نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
حكاية سفر..
|
(1)
حاولت أن لا اترك أي شئ دون الخوض في تفاصيله.. مصاريف الأولاد.. حق المدارس.. حق البنزين لمدة شهر.. دفعات الانشطة الاضافية في المدرسة فواتير التليفون والكهرباء والمياه.. حتى «سنكرز» محمد و«شبس» ريم عملت حسابها.. فضلت وداع أولادي في البيت مخافة أن تفضحني دموعي... لم اتعود تركهم والذهاب بعيدا إلا لـ«الشديد القوي» ربما هناك احساس وارتباط قوي في الغربة بالأبناء... مرده الاحساس الداخلي في أنك في لا مكان: الغربة والغموض لا غير.. لذا أشعر أنني في أضعف حالاتي حين أعانق ريم.. منذ صغرها كانت ملتصقة بي بشكل غريب.. لذا تفاديت هذا الألم في محطة القطار... كانت أسهل الصعاب الإتيان بهم إلى دار جدتهم في الرباط ومن ثم تأخذني «بت شيخي»** الى محطة القطار في الطريق إلى الخرطوم.. محمد كعادته مارس كل الحيل الممكنة ليغنم أكبر هدية عند عودتي: بابا جيب لي معاك «psp» وعدته بها وأصبحت في حكم الفرض... ودعتهم وحتى لا تخونني الدمعات كعادتها... لم ألتفت إلى الوراء وإن كانت دموع ريم تتراءى أمامي كما اليقين.. إمتطيت سيارتي وبقربي «بت شيخي»... تحدثنا عن تفاصيل البيت كعادتنا.. شرحت لها كل ما يشغل بالي عليهم.. وذكرتها بتليفونات أخواني.. وكعادتها: ياخي انت ليه لمن تكون مسافر بتكون متشائم كدة.. اتوكل علي الله وامشي شوف اهلك ونحن ما بتجينا عوجة يا بت الناس الدنيا دي ما مضمونة.. احتياطا خلي كل التليفونات معاك.. وصلنا المحطة.. انزلت حقيبتي.. توادعنا وكان الله حاضرا بيننا(لا إله الا الله .... محمدا رسول الله).. دلفت على المكتبة واشتريت بعض الجرائد وكتاب «عشت لأروي» لغارسيا ماركيز.. ثم استلمت تذكرتي المجانية التي تتيحها لي بطاقة الصحافة.. محطة القطار في الرباط أگدال تضج بالحركة... فهي تتوسط البلاد بين الشمال والجنوب ويمر منها القطار كل نصف ساعة.. لا أدري،، لكن اعتراني احساس غريب أن الوجوه حين تهم بالسفر يعتريها شئ من «القبور»... لا أدري إن كان ذلك مرده للوداع، أم لوعثاء السفر.. هناك هَمُ خفيف في تقاسيم الوجوه لا تخطئه العين.. يتراءى لك ذلك في طريقة التدخين... أو ارتشاف القهوة.. أو توتر القراءة.. جريدة كانت أم كتاب.. على كل حال أعلنت المذيعة الداخلية عن قدوم القطار المتجه إلى المطار محمد الخامس بالدار البيضاء.. يخرج الناس في المغرب ويدخلون إلى القطارات بسرعة كبيرة، فالخمس دقائق المتاحة للتوقف في كل محطة لا تترك لك مجالا لتجاذب أطراف الحديث.. أو الإفطار من «الزوادة» كما يحدث في «قطر كريمة» الذي تستطيع قبل أن يغادر أن تمارس فيه حياتا عادية حتى «التجكيس» وإن كنت مودعا.. تحرك القطار وسط زخات من المطر.. وجلست أنا متثاقلا قبالة شباك تتقاذفه حبيبات المطر.. أتوق إلى «الهناك» لكنني بالمقابل تركت جزءا مقدرا من «دمي» هنا.. جلست أمامي مغربية تبدو من هيئتها من مغاربة أوربا.. وهؤلاء تستطيع أن تميزهم من لبسهم وطريقة كلامهم وحتى طريقة تدخينهم... في العادة يتمشدقون بألبسة مهلهلة لا تساوي حتى مترا واحدا من القماش.. والتدخين بالنسبة لهم برستيج للرقي.. وضعت كومة الجرائد أمامي.. واخترت الشرق الأوسط التي عادة ما أبدأها بزاوية سمير عطا الله فهي قادرة على تلخيص كل ما يدور حولك في هذا العالم الفسيح بالإضافة إلى أن للرجل أسلوب أخاذ ومريح في الكتابة... لذا تجدني الجريدة الوحيدة التي أقرأها من «دُبر» دون مثيلاتها.. مررت على أخبار ليبيا والعراق وسوريا على عجل.. ليس لدي أي احساس بالانتماء لهذا العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج في العادة لا أفرح لفرح هذه الأمة ولا أحزن لأتراحها أيضا.. حسمت أمري منذ زمن: أنا انتمي إلى هذا النيل «ذلك الإله الأفعى».. أنا كصحراء بيوضة إن اسرفت في الحياة فذلك لأن المطر مارس كرمه هناك وإن اختصرت حياتي على أن أظل حيا.. لأن الطبيعة نفسها تفرض قوانينها علي... وإن كانت نفس الطبيعة تهديني في مساءات الصحراء تلك نجوما وقمرا نشبه به حبيباتنا.. أنا هو ذاك.. سعيد أقولها... لا يعنيني كيف ينظر الآخرون إلي.. إن كنت أكذوبة فهذا بحكم الدونية التي أرى بها نفسي لكن طالما أنا اعتز بهذا النيل وأطراف الصحراء فهذه هي حياتي التي أحب ولا أود أن أكون غير ذلك.. انتهيت من تقليب الجرائد.. وجدت تلك المغربية تنظر إلي كما تود أن تقول شيئا.. أومأت لها برأسي إن كانت تريد قراءة الجرائد.. قالت بفرنسية مائعة: أنا لا أقرأ العربية.. ابتسمت في حدود كلماتها وقلت لها بفرنسية أشبه بالشايقية: أنا لا اتكلم الفرنسية فقط العربي والانجليزي.. كان هذا إيذانا بحوار بفرنسي «مُشَيقَن» من طرفي وعربية مكسرة وفرنسية عاهرة من طرفها.. سؤال الهوية نفسه يؤرق هذه الأمة من البحر إلى البحر.. حكت عن عنصرية اليمين الفرنسي.. وحكيت انا عن عنصرية بني جلدتي وكيف أننا في بلد يعج بمصادر الرزق ضربنا في الأرض بحثا عن الأمان.. قطع مذيع القطار حديثنا ذاك بقرب وصولنا إلى محطة مطار محمد الخامس.. تمنيت لها سفرا سعيدا وتمنت لي عطلة سعيدة.. ودخلت إلى عوالم وزن العفش وملأ استمارة المغادرة وبسمات رجال الجمارك الصفراء.. ...........
ـــــــــــــــــــــ ** بت شيخي= الجكس حقي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 12:28 PM |
Re: حكاية سفر.. | ادريس خليفة علم الهدي | 01-04-12, 12:41 PM |
Re: حكاية سفر.. | Ahmed al Qurashi | 01-04-12, 12:56 PM |
Re: حكاية سفر.. | رانيه محمد الشيخ | 01-04-12, 01:17 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 03:14 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 03:02 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 02:59 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 03:17 PM |
Re: حكاية سفر.. | وضاحة | 01-04-12, 03:48 PM |
Re: حكاية سفر.. | عبد اللطيف بكري أحمد | 01-04-12, 07:03 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 09:32 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 09:25 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-04-12, 09:37 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-05-12, 10:40 AM |
Re: حكاية سفر.. | ابو جهينة | 01-05-12, 12:38 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-05-12, 02:31 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-08-12, 12:13 PM |
Re: حكاية سفر.. | عبد اللطيف بكري أحمد | 01-08-12, 02:51 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-08-12, 08:56 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-10-12, 01:04 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-10-12, 07:00 PM |
Re: حكاية سفر.. | محمد عبد الماجد الصايم | 01-11-12, 09:00 AM |
Re: حكاية سفر.. | معاذ حسن | 01-11-12, 10:39 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق ميرغني | 01-11-12, 11:26 AM |
Re: حكاية سفر.. | Mandingoo | 01-11-12, 12:13 PM |
Re: حكاية سفر.. | عبد اللطيف بكري أحمد | 01-11-12, 02:25 PM |
Re: حكاية سفر.. | Elawad | 01-11-12, 05:16 PM |
Re: حكاية سفر.. | امير بشير حمد | 01-11-12, 10:59 PM |
Re: حكاية سفر.. | معتصم محمد صالح | 01-12-12, 07:06 AM |
Re: حكاية سفر.. | موسي الراجل | 01-12-12, 07:57 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-20-12, 01:53 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-22-12, 11:06 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 06:59 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:46 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:44 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:38 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:26 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:22 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:20 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-21-12, 00:19 AM |
Re: حكاية سفر.. | هاشم محمد الحسن عبدالله | 01-21-12, 07:55 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-22-12, 06:12 PM |
Re: حكاية سفر.. | ناصر البطل | 01-22-12, 06:54 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-24-12, 00:29 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-23-12, 10:32 AM |
Re: حكاية سفر.. | هيثم طه | 01-23-12, 04:26 PM |
Re: حكاية سفر.. | سلمى تاور | 01-24-12, 02:04 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-24-12, 10:28 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-24-12, 10:25 AM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 01-26-12, 02:22 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 02-02-12, 12:46 PM |
Re: حكاية سفر.. | طارق جبريل | 02-07-12, 00:47 AM |
|
|
|