امتداد الدرجة الثالثة ذلك الحي المتفرد

Quote: وصلت بلاد العرب قبل ستة سنوات وكغيري من القادمين الجدد جئت مشحونا ببعض المبالغات حول قيمة السودانيين وسطوتهم وفتكهم وكيف إن الجميع هنا يعمل لهم ألف حساب, بيد إنني لم البث فيما بعد أن اكتشفت إن كثير مما سمعته لم يكن له وجود إلا في خيال السودانيين الذين سبقونا .وقد حرصت أن أجيء مدججا بالزى السوداني القومي حتى يعلم جميع العرب إن سوداني جديد شجاع شرس قد وصل لبلادهم .. تناولت شنطتي (الهاند باق) من سير العفش ووجدت صفا طويلا خصص لتسجيل القادمين لأول مرة ويبدو إنني كنت السوداني الوحيد القادم لأول مرة على تلك الطائرة, فقد وجدت كل من في الصف من الأسيويين قصار القامة وقد حز في نفسي ألا أجد أية معاملة خاصة!! كيف أقف أنا العربي الجعلي العباسي الأصيل المحتد بجلبابي الفضفاض وطاقيتي في هذا الصف الطويل مع البنقاليين والهنود !!أخذت مكاني في الصف على مضض وأخذت انظر إليهم بتعال لاحظت أنهم أيضا ينظرون إلي نظرات عدائية فكرت في نفسي ربما إنهم قد سمعوا بسطوة السودانيين وبطشهم!!... جاء أحد هؤلاء الهنود وحاول أن يندس في مقدمة الصف وهنا وجدت إن هذه فرصة مناسبة لإظهار سطوتي طرقعت أصابعي في وجهه بغضب على الطريقة السودانية وقلت بصوت سمعه الجميع ( يا ابن العم.. انت قايل نفسك شنو!! انت زول ما عندك زوق !!) ولكن يبدو إن لا أحد في الصف فهم شيئا مما قلت!! انتبه احد العساكر للضجة فجاء ووجه حديثا غاضبا لي مباشرة لم افهم العبارات التي استخدمهما ولكني فهمت انه يطلب مني أن اهتم بشئوني الخاصة!! ولا أتدخل في عملهم!! هذا العسكري الغبي لا بد انه (حلبي) متجنس خاصة وانه كان (أبيض اللون ). ورغم إنني وصلت في سن من المفترض فيها أن يكون لدى من باب الثقافة العامة بعض تصور عن أصحاب البلد إلا إنني اكتشفت إنني ماسح فقد كنت أتخيل العرب في لونهم وشكلهم مثلي!! في صباح اليوم التالي تلقيت ثاني صدمة ذهبت للبقالة المجاورة لاشتري علبة ثقاب قلت للعامل الهندي (أديني كبريت!! نظر إلي كأنني قادم من المريخ كررت العبارة أكثر من مرة مع إشارات توضيحية إلا إن الغبي ظل ينظر إلي ببلاهة فكرت ربما لا يستخدمون الكبريت هنا قلت له طيب خلاص أديني زناد) ازداد استغرابه أكثر وهنا لمحت زناد فتناولته ..ضرب صاحبنا كف بكف وقال لي: ( هذا اسم لايتا!! أنت يجي جديد من سودان!!.. أنت مافي معلوم عربي!!) ورغم إنني قد سبق أن تعرضت لكثير من أصناف الاهانات في بلدي إلا إنني لم اشعر إن احد أهانني بقدر الاهانة التي وجهها لي هذا الهندي للتو ...أنا مافي معلوم عربي!! !! ذهبت للسلام على كفيلي أخيرا سألتقي بعربي حقيقي يعرف قيمتي وليس مثل ذلك العسكري الحلبي المتجنس وهؤلاء الهنود الأغبياء الذين لا يعرفون قدر الرجال!! وصلت إلى المكتب فجلست انتظر وفي أثناء ذلك أخذت أتسلى بوضع خططي المستقبلية استغرقت في أحلام اليقظة حتى لكزني احدهم وقال لي إن هذا هو الكفيل!!.. وأشار الى رجل (ابيض اللون) يلبس ثوبا ضيقا ويضع (طرحة حمراء) على رأسه وقد ربطها بحبل اسود ...كان الرجل يتحدث على هاتفه الجوال لذا لم يعرني نظرة ودلف مباشرة إلى مكتبه..إذن هؤلاء هم العرب وهذا هو لون العرب وليس (حلبا ) متجنسين كما كنت أظن!! انتظرت إلى أن فرغ من محادثته وذهبت لأسلم عليه. السلام عليكم ...نهض الرجل ...رفعت يدي عاليا وأنزلتها على كتفه الأيسر على الطريقة السودانية ..اخذ الرجل يراقب ارتفاع يدي باستغراب وبعض الخوف كمن يتوقع صفعة!! رفعت يدي من كتفه وتلقفت بها كفه اليمني الممدودة وأخذت أهزها بعنف وسرعة وأنا اطرح عليه أسئلة لم أعطه فرصة للإجابة على أي منها.... كيف الحال ؟ سلامات ؟ انشاء الله كويس ؟ أخبارك ؟ الحمد لله ..كيف الحال؟ لم افهم سبب دهشة الرجل واستغرابه... لكني لاحقا عرفت انه كان يستغرب الطريقة السودانية في السلام. وحمدت الله إنني لم اسلم عليه بالطريقة السودانية الأخرى تلك التي تندفع فيها مباشرة إلى حضن الطرف الآخر وتلصق صدرك بصدره وتدخل يدك اليمني تحت إبطه الأيسر وتترك له المجال أيضا ليدخل يده تحت إبطك!! وتلف ذراعيك حول ظهره.وتلصق رأسه براسك!!.وتظل تطرح عليه ذات الأسئلة التي لا تنظر إجابة!! الحمد لله إنني لم استخدم هذه الطريقة وإلا ظن الرجل بي ظنون سيئة جدا. من يومها لم اعد أحب الطريقة السودانية في إلقاء السلام والتي أصبحت اعتقد إن فيها كثير من المبالغة علاوة على الإيحاءات الغير جميلة التي تحملها ربما يمكنك أن تحضن زوجتك عند إلقاء السلام ولكن من غير اللائق أن تلقي بنفسك في أحضان كل من هب ودب !!! بنفس القدر لم أحب الطريقة العربية في السلام ففي اليوم الأول لمباشرتي العمل عرفني الكفيل على من سيكون زميلي في العمل كان مصري الجنسية اسمه ياسر ..اندفع المصري ناحيتي وطبع قبلة حارة على خدي الأيمن وقبل أن أفيق من دهشتي وخجلي طبع أخرى على خدي الأيسر رغم انه يراني لأول مرة!! في اللحظة التالية وضعت يدي على فمي فقد خشيت أن يتمادي في التعبير عن هذه العلاقة العاطفية المفاجئة ويضع شفتيه على شفتي على طريقة (انجلينا جولي) إلا انه اكتفي بالقبلتين الملتهبتين!! إذا كنت محظوظا وأتيح لك أن تقابلني ذات يوم فلا تطمع في أكثر من السلام عليكم ..وعليكم السلام..