هنا فداسي

أعداء النفس نحن.. لا هُمُ!!

الحضارة الغربية ليست وباءً، أو بكتيريا تحدث تلوثًا سريعًا وهائلاً في كل أوعية العالم، وليست ماكينة لضخ السموم في شرايين الآخر، هذه نظرة غير أمينة تحدُّق بها عينٌ عمشاء؛ لأنها تُغَلِّب السلبي على الإيجابي، بل وتلغي الإيجابي تمامًا من معطيات ثقافة الآخر.. فتلك الحضارة لا تتعمد وضع قمامتها قُبالتَنا ليحملها الريح إلينا؛ فنسُفُّ ذراتها ونتلوث بها فتعتل صحتنا إلى حدِّ الموت كما يُخيَّل إلينا؛ بل نحن الذين حملنا القشور إلى بلداننا، قشور العلم والأدب والفن والقيم والسلوكيات، واستخدمنا نفس مُسمَّياتهم ومفرداتهم السياسية والثقافية في إعلامنا، وقد لا نبارح حِمَى المنطق إن قلنا إن معظم برامج فضائياتنا وطروحاتنا الاقتصادية ونظرياتنا الأدبية والنقدية والفنية؛ لا تعدو أن تكون (دُولِي)، استنساخًا حقيقيًّا لإبداعاتهم في هذه المجالات. ولتنظر أمتنا إلى أجسادها: ماذا تلبس؟ ماذا تنتعل؟ بماذا تُمنطق خواصرها؟ بماذا تستحم؟ بماذا تتعطَّر؟ بماذا تنتقل؟ ما هي وسائل اتصالاتها ومواصلاتها؟ كم من أجهزة الاستقبال الإعلامية والإلكترونية تتكاثر داخل الغرف مثل الشعب المرجانية في البحار؟ حتى ربطات العنق وطلاء الأظافر ودهانات المنازل والشامبوهات تعدُّ من عابرات الحدود.
العقل يا سادة هو ميزان الحكم لا الرغبات والأمنيات، فالمدنيات الغربية هي التي تصنع حياتنا، ولا يمكن أن نحكم عليها بمشاعرنا؛ لأنها ـ كما نلمس ـ لا تفتأ تُسَفِّه مبادئنا وتزدريها، نحن نعلم ذلك منذ الحقب الاستعمارية، فماذا فعلنا لنذود عن إرثنا الحضاري العلمي والإنساني والقيمي الذي جاءتنا به رسالتنا المحمدية الشريفة، ذلك النور الذي انبثق ليضيء السماوات والأراضين..؟ كيف نخاطب الغرب؟ كيف نقنعه بأننا أصحاب رسالة صالحة يمكنهم الإفادة منها إذا أصغوا إليها ودرسوها وفهموها؟ الحضارة الغربية تدرس وتبحث وتصل إلى المعلومة، ثم تحيطها بسياج يمنع تسربها (حقوق ملكية) ولا تُطلق إلا عقال ما تأذن به. إنها تملك المعلومة، وتسمح لنا فقط باستهلاك معطياتها والاستفادة من نتاجها. وشعوبنا الإسلامية تعشق السياسة لا العلم، والتقليد لا الريادة، والاستهلاك لا الإنتاج.. ولا نقول هذا افتئاتًا، ولا يدخل في باب (جلد الذات)، ولكننا أصبحنا نلتذ بالاتكاءة على وسائد نظرية (المؤامرة)، ونُسقط إخفاقاتنا على كيدهم ومكرهم ودسائسهم!!
وسائُلنا أو خطابُنا الإعلامي هو وسيلتنا إلى الذهنية الغربية التي لا تأبه للانفعالات والاحتجاجات والصراخ الخالي من المضامين.. ولعلي أورد هنا بعض التوصيات القيمة التي أودعها الدكتور محمد أمين توفيق صُلبَ دراسته المنشورة في العدد 141من مجلة (التربية) بعنوان:
(إعداد الرسائل الإعلامية وآليات تطويرها في البلدان الإسلامية)..
أوصت الدراسة بـ
• اعتماد الخطاب الأخلاقي المرتكز على أسس ديننا الحنيف في مخاطبة الغرب.
بناء خطة إعلام مشترك بين الدول الإسلامية كافة.
• تبنِّي إنتاج إعلامي مشترك بين المنظمات العربية والإسلامية.
• تنظيم مسابقات تختار أفضل أنواع هذا الإنتاج وتعميمه إسلاميًّا وعالميًّا.
• تطوير أسلوب الخطاب مع الغربيين وإقناعهم بأن الإسلامَ دينٌ وحياة.
• حث المصارف الإسلامية والمستثمرين المسلمين على الاستثمار في قطاع الإعلام داخل البلدان الغربية فضلاً عن تمويل برامج للتوعية بالإسلام في كل مكان.
• زيادة المساحة المخصصة للأنشطة الإسلامية في نشرات الأخبار العربية والعالمية.
• إنشاء اتحاد للكتاب والصحفيين والإعلاميين الإسلاميين لتعزيز الخطاب للآخر ولتوحيد الرؤى الإعلامية بين البلدان الإسلامية..
وغير ذلك من التوصيات المهمة..
كثير من التوصيات والنتائج المهمة التي خرجت بها دراسات علمية متعمقة في مراكز بحوثنا استسلمت إلى (إغفاءة) طويلة، وربما (إغماءة) قد لا تصحو بعدها، وقد لا يتحرك لها نبض إلا في (حنايا) أصحابها المشحونة بالإشفاق والأسى، أو داخل صناديق (الأرشفة) التي تعتني بها الجامعات توثيقًا لإنجازاتها؛ وكثير من الدراسات في بلداننا مآلها ـ غالبًا ـ أيدي مسوقي الورق (بالكيلو)، ثم مصانع (إعادة التدوير)، وفي أحسن الحالات تدخل صفحات المجلات المُحكََّمة بغية اعتمادها ضمن متطلبات الترقية.. ولعل هذا ـ إذا استثنينا ضعف التمويل ـ يُفسِّر هروب العقول والدراسات والبراءات إلى الخارج لتحصل على (عناية مركزة) تمدها بطاقة تجعلها قادرة على الركض.. وقد علمنا عبر هذا (البوست) شبابًا غضًّا من أبناء وبنات قريتنا (الصغيرة هذه) نالوا تكريمًا في بلدان غير بلدانهم، ومازالت إبداعاتهم تنمو حيث التربة الخصيبة، وحيث يتقاطر الثمر.. فما بالنا بمدننا الكبرى.

مع خالص التحية والتقدير،،
إبراهيم الصافي الحر ( الزعيم)
الرياض
15/3/2007م

الأخ المكرب.. أحاطك الله برعايته، وصان الذرية من همز الشيطان وغمزه ونفثه... وأسال مدادك، وأثرى عطاءك، وأنعش وجدانياتك (وإن كنت متهمًّا بجفاف العاطفة)!! واستدلَّ متهموك بتغليبك جوانب العقل على المشاعر، وقالوا إن هذا يتضح في جِدِّيتك التي تجعل أسماعك تنبو عن أي قول غير مثمر، أو (حشو) أو (حشف) كالذي نسُفُّه عندما (يتسيَّد) منصة المجلس ........ خريج مدرسة (كواليس) ........ (أخشى أن يعلم بذلك فيوجع خاصرتي بسياطه الملتهبة).. ولا أشك في أنها ـ تلك التي أُلصقت بك ـ تهمة جائرة؛ وإلا هجرتك (أم أحمد).
إن كنتم تنشرون مقالات جادة.. فهاك إحداها، وإن كنتُ أتهيَّب استنباطات (أساطين البوست) ممن يفلقون هامات العبارات ويغوصون في دواخلها بحثًا عن مكنوناتها ودلالاتها، وليعرفوا ما إذا كانت (بواطنها) تختزن دررًا أم (حصيات) مثل تلك التي تستوطن (كُلَى) أخينا القاسم..