هنا فداسي

من الذكريات الجميلة
وتمر السنون وتبقى الذكريات الجميلة. مازلت أذكر ذلك اليوم من عام 1964 م وما زالت تفاصيله عالقة بالذاكرة كأنها حدثت بالأمس القريب. لم أنم ليلة ذلك اليوم وظللت أرقب الصباح أتحرق شوقاً للذهاب إلى المدرسة وقد أكملت عامي السابع وزدت عليه بإسبوع، مما يهيئ لي فرصة أكبر للقبول.

أشرقت شمس ذلك الصباح الجميل وكأني أراها تشرق لأول مرة وقد طالت ليلتي تلك. لبست جلبابي الأبيض وحذائي الجديدين وعلقت شنطة الدمورية في كتفي ولن أنسى القرش الذي (غمتته) أمي في يدي ولسانها يلهج بالدعاء أن يتم قبولي في المدرسة وأتعلم وأحقق أمنيتها في أن تراني سفيرا ، يا ترى ما الذي جعل أمي تتمنى أن أصير سفيراً، وكانت أمنية غالب الأمهات إن لم يكن جميعهن أن يرين أولادهن "دكاترة قدر الدنيا">

انطلقت أختال مزهواً في رفقة أبي إلى مدرستي وقد تراءت لي أحلامي. تم قبولي وكدت أطير من الفرح ، وفي فناء المدرسة الرحيب، ألفيت التلاميذ يتصايحون وينشدون ويلعبون ومن بينهم أصدقائي وأبناء دفعتي من فداسي والقريقريب والشرفة وهم إن لم تخن الذاكرة : عبد الرحمن أحمد، الدر ديري الأمير، حسن عبد الله ،أزهري الطيب ،أزهري عبد الرحمن ،أبو القاسم يوسف ، أحمد حاج الصادق ، عماد عمر ،السيف أحمودي ،عثمان الطيب ،عمر يسن ،أحمد محمد يوسف (الحبر) ،عمر مدني ،مبارك القاسم ،السماني علي ،بابكر البدري ،معتصم محمد عبد الله ،جلال حسن محمود ،مبارك أحمد محمد يوسف (الريلة) ،صلاح الجد ،عبد العظيم محمد عبد الرحمن ،صلاح بخيت ،حيدر عمر، محجوب عمر إبراهيم ،الثاقب عوض بشير ،عصام الجيلي ،محجوب عبد اللطيف ،حيدر عباس ،المرحوم عبدالرحمن مصطفى خليل ،مبارك محمد علي خليل ،سعد أحمد حسنين ،عصام عثمان أبوشيبة ،الشيخ الإمام ،عماد شباب ،المرحوم محمد عبد الرحيم الإمام ، بشير النيل، التاج يوسف والصادق الشريف أحمد بركات (الشرفة) ومن قرية القريقريب: المرحوم محمد علي محمد عثمان ،زهير علي البنا ،عزام بله ،كمال محمد صديق ،عبدالعاطي عبدالله ،علي أحمد عمر ،عبد الله عوض الكريم ،التاج محمد دفع الله ،عبد الرحمن سعيد ،عبد الله محمد صديق ،أحمد خلف الله، ولن أنسى صديقي محمد محيسي ابن الحكيم الذي كان يعمل في الشفخانة.

دخلنا الفصل وتم تزويدنا بالكتب والكراسات والأقلام مما أدخل السرور على أنفسنا. رجعت مسروراً إلى البيت حاملاً كتبي وكراساتي ووجدت أمي تنتظرني على أحر من الجمر، وما إن رأت كتبي في يدي حتى تهلل وجهها وفتحت "محفضتها" وأعطتني ريالاً كاملاً هدية قبولي بالمدرسة. أخذت الريال وانطلقت إلى دكان العم ود أبوسن واشتريت حلاوة بيض محشية بالسمسم ما زلت أذكر لونها الأخضر الفاتح المظلل ولم أزل أجد طعمها في لساني. احتفظت بباقي الريال الذي صرفته في شراء الزلابية واللقيمات وسلطة الروب من الخالات ست النفور والدلسة وبت دريش عليهن رحمة الله ، فقد كن لنا أمهات حنونات طعمنا بلذيذ لقيماتهمن في فناء المدرسة وتحملن شقاوتنا ومكرنا ولم يكن قصدهن الربح بل إسعادنا وإضفاء البهجة على أنفسنا أسأل الله العلي القدير أن يجزيهن عنا خير الجزاء وأن يجعل حسن معاملتهن لنا في ميزان حسناتهن.

صحوت من النوم مبكراً صبيحة اليوم الثاني وحملت شنطتي وذهبت برفقة أخواني عبد المنعم نور وأحمد حاج الصادق وشرف مبشر إلى المدرسة. دق جرس الطابور ولأول مرة أقف مصطفاً وكان المنظر مهيباً والطابور مشهوداً: أستاذ الفاضل (ناظر المدرسة المحترم) والأساتذ ة الأفاضل: أحمد الأمير مدرس التربية الإسلامية ، محمد طه الأمين(أربجي) مدرس اللغة العربية وعمر دفع الله (رفاعة) مدرس الرياضيات، هجانه بله، عبدالسلام ، التيجاني محمد أحمد ، ماتيه، باصرو، وعمر بابكر. دخلنا الفصل ودخل علينا الأستاذ أحمد الأمير وكانت أول حصة للتعريف وكلام جميل عن أهمية التعليم والحرص عليه واحترام المعلم والعناية بالنظافة.