هنا فداسي

"أفاضل الناس أغراض لدى الزمن .... يخلو من الهم أخلاهم من الفطن"

أُخذتُ بتجربة الأستاذ محمد بن عيسى الوزير المغربي والنجم الدبلوماسي الساطع في الأجواء الأمريكية سابقاً، وقد ترك كل هذا واتجه بهمه يحول أصيلة القرية المغربية المغمورة إلى مسرح عالمي يتنادى إليه المبدعون من أنحاء المعمورة كل عام لإحياء التراث البشري في تناغم وتآلف راقٍ .. وحدث هذا في زمن قياسي قصير جداً بعمر النهضة الحضارية والعمرانية والتجارب البشرية المثمرة، حتى صرت إلى ثورة حقيقية كبيرة قد أحدثت في معركة التراث، وقد تخطت المفهوم الضيق إلى مفاهيم ومضامين أوسع، وقد عكف رواد منتدياتها ومسارحها، على اختلاف مشاربهم ومواطنهم، في أرجائها بلمسة اللون والكلمة يؤكدون عنصر نهضة جديد، ويرسون باقتدار دعائم التراث وميراث البشرية القادر على الحركة الفاعلة والمؤثرة غير المتقيد بالأمكنة والمفاهيم القاصرة، ويؤكدون أن الانتماء لا يكون بمحض الميلاد والجغرافيا المكانية والبشرية فحسب، وها نحن اليوم أولاء أمام أصيلة القرية المغربية المنسية، وقد أصبحت قبلة للزوار، ومحطاً للأنظار والقلوب.
وكان النجم الدبلوماسي الساطع محمد بن عيسى وراء كل نجاح أقام لُحمة وسداة أصيلة،القرية التي أحب، ومن أجلها ترك حياة التألق والمجد في الآفاق الغربية الفاتنة، وعاد إليها بإرادة بناءةٍ وعزم صميم حديد، وصنع منها المجد الذي عاش جزءاً منه في الولايات الأمريكية( كم من الناس جاء مفتوناً بحضارة الغرب، وكم منهم أفلح ولو بقدر مثقال في تحقيق قدر مما شاهد وتأمل؟)، وكان يحلم بمدينة فاضلة في أزمنة الخبز الحافي، والشتات، وحروب الاغتراب، وحريق الأوطان، وغربة الأرواح، والأمكنة الآسنة والوجدان المحنط، والأسنة الصدئة، وعقول على حافة الذهول.. لكنه كان مدركاً لدوره وجدوى رؤاه، ولم يكن بمعزلٍ عن عوامل الإحباط التي ما كانت تسمح لبوارق الأمل والحلم والتطلع أن تلوح في الآفاق أو تلون خيالات المسحوقين والمغمورين القابعين وهم يرزحون تحت الهجير ونيران المواقد والمواجع. وجملة عوامل من الإحباط والغبن والكيد، همهما أن تبقي صحارى الهم واسعة لتلتهم الينابيع ومسابل الدموع، ثم لتشفر الأنحاء بشفرة الموت واليباب فلا تبقي ولا تذر.
وأصيلة المشارق لا تقل شأناً ولا شأواً ولكنها تنظر المستحيل لترفع الستار عن تاريخها المغمور وقد سبقت به الأوطان بأزمان. وأصحاب المعارف – وهم بيننا اليوم – همسوا في آذننا ذات يوم ونحن نلامس تاريخ القرية بمشهد أو مشهدين مما أبقى العابرون- أترون ما مكانة هذه البلدة؟ فيها ختم الشيخ قرشي ود الزين القرآن، كما وفد إليها الشيخ العارف محمد ود عبد الماجد ،جد منصور خالد وزير الخارجية الأسبق، ليختم فيها القرآن، ورحم الله الشيخ رملي وقد انطلق الحديث والتعقيب منه بينة على من ادعى حضارة خارج فداسي، وفداسي بالكنوز تمور موراً، ولكن كيف السبيل إلى ذلك، كيف؟ وأهلها كأنهم في غنى عنها، أو أنهم قد بزوا أوائلهم فلا حاجة لهم بهم، والواقع بخلاف ما يتصورون. فإلى أبن المهرب؟! وكان محدثي يحكي عن قدر فداسي ومكانتها، ولما علمت منه بعضاً صمدت ولزمت، وأدركت أن استنكاه الحقائق يقتضى معه سلوك معين ومسئوليه ودور تتوجب على الشخص القيام بها من غير تشويه أو تحريف حرصاً على سلامة النقل وأداء الرسالة بالصورة التي تحفظ التواتر، ويخطي من يظن أن الأستار تعمي أو تعشي أصحاب الأبصار، وهم بيننا كثير، ومن شاء فليعرف عن "الأبدال" شيئاً فإن ذلك قد يكفه دليلاً إلاأنه مبحث مكلف طويل ولكنه قائم. ومن أجل هذا سيرد المنبر عما قريب من يحدثنا ويرشدنا إلى تلك المعالم، وساعتها سترون بأم أعينكم أن الحكمة الحقة وليدة العمل الصالح، و به تطيب وتبقى.
ونقلاً بتصرف عن الكاتب عبد الرحيم العطري، الباحث الاجتماعي المغربي، بموقع hp://akhbar.khayma.com.، يقول إميل دوركهام في كتابه تقسيم العمل الاجتماعي بأنه ليس هناك من إمكانية لتأسيس علم خارج الجرأة، وبواسطة هذا منهج الانفتاح الجريء والمستمر على مختلف التضاريس المجتمعية يمكن إنتاج معرفة رهينة، وفهم مختلف للواقع الاجتماعي،كما وأن الجرأة المنهجية شرط وجودي لإنتاج سوسولوجيا نوعية تهفو إلى تحليل وفهم الظواهر الاجتماعية، وهي التي تدعو إلى تشييد سوسسولوجيا يمكن أن تسعف في تقديم إجابات محتملة عن أسئلة معقدة أو شائكة) إهـ.
فبين هاتين المطرقتين: تجربة أصيلة الغرب وجرأة العمل الاجتماعي، سنحاول المحاورة، إن شاء الله تعالى، وفي أعيننا هم رفع الستار عن أصيلة الشرق؛ فداسي ولا فخر، وذلك بمعونة من أدرك بعض الأسرار وأخفيت عنه جلائلها، وظنه:
o أن" المحب يلزمه الصبر، ولكن الصبر قد ينفد والقلب قد يسلو" كما أورد الأديب الطيب صالح في كتابه خواطر الترحال- 9.
o و"إن الشخصية تساهم في نجاح العمل أكثر مما يساهم الذكاء الخارق"- دايل كارنجي.
o وأن الصحبة رق وان صاحبنا قد وضع رقبته في يد بلدته وهو نائي عنها فعوده مرهون بالتحرر وحطم القيود.
o أن يلزم حمية الندم، ويستغفر الله من قول بلا عمل.

وإلى لقاء آخر
محمد حسن خضر
الرياض
31/3/2007م