هنا فداسي

النوم ما حق الرجال
كلما جاء إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة زائراً يمم وجهه شطر المسجد الحرام وحث الخطى صوب المسجد النبوي الشريف وتتملكه رغبة وتطفل في النظر وتفرس وجوه الطائفين والعاكفين والركع السجود، ويركز بالتحديد على كبار السن أصحاب الوجوه المضيئة التي ينبعث من ثناياها نور لا تخظئه العين الفاحصة المتفرسة. كان يظن أن معظم الصالحين على ظهر الأرض يتواجدون بمكة والمدينة ويترددون بين الحرمين الشريفين. مر بجانب صاحبنا وهو في صعيد عرفات شيخ وجهه كالقمر المنير وبياض ملابسه كلوز القطن المتفتح في أول الصباح، سمته السكينة والوقار فتوسم فيه خيرا. ألقى الشيخ على صاحبنا التحية فرد عليه بأحسن منها واستأذنه الرفقة فرحب به.

أخذ الشيخ صاحبنا من يده وصعد به جبل الرحمة وأخذ يدعو ويدعو ويطيل في الدعاء وكان صديقنا يدعو وراءه واعتراه خوف ورهبة. بعد فراغ الشيخ من الدعاء أهدى صاحبنا سبحة "بقس" أصلي تفوح من حباتها رائحة الطيب وقال له خذ مني هذه الهدية في هذا اليوم الطيب كخير عربون على الحب والتآخي في الله. افترقا بعد ذلك وذهب كل منهما في حال سبيله.

في الصباح الباكر، وعند التحرك من مزدلفة إلى منى، صادف صديقنا الشيخ للمرة الثانية وفي صحبته شيوخ جميلو الهيئة طويلو اللحى ، تبدو على وجوههم الوضاءة سيماء التقوى والمخافة. توجه صاحبنا نحوهم وسلم عليهم فرحبوا به ورافقهم سيراً على الأقدام إلى منى. في الطريق أخذ الشيخ يجمع الخبز وبقايا الأكل المرمي على قارعة الطريق، وهو يبكي مردداً لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مستنكراً على كثير من الناس عدم شكرهم لنعم الله الوفيرة واستهانتهم بها .

عندالوصول ألى بداية منى تزاحم الناس وبلغ التعب بالأجساد مبلغا وكان الشيخ يحث الجميع على الصبر والثبات والاحتساب. في وسط الزحام افترق صاحبنا عن الشيخ وتحسر كثيرا على فراقه. ذهب صاحبنا إلى الحرم في يوم النحر فالتقى الشيخ للمرة الثالثة ففرح بلقائه وطافا معاًوأهداه هذه المرة عشر سبح فاخرات قائلاً له: خذ هذه ووزعها على أصحابك وأوصاه بعدم الإكثار من النوم قائلاً له أن: ( النوم ما حق الرجال) وكأنه يحثه على إقام الليل في الطاعة والتعبد وعدم ضياعه فيما لا يجدي . تأمل صاحبنا في كلام الشيخ طويلاً وقال في نفسه رحم الله الشيخ البشير مالك وأمثاله الذين كانوا يعملون بما قال الشيخ وكانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. تضرع صاحبنا إلى الله بالدعاء أن يجعله من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه.