|
Re: باقان اموم في صراحة بلا حدود حول احتمالات الانفصال(1) (Re: Mustafa Mahmoud)
|
السودان بين انفصال الجنوب وتحوله إلى دويلات محمد الحسن احمد يصعب على المرء هذه الأيام استعراض وتحليل ما يجري في السودان بسبب المواقف المتناقضة التي تصدر من دوائر الحكم العليا، إن في المؤتمر الوطني الذي يقوده البشير أو الحركة الشعبية التي يتزعمها سلفا كير وهي مواقف في غاية الخطورة ولا تنبئ إلا بشر مستطير، وكذلك يتم التراجع عنها أو محاولة التقليل من اثرها وكأنها لم تصور إلا في مسالك مناورات ليس هذا مجال استخدام مثل هذه الأوراق فيها!
لنبدأ بأخطرها ولعله آخرها عند كتابة هذا المقال وهو ان القوات المسلحة السودانية اصدرت قراراً بمنع السفن المحملة بالبضائع من الشمال التوجه إلى المدن الجنوبية عبر الخط النهري الوحيد الذي يربط بين شمال السودان وجنوبه من خلال نهر النيل الأبيض. وتجيء هذه الخطوة الخطيرة ضمن الازمات القائمة بين القوات المسلحة من جهة والحركة الشعبية من جهة أخرى. وفي اليوم التالي مباشرة أصدر علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية قراراً بإزالة معوقات انسياب حركة التجارة والتواصل بين الشمال والجنوب. ودعا إلى معالجة كل الاختناقات، وقال: إن ما يدور مؤذٍ لقضية وحدة السودان والوجدان الوطني. ولا ينبغي ان يقف الأمر عند وصف ما حدث بأنه مؤذ لقضية الوحدة والوجدان السوداني انما يتعداه للمحاسبة الجادة والصارمة، لان ما حدث بالفعل يعتبر محسوباً على الشمال في تحمل مسؤولية التحريض على الانفصال.
كذلك فان تلك الخطوة قد اعتبرها المراقبون محاولة لنسف الاجتماعات التي بدأت في الخرطوم تحت رعاية نائب رئيس الجمهورية بين الحركة والمؤتمر الوطني لمعالجة كل اسباب الاحتقان والصراع. وهي خطوة محسوبة على القوات المسلحة والسلطات الاقليمية في ولاية النيل الابيض بمزاعم أمنية. بينما اعتبرتها الحركة الشعبية فرض حصار اقتصادي على الجنوب من جانب حزب البشير. ويبدو ان الأمر لم يكن قاصراً على النقل النهري، فقد قال امين الحركة الشعبية بعد لقاء له مع السفيرة البريطانية في الخرطوم: ان تعليمات قد صدرت من الحكومة بمنع حركة البواخر النيلية بين مدينتي كوستي شمالا وجوبا جنوباً، وكذلك الشاحنات والعربات التجارية المتجهة إلى مناطق الجنوب ما يعتبر بمثابة حصار اقتصادي غير معلن على جنوب السودان.
يحمد لعلي عثمان محمد طه تحركه السريع بإيقاف ذلك التصرف الذي لا يليق ولكن الجهات التي اصدرت حصار الجنوب تجاريا واقتصاديا يلزم ان تخضع للمحاسبة أياً كان وزنها ووضعها، لأنه ليس من اختصاصها ان تضع اتفاق السلام على حافة الانهيار بهذا الخرق الواضح لاتفاق السلام ولدستور البلاد. فتلك مسألة لا يجوز بأي حال من الأحوال ان تخضع لقرارات لولاية أو لمجلس أمن يتبع لإقليم بعينه أو للقوات المسلحة. من هنا فإن المحاسبة واجبة عبر تحقيق دقيق عادل وأمين قطعا لدابر كل الشكوك، إذ ان هناك الكثير من التصورات التي تملأ الأفق بالكثير من علامات الاستفهام.. هناك من يتصور انه ما كان لتلك الجهات أن تصدر مثل تلك الأوامر بمعزل عن قوى مركزية عليا، وان الامر يدخل في عداد الضغوط والابتزاز وما الى ذلك ضد الجنوب في سياق الاحتقانات الراهنة. وهناك من يتصور ان البلاد تحكم كجزر معزولة كل قوى تحاول فرض ما تريد غير عابئة لا بقانون ولا بغيره من سلطات. وهناك من يعتقد ان هناك فوضى ضاربة اطنابها في البلاد لغياب استراتيجية واضحة تحكم مسار الحكم عبر مؤسسات تدرس وتقرر، وإنما هناك جهات تقرر بلا حسيب أو رقيب وعلى الآخرين تزيين ما تفعل وتبريره والدفاع عنه.
لكل هذه الأسباب مجتمعة فإن ما يؤذي وحدة السودان والوجدان الوطني على حد تعبير علي عثمان ليس بالأمر الذي لا يجب التوقف عنده وتصحيحه ومعاقبة من تسبب فيه والتأكد من عدم تكراره مرة أخرى، ولكن المصيبة الكبرى ان التصريحات المتلاحقة من الجانبين وعلى أعلى المستويات لا تكاد تتوقف وكلها أو جلها تصب الزيت على النار كما يقولون. فأحدث تصريح لسلفا كير في واشنطن اتهم فيه البشير بمحاولة «شراء الجنوبيين بالمناصب والأموال. ونحن نرفض ان يشترينا أي شخص بمنصب وزاري أو اغراء مالي»، ووصف كيف ان البشير ارسل اليه طائرة خاصة لتقله من الجنوب الى القصر الرئاسي في الخرطوم دون ان يسمح له بالمرور على منزله، لحضور اداء بعض الوزراء الجنوبيين القسم، وهو رفض الاشتراك في المناسبة، وقال للبشير ان مطالب الحركة أكثر من تعيين وزير أو اقالة وزير، واعتبر ما حدث في القصر الجمهوري اساءة واحتقاراً.
وبالرغم من كل التطورات السلبية فان سلفا كير اعلن رفضه اعلان الانفصال من جانب واحد وانه يفضل الانتظار حتى نهاية سنوات الاتفاق ليختار الجنوبيون بين الانفصال واستمرار الوحدة مع الشمال، ومع ذلك عند لقائه الامين العام للأمم المتحدة طلب منه منح الجنوب عضوية في الأمم المتحدة بصفة مراقب. وعقب لقائه وزيرة الخارجية الاميركية قال انه ينبغي على الولايات المتحدة التدخل لحل الأزمة بين طرفي السلام واستدرك قائلا: لم أطلب منهم المساعدة لكنني اعتقد ان من واجبهم التدخل، لان دورهم في التوصل الى الاتفاق الشامل للسلام كان مهما وكبيرا، لذا اعتقد انه يتعين عليهم التدخل من اجل حل الازمة. على الجانب الآخر فإن الحكومة ترفض أي تدخل للتوسط بينها وبين الحركة وفي نفس الوقت فإن الآليات المنوط بها العمل على حل الخلافات تبدو معطلة او غير قادرة على تجاوز المسائل المعلقة والمعقدة ومع ذلك فان المرء يسمع بين الفينة والأخرى ما يشي بالتزام الجانبين على الوصول الى الحلول المرتجاة وان تعميمها غير قابل للانهيار.
الحقيقة التي لا شك فيها ان الطرفين في حالة من عدم التوازن في المواقف والاتزان في السلوك الذي ينبغي ان يكون عليه حال الدول الرشيدة والتي تتصرف بمسؤولية كاملة، ويخشى المرء ان تقود حالة عدم التوازن والاتزان الى لحظة انزلاق لا ينفصل فيها الجنوب عن الشمال فحسب وإنما يتفكك كل السودان.
|
|
|
|
|
|
|
|
|