هنا فداسي

Quote: مشاهدات من تكريم أهل فداسي للبروفسير مبارك المجذوب / وزير التعليم العالي البروفســير النبيــل في حضــرة فداســـــي النبيلة سألت نفسي ماذا أكتب بعد مفردة (تقاطر) وأمامي عشرات المفردات (للفاعل القادم) المواطنون ، الناس ، الآباء ، الحضور ، الأهل فلم أجد فاعلا مناسبا غير أن أكتب تقاطر (العشاق) إلى فداسي من كل حدب وصوب لتكريم البروفسير المتواضع العالم العامل مبارك محمد على المجذوب مدير جامعة الجزيرة السابق ووزير التعليم العالي الحالي0 (نعم العشاق) وهل هنالك علاقة أوثق عند القوم وأهل التصوف والمواجد من هذا العشق لوصف علاقة الجزيرة بهذه المدينة النبيلة التي كلما ذكرناها أطلت في خفر وحضور0 فداسي النيل الواله والقمر والأرض والدعاش والتقابة وبواكير العلماء والفرسان وأهل السبق الوطني يتقدمهم العارف العابد الفقيه محمد (ود أب حليمة) جد هؤلاء الأخيار العارف الذي انبثقت منه القرية وأهليها وهذا التاريخ الضخم الفريد الذي وثقها في قلب الموسوعة الشعبية بمسمى فداسي الحليماب 00 وهذا هو سر الاسم الكنز والسيرة الفجـر0 وجاء من بعد الرجل ود عبدالهادي صاحـب القراءات والتجويد ومن تلاميذه الأفذاذ ود البشير والفكي زين العابدين الذي اجتهد في خلاويه حتى صارت علومها أقرب للأزهر والمعهد القديم وحتى صار حداء الأحباب المهاجرين لعلمها (كان دار الدين عند زين العابدين)0 وماذكر الناس فداسي حتى ذكروا هذا التمدن والصفوية والوسطية والسلاسة وتوطئة الاكناف وحب الناس والعلم والوضاءة والقلوب البيض والوجوه الخضر والاجساد النشطة التي تتجول في الجلابيب مثل الحمائم0 وما ذكر الناس فداسي حتى أطل جيل من الكبار شرفوا أهلهم وجزيرتهم وشرفوا السودان كله 00 وهم على علمهم وتميزهم ما كتبوا في قضايا الوطن والسياسة والفقه حتى ذيلوا الاسم الأبهى بالمهنة الأنضر (مزارعين بفداسي) ومما يحكى في هذا الأمر أن الشيخ الراحل محمد عبدالله الوالي رد في صحيفة يومية على مقال الرحمة في الإسلام الذي كتبه آنذاك دكتور النويهي فأضاف له شيخ الوالي وأفاض وصحح ووثق بلغة رصينة وختمه موثقا (محمد عبدالله الوالي - مزارعي فداسي)0 لقد كانت دهشة أهل فداسي كبيرة والطريق يومها موحش وطويل وصعب حين شاهدوا عربة معفرة ومنهكة بالرحلة يترجل منها العالم المصري الدكتور النويهي وفي صحبته الدكتور عبدالله الطيب جاءا إلى فداسي ليتعرفا على هذا المزارع العالم الفقيه فاكتشفا بأن الرجل أحد قيادات الحركة الاتحادية في الجزيرة ، وأحد كوادرها القيادية في اتحاد المزارعين وأحد أعيان المنطقة قالا له باستغراب لماذا لم تجعل اسمك مقرونا بأحد هذه الألقاب الكبيرة فقال الرجل ضاحكا (كل هذه حواشي أما المتن فأنا مزارع وهل هناك أشرف من هذه)0 وبعدها دعاه النويهي لزيارة الخرطوم وأقام له مع زميله عبدالله الطيب حفلا بهيجا، دعيا له جملة من العلماء والنابهين وأهديا له مجموعة من الكتب وكان النويهي يقول للزائرين (هذا هو العالم الزاهد الذي أضاف لي وانتقدني وتخفى في زي الفلاحين)0 رحم الله النويهي ورحم الله الوالي ورد الله غربة شيخ العربية عبدالله الطيب المجذوب0 وكلما ذكر الناس فداسي ذكروا شيوخها الأفذاذ فأدركوا أن هذا البوح الفصيح هو شهد من ذلك اللسان الأفصح وأن هذا الفرع الطيب هو من تلك الشجرة الأطيب حيث تطل غابة من الكرام ، العلماء والفرسان من الذين جبلوا على محبة الناس وخدمتهم بشلال من المكرمات ومن هؤلاء الراحلين المشمرين الشيخ محمد عبدالله الوالي والشيخ بشير دفع الله والعمدة يوسف محمد الأمين وعمر عبدالله المساعد وبلة الأمين والفاضل محمد فضل وخوجلي أحمد نور وخليل عبدالسلام وأحمد النور أحمد0 لقد امتازت فداسي بهذه الوسطية العميقة في احتمال الآخر وحبه وتقديره منذ زمان بعيد ضارب في الحقب والتاريخ وهي فضيلة يحتاجها كل أهل السودان الآن أكثر من أي وقت مضى0 فقد كانت الندوات الفكرية والسياسية تتعاقب حيث تفتح الشريفية السيدة زينب (النشابة) ابنة الشريف بركات وحفيدة الشريف أحمد ود طه شهيد المهدية الأول ديوانها لقادة الانصار وحزب الأمة حيث يسطع نقد الله وعبدالرحمن على طه بخطابة الأشقاء الجسورة0بل كان يفتح ذات الصالون وتلك الساحة زوجها الراحل الشريف الأمين الشريف الهندي لكوادر الاتحاديين حيث يلتمع الفضلي والمرضي والحسين الدرب والخطيب المصقع0 ويتعاقب ذات المهرجان حيث يتكاثر الإسلاميون على الساحة ويتوافد على المنبر بابكر العوض مجاهد الجزيرة أبا الذي حول نميري إعدامه في آخر لحظة إلى سجن مؤبد والأستاذ العاقب حاج إدريس ومحمد أحمد إبراهيم وهم يقدمون للناس ترابي أكتوبر ومحمد صالح عمر مجاهد فلسطين وصادق عبدالله قلم الساحة يومها ولسانها المبين. وكان اليساريون يجدون مرتعا وشيخ الأمين يخطب بفلسفة ماركسية عامية تخلب العقول والأبصار وهي تمني الفلاحين بدولة الشغيلة القادمة حيث تزهر الحقول بالكفاية والعدل والاشتراكية لصالح أصحاب المصلحة الحقيقية فقط فتصيح الساحة بالهتاف والاناشيد. ومن جمال فداسي وأريحيتها أن طلابها كانوا يخرجون من (صلاة العشاء) إلى (بيت الحفلة) ومن (الفاصل الأخير) إلى صلاة الفجر وهم يقبلوا التفسير الصوفي للشيخ قريب الله حيث سمع (ياليل أبقالي شاهد) وهو بعض ماكان يتندر به أهل (الشرق) على أهل (الهوج) !!! كنت أعجب لعربة الشاب المترع بالأدب إسماعيل النيسان اللنج وهي تسابق قلوبنا لمصافحة بروفسير مبارك وأهله ومدينته القرية وقريته المدينة كانت متلهفة مثلنا حتى قلت لها ممازحا بعبارة عارف البطانة شن جابرك على الوادي الدبيبو يشفق غير زولا وشيهـو من الملاحة يدفق والسيارات مثل النوق تتوله وتحب مثل أصحابها وفي قول آخر قد تزيد 00 كان الاحتفال نادرا والساحة باهرة والكرم فياض وقد امتلأ (الفريق الوراني) بالحضور النوراني 00 فتلفت عند الدخول فافتقدت العالم محمد مصطفى رملي والعالم الزاهد صديق أحمد عبدالحي ومولانا شيخ بشير مالك 00 وكنت أتوقع قصيدة حسناء من (المغيرة رملي) ولكن يبدوا أن حب الرصيد يخفي الفريض ويئد الواقع الخيال كان عريف الحفل المهندس آدم عبدالله النائب الأسبق لمشروع الجزيرة الذي قدم الاحتفال بفصاحة ووجد وشاعرية وظرف 0 وبعدها قلت له ملاطفا (أنت ياشيخنا مهندس ولا مدرس) فضحك حتى بانت نواجزه ونفسه الفياضة0نعم لقد كرمت فداسي فتاها الأول ووزير السودان الأول 00 نعم (أليس هو وزير العلم والعلماء) 00 وهل هناك سابق على هذه أو سابقة ؟ كرمت البروفسير مبارك المجذوب فكرمت كل السودان 00 بل كرمت كل الفلاحين والأتقياء والأخفياء وأصحاب اللا إمكانات الذين فرخوا كل هذه الامكانات0 تحدث البروفسير بلغة مثمرة وواضحة وكان أرقى ماصرح به (بأنه سيجعل جامعات السودان تقود معركة التنمية في كل ولايات السودان)0 بكى الناس حينما قال شكرا لفداسي وشكرا لأبي الحافظ الذي صبر على الابتلاءات ليعلمنا بعزة شرف وشكرا لوالدتنا التي صبرت على غربتنا ولم تأخذ منا إلا القليل همس في أذني أحد الرفاق بعدها 00 أن هذا المنزل خرج منه ستة من أصحاب الرسائل العليا بجانب هذا الوزير 00) توالت الهدايا على صدر البروفسير الوزير وعلى كتفه الحار الشامخ ولكن كانت أعظم الهدايا أن فداسي احتفلت بـ 12 من حملة الدكتوراه وبخمسة من البروفسيرات و150 من حملة البكالوريوس لهذا العام و 650 آخرين عن الأعوام السابقات0 تلمظ الناس حلاوة الكلمة الرصينة لأستاذ الأدب الرصين الدكتور بابكر يوسف الذي استهل الحفل بكلمة ودود ولود ابتدرها فرحا (باسم الأصول الرواسخ في عمق الثرى 00 وباسم الآباء والاجداد قمم الشموخ وباسم الذين غمروا هذه البقعة المباركة من الأرض الطيبة بفيض الذكر الحكيم)0 وزاد عليها بأبيات شاعرها وفاء بلا حدود وحبا بلا سواحل لو تطلبين البحر في عينيك نسكبه أو تطلبين الشمس في كفيك نرميها انا نحبك فوق الغيم نكتبها وللعصافير والأشجار نرويها انا نحبك : فوق الماء ننقشها وللعناقيد والاقداح نحكيها كانت كلمة الشريف أحمد عمر بدر والي الجزيرة جزلة وباهرة وواضحة في حق الرجل والجزيرة وجامعة الجزيرة 0 حيث صافحه أستاذ مهيب بعدها (لم أعرفه) وقال همسا كعادته بلغة النحويين (أوجزت فأحسنت)0 وكان مولانا القاضي الأمين أبوقناية خطيبا أديبا 00 قد جعل مهمة كل الذين جاءوا من بعده صعبة وقاسية0 امتلأت الساحة بالمصلين حيث كان فرض المغرب يومها مشهودا ومهيبا قابلت فيه الفضاء المفتوح والعزوة حين يمتلئ صدرك (بالسمر الكرام) وبالنيل قابلت الباشمهندس الصابر المؤمن أحمد السماني فقابلت فيه أهل عبدالعزيز الأعزاء 00 وقابلت عبدالله الأمين (الحاج) فقابلت أهل العزازة (العزاز) وقابلت محمد أحمد العيص (ود القبائل) فقابلت كل أهلي (الرفاعيين) وأهل دلوت والقريقريب وفي الخاطر الرجل العارف والملاذ الشيخ عبدالباقي0 ومن الوجوه المعطاءة التي ملأت ساحة الاحتفال 000 أبناء الراحل الفاضل الجاك فضل الله أحد أعمدة الجزيرة وأعيانها 00 فكانوا بحضورهم الباسق وكرمهم وصفائهم في قامته 00 " سدو الفرقة " وأكملوا الناقصة " وعضدوا البنيان " وأشادوا الأركان0 تلفت وسط كل الراقين البسطاء لعلي أرى أستاذي الدكتور العالم الفقيه الطاهر الدرديري الذي دفعنا لحقل الأدب والعلوم في مدرسة أبوحراز الاميرية0 وانتقل بعدها للجامعة الإسلامية فأضاءها قيادة وريادة وعلية وقدوة0 ومن الأساتذة الذين تعلمنا على أيديهم "لغة الفرنجة" بالمدارس الوسطى الأستاذ النابه محمد قسم الله الذي كان في قامته الدقيقة في عمرنا وفي سعدته وعلمه عملاقا "يملأ العين"0 ومن محاسن الصدف أنني سلمت مصافحا بالشرفة الابتدائية الأستاذ الفاتح "جابروك" 00 ومن الأشياء التي لا أنساها أنه كان صاحب موهبة وصوت رخيم وكان له في الأناشيد المدرسية سبق وفتوحات لحنية0 وكان حين ينشد كانت القرية والناس يتوافدون على الحيطان والشبابيك "ويموتون بالفرحة0 ومن نميمتنا البريئة يومها قولنا ونحن نشاهده أيضا لاعبا متميزا " الكورة ولا السبورة " ولست أدري ماذا فعل الزمان بالرجل وكان قديما " بهيا أسمر الجبهة كالخمرة في النور المذاب "00 كما سعدت جدا بحضور البروفيسور البارع عثمان طه ، عميد كلية الطب بجامعة الجزيرة والطبيب الإنسان الذي كلما شاهدته صامتا ومبتسما وصابرا على السودان في زمان عسره ويسره " علمت أن الوطن بخير " 00 وأدركت أن الشرفة " بت حلال وبت قبائل ورافعا رأس إخوانا "00 مادامت قادرة على إنجاب رجل في قامة عثمان طه0 وكنت ممثلا لأهلي الأشراف وأم شانق ممثلا للشرفة التي يجمعها مع أهل فداسي (حب لايباح) وقد تأدبت بأدب (السادة) فلم أكشف مكنون الأسرار يروق الحي لماعة ونفس الصب طماعة وكتمان الهوى طاعة ولكن هذه الساعة 00 وفي هذه الساعة أصر علينا آل الوالي الميامين سيف والدكتور نصر الدين وشقيقهم جمال الوالي الذي قال أبوسنينة في حضرته (قلبت قبل أيام مجلة مشروع الجزيرة فوجدت في كل عدد مقالا لشيخنا وأستاذنا محمد عبدالله الوالي وأنا أعترف اليوم وأمام الصحافيين أنه علمنا الكتابة في الصحف والمجلات وعلمنا صعود المنابر) فقلت له ممازحا ولم يتعلم جمال في فن الكتابة إلا أدب الشيكات 00 فجلجل الرجل بضحكة ممتدة تماثل تماما رصيده ومنقولاته0 أصر أولاد الوالي ببشاشتهم المعهودة على شاي المغرب الذي كان ضيوف شرفه أولاد البلد البسطاء الذين لم تفسدهم قربى المناصب والرتب فعاشوا كالناس أو أدنى الدكتور عبدالله حسن أحمد البشير والمهندس على حسن أحمد البشير الذين شرفوا الاحتفال بحضور رامز وعفيف وارتفقنا في عربة واحدة حتى الخرطوم والتقطنا صورة تنفع يوما ما للقطة نادرة00 ونحن على مشارف البيت الكبير كان على لساني (شاي فداسي) المعتق0 فهمست دون أن يسمعني العامة والخاصة بفرح أولاد ام درمان (حبيبنا الليلة جانا وشرب الشاي معانا)0 فالتمع المشيب وعاقبتنا فرادي الاربعين قبل منتصفها وقبلها عاقبنا العباسي ببيته المؤلم يا بنت عشـرين والأيـام مقبلـة ماذا تريدين من موعـود خمسـين فصمت مكرها عن باقي المقطع 00 إننا حين نغادر فداسي لانعرف نحن أهل الوسط إلى أين المبتغى أم درمان العبادي طريت برق الخويطر الشال وسال دمعي البكب وشال فقد صبري ومنامي انشال لبس من ناري عمة وشال يا شـماتي والعـزال أفرحوا بالعلي مازال نعم انك لاتعرف المبتغى فهناك أيضا مدني والمساح أنا الهايم وهيامي زاد أنا الحافظ حق الوداد أنا المرضان والناس شداد وأنا اللابس توب الحداد 00 أنه الحزن السعيد كما يقول سند حزن الشعراء 00 ولكن حبنا يا (مصطفى) بفداسي وفارسها كان يومها سعيدا حزينا وحزينا سعيدا (انه الفرح المخبوء) 00 أما لماذا كان ياسيدي هكذا فان إجابته القصوى 00 لست أدري !!! بقلم / حسين خوجلي