هنا فداسي

كتاب عصي الفهم
كتب إلى صديقه الذي كان زاهداً في الزواج وكان يقول أنه يستطيع تحقيق ذاته بالقراءة والإطلاع، إذ كانت القراءة والمطالعة تأخذ جل وقته فانكب على كتبه الكثيرة يطالعها مؤملاً أن تكون له خير جليس في الزمان بعد أن عافت نفسه الزواج .

لم يمض وقت طويل فإذا بالصديق يعود من إجازته التي أمضاها في ربوع الوطن بين الأهل والأحباب ! . لفت نظر صاحبه تلك الدبلة الفضية الناصعة البياض التي عكس لونها جمال أصبعه الأسمر. لم يصدق صاحبه ما رأى فاستفسره مستغرباً ماهذا الذي يجمل أصبعك؟! فرد قائلاً هذه "الدبلة" شارة الزواج الذي زهدت فيه وعافته نفسي.

أصرت أمي على زواجي وإن لم أفعل فلن تكون راضية عني وبالفعل عرضت على عدم الرضا إن لم أحقق أمنيتها في أن تراني زوجاً وأباً لكثير من الأولاد والبنات أو ليس المال والبنون زينة الحياة الدنيا؟. فما كان مني إلا أن أستجبت لطلبها وبقناعة تامة وافقت على الزواج من خطيبتي التي إختارتها لي .. وهل لنا في هذه الدنيا من أمنية أعز من رضا الوالدين عنا ؟ ، أو لم تعلم أن الجنة تحت أقدام الأمهات، وها قد فعلت وبفعلي هذا نلت أعز ما أرجو.. وفي اليوم التالي بعث إليه صاحبه بهذه الرسالة مهنئاً ومباركاً :

"صديقي العزيز .. عهدناك قارئاً نهماً ومطلعاً جاداً (فهايف) الكتب لا يشبع لك جوعاً ولا يروي لك ظمأ . بين يديك اليوم كتاب ما قرأته من قبل ، فاجتهد في قراءته جيداً، واستخدم الفكر من غير شرود حتى تسبر أغواره وتستوعب مضامينه.

صديقي .. لقد قرأ هذا الكتاب قبلك كثير كثير ... فمنهم من قرأه على عجل ... ومنهم من قرأه وهو مستلق على ظهره أو راقداً على جنبه ... وليس من بينهم من قرأه وهو منتصب القامة على كرسيه ... فجاءت أحكامهم على هذا الكتاب ناقصة غير كاملة ... لأنهم لم يعطوه حقه في القراءة كاملاً ... وغاية هؤلاء المتعة فقط ، فما أدركوها في هذا الكتاب .. لا لأنه خال من المتعة والإمتاع ... بل لأنهم تحروا المتعة فيه بوسائل وأساليب هينة خالية من التعب وبذل الجهد ...

مثل هذا الكتاب يا صديقي يتطلب وقتاً كافياً ... ومزاجاً رائقاً ... وكوب ماء مثلج ... وكأس شاي (منعنع) ... وقصاصة ورق ... كما يتطلب أيضاً التركيز والتمهل والتريث... والشرح والتعليق بين السطور ... والرجوع إلى الحواشي ... فبعد كل ذلك يعينك الله على إدراك النذر اليسير من مضامينه ومعانيه .

فاعلم ياصديقي أن غاية الإمتاع في إمعان النظر، فامعن النظر جيداً ... وأنت تغوص بين طيات وصفحات هذا الكتاب الذي هو كالمحيط تماماً ... وأنا في إنتظارك لتحدثني عما تستوعبته وتدركه لعلنا نعقد العزم في غير تردد على قراءة هذا الكتاب الشامل النافع الذي يغني عن قراءة مكتبة بحالها ... ودمت ودام الحب والتواصل.