هنا فداسي

في الخرس الطوعي حكمة

لعل لغة الإشارة الخاصة بالصم والبكم هي الأنسب الآن للأصحاء أنفسهم بعد أن أصبح الطنين العام عبر الأثير يصمُّ الآذان، حشوٌ ولغوٌ قعدا بنا عن إعمال الرؤية الثاقبة، وقيدا قدرتنا على الإفادة والاستفادة، وجعلانا نستهلك الكلام ـ منطوقًا ومكتوبًا ـ كما تستهلك الأنعام أعلافها، ولكم أن تلاحظوا إسهاب وهيجان بعض مقدمي البرامج وضيوفهم في البرامج الحوارية.. ضجيجٌ يثير النقع، وألسنةٌ تجري لاهثة وكأنها في مضمار أو منافسة محمومة لإحراز قصب السبق والتتويج بصولجان القدرة على البيان والبلاغة والحصافة، ذلك أن هدفهم الأساسي هو إبراز (الأنا) وليحشو المشاهد أو المستمع أذنيه (قطنًا). ولنقارن كذلك بين ضيف عربي وآخر غربي؛ الأول ينطلق في الحديث ولا يتوقف إلا بلجام، والثاني يُركِّز رأيه وفكرته في كلمات ذات دلالات واضحة تُدهش مقدم البرنامج نفسه فتُراه مستغربًا من هذا الاقتضاب، و يتلعثم ويتأتئ كأنه يطلب مزيدًا. إذن فلغة الإشارة هي الأصلح لبعض فضائياتنا، وقد وصفت العرب قديمًا الصمت بالبلاغة. ولا أبالغ إن قلت إن كثيرًا من المشاهدين يستمتعون بحركات المذيع المصاحب أو المتخصص الذي يترجم المادة المبثوثة إلى لغة إشارة يفهمها ذووا الاحتياجات الخاصة. إن العاقل منّّا بالفعل هو من لا يرى في هذه اللغة مجرد حركات (أراجوازية) وإنما بديلاً صامتًا ومتميزًا لكل ما يمكن أن يصدع الرؤوس ويشرخ النفوس من أخبار وتحليلات ورؤى تقويمية لم يصدُق إلا أندرها على مدى عقود طويلة. وبالطبع لا يتمنى العاقل أن يكون أخرسًا؛ ولكن (الخرس الطوعي) قد يلبس ـ أحيانًا ـ ثوب الحكمة إن لم يكن هو الحكمة ذاتها، فكم من نابغ ونابه في مختلف مجالات العلوم والفنون كان أخرسًا أو أصمَّا!! وعمومًا فإن "الخرس خير من الكذب"، وأنبل من الهمز والغمز واللمز في زمان تلاشت فيه الحواجز بين الإخبار والافتئات، وبين الشكر والذَّمِّ، وبين الإطراء والازدراء.. زمان نحت فيه التفسيرات والتأويلات والظنون مناح نائية كثيرًا عن المراد أو المقصود.
إبراهيم الصافي
الأخ/ المكرب.. فتح الله لك آفاق المعرفة، ويسر لك إمكانية الإفادة منها دينًا ودنيا، وأعاذك من شرِّ إمكانية استعباد البشر المالك لغير المالك.. فمن يملك ليس سيدًا، والمعوز ليس عبدًا.. فهل يفهم (السادة) أن الأيام دول؟! وأن عبدة المال (تحت الأقدام)؟ هذه كلمات في طنين الفضائيات وهامشياتها، فإن شئتم قبلتموها أو أحلتموها إلى مزق..
لك تقديري وودي.
تضايقني أحيانًا إلى حدِّ (النرفزة) مخاصمات المتحاورين العرب (ضيوف الشاشات البلورية) في الفضائيات العربية؛ فهي تتجافى عن الموضوعية والرصانة وتلج سوح (السباب والشتائم الشخصية)، ونادرًا ما تصل إلى نتيجة ذات قيمة يمكن تبنِّيها أو الإفادة منها.. ونخشى أن (تقهقه) من جهلنا الأمم.
( آمين ألف، وتحية لأخي بابكر البدري الصافي، مفخرة الجامعة الإسلامية وزينة الطلاب: سمتاً وهيبة وعلماً ووقاراً، ومن طريقه عرفنا منه القانون كما علمه إياه أستاذه الدكتور/ محمد محي الدين، صدر القانون الحافل بالمعارف والحجى، وحجته في القانون النيجري مما يثير الإعجاب والانبهار، وليتنا كنا طلاب قانون مع بابكر، ولكنه كفانا المؤونة، وجعل لنا أموراً كثيرة ممكنةً وممتعةً، وهؤلاء هم آل الزعيم وبهم نقتدي ) م. حسن