هنا فداسي

من الرموز
مثال الفصحاحة : العم محمود ودخوجلي يرحمه الله

إشتهر العم محمود ود خوجلي بفصاحة اللسان وروح الدعابة وإتقان العمل وتجويده ونال بذلك إحترام وتقدير رؤسائه في العمل والترقي إلى مرتبة رئيس خفر، وهي أعلى درجات السلم الوظيفي لهذه الوظيفة. إستطاع العم محمود ود خوجلي من خلال هذه الوظيفة بناء بيت من الطوب الأحمر مكون من غرفتين وفرندتين في زمان كان عدد البيوت المبنية من الطوب الأحمر قليل جدا.، كمااستطاع تحقيق أكبر قدر من التوفير مكنه من شراء لوري وتراكتور( أنظر إلى الإجتهاد في أعلى مراتبه من واقع وظيفة شريفة بالإضافة إلى الزراعة). ولما كان النظام هو السمة الأساسية التي تميز حياة عمنا محمود ، فقد عاش إلى أن توفاه الله والنظام خطه ونهجه الذي سار عليه، مما جعل حياته منظمة مرتبة، حتى صار مضرب المثل في ذلك، تلاحظ ذلك عندما تدخل حوش منزله فيلفت إنتباهك نظافته المتناهية وبياض حبيبات الرمل التي تسترعي إنتباهك وجمال الراكوبة الحديثة على (النمط المحمودي) التي لا أكون مبالغاً إن قلت لك إنها تضاهي أجمل الفرندات المبنية على أحدث طراز لدرجة أن كل من أراد أن يعمل له راكوبة من أهل الفريق، كان يستعين بعمنا محمود. وفي فصل الخريف وحين يستدعي الحال إسعاف البيوت(راس البيوت) من (الصبيب)، فكان العم محمود رحمه الله نعم الطبيب المعالج، إذ تبهرك قدرته في المعالجة ، فالمنزل الذي يعمل العم محمود على معالجة رأسه(سقفه) لا يشكو من الصبيب من بعد ذلك أبدا. وعندما تمر بجانب بيته، تجد نفسك واقفاً مندهشاً من روعة تصميم مجرى الخريف الخارج من فناء حوشه، مما يذكرك بجدول (أبو عشرين) في حواشة مزارع ناجح كالعم إبراهيم المحسي أو العم الخليفة عبد الصادق أو العم عبد السلام ود الصافي رحمهما الله. وتحضرني هنا نكتة عمنا فكي عيسى رحمه الله الذي كانت حواشته مجاورة لحواشة العم محمود، والتي يحكى أن مفتش القيط أثناء طوافه مرّ بجانب حواشة عمنا محمود فأعجبه حسن ترتيبها ونظافتها وروعة تصميم جداولها وخاصة التقنت وجدول (أبو عشرين) الذي كان مصمماً بمواصفات هندسية دقيقة ، وعند مروره مباشرة بعد ذلك بحواشة عمنا فكي عيسى ولم يعجبه حالها( وعم عيسى لا يلام في ذلك بل لا بد من الإشادة بكفاحه وعراكه لمجابهة الحياة لأكثر من خمسين عاماً قضاها في فلاحة الأرض )، طلب منه المفتش أن يجعل حواشته كحواشة جاره من حيث الترتيب وتصميم الجداول والتقانت، فلما كان من المستحيل مجاراة العم محمود فيما يفعل، نظر العم عيسى إلى المفتش نظرة ملؤها الإندهاش والإستغراب مخاطباً إياه (محمود ده مجنون وإنت أجن منو الدايرني أعمل ليك جدول زي جدولو).

يحكى أن المرحوم محمود ود خوجلى قام بزيارة إلى أحد الشيوخ بمنطقة المناقل، ولما دخل على الشيخ وبعد أن حياه سأله الشيخ " إنت من وين ياأخوي؟" فأجابه محمود أنا من فداسي الحليماب، فرحب به الشيخ من جديد مثنياً على فداسي وأهلها ووصفهم بالتقوى والعلم والجود والكرم. كان من بين الذين ضمهم مجلس الشيخ مهندس القسم الذي كان يعمل معه محمود خفيراً. بعد إنتهاء الزيارة تصادف أن تقابل محمود والمهندس في فناء دار الشيخ، فقام محمود بإلقاء التحية عليه فرد المهندس عليه التحية وأعقبها ساخراً متهكماً "ما شاء الله فداسي أنجبت خفراء ، ما شاء الله فداسي أنجبت خفراء، كررها ثلاث مرات. فردعليه محمود غاضباً:" فداسي يا مغفل أنجبت مهندسين أنجبت أطباء. فداسي أنجبت معلمين يدرسون العلم في أرض الحرمين من الستينات، فداسي أنجبت الشيخ الصديق أحمد عبد الحي مفتي الديار السودانية ، "بنفخة مكرفون بأمر منه يصبح أهل السودان كلهم صائمين وبنفخة مكرفون تانية يصبحوا معيدين . فداسي متل الدجاجة الـ بيضت ليها عشر بيضات، جزء ياكلوه الناس ينتفعو بيهو ، وجزء تفقسو عشان تحفظ نوعه، وتفضل بيضة واحدة "ممزرة" (فاسدة)، فنحنا الخفراء ديل بيضة فداسي "الممزرة"‘ يقابلونا المتكبرين الزيك كدا يطولو لسناتم علينا ونقوم نحنا نرد عليهم. لم يستطع المهندس أن ينطق ولو بكلمة من فرط الدهشة ، إذ لم يكن يتوقع أبداً أن تصل ردة الفعل عند محمود لهذه الدرجة والرد عليه بهذه الطريقة مما جعله فيما بعد يغير من تعامله مع الكل بعد أن لقنه محمود درساً لا ينساه أبدا.
وصدق من قال:
" ترى الرجل الضعيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور"