|
|
 الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار
|
ثورة القرابين
الطفل الفلسطينى الذى يقتل يوميا فى احضان الآباء و الامهات , عادت روحه الى كجبار عندما اختاروا صبية فى اعمارهم ( 18, 25 , 30 ) ليطلقو عليهم الرصاص.
على اثر هذه الدماء دخلت ( الولاية الشمالية ) فى هرج و مرج , لم تكن الاصابع وحدها التى كانت مرتجفة بل المواقف و البيانات . افصحهم لسانا كانت كلماته ملتبسه . كيف يعتبر الوالى ( شهداء ) و هو يصر على اقامة المشاريع فوق الاشلاء ؟. اما المجلس التشريعى فقد نجح فى سحب ( الشهادة ) و وضع بدل عنها ( نفر من ابنائه ) أو ( المتوفى ) !!. و لكن لغته عادت الى الخرس و التناقض عندما طالب بعدم اقامة مشروع ( على الظلم ).
و الاغرب فى هذه البيانات ان بيان وزير الداخلية – الذى لا يرجى منه الكثير – كان اكثر تحضرا فى لغته فقد كانت اطفائية معتدلة .
عقب هذه الزلزلة طفق الوالى يردد كذبة عبود التاريخية : ( لن نفعل شيئا دون رغباتكم ) . اما فقير اللغة الذى استفزته شعارات الجماهير فقد كان مريحا , لانه قال : ان ( الانقاذ ) التى هزمت امريكا لا تستطيعوا مقاومتها ( الخزان حيقوم كان رضيتو و كان ابيتو ) .
أما عندما اخرجت الأرض اثقالها فقد خرج المعدن النوبى الأصيل من بين ركام ( الانقاذ ) : استقال المعتمد عصام ميرغنى . تذكرته و لم يفاجئنى مواقفه لاننى اعرفه , و استقال عبد الرحمن فقيرى و استراح من لعنة التاريخ .
امتدت ثورة القرابين الى الجموع التى احتشدت فى نادى المحس و اهتز المكان بالتهليل و التكبير ( الاسلام ) لا يجب ان يسرق و التكبير لا يجب ان يصمت كما صمت الان فى ساحات ( الانفاذ ) .
الاسلام بضاعتنا لم يلتجأ الا الى النوبيين قبل ان يعم غيرهم , فالمسجد الأول و التابعى راوى الحديث و مفتى مصر و شيوخ المملكة السنارية و رواق الأزهر و دعاة الاسلام فى امريكا ... و الشهداء فى عصر ( الانقاذ ) الأول ( عبيد ختم – هيكل ) قبل ان يحل فى ( الانقاذ ) عصر البلطجية .
هكذا كانت ثورة القرابين التى لها ما بعدها فى الاوساط النوبية انتظروا .. هذه الدماء رتقت كيانا ظل مخلخل الأوصال محبوسا فى ( التراث ) . كجبار بهذا تجاوزت مرحلة السدود الى ثورة فى الثقافة و السياسة .
تأملوا الآن محمد الدرة هذا الطفل الفلسطينى البائس .. روحه الآن تنخر كالسوس اسرائيل من الداخل ... فقط راهنوا على الوقت !!.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
قصه من كجبار
جلس اسماعيل ود وادى خليل متكئا على جذع نخله و هو يرنو ببصره على الجموع التى شيعت شهداء كجبار وهى تتفرق صامته لا تسمع لها الا خشخشه اقدامهم . التفت الى جهة البحر فلم يثر انتباه شئي الا اكوام الرماد الباقيه فوق هامات النخيل, عالقه على جريد تركتها زخات الرصاص سوداء متدلية .
نظر الى السماء الصافية و طفق يحادث نفسه .. هل شهد هذا الفضاء طلقات رصاص ... هل قتلتنا ايادى آثمة ام نحن ضحايا سلام اجتماعى ... حشود مسلحة تتقاطر و استعراض قوة تتواصل و الحكومه لم تبارك بل قررت ان تمشى فوق الاشلاء ...
تكثفت هواجسه و استحالت الى كلمات مسموعه ... – انا لم اذبح دجاجه ..
ينخفض صوته الى ما يشبه الهمس ... نساءنا اعراضنا ... اعماقه تفور باحاسيس حادة تلسع امعائه تنتشر كنشارات حديد ملتهب . تتجمع ليختقن ثم تصعد الى الصدر , يختنق , يبحث عن نسمة هواء , يقف فيخرج محتويات امعائه ... يتقيأ و يعود ليتكئى على جذع النخله فيروح فى خدر عميق . تتكاثف هذه الاحاسيس الجديده ثم ينتفض جالسا . دفقة كبيره من الفرح انداحت فجأة فى اعماقه . لم يحدث ان ذاق مثلها من قبل . و تشتعل الحياه حوله يخضر الجريد الأسود , تاخذ الاشياء حوله دفقه من روحه . اصوات الريح بين شواشى النخيل بدت امامه كانها تحاور و تحتج . رفع رأسه كانه يسمع شيئا يحادثه من بين فروج الجريد المخترق !!.
كان يلعب فى ظلى ..
يسألها اسماعيل :
يقال انه مات هنا.
مات هناك فى الطريق العام ... كان مهشم الرأس .
اذن فى ظلك اخرج روحه.
لا كان فى الاصل بقايا روح ... عروقه كانت ضعيفة النبض.. نحيفا فى جسده ... و لكن من قوته يبدو انه رقص رقصة الموت فى غير هذا المكان !!.
صمت اسماعيل فلم يعد ما يقوله لنخلة كجبار .... لم تنتظره اصوات الريح فقد عادت الى العويل ثم الضجيج ثم صارت مثيرة للضيق كصرير الابواب العصية !!.
فى لحظة احتقان قفز و هو يصرخ : ( مأساة عبود لن تعود !! )
***
اسماعيل ... اسماعيل قول بسم الله ...
فتح عينيه و هو يتصبب عرقا ليجد أمه و شقيقته فوق رأسه .. وهن يرمقنه بنظرات الدهشه المشفقه. قام مسرعا كمن تذكر شيئا و هو مثقل الرأس بآلام يلملم اشياءه .
خرج الى الطريق العام فى ( الحاج يوسف ) و لكن وجد حافلات السوق العربى تتهادى فى الطرقات ... و الأمن مستتب !!.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
طيوف الغرق فى بلاد النوبة
الغرور و الاستعلاء الأجوف حالت على المسئولين فى الولاية الشمالية دون استناس أمة تئن ثقافتها بطيوف الغرق المدمر . اغراهم ( السلام الاجتماعى ) الذى لم يعد محمودا فى هذا العصر , حتى و لو كان ابنا شرعيا لحضارة و تراث . اعتقدوا ان وصايتهم مبرره بسحر التنمية المزعومة و دخلوا دخول الثور فى مصنع الخزف !.
***
الهواجس و الحساسية اكبر فى وعى هذه الأمة من المنطق الذى يستند على عائدات التنمية – ان وجدت . الطيوف التى يعج بها الوعى التراثى تربطها حقيقة واحدة و هى : أن بلاد النوبة التى تحتضن الشلالات شمال الخرطوم موعودة فى المستقبل القريب لتصبح مخزنا للمياه , و ما تجربة حلفا ببعيده و كل ينتظر دوره , لأن التمزق قادم , فالكل الاجتماعى التاريخى لم يعد ضامنا للبقاء !!.
بدأت عملية سقوط القرى النوبية فى قاع النيل الواحدة تلو الأخرى مع بناء خزان اسوان عام 1898م , فى عام 1902م مع التعلية الأولى , ارتفع منسوب النيل خلف الخزان الى ارتفاع 106 مترا . اثناء هذه القفزة التهمت مياه الخزان حوالى عشر قرى جنوب مدينة اسوان حتى قرية الدكة فى مسافة ( 105 ) كيلومتر . أما التعلية الثانية للخزان عام 1912م , ارتفعت المناسيب خلف الخزان الى ( 113،9 ) مترا , و اختفت هنا كل قرى الكنوز و معها بعض القرى فى اتجاه الجنوب .
و حينما جاءت التعلية الثالثة مع ارتفاع جديد بلغ ( 121 ) متر عام 1933م اختفت كل القرى النوبية فى مصر ما عدا ثلاث قرى على الحدود السودانية و هى : ( أبوسمبل ، بلانة , ادندان ).
هكذا بدأت حلقات االمآسى تضيّق الخناق على مجتمعات تعودت الحياة سلسلة فى مجارى فتحتها القرون و العلاقة الحميمة بين الأرض و الانسان كانت قد اوصلت التقاليد الى اعماق بعيدة فى سلوك الانسان , حتى ان الانسان كان يرى كأنه ذاب فى كلية اجتماعية لا يدرى له الباحث اطارا واضحا . هل هؤلاء ابناء قبيلة ام مجموعة ثقافية ؟ ما وجدوا له حلا سوى ان ينسبوه الى مدينة وكفى كلقب (( الحلفاوى و الدنقلاوى , . أو الى منطقة محسى او سكوداوى )).
ظلو ا على هذه الحال حتى جاءت الضربة القاضية مع بناء السد العالى الذى ارتفع بالمنسوب خلف الخزان الى ( 180 ) متر فى عام 1964م على اثر هذه الضربة هجرت مدينة تاريخية ضخمة و ( 27 ) قرية من الجانب السودانى . و قبل ان يفيق النوبة من استيعاب الحدث , جاءتهم كجبار تحمل نذير شؤم بترحيل ( 28 ) شياخة و حوالى 35 قرية .
.... اليس من ثقافة ( التنمية القاتلة ) ان يجلبوا هولاء (( الاعراب )) بمعاولهم الصدئه ليغسلوا الصديد من هذه الجروح التاريخية ؟!!.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
جعولية العولمة !!
هل يجوز ان يكون ( اليوم ) أسوء من ( البارحة ) . و هل هذا معقول فى قانون التطور ؟.. ام كل شى ممكن فى السودان .
فى مطلق الاحوال تعالو نصف – مجرد – وصف موقفين لرئيسين سجلهما التاريخ .
فى اكتوبر عام 1960م طلب اللواء طلعت فريد و هو عضو فى مجلس الثوره من الرئيس عبود ان يأذن لهم بسحق الجماهير المحتشدة و المحاصرة للوفد الحكومى فى فندق وادى حلفا .
قال قولته الرحيمة : ( يا فريد لو كنت فى مكانهم لفعلت مثلهم ) ..
و الملاحظ أنهم لم يتصرفوا الا باذن من رئيس الدولة و لو فعلوا لكان يمكن ان تكون لهم عذر يمحو الذنب , لان الخطر كان من نصيب وزراء و اعضاء مجلس ثوره !!.
***
فى يونيو عام 2007م عقب مذبحة كجبار بيوم , قال السيد رئيس الجمهورية و هو يحكى انتصاراته على الأمم المتحدة !!. ان السودان أصبح قويا ! بالمؤتمر الوطنى و عليه قرر عدم التهاون فى الردع ( لن نسمح لقلة تريد ان تعطل دولاب العمل و مشروعات التنمية .) ..
و رغم انه قرر بان هولاء ( قلة ) , الا انه اعترف من حيث لا يدرى او لا يدرى بعكس ذلك , و الحقيقة لا ندرى كيف نصف هولاء بالقلة و الذينشيعتهم ما يقارب الخمسة آلاف فى منطقة شحيحة فى العنصر البشرى ... أما الأهم من ذلك أظهر يأسه من حجم المؤتمر الوطنى فى الشمال النوبى فى قوله : ان على الحزب ان يخوض الانتخابات دون ( تملق و كسب رخيص ).
كأنما قرر ان يواجه الشمالية باسرها , لأن المسألة لم تعد مسألة ( قلة ) ، بعد ان قرر مزيدا من المواجهة فوق اشلاء من قتلتهم قواته !! .
المفارقة هنا فى نوعية هذا الكبرياء الجارف ... هل هى ( قوة ) و هو لا يقوى على ثلة من فقراء قرى كجبار ؟ و اين مخافة الله فى الاعتراف بالحق و حقن الدماء ؟!.
هل كان السيد الرئيس مستثارا بحساسية ( الحزمة الثالثة ) و جاءت كجبار تزاحم ضيقه , أم انها نوع من الجعولية افرزتها ثقافة العولمة ؟!!.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
المأزق الوجدانى
المأزق الوجدانى الذى يلعب عليه انصار شركات ( المقاولة ) فى بناء سد كجبار هو : معالجة الفقر بمشاريع التنمية . كل ذلك يقال رغم ان الحكومة نفسها تقول ان الأمر مازال فى طور الدراسة . نترك حكاية ان الحكومة لا تملك سابقة لتنمية مقنعة أو ان الثقة بينها و المتضررين مفقودة أو ان معالجات التحرير الاقتصادى ادت الى نتائج عكسية ابرزها خلخلة النسيج الاجتماعى لأمه هدها الفقر حتى انفجرت المناطق الضعيفة فى المناطق و اصبح السودان تحت الوصايه الدولية – نترك كل هذا و نحاسب انفسنا هل نرفض التنمية على حساب الارض و التراث و نظل فقراء أم نلغى الثقافة و التراث على حساب الحداثة ؟
تعالو نرى كيف خرجت النوبة المصرية من هذا المأزق على لسان مبدعيهم .
النوبة المصرية صاحبة النصيب الاكبر من مصيبة التهجير , و على عكس النوبة السودانية اكثر ابداعا فى الشعر و الرواية و لا غرابة فى ذلك ، فهذا هو الفرق بيننا و المصريين الذين ندفع الان ثمن مصالحهم المائية .
الجو الفكرى الذى جمع المبدعين و المثقفين من المهجرين جو واحد و الجرح واحد , يتلخص فى الآتى :
1 – آلام التهجير و الانقطاع عن الجذور.
2 الفقر و قساوة البيئة .
3 – بريق الحضارة فى بناء السد .
4 – الاضطهاد و التهميش .
اذا كيف اتخذ المثقف طريقه بين دروب هذا المأذق الوجدانى .
منهم من آمن بالتنمية كخلاص لأمة بائسة كما حدث فى تجربة الشاعر عبد الدائم طه و هو من مهجرى التعليه الأولى لخزان اسوان و قال فى ذلك :
( سوف يعلو فى كل بقعة أرض
ذلك اللحن .... عشت يا خزان )
و لكنه لم يستطع ان يبتلع تاريخه بأسم التنمية و الحضارة بل ان شاعريته المتقده اسعفته ليسترد توازنه أمام لسعات الدعاية الحكومية :
( و قالو بلادك بؤس و جدب
تحيط بها كالقيود الجبال
بلادك صخر و جوع و عرى
عميق الأسى ... و رمال
لم يجد حتى المواساة من المصريين رغم انه ضحى بكل ما يملك من اجلهم ، فقالوا له : ( الا للجحيم بلاد الجحيم ) .
كان رده :
فى غيظها نضجنا رجالا
و بثت لنا بالحنان الظلال
فهيهات مثل بلادى بلاد
وهيهات يفدى بلادى مال
متوكئا على ثقافته الذهنية و على قدراته الفنية بحث لنفسه مبررات عقلية و كمن وجد جمالا فى اسنان كلب ميت حرر القيمة الجماليه لارضه و تراثه .
أما ابراهيم شعراوى و هو شاعر آخر من النوبة المصرية قد بلغ شأوا عظيما فى مدح عبد الناصر ( صاحب الخراب ) الى درجة انه ساوى بينه و بين ترهاقا الحاكم النوبى :
ان ترهاقا ابى قد جاء من
عالم الغيب يحى ناصرا
رغم كل هذا الانبهار بعائدات التنمية – التى لم يستفد منها النوبى – الا انه عاد ليبكى تراثه و تاريخه :
و ودعت فيك حلاوة الأيام
و استقبلت يتمى
يا ارضنا .... الأرض بعض ترابها ذرات عظمى
ارضى التى غرقت ... و ظل انينها يدمى و يعمى .
و هاك شاعر آخر و هو زكى مراد من قرية ابريم النوبية ، بدأ فى اول أمره معجبا بالسد العالى و بحضارة التنمية : ( يا فجرا اخفته ضلوعى فى قلب الصخر ... ) و لكنه فى نهاية المطاف اضطر ليبكى بيت والده بكاء مرا :
يا بيت والدى العزيز
يا سكرة الحياة فى ربيعها الطليق
يا لمحة الطفوله الجميلة البريق
يا ملعب الصبا الغريق
خلاصة هذه التجارب التى اخترناها من التجربة المصرية هى : ان الهروب الى التاريخ و رفض ( التنمية ) نتائجها وخيمة كما هو الحال اذا حدث العكس , بان يهرب المثقف النوبى الى التنمية و الحداثة على حساب ارضه و تاريخه و تراثه .
من وحى هذه المواقف يمكن أن ننتهى الى مطلب يجب ان يكون فى منتهى الوضوح و هو ، ان قضية التنمية لا يجب ان ترفض شريطة ان لا نترك الأمر لهولاء ( الاعراب ) . يجب ان نبحث على طريقة تنفذ بها التنمية بخسائر معقوله يمكن تداركها ثقافيا . و لا يتم ذلك الا تحت اشراف : حكومة ديمقراطية ضامنه أو تحت اشراف كيان نوبى معترف به !!.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
الى نساء كجبار
سنحكى لكن قصه نبره النوبية فمن بينكن امهات ثكلى و اخريات ينتظرن دورهن , و كل شى ممكن فى مجتمع حكموا عليه بالخوف و الرعب .
نبره النوبية بطلة مسرحية ألفها الاستاذ كمال عبد الحليم و هو من المهجرين فى حلفا الجديدة. التقط لها صور من وقائع الفجيعة , قاومت قوات حكومة عبود و المتخاذلين انصار العمدة و لكنها لم تجد من يدفع مهرها . و لكن حتما بينكم فى كجبار من يستطيع ان يدفع طالما بدأت المعركة بامثال : فقيرى الصغير و عبد المعز و شيخ الدين !! .
عندما هل عام 1960م كانت قد ابرمت اتفاقية مياه النيل بين مصر و السودان , و طبقا لبنود هذه الاتفاقية أعلن رسميا تهجير مدينة وادى حلفا الضخمة الفخمة و معها ( 27 ) قرية فى مدة اقصاها اربع سنوات !! .
الشد و الجذب استمر لاكثر من ست سنوات بين الحكومة الديمقراطية و السلطات المصرية و لم يفلح المصريون على الاختراق الا بعد انقلاب حكومة عبود العسكرية عام 1959م .
فى هذه الاثناء كان النوبيون يغطون فى نوم عميق و الزعماء المستنيرين منهم كانوا بين : عدم المسؤلية و الانبهار بحضارة التنمية و العمالة .
كان فضلون خطيب نبره النوبية من بين مثقفى الطبقات الوسطى , لم يهتم كثيرا بما سيحل بأهله و ظل منغمسا فى ملذات الخرطوم . الا أنه استيقظ أخيرا من كثرة رسائل نبره من البلد و التى كانت تحضه للمقاومة !. استيقظ لمصير قومه و لكن بعد ان وقع ( الفاس فى الراس ) و بدأ يحاكم نفسه معترفا بماساة أهله و قد كانت بالفعل مأساة النوبيون جميعهم من حلفا الى الغدارو لا سيما اولئك الذين اخرجوهم كالخراف بعد ان بيعت حلفا بأبخس الاثمان .
فضلون خطيب نبره البطلة يخاطب نفسه :
حايم وحدك فى طرقات الخرطوم
من قهوة لبار
تسكر وحدك
تبكى وحدك
ده مصيرك يا ترهاقا القرن العشرين
تلعن فى الزمن الغدار
هكذا كان أمر فضلون ( الزوج ) الخائب . اما خطيبته نبره , فقد كانت آية فى الحفاظ على التراث و سيده للمقاومة :
صرخت فى وش الناس ( ليه ما نكتب بالنوبية )
قاومت قوات الحكومة الذين كانوا يطرقون بابها بسبب و بغير سبب , قاومت العمدة العميل حاججت افندى التعويضات .
سألها افندى التعويضات , ان كانت تريد التعويض ( نقدى ام عينى ) ... و العمدة يحاول ان يرشيها لتقبل تقول نبره :
لا يا عمده
الراى راى الناس كلها
ناوين نغرق هنا يا عمده
يا ناس يا هوى
ما تسمعوا وسواس العمده
وسواس خناس
هكذا ظلت نبره تقاوم الاهانة و الاغراء , و قد كانت بالفعل مشروعا جيدا لام شهيد , و رغم أنها تركت من ورائها معانى التضحية و الارتباط بالارض الا ان قوة السلاح و التخاذل هزمتها و لم تجد رجلا يدفع مهرها . و فضلون تركها فى البلد .
هذه العذراء النوبية او الكيان الذى حمل انقى ينابيع الجمال النوبى اصبحت ( ملطشه ) لان فارسها لم يستطع ان يدفع مهرها :
اتلمو الناس
عشاق و مراكبيه
راجين فى المشرع
مسكاقرو من نبره و نرتاح
و هكذا ضاعت حلفا و لكنكم يا اهل كجبار بدأتم بشهداء أربعه ....
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
الرهان على السلام النوبى !!
الرصاصات الضخمة التى فجرت رؤوس الصبية فى احداث كجبار . بمثل تلك البشاعة التى نقلتها الصور ... تفجر فى المتأمل اسئلة تلح عليه عقب انحسار الحسره ... هل كانت ضخامة الحجم بمثل ضخامة الرعب فى قلب هذه القوات أم هو ضعف فنى انتج سوء تقدير ... ام كان هولاء الصبية مجرمين بمثل هذه الخطورة .
***
تعجب الزعيم المصرى مصطفى النحاس مؤسس حزب الوفد – و قد عمل قاضيا فى بلاد النوبة – كيف يعيش هذا المجتمع بلا جريمة . و يقول ان ثقافة السلام النوبى هذه اجبرته مرة ليحكم على نفسه بغرامه جنيه واحد لانه أهان امرأة نوبية بكلمة ( يا مره ) !!.
يصف السيد حسن دفع الله – آخر حاكم عسكرى لمدينة وادى حلفا قبل التهجير – هذا السلام الاجتماعى و يقول ان السجن الكبير كان خاليا الا من صعيدى و قد كانت جريمته انه اجتاز الحدود مع المهربين . و ينقل عن احد الضباط الانجليز قوله ان الجنود النوبيين الذين كانوا تحت امرته كانوا يستعملون مؤخرة البندقية الخشبية فى طهى الطعام , و هذا ينم عن عدم الميل لاستعمال السلاح النارى !.
و يقال ان اول جريمة فى النوبة المصرية حدثت بعد التهجير الى النوبة الجديدة فى منطقة حدود الصعيد .
و فى حلقة سابقة حكينا قصة اول رصاصة اطلقت فى قرية نوبية نقلا عن روايه الشمندوره رائعة الاستاذ محمد خليل قاسم – اطلقها احد ضباط الحكومة اثناء توزيع تعويضات المهجرين و لكن كانت فى ( الهواء ) .
هذا السلام اصبح الآن مصدرا للمراجعة و التساؤلات حتى ان احد الكتاب فى النوبة المصرية اعلن ضيقه بقوله: ( نحن مسالمون الى حد الاستسلام ... طيبون الى حد السذاجة ) .
***
لماذا يريد البشير و قواته ان يلقو الاحجار فى هذه البحيره الساكنة , دون مراعاة لحساسية هذه المهمة باسم التنمية المشكوك فى أمرها . و كيف تقبل وصاية غير رشيده.
اما المصيبة الكبرى ان كانوا يراهنون على هذا السلام النوبى , الذى بدا يتحلل بعد سقوط هذا العدد من الشهداء .
الذى لا يجب نسيانه ان قبيلة الفور فى غرب السودان كانو ايضا اهل زراعة و سلام و قد كان سهلا على الحكومة ان تسحق ثورة بولاد و لكن كيف كان المآل .
فتحوا ابوابا لاعاصير العولمة ( العسكريه و القانونيه ) حتى اصبحت الآن كرسى الرئاسة فى القبضه الدولية .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
أول رصاصة فى قرية النوبية !!
جذور السلام النوبى ممتده الى الطبيعة الهادئة و الحياة المنسابة, هذا التناغم بين الأرض و الانسان – و هذا التاصيل العميق , يشير اليه مؤلف رواية ( الشمندوره و هو أروع روايه وثقت تفاصيل الحياة فى القرية النوبية) فى (القرن العشرين ) . تشير الرواية الى هذا التأصيل و هى تحكى قصه اول رصاصة انطلقت فى القرية أبان تهجير النوبيين فى التعلية الثالثه عام 1934م :
عندما انهال المعارضون للتعويضات بالسياط على ظهور الناس , هب ضابط الحرس مذعورا و اعطى اوامره باطلاق الرصاص , فدوت طلقات الرصاص و تطايرت فوق الؤوس تشيع الفزع و الرعب. انبعث صوت الرصاص غريبا فى القرية . أول رصاصه سمع الناس دويها ... انهم لم يسمعوا صوتا مثله من قبل الا فى المدن . ذاكرتهم تعى صوت الدوى على الطبول و ارتطام ألواح الخشب بالماء أو انهيار جدران ( اما هذا الصوت البارق فلم يسمعه احد قط ...) .
هذا السلام الاجتماعى المتأصل فى السلوك لا يقتصر مفعوله على تلبية حاجات الانسان الحقيقية فى التكيّف مع الواقع , بل تمتد آثاره الى اعماق بعيدة فى وجدانه .
هذا السلام الاجتماعى هو سبب الرضوخ النوبى لسلطة المجتمع و هو ايضا سبب الارتباط بالأرض .
هذه الخصوصية التى اسكنت ( الارض ) فى شغاف القلوب هى التى دفعت الاستاذ محمد خليل قاسم فى هذه الروايه ليصف أحد الشخوص وهو يشم حفنة من تراب القرية : ( مال الشيخ فضل الى الأرض و انشب فيها راحة يده , و عاد بها تحمل حفنة من التراب تركها تتسرب من بين أنامله فى اتجاه الريح و تمعن خالى ( الراوى ) فيه و همس فى صوت حزين : ستقتلك الأرض يا فضل فقال انا اليه راجعون) !!.
فى جو هذا السلام لم تكتف الرواية بأن نسجت علاقة خلاقة بين الفرد و المجتمع بل وصفت علاقة اكثر حميمية بين الانسان و الطبيعة .
اقرأ معى كيف شاركت ( الطبيعة ) الانسان فرحته بمقدم موسم البلح :
( تعرت الأرض و رقدت تستحم فى ضوء الشمس و مع ذلك فمئات الاقدام لا تزال تدب عليها من سفوح ( الجبال ) الى الشاطئ و منه الى السفوح من جديد . الهرج و المرج يبلغان مداهما فى كل مكان ... فلقد بدأ الموسم الكبير موسم البلح ) .
تلك الرصاصة التى اخترقت جو السلام فى القرية النوبية فى مصر فى ثلاثينات القرن الماضى كانت مجرد طلقات فى الهواء للتخويف , لا ادرى كيف توثق تلك الرصاصات التى حصدت سته شهداء فى كجبار ... و فى أى خانة نضع اولئك الذين مشوا فوق الاشلاء من ( الانقاذيين ) !!.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
ما اشبه اليوم بالبارحة!!
السلام الاجتماعى الذى تستسهله قوات الحكومة , و هى تفعل ما تشاء فى قرى كجبار , عندما تطلق النار على الجماهير أو تحذر التجول أو تحتل درب الاربعين – ما هو الا نتاج تأصل الثقافة المحلية و التراث فى سلوك الانسان – و لكن لهذا السلام موبقاته , و منها أنه يجعل الانسان ان يحيا كالحيوانات الضعيفة بكثرة الانجاب . لأن الانسان لا يملك الا أن يقدم الضحايا .
قصة استغلال هذا السلام قديمة و لكن احداثها متشابهة . صدقى باشا فى البرلمان المصرى فى الثلاثينات يتهكم من النوبيين عندما طالبوا بالتعويض . يقول من الذى سيعمل فى بيوتنا اذا اغتنى النوبيون . وزير آخر ينكر عليهم جنسيتهم المصرية , بل تعتبرهم حكومة مبارك ( مغتربين) فى المدن المصريه عندما طالبو بحقوقهم فى النوبة الجديدة . اللواء طلعت فريد فى حكومة عبود يعتبر المطالبة بالحقوق و الكلام عن الحضارة النوبية نوع من(( البكاء على الاطلال ).
امتدادا لهذا العشم القديم على ( سلام المستسلمين ) يعالج المسئولون فى الولاية الشمالية , بنفس الطريقة القديمة ... الغرور و الاستعلاء و عدم الاكتراث للاذى النفسى . مسئول حكومى لم يظهر الا مؤخرا بسبب هذه الأزمة يعلن على الملأ : (لا ادرى مدى احساس هؤلاء بالتاريخ , هل يدركون أنهم يزرعون بمثل هذا الكلام عشرات القنابل فى طريق الاجيال القادمة ؟) .
ما اشبه اليوم بالبارحة !! .. تحكى رواية الشمندورة رائعة الاستاذ المرحوم محمد خليل قاسم من قرية قته النوبية – كيف ان قريتهم شهد من مسئولو الحكومة يتهكمون و هم يقومون بقياسات النيل : هبط الطوفان على القرية ليلا و بدأت المياه تأكل وهاد الجزيره , و بدأت تنبعث اصوات هائلة من هدير الأمواج التى بدأت تندفع للقرية ( كل شئي فى قريتى يتهدم , السواقى و الشواديف و البيوت و الحظائر كل شى يتلاشى ) .. ( مع طلوع الشمس ظهرت اكوام من بقايا البيوت التى تهاوت فى الشاطى) .
( وصلت طلائع المياه المندفعة الى وسط القرية و الجدر تتهاوى محدثة غبارا داكنا .. تظهر اسراب من الاوز الأبيض و هى تحط على الاغصان هاربة من الريح التى اخذت تعوى مثل الذئاب ) .
( نداءات غير معروفه المصدر تصدر من جوف الطوفان تنادى بعض أهل القرية , فى هذا جاء وفد من الحكومة يبحث عن قياسات النيل و لم يهتم بما يحدث للاهالى ) .
الفرق هنا فى احداث كجبار ان القرية لم تتهدم بعد بقفل ابواب الخزان , بل ان الحكومة حضرت متأخرة و اشلاء القتلى و الجرحى تنتظر من يسترها فى مستشفى فريق و دنقلا!! ..
ما اشبه اليوم بالبارحة ...
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
مقاومة حتى الرمق !!
حوار لا تنقصه مشاحنة مع احد ابناء دنقلا – و هو بالطبع لا يمثل الدناقلة – ذكرنى حكاية ( الوجدان السليم ) الذى يعتبر حتى فى القانون احدى معايير العقلانية العلمية . ليس بالضرورة ان يكون الانسان من ابناء المنطقة ليستوعب مأساة التهجير النوبى . هذا الوجدان السليم تجسد امامى و انا اقرأ لأحد ابناء الدامر مسرحية ( هجرة شاهين النوبى ) .
الاستاذ عمر العوض جعلى قح استطاع ان يقدم شهادة على مأساة النوبيين بطريقة أفصح من ابناء المأساة !.
تعتبر هذه المسرحية أول محاولة سودانية جادة فى استيعاب مأساة المهجرين فى خشم القربة .
استوحى المأساة و اخرج منها دررا , لا بد ان يتفحصه اهل كجبار جيدا , أجمل هذه الدرر على الاطلاق هى ان شاهين النوبى عشق أرضه و تشبث بها حتى الموت , لانه اولا بحث فى تاريخه عن مكامن القوة ليستمد منها الطاقة .
رفض شاهين الهجره و آثر البقاء متسلقا شجره نخلة , و عندما اشتد الموج العارم تسلق معه كل المعارضين . أما الخائفون و المتخاذلون فقد آثروا ركوب ( مركب الحكومة) و بدأوا يحرضون النوبيين على الاستماع لرأى العقل و يهاجروا . لم يكتفوا بذلك استمروا فى التهكم من اهل المقاومة قائلين لهم ان اشجار النخيل لن تقيكم من مياه السد ( المراكب عدت حسع فوق النخل القائم فى ارقين )
و لكن هل نفعتهم الحكومة ؟
تقول المسرحية ان مراكبهم : ( طاخت شالها الريح العاتى و دقت فى الصخرة انشقت ) ..
اما أهل المقاومة الذين تركناهم يمسكون بعراجين النخل رافضين الركوب فى مراكب الحكومة باى ثمن . يرسم المؤلف صلابتهم بطريقة غايه من الروعه :
(( يا زملايا ... يا الطالعين فوق النخلة المسألة جد النيل طامخ . أنا خايف تبقالنا ندامه )) .
يرد عليه احد المقاومين : ( ... مالك ياخى .. )
يقول : ( الموج لامس راحة رجلى ... و طالع )
يزجره لكى لا يخاف : ( .. خواف .. لامن يلمس عضم الكتف نحن سلامة ) هكذا تتواصل المقاومة حتى الرمق الأخير , عند بلوغ مياه السد التى بدأت ترتفع رويدا فى اعالى النخله , حتى (السعف الطامى). و عندما بلغ الماء اعلى ذروة فى النخل يختنق التربال و يخرج روحه و يلحق باولئك الذين لسعتهم العقارب و الثعابين الهاربه امام الماء ... و يتم الفداء !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من ذاكرة التنمية
فى يناير 1954م ألقى السيد موريس المستشار الانجليزى لوزارة الرى السودانية امام المجلس الهندسى ... مذكرة ناقش فيها مستقبل نهر النيل فى القطاع الممتد بين الخرطوم و وادى حلفا .
لعل تخليص بعض النقاط التى وردت فى المذكره لحساب اهالى كجبار فيه الترويح و الفائده .
يقول ما معناه :
ان مشاريع التنمية التى على النهر يجب ان تعتمد على مبدأين :
اعتبار مصلحة البلاد التى يمر فيها النيل
عدم الاضرار بمصلحة المواطنين الذين عاشوا كاسلافهم على الضفاف .
يجب ان يرسم المشروع لتلبية اكبر قدر ممكن من المنفعة مع تعدد الاغراض و الارتباط بالخطه العامه.
النيل الرئيسى لا يصلح لحفظ الموارد المائيه و تخزينها طويلا ( قارن هذا بمشاكل السد العالى التى بدأت تطرأ الان ) و لعل سد كجبار أحد محاولات الانقاذ .
البدء بمشروع خزان ضخم على النيل الرئيسى غير حكيم من الناحية الهايدرولوجية .... و ان البحيرات العظمى فى منطقة المنابع هى انسب مكان لتخزين المياه لمصلحة عمليات الرى فى مصر ! .
الاغراض الرئيسيه لمثل هذا النوع من التنميه ( اى انشاء الخزانات ) فى : الرى , الكهرباء , الحماية من الفيضانات , الملاحة .
الموقع الامثل للخزانات هو : الاعمق للتخزين و الجو الرطب لتقليل التبخر و اعتماد على الاراضى المروية و الكثافه السكانية يعتبر الشلال الثانى هو الانسب مع خزان اسوان ( فى هذا التاريخ السد العالى لم ينجز بعد ) .
المناطق المروية فى السودان : المنطقة الواقعة لمسافة 60 كيلومتر شمال الخرطوم – من الحقنه شمال الشلال السادس الى العبيدية – من الشريك الى ابى حمد – يترك المنطقه الممتده بين ابو حمد الى نورى ( مكان خزان مروى الحاليه ) . ثم يواصل فى تحديد المناطق المرويه , من نورى حتى كرمه بداية شلال .
8- .كجبار – يترك المنطقه الممتده من شمال كجبار الى دال ثم يواصل فى ذكر المنطقه الممتده شمال الشلال الثانى الى الحدود !! .
و هى يغمر منطقتين : جنوب دال و جنوب خزان مروى الحالية . الملاحظ انه لم يشر الى قيام سد فى كجبار لا للرى و لا للكهرباء كما سياتى .
8 – أشار الى أن الدراسات فى خزان مروى ( الحاليه ) و شلال دال المقترح هى دراسات مصرية , كانت معده حتى قبل عام 1954م .
9 – حدد أنسب المواقع لتوليد الكهرباء من حيث التكلفة و التسويق :
أ – الشلال الخامس و السادس ( عطبره و السكه حديد ) السواقى و المضخات .
ب – الشلال الرابع لري منطقه مروى و دنقلا .
ج – الشلال الثانى لتصدير الكهرباء لمصر ( لم يكن السد العالى موجودا فى هذا التاريخ ) .
لم يشر هنا الى الشلال الثالث ( كجبار ) و لا ادرى ان كان هناك طارئ فنى بعد بناء السد العالى . و لكن الثابت ان الجدوى ( الاقتصادى و الاجتماعى ) موضع شك ..
10 – توليد الطاقه فى سد لم يبنى لخدمة قطاع الرى ( او متعدد الاغراض ) تكلفه عاليه ( تقدر تكلفه راس المال ( فى هذه الحاله ) من الفرق بين التكلفه الحقيقية لاعمال منشأت التحكم فى مشروع الكهرباء و تكلفة تصميم الاعمال لاغراض الرى فقط ) و على ذلك لا يصبح توليد الطاقه امرا بعيدا عن الغرض الأمثل !! .
هذه الملاحظه يجب ان تقرأ مع شروط كثافة السكان و الحاجه الفعليه لها و تكلفه الانتاج و التوزيع و البدائل الممكنه ( كالتوربينات و الطاقه الشمسيه ) و خسائر الموروث الثقافى , و حاجة مصر الحقيقيه للكهرباء بعد السد العالى ... الخ .
كل هذه العوامل ( و الأمر مازال فى طور الدراسه ) يدفع بقوة فى اتجاه ان الكهرباء من سد مروى ارخص بكثير من كهرباء هذا ( السد المكلف ) ناهيك عن الدماء التى اريقت حتى الآن .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من دفاتر المهجرين { 1 }
كلما اشتدت الأزمة على المهجرين فى حلفا الجديدة , كانت تتسع الشقوق , و تتعدد اشكال الانفصام !! هذه الحيرة شرحناها فى عجاله سابقه تحت عنوان ( مأزق التهجير ) , و قد كانت على شكل اسئلة لا حصر لها : كيف ينظر المهجر الى نفسه : هل يقف مع ( الواقعيين ) أم مع عشاق الهروب الى التاريخ , .... اسئله لا حصر لها مثبته هناك . و لكن الذى قلناه ( هناك ) ايضا ان لا أحد يملك الاجابه .
الا اننا فى هذه ( العجالة ) من حسن حظنا اننا وجدنا مبدعا من بين المهجرين حاول أن يرسم شخصيات هذا الانفصام ثم يقدم اشارات تحمل للمتذوق الكثير من الاجابات
فى مسرحية ( دهب و دهيبة ) بحث الاستاذ كمال عبد الحليم و هو من المهجرين فى قرية ارقين , عن نسمة فرح يستعين بها على ويلات المعاش فى حلفا الجديده , و لكنه فى نهاية المطاف – رغم انه اتخذ سبيل ( الواقعيين ) الذين ربما كانو الى الهزيمة النفسية اقرب – انتهى الى حيرة اشد . البطل فى نهاية المسرحية انتحر بان رمى نفسه فى اعماق بحيرة السد العالى !! .
بدأت المسرحية بصراع عنيف بين الماضى و الحاضر . الحاضر يمثله شخصية ( توفيق ) و الماضى يمثله ( خليل ) . أما العشيقين ( دهب و دهيبة ) فقد حملا كل اثقال الهموم النوبية . دهيبة انهزمت فى النهاية و دهب قاوم حتى الرمق الأخير و لكنه انتحر .
من الشخصيات التاريخية المختارة فى هذه المسرحية : ترهاقا و بعانخى . الاول رمز للثقافة و الثانى رمزا للقوه . ثم اختار من التاريخ الوسيط ( سلكو ) زعيم النوباديين و استعان ايضا بصوفى نوبى مسلم هو ثوبان ابو الفيض .
من هذا الكم الهائل من الشخصيات نختار فى عجالة ثلاث شخصيات باعتبارها اخطر محاور الانفصام الذى يعانى منه المهجر فى حلفا الجديدة . هذه الشخصيات هى : توفيق و خليل و دهب .توفيق : استطاع ان يعقلن الهزيمة التى تجرعها النوبى المهجر . اعلن المؤلف على لسانه انه لا يحب الكلام عن التاريخ و يعتبر المعابد و القبور الاثرية مجرد احجار . يحاكم شقيقه خليل - و هو على النقيض منه فى حب التاريخ – يقول له :
( ضيعت رحيقك فى المدن الصفراء
و رجعت تردد فى ضوضاء الصمت
اغنية للدود ......... )
يقول له شبابك ضاع فى حوارى القاهرة ثم تعود الى القرى الفقيره و انت تتغنى بامجاد الاموات او ( المجد الميت ) !!.
و عندما يتشبث خليل بجذوة أمل فى احداث التاريخ ( عميق عميق الجذور ) يتهكم توفيق مرة أخرى ضاحكا من حكاية مملكه نوباتيا ( تاريخك تحت الرمل كسيح )
توفيق الذى لا يحب الشعر و لا الحب و لا التاريخ , كان سهلا عليه ان يقبل بالتهجير الى اى مكان و باى ثمن :
ماذا يعنى لو قلنا ( لا )
سواء على السلطه لا ... و نعم
نستسلم او نتحارب أو نغرق فى الوهم
سواى عندى كل مكان
ظل غارقا فى اوهام الهروب الى الخيارات السهلة حتى ان أخاه خليل اتهمه بالخيانه
خليل شخصية نقيضه لتوفيق , من طراز آخر لا يخفى حنينه للتاريخ و لكنه سلبى لا يقدم و لا يؤخر . لهذا ؛ ربما جعله المؤلف يتغنى بالتاريخ النوبى و هو فى حالة ( سطل ) بجرعه من
الحشيش ( يجلب النعاس فى مفاصل التعب ) . فى غمرة السطل هذه جاءته صحوة العوده الى الوطن ( يا ملك الملوك عد الى الوطن ) . يعود الى الوطن بالفعل فيحاكمه شباب القرية عن عمره الذى ضاع . فكانما اراد المؤلف ان يقول : حب التاريخ النوبى دون مسئولية لا قيمة له و لاسيما ان اذا كانت ( نوبيته ) اصبحت ملطشه للحكومات العسكرية !!.
( ابكاء فى اطلال العمر
سيبقينا فى الأرض الأم )
اما الشخصية الرئيسية فى هذه المسرحية كانت شخصية دهب . و لان المؤلف الشاعر نفسه لم يجد حلا لمأزق التهجير , أو لانه كان مهزوما مثل دهيبة , لم يستطع دهب ان يقدم شيئا مقنعا سوى التغنى بجمال دهيبة ( نوبية تشرق من عيونها الاسرار ) و لكن يبدو ان جمال الانثى فى ساعات النضال الخشن لا يعنى الكثير , ان لم يكن هذا الحب محرضا لحب الوطن .
المهم أنه لا يجد لنفسه موقفا واضحا او صوره :
( شيئا ما احسه فى داخلى
فرح حزين
ام حزن مفرح )
عندما يحاول دهب ان يتغنى بشعارات الوطنيه و يتهم عمه خليل بالتقاعس يصدمه عمه بخيانه والده توفيق للقضيه !! . افاق دهب من صدمته تلك فاقدا الثقة فى كل شئ و بدا يحاكم تراث أهله:
( سألت جدتى مرة
عن السواد فى لباس امهاتنا
عن آهة تخنق نبض اغنياتنا )
ثم يقف مرة اخرى حائرا سئل عن الحل : ( هل نرضى بالقدر المكتوب ... هل نزعن للقهر المنصوب ) .... يرفض منطق التهجير :
كيف يبيع والدى فأس ابيه
كيف ابيع وطنى
جدتى جرجارها
حبيبتى خلخالها
يثور فى وجه الحكومه فيقبض عليه . يقول للقاضى اثناء التحقيق :
( احببت بلادى يا مولاى
فهل اذنبت
هل فى سفر الاحكام مصادرة الاشواق )
بعد رحيل كل القرى الى الوطن الجديد يهيم دهب على وجهه بين الذئاب و الضباع و الكلاب الضالة التى تركها اصحابها .
فى نهاية المطاف و قبل المشهد الاخير يبحث مره اخرى فى التاريخ عن :
( لغته , نشيده , جذوره ) ثم يصاب بالجنون :
ابحث فى وريد الصخر عن وطن
اقتنص صحوتى من جنونى
تقول المسرحية ان دهب وقف على شاطئ بحيرة النوبة و على مرأى من صيادى السمك ابتلعته امواج النيل !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
عمدة أول قرية مهجرة
نستنطق هنا عمدة أول قرية تم تهجيرها من حلفا فى يناير 1964م , و قد كان من انصار الحكومة و المتحمسين للبيانات التى كانت تصدر من معتمد الهجرة , و هو هنا نموذج للشيوخ الذين شاركو فى الاحداث مع صف الحكومة .
ورد اسمه كثيرا فى الشهادات التاريخية التى قدمها ( والى ) مركز حلفا باعتباره من دعموا موقف الحكومة . ذهبنا اليه – و هو شيخ ضرير و مقطوع اليد – و سألناه عن حقيقة البرقيه التى التى نسبها اليه حاكم المنطقه و قرأنا أمامه كتاب الوالى الذى يزعم فيه بان العمدة أرسل برقيه لعمدة القرية رقم ( 2 ) يحثه فيها بان يلحق به و يصف الوطن الجديد بالجنة – قال و هو حريص عن حكمته المعهودة و ادبه الجم : انه لم يرسل مثل هذه البرقيه !! .
اذن : بما نفسر هذا الذى نسب اليه ؟ قال اعلام ... كلام اعلام .... صمت قليلا ثم واصل الكلام , انه كان بالفعل من انصار خشم القربه لان الفقر كان قد زحف على قريته . اراضى الجروف كانت قد بدأت تتاكل و الصحراء بدأت تزحف ... و قال انه لا يعرف احدا رفض الفكرة , أما الاختلاف فقد كان فى تفاصيل الوطن البديل . سألناه : ألهذه الاسباب قبلت الفكره و لكن لماذا اخترت خشم القربه ؟ .
يقول انه استند بالكامل على المواصفات التى نشرتها الحكومة و يعلل ذلك انه كان لا يعرف الكثير عن السودان و الأهم من ذلك ان العمدة كان موظفا فى مصلحة الاحصاء لهذا ربما تعامل مع الارقام الحكومية الكاذبة بجدية !! .
لفت نظرى ان العمدة رغم بصره الكفيف لا يرضى أن يساعده أحد على المشى يمشى وحده متحسسا الطريق بعصا يحملها .
تشجعت لاسأله عن حقيقة اليد اليمنى المقطوعه الى المرفق , تقبل السؤال دون حساسية و طفق يحكى عن الاعراب فى خشم القربه الذين قطعوا يده بالسيف !! .
يقول : كنت احد المسؤلين فى اول مركز انتخابات فى خشم القربه بعد التهجير . هاجمنا مجموعة من الاعراب بتحريض من ( حزب الشعب الديمقراطى ) الذى قرر
مقاطعة الانتخابات فى عام 1965م . جمعونا فى غرفة و انهالوا علينا و نحن عزل بسيوفهم بطريقة عشوائية حتى اننى حاولت ان احمى وجهى بيدى اليمنى فقطعوها اربا .. اكوام اللحم الممزق غطى وجهى حتى أنهم حسبونى ميتا و تركونى وسط اكوام الجثث ..
قال : ظل وسط ركام الجثث حتى انقذه محمد صالح ممرض المركز الذى حمل من على وجهه بقايا يده المقطوعة !! .
رغم ثقل الاحداث المؤلمة لم يسارع العمده الى ادانة خشم القربة فى تلك المرحلة المبكره , و لا أدرى , هل لانه كان مورطا فى تأييد الحكومة ام لانه لم يتعود أن يحمل حقدا على أحد ؟ !! و لكنه رغم ذلك يبقى فى المأزق و يحاول أن يعتبر الأزمة أزمة سياسية اكثر من اى شئ آخر . ثم يعود يسرد كيف أنهم اضطروا ليصرفوا كل اموال التعويضات التى صرفت لهم على متطلبات الحياه فى السته أشهر الأولى لأن المهجرين ظلوا فى الوطن الجديد عاطلين بلا عمل من يناير حتى يوليو !! . ثم يصف كيف أنهم اصبحوا عرضة للسياسات الحكومية المتغيرة و المتعارضة و قد انتهت بتغيير نظام الشراكة فى المشروع الزراعى , من نظام اعاشة الى حساب فردى و بذلك ازدادت نسبة الفقر بين المزراعين . لم ادعه يواصل لان الذى سيقوله مفهوم و معاش .. حاولت ان استمر فى محاكمته و اعيده للتاريخ القديم بسؤال افتراضى :
- لو عدت لذلك الزمان هل كنت ستأيد الحكومة و تختار خشم القربه ؟
- قال و على مقلتيه الكفيفتين سحابة من الحزن و الحيرة . مشكلة المهجرين فى خشم القربة لم تتحل رغم مرور اربعين سنة من التهجير . فهم الآن بلا حماية قانونية و لا كيان يضمهم و بدأ يسخر من اسم ( الحلفاوى ) و من يطالبون بالعودة الى الوطن القديم .
- طيب شنو الحل يا عمدة ؟
اجبار الحكومة على اصلاح الحال طبقا لما اتفقنا عليه عند التهجير !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من دفاتر المهجرين { 2 }
التمسك بقشور المظاهر الحضارية و التغنى بالتاريخ القديم لن ينفع النوبى المعاصر سوى فى استعداء الهوس الدينى و التعصب القبلى , و هو فى الاصل غير مهيأ لهذه المعارك , كثرة التغنى بالتاريخ يدفع بهولاء الى ادوات الارهاب الفكرى , كالكلام عن أن الثقافة النوبية ثقافة وثنية أو التعصب القبلى . ربما حجج التنمية تستصحب مثل هذه المواقف عند البعض لأنها فى النهاية خلخلة فى صلابة الهوية التراثية باقتلاع الانسان من المكان !! .
هذ ه الخواطر هى بعض الأثر الباقى للمسرحية التى وقفنا عندها فى عجالة سابقه و هى مسرحية ( نبره و فضلون ) للاستاذ كمال عبد الحليم و هو من المهجرين فى خشم القربه . خلاصة الحكاية هى صور الضياع التى كان يحياها النوبى المعاصر أو قل الضائع فى المهاجر. فضلون بطل المسرحيه شخصية ضعيفة قضى جل وقته منغمسا فى ملذاته , تاركا الشيوخ و النساء فى قريته يواجهون قوات ( والى ) التهجير أو مظالم حكومة عبود العسكرية و هى تقرر مصير شعب بالطريقة التى تريد .
و رغم كل هذا فضلون سليط اللسان يبحث عن ذرائع ليدارى بها عجزه . و رغم انه مسكون بالسياسة باعتبار ان الحضارة النوبية ظاهرة جغرافية قبل ان تكون شيئا آخر , الا انه ليس من النوع الذى يستطيع ان يستثمر انتماءات السياسة . أزمة التراث النوبى اقوى اسبابها هو ضعف النوبى المعاصر . مثل فضلون هذا الذى يتحدث بفصاحة عن التاريخ , لا يجب ان نلتفت الى احلامه لأنه هارب من واقعه . انظر كيف طار الى أعماق التاريخ و لم يعد منها بشئ يغيير واقعه :
( نخيل بتغنى و ترقص فوق القيف
و بعانخى يعلق فى اعناق النخيل
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
شارات و تمائم نوبية . ) يواصل فى فى تصوير احداث الحلم بقوله : ( بعانخى على العرش البلورى
و كل الشعب النوبى بيرقص فى الطرقات الملكية
نبره منقرشه بالياقوت و اللولى
تسقى العشاق ( دكاى ) من جرة مرمر . ) طار فى الخيال و شرب من الاسطورة حتى ارتوى و عندما ذابت أجنحة الشمعة هبط على الأرض و انكسرت عظامه ... لان ( الهوس الدينى ) طمع فى ضعفه لدرجة أنه افتى :
( بوهين .. مروى ... النوبية
ده الكفر صريح من غير تلميح ) الاسلام السياسى الذى يرفض الثقافة النوبية و يعتبرونها وثنيات و يطالبون بالغاء التاريخ القديم موجودون منذ زمن بعيد ... وزير الثقافة الذى اعلن أن المتاحف بيوت اوثان كان وزيرا فى حكم ديمقراطى ! . لن ينفعنا كثير الاعتماد على اخطاء الآخرين و لكن ربما تنفعنا فى شحذ الهمم من خلال استثمار التاريخ و معالجة دواعى الضعف كضعف الارادة و الصبر و الاحساس بالمسؤلية , و ليس سهلا بالطبع هذه المعالجات و لكن الفرصة مواتيا لتمجيد مقاومينا و شهداءنا لان الكيان لا يولد الا من مثل هذه الرموز . و الا سيدفع النصف الأخير من منطقة النوبه ثمن اخطاء ( السد العالى ) كما دفع النصف الاول عام 1964م ثمن بناء السد العالى !! .
التنمية العوراء
تمت مباركة مذبحة 13 يونيو فى سفح جبل كجبار بحجتين :هيبة الدولة , و الحجة الثانيه هى التنميه .
و نحن هنا نفترض جدلا ان هؤلاء الصبية العزل استطاعوا اختراق هيبة الدولة ......... الحجة الأولى مردوده لان الهيبة لا تتجزأ ... و كم نصيب الوصايه الدوليه من هذه الهيبة ! . أما الحجة الثانيه فهى منطق لا يرد ان جاءت بحقها , فلا أحد من العالم الثالث بعد سنوات الحرب الثانيه يستطيع ان يرفض التنميه لانه ببساطه أقصر الطرق الى ردم الفجوة الهائلة بين الشمال و الجنوب . لهذا سنهتم بها دون الأولى . مشروعات التنمية هى الخلايا الرئيسية التى تشع منها عوامل النمو و التطور و هى ايضا مرتكزات رئيسية للتراكم الرأسمالى . ورغم أن التنمية هى انتقال اقتصاد معين من مستوى ادنى الى مستوى اعلى , الا انه ليس هدفا فى حد ذاته بل وسيلة لمحتمع الرفاهية , لهذا , لها نتيجتان :
1- متغيرات كميه ( تطور معيشه )
2 – تنمية اجتماعيه . ممكن ان يحدث نقله باحدى النتيجتين و لكنها ستظل كسيحة بقدم وآحدة أو عوراء تبدو آثارها فى المدى المتوسط .
***** ليس هنالك مجال تنموى تبدو فيه ضرورة التكامل بين السياسة و الاقتصاد كمجال استغلال موارد المياه فى المجارى المائيه الرئيسيه , و السبب كما يبدو بوضوح ان جريان الماء أو تعطيله , هو ارباك لحياه الناس الاقتصاديه و الثقافيه و التراثيه . الموازنات هنا – كما كل شئ - ضرورة ملحة لا يحتمل التفريط . نسبة الاخطاء فيها تبدو بوضوح مهما كانت صغيره , كبقع الاوساخ فى جلباب نظيف . هيمنة المصالح المصرية فى استغلال مياه النيل وضعت قنابل فى كل اتفاقياتها المائيه , لانها لا تنتج تنميه بلا مراعاة لمصالح الآخرين . هنالك قنابل زمنية لم تنفجر بعد و هى حقوق الدول الأخرى و هنالك قنابل بدأت بالفعل فى الانفجار . حتى فى الاتفاقيات الثنائية بين مصر و السودان الظلم واضح المعالم . فى اتفاقية 1929م نصيب مصر ( 48 ) مليار متر مكعب و السودان ( 4 ) مليار متر مكعب . هذه الفوارق الهائلة اقتضت اتفاقية جديدة سنة 1959م لتعدل الانصبة ( 55,5 ) مليار متر مكعب لمصر و السودان ( 18,5 ) مليار متر
مكعب . و بهذا التعديل عاد الظلم من باب آخر هو ان يتحمل السودان نصف الخسائر التى تحدث بالتبخر فى الاراضىالمصريه الممتده لمسافه 350 كيلومتر فى اسخن مناطق العالم . اى ان الحساب يتم عند أسوان . هكذا ظل الميت عاريا من كفنه و ظلت تداعيات الفقر تتراكم من هذه القسمة الضيزى , حتى اصبح منطقا مقبولا , الحجة المصريه القديمه القائله : بان السودان لم يستطع حتى الآن استثمار الانصبة التى اعطيت له !! . هكذا ظلت هذه التنميه عوراء تغذى مصر وحدها و لا معنى – بالطبع – ان تتكلم عن نصيب الثقافه و التاريخ و التراث لان الحال لدى المهجرين النوبه فى حلفا الجديده و منطقة كوامبو فى شمال اسوان أفصح من اى بيان !! . آثار هذه التنميه العوراء هى سبب ( حساسية ) انسان كجبار من فكرة التنميه نفسها , و لم يجد حتى الآن من يفهمه او يداوى جرحة . والحساسية هنا ليست ظاهرة مرضية لان المخاوف بالفعل حقيقية و مبرره. عدم الاهتمام بالنظره الشامله و طوارئ الطبيعة اقتضت صحوه مصريه . الاطماء ستبلغ ( 40% ) من سعة السد فى عام 2015م اذا استمرت بالمعدلات الحالية . و المتوقع ايضا ( 65 % ) من سعة الخزان عام (2050م ) هذا اذا لم تتكرر ظاهرة الزلزال التى مرت بالمكان عام 1981 ... امام هذه المخاوف عاد المصريون لدفاترهم القديمة و اخرجوا للسودانيين دراسه قديمه لخزان فى جزيره حمداب و آخر فى الشلال الثانى . كلها تصلح حماية خلفية للسد العالى فى حالة نزول طارئ . و كان هناك رأى فنى ذكرناه فى عجالة سابقه على لسان مستشار وزارة الرى السودانيه و هو : ان اقليم النيل الرئيسى لا يصلح لحفظ الموارد المائيه و تخزينه طويلا و أن الضمان الحقيقى لمصر هو تخزين الماء فى منطقة البحيرات العظمى و لكن لعدم توفر الثقه بين دول النيل تجعل مشاريع التنميه آحاديه عوراء . اذن الخطه القادمه هى ان النصف الجنوبى لبلاد النوبه جاء دوره ليدفع ثمن اخطاء الانشاء كما دفع الجزء الشمالى ثمن رفع الاساس عام 1960م !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: Ashraf yassin)
|
التنمية العمياء
فى عجالة سابقة و تحت عنوان ( التنمية العوراء ) قلنا ان مصر اهتمت بمصالحها الاقتصاديه و تركت الحقوق الاخرى بالنسبة للشركاء , و قلنا هناك ايضا ايضا ان اثار هذه التنمية العوراء فى وعى الشعب النوبى هو سبب حساسية انسان كجبار و قد كانت مخاوفه حقيقية و مبرره . و يبدو ان الجزء الباقى من بلاد النوبه سيدفع ثمن ( احتياطى التخزين ) . سياسات التنمية العوراء انتقلت الى العقليه السودانيه كما تعودنا ان ننقل عن مصر كل شئ . و لكن من سوء الحظ انها استحالت فى العقلية السودانية الغير مثقفة الى تنمية عمياء . انتقلت اكثر تشوها فعلى الأقل استفاد المصريون اقتصاديا و لو كان على حساب الآخرين و لكن الذى يبدو من عقلية الحكومة السودانية فى كجبار انها لن تستفيد حتى فى الجانب الاقتصادى . عقلية القائمون بأمر هذا المشروع أفصح عنها أحد المسئولين الكبار بطريقة سافره عندما قال منفعلا فى وجه الجماهير : ( ... الخزان حيقوم كان رضيتو كان ابيتو ) .هل بمثل هذه العقلية يمكن ان ترسم خطة تنميه و هل يعقل ان تقبل ضمانات من مثل هذه الحكومة ؟ الم تكن – و الحال هذه – مخاوف اهل كجبار مبرره ؟. رغم ان الحكومة المصريه مشهود لها انها لا ترى الا مصالحها الا انها كانت اكثر حضارة و عقلانية و هى تتعامل مع المهجرين . عندما كان الوزير الحكومى المصرى يأتى لزيارة المهجرين النوبه , كانوا يرمون له فى الصفوف الاماميه بعض منسوبى الأمن ليهتفوا للحكومة : ( نحن فداء السد العالى ) فيرد الوزير و كأنه يخاطب الجماهير المؤيدة له : ( بل السد العالى فدا للنوبيين ) !! كان معلوما للجميع أنه يكذب و لكنه فى نهاية الأمر يعود بقليل من الاذى النفسى !!. .
رغم ان ( الجواب واضح من عنوانه ) دعونا نأخذ التفسير الاحسن و نقول ان نوع التنميه لم يتضح بعد فى سد كجبار , و لكن حتى فى هذه الحال لا يجب ان نطأطئ الرؤوس بمجرد ان يتحاجج بها انصار الحكومة , فهى فى الاصل ( خشم بيوت ) نعرف منها : التنميه المتعدده الاغراض : فهى فى مجال السدود مزيدا من اراضى مروية و كهرباء , مجارى ملاحة , وقاية من فيضانات . مثل هذا النوع لا يتم الا تحت وصاية حكومة رشيده تعرف كيف تنظر نظره شمولية متكاملة . التنميه المتوازنه : و هى دائما احاديه و لكن يراعى فيه الجوانب الضعيفه قدر الامكان , كالسدود الاستثماريه فى مجال الكهرباء أو الوقايه من الفيضان أو السدود الاحتياطيه الداعمه .
تنميه عوراء : و هى مشاريع ربما ذات جدوى و ربما متعددة الاغراض فى الناحية الفنية و لكن تظهر ازماتها المؤجلة على المدى المتوسط كالحقوق السياسيه و الظلم الاجتماعى , و لا مجال هنا لتصحيح الاخطاء الفنيه الموجودة فى اى مشروع تنموى .
وهناك التنميه العمياء : و مثل هذا النوع لا يرجى منها الكثير رغم قوة المنطق فى حجه ( التنميه ) الفوائد منها نظريه , و هى عمياء , لانها قائمة على نفى المستفيد المباشر بالتهميش أو التخويف او القتل كما بدى الآن فى سد كجبار الذى يقولون انه ما زال فى طور الدراسة .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
اوجاع الجذور
عبقرية المكان هى من أقوى مسببات التراث النوبى و هذا التراث مخزون نفسى على شكل لغه , و هذه العبقرية :
تتجلى فى قدرة ( المكان ) على صياغة الوافد و سببها توازن خلاق بين العزلة و الانفتاح . انسحاب ( المكان ) بالهجرة او التهجير ينشر الضعف فى الانسان و ثقافته . عملية الاخراج ان حتمتها ضرورات التنميه يجب ان تتم بطريقه فى غاية من الحساسيه و لا يبدو ان المسئولين فى كجبار يملكون دواء لمثل هذه الجروح !! . غياب الآباء بسبب الهجرة الدائمة و المؤقته اضعف القيمة النوعية للانسان و لكنه تسبب فى سلام اجتماعى كان الى عهد قريب من خصائص التفوق النوبى .. هذا السلام الاجتماعى الذى وقفنا عنده كثيرا فى ( عجالات ) سابقه انتج الكثير من الظواهر يمكن أن تعد من اسهامات الحضارة النوبية فى تيار الثقافة السودانيه و مجتمعه . الظواهر مثل : العمدة المنتخب , المرأة العامله , و نسبة التعليم . الاشتراكية العملية , و الريفى المتفوق .... الخ .
ربما دراسة هذه الظواهر بمزيد من التوسع و العمق قد تساعدنا على لمس معانى ( الخصوصية ) . كيف كان حجمها , و كيف كانت محروسة بعلاقات اجتماعيه و توازنات فى غاية من التعقيد. هذه الموازنات الداخليه التى انتجت مثل هذه الاسهامات استطاعت تجاوز كل مظاهر الكيانات المغلقه كالقبيلة و عصبيات الطوائف , لهذا , لم تأت اعتباطا تسمية النوبى فى الشمال بالحلفاوى و النوبى فى الجنوب بالدنقلاوى . يذكر الانسان منسوبا الى مدينة ضامة لا الى قبيله و من هنا ينطلق درس آخر يسهل كثيرا مسالة التذويب القومى و ليس - بالطبع - على حساب الثقافه المحليه . طبقا لهذه الاسهامات نستطيع ان نقيس الى اى مدى وصلت آلام المخاض فى مجتمع المهجرين النوبيين فى حلفا الجديده مثلا . المجتمع النوبى المهجر هناك يمر بمرحلة ثقافه جديده طبقا لايحاءات مكان جديد . و لكن المشكله ان التفاعلات تتم فى الهواء الطلق بطريقه عشوائية فوضويه تبنى هنا و هناك كيفما اتفق . هذه التفاعلات لم ترسم لها خطه و قد كانت بالفعل بعيده المنال من حكومه عسكرية لم تكن بقامة عمليات التهجير الحساسه . اعتمدت على النتائج السريعة لاستعمال القوه كما يحدث الآن فى قرى كجبار . تنفيذ ( النقلة ) تمت بقوة الرصاص و الهروات . على ذلك يمكن تقدير مدى الهزات الاجتماعية التى تجتاح مجتمعات حلفا الجديده بعد اربعين عاما من التهجير بالقوة . مقاربه بسيطه لنسبة من ولدوا قبل اعوام 1945م و من ولدوا بعد ذلك حتى سنوات 1965م , ترينا كيف كانت نسبة التطور . نسبة التعليم فى مواليد ما قبل الخمسينات كانت (55 % ) أما لدى ة المواليد فى الخمسينات و الستينات كانت ( 75 % ) . هذه الاحصاءات تعنى بطريقه أخرى ان المهجرين لو تركوا فى مكانهم و على حالهم لبلغت نسبة التعليم عام ( 1975م ) الى 100 % . المقاربة اذن كانت ممكنه بين ( حلفا دغيم و باريس ) !! . و لكن تعالوا نقرأ استبيان ( لجنة صبار ) التى اجريت عام ( 2000م ) . نسبة الاميه فى تلك الاستبيانات ( 31,1 % ) , أما الاطفال ما دون ال ( 16 ) سنه فقد كانت نسبة التعليم بينهم ( 45,1 % ) . نفس هذا القطاع العمرى فى سنوات التهجير عام 1960م نسبة التعليم بينهم ( 75 % ) . فوارق مهوله و آثار مدمرة على المدى الطويل و قد ترينا هذه الارقام حجم الازمات التى تنتظر بقايا النوبيين فى المستقبل القريب . و على ذلك قس ايضا معدلات الهروب و الانقراض رغم المعدلات العاليه جدا للانجاب .. كان عددهم عند التهجير ( ما يقارب الخمسين الف ) و عدد الحضور فى القرى الان ( 27,422 ) نسمه .
اذا تركنا نسبة الانقراض بالامراض لأنها عالية جدا فى مرحلة الأجنه و اخذنا الهروب فقد بلغ عدد الأسر التى سكنت الخرطوم لاحدى القرى ( القريه 2 ) سنجد ان عدد أسر الخرطوم ( 186 ) أسره و الباقيه فى حلفا الجديده 86 أسره !! .
من دفاتر التهجير : الاسطوره فى ثقافه المقاومة
فى الدفتر السابق وقفنا عند ضرورة تمجيد اهل المقاومة من شهداء و ابطال بقاء و رموز تعمير و خلافهم . و نقلنا ايضا صورا شتى عن المقاومة الشرسة , منها المتخيلة و الحقيقية . و قد كانت ابرزها تلك التى صورها كاتب جعلى من الدامر سماها (هجرة شاهين النوبى ) . تحكى المسرحية انهم تسلقو أعالى النحيل حتى انهم امسكو بعراجين النخيل و عندما يصيب الخوف أحدهم يزجره صاحبه لكى لا يخاف !! . ( خواف .... لامن يلمس عضم الاكتاف نحن سلامه )
هكذا صور معانى المقاومة حتى الرمق و بنى بذلك وعاء جامعا لمعانى اسطوره المقاومه و بذلك أيضا صاغ ثقافه يمكن من خلالها تغذية وعى الاجيال الجديده ! و ذلك لكى لا تفرغ اوطانهم بابخس الاثمان . و هناك ايضا صورحيه فى تجربة الحلفاويين ابطالها كل من صمد فى موقعه و منهم من قامت وادى حلفا الحالية على اكتافهم .
مؤلف كتاب : ( السد العالى و مأساة النوبيين ) يحكى الكثير من القصص تجد فيها اسماء كثيرين امثال : أبو راس ايوب فى اشكيت و العمده داود فى دغيم و الشيخ احمد خيرى فى ارض الحجر و استاذ صالح عثمان فى قرية ارقين . بعد تهجير القرى بقى نفر من الصامدين يتنقلون امام المياه الزاحفه من مكان لآخر و هم يقاومون الثعابين و العقارب التى كانت تزحف معهم . كلما داهمتهم الوحوش المفترسه يقوم احد البياطره بتسميم جثث الحمير النافقه و يلقيها للوحوش . مع تلك المعاناه ارسلوا اطواف الانقاذ للقرى الاخرى علهم يجدوا مقاومين ظلوا مثلهم يصارعون .
يصف المؤلف القرى النوبية بعد افراغها من اهلها . يقول و هو من الذين شهدوا الصمود أنهم جرجروا رجلا مسنا على الأرض لينقذوه من مياه السد المتدفقه ( .. فلما يئسنا من اقناع المرحوم الاستاذ صالح عثمان من الخروج الى البر الشرقى و الانضمام الينا ... قررنا ان نذهب الى أرقين بمركب شراعى و ترحيل حاجياته و امتعته قسرا و عندما استعملنا القوه ... رقد على الأرض كمن يحتضن الرمل و الدموع تنهمر من عينيه دون توقف و كأنها تنساب من معين لا ينضب !!. ) هذا المقاوم الشرس أصبح الآن فكرا و ثقافة , بدأ يحرك طاقات ابداعيه ظلت وسط المهجرين تبحث عن نفسها .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
اجيال المبدعين لا يملكون غيره الآن اذا ارادوا ان يروجوا لقريتهم القديمة . مؤلف مسرحية ( دهب و دهيبة ) يذكر مآثره على لسان أحد الابطال : ( اقسم ان لا تعبر قدماه
من غرب النيل الى شرقه قال : خلونى أدفن فى ارين حيث ولدت ) أما الاستاذ عبد دهب و هو شيخ يحمل الآن فوق كاهله كتله من اشواق العوده الى ارقين القديمة يحارب فى كل الجهات . عندما دب اليأس فى عزمه من كثرة المعوقات , طفق يقرض الشعر متغنيا بصالح عثمان الذى سماه ببطل البقاء : خذ كل جارحة لدى و اعطنى رمز انتمائى للقضية و اعطنى رمز الهوية يا صالحا خذ كل ما عندى من القطن ... من القمح من الفول و تلك العاقر الحواشة الشؤم خذهم جميعا و اعطنى سر الصمود أو الهوية اما الاستاذ محمود اوشى وهو ايضا من ابناء قرية هذا الرمز يقول فى صالح عثمان : انه كان متقد الذهن : (رفض فكرة الهجره ووقف كالصخرة الشماء فى وجهها و قاومها بكل شجاعة ... و بقى وحيدا فى القرية بعد ان هجرها أهلها .... ). و لا ادرى وقع مثل هذه القصه على صبى من مواليد 1980م فى حلفا الجديده كان قد ألف قصيده يحاكم فيها آباءه و يعتذر لحلفا الغريقه , وهو أيمن ابراهيم جمال من سره غرب ( القريه 2 ) فى حلفا الجديده : الزمان لو كان زمانا ما هجرناك يا بلدنا حلفا عندك حق تلومنا ما حفظنا زمام عهودنا دعوة بالنوبية ترفع ( يلا كتن .... يلا سكنا ... يلا كتن ) .
من قصص تهجير حلفا :
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
المفاوضات الأولية
فى نهاية الاربعينات بدأ اهتمام الادارة الانجليزيه يتجه نحو التنمية الاقتصادية فى السودان . و ما يقال عن اسباب هذا الاتجاه انهم كانوا فى حاجة لانتاج القطن لتغطية حاجات مصانعهم , او كانت هناك اهداف سياسية لترسيخ الشعور بالقومية و التخطيط لفصل السودان عن التاج المصرى . ضرورة اقامة امتدادات جديدة فى مشروع الجزيرة و انتاج الطاقة , فرضت على الحكومة الانجليزية التفكير جديا فى اقامة سدود على النيل , بدأت الدراسات بفكرة ان التنمية فى مجرى النيل تستهدف :
1 – توفير مياه للري .
2 – توليد الكهرباء .
3 – حماية من الفيضانات .
الحاجة الى الماء و الكهرباء هدت موريس و هو المستشار الانجليزى لوزارة الري السودانية للتوصية باقامة خزان فى جنوب سنار فى منطقة الروصيرص . بدأت المفاوضات مع المصريين بطلب من الحكومة السودانية (الانجليزية ) عام 1951م و لكنها تزامنت مع صراع سياسى محموم حول استقلال السودان , لهذا ظل الخلط قائما بين الحاجات الفنية لهذا المشروع الحيوى و بين المطالب السياسية . اثناء هذه المفاوضات طالب الانجليز – كورقة ضغط – بالغاء اتفاقية 1929م لم يكن السودان طرفا فيها – التى ضمنت للمصريين ( 48 ) مليار متر مكعب من المياه مقابل اربعة مليارات فقط للسودان ! .
اثناء هذا الشد و الجذب اندلعت ثورة يوليو عام 1952م , و لم يعد مطلوبا الوصاية على السودان بل اصبح الماء هدفا استراتيجيا للمفاوض المصرى . لم ينتظر عبد الناصر طويلا فقد كانت الدراسات جاهزة منذ بداية الاربعينات لامكانية قيام سد فى منطقة اسوان فى جنوب مصر و هى منطقة اعتبرت مثالية لانها تقع – نسبيا – فى بداية المنطقة المروية فى القطر المصرى و آخر قطاع قاحل ! . و لكن المشكلة امام تنفيذ هذه الدراسة كانت فى اغراق مدينة وادى حلفا و معها مساحة تقدر بمائة و سبعين كيلو مترا من الاراضى السودانية . و المفارقة ان البديل الثانى , كان ايضا فى بلاد النوبة و هو بناء خزان فى الشلال الثانى ( دال , سمنة , جمى ) و كان مقدرا ان تغمر مياه هذا الخزان المقترح كل بلاد النوبة السودانية حتى دنقلا او فى احسن الاحوال كل الاراضى الزراعية فى كرمة عند الشلال الثالث حتى كوشة فى شمال عبرى . لم تتردد السلطات المصرية فى اختيار ( خيار اسوان ) و التضحية بالنوبة الشمالية و ربما كان السبب الحاسم هو وجود المنشآت فى الاراضى المصرية . فى الخطوات التالية اصبحت التضحية بمدينة وادى حلفا , هدفا استرتيجيا للمصالح
المصرية . بدأت مصر تحارب فى عدة جبهات اولاها كانت فى السيطرة على الصوت النوبى . استعانت الحكومة المصرية بالزعيم النوبى السيد محمد نور الدين و استغلت عشقه التاريخى لمصر . من خلال هذه الشخصية جمعت الحكومة المصرية كل رموز المجتمع النوبى فى لجنة تمت تسميتها بوكلاء النوبة , انعقدت هذه اللجنة فى يناير 1953م و من خلال السيطرة على الطبقة النوبية المستنيرة انجزت مصر اخطر هدفين هما :
1 – اقناع المراكز المؤثرة فى بلاد النوبة بالمطالب المصرية . 2 – اضعاف الجانب القانونى و احراج المعارضة السودانية التى قاتلت بضراوة ( المحجوب فى البرلمان و ميرغنى حمزة فى مفاوضات مياه النيل ) و فى ذلك اطلق زعيم المعارضة عن حزب الامة فى برلمان 1953م السيد محمد احمد محجوب سخرية داوية كيف يدافع عن اناس وكيلهم يعمل ضده !! .
فى هذا الاثناء كان وزير الري يستميت فى المفاوضات التى بدأت فى سبتمبر 1954م , ثم جاء وزير آخر هو ( خضر حمد ) و استمات بدوره فى الدفاع عن الحقوق السودانية , و ظلت هذه المفاوضات منعقدة لاكثر من ثلاث سنوات . عاد السيد ميرغنى حمزة بعد الاستقلال يقود المفاوضات و كانت آخر محاولاته تلك فى يناير 1958م و قد فشلت كسابقتها . عندما تيقنت الحكومة المصرية استحالة الاتفاق , بدأت تطالب بحقوق تاريخية فى منطقة حلفا و حلايب مستعينة فى ذلك بالقوة العسكرية و لكنها فشلت فى تغيير الواقع نسبة لظروف دولية لم تكن مواتية . هنا استعانت بحكومة عسكرية انجزت المطالب المصربه بالقوه . و مهما كانت المبررات و الاتهامات فقد كانت النتيجة فى كل الاحوال واحدة و هى تمرير المصالح التى عجزت عنها مصر لسنوات طويلة . و قد تمثلت هذه الاختراقات فى اتفاقية 1959م و التى بموجبها تم اغراق وادى حلفا . فقد خرجت مصر بمكاسب كبيرة كان اخطرها على الاطلاق شراء خسائر وادى حلفا المادية و التراثية التاريخية بخمسة عشر مليونا من الجنيهات المصرية !! و تركت امر المهجرين لحكومة عبود التى استدانت لاول مرة فى تاريخ الحكومات السودانية من الجهاز المصرفى لتنفيذ هذه المهمة !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من قصص تهجير حلفا
عبود يبكى !!
قام الفريق ابراهيم عبود بانقلابه الشهير فى نوفمبر 1958م و فكرة قيام السد العالى تمر بمرحلة حرجة سيما ان الازمة الحدوديه بين السودان و مصر كانت قد علقت فى مجلس الأمن . ظهر الفرج امام عبد الناصر بظهور عبود و لا ندرى حتى الان الدوافع التى حركت عبود : هل كانت بالفعل بسبب ( التسليم و التسلم ) أم أنهم تحركوا لحساب مصر كخيار أخير لتمرير مصالحها ؟ مهما كانت التساؤلات كانت النتيجة فى كل الاحوال واحدة وهى : ان المصالح التى عجزت عنها مصر لسنوات طويلة و هى تفاوض حكومة ديمقراطيه قد مرت مع هذه الحكومه العسكرية و تمثلت هذه الاختراقات فى اتفاقية 1959م و التى بموجبها تم اغراق مدينة وادى حلفا و ( 27 ) قريه نوبيه اخرى .
عقب الانتهاء من الترويج للاتفاقية الجديدة قام السيد ابراهيم عبود بزيارة للمنطقة الموعودة بالغرق . فى زيارته تلك فى ديسمبر 1959م شاهد لاول مرة مدينة حلفا و انفعل بالخسائر !! و عبر عن ندمه باعتراف مسجل : ( لم اكن اعلم ان حلفا بهذا الحجم ) . هذه الدموع و الاعترافات لم توقف الاخطاء التى تمارس حتى يومنا هذا فى السياسة السودانية و هى اتخاذ قرارات خطيرة دون روية و لا حساب لنتائج .
عاد عبود سالما بعد ان اطلق وعوده باحترام ارادة المهجرين فى الوطن الجديد !! على اثر هذه الوعود ( الكاذبة ) حدثت استجابة ساذجة من المواطنين الذين كونوا لجان قومية , اشرفت هذه اللجان على استفتاء لاختيار الوطن طبقا لوعود عبود !! . رفض المستفتون خيار خشم القربة بنسبة 93 % تقريبا و جاءت فى المرتبة الرابعة بين الرغبات , رغم ذلك كله تم اعلان خشم القربة فى عقر دار المهجرين وادى حلفا فى اكتوبر 1960م . و يقال ان العقلاء فى حكومة عبود بقيادة حسن بشير طالبوا بمراعاة شعور الجماهير , و لكن امام اصرار اللواء طلعت فريد سافر الوفد لمدينة وادى حلفا ليتم الاعلان هناك . عندما حاصرت الجماهير الغاضبة هذا الوفد فى فندق وادى حلفا طلب طلعت فريد تدخل الجيش , يرد عليه عبود من الخرطوم قائلا : ( لا يا فريد لو كنت مكانهم لفعلت مثلهم ) . تحايل الوفد الحكومى فى الهروب من المدينة بعربة اسعاف تم تمويهها و لم يصدقوا النجاة الا و هم على الطائرة و فى ذلك يقول السيد عبد الرحمن الكونت و هو اعلامى من ابناء حلفا رافق الوفد اثناء الهروب . بأنهم انزعجوا عندما تعطلت محركات الطائرة , و ظلوا صامتين و عندما بدأت المحركات تعمل قطع مقبول الامين صمتهم بقوله : ( تعددت الاسباب و الموت واحد ) و من المفارقات التى يحكيها بأن السيد حسن بشير استقبلهم فى مطار الخرطوم شامتا !!. هذه المفارقات رغم خطورتها لم تستمر طويلا , لهذا لم يكن لها تأثير على الاحداث . بدأت عمليات التعداد ثم صرف التعويضات و انطلقت صافرة قطار التهجير مع اول فوج من قرية فرص غرب فى مطلع يناير 1964م .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
المدينة الضحية
بلغ الانتعاش ذروته فى مدينة وادى حلفا مع بداية الغزو الانجليزى يقول الزعيم البريطانى الأشهر تشرشل فى مذكراته و كان انذاك ضابطا فى الجيش البريطانى ان مدينة وادى حلفا احتضنت بدخول الجيش اكثر من سبع لغات عالمية كان يتحدث بها افراد الحملة من الجنسيات المختلفة و ظلت اثارها باقية فى ورشة السكك الحديدية بعد رحيل الجيوش . اما حلفا اثناء التهجير عام 1964م فيحكى عنها آخر حاكم عسكرى لها انها كانت خلطة رائعة من العراق و السحنات و الثقافات اوربيون ثم اتراك و شوام و صعايدة مصريون و زنوج و عرب بدو هذا بالاضافة الى النوبيين هم السكان اصحاب الارض .
اهم انطباع يخرج به المتأمل و هو يتجول مع هذا الحاكم و هو يصف هذه المدينة قبل ساعات معدودة من الغرق هو معنى الهوية و كيف تتلاشى هذه الفواصل الاثنية و تذوب القبيلة فى كيان اكبر تقرأ هذه المعانى فى كلمة ( حلفاوى ) ينسب الانسان الى مدينة و هى فى نهاية المطاف ارحب مكانا من عصبية القبيلة الضيقة الملفت فى هذا الزخم الاجتماعى لم يكن فقط فى قدرة المكان على استيعاب الوافد و هى ما سميناها فى مكان اخر بالخصوصية النوبية .. بل فى معانى التعايش التى تعتبر الخلاصة الحضارية التى تقدمها مدينة وادى حلفا للمتأمل الحصيف . هذه الخلطة السلالية الثقافية و المهنية اذا حاولنا ان نقرأها من زوايا الاقتصاد و السياسة و الوعى الفردى ستجد حتما الكثير المفيد .
لو اتخذنا مثلا ميزانية عام 1949م لانها اكثر سنوات الاستقرار فى السودان , لن نجد فائضا فى ميزانيات مجالس المدن السودانية الا فى مجلسين : شمال الخرطوم بحرى الذى بلغ الفائض فيه ( 1500 ) جنيها و مجلس وادى حلفا الذى بلغ فيه الفائض ( 500 ) جنيها !! اما فى المجالس الريفية فقد كانت حلفا صاحبة المرتبة الثانية بعد غرب دارفور . عدد سكان وادى حلفا فى سنوات هذه الميزانية بلغ 87,700 فردا فى مساحة من الارض تبلغ 76,250 ميلا اى نصيب الفرد من مساحة الارض حوالى ميل واحد هذه النسبة ملفته فى منطقة تقل فيها نسبة خصوبة الارض و اذا قارناها (( سكانيا )) بمدينة كبيرة مثل مدينة شندى ذات التجارة الرائجة و التربة الخصبة . ستجد ان سكان مدينة حلفا كان يبلغ عددهم 15000 فردا و شندى 14000 فردا .
اما اذا حاولنا ان نقرأ انعكاسات هذه الحضارة على وعى الفرد لا نملك سوى التصويت فى الانتخابات مؤشرا باعتباره هو المقياس المتاح . فى أول انتخابات عامة جرت فى السودان 1953م سنجد ان فى وادى حلفا اعلى نسبة للاستجابة , نسبة التصويت كانت فى حلفا (73 % ) و فى عطبرة و هى من مناطق الوعى العالى ( 69% ) و الغريب ان التصويت فى مدينة الخرطوم العاصمة لم يتجاوز ال( 36% ) و امدرمان (50% ) و من غرائب هذه القراءات ظهرت بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ ان نسبة التعليم فى قرى حلفا ( 55% ) بينما نصيب المدينة
التى نحكى عنها لم يتجاوز ( 53% ) .
ربما من السهل ان نقول انها من مداخلات الهجرة و التهجير التى فرضت نفسها على انسان هذا المكان و لكن يبقى ايضا ان نقول ان اسباب تميز الشخصية الحضارية لهذه المدينة كثيرة منها :
1 – مدينة وادى حلفا اخذت جرعة عالية من ( الحضارة المعاصرة ) فى السنوات التى اعقبت احتلال الانجليز لمصر 1881م ثم بعد ذلك الحملات العسكرية التى تلت فتح المهدى للخرطوم .
2 – التعامل مع البيئة لم تكن تعتمد على الثقافة التراثية بل كانت معها الحضارة المجلوبة ايضا و انعكس ذلك على الانفصام الذى ظهر بين مظهر الانسان و سلوكه . 3 – اعتبرت وادى حلفا بديلا لدنقلا التاريخية فى حقبة الاتراك و الانجليز و ربما كانت للسكك الحديدية دورا حاسما فى ذلك .
4 – هذه الومضة الحضارية شكلت عنصرا مهما فى نجاح تجربة غير مسبوقة لجيل ما بعد الاحتلال الانجليزى .
5 – ورثت ( مدنية ) قديمة منحها الشلال الاول ثم (( مدنية )) حديثة منحتها السكة حديد و اذا كان الاول لعب دورا فى تحديد المكان فالخطوط الحديدية و ورشها دفعت بالكثير من الوظائف لابناء حلفا فى البوستة والسكة حديد و التلغراف و المخاذن و و المرطبات و قد كانت هذه الاخيرة شبه مؤسسة تعنى بتقديم الخدمات السياحية و قد كانت محتكرة لابناء النوبة .
6 – اكتسبت هذه المدينة دفقة جديدة من اسباب الازدهار بين مدن النوبة من دنقلا حتى اسوان عقب قيام خزان اسوان و تدمير المراكز القديمة فى الدر اولا ثم عنيبة ثانيا ظلت لتلك الاسباب فى بؤرة وعى النوبيين فى الشمال المصرى و الجنوب السودانى حتى اغرقتها مياه السد العالى فى اواخر 1964م .
7 – كل هذه الاسباب مجتمعة اهلتها لامومة حضارية تجلت فى ميناء وحيد من اعوام 1881م حتى قيام ميناء بورتسودان عام 1906م ثم اهلتها لتظل مركزا اداريا و تجمعا للمدارس العليا يحج اليها الطلاب من النوبيين و غيرهم ثم بقيت حاضنة لثقافات الوافدين .
و اخطر الادوار الثقافية على الاطلاق كانت تتجلى فى انها كانت جسر تواصل قومى بين المحلى و الخارجى . كل المواهب التى اثرت الساحة السودانية امثال خليل فرح , و محمد وردى تمت صياغتهم هنا قبل تصديرهم للثقافة السودانية كهوية جامعة .
هذه الومضة الحضارية التى اشتعلت فى هذا المكان و اضاءت للأجيال التى فصلنا امرها جيلا جيلا انطفأت بضربة واحدة اختزلت الخمسة الاف سنة فى اربع سنوات فقط هى عمر ترحيل القرى ثم تدمير مدينة وادى حلفا التى انهارت فى لمح البصر .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
اوجاع الاقتلاع
خطورة التهجير تكمن فى ان الحضارة النوبية ظاهرة جغرافية اكثر من اى شئ اخر و اذا ضعف سحر المكان كانت تضمخل و اذا اشتد الطلب على المكان و ترك الانسان فى حاله كانت تزدهر الرواق .
باكتشاف الجمل كاول ناقل صحراوى فى وادى النيل و انتشار طرق القوافل بدأت بلاد النوبة تفقد سحرها و بظهور المواصلا الحديثة اشتدت الازمة على هذه الحضارة و قد كانت على شكل عزلة طبقا لهذا المصير لم يعد ممكنا ان تتكرر مركزية حضارية كحضارة كرمة 1700 قبل الميلاد أو قائد مثل بعانخى .
ذهاب عبقرية المكان بطريقة متدرجة كان يمكن ان يوجد له علاج لانه سنة من سنن التاريخ و البديل هو التكيف مع المستجدات باستحداث اليات جيدة تعين على التنازل المبرمج و بالحفاظ على سرمدية القيم المستمدة من حياة القرية باعتبارها محور الثقافة المو######## . الاندثار بالمفهوم السابق حتمى و مصيرى يجب ان يخشى منه و لكن الذى لا حل له هو اغتيال اجيال كاملة بضربة واحدة هو اخراج ( المكان ) تماما بصورة مفاجأة من المعادلة التاريخية بمثل تلك الطريقة التى بها تم تهجير النوبة فى الشمال المصرى و السودانى . اذن الاندثار المهلك و الحقيقى ليست فى تلك الانتكاسات التاريخية التى اصابت الحضارة النوبية عقب الانهيارات المختلفة للممالك و لا فى تمثل الافراد للثقافات الاخرى و الانتماء للاعراق فتلك نتائج ازمة حضارية مؤقتة انما الاندثار المهلك فى التهجير القسري الذى مارسته الحكومة المصرية و السودانية .
انتزاع الانسان من مكانه ادى فى نهاية المطاف الى انقطاع المعين الذى كان يغذى عطاءه اما الضرر فى المناطق الباقية من بلاد النوبة فقد كان فادحا ايضا و هم تقريبا نصف النوبيين من ( سكوت و محس و شطر من دنقلا ) ابرز الاضرار كان فى انقطاع الشريان الحضارى التاريخى الذى كان يغذى هذه المناطق من الشمال .
الحضارة القديمة كانت تتغذى من رافدين اساسيين كانا ينبعان من معين الهجرة كعنصر اساسى من مركبات الحضارة و هذين الرافدين مهاجر الى بلاد النوبة كان يغذى الثقافة المحلية اثناء انخراطه فى نسيج المجتمع و اخر من ابناء النوبة كان يهاجر الى الخارج هجرات مؤقتة كانت تغذى بدورها الخبرة الحضارية المحلية بالتمويل او بالانتقاء من ثقافة الاخرين . ترحيل النصف الشمالى من بلاد النوبة جعل منطقة النوبة الجنوبية مرهونة تماما للجنوب السودانى بل عالة عليه لم تعد تتغذى من عنصر الهجرة الا بشطر واحد هو الهجرة المؤقتة اما تلك الوافدة فقد انقطعت فلا احد يطلب الان تلك البلاد لينخرط فى مجتمعاتها و ان حدث فلأول مرة سيكون بشروطه وحده الدليل على هذا النوع من الاندثار هو التمثل العرقى العربى الذى يجده الباحث فى تلك البلاد فقد حكى الباحث الاستاذ سيد محمد عبد الله فى ( تراث السكوت ) انه لم يجد احدا ينتسب الى النوبيين فى قرى السكوت . و عندما سئل اشار اليه احدهم الى شيخ فى طرف القرية باعتباره من النوبيين الخلص قال : استقبله الشيخ عندما زاره و لكن عندما علم ان الباحث قصده باعتباره من النوبيين الاصليين انتفض فى وجهه و كاد يطرده كل ذلك يحدث و الانسان غارق فى التراث النوبى سلوكا و لغة حتى الثمالة !!
حتى هذه الهجرة او الشطر الواحد كاد ان ينقطع الان لان الهجرة لم تعد مؤقتة بل اصبحت دائمة فالذى يهاجر لا يعود اصلا و قد كانت هذه الوتيرة بمعدلات معقولة يذكر آدمز ان نسبة النوبيين فى احدى احصائيات عام 1920 فى امدرمان بلغت ( 32,7 % ) من السكان و فى نهاية الخمسينات انخفضت النسبة الى ( 13,7 % ) هذه ال 19 % لم يعودوا الى البلد بل ذابوا فى امدرمان و تنكروا للاصول , ربما لو اتخذنا هذه النسبة فى الجيل الواحد فى الثلاثين عاما ,قد نجد فى الفترة التى اعقبت التهجير الكبير نسبة اعلى من هذه بقدر كبير, و من المفاراقات المضحكة التى تشير فيما تشير الى استفحال ظاهرة الاندثار المهول هو ما يتحدث عنه بعض النوبيين اليوم عن التهميش و المشاركة فى السلطة و الثروة !!. عمليات التهجير هذه عجلت من نتائج الاندثار بل هى الآن اساس الازمات المتلاحقة التى تنخر فى جسد المجتمع النوبى العريض . يرى العلامة الامريكى آدمز – بكثير من الحسرة – ان النوبيين تم استيعابهم الى باطن مجتمع سودانى جامع و يقول ان نصفهم مع بداية القرن العشرين فقد لغته و عند النصف الباقى فى الجنوب بلغ الذوبان حد التمثل العرقى و هو ادعاء الانتماء الى القبائل العربية. معلوم ان خروج ( المكان ) من المعادلة التراثية اضعفت التغذية الثقافية . لهذا وجدت هذه الاجيال نفسها و هى تتوكا على ثقافة مرقعة . تراث تتداعى اطرافه مع تساقط مفردات اللغة النوبية , و اللغة النوبية فى هذه المعادلة هى الوعاء الاخير للتراث المتدحرج و التراث فى هذا المفهوم مخزون نفسي يحمله الانسان اينما ذهب . مثل هذا الانسان يتحدث عن نفسه بطريقة محتقنة يملك احساسا طاغيا بامجاد تاريخية و لكنه لا ينسى ان معطيات الواقع الحى تكذب احساسه . اذا تفاءل بالتاريخ يتغنى به كالشاعر العربى جرير بوالده البخيل . و لكن من حسن الحظ هذا الجيل من سوئه – لا ادرى – لا يملك وقتا يصرفه فى الفراغ كجيل الاربعينات . اعاصير العولمة التى تقتلع كل شئ امامه جعلته ليبحث فى التاريخ و يتأمل ذاته و هو يتساءل الان فى الجامعات و فى اعتاب الحياة العملية : من نحن ؟! هل نحن قبيلة ام مجموعة ثقافية و هل هناك امكانية لقيام كيان ... و على اى صورة يمكن ان يكون ؟!! هل يمكن قيام دولة نوبية فى الشمال ؟ هذا الجيل بالطبع لم تكتمل تجربته و لم يأت اوان الحكم عليه و لكن لا يجب ان يترك دون ان توضع فى طريقه معالم يهتدى بها و منها : 1 – النوبيون ( قبيلة ) تراثية او كيان ثقافى اما التعصب العرقى ان وجد فهو ثقافة وافدة حملها العرب دون غيرهم .
2 – الكيان السياسى الصرف لم يعد مطلوبا فى عصر التكتلات و لكن لابد من اطار لتحديد الخصوصية لان الصراع القادم صراع ثقافى .
3 – هذا الجيل بحاجة الى من يعيد له ثقته فى نفسه من خلال الاضواء الكاشفة على مكامن القوة فى التراث باعادة نبش التاريخ القريب قبل البعيد فلا معنى للتشدق بامجاد بعانخى و قد بلغ بنا الياس درجة المطالبة بالسلطة و الثروة ! .
4 – تعضيد محاولات احياء اللغة النوبية الجارية الان هنا و هناك .
5 – اتخاذ كافة انواع الصراع من اجل تثبيت التنمية فى موارد بلاد النوبة و خاصة الحوض النوبى فى الصحراء الغربية و هى الكعكة النوبية التى جرت فيها عمليات بيع و تاجير .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
تهجير النوبة المصرية و السودانية
الهجرات الصغيرة الفردية أو المحلية الى حضن الصحراء كان يمكن تلافى اثارها بالتكيّف المبرمج , و لكن الذى لا حل له سوى االاندثار هو ( اخراج ) المكان تماما من حياة المهجرين و انتزاعهم من تراثهم هى الازمه الحقيقية. الاندثار الحقيقى بلغ ذروته فى تهجير عام 1964م مع تهجير النوبه فى اقصى الشمال الى كوم امبو فى مصر و تهجير النوبه السودانيه فى الشمال الادنى الى خشم القربه . انتزاع الانسان عن مكانه و جذوره ادى حتى الان الى اغتيال جيل او جيلين قطع عنه المعين الذى كان يغذى عطائه .
اما النوبه الباقيه فى الجنوب و هم نصف بلاد النوبه ( سكوت , محس , دناقلة ) فقد انقطع عنهم الشريان الحضارى . ترحيل النصف الشمالى جعل النصف الجنوبى مرهون تماما للسودان او عاله عليه و ها هو الآن بدأ الجنوب يدخل سكة التهجير المهلكة . قبل ان نعود بالتفصيل فى ( عجالة ) قادمه لقصه تهجير حلفا تنتهى هذه ( العجاله ) بقصه ترحيل النوبه المصرية .
النوبه المصريه : هم النوبه التى سكنت جنوب مصر , يمثلون بالتقريب ربع بلاد النوبة الممتده حتى الدبه جنوب دنقلا . رغم اندماج شريحة منهم فى المجتمع الشمالى المصرى الا انهم ظلوا داخل حواجزهم العريقة . يقول آدمز أن مناطقهم لم تجد الاهتمام الكافى من التنمية فى عهد الخديوى , و رغم انهم يتمتعون بقدر من الحراك الاقتصادى و الاجتماعى الا أن الحواجز العرقيةالقديمة ما زالت قائمة بينهم و بين المجتمع المصرى أما السبب يكمن ( فى الانفصالية العرقية ) من قبل النوبيين انفسهم او الاضطهاد الذى يعانونه منذ زمن قديم . و يذكر ان السودان اناء للصهر يشجع الاقليات للذوبان فيه بينما المجتمع المصرى لا يرحب بالاقليات .. هذه الفئه من النوبيين هى اولى الشرائح النوبية التى عانت من التهجير القسرى باعتبارها اقرب جغرافيا من خزان اسوان . و مع بناء هذا الخزان و التعليات التى تلته ظلت لمدة خمسين عاما تعانى حتى جاءت الضربة القاضية فى عام 1964م . رغم الأم الاقتلاع عن الجذور و المساكن الضيقة و القرى المصنوعة , الا ان هناك بعض المحاولات الحكومية للتخفيف من صدمة التهجير , من خلال توزيع القرى بالترتيب السابق . من قرية فريق و بلانة فى الجنوب الى قرية دابود فى اقصى الشمال و من محاولة الاستعانه بالتراث النوبى فى بناء المنازل و فوق ذلك كله ان بيئة الوطن الجديد حملت الكثير من ملامح البيئة القديمة كما كان التهجير السودانى لخشم القربة النائية فى شرق السودان . و ايضا هناك محاولات بذلتها الحكومة المصرية عن طريق نقل شتول النخيل الى منطقة كوم امبو اثناء قيام الخزان و التعليات فى الاعوام 1912م , 1921م و سدت شتاء 1934م فقدت الارض النوبيه 60% من صلاحيتها السكنية فهاجر 50% منهم الى اعماق الصحراء . بعد الغمرة , الاخيرة فى 1934م بدات وتيرة الهجره تشتد الى داخل بلاد النوبة و خاصة منطقة حلفا و قد عرفت تلك الهجرات بهجرات قبيلة الكنوز و قد كانت الهجرات الدائمة الكبرى من نصيب مصر فى منطقة الدلتا . ظلوا بين قراهم الجديبة و المهاجر البعيدة حتى جاءت الضربة القاضية مع بناء السد العالى فى اواخر 1964م . دمر السد العالى ( كل سعة انتاجية تركت فى الغمرات السابقة ) و تم ترحيلهم و قد كان عددهم يبلغ 48000 نسمة .
كوم امبو شمال محافطة اسوان ( هلالا من الارض حوالى اربعين ميلا فى الطول على حدود النيل ) . تم تجهيز المنطقة ابتداء من عام 1961م .
بنيت منازلهم فى تلك الاراضى القاحلة محاطة باسوار عالية من وحدات مخنلفه من منزل بغرفة واحدة حتى اربع غرف , تم توزيع المساكن طبقا لمجموعات الاحجام المتشابه دون اكتراث لنظام الجيرة القديمة . ينقل آدمز رايا يشبه بالذى يقال هنا فى السودان فى الاوساط الاكاديمية و الحكومية و لا لشئي الا لان المهجرين فشلوا فى التعبير عن ماسيهم . بزعم ان الارض التى منحت للمهجرين ( كانت قابلة لان تكون اكثر انتاجية و لكن برغم ذلك اظهر النوبيين القلق و الاستياء ) .
التهجير السودانى : جملة النوبيين الذين تم تهجيرهما الى اصقاع بعيدة جدا من مناطقهم قد بلغت خمسين الفا من المهجرين مشاكل الوطن البديل كانت اكبر فى العملية السودانية . أسباب الاخفاق السودانى فى ان الحكومة السودانية لم تشاور من قبل المصريين عند التخطيط الباكر للسد العالى و ربما ايضا هناك اسبابا اخرى ان الحكومة كانت عسكريا جديدة على الحكم و السياسة و قد كانت فى الاصل مرتبكة عند الاستلام كما كانت كذلك عند التسليم .
النتيجة انها لم تكن قادرة على مواجهة هذه العملية التاريخية بخطة مسبقة الاعداد . لهذا تم تجريد خمسن الفا من املاكهم و تراثهم بحيث ان العملية خلقت معقبات اجتماعية سياسية خطيرة . لم تكن هناك منفعة مباشرة للسودان من السد العالى لهذا كان مرفوضا من قبل الحكومة الديمقراطية ( مفاوضات ميرغنى حمزة و خضر حمد من بعده ) و لكن انقلاب عبود العسكرى عام 1958م جاء حلا للمشكلة فى صالح المصالح المصرية . وافق السودان فى ظل هذا الحكم العسكرى عام 1959م على بناء السد العالى الذى ستلتهم مياه من الاراضى السودانية ما يقارب المائة ميل مقابل خمسة عشر مليونا من الجنيهات و ايضا زيادة حصة السودان الى الربع و التى كانت اقل من حصة المصريين بواحد و عشرين مرة . المقاومة الوحيدة التى ابداها الحلفاويين و النوبيين مع غيرهم هى : احتجاجات غاضبة عمت بعض المدن السودانية و لكنها سرعان ما سكنت , و لم تكن عوامل الهزيمة فقط فى الخوف من البطش بل ان الهروب الى الآمال الكاذبة و الخيال لعب دورا فى عدم تصديق انه يمكن ان يعيش بعيدا عن النيل !!, هذا الكلام لا ينطبق طبعا على الصامدين الذين بقوا فى المكان , هناك تهكم عجيب يورده آدمز نقلا عن احد المراسلين الاجانب سخريته من احلام المهجرين الذين ( تصوروا ان المصريين و لو بعون الروس , سوف لا يمكنهم ابدا ان يكملوا مشروعا طموحا بهذا القدر مثل السد العالى ) .
رغم هذه الخسائر التى انعكست فى تكلفة التهجير التى فاقت ثلاثة اضعاف الثمن الذى دفعته مصر , خرجت الحكومة السوادنية ببعض المكاسب فقد وجدت سانحة لتحقيق دراسات قديمة كانت معدة لاستصلاح مستنقعات خشم القربة و قد سماها وليام آدمز ب ( الاراضى الموحشة حول العطبراوى ) .
لم يكن خيار الوطن البديل مقبولا من المواطنين , لان البيئة النهرية التى تعودوا عليها لم تكن موجودة فى الوطن الجديد و اثبتت التجارب انها كانت غير صالحة كما فصلنا من قبل من حيث انخفاض الارض مع الحرارة العالية المقرونة بالرطوبة العالية , و قد كان يكفى دليلا عدم وجود حياة بشرية فى ذلك المكان على مر العصور الا على ضفاف النيل فى اقصى الغرب .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
مأزق التهجير
للعظة و العبرة سنواصل فى افراغ دفاتر التهجير النوبى فى حضرة اهالى كجبار سكان ال( 35 ) قرية و ال( 28 ) شياخة . خسائر ( التراث الوجدانى ) و تكلفة الاذى النفسى الفادح لم تحسب بعد فى تكاليف التهجير و المهجرون لم يصوروا وجدانهم بعد , لانهم ما زالوا لنصف قرن فى غيبوبة صدمة التهجير . و لا ندرى الى متى ان كانت هناك فى الاصل صحوه منتظره . المهم أن والى التهجير قد سبق الجميع و جير التاريخ طبقا لهوى الحكومة , و لم يعد من السهل ان تقول الحقيقة !! . الرفاهية التى صورها ( والى التهجير ) السيد حسن دفع الله فى الخمس عشره سنوات الأولى نتيجة للضخ المالى على شكل تعويضات ذابت كالثلج فى السنوات الأولى و نتيجة لعائد المشروع الزراعى البكر الذى لم يعش الا سنوات قليلة لم تبلغ العشر قبل ان تدخل غيبوبة البرامج الاسعافية .
صمت القبور هذا ساعد ( والى التهجير ) ليمرر كثيرا من الحقائق المزورة كانها حقائق حدثت على الأرض كمسالة اختيار الموطن الجديد مثلا . لم يعد يذكر الان ( او لا يعرف أحد ) ان الوطن الجديد الذى يبعد عن الوطن القديم ( 1600 ) كيلومتر فرض بالقوة , لانه كان مرفوضا – طبقا لنتائج الاستفتاء – بنسبة ( 93 % ) ! .
ربما بصيص الضوء خارج النفق فى ان هناك وثائق وجدانية بدأت الان على السطح , و ربما صور ( الاغتراب الحزين ) بدأت تظهر مع اتساع دائرة الفقر و الاوبئه و غياب المسكنات الاقتصادية التى كانت تصاحب مشروع الاعاشة قبل ان يتدخل البنك الدولى .
ظلمات الواقع الحزين بدأت الأن تبتلع بقايا الاغراءات التى صاحبت البدايات و وجدان المهجرين تمر الآن بحراك عنيف بالمتناقضات .
اصبح الانسان فى الوطن الجديد متقطع الانفاس بين خيارات غير مريحة : هل يبقى مع ( الواقعيين ) الذين يرون مشكلتهم من مشكلات الوطن الكبير ؟ ام يبقى مع الذين يرددون اناشيد ( تاريخية ) عن ترهاقا و بعانخى ؟ ام يهرب مع الاخرين الى ضواحى الخرطوم و ينخرط فى تيار الذوبان و كفى ؟!! .
من هو المسئول عن عذاباته ؟ هل هم الذين تسببوا فى تهجيره من عبود الى والى التهجير
ام ان هذه الحكومة التى وسعت مظلة الفقر بسياسات التحرير الاقتصادى ؟ ما سبب تداعى التراث و ضعف اللغة النوبية فى عملية المثاقفة الجاريه : هل سببه غياب ( المكان ) عن المعادلة التراثية أم السلطة السياسية و الدينية هى التى تساعد على هيمنة اللغة العربية ؟!! .
اسئله كثيره لا ندرى ان كان هناك من يملك الاجابه , و لكن من المفيد ان نترك المزيد منها : اين تلك السواعد القوية و اين اصحاب الهمة التاريخية الذين يستطيعون اعادة البناء بل لماذا فشل النوبيون فى مقاومة التهجير ؟ و قد كانوا أهل سلطه و قوه بين السودانيين – ما هو نصيب الاجيال فى عملية التفريط : جيل النخبة الشيوخ هم اعضاء لجنة ( وكلاء النوبه ) الذين ساعدوا حكومة عبود بالمشاركة او الصمت , او بأضعاف الطبقات الدنيا . أما جيل الاربعينات ( الشباب ) الذى لم يكن مهتما بالمقاومة و اغلبهم كانوا صغار موظفين ؟ اما حكاية ( الحضارة النوبية ) فهى ايضا تنتظرها سلة هائله من الاسئله ؟ هل الحضارة مجرد عادات راقيه فى المأكل و المسكن ( جلباب ناصع البياض و عمامه متقنة اللف ) ؟ ام الحضاره انسان مرتب بالتدين و الالتزام و عشق التراث ؟ و ما هى حقيقة العلاقة بين ثقافة الحفريات التى تملأ كتب التاريخى النوبى المعاصر ؟
الأسئله ممتده مجرد اثارتها تكشف الكثير عن مواقع الخلل و الارتباك أما ألاجوبه فحبلى بالاحتمالات ستظل هاجسا للباحث المشفق . و تبقى مع هذه الاسئلة ..... الخلاصه و ملامح قصه و هى : ان عمليات التهجير المباغته و الغير مدروسه التى تقوم الحكومات العسكرية بها طبقا للمصالح المصريه و بعض المنافع المحليه و فوق ذلك حتمية التاريخ و العولمه الساحقه الى تذوب القوميات الضعيفه – جعلت الانا النوبيه التاريخية تذوب فى (( هويهة سائلة )) غير مفهومة الشكل و مهضومة المحتوى تتلخص فى من هم النوبيون ؟ !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من حكايا التهجير :
برلمان بيت العذابة
فى احدى الازقة الضيقة فى حى السجانه , كان يسكن جمال الحلفاوى فى غرفة منفرده رطبة جوارها حجرة اخرى واسعة تقاسمتها مجموعه من العذابة الشباب . اعدادهم لم تكن ثايته , مرة يزداد العدد حتى يفترشون الارض و يلتحفون السماء فى الحوش الصغير و مرة أخرى تبقى عناقريب الحبال الممزقه خاوية .
حقائبهم اليدوية ممزقة كانت دائما متناثره فى الاركان المظلمه للحجره . شنط حديدية بائسه الالوان على ظهرها بقايا صابون و اجزاء متفرقه من ( عدة ) الحلاقه ! . اوراق ممزقة من سلسله ( ارسين لوبين ) اللص الظريف .
كان هذا امرا مضجرا لجمال و رفاقه من الكهول و لكنه منذ ان غرق فى هموم تهجير اهله الى شرق السودان بدأ يحن الى هولاء الشباب و مجالس نقاشاتهم . وجد فى مواقف هؤلاء الشباب متنفسا لهمومه التى بدأت تشتد بوصول وفد الحكومة من الأهالى , الذين غررت بهم الحكومة ليبصموا على سياستها . كانت ( السياسة ) هم هؤلاء الشباب اليومى و هؤلاء الشباب كانوا آخر معاقل المعارضه التى خمدت فى كل الاوساط . خشم القربة , الوطن البديل للمهجرين و الذى فرض بالقوة بعد ان رفضها المهجرون فى صناديق الاقتراع بنسبة 93 % , اصبح واقعا لا مفر منه . اما الذين ناضلوا من المثقفين الكهول انتهت نضالاتهم فلى حراسات الحكومه و فى منافى الوظيفه . العمد و المشايخ و اعيان القرى اصبحوا الآن رهائن فى يد الحكومة و والى التهجير . كان جمال يتحسر و هو يحكى لهولاء الشباب كيف ان متحدثا من بين هولاء الشيوخ وصف هذه المستنقعات الجافه فى ارض البطانه بالوادى الخصيب بل لم يكتفى بذلك بل قدم اعتذارا علنيا لرئيس الجمهوريه على المقاومة اليتيمة التى ابداها المهجرون فى وادى حلفا !! .
ما كان يسميه جمال بالأمس ببرلمان الوهم أصبح الأن عضوا فيه و لكن رغم ذلك كان يتساءل عن جدوى الصراع بين هؤلاء الشباب باحزابهم المختلفه داخل بيت الجالوص هذا و العسكر يسيطرون على الشارع .
رغم عدم اهتمام هولاء الشباب باخبار الوفد الأهلى الا ان اصواتهم ارتفعت بمحاكمات و صراعات اكسبت لهجه الحوار مزيدا من الجدية , و بدأ الصامتون يشاركون .. كان بكرى شربات من بين هؤلاء الشباب يساريا مفوها , جريئا على المسكوت عليه فى قضايا الدين و السياسة و المجتمع , استطاع بذكائه ان يستحوذ على اعجاب كثير من كانوا ينعون عليه الحاده !! كان يقول له احد اساتذه اللغة العربية كان يشاركهم من وقت الى لاخر . انت من اجبرتنى لاختار (( الملحد الشريف )) عن ( الشيخ اللص ) !! كان يقول لهم بكرى شرباتا ان الشيوعيين وحدهم هم الذين ناصروا المستضعفين من المهجرين ... ( عم جمال ) كان يهز رأسه بالموافقة . لم يتعود ان يثق فى السياسيين و لكنه فى حاجه لأى هتاف . ألم يقم افراد منهم بتحريك الجماهير للمقاومة وهم يقولون لهم أن هذه القنابل ليست اكثر من ( موية بصل ) .
يعود جمال دائما من حوارات الذات اكثر اقتناعا ببكرى الجريْ . الم يكن بكرى اقرب الى هموم الناس و احلامهم . الم يكن أحسن وطنيا من عبد الجليل ( الاتحادى ) الذى كان يقول : (( مصر انقذتكم من الفقر و الجهل و اخرجتكم الى التحضر الحقيقى .. لماذا لا تكونوا فداء للسد العالى طالما كنا شعبا واحدا , اما هولاء العمد فمحقون فى نظرنا لانهم لايملكون كغيرهم مساحات للشعارات و التنظير كالمثقفين و هم وحدهم اصحاب الوجعه و علينا ان نتخذ مواقفهم معيارا للحق و الباطل ... ) !! . أما انصار حزب الأمه من بين هؤلاء الشباب , لم يكن لهم صوت يذكر الا واحد منهم من قريه فركه , اهله لم يكونوا من المهجرين . كان لا يشارك كثيرا , و لكنه اذا اشتد عليه اللوم كان يبدو كالشامت على النوبيين يقول : نحن الذين دافعنا عنكم فى البرلمانات عندما كان مندوب حلفا يناصر المصالح المصريه !! . و ربما وجد بتلك التبريرات المقنعة مهربا من عذاب الضمير و كانوا فى ذلك كحزب الاخوان المسلمين الذين اهملوا قضية المهجرين رغم كراهيتهم لعبد الناصر اتساقها مع ارتيابهم الدائم من الثقافة النوبية باعتبارها من الوثنيات الافريقية التى تقف دائما امام طموحهم السياسى , فى عرفهم يجب خلخلة اركان هذا التراث بحجة التنمية هنا توقف شيخ جمال عن سرد ذّكرياته و تلفت الى اليمين و اليسار و قال هامسا : لهذا استحالت ( موية البصل ) فى قنابل عبود الى طلقات حية فى قنابل البشير
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من حكايات التهجير :
جمول و وفد الحكومة
فى ضحى شتاء عام 1962م , دخل جمول الحلفاوى مكتب ضابط الانتاج السينمائى حاملا كوبا من الكركدى الساخن . طرق الباب طرقه خفيفة و لم يهتم به أحد من المتحدثين .. كان السيد المدير مهموما برسالة عاجلة, يتحدث مع ضابط التصوير .
استرعى انتباه جمول ان السيد المدير على غير عادته تلفظ بكلمة ( برابره ) . كان امرا عاديا ان يسمع تلك الالقاب من العمال و صغار الموظفين . كان ينادونه بلقب بربرى ربما ليكسروا من حدة احساسه بذاته و اعتداده بنفسه , كان لا يمانع ان يخدم ايا منهم طالما اقتضت ضرورة العمل . و لكن اذا تجاوز أحدهم حده كان لا يتردد بان يصنفهم بالبهائم و العبيد . القابه كانت بلا مضامين خبيثه , لهذا ؛ كانوا يلاحقونه دون اكتراث لالفاظه الغليظه !! .
احتار بالفعل عندما سمع مديرة ينطق كلمة بربرى . وقف مبهوقا ينظر الى المدير و ضيفه و ناسيا تلك الانحناءة الخفيفة التى كان يبديها عندما يدخل على المدير . ادرك مدير المكتب حيرته و ناوله ورقه خفيفة شفافه مطبوع عليها رساله عاجله . و لكن استدرك المدير ان جمالا لايقرأ الا بصعوبة . اخذ منه الورقه و بدأ يقرأ له على غير العاده بصوت مرتفع : ( سيزور الخرطوم و منطقة خشم القربه وفدان من العمد و المشايخ و الأعيان من منطقه وادى حلفا . و سيقضى الوفد حوالى اسبوعا بين الخرطوم و كسلا . أرجو انتداب مصور سينمائى و آخر فوتغرافى لمرافقتهم فى الخرطوم و خشم القربة ! . مرفق برنامج الوفد و شكرآ ) – قال المدير موجها حديثه لجمال المبهوت دون انتظار تعليق منه : عرفت يا سيدى . نسى جمال نفسه و مقامه فى مكتب المدير و ألقى بنفسه و غاص فى مقعد وثير و هو يتمتم : ( برابرة للتصوير , باعوا ارضنا و شرعوا الآن فى تهبيلنا ).
بدى جمال كانه لاول مره يفهم معنى ( بربرى ) لهذا ؛ احتضن الصينية الصغيرة و راح يحاكم كل شئ فى ذاكرته : الم تأكل خير المصريين كل هذه السنوات . جاء دورهم الآن ليأكلوا خيرك !! , و لكن هل دفعوا تاريخهم و هويتهم و مستقبل اجيالهم كما افعل الآن . استغرق جمال فى هواجسه و ارتفع صوته ناسيا حوله . السيد المدير يتشاور الآن لتحنيطهم للتاريخ بتصويرهم ... هنا كان جمال قد افرغ كتلة هائله من اثقاله الوجدانية . لهذا ؛ كان سهلا عليه ان يستيقظ على صوت السيد المدير الذى كان هو نفسه قد خلى الى نفسه عقب خروج ضابط التصوير . بدأ المدير بارتياح غريب يحاكم النوبيين فى شخص جمول الحلفاوى وهو يقرأ تفاصيل برنامج الوفد . بطريقة سافره قال بصوت خفيض : يبدو ان الهدف كسب تأييدهم و تصويرهم و هم فى رضا عن خشم القربه كوطن بديل لوادى حلفا . و لكن المضحك انهم سيقضون يوما و نصف فقط من السبعة أيام التى ذكرت فى الجدول فى الوطن المراد زيارته و حتى هذه المدة البسيطه نصفها فى مدينه كسلا !! . و كما تقول انت دائما يا جمال : ( بالعربى كده مطلوب من زعماء بلدك ان يشهدوا على المافيش ) !
صمت السيد المدير بعد هذا التحليل كأنما افرغ كل ما عنده . ثم وقف فجأة كالذى تذكر شيئا اشد حطوره من هذا الكلام , و قال موجها حديثه لجمول : ( عارف يا ابو جمل – و لم يقل جمول لانه لا يعرف بهذا الاسم – فى برنامج هذا الوفد مبارة بين الهلال و المريخ ستقام على شرفه . و مبارة أخرى بين الموردة و المريخ للوفد الثانى !! . هنا انفجر جمول ضاحكا لانه استحضر صورته عمدة قريته يتفرج كوره فى استاد الخرطوم .... قد كان بالفعل فى حاجة الى فعل مزلزل يخرجه من مأزقه و لا يهم بعد ذلك ان كان بالضحك ام بالبكاء !! .
يعتدل شيخ جمال الطاعن فى السن و يتأهب للرحيل . ناخذ منه وعدا ليواصل ذكريات التى اثارتها احداث كجبار التى قتل فيها عدد من الشباب
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من حكايات التهجير
جمول و التعتيم الاعلامى
انفجر جمول ضاحكا على اثر محاكمه مدير المكتب للمهجرين . لأنه استحضر صورة عمدة قريته فى استاد الخرطوم , يتفرج مباره بين الهلال و المريخ اعدتها لهم الحكومه , فى سبيل استرضائهم ليبصموا على عمليات التهجير التى فرضتها بالقوة . بعد ضحكته تلك بدأ جمال يسيطر على حيرته باسئلة وجهها للسيد المدير و هو من قرية الباوقه فى ديار الجعليين .
– طيب انتو فين ؟
- نحن منو ؟
- انت الشعب السودانى ! .
اعتدل المدير و قال بصوت فيه الكثير من الهدوء : نحن (الشعب السودانى ) مغلوب على أمره على مدى التاريخ و لكن موضوعكم بالذات فى حلفا الجديدة استفدنا من تضحياتكم . استفدنا خزان الرصيرص ... كهربة الخرطوم ... تنفيذ مشروعات كانت على الرف فى منطقة البطانه و اشياء اخرى كان اهمها على الاطلاق هو شراء الموقف المصرى فى استقلال السودان . حاول السيد مدير مكتب الاستعلامات و العمل ان يحسم الحوار بقوله : نقدر تضحياتكم و لكنه استدرك كأنه يعتذر .... و لكن الذى يحزننى ان يهان ذكاؤكم بمثل هذه الطريقه و انتم ما انتم !! . رغم ان جمالا لم يستطع ان يفهم تخريجات السيد المدير لمأساة المهجرين الى خشم القربه الا انه أحس بانه لمس تلك الاهانة التى بدأت تتراكم فى اعماقه !! .
قال جمال يائسا : اذن ما العمل يا جنابو و نحن لا نملك شيئا لمواجهة البطش الحكومى ؟ .
– انا نفسى لا املك لك اجابة حاسمة سوى أن تواجهوا قدركم بالصبر و لا تنسى يا جمال انا و انت هنا فى الوزاره لسنا سوى تروس تنفذ اوامر الحكومة !! . بعد تلك الجلسات لم يعد جمال كما كان من قبل يمشى فى ردهات مصلحة الثقافة , يمزح مع هذا و يلعن ذلك . خمدت حيويته بالهموم و مطاردة الاوراق السرية التى كان تدار بها شئون المهجرين فى وادى حلفا و خشم القربه , و لم يشاركه فى ذلك الا أحد بنى جلدته بحماس اقل . الأخبار بدأت تتوارد : ( وصل الخرطوم بقطار الاكسبريس وفد اهالى حلفا لزيارة الوطن الجديد فى خشم القربه , و قد أعد لهم برنامج يستغرق سبعة ايام يزورون فيها منطقة خشم القربه , و يقفون بانفسهم على نشاط العمل بالخزان ومنطقة الاسكان و المزرعة التجريبية !! .
كلما وقعت امام عينيه وثيقة تأمر رؤساء التحرير بعدم نشر انباء خشم القربه الا بعد الرجوع الى لجنة توطين اهالى حلفا كان يصيبه الخوف من المجهول القادم . ( حضرة الزملاء
بعد التحيه
ارجو ابتداء من هذه الساعة ان لا ينشر شئي من اخبار أو تعليقات عن لجنة توطين اهالى حلفا و ما يتصل بهذا الموضوع كأخبار خشم القربه و منطقة الاسكان الا بعد الرجوع الى اللجنة و اخذ موافقتها )
قيلى احمد عمر رئيس تحرير جريدة الثوره
من هذه الرسائل السريه التى كان يطلع عليها ادرك جمال , كيف كانت تدار الأمور خلف الكواليس , لهذا ؛ فقد ثقته تماما فى هذه الحكومة العسكرية و بشارات ( التنمية ) التى كانت تلوكها فى وسائل الاعلام .
فقد جمال ثقته فى الحكومة و اخذ يبحث عن مجالس الظل التى كانت تدار من قبل الشباب المعارض ....
هنا توقف شيخ جمال عن الكلام بعد ان ابدى اشاره التوقف يتحسس العصا التى كانت تلازمه . قال بعد صمت ( نصرنى الشباب عندما خذلنى الشيوخ ) تأمل اليوم فى احداث كجبار كل الشهداء شباب ....
و هذا مفهوم يا شيخ جمال و لكن هل توعدنا لسرد المزيد من هذه الذكريات ! لوح بعصاه اشارة للموافقه و اخذ طريقه لمنزله !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من حكايا التهجير
: برلمان بيت العذابة
فى احدى الازقة الضيقة فى حى السجانه , كان يسكن جمال الحلفاوى فى غرفة منفرده رطبة جوارها حجرة اخرى واسعة تقاسمتها مجموعه من العذابة الشباب . اعدادهم لم تكن ثايته , مرة يزداد العدد حتى يفترشون الارض و يلتحفون السماء فى الحوش الصغير و مرة أخرى تبقى عناقريب الحبال الممزقه خاوية .
حقائبهم اليدوية ممزقة كانت دائما متناثره فى الاركان المظلمه للحجره . شنط حديدية بائسه الالوان على ظهرها بقايا صابون و اجزاء متفرقه من ( عدة ) الحلاقه ! . اوراق ممزقة من سلسله ( ارسين لوبين ) اللص الظريف .
كان هذا امرا مضجرا لجمال و رفاقه من الكهول و لكنه منذ ان غرق فى هموم تهجير اهله الى شرق السودان بدأ يحن الى هولاء الشباب و مجالس نقاشاتهم . وجد فى مواقف هؤلاء الشباب متنفسا لهمومه التى بدأت تشتد بوصول وفد الحكومة من الأهالى , الذين غررت بهم الحكومة ليبصموا على سياستها . كانت ( السياسة ) هم هؤلاء الشباب اليومى و هؤلاء الشباب كانوا آخر معاقل المعارضه التى خمدت فى كل الاوساط . خشم القربة , الوطن البديل للمهجرين و الذى فرض بالقوة بعد ان رفضها المهجرون فى صناديق الاقتراع بنسبة 93 % , اصبح واقعا لا مفر منه . اما الذين ناضلوا من المثقفين الكهول انتهت نضالاتهم فلى حراسات الحكومه و فى منافى الوظيفه . العمد و المشايخ و اعيان القرى اصبحوا الآن رهائن فى يد الحكومة و والى التهجير . كان جمال يتحسر و هو يحكى لهولاء الشباب كيف ان متحدثا من بين هولاء الشيوخ وصف هذه المستنقعات الجافه فى ارض البطانه بالوادى الخصيب بل لم يكتفى بذلك بل قدم اعتذارا علنيا لرئيس الجمهوريه على المقاومة اليتيمة التى ابداها المهجرون فى وادى حلفا !! .
ما كان يسميه جمال بالأمس ببرلمان الوهم أصبح الأن عضوا فيه و لكن رغم ذلك كان يتساءل عن جدوى الصراع بين هؤلاء الشباب باحزابهم المختلفه داخل بيت الجالوص هذا و العسكر يسيطرون على الشارع .
رغم عدم اهتمام هولاء الشباب باخبار الوفد الأهلى الا ان اصواتهم ارتفعت بمحاكمات و صراعات اكسبت لهجه الحوار مزيدا من الجدية , و بدأ الصامتون يشاركون .. كان بكرى شربات من بين هؤلاء الشباب يساريا مفوها , جريئا على المسكوت عليه فى قضايا الدين و السياسة و المجتمع , استطاع بذكائه ان يستحوذ على اعجاب كثير من كانوا ينعون عليه الحاده !! كان يقول له احد اساتذه اللغة العربية كان يشاركهم من وقت الى لاخر . انت من اجبرتنى لاختار (( الملحد الشريف )) عن ( الشيخ اللص ) !! كان يقول لهم بكرى شرباتا ان الشيوعيين وحدهم هم الذين ناصروا المستضعفين من المهجرين ... ( عم جمال ) كان يهز رأسه بالموافقة . لم يتعود ان يثق فى السياسيين و لكنه فى حاجه لأى هتاف . ألم يقم افراد منهم بتحريك الجماهير للمقاومة وهم يقولون لهم أن هذه القنابل ليست اكثر من ( موية بصل ) .
يعود جمال دائما من حوارات الذات اكثر اقتناعا ببكرى الجريْ . الم يكن بكرى اقرب الى هموم الناس و احلامهم . الم يكن أحسن وطنيا من عبد الجليل ( الاتحادى ) الذى كان يقول : (( مصر انقذتكم من الفقر و الجهل و اخرجتكم الى التحضر الحقيقى .. لماذا لا تكونوا فداء للسد العالى طالما كنا شعبا واحدا , اما هولاء العمد فمحقون فى نظرنا لانهم لايملكون كغيرهم مساحات للشعارات و التنظير كالمثقفين و هم وحدهم اصحاب الوجعه و علينا ان نتخذ مواقفهم معيارا للحق و الباطل ... ) !! . أما انصار حزب الأمه من بين هؤلاء الشباب , لم يكن لهم صوت يذكر الا واحد منهم من قريه فركه , اهله لم يكونوا من المهجرين . كان لا يشارك كثيرا , و لكنه اذا اشتد عليه اللوم كان يبدو كالشامت على النوبيين يقول : نحن الذين دافعنا عنكم فى البرلمانات عندما كان مندوب حلفا يناصر المصالح المصريه !! . و ربما وجد بتلك التبريرات المقنعة مهربا من عذاب الضمير و كانوا فى ذلك كحزب الاخوان المسلمين الذين اهملوا قضية المهجرين رغم كراهيتهم لعبد الناصر اتساقها مع ارتيابهم الدائم من الثقافة النوبية باعتبارها من الوثنيات الافريقية التى تقف دائما امام طموحهم السياسى , فى عرفهم يجب خلخلة اركان هذا التراث بحجة التنمية هنا توقف شيخ جمال عن سرد ذّكرياته و تلفت الى اليمين و اليسار و قال هامسا : لهذا استحالت ( موية البصل ) فى قنابل عبود الى طلقات حية فى قنابل البشير .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: دوت مجاك)
|
Quote: كجبار
واهلى فى كجبار
يربطنى صداقة مع بعض ابناء كجبار
وكان بفترض ام ازورها فى العام الماضى ولكنى تخلفت لظروف صحية
رد الله الظلم عنهم
وازاح عنهم كل بلاء
والله يصبرهم |
شكرا دوت
عنا وعنكم وعن كل ارجاء ذها الوطن الشاسع ظلما
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من حكايات التهجير :
جمول فى حضرة عبود
استيقظ جمول الحلفاوى من حيرته السياسية المظلمة و هو يتساءل عن جدوى هذه الصراعات السياسيه بين المتحزبين النوبيين فى بيت العزابة و الحكومة العسكرية تعيث فسادا فى القرى وسط الجماهير المغلوبه على أمرها .
خرج من هناك دون ان يلوى على شئي قاصدا الفندق الذى ينزل فيه الوفد الذى جلبته الحكومة من اعيان البلد ليبصموا على الرغبات الحكومية! . لم ينتظر طويلا فى ( الاستقبال ) فقد كان على غير العاده مسموحا لهم بالدخول . اصواتهم المنبعثه من الصالة الخلفيه دلته لمكان اجتماع الوفد الذى كان اثناء دخول جمال فى حالة انعقاد . موظف التشريفات يقرأ فى الاجتماع برنامج اليوم : ( بعد تلك الزيارات و المقابلات التى قابلتم فيها وزير الداخلية و الاستعلامات و العمل . اليوم ستسجلون اسماءكم فى التشريفات ) .
يقاطعه صوت من داخل الوفد : ( نعم فى التشريفات بدل ابواب الخدم الخلفية ) !! . تضج القاعه بالضحك . يصمت الموظف قليلا ثم يبتسم ابتسامة بروتوكوليه ام ساخره لم تكن مفهومه . يواصل اكثر حماسا ( بقى لكم مقابلة معالى السيد الرئيس قبل ان تسجلوا انطباعاتكم فى الاذاعة السودانيه ! .) .
استغرق جمال فى تفاصيل البرامج و نسى خاله الذى كان ضمن الوفد و قد جاء اصلا لزيارته ! . و لكن فجأة يرتفع صوت خاله من بين الجموع , يبحث عنه ودون انتظار يراه يلوح بعصاه الكريز التى كانت تلازمه فى حله و ترحاله : ( ده خشم الجنة , مش خشم القربة . فروتا ايه و بصل ايه . القمح فى الهواء يرقص كشعر الست الخواجه ) !! . صمت قليلا كأنه انتصر على المعارضين ثم التفت تجاه مجموعة من الشباب المعارض الذى كان يبدو ضجرا من نفاق الشيوخ لمسؤول
الحكومه ! , و وجه حديثه قائلا : ( بلاش فقر و عن####ة .... حلفا آل ... شفتو ايه من الشفناه وسط الجبال و الرمال .. ) !!.
فى اثناء خطاب خاله كان جمال قد استغرق فى التفكير , حتى أنه لم يسمع شيئا سوى انه كان يرى خاله و هو بالعباءه السوداء و هو يلوح بالعصا . و بدأت الاسئله تتزاحم على جمال : هل الذين عارضوا اكثر ولاء للوطن من هولاء ؟! و هل هناك من بين هولاء الشباب المعارض من رضع من رحيق التراث النوبى اكثر من خاله الذى يتعصب لحساب الحكومه , أم ان هولاء الشيوخ قد صدموا ( حضاريا ) بالمقابلات و التشريفات كما ارادت لهم الحكومة ؟ ام ان الأمر ان الشيوخ طبيعتهم استسلامية و الشباب مصادم على عاتقه الحماية و التغيير ؟ ! .
استيقظ جمال من غفوته على نوع من الهرج و المرج دبت فجأه بين صفوف الواقفين الجالسين. فتحوا الطريق لرجل انيق خطواته واثقه . عرفه جمول بسهوله , لانه كان قد استعان به فى ( واسطه ) عمل . داود شريفة من خدم القصر الجمهورى . يقولون عنه انه خدم ونجت باشا أول حاكم فى عهد الانجليز ثم ترقى رئيسا للسفرجية و هو الآن يخدم عبود فى قصره .
خطب فيهم و ابلغهم ان السيد الرئيس ينتظركم و يتشرف بلقائكم !! . بدأت الجموع تتدافع للخروج و لقاء الرئيس و لكن هناك عندما دخلوا القصر طلب منهم الهدوء و النظام ( لكى لا يندس الغرباء ) و هناك بالفعل منعوا كثيرا من الشباب !! . فجأة اشتعلت صفوف الشيوخ بالهتاف و التصفيق فقد خرج عليهم الفريق ابراهيم عبود رئيس جمهورية السودان ...
صمت شيخ جمال و بأبتسامه ساخرة اضاءت تجاعيد الشيوخوخة رد تساؤلاتنا التى كانت تلاحقه بان يكمل الا انه كان فى عجله من أمره و قال : ( يا خبر الليله بقرش بكره بلاش ) .. اشارة الى انه سيعاود سرد ذكرياته التى اثارتها احداث كجبار !! ..
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
تابع يا عاطف..
كتابات أخانا فكري يندرج تحت عباءة الأدب النوبي الذي غاب طويلاً ،عن ساحة الإبداع الفني في بلادنا
السودان. في الوقت الذي فيه تقلد كتاب الشمال النوبي في مصر ،ناصية مهمة ببسط أشرعتهم قوة وإقتداراً. فإن نشر وتدوين أعمال كتابنا ومبدعينا النوبيين في البر السوداني يبقي أمراً ذات جدوي
كبيرة .وخاصة في ظل المحن والمصائب التي تتري علينا في مثل هذه الأيام.
وإعادة نثر(نشر) نتاج مبدعينا ، يرتدي أهمية قصوي لتوعية النشئ وإعادة الصحوة للغافلين !ومن جانب أخر لتأكيد :
أن ما يقع علينا في هذه الأيام ليس بجديد، بقدرما هوإستمرار بظلم القادرين (بأجنداتهم ) علي تهميش النوبة أرضاً وشعباً.
وحتي لا ننسي ..يا عاطف.
أكمل مع فكري .. وربما سوف أنضم اليكم في هذه المساحة لإستعادة بعض الأوراق القديمة التي تعكس أوجاعانا منذ سنين وعقود.علّ ذلك يعطينا زاداً للبحث عن الذات النوبية المعذّبة والمفقودة! . رغم النهوض البادي وبالتضحيات الجسيمة . متفائلون بالمستقبل وبحتمية النصر.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: arkamani)
|
| Quote: وربما سوف أنضم اليكم في هذه المساحة لإستعادة بعض الأوراق القديمة التي تعكس أوجاعانا منذ سنين وعقود.علّ ذلك يعطينا زاداً للبحث عن الذات النوبية المعذّبة والمفقودة! . رغم النهوض البادي وبالتضحيات الجسيمة . متفائلون بالمستقبل وبحتمية النصر. |
استاذي اركماني
مرحبا بك هنا
وفي انتظار كتاباتك
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
من حكايات الهجير
جمول فى الزنزانة !!
دخل وفد الحكومة القصر الجمهورى ليلقى رئيس الجمهورية خطابا فى حضرتهم . عندما تقدم عبود الى المنصه بملامحه المطمئنة تدافع شيوخ حلفا و عمدهم فى التصفيق حتى ان رئيس الوفد اندفع معهم ليقدم فى كلمته ما لم يطلب منه وهو الاعتذار لرئيس الجمهورية عن المظاهرات التى اندلعت فى حلفا اثناء زيارة وزراء حكومة عبود قبل أشهر . محاولة وأد هذه المحاولة اليتيمة فى المقاومة , فتح الطريق واسعا اما الرئيس ليمرر مأزقه التاريخى فى مسأله فرض خشم القربه كوطن بديل للمهجرين بالقوة دون رغبة الأهالى و كان الرئيس عبود قد وعد الأهالى !! . لهذا ؛ طفق يطلق امام الشيوخ معسول الكلام : ( انتم اهلنا و اخواننا و لست غاضبا ! اطلاقا لما بدر من بعضكم ابان زيارة الوفد الرسمى و الحمد لله فقد رأيتم بانفسكم خصوبة الأرض و صلاحيتها كوطن عزيز لكم ) !! .
و كزيادة فى الترغيب ذكر ان هناك طلبات من آخرين و لكنه يعطى الأولوية للحلفاويين !! . و عندما بلغ فى خطابه القول : ( انى اكرر ما قلته من قبل ان كل من يرى نفسه غير راضى باتخاذ خشم القربه موطنا له فنحن نعوضه تعويضا كاملا و له ان يختار بنفسه ... ) كان جمال قد غاب فى ذكرياته و على اثره انقطع صوت الرئيس ..
اعاد جمال فى ذاكرته فقرات من خطاب كان قد القاه الرئيس قبل اعوام فى وادى حلفا و الذى قال فيه بعد انقطاع صوته بسبب البكاء !! : ( اما اختياركم مسكنكم الجديد اعدكم بقبول اختياركم . فى أية بقعة فى السودان , انه سوف لن يجبر احد منكم على شى بخلاف ما يرغب ) . و قفز من ذاكرته ايضا كلام كان قد قاله سكرتير الوفد الأول : ( فلقد وجدنا ما طمأننا على مستقبل اهالى حلفا الى اجيال و وجدنا المناخ طيبا افضل من المناخ الذى نعيش فيه الآن ( !! ) و كذلك الارض التى وجدناها خصبة لاقصى حد ) .
عندما كثرت عليه هذه الاثقال ظهر أمامه كأنه يستطيع ان يتخلص منها بسؤال واحد : لماذا يضحى بالبسطاء من اجل من و باى ثمن ؟ عندما علقت هذه الاثقال فى صدره مره اخرى كالمخاط فى صدر مريض بالسل , اعتراه حنين الى شعارات بكرى الشيوعى و لم يجد فى فمه الا ما كان يردده بكرى و هو يحى ذكرى ( ثورة الفندق ) قبل اعوام : ( اين بكاؤك يا عبود ... اين وعودك يا عبود ... ) فى ثوانى معدودة تم تكميم فمه من قبل افراد كانوا بلجباب الاهالى بين الصفوف ؛ ثم ناولوه لقوة عسكرية و هو مازال يقاوم للهتاف و غابوا به فى ازقة القصر الخلفية و من يومها لم يظهر جمال , لا فى عمله و لا فى بيت العذابه فى حى السجانه و لكن الذى علم من اخباره انه بعد ايام تم تسليمه الى خاله فى قطار الاكسبريس العائد بالوفد الاهلى الى وادى حلفا .
اسباب ضعف المقاومة
ضعف المقاومة تسبب فى كثير من الخسائر فى تجربة المهجرين النوبيين فى حلفا . المقاومة التى لم تستطع ان تحارب الفكره فعلى الاقل تستطيع ان تقلل الخسائر فى عمليات التعويض !! .
و نحن هنا نضع التجربة امام اهالى كجبار متساءلين هل ضعف المقاومة فى حلفا سببه : البطش الحكومى ام كان المأزق الوجدانى للولاء لمصر ام كان الوعى غائبا ام لانهم لم يجدوا مؤازره من بقية النوبيين ( سكوت , محس , دنقلا ) ؟
البطش الحكومى لم يتوقف فى كل العصور . وهو الان اشد سوءا فى تجربة كجبار , أما المأزق المصرى فمعروف فى الثقافة النوبية . فمصر دائما خصم وحكم ! . و لكى نشرح هذا التداخل المعقد و المأزق الوجدانى الذى تمثله مصر تعال نقف مع قصه ( عم محمود ) :
يحب الرئيس المصرى عبد الناصر , لانه استطاع ان يسكن فى وجدانه على صورة بطل , بل و سمى أحد ابنائه باسم هذا الزعيم المصرى . يكره خشم القربه , و يعتبرها لا تصلح حتى للبهائم ... و هو يعيش فى ضواحى الخرطوم لا يبغى اكثر من شيخوخة هادئه لا تشوبها حمى الملاريا و تضخم الطحال و الفشل الكلوى , و هى عينه من امراض خشم القربه ! .
سألته اما زلت تحب عبد الناصر ؟ قال نعم . و لكن ألا تدرى انه المسئول الأول للكارثة التى ألمت بالنوبيين ؟ نظر الي و على عينيه غيوم لامعة من الحيره و الخوف .
و قال : يا بنى كل الذى اعرفه اننى ما كنت مصدق هذا الذى جرى لنا . حاولت ان احشره فى اضيق اركان المأزق ليفرغ كل ما عنده و قلت له : هل الآن صدقت .... و هل ما زلت فى ولاءك القديم لمصر؟ ألقى عود الثقاب الذى كان يحرك به قاع الكدوس الجاف , ثم اطلق من اطراف فمه سحاب من دخان القمشه حتى توارت ملامح وجهه خلفها ... و اخذ يردد فى ياس : ( أهو دل الحصل بقه .. ) كان بهذا قد حسم الحوار و لهذا تركته .. ! .
اما السبب الثانى فيمكن ان يكون ايضا فى الاطار الثقافى الوجدانى و هو ان هناك فئه كبيره من المثقفين تعتقد بان فى التهجير خلاص للنوبيين من الفقر و الجهل و العزله !! , و
هذا هو الفهم الثابت للحكومات المصريه و السودانيه حتى خكومة ازهرى كانت ترى من هذه الزاوية , و هذا بالضبط ما يتم تسويقه الآن تبريرا لاحداث 13 يونيو فى كجبار .
اما السبب الثالث فهو ايضا يطيل من عمر البطش الحكومى المستمر و هو ان النوبيين غير ميالين للقتال , و كما يقول السيد حسن دفع الله الحاكم العسكرى ( والى التهجير ) فى حلفا : ( لا يلجأون عادة للشدة فى نيل حقوقهم ) . كل ذلك يحدث رغم ان الرغبة فى الرفض اقوى فى النفسيه من التكييف مع الوقائع !! .
ربما لهذا كان سهلا على الحكومات العسكرية ان تخترق صفوفهم رغم محاولات الاحتجاج العنيفة التى تخمد بسرعة .
السبب الرلبع فى اسباب ضعف المقاومه متعلق بالضعف النوبى العام . النوبيين من حلفا حتى الغدار , من يتأمل حالهم سيجد نوعا من السيولة الداخلية . هذه السيولة دائما هى مرحلة تأتى بعد تداعى الكيانات . فهم تقريبا كانوا قد انكمشوا من امبراطورية الى ممالك ثم الى كيان ظل ثابتا حتى حوالى عصر المماليك فى القرن العاشر و الحادى عشر . بعد عصر المماليك بدأت بقايا الكيان تستحيل الى سيولة ثم هم الآن فى مرحلة الاندثار الاخيرة وهى المجموعة الثقافية . الواضح الان انه لا يجب ان يعول كثيرا على هذه المجموعات او قل ( الكتله ) فى المناسبات فقط – اذا كان المطلوب هو الصلابة و المؤازرة و الانفعال الجاد بقضايا المجموعات المستضعفه !! .
فى احدى قصائده أنتقد الشاعر النوبى مكى على ادريس قومه النوبيين نقدا مريرا و نعى عليهم ضعفهم و تشتتهم و سخر بأسى بليغ من نتائج عمليات التهجير . عالم اثار امريكى يقدم نصيحة غالية للنوبيين : لا يجب ان يغرنكم هذا التاريخ الطويل . ثقافات ما بعد القرن العشرين ساحقة غير مسبوقه و النوبيون زائلون ككل القوميات و الثقافات و كأنه يقول لهم عليكم ان لا تنسوا هذا التاريخ ادرسوه و تمثلوا بعضه ليساعدكم على التكييف مع الثقافات التى تحملها اعاصير العولمة !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
كجبار و الكيان النوبى !!
لم تعد ( كجبار ) مشروعا تنمويا , أو سدا على النيل مزمع اقامته , بل دماء وضعت حجر الاساس لكيان نوبى ظل معلقا بين كينونة ( ثقافية و تراثية ) مكتسبة و اخرى سياسية مرجوه ! . ظلت هذه ( الكينونة ) تبحث عن ملامحها بين بقية الأجنة المشوهة التى لقحتها الاحزاب العقائدية الشيوعية منها و الاسلامية .
الأمة النوبية ما زالت تجتر مرارة الهزائم النفسية و الاندثار و هى تتأبط بين جوانحها بقايا حضارة لطالما حاولو انكارها . و كجبار ايضا فرصة سانحة للنوبيين للتكفير عن الذنوب التاريخية التى ارتكبوها فى التفريط بحلفا – اما تنمية تقوم على الحقوق و احترام الانسان تحت اشراف كيان نوبى معترف به أو ضمانات حكومة ديمقراطيه تفهم دوافع الانسان و تحترم حقوقه . أما وصاية غير رشيدة باسم التنمية فلا يجب تقبل لأنها ليست منطقية اولا و اخيرا !! .
هكذا حفر الاساس و بدأ البناء فى ( سد كجبار ) و اريقت دماء القرابين و هذه المرحلة هى اخطر مراحل بناء الكيانات البشرية على الاطلاق .
هذه الدماء التى اريقت فى سفح جبل كجبار نقلة نوعية لحركة التاريخ النوبى , لها ما بعدها فى كل الاحوال . ان انتصر البشير او انتصرت الأمة النوبية .
نقلة نوعية لانها ايذان بانطلاق معركة . و المعركة ليست مع البشير و انصاره فهولاء لم يبقى امامهم الكثير و لا عمر لهم فى معايير حركة التاريخ ... المعركة التى بدأت بين النوبى و نفسه . لانه قبل ان يدخل المعركة لا بد من أن يغتسل من ادران احتقار الذات و الثقة بالنفس و عدم المسئولية و مكان المعركة و الأهداف ..... الخ .
كان النوبيون قبل ( ثورة الدم ) هذه يحملون انفسا خربة انتشرت على سطحها الجروح التاريخية و ابرزها التفريط فى حلفا . كانت محقونة بالعفن و الصديد و كان لابد من دفقه دماء لتطهيرها !!
كأنما هؤلاء الشهداءالأربعه قد دفعوا الديون النوبية القديمة التى كانت قد اثقلت كاهل هذا الشعب المغلوب على أمره .
( مأساه عبود لن تعود ... ) هكذا وضعوا العربة على الطريق . يمكن ان يقوم السد اولا يقوم , لكن المؤكد ان السد ان قام لن يكون على شاكلة السد العالى فى مصر و ان لم يقم فلن تخسر الأمة الكثير و المؤكد ايضا هنا ان هناك أمه قد استيقظت .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
اغراءات التعويض
هنا ايضا درس من دروس ( الشمندوره ) و هى رواية كتبها كاتب من النوبه المصرية يصور فيها حال المهجرين فى قريته ( قته ) اثناء تهجيرهم عام 1935 . تم تصوير هذه الرواية على شكل مسلسل اذاعى عام 1968 . اقتبسنا منها صور عن السلام الاجتماعى فى حلقه سابقه و ها نحن ذا نعود اليه لنقتبس احداث تحكى كيف انهارت المقاومه فى القرية .
***
تصور الرواية اهل القرية و هم فى الساحات و المساطب و امام المتاجر يناقشون القرار الحكومى رقم (6 ) لسنة 1933م . يقضى هذا القرار بنزع الملكية نزعا كاملا فى المناطق المتأثره بطوفان خزان اسوان و فى القرار ايضا على الأهالى ان يرحلوا الى أى جهة يريدون .
صورتهم الرواية ايضا بانهم كانو لا يملكون امام الطوفان القادم سوى العرائض و الشكاوى . و قد كان الزعيم الشاب برعى , ابرز قادةالمقاومة , و قد كان اميا لا يقرأ و لا يكتب , و لم يكن يعرف الكثير عن الطوفان القادم , و لكنه كان الضمير الحى لمجتمع مغلوب على أمره .
أحد المثقفين من الشباب النوبى كان يسخر من هذه الشكاوى و الالتماسات باعتبارها عملا بلا جدوى و وصف النوبيين بأنم بلهاء و حينما سئل : ماذا تريد منا ان نفعل يا حسين ؟ نصحهم بقتل رئيس الوزراء ! صدقى باشا و قد قام بالفعل بهذه المهمة , و لكن قبض عليه و ترك فى السجن يعمل اشغالا شاقة حتى مات ! .
هولاء اشعلوا الثورة و تم اعتقال كل قادة الشباب و بعد ان تم أطلاق سراحهم اقتنع اهل القرية بالأمر الواقع !! .
اصبحت ( الفكرة ) امرا و اقعا و تراجعت المقاومة الى خندق تفاصيل التعويضات التى لم تكن مجزية و لكن لان الخطوه اصلا قد بدأت للوراء انهارت ايضا محاولات المقاومه من هذا الخندق.
كيف انهارت المقاومة ؟ انهارت - كما تقول الرواية - بسبب أحد الوافدين الذى لم يكن من اهل القرية الاصلاء و انهارت ايضا بسبب الفقر .
استيقظت القرية على مندوب الحكومة و هو ينادى فى النجوع و اموال التعويضات وصلت فى صناديق حديديه محروسه بالبنادق .
بريق الجنيهات الخضرا بدأ يخطف ابصار الفقراء , من كانو يعارضون فكرة قبول التعويضات بدأوا الآن يطالبون بتعويضات عادله . أما الحكومة عندما علمت اشواق هؤلاء الفقراء عدلت التعويضات الى الربع .
الافندية و المثقفين من يحاولون اقناع الفقراء عبثا: (( اعرف ان الجوع كافر و لكن فى امكاننا ان نصبر اياما )) ! .
عندما كادت صفوف المقاومة ان تنهار , ( وضعوا مصحفا كبيرا و ركزوا اكفهم عليه و قرأوا الفاتحة و اقسموا بالا يصرفوا الا معا .. ) ! .
و قبل أن يحنثوا بهذا القسم و تنهار المقاومة تماما على يد رجل اسمه ( جزار ) و هو من الوافدين الذين لم يعيشوا طويلا فى القرية , اطلقت الرواية صرخة داويةعلى لسان امرأة فقيرة لا عائل لها و قد كانت أول من مدت يدها لهذه الاموال المحرمة من اهل القرية الاصلاء : ( انا جائعة جائعة و الديون تتراكم على رأسى ) .
بدأ الناس يتقاطرون على دار العمدة لصرف تعويضاتهم . أما قادة المعارضة فقد بدأ بعضهم يغرقون فى احزانهم فى الخمر ! أما البعض الآخر فقد اخذ يطمئن نفسه بانه فعل ما عليه و كفى !! .
اما برعى قائد المعارضة الذى ( عاش ساعات السجن و نأضل مع المأذون و بدر افندى , بلغ به الياس كل مبلغ , فضحى بكل ما كان يردده , ... فقد ابتلعها لسافر الى مصر ليبحث عن اى عمل ) !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
الدوله البوليسيه !!
فى ظهيرة عشر من يونيو انطلقت فى قرى كجبار جموع اعتادت الخروج بشعارات رافضة يدافعون بها عن ارضهم و تاريخهم , لم يكن همهم ( تخريب مشاريع التنمية ) كما قال السيد رئيس الجمهورية و لا قتل المهندس !! كما قال الوالى .من حقهم ان يرفضوا وصاية اثبتت عدم رشد او حتى ان يخطئوا فى التقدير و لكن ليس من حق أحد ان يقتلهم .
و لكن تنفيذا لسياسات الردع التى باركها الرئيس , انهالت عليهم الرصاص من قمة الجبل و مزقت جماجمهم . و لكن المفارقة ان هذه السياسات لم تهبط من خلال قنوات مؤسسة . لان نائب الوالى المستقيل – و هو أصدق – ذكر انه لم يأمر بذلك , و المجلس الأمنى لم يقرر لان النائب المستقيل كان ايضا عضوا فيه .
و السؤال : هل هذه المذبحة من افكار ضابط ميدانى صغير حمل عنه الكبار ( وش القباحة ) ام ان هذه الوظائف المدنية مجرد واجهات لدولة بوليسية .
اتسعت المؤسسة العسكرية التى بدات بجمعيات استهلاكية و شركة مواصلات , حتى التهمت النشاطات المدنية و خاصة الاقتصادية منها , حتى بلغت نسبتها فى ميزانية الدولة حوالى ( 68 %) ! .
بعد هروب الترابى و انصاره من تجربة ( الانقاذ ) هرب بعدهم ( الحركيون التاريخيين ) فى الحركة الاسلامية و لكن الى الصفوف الخلفية . الواجهه العليا اصبحت الآن عسكرية صرفة و هنا تنطلق مفارقة جديدة فى غاية من الغرابة ثلثى هذه الواجهة من العناصر النوبية !! .
اما الواجهة الوسطى من القيادة العليا ( امنية ) سياسيه , ليتبقى بقايا ( قدامى الحركيين ) فى الواجهه الخلفيه للقياده العليا .
***
لا يجد المتأمل سوى هذا التداخل بين ( الأمن و الاقتصاد ) اذا اراد ان يفهم معنى هذه القسوة التى تمت بها المذبحة فى كجبار . هل كانت نتيجة للاضطراب و الخوف أم ضعف فنيا فى معالجة الموقف أم مؤامرة للاباده ؟
فى افادات المعتمد المستقيل يبدو بوضوح التناقض فى اوامر الرئيس . وعد بوقف العمل اذا رغب الأهالى ثم عاد و أيد الردع باعتبار أن الاهالى يخربون مشاريع !! ..
يبدو ان هناك جهات مستفيدة من استمرار العمل فى كجبار تملك القدره فى تحريك الاحداث طبقا لاولويات مصالحها مهما كانت النتائج !! .
و لكن من حسن الحظ ان لحركة التاريخ اولويات أخرى بدت تظهر للعلن و هو رتق كيان نوبى ممزق ثم القضاء على آخر معاقل (الانقاذ ) فى الشمال النوبى !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
يا عاطف
وييييييييييييييييييييينك
بركة الشفناك طيب
اشتاق لمشية مغربية بصحبتك في شارع محمد فريد بعابدين
اسف جدا للانقطاع لابتعادي عن المنبر في الفترة الماضية
لا لشيئ سوي الزهج والاحباط والجو المقرف في السودان
اما اهلنا في كجبار الصامدة فلهم الله وأعتقد ان دماءهم
الطاهرةالتي روت ارض النخيل ستزيد من كراهية الشماليين
للعسكر في كل زمان مهما حاولوا التقرب اليهم وخداعهم
بمشاريع وهمية ..
يا عزيزي اشتاق اليك كثيراً وسارسل لك رقم تلفوني في المسنجر
ومتي ما اتيحت الفرصة حاول كلمني
ولك الود اينما كنت .
جمال
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
عبود كان أرحم !!
نتائج مشاريع التنمية بعد نصف قرن من الزمان , تقول عن المهجرين فى حلفا الجديدة : أن هناك جيلين تم اغتيالهم فى مستنقعات خشم القربة , بالفقر و المرض , و ابرز الأسباب : ان العمولات التى دفعت للسماسرة الدوليين جاءت على حساب تنفيذ المراحل المتأخره من الوعود كأقامة سد ستيت خلف الخزان مثلا . من تداعيات عدم تنفيذ الضمانات كان انهيار المشروع الزراعى .
الذى قدم الضمانات حكومة عسكرية و التى سحبت التمويل ايضا حكومة عسكرية و هى حكومة نميرى .
أما تكلفة اغراق التاريخ و تضييع التراث فلم تحسب بعد .
كل هذا قد تم على يد الريئس عبود و لكن بالمقارنة مع مذبحة كجبار يجب ان نعترف ان عبود كان ارحم !!.
عندما طلب منه اللواء طلعت فريد ان يأذن بتدخل الجيش لسحق المتظاهرين الذين كانو قد حاصرو الوفد الحكومى و قد كان من بينهم اعضاء فى مجلس عبود العسكرى – رفض عبود قائلا قولته الشهيرة : ( يا فريد لو كنت مكانهم لفعلت مثلهم ).
يقول مؤلف كتاب ( الصامدون )انه رأى عبود و يده على قلبه و هو يقول : ( الله يستر يا ابنى ... الله يستر ) ... رغم انه كان لعبة فى يد المصالح المصرية - كما يحدث الآن – الا انه كان آية فى الرحمة اضطرنا لاستدعاء هذه الصور من الذاكره , عندما سقط هذا العدد من الشهداء و عندما قرر البشير ان يمشى فوق الاشلاء . يرسل رئيس الجمهورية اشارات سالبة فى كل الاتجاهات : اشارة الى الذين استيقظ ضمائرهم و استقالوا يقول لهم ( لن ننكسر )) . و اشارة سالبة اخرى للجان التحقيق لتوجية النتائج بقوله ( يجب الردع . الحفاظ على هيبة الدولة ) .
و الخلاصة ظهرت كأنما الذين استقالوا انكسرو و الذين اطلقوا الرصاص قد احسنوا . و قد جاءت بيانات والى الشمالية مرسومة طبقا لهذه الاشارات بعد ان أعتبرت فى البيان الأول ان الذين ماتو ( شهداء ) .
الفريق ابراهيم عبود فى اكتوبر 1960م كان ارحم , رغم أنه حقق ما يريد , فعلى الأقل لم يترك احقادا سوداء فى نفوس أمه منكسرة . أما البشير ربما لا يستطيع ان يضع حجرا فى سد كجبار او ربما يفعل بشروط احسن و لكنه فى نهاية المطاف ترك اثقالا من الاحقاد لن يمحى آثارها على المدى القريب ... و يا ليته نفذ ما اراد و هو صامت !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
بوش و البشير
بعد ان تفرقت تلك الجموع الضخمة التى شاركت فى تشيعّ شهداء كجبار ، و حشدت الحكومة مزيدا من القوات و فرضت حذر التجول فى القرى – انتابتنى رغبة للهروب بالتأمل فلم أجد سوى وجه الشبه بين ( بوش فى العراق ) و عمر البشير فى كجبار . و هو بالفعل تشابه عجيب .. أقوى محاور هذا الالتقاء يتلخص فى فى تمرير الأوهام بالقوة !!. و ربما سبب الاصرار و العناد هو الخلفية الدينية . كلاهما يتصرف بوحى من ايمانه الدينى . يجمعها المزاج الحاد و النزعة الى (( التطهر )) , الاعتقاد جازم فى الرئيسين انهما يمثلان الاشواق الدينية لقطاع كبير من المتدينين داخل البلاد و خارج البلاد . اما هذا الاعتقاد فتغذيه مؤسسات دينية تبادلها خطوطها .
يتصرف البشير من وحى تمثيله للذين تدفعهم الاشواق الدينية السياسية !! أما الثانى فيعتمد على محاربته للاسلام على الخلفية المزاجية للشعوب الأوربية ( اليمين و الوسط ) .
نزعة التطهر هذه سيطرة تماما على عقل الرجلين : يعتقد البشير بامكانية هزيمة الأمم المتحده و من يسايرها فى الداخل أما الثانى فاعلن انتصاره فى العراق و على الأرهاب و نسج سياسته طبقا لهذه الاوهام .
أقوى اوراق اللعبة بالنسبة لهذين الرئيسين هما :
ان بوش لا يملك فرصة اخرى فى الحكم , لهذا فهو متحرر من الضغوط أما البشير اقوى ما لديه قابليته للاستشهاد و هو صادق فى هذا .
تلك ( الحرية ) , و هذه القابلية حملت الرئيسين الى مزيد من التحدى او حساسية الهيبة . و هما الآن يحملان قنابل يمكن تفجيرها و رهنا شعبيهما . اما ان ينجحا أو يفجرا شعبيهما .
بوش يلعب بعصا الارهاب فى الداخل الامريكى و البشير اعتمد تماما على القوة الصرفة و التخويف من مصير الوجدان الدينى فى السودان !! .
وجه الشبه الأخير هنا فى انهما نجحا فى تخويف شعبيهما , الديمقراطيون تراجعوا فى امريكا و الشعب السودانى مستكين بطبعه . فقد حكم ونجت السودان فى بداية الحكم الثنائى ( 17 ) سنة و النميرى ( 16 ) و البشير فاقهما عمرا و ما زالت شهيته مفتوحه ! .
هذه بعض اوجه الشبة بين الرئيس السودانى و الرئيس الامريكى ... و لكن ما هو الفرق ؟. واحد بسيط هو أن بوش معلوم متى سيرحل !! .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الاستاذ فكري ابو القاسم يكتب عن كجبار (Re: ateif abdoon)
|
كجبار يا وطنى Irkūni wō kajbār
كجبار اسم قرية فى منطقة المحس فى شمال السودان , صادف اسمها مشروع سد مزمع على النيل . و لكنه الآن لم يعد اسماً لقرية
و لا حتى اسماً للسد المزمع . بل أصبح ( وطنا ) لأمة تائهة . أو بؤرة اجتمع عندها ألق وجدانى أخاذ بمجرد ان ارتوت رمالها بدماء الشهداء – الذين قتلتهم قوات الحكومه و هم فى تظاهره رافضه للسد – فرهد فى اجوائها فردوس مفقود طالما بحثت عنه الاجيال النوبيه من عصور خلت !! .
***
هذه الوقائع ولدت بالفعل فى اعماق شاعر نوبى مهاجر فأطلقها بعد ساعات فقط من احداث ( 13 يونيو ) التى استشهد فيها شباب فى ميعة الصبا .
تلقفتها على الفور الاذواق المحلية المتعطشة فتم تلحينها فى لحظات لتعاد بثها فى شبكة الانترنت و الهاتف ( الموبايل ) و شرائط الكاست .
لو جاز لنا ان نترجم الشعر بطريقة اقرب الى تفسير المعانى , نختار هنا بعض نصوص هذه الاغنيه التى سميناها ( كجبار يا وطنى ).
Mēmen Jebel sekkē
المعنى بالعربيه :
أزحفى يا جبال ..
Mukkē Sigir mukkē
المعنى :
أملئى اشرعتك يا مراكب النيل الى كجبار ..
Diyoruηηa jū sokkē
معنى :
شيعى اشلاء الشباب فى كجبار..
Ōφφi askalēg gokkē
معنى :
نورو الساحات بالبكاء و النواح ..
ٹārtiηηa jū sokkē
المعنى :
احملوا الحراب للطعان ! .
***
فى الفقرات السابقة تخلص الشاعر من الاحتقان بالبكاء و النواح ثم تقيأ الباقى بدفقة وآحدة حين لجأ الى الثأر بحمل السلاح . و هذا الخيار , كادت ( القابلية النفسية ) ان تبلغها فى انسان المنطقة , و قد بدأت ارهاصات هذا الأمر تبدو الى العلن و مع الأسف ان الحكومة لا تملك وقتا للاستماع او التأمل , الا بعد ان تنفجر كما هو الحال فى ( الغرب و الشرق ) و قد اصبح هذا التوجه ملازمه لسياسات الحكومة , فهى لا تعرف التفاوض الا مع حملة السلاح ! . و قد اصبح هذا محوراً لثقافة السلام !
اما الفقرات القادمة للاغنية فهى أقرب الى الوصف و العقلانية بعد ذهاب الاحتقان . فهى برمتها تتحدث عن صورة ( الكيان ) النوبى الذى رآه الشاعر على اضواء شموع الاستشهاد !
و كأنما قصه هذه الاغنية تتلخص فى استداعائها للجبال و المراكب و السواقى و الدموع فى المآقى لتتوجه الى ساحة المعركة فى كجبار , و لكن عندما اجتمع هذا ( الوجود ) فوق اجساد الصبية الاربعة اتسعت دائرة الاحتراق الداخلى حتى ذابت الاشياء فى كيان ضوئى موحد . و على اثر هذه ( الحضرة ) الجمالية بدى الشاعر كأنه يتذوق جمال بلاد النوبه لأول مره !
اذن تعال معى عزيزى القارئ نتفرج معه .
كيف كانت صورة هذا ( الكيان ) الذى اشتيقظ فى اعماق الشاعر أو ولد فى كجبار !!
* كيان صلب متوحد
Mahas ūni wō wettar
* بلاد الاحضان الدافئة
Irkūni wō kakkār
* متعدد الثقافات و الألوان
Irkūni wō Amarōs
* مجتمع الشورى و مجالس الصلح !!
Wō nūba wō karyōs
* بلاد السمرة و السواد الناعم
Wō dessi wō abanōs
* بلاد الموائد الموحده
Mallen bojō wō kōs
* مجتمع الكفاية و الابواب المفتوحه
Irkūna kir kabakōs
* التربية القنوعة و العز بحبات التمر
Ay fentilog keyyōs
هذه الصور المتألقه للمجتمع الفاضل و التى ظهرت فجأة مع اول قطرة دم اريقت , يضعها الشاعر فى حساب ( كجبار الكيان ) , ثم يضع بعد ذلك فى قمة الهرم خلاصة الرحيق فى هذه القصيدة و هى :
* كجبار يا مرتع الهوى الأول
Kajbārra jū batarōs
* وجدت وطنى فيك يا كجبار
Irkkaηηa manna ay elōs
* أحببت بلادى فيك يا كجبار
Kajbārkam ay dollōs
***
القصيدة لها بقية و الكلمات المغموسة فى دموع الشاعر اشتعل مذابها فى حنجرة الفنان المغنى , حتى ان قدراتك تستنزف قبل ان يسكت المغنى .
***
فى غير هذا المكان قلنا ان فن المناحة له جذور ممتده فى صميم المزاج النوبى , لتوفر المثيرات كالفقر , و قساوة المناخ , و الاضطهاد و الاحتقان الثقافى .... و هو ايضا اصدق محاولات الابداع الشعرى لتوفر شروط العمل الجيد مثل :
1 – النقد و الغربله لارتباطه بالعلاقات الاجتماعيه
2 – الصدق العاطفى
3 – المنافسة فى تكريم الاموات
و لكن المناحة فى هذه الاغنية اخذت طريقاً جديداً غير مسبوقاً , بادخال عنصر الوجدان الجمعى الذى ازداد اشتعالآ لتوفر شروط الانتشار بتكنولوجيا الاتصال . و استمرار المعالجات الامنية القاسية التى منعت حتى البكاء , و هى هنا اعمق من بكائيات حلفا التى لم تتعدى مناحات المناسبات .
***
و هكذا اصبحت كجبار رمزا لوطن توفرت فيه اخطر عنصرين هما : الدم , و الثقافة ليبقى الثالث فى رحم الغيب و هو ( الكيان ) السياسى .
و عندما يصبح ( الدم ) ( ثقافة ) تظهر بوضوح ملامح الجنين فى الارحام !! أما المفارقه فى هذا الحدث ان صور الاشلاء بين الشباب القتيل اسرعت من تحويل ( الدم ) الى ثقافة ! .
***
القضية اذن ليست فى ان ( جلفاً ) من بين ( الأعراب ) هزم ( الفراعنة) أو ان ( الطاغوت ) يعربد بين ( الفراعنة ) ؛ القضية ان حركه التاريخ امكن تغييرها ؛ و هى كالسيل يمكن توجيهها و لكن مستحيل السيطره عليها و فى هذا معنى :
اذا الشعب يوما اراد الحياه
فلابد ان يستجيب القدر
و هذه الاحداث لها ما بعدها و لننتظر لنرى !!
Irkūni wō kajbār
Mēmen jebel sekkē
Mukkē sigir mukkē
Diyoruηηa jū sokkē
Ōφφi askalēg okkē
Ōφφa fatta ken fakkē
Umbū nakir gakkē
ٹārtiηηa jū sokkē
Mūnika ken ڑakkē
ٹōrt ūni wō kajbār
Mahas ūni wō wettār
Irkūni wō kakkār
Mār ūni wō kikkār
Aman ūni wō kuddār
Irkūni wō amarōs
Wō Nūba wō karyōs
Wō dessi wō abanōs
Mallen bojō wō kōs
Irkūna kir kabakōs
Ay fentilog keyyōs
Kajbārra jū batarōs
Irkaηηa manna (ay) elōs
Kajbārkam (ay) dollōs
| |
|
|
|
|
|
|
| |
ateif abdoon
Ashraf yassin
دوت مجاك
جمال ادريس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست