هنا فداسي

وكأني بكل أهل الحارة يردون حبابك يا (النصرت ) المنبر
ها أنت تنبش الصفحات (الغميسة) من الذاكرة [بلف بلف، ترس ترس، ميزان ميزان، منفاخ منفاخ، جركز جركز،...]
عجيب في تداعيك ، تملأ حقيبة الذكريات بشجى أو تفرغها منه، وفي كلٍ تنبش ما عشناه في طفولتنا ، بل ما لا ينسى . بعض هذه الذكريات لا زال حيا ينبض بالألق وبعض استقر في العقل الباطن، ولكنك تدهشني بحضور ذاكرتك العجيبة (ما شاء الله) و كأنك لا زلت ترتدي نفس العراقي والسروال، وتشفق علينا من نسيان تلك الحقبة، فحينا تترفق بنا في السير وحينا [تقوم بينا سداري]، كأنك أنت الوحيد الذي عاش هذه الفترة. فشكرا لك و أنت [ترقع لستك] الذاكرة، بسلسيون العافية. فهل تسمح لي (بسحبة)، ولو مدفوعة الأجر. وقد يكون الأجر، (قرمة) من [حشوة الطحنية] أو [سحبة بي عربية السلوك] إن عزت [التعريفة].
العجلة (الدراجة، البسكليته)
في هذا الزمان الذي يشير إليه أخي هيثم، كانت العجلة ذات شأن خطير. فهي صاحبة المهمات الصعبة التي لا يستطيع أن تقوم بها (العربية) ولا (الموتر) الذي يسميه أهلنا (الموووت ترررررررر) لخطورتها. ويعاب على المركبتين احتياجهما للوقود (البنزين و الجاز)، أما صاحبتنا (ست الفريق) بلا منازع وملكة (الزقاقات)، لا يؤرقها (الدقداق) و لا يعكر صفوها ( الخيران)، حيث يستطيع قائدها حملها على كتفه و تجاوز الخور (البجرِّس) السفنجات (بيد فورد) ويبكي (النيسانات) و يترك (القاقارينات) [تجَعِّر] من غلبها، ويحتل (الأوستن) في العمق، ولا يقوى على جره (التراكتور، أب جنازير).
العجلة سهلة، بسيطة، رشيقة و غير معقدة الصيانة، رغم أننا كنا نرى (العجلاتي) مخترع الذرة الذي يجلس على الأرض (لوزنة) الإطارات. يربط الإطار إلى محور ثم يجري ماكينة السلوك على كل سلك، ويدير الإطار بيده اليسرى بخفة، حتى إذا رضي عن (وزنته) قام إلى (الأنبوبة) فمسحها ببدرة كنا نظن أنه يأتي بها من القمر، فيمسحها مسحا رفيقا ويضعها ببطن (الكفر) ويجري يده على حواف الكفر، ليثبته على عجل الحديد. يقوم الأسطى بتثبيت (البلي) أو (الباراجون ) على صحن البلي ويرصه ببراعة مستخدما باطن سبابته ،فيمسح بطن الصحن بالشحم ثم يلتقط البلي ، بلية بلية. ينفخ الإطار بمنفاخ لا يتوفر في البيوت، يثبته على البلف ثم يطلب من الصبي (صاحب الدراجة) أن (يكبس) المنفاخ، حتى إذا انتفخت (جضوم اللستك)، بل الأسطى أصبعه بلعابه، ثم مسح به (أنف البلف)، لكي يتأكد من عدم تسرب الهواء. أما إذا لاحظ تسربا للهواء، فك البلف ثانية ونزع عنه اللستكة، ونفخ في قلب البلف ثم غير (لستكة البلف) الممسوحة بنفس البودرة السابقة وأعاد نفخه. أما إذا لاحظ فتور القوة عند الصبي، قام إلى المنفاخ بنفسه، ثبت المنفاخ على البلف بمشبكه (أبو ياي) و استعمل المنفاخ ببراعة وقوة ، حتى تسمع لمرور الهواء في الإطار صفيرا.
ومنفاخ العجلاتي أفضل في تعبئة الإطارات والكور، التي كانت تتكون من قطعتين ، أنبوب وكفر. أبوب بلسان طويل يطوى بعد النفخ ويربط ثم يحشى في الكفر. ثم يزرٌّ (يزرزر) برباط أشبه برباط الجزمة. ولم نعرف الكرة (البرازيلية) التي تنفخ بواسطة البلف إلا في عهد قريب.
العجلة مأمونة في الركوب و إذا سقط منها قائدها أو انقلبت بسبب (الزقليبة) أو عدم الحرفنة فلا يتأذى راكبها ، كما يحدث لراكب العربة أو الموتر.
تلكم الدراجة (الجميلة)، لم تعد – في عصرنا هذا- كما كانت، تتهادى في أزقة الحي، بنفس الدينمو ماركة ميلر 12 فولت ، الذي يقلب ليل البلدة نهارا. يفتن صاحب الدراجة في أن يربطه إلى الإطار الأمامي أو الخلفي، يوقد أطراف الدراجة (بالخترات) ذات اللون الأحمر، الأزرق أو الأخضر. ويا لجمال دراجة ، قصت له قطعة من الإطار الداخلي (للعربية)، وقصت في شكل فستون أو مثلثات، ورسم عليها سهم يشق العين و كتب بجانبها (الغرز نشابو) أو ما شابهها من مفردات الأغاني. ثم زينت (بمرايات) صغيرة أو كبيرة، ولفت (التكالة) الخلفية بمشمع، ولف (الكدر) بشريط من لونين، وإذا شاء صاحبها أن تكون مميزة وضع قطعة (بال) على السلوك، فيسمع أزيز العجلة من بعيد، فتذوب قلوب الصبية شوقا أو تمرح طربا. والعجيب أن يضيف أحدهم راديو ترانزستور ، فيثبته على كشاف النور.
أخي هيثم
استرسل وحدثنا عن الدراجات بأنواعها، الدراجة الدبل ، الدراجة الرالي، الدراجة الرياضية، دراجة الصبيان، دراجة الاطفال، بنوعيها أبو لستكين وأبو ثلاثة، دراجة الرغيف ودراجة الحريم. ولا تنس دراجة العجزة والمسنين (أم تلاتة لساتك) و عجيب صنعتها، فهي صناعة سودانية خالصة، أو تجميع سوداني.

ولك حبي