بحري طراوة... ويا ناس بحري .. قالوا بتحبوا يلا حبونا..

Quote: فيكي يا (بحري) شفت كل جميل نور الدين مدني المدن كالنساء لكل نكهتها الخاصة ولكل جمالها، خاصة عندما ترتبط بذكريات ومحطات مهمة في حياة الانسان، واذا كانت عطبرة قد شهدت مرحلة الطفولة والصبا الباكر، وشهدت بورتسودان اولى خطواتي نحو الاستقرار الاسري حيث تزوجت من بناتها؛ زوجتي وام اولادي رقية عبد الله محمد علي من ديم سكة حديد حيث منزل اسرتها التي جاءت من الشمالية لتستقر بمدينة الثغر الجميل. الا ان بحري كانت الحاضنة التي تفتح فيها وعيي ونمت مداركي وقدراتي منذ ان سكنت اولاً في منزل الوالد الشيخ مدني أبو الحسن بحلفاية الملوك حتى بعد زواجي وقبل سفري للعمل في مدينة الفاشر عندما كانت دارفور نموذجاً حياً للتعايش والسلام الاجتماعي، قبل ان تتحول الى بؤرة من بؤر التوتر والصراع الذي اضر باهل دارفور وبالسودان عامة. سكنت بعد ذلك في حلة الختمية ببحري وسط جيران كانوا ومازالوا كالاهل اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المرحوم عبد القادر السيوفي واسرته، وكانوا جميعاً مثالا للسوداني الاصيل ابن البلد، وفي حلة خوجلي التي رحلت اليها فيما بعد وجدت اهلها كانهم اهلي وفي مقدمتهم المرحوم الطاهر محيي الدين وأسرته التي فتحت ابواب منزلها للمتضررين من سيول وفيضان 1988، المحطة قبل الاخيرة في تاريخ تنقلي ببحري الجميلة واهلها الحلوين كانت في الدناقلة شمال بالقرب من خور نصر الدين السيد ذلك الاتحادي العريق الذي خرج من الدنيا نظيفاً عفيفاً، فيما ترك لاهل بحري عملاً صالحاً وصدقة جارية لا تنسى مادامت دماء الحياة تتجدد في شرايين ابناء بحري، كنا اقرب لصاحب الحنجرة الذهبية الراحل المقيم الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود وقد ارتبطت اسرتانا ابان فترة وجودنا الى جواره واستمرت هذه العلاقة حتى بعد رحيله، ومن الشخصيات التي مازالت عالقة في ذاكرتي اللواء (م) ابراهيم علي ابراهيم الذي كان نعم الجار والصديق وكعادة السودانيين جميعاً كان يفتح لنا بيته العامر في المناسبات التي تمر بنا، وغيره من الاخيار من الجيران. انتقلنا بعد ذلك الى منزل الصديق العزيز علي ترير في الدناقلة شمال ايضاً ومنه الى منزل محمد الفاتح يوسف ابن اخت عبد العزيز محمد داؤود في نفس المنطقة قبل ان انتقل بحمد الله وتوفيقه الى منزلي الخاص بالفيحاء بعد رحلة طويلة وسط بيوت الايجار، والفيحاء للذين لا يعرفونها من الامتدادات الجديدة لشرق النيل اي انها ليست بعيدة عن بحري التي احببتها واحببت ناسها الطيبين الذين اتشرف بان اكون منهم لذلك حرصت على عضوية منظمة بحري مدينتي وان شغلتني مشاغل الحياة والعمل الصحفي عن الانتظام في اجتماعاتها. تتميز بحري عن مدن العاصمة المثلثة الاخرى بانها اقل ازدحاماً من ام درمان واكثر هدوءاً من الخرطوم وبصراحة، وليعذرني اهلي واحبابي في ام درمان وزملاء العمل من كل المؤسسات والمصالح في الخرطوم، فانني لا احس بالامان النفسي الا عند دخولي الى مدينة بحري، وظل هذا الاحساس يلازمني بحمد الله وتوفيقه وانا اسكن حالياً في الفيحاء وسط مجموعة خيرة من الجيران الطيبين. بحري ليست فقط مدينة هادئة ووادعة وانما هي ايضاً حياة انسانية شاملة مازال اهلها يحتفظون باخلاق اهل السودان قبل ان يغرقوا في اللهاث المادي الضاغط الذي يكاد يفقد اهل السودان قاطبة الحميمية التي بدات تتراجع ولا تظهر الا في المناسبات العامة والخاصة.