|
ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات
|
في السنة الأخيرة من ثمانينات القرن الماضي ، بدأت علاقتي بالأستاذ / أحمد خير المحامي ، سمها علاقة عاطفية أو وجدانية أو روحية أو أكاديمية ، سمها أنت ما شئت ، المهم عندي أن علاقتي به بدأت في تلك السنة .
في احد ممرات كلية الآداب جامعة الخرطوم ، تناقشت مع الدكتور محمد سعيد القدال يومها عن بحثي للتخرج ، أردت ـ وآنا من يراه خير من كتب تاريخيا عن الشخصيات السودانية ـ أن اكتب بحثي سيرة لشخصية ... أي شخصية !!! ...المهم بحث وكفي ونستلم الشهادة ونخرج للعالم الفسيح حيث الوظيفة وحلم الحياة المثالي .
القدال بصرامة أكاديمية أعرفها فيه: أكتب عن أحمد خير المحامي ( فل استوب ) ، البروف ده مالو قلت في سري ؟ أحمد خير شنو بالكتب فيهو ؟ ما أهو بشير محمد سعيد الصحفي الكبير طلع عنو كتاب قبل سنوات قليلة في ذكري مؤتمر الخريجين !!! راجعته مرة أخري : قلت ليك اكتب عن أحمد خير ... قال هذا وكان الزمن زمان ديمقراطية وحرية أكاديمية .
من يومها بدأت علاقتي بالأستاذ / أحمد محمد خير أحمد المعروف بأحمد خير المحامي ...أحد رموز الحركة الوطنية السودانية ... الداعي لمؤتمر الخريجين ... ووزير خارجية حكم الفريق عبود ومنظره ... لن أكتب هنا عن بحثي ومظانه ومخرجاته ومراجعه وكل هذه "الطرطشة " العلمية ، بل سأكتفي ببعض تجاربي الشخصية الذاتية التي رافقت كتابة البحث وما بعده، والذي صار لاحقا بحثا للماجستير ولولا ـ الصالح العام ـ لربما صار أطروحة للدكتوراه وضعت أمام اسم الفقير لله حرف الدال المهول .
طوال سبع سنوات هي سدس عمري الحالي قضيتها بحثا عن أحمد خير المحامي ... لم اترك له أثرا عرفته إلا وتتبعته وكأني عبد الله بن عمر مع آثاره صلي الله عليه وسلم ، ما من ورقة إلا وتفحصتها .... صديقا له إلا وسعيت لمقابلته ... قضيت سنوات عديدة تحت لفح مراوح قاعة الاطلاع بدار الوثائق السودانية ، ومثلها بمكتبة السودان والافرويشن بحثا عن الرجل . تعرفت علي من كتب عنه بداية من "كيشو" صاحب فندق اكسلسيور وكتابه المفقود عن احمد خير ونهاية بالعتباني .... وبينهما سفر طويل وعديد إلي سنجة ومدني وفداسي والحلفايا وما بينهما .. دخلت بيت أحمد خير وأبنائه وبناته وأزواجهم ، وقابلت أخواله " العواجيز " في الحلفاية .... والأغرب من ذلك أنني وقفت أمام أطلال "طرمبة " بنزينه في مدني ... ولمست بيدي كراسي مكتبة الجلدية التي اشترتها جامعة الأزهري في احد المزادات ... لا لضمها لمتحف خاص به كما تخيلت للأسف ..إنما للجلوس عليها وكأنما الكراسي قد انعدمت في المليون ميل مربع ليضع فيها بعض المتحذلقين من جهلاء دكاترة جامعة الأزهري عجيزتهم .
مارست كل هذا بهوس أكاديمي صارم وحميم ، وكل هذا "كوم وأحمد خير كوم آخر " فهو البساطة بعينها .. طويل القامة فارهها ... مشلخ شايقي " لاوراء " يلتفت إليك بكلياته ( لاحظت أن رقبته كانت تطقطق حينما يلتفت وحسبت الصوت أول الأمر مروحة السقف ) ...حاد الذكاء ... قابلته في كبره فلم تخلو ذاكرته من وهن في التواريخ والأسماء وان كانت ناصعة في سرد الأحداث ... كثيرا ما دعاني للإفطار في اليوم الثاني ونسي الأمر ولكن سرعان ما تأتيك " القراصة دخانها لاوي " .
سأكتب في هذا البوست عن غرائب هذا الرباط العاطفي ... أو الماورائي ... أو الحاسة السادسة .. أو الايه ما عارف ؟؟؟ ... وللإخوة النفسيين أن يحللوا : ـ
أولا : في احد لقاءاتي مع أحمد خير اخبرني عن تعلقه بمدرسة القانون التي ألتحق بها وهو كبير وبعد أن صار باشكاتبا .. فقد كان شرط قبولها امتحانا تحريريا ، امتحنه في المرة الأولي ورسب فيه بينما نجح فيه أبو رنات وصحبه ، وعكف بعدها طوال العامين اللذين تليا فشله علي المراجع يقرأ .. يحفظ ... يدرس انتظارا للاختبار الذي يعقد كل عامين ...وفي ليلة الاختبار ـ كما اخبرني ـ نام لسويعات ثم استيقظ لحلم عجيب ، فقد رأي في نومه " مقالة " ستجيء في الاختبار في اليوم التالي ، نهض من سريره ، ذهب إلي مكتبته ، كتب المقال الذي رآه في منامه حفظه حرفا حرفا .... وفي الصباح دخل الاختبار ... وكان سؤالا واحدا لا غيره .. نفس الذي رآه في نومه ... أخبرني ـ والله شهيد علي ما أقول ـ انه لم يتمالك نفسه " وبال " علي نفسه ..!!! ثم أدي الامتحان ونجح وألتحق بمدرسة القانون !!!!!
ثانيا : يوم وفاة أحمد خير المحامي كنت بكسلا استمع للتلفزيون وفي نشرة الأخبار سمعت صوت المذيع يقرأ : ينعي السيد رئيس الجمهورية.... وقبل أن يكمل أو اعرف من المتوفى ... صرخت فيمن حولي مات أحمد خير بلا شك و.... وفعلا أكمل المذيع أحمد خير المحامي .. كان شيئا غريبا ومض في ذهني في ثانية ، وما كان أحمد خير مريضا فأتوقع وفاته..ونظر من حولي إلي باستغراب ....وظنوني كنت أعلم مسبقا ... وهذا ما لم يكن بالطبع... وحتى هذه اللحظة تراني عاجزا عن تفسير ما حدث ؟؟؟
ثالثا : بعد حوالي أسبوعين من وفاته سافرت إلي مدني ، حيث دفن أحمد خير حسب وصيته ، في دعوة لزواج ، نزلت في السوق الشعبي ، كان لابد من المرور عبر المقابر " وشقها " للوصول إلي حيث أريد ... القبور التي عبرتها متشابهة ... حديثة ... لا علامات فارقة ... فجأة وقفت أمام قبر دون كل القبور ورفعت يدي بالفاتحة ، وأخبرت صديقي الذي معي : ده قبر أحمد خير المحامي يا جمال !!! .. بهت صديقي جمال وهو عليم بهوسي بأحمد خير وقال : هسع بالله عرفت كيف انو ده قبرو؟ أنت حضرت الدافنة وألا شنو؟ واستدركت فعلا كيف اعتقدت أن هذا قبره ؟؟؟؟ بعد فترة دعيت لحفل تأبين أحمد خير المحامي في مدني وكان من ضمن البرنامج زيارة قبره الذي بني ضريحا ...ذهبت ضمن الذاهبين ... ووقفت أمام ضريح أحمد خير ....... يا للهول ... نفس القبر الذي وقفت عليه مع صاحبي .. !!!!!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Omer Hummeida | 06-28-07, 12:32 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Sidig Rahama Elnour | 06-28-07, 12:56 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | بكري الصايغ | 06-28-07, 01:46 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Omer Hummeida | 06-28-07, 04:30 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Omer Hummeida | 06-28-07, 04:47 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | بكري الصايغ | 06-28-07, 07:27 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Omer Hummeida | 06-28-07, 08:35 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | بكري الصايغ | 06-28-07, 09:45 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Omer Hummeida | 06-28-07, 10:06 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | بكري الصايغ | 06-28-07, 10:27 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | بكري الصايغ | 06-29-07, 08:08 AM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | احمد الامين احمد | 06-29-07, 08:33 PM |
Re: ما بيني وبين أحمد خير المحامي.... ما ورائيات | Omer Hummeida | 06-30-07, 12:25 PM |
|
|
|