نانسى عجاج ، تصعد بصوتها الى كل القـلوب ...وتقـفـز ...

Quote: بطبيعة الحال، الفن إحدى الكائنات الحية. وإن لم يكن من إحدى الفصائل التى تدرس فى حصص العلوم والطبيعة فى المدارس إلا أن الفن ياكل ويشرب ويتنفس، ويعيش ويموت وينزل ويصعد...الخ من ممارسة الكائنات الحية والذكية ايضا. والغناء ضربا من ضروب المدافرة مع الحياه، فتحمل السيدة نانسى أم أركمانى صوتها بين رئتيها وتمارس التنفس ، شهيقا وزفيرا، شهيقا وزفيرة، موهبة ...تمارس الحياة، ويمارس صوتها بدوره ... الحياة. ولصوت نانسى وجود خارج شخصها...وإن كان من نوع وجود الظل الذى يتبع صاحبه إلا أنه لا يدخل صاحبه ويتوحد معه أبدا، أبدا. فصوت نانسى عند التجلى يتجسم "كأوزايروس"...إله ماتحت الارض فى نوبيا القديمة، يغادر معبده ليلا و مع القمر لتفقد حال "الرعية" . صوت نانسى، ما أن يخرج من حنجرتها إلا ليتقمصه جسد وروح مستقليين، و يتقمصه عقل منفصل وعينين ورائحة وبعضا من مقدرة على التسرب عن طريق الاذنين ليرتفع الى الدماغ ثم ليقفز الى القلب ليسكن ويرفض الخروج أو المغادرة. صوتا قابل للإدمان. هو كالداء ، يصيب القلب كى يبقى، ويخلق إهتزاز محبب رغم حداثة تجربته على من يستمع لنانسى للمرة الاولى...إن كانت مرته الاولى. صوت ناسى متواطىء بخبث مع كجور عنيد وعتيد... لايفك و لا ينفك من قبضته كائن من كان. رغم أن ناسى أخذت من تقاليد الغناء السودانى روح كلماته الا أننى لم أجد أقرب الى تقليد اداءها من نموذجين يصلحان للمقاربه، أولهما فيروز منفردة فى تفردها، والثانية تقليد غناء الفادو البرتقالى. فمن فيروز أخذت نانسى أن تقف وإن أغمضت عينيها فسترى كل أقواس قزح فشدو للأزرق والاصفر و الأحمر وكل مابينهما .. لتردد معها من صدحت لهم فى الظلمة الإختيارية أو المفروضة، ليرددوا معها فرادى أو ممتزجين تمايلا تمايلا تمايلا... إستجابة. ومن الفادو أخذت نانسى كل العاطفة التى تتدفق شلالات. غتاء الفادو يجسد ويعبر عن الحزن و الالم، يعبر عن الرحيل والمنفى. لغناء الفادو جذور فى تاريخ الظلم والاستعباد من أفريقيا، والموسيقى الشعبية البرتقالية والموسيقى العربية . رغم أن نانسى لم تغنى كلمات كتبت لها بكثافة بعد، إلا أن أداءها لما كتب لغيرها تعيد فيه إمتلاك أغنيات الغير التى تقوم بأدائها. ملامح صوت نانسى وحركة عضلات وجهها ، يديها وجسدها تحمل من التعابير ثقلا كثيفاإن تمت ترجمته سيتدفق أنهار عاطفة، وسيحكى عن المنفى وشروطه المستحيلة على التعايش أو الاستيعاب، وسيحكى عن شروط المنفى الممستحيلة حتى على الاستقطاب والتصالح. نانسى تغنى روح الاشياء! نانسى تغنى "أغنيات الاخرين" ...لتتركها إثناء الاداء وتخرج منها "منسلخة" كمن يترك جلده فى مكان بالقرب، يخرج عنه ويعيد النظر إليه من بعد.. وهى لاتزال تغنى. فلننانسى أجندة خفية و ذكية وهى تؤدى أغنيات الاخرين الكبار، أجندة تختبر وتنتمى ولاتفعل فى الوقت نفسه، لاتقع من على طولها فى شرك التقليد "المتقن" أو الاجترارى، نانسى لم تبحث عن تجويد ماتغنى إنما عن التغنى بماتحب، وكما تحب ! نانسى إمتلكت تتحول عند صوتها مقاطع الأغنيات "كمعجون" مطيع قابل للتشكيل وإعادة التشكيل.. نانسى تمارس لعبة التعبير بعدة لغات وفى الوقت نفسه. ..تمارس البكاء والضحك، الحزن والفرح معا...وفى نفس الوقت...تؤدى ماتتقنه بخداع ذكى و إتقان معقد، إذ أن تعابير وجهها تقول حسا مغاير بينما حركات يديها تستقل بتقديم تعبير جديد، وحركة جسدها البطيئة والواثقة تؤكد فكرة مشاعر سبق التعرض لها ... كإقتراح فكره فى أحدى كلمات القصيدة المؤداة ، كإحدى اللغاة...كل هذا و فى لمح البصر. نانسى تصنع أحاسيس متعددة وبلغات متعددة فى الوقت نفسه ، و جلها لايخطى القلوب! وصوت نانسى ينساب ينساب ينساب ليصعد و ليجد قلبا فيقز عليه ويتقمصه، يسكنه ويحكم على القبضة لكى لايغادر ابدا. نواصل.