بائعات الشاى و ممارسة الرذيلة فى دولة المشروع الحضارى

Quote: بائعات الشاى ام بائعات الهوى؟ قراءة في موقف البصير أبو حمد إن عثرت بغلة..!! القرّاء الكرام.. أستميحكم عذراً هذا الاسبوع في الخروج على دارج نقاشنا حول جدوى خروجنا من القطرميز.. رغبة في التحديق في الفكر الذي أحكم أسرنا فيه.. وإنتصارا لعرق النساء الكادحات اللاتي رفدن حياتى بالجميل من المعانى النبيلة.. قراءة على خلفية المؤتمر الذي دعا اليه البصير أبو حمد الصحافيين والمهتمين بالامر على تداعيات نقل وتبديل اماكن وقوف المركبات العامّة, والذي تضمن تصوراته الحكيمة في تحويل مجتمع بائعات الشاي الى مجتمع فاضل! وأنا وإن كنت كغيري من الزملاء الذين خاضوا في هذا الامر لا نرى في الامر أكثر من ترحيل للازمة من مكان الى آخر.. الا إننى ما زلت عاجزة عن فهم كيف يمكن أن تحل هذه التغيرات أزماتنا الاخلاقية.. وما هي القيم الجديدة التى تتعلمها بائعة الشاي من العمل في دكان الحكومة بالكراسي المؤجرة, أعني عدا دفع الضرائب والعوائد والنفايات والماء والكهرباء.. اللهم إلا إن كانت الحكومة ترغب فى الحصول على نصيبها من منح الامر شرعية مكانية بقرار جمهوري! أي طريقة في التفكير تلك التى تظن أن دكان الشاى بوسعه أن يصون أحداً.. وحتى متى نظل في شرك التعميمات الجزافية وفوضى الاختصار والتشويه بإطلاق النعوت النابية على وظائف بعينها في بلد تحيي فيه الشائعات وتميت.. بائعات الشاي كغيرهن من البشر في المهن المختلفة عرضة لامتحان أخلاقي قد ينجحن فيه أو يرسبن معذورات عملاً بقول القائل: إن كنت تفقر شعبك وتجيعه وتقهره فإنك تصنع المجرمين لتعاقبهم.. عفا الله عن المخطئات وويل للبصير ابو حمد من سؤال يوم الدينونة لم لمْ يسوّى لهن الطريق؟ ذات العينين الزرقاوين.. رواية تكاد تجزم أن غوركي كتبها عقب مؤتمر مشابه.. تناول فيها هواجس الضابط الذى يستخرج بطاقات العمل للعاهرات, حين استوقفته سيدة بعينين زرقاوين لا تشبه هذا العمل تأففا وكبرياءً.. ظل حاضرا طوال القصة في كل شجار بين بنات الليل: لست مثلك! أنا مضطرة لهذا العمل.. عبارة كررها غوركى كثيراً وظنها الضابط محض ادعاء لخلق توازن ما للذات غير انه سرعان ما اكتشف في نهاية القصة أن السيدة كانت مضطرة للعمل لترعى طفليها فى أفقر الحقبات التاريخية فى روسيا.. مما جعل غوركى بقلمه يخلع للضابط قبعته ليحييها.. المكان: سلّم أبو الهول.. الطريق المؤدية الى السطح.. الزمان: كل الصباحات التى يؤذن فجرها فى جوع العيال ومسغبتهم... في أعلى السلم.. كانت تجلس الحاجّة (الشريفة) زينب قبل أن يتم نقلها الى مبنى كلية الصيدلة بالكلية الاعدادية بواد مدنى بقرار من يريد أن يستأثر بالحكمة والدعوات الصالحات لوجه لا يعرف غير الابتسام.. يجلس على ككر القلوب دون إذن من سلطان.. الذين يعرفون الحاجّة زينب يعرفون أنها الارادة التى لا يقهرها المطر ولا زمهرير الشتاء ولا الصيف الذي لا يكفّ حرّه من العرق الحلال.. في شتاء الغربة عن الاهل كانت الصدر الذى يدفئ والنصيحة التى تنسرب الى القلب من شخص يخاف عليك لأجلك لا لأجله فيعلمك بصدقه المشى والحذر.. غير مغتاب ولا نمّام ولا يمن عليك بما فتح الله عليه من الحكمة فيرشدك فى فوضى جنونك على طريقة وضوء الحسن والحسين.. يغسل ببرد مائه حرج الجهل وطيش الشباب. علمتنا الحاجة زينب بصمتها الدؤوب ان نخجل من ثرثرات كسلنا المرفّه عن التحصيل الاكاديمي كلما اصابتنا لوثة الاهمال.. تنام في أسمالها قريرة العين أخالها تحلم بالرسول الذى يحثّها شوقها إليه فتصرّ في طرفها من قوتها ما يضئ حلمها الوحيد.. اللهم إنّا نبرأ إليك من ظلمها وأخواتها.. فلربّما لم يبق همّ العيش من الذنوب تحت هذه الاسمال الا فم لو أقسم على الله لأبرّه. المكان: الركن الاكثر إرعابا في باحات المصحات النفسية على الاطلاق.. بين الذين سوّلت لهم إعاقتهم العقلية حتى القتل.. فكسروا يدها وأصابوها بتمزّق في الكلى وحرق في الظهر وحطّموا أوانيها وما زالت معهم.. الدائن الرحب الذي لا تحين دينونته والام الحضور في ساعات الاحتياج.. الزمان: ساعة الامراض المزمنة ومسؤولية الاطفال الايتام والرجال الذين يهربون الى الحرب, الجنون أو الموت.. تعمل الخالة أم ضيفان منذ ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر الى آخر النهار يومياً دون كلل فى إنكار ذات عالٍ, حتى أنّها تخشى أن تهدر دراهمها في شراء عقار الضغط الذي تحتاجه أو لقاء الطبيب.. فتدّخره لأنين عيالها.. اللهم إنّا نبرأ اليك من ظلمها اللهم آمين.. المكان: الركن الشحيح بالظل في ناصية الشارع الذي أقطن فيه.. الحاجّة حواء.. تأتي من أقاصي المدينة تسعى لرزق عيالها, تحمل فى كتفها معدّات مهنتها.. فكيف تستطيع السير مع بهتان سينقض ظهرها ويجرح طهرها ويعسر رزقها؟! الأمكنة: ما أكثرها والشريفات كثر في وجه الزمان الصعب, والازمنة ما دق العظم وأذاب الشحم واضاع النخوة وقصّر الهمّة.. وذهب بقوت العيال.. الى الحاجّة فاطمة وونّاسة وام أحمد وحارنة وحواء واللاتى أعرفهن ولا أعرفهن.. والى اللاتى بلغ جهدهن في سمع الاجيال مارفعهن وأكرمهن فكرمتهم المؤسسات التعليمية والوزارات لعظيم صنيعهن.. كالخالة بوزارة الصحة الاتحادية والخالة التى خرجت إثني عشر ولدا فكرّمها مهرجان الضعين الثقافي... على ثقل حمل هؤلاء وضع البصير أبو حمد بهتانه عارا تنوء له الجبال, فمتى يولى وهن هذا الحمل؟! اذا اردنا ان نتحدث عن مسببات الانحرافات الاخلاقية فى المجتمع هل يمكن أن نكتفى بالحديث عن الفقر والجوع والجهل والمرض والتفكك الاسرى وانعدام الدعم والثقافة المجتمعية فحسب أم علينا ان نتتبع هذا الانسان منذ حملته امه كرها ووضعته كرهاً؟! قضية التفسخ الاخلاقي هي اكبر من ان نمسكها على هون او ندسّها في رماد كوانين البؤساء. كما انها ليست بسذاجة ان تتبخر مع الرماد والكراسي والدكاكين الحديثة.. انها هناك في الذات الانسانية غائرة عند الحدود التي ترى فيها نفسك شخصاً كريماً ام لئيماً.. الطريقة التى تبصر ذاتك فتحسن تقديرها وقديما قيل ليس بالخبز وحده يحيى الانسان وتجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها. فقط الذي يجعلك تفضل الجوع على الرزيلة ليس قرار جمهوري بقدر ما انه نتاج للذات التي استعرت تحت لهيب التجربة فتوهّجت.. الآن فقط فهمت ما قرأته فى إنجيل برنابا قبل سنوات (ولا تسمح بوقوعنا في التجارب..).. وفي آثارنا الاسلامية, لا تتمنوا لقاء العدو وسلو الله العافية... ترى لو كان أي شخص منّا, في ذات الموقف الذي يسرق اللسان والاحسان ما عسانا كنّا فعلنا.. للذي منح الحكمة ان يسد فمه ويكفّ حجارته حتى ينظر الى خطيئته فإن كان بغير خطيئة فليلق اليهن بحجر... ونواصل الخروج من القطرميز. د. ناهد محمد الحسن