هنا فداسي

2 - من كرامات الشيخ البشير مالك

في الحفل الذي أقامه أهل فداسي لتأبين الشيخ البشير مالك يرحمه الله، تحدث الناس وأفاضوا في ذكر مناقبه ومآثره ، وذكر آخرون بعضاً من كراماته أذكر منها ما رواه البروفسور حسن محمد الزين.
يقول البروفسور كنت طالباً أدرس المرحلة الوسطى بمدينة الفاشر وكنت أقيم في منزل الشيخ البشير مالك. كانت مادة الرياضيات أحب المواد إلى نفسي ، ولما اقترب موعد الامتحان النهائي المؤهل للمرحة الثانوية، أعددت نفسي له جيداً ، وضاعفت جهدي للتفوق خاصة في مادة الرياضيات التي أحبها والتي هي المادة الفارقة بين الطلاب( فراق الحبايب) . يقول أزف يوم امتحان مادة الرياضيات التي كنت أمني نفسي بإحراز أكبر درجة فيها لتكون الـ (Top mark) في شهادتي. ويواصل القول لست أدري ما الذي أصابني يوم امتحان هذه المادة ، إذ لم استطع يومها أن أؤدي الامتحان كما ينبغي ، ولم أكن راضيا عن نفسي، وأصابني إحباط شديد وصرت أبكي بحرقة ، فإذا بالشيخ يدخل علي في غرفتي في تلك اللحظة الحرجة ، ربما يكون سمع صوت بكائي. سألني الشيخ عما يبكيني؟ فقلت له أنني لم أؤد امتحان مادتي المحببة كما كنت أحب ، فطيب خاطري ثم قال لي: (الآن انصرف لمذاكرتك ، وإن شاء الله يصير خير).

يقول البروف لما ذهبت إلى المدرسة في صباح اليوم التالي وكنت في حالة نفسية سيئة وحزين على ضياع مادة الرياضيات مما أفقدني الأمل في تحقيق نتيجة مشرفة، فإذا بالطلاب يشيعون ويتهامسون بإلغاء مادة الرياضيات، وكلمح البصر، انتشر الخبر في المدرسة انتشار النار في الهشيم ، لم أصدق هذه الإشاعة، ولم تمض ساعة إلا ويأتيني الخبر اليقين من خلال الإذاعة بإلغاء امتحان مادة الرياضيات نظراً لتسرب ورقتها.

يقول البروف لم تصدق أذني ما سمعت فقفزت فرحاً، وخطر على بالي في تلك اللحظة كلام الشيخ البشير (الآن انصرف لمذاكرتك وإن شاء الله يصير خير). يقول البروف كنت أعلم أن الشيخ يداوم على إقامة الليل في العبادة والطاعة، لكن ما لم أكن أعلمه أن خصص الشيخ تلك الليلة لي ، فاستجاب الله لدعائه وصار الخير الذي تمناه لي. يقول البروف هذه الواقعة حدثت معي بعد أن سمعت عن كرامات الشيخ البشير مع الآخرين الشيء الكثير.

3- في مناسبة عزاء بديوان الحاج عوض الكريم أبو سن يرحمه الله استسقى الناس شيخ البشير وقد تأخر الخريف وضاقت الناس والبهائم، فقام شيخ نور مخاطباً شيخ البشير بصوت جهور:" يا مولانا أسأل الله يجيب لينا المطر" فما كان من شيخ البشير إلا أن قام باستقبال القبلة بعد أن أمر الناس بالوضوء ، ومن ثم شرع في الدعاء وصار يدعو الله ثم يدعو ويطيل قي الدعاء بخشوعه ورقته المعهودتين فبكى وأبكى الناس، وما إن انتهى من دعائه انصرف مباشرة.

لم يمض وقت طويل فإذا بالسماء وقد تلبدت بالغيوم وسمع دوي الرعد ولاح البرق واستبشر الناس والبهائم وانهمر المطر بغزارة. نعم إن الأمر كله بيد لله، لكن تبقى العبرة والعظة والأخذ بالأسباب وأن لله عباداً أصفياء مخلصين إذا دعوا الله استجاب لدعائهم ونحسب - ولا نزكي على الله أحدا - أن شيخ البشير منهم لما عرف عنه من علم وعمل وتقوى وورع ومداومة على فعل الطاعات ومسارعة للخيرات.

ألا رحم الله الشيخ البشير مالك بن البشير ، فقد كان لفداسي وأهلها شمسا ونجما ، وكان نعم الشيخ ونعم المربي ونعم الأب ونعم القدوة والمثال. اللهم اجعل من سيرته قبساً على ضوئه نسير ونهتدي ، آمين آمين.

الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة وبركاته
عيداً بخيت وسعيد عليكم كلكم والعفو لله والرسول وربنا يحقق الأماني.
ما غبنا عنكم إلا لظروف العيد والسفر الداخلي. حاولت الدخول على الصفحة السابعة من "هنا فداسي" لكنها عصت واستعصت ربما يكون في نفس "هنا فدسي" شيء من طول غيابناوهجرها لمدة إسبوع أو أكثر، جزى الله حارسها الأمين الأخ مكسب خير الجزاء فقد أزال وحشتها ولم يجعلها تختفي للصفحة الثانية والدنيا عيد. وعادت للمنتدى نكهته بمشاركات الأخت الفضلى صاحبة البوست أسماء وابن أختها الشاب الفطن سامي، وازدان البوست بمشاركات كتابه الأساسيين محمد حسن والحاج هيثم ومكسب.
طاف بنا الأخ سامي والأخت أسماء القرية في صباح العيد، وقد حرمنا من متعة العيد مع الأهل زماناً طويلاً، وأصلاً العيد "ماليهو" طعم بعيداً عن الأهل والحبان. أما العيد في الغربة فلا طعم ولا لون ولا رائحة له حتى رائحة الشواء في مثل هذا العيد فمعدومة هنا وإن وجدت فليس لها نكهة. جمال عيد الأضحية يكمن وانت جالس في الديوان وجنبك "بيجاي" الصادق ود أبو شراء وصحون الشية "تتخابت" "وسراويس" المرارة "تتداقش" ورائحة الشطة الخضراء بالدكوة والـ " أتي" ما "تديك" الدرب تفتح الشهية وتطعم الشية، وجكاكة الشربوت المتلج تكمل الناقصة، وتلتفت على يمينك فتلمح الأخوين الظريفين عوض نورالدين وعوض إبراهيم يتبادلون النكات والقوم لهم ماتبعين وضاحكين، وتلتفت على يسارك وعينك "تقع" على العم أحمد حسين وقد استلقى على السرير وقد عافت نفسه اللحم، وعلى السرير المقابل ترى الأمين عوض الكريم أبو سن وهو يطالع أخيه وتوأم روحه أحمد حسين ويداعبه قائلاً" هلا هلا كل أول ليهو آخر وقد تساقطت سنونك وقعدت تعاين للحم معاينة". هكذا تستمر أجواء العيد والفرحة والبهجة والسرور تملأ النفوس المتصافية والمتحابة.

ذهبنا لشراء الأضحية بعد صلاة العيد مباشرة، ولم نذق طعم الشواء إلا بعد الساعة الثامنة مساء وعلق أخونا صديق يوسف ود رعية "أمانة ماكتلنا فيك يا سودان الشية في يوم العيد ما نضوقه إلا بعد صلاة العشاء ، ملعون أبوك يا غربة".

لم تخلو قريتنا من أحزان فقد توفي قبل العيد زوجة الأخ أحمد يوسف أحمد المصطفى (ود الكندي) والمرحوم محمد إبراهيم أبوشقة كما توفى بعد العيد العم الحاج ود عبد المحمود وتوفيت اليوم الخالة أسماء أحمد دفع الله نسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته وان يجعل البركة في ذريتهم.

أسرة مثالية
لم تنل تعليماً نظاميا قط رغم أنها أصغر أخواتها اللائي نلن قسطاً منه. زوجها رجل مكافح يبدأ يومه منذ ساعات الصباح الباكر، يركب سيارته البوكس" الهايلوكس" ويتوجه إلى المدينة طلباً للرزق ولا يعود إلا بعد صلاة العشاء. قدرت الزوجة كفاح زوجها فشاركته مسئولية تربية الأولاد، وحصرت الإرتباطات الإجتماعية(المجاملات) في أضيق نطاق . عكفت على متابعة دراسة أبنائها وتهيئة الجو لهم لاستذكار دروسهم.

تأكد للأم ذكاء ونجاح أولادها فانتابها شيء من الندم والحسرة على عدم التعليم، فصممت وعزمت على أن تلحق بقطاره. بدأت المشوار مع بناتها النجيبات اللائي لمسن عندها رغبة أكيدة فشجعنها وبذلن معها جهداً مقدراً.

بمرور الوقت وبذل الجهد استطاعت الأم القراءة والكتابة خلال مدة وجيزة، فاهتمت أكثر بأبنائها ووفرت لهم سبل الراحة وتهيئة الجو للتحصيل، كما شغفت بالاطلاع والقراءة بنهم. لم يقف طموحها عند هذا الحد ومن ثم شرعت في تعلم اللغة الإنجليزية وقطعت فيها شوطاً كبيراً. كان نتيجة هذه التربية الصالحة والمتابعة المتواصلة والحرص والاهتمام الدائمين تقديم أبناء وبنات صالحين للمجتمع فيهم ما شاء الله:
د. صيدلي محمد الطيب يوسف حاج إدريس (جامعة الخرطوم)
د. غادة الطيب يوسف (جامعة الخرطوم) (تدرس وزوجها الآن بأيرلندا لنيل زمالة الأطباء)
مهندسة هالة الطيب (جامعة الخرطوم)
مهندسة سناء الطيب (جامعة الجزيرة)
د. هناء الطيب يوسف (جامعة القضارف)

نقدم اليوم هذه الأسرة النموذجية كمثال للأسرة الناجحة وحيوا معي الأخت آسيا نور الدين إبراهيم كأم مثالية والأخ الطيب يوسف كأب مكافح، وهنيئاً لهما على حصاد ثمار غرسهما الذي تعهداه بالرعاية والاهتمام فآتى أكله طيبا.

:
الإخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة الرجل الذي تجاوز عمره الثمانين عاما والتي حدثكم عنها الأخ محمد حسن من قبل وطلب مني أن أحكيها لكم فإلى القصة التي آمل أن تكون مشوقة ومحفزة.

سافر في الأربعينات إلى أرض الكنانة مصر وكان وقتها شاباً تفيض نفسه طموحاً وتتطلع إلى المعرفة التي كانت مصر أم الدنيا أحد أهم مصادرها في بلادنا العربية في ذلك الزمان ولم تزل. دفعته عصاميته بالمجازفة بالسفر لديار لم يعد نفسه للذهاب إليها العدة الكاملة، إذ لم يكن لديه مال كاف، لكنها روحه المتعطشة للتعليم دفعته دفعاً للإقدام وإن انعدمت الوسائل والإمكانيات.

يقول لست أدري كيف ساقتني قدماي إلى محطة السكة حديد بالخرطوم وركوب القطار المتوجه إلى مدينة وادي حلفا، و لم يكن في جيبي سوى قليل من النقود لا تكفي للسفر والإقامة. توكل الفتى الطموح على الله وذهب إلى قاهرة المعز وثقته في الله هي الزاد. وصل الشاب إلى القاهرة وعانى أول أمره إلى أن قيض الله من يأخذ بيده في تلك الديار البعيدة، بسم له الحظ حين التقى هناك أحد أقاربه عن طريق الصدفة فرحب به بعد أن علم مقصده ودعاه للإقامة معه في شقته.

التحق الشاب بأحد المعاهد توج كفاحه فيه بحصوله على درجة الدبلوم في العلوم الزراعية عاد بعده إلى السودان. عمل بعد عودته في مجال دراسته وتنقل في مدن عديدة بالسودان. بعدها هاجر إلى ليبيا في مطلع السبعينات وقضى بها سنين عددا، ثم رجع منها إلى السودان، وحاول الهجرة إلى أمريكا للعمل عدة مرات ولم يوفق وما زال مصراً على الهجرة إليها وقد تجاوز عمره الثمانين عاما، وفي انتظار تحقيق حلمه المؤرق ، لم تقعده الشيخوخة عن الطموح ولم يفقد الأمل فهو لا يعرف اليأس أبداً فالتحق بإحدى الجامعات السودانية منتسباً والآن في عامه الثاني أو الثالث على ما أظن.
ليس غريباً على الأخ خوجلي محمد أحمد الخضر إصراره على الهجرة إلى أمريكا والتحاقه بالجامعة بعد هذا العمر المديد‘ إذا عرفنا أن جده الخضر ود الإمام الذي توفي منذ مائة عام تقريباً ، وكان هو الآخر متطلعا ومطالعا للصحف والمجلات المصرية ، وكم منى نفسه برؤية لندن وكان دائماً يقول " إن شاء الله كان ما شفت لندن ما أموت".

نقدم هذه اللمحة عن كفاح الأخ خوجلي كنموذج لجيل الشباب لعلهم يستلهموا منه معنى الإصرار وقوة الإرادة وعلو الهمة، مع خالص دعواتنا للأخ خوجلي طول العمر وتحقيق الأمنيات. وقديما قالوا:" لو تعلقت همة المرء بالثريا لنالها".