هنا فداسي

"للزرزرة" أماكن ومنها "التكل"، والطاحونة .. فهل سلمت أم أحمد منهما؟ محمد حسن 26/3/2007 الرياض
ومع صاحبنا الأستاذ/ إبراهيم الصافي، في كلمته:
دعونا.. مالنا وللنحو وللفصيحة..؟!

يستعصي فهم مادة (النحو) على كثير من طلاب المراحل المختلفة بما فيهم عدد من طلاب التخصص بالجامعات، ولا يجد بعضهم مشاحة في أن يصفها بأنها مثل الفيزياء تمامًا تصيب الرأس بالصداع، ولا يقدر على هضمها إلا من كان عاشقًا لها، أو مقبولة لديه إلى حدّ ما.. ولذلك قلَّ أن يتخرَّج طالبٌ في العديد من تخصصات اللغة العربية ـ وغيرها من أقسام الآداب الأخرى ـ وهو متمكِّن من هذه المادة وقادر على احتوائها، وهذا الافتراض تثبته الأخطاء النحوية الشنيعة التي تُجِّلل الكثير من كتابات الطلاب ومقالاتهم، فليس غريبًا أن تجد الفاعل منصوبًا، والمفعول مرفوعًا؛ بل قد يقف حرف الجرِّ ناصبًا أو رافعًا..!! أما التمييز والمستثنى والبدل والمفعول لأجله أو المطلق وما إلى ذلك؛ فهذه جميعها معضلات.. أما الإعلال والإبدال والميزان الصرفي وهلم جرَّا؛ فهذه محض طلاسم لا نصيب من اهتمام الطالب واجتهاده، ولا يضيره الجهل بأحكامها، ولا يجد حرجًا في الاعتراف بهذا الجهل علنًا.
وإذا كانت مادة النحو مثل الرياضيات أو معادلات الفيزياء ـ كما يزعم كثير من الطلاب ـ فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مكمن الصعوبة فيها؟ ومن المسؤول عن تشكيل هذا المفهوم في ذهنية الطالب؟ هل يتعلق الأمر بقصور الفهم لده؟ أم إلى طرق التدريس وأساليبه؟ أم أن المادة بالفعل شديدة التعقيد، وتتطلب عقلية متفتحة وصافية، وقدرًا عاليًا من الاستعداد الطبيعي لاستيعاب (ألغاز) النحو!! يبدو أن هناك عوامل عديدة تتضافر لتجعل فهم هذه المادة عسيرًا.. منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي، ونقصد زُهد المجتمعات العربية في الحديث بالفصيحة واستبدالها بالعامية التي لا (تصدع) رؤوس متحدثيها بقواعد اللغة، ومنها المناهج التعليمية التي تصبغ هذه المادة بالتعقيد في صياغة قواعدها وتركيباتها، وكذلك أساليب وطرق التدريس، فبعض الأساتذة ـ وخاصة في المراحل الأولية والمتوسطة والثانوية ـ لا يركزون على تحبيب الطالب في هذه المادة، ولا يعوِّلون على ترسيخ قواعدها في ذهنه بالصورة المطلوبة أو المبتغاة، فلذلك يغلب على شرحهم قراءة القواعد النحوية كما هي دون اجتهاد في تفسيرها، وبالتالي يحس الطالب بمعاناة في استيعاب القاعدة.
ولا يقتصر الأمر في إتقان العربية على الأخطاء النحوية، وإنما يتعداها إلى الأخطاء الإملائية، فليس بمستغرب أن تقرأ في مذكرات طالب أو مقالته كلمة: (لاكن) هكذا بالمد بدلاً من: (لكن)، أو (هاؤلاء) بدلاً من (هؤلاء)، أو (إيضافتًا) بدلاً من (إضافةً). أما استخدامات الهمزة فهذه إشكالية كبيرة لدى كثير من الطلاب، فهم يرسمونها كيفما اتفق، فهي إذا كانت على السطر وضعوها على (نبرة أو كرسي)، وإن كانت على الألف حاروا في وضعها أين تكون؟ هل هي فوق الألف أم تحته أم بجانبه؟ أم هي على السطر أم على واو؟ وبصعب عليهم التفريق بين همزتي القطع والوصل!! ولا نستثني من ذلك الأخطاء الفادحة المتمثلة في وضع نقطتين على (هاء الضمير) كأن يكتب أحدهم (منة ـ إلية ـ جاءة) ويقصد (منه ـ إليه ـ جاءه)، أو يهمل نقطتي (التاء المربوطة) فتتحول إلى (هاء)، أو من يحذف همزة الوصل في (ابن) وإن كانت غير متوسطة بين اسمين، كأن يكتب: وإبراهيم مقيم في السعودية وهو بن الصافي.
وعمومًا، وفي إطار المقارنة؛ فإن دارسي الإنجليزية يهتمون بإجادتها والحديث بفصيحها أكثر من دارسي العربية! ربما (برستيدج)، وهذا في الوقت الذي يستحيي فيه دارسو العربية من استخدام الفصيحة؛ بل واستخدام (العربية المكسرة) مع الناطقين بغير العربية، بدلاً من محاولة تعليمهم و (تعديل) المعوج من ألسنتهم، وترقية مفرداتهم، كأسلوب من أساليب نشر العربية بين غير أهلها.. نأمل أن تكون هناك دراسات جادة على مستوى الجامعة العربية والمنظمات العربية والكليات والجامعات ومراكز الأبحاث بلغتنا الفصيحة التي وسعت آي الله، وجعلها لغة علم وحضارة، وأن تتمدد مساحة الاعتزاز بها في نفوس أبنائها.
كثيرًا ما نسمع من أعداء العربية مقولات مثل: "وُجدت اللغة لتخدمنا لا لنخدمها"، و "الفصيحة لا تستوعب العلوم الحديثة، وعاجزة عن تطويع المصطلحات العلمية" وغير ذلك من الافتراءات، وبالطبع إذا أردت هدم ثقافة ما، فابدأ بازدراء لغتها الفصيحة، وبالغ في اتهامها بالضعف والعجز.. ومن يفقد لغته الأصلية يفقد هويته، فهي وعاء ثقافته وقيمه.. وقد نشطت في مجتمعاتنا العربية الدعوة إلى إقصاء الفصيحة واستبدالها بالعامية لأنها أقرب إلى أذهان العامة، ولا تستعصي حتى على أفهام الغوغاء.. فمتى يستعيد العرب هويتهم اللغوية في أحاديثهم اليومية وفي كتاباتهم وخطابهم الإعلامي والثقافي؟ سئل الدكتور محمد سليمان إدريس (بليل) الذي يتحدث الفصيحة في كل أحواله (داخل القاعة وفي الشارع.. وفي مجالسه ومسامراته): لماذا لا تنزل إلى مستوى العامة؟ فقال: مهمتي كمتخصص الارتفاع بمستوى العامة لا النزول إليهم.. وهذا حال الحريصين على حماية الفصيحة المنافحين عنها دون هوادة أو خذلان.. وفي المقابل يصفق الناس لمن يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة أو بفصاحة، ويُجيد التخاطب بها، وقد يُصنَّف ضمن فئة كبار المثقفين:
is very fluent, he speaks royal English” “He وإن أخطأ في “Grammar or Spelling” عابوا عليه ذلك واستنكروه.. وأخشى أن تُحصى غلطاتي النحوية في هذه الكلمات التي أوردتها...
يكفي الفصحى أنها وسعت كتاب الله لفظًا وآية كما قال شاعر النيل في (تائيته) الشهيرة.. وكتاب الله هو منهجنا في الحياة وسر وجودنا.. وهجرنا للفصيحة مُقدِّمة للزراية به، وإبعاد صغارنا عن فهمه وتدبِّره.

إبراهيم الصافي

الأخ (المكرب)... أثبتك الله في موقع الريادة مع حملة الراية...
هذه المقالة ليست (ردًّا) على (أم أحمد)، فهي سابقة لردها الذي استنصرت فيه للعامية واستصرختها للحماية من الفصيحة، لأن العامية هي إداة الفهم والاستيعاب.. (بس عاوزين الكتابة تكون كدة، وياها البنفهمها)..
ويا (أم أحمد) تكتبين بفصيحة غاية في الرفعة والروعة وتحفِّزين غيرك على التزام العامية؟
ولك أقول: الابن هيثم يلتزم الفصيحة في معظم كتاباته، وينثر لنا دررًا نظرًا لما يمتلكه من خصوبة خيال وقدرة على استحضار الواقع و استدعاء التراث بمصطلحاته ومفرداته ومكنوزاته، فهو كمن يعمد إلى تطعيم شجرة تفاح بكمثرى ليخرج بطعم لذيذ يعزُّ نظيره..
الانحياز إلى الفصيحة لا شك يدخل في صميم العبادة باعتبارها وعاء القرآن (هذه ليست فتوى؛ وإنما رؤية تستتبع نهج القياس والاستنباط)، وبالفصيحة المبسطة السهلة السلسة التي تستخدم المفردات اليومية يمكن أن نفهم رسالتها كاملة... ولكما فائق ودي وتقديري.

الزعيم
26/3/2007م