هنا فداسي

غرفة نوم!!
بقلم بركات بله
94- اليمامة – العدد 883 – الأربعاء 29 ربيع الأول 1406هـ ( 12/12/1985م)

أنام على سرير من الخشب المتهالك ابتعته من ( حَرَاج بن قاسم) جنوبي الرياض .
ما أن أنقلب ذات اليمين أو ذات الشمال حتى يُصدر صوتاً أجشاً وأنيناً متواصلاً طول الليل – فيفقد الحلم متعته ويهرب النوم من عيني وأظل ساهراً أرقب الفجر وألعن الخشب و(الحَرَاج)والنَّجار وبالرغم من ذلك لا يسعني إلا أن أحتضنه وأحرص عليه لما لي معه من ذكريات غوالٍ، وليالٍ لا تُنسى ويكفي فقط أنه يؤويني بعد عناء كل يوم طويل من العمل الشاق أُجْهِدُ فيه ذهني، ويمنحني الدفءَ، والحنان الذي ظللت أحلم به طوال حياتي!
بالأمس القريب حدث ما عكر صفو هذه العلاقة الحميمة التي تشدني إلى سرير غرفة نومي المتواضعة، وما أفسد علي بهجة نومي الصباحي المتقطع واسترخائي اللذيذ! فلقد وقعت عيناي على (غرفة نوم) قطعت البحار والمحيطات واستقرت إلى جواري قبالة ( برميل القمامة) أمام منزلي في حي (الملز)، غرفة مصنوعة من أجود أنواع الخشب الفاخر ومحلاة بأرقى أنواع المخمل الأزرق ملقاة بإهمال دون أن يجرؤ أحدٌ من عمال النظافة على إزالتها من المكان، ربما لأنهم مثلي لم يصدقوا بأنها استنفدت أغراضها وهي بهذه الجدة! كما أن أحدنا لم يكن ليتصور ما تكون عليه الغرفة الجديدة من فخامة وحداثة!
ظلت ( غرفة النوم) هذه تستفزني كل صباح أروح فيه إلى عملي بل أنني أقف عندها للحظات أتأمل جمالها واستمتع بنعومة ملمسها الهامس... واحلم! وقد لا أذيعكم سراً لو قلت لكم أنني هممت في كثير من الأحيان – لولا الحياء – أن آخذها إلى داخل بيتي واستبدلها بغرفتي المتهالكة، أو على الأقل أن أصنع من خشبها الفاخر مكتبة صغيرة تؤوي كتبي ومجلاتي المتناثرة هنا وهناك في أركان الغرفة "التي لطشتها من الزملاء".
ولما منعني الحياء والمكابرة من فعل ذلك، لم أجد عزاءً لنفسي ولحرماني من متعة الرقاد في سرير دفيء سوى بالكتابة عنها واستهجان سلوك جاري الثري الذي أبطرته النعمة ولم يأبه كثيراً باستفزازنا، والذي تنكر لأبسط ألوان الوفاء الذي منحته إياه غرفة نومه التي استغنى عنها ورماها على قارعة الطريق!
تُرى هل نسي الطين نفسه أنه طين؟