستند إلى الاتفاقيَّة الأولى ، تنصُّ المادة/21 على أن "تبتدر الدولة عمليَّة شاملة للمصالحة الوطنيَّة وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطنى والتعايش السلمى بين جميع السودانيين". ورغم ما تتسم به هذه الصيغة من انشائيَّة برَّاقة ، إلا أنها سرعان ما تتكشف عن خواء كامل إذا أخذنا فى الاعتبار ورودها ضمن المواد الموجِّهة لا الملزمة ، وكذا ورودها بابتسار وفر ، حتى الآن ، مهرباً مريحاً لحكومة الشريكين من النهوض بعبئها فى الممارسة. أما (أبوجا) ، فرغم أنها ضمَّنت (الفصل الرابع منها ـ م/31) صياغات مسهبة لنصوص الفقرات من (458) إلى (503) ، تحت عنوان (الحوار الدارفورى ـ الدارفورى والتشاور) ، إلا أنها جاءت ، مع ذلك ، أكثر سوءاً ، كونها لم تقم وزناً للمتغيِّرات المجتمعيَّة التاريخيَّة ، فمضت تدور حول مفهوم (المصالحة) بدلالة النموذج (الأهلى) القديم لـ (مؤتمرات الصلح القبلي) ، فى وسطٍ نزعت منه قسوة الحرب الضروس تلقائيَّته الفطريَّة ، فزعزعت ، وسط الحريق الهائل ، جدوى ذلك النموذج. و(الدولة) ، إذ تسعى الآن إلى تشغيله ، مؤمِّلة فى انتشاله من جوف الرماد الساخن ، إنما تتجاهل حقيقة كونك لا تستطيع أن تستعيد من التاريخ ما سبق أن طمرته فيه ، إلا كاريكاتورياً أو مأساويَّاً!

    لكن ، مع كلِّ ما سقنا من مآخذ على المادة/21 من الدستور الانتقالى ، فثمَّة ضرورة للاعتبار بـ (روحها) في تأويل (نصهِّا) ، لو صدقت النوايا ، بما يحقق مرامى المفهوم الحديث لـ (العدالة الانتقاليَّة) ، اهتداءً بأكثر من أربعين تجربة عالميَّة ، لا استنساخها بلا تبصُّر ، مع الأخذ فى الحسبان بأن أقربها إلينا تجربتا (المغرب) تحت عنوان: (الحقيقة والانصاف) ، و(جنوب أفريقيا) تحت عنوان: (الحقيقة والمصالحة).

    فى (المغرب) أفضى جدل التطوُّر الطبيعى لعلاقات المجتمع المدنى مع النظام السابق إلى إحداث بعض (التحوُّل) داخل بنية النظام نفسه ، بينما أفضى فى تجربة (جنوب أفريقيا) إلى نموذج مغاير بإنجاز القطيعة التامَّة مع نظام الفصل العنصري السابق. والتجربتان مطروحتان ، فى أفق الخبرة الانسانيَّة العامَّة ، من خلال الاشتباك الوثيق مع دور القوى السياسيَّة ومنظمات المجتمع المدنى فى (التحوُّل) ، أو تجاوز (سنوات الرصاص) ، وفق المصطلح المغربى ، بلفظ العنف ، وتفادي نزعة الانتقام ، واعتماد الوسائل الديموقراطيَّة فى تقصِّى (الحقيقة الكاملة) ، وأداء (واجب الذاكرة) وفق علم النفس الاجتماعى ، و(جبر الضرر) و(إعادة الاعتبار) إلى الضحايا وذويهم ، ماديَّاً ومعنويَّاً ، و(عادة تأهيلهم) ، فرديَّاً وجماعيَّاً ، وابتداع (الاصلاحات الهيكليَّة) الكفيلة بقطع الطريق أمام أىِّ انتهاكات لحقوق الانسان فى المستقبل. لقد انتهجت كلتا التجربتين (جلسات الاستماع العمومى public hearing) ، كآليَّة لاستخلاص (الحقيقة) من اعترافات الجلادين مباشرة وعلانية. ثمَّ بعد ذلك ، وليس قبله ، يمكن للضحايا أن يعفوا ، إذا شاءوا ، وذلك بالاستناد إلى أثر مسيحي عكف على تنزيله ، في التجربة الأقدم بجنوب أفريقيا ، القس ديزموند توتو وبعض الأكاديميين من المؤتمر الوطني الأفريقي ANC ، برعاية مانديلا. ومعلوم أن الاسلام أيضاً يعلي من قيمة (العفو) عند (المقدرة) ، ولعلَّ هذا هو ما يسَّر للتجربة المغربيَّة أن تحقق بعض نجاحاتها.

    هذا هو التحدِّي الأساسي الذي يواجه هيئة سوار الدَّهب. أما التعويل القديم على (خداع) النفس والشعب والعالم (بفبركة) نماذج من (مصالحات صوريَّة) و(ديموقراطيَّات شكلانيَّة) لا يكاد يتبدَّى لها مردود سوى فى ضجيج إعلامى دعائى لا يرُدُّ حقاً أو يجبر ضرراً ، فقد أمسى محض وهم غارق فى الكساد واللا تاريخيَّة!


    الأحد:
    -----------------

    هاتفني ، ضحى اليوم ، د. عوض الجاز ، على خلفيَّة ما كنت أوردت ، ضمن رزنامة الأسبوع الماضي 10/7/07 ، من عبارة جافية منسوبة إليه في حق المعارضين لاتفاق أبوجا. وأشهد ، ابتداءً ، أن الرجل ، رغم كلِّ ما يحيط به من هالات الدولة ، ورغم عدم وجود سابق معرفة شخصيَّة بيننا ، كان ، طوال محادثتنا ، هادئاً ، ودوداً ، لم يستخدم أدنى نأمة سلطويَّة ، بل راح ينفي ، بنبرة حواريَّة غاية في التهذيب ، صدور ذلك الوصف عنه في حق أهل دارفور. فأوضحت له ، بدوري ، أنني لم أنسب إليه إطلاق ذلك الوصف على أهل دارفور أجمعين ، وإنما على معارضي اتفاق أبوجا منهم. فعاد يشرح لي أن العبارة التي وردت عنه ، وبتلقائيَّة سودانيَّة بحتة ، خلال مخاطبته لجمهور الفاشر بمناسبة افتتاح محطتين للكهرباء والمياه هناك ، هي: "الله يبعد عنكم أولاد وبنات الحرام ما يجوا يعيبوا ليكم الاتفاق" ، أو شيئاً من هذا القبيل. فأوضحت له ، من جهتي ، إن غاية ما يُطلب من أيِّ كاتب هو أن يتحرى الدقة في شأن مصادره ، وأنني حرصت ، كعادتي دائماً ، على إثبات مصدري ، وهو صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ 11/5/06 ، وأن عدم نفيه ، طوال ما يربو على العام ، لما نسبته إليه الصحيفة ، يكسب تقريرها صدقيَّة مفترضة ، بما يجعل أيَّ كاتب يطمئن إليها في باب مصادره. فنفى لي اطلاعه على التقرير ، أو مجرَّد علمه به. أخيراً شكرته على الاهتمام بما أكتب ، وحرصه على توضيح وجهة نظره فيه.


    الاثنين:
    -------------------

    في الأبيات الأخيرة من (سماء الخيال) ، السوناتة الرابعة من قصيدة (الشيخ اسماعيل في منازل الشمس والقمر) ، ينشد عبد الحي: "الجَّسَدُ قلبُ الفَرَاغ/ الجَّسَدُ مِرآة الكَواكِب/ الوَردَة الالهيَّة تتفتَّحُ في رَحِم العَذرَاء"!

    وعندما صدرت ، عام 1984م ، الطبعة الأولى من مجموعة (حديقة الورد الأخيرة) ، التي تشمل هذه القصيدة ، لم يكن دان براون قد أنجز ، بعد ، نشر روايته الأشهر (شفرة دافنشي) التي صدرت بعد ذلك التاريخ بما يناهز العشرين سنة.

    قبل (شفرة دافنشي) لم تكن (الوردة الالهيَّة) ، أو (الزنبقة) ذات البتلات الخمس ، رائجة في الثقافة الغربيَّة ، شعراً أو نثراً ، وإن كانت ، حسب براون ، كثيرة الورود في الآثار المسيحيَّة ، رامزة لـ (الكأس المقدَّسة) التي ترمز ، بدورها ، لأخطر سرٍّ مقدَّس في المسيحيَّة ظلَّ يتوارث حراسته قادة جمعيَّة سيون السريَّة ، كليوناردو دافنشي وإسحق نيوتن وفيكتور هوغو ، وتلك أخطر افتراضات براون حول سلالة ما للسيِّد المسيح ، مِمَّا عرَّضه لغضب الكنيسة.

    وفي أحد حوارات الرواية وردت إشارات إلى الكأس المقدَّسة (كشخص) ، بل (كامرأة) ، وإلى رمزي الذكر والانثى ، والافتراض الخطأ بأن رمز الأنثى (مرآة) تعكس جمالها ، بينما أصل هذين الرمزين يعود إلى علم الفلك ، حيث أن رمز الذكر هو رمز (الكوكب الإله) مارس ـ المريخ ، ورمز الأنثى هو رمز (الكوكب الإلهة) فينوس ـ (الزهرة) ، ويسمَّى شاليس أو الكأس ، ويشبه القدح أو الاناء ، والأهم ُّ .. يشبه (رحم) المرأة!

    نعود إلى سوناتة عبد الحي وإشاراتها المحيِّرة إلى (مرآة الكواكب) و(الوردة الالهيَّة) التي تتفتح في (رحم العذراء) ، ونستحث النقاد أن يفتضوا لنا هذه المغاليق ، حتى لا تذهب بنا الظنون إلى أن عبد الحي كان ، أيضاً ، أحد قادة جمعيَّة سيون!

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de