|
إنتحار جين لوكياموزي
|
هل تومض نفس اثقلها الحزن : ( من اين آتي بالكلام الفرح ) ورسالة من الأخ مساوي رشيدي من زنزبار أو زنجبار تقول إن جين لوكياموزي قد انتحرت .. تناولت كمية من الأقراص المنومة وختمت وجود أربعة وعشرين عاماً من حياتها في هدوء . كما تسللت داخل رحم الحياة تسللت خارجة منها دون أن يلاحظ أحد ذلك الا القلة التي عرفت جين لوكياموزي . في يوم كانت طيور النورس تحلق بأجنحتها بعيداً عن المرفأ القديم في ساحل جزيرة زنزبار وظلال المساء الزاحفة بأشباح طويلة كانت ترسم نفسها باستمرار علي إمتداد الساحل … وقفت أرقب الأفق الذي كانت تقف بيني وبينه بعض من سحابات الشتاء الرمادية اللون … قلت لجين لوكيا موزي : - هل يزحف الشتاء على هذه السواحل بقسوة كما يفعل في المناطق الأخرى … أجابت : الشتاء هنا .. يحمل معه الأمطار الغزيرة – ولكن الدفء موجود … فمنذ القدم كانت هذه الأرجاء تستقبل الشتاء كما تستقبل السفن القادمة من بعيد – الشتاء عندنا يأتي علي ظهر سفينة ويمكث هنا بعض الوقت ولا يتخلف عن موعده أبدا … طيور النورس واللقلق والخرشنة تأتي في المقدمة وهي تجر من خلفها المركبة الشتائية .. ومضت فترة لم نكن نتحدث فيها ، خيل الى أنني كنت استعرض في ذهني شريط الأحداث التاريخية التي مرت علي ذلك الساحل … ففي السابع والعشرين من اغسطس عام 1896 شهد هذا الساحل اقصر حرب في التاريخ . فقد شنت بريطانيا بقيادة الادميرال سير هاري روسون حرباً بدأت في الساعة التاسعة والدقيقة اثنين في الصباح وانتهت في الساعة التاسعة والدقيقة اربعين - اى 38 دقيقة – علي سلطان زنزبار السلطان سعيد خالد – وقد انتهت الحرب باستسلام السلطان ومنح الادميرال نجمة زنزبار … - وقد تحسر البريطانيون جداً علي هذه الحرب القصيرة وتحسروا اكثر علي ذخيرتهم التي استعملوها في اقصر حرب في التاريخ ولذلك امرت الحكومة البريطانية سكان الجزيرة بدفع قيمة الذخيرة التي استعملت في الحرب ضدهم . وقد قال الادميرال سير هاري روسون مبرراً هذا القرار . - هؤلاء السذج ما كان لهم ان يحاربوا جيش الامبراطورية لهذا الزمن البسيط .. وعليه سنجعلهم يدفعون قيمة الذخيرة التي اهدرت بدون مبرر . جين تقول : هذا الساحل … شهد احداثاً تاريخية هامة .. فقد جاء قدماء المصريين هنا قبل 600 سنة قبل ميلاد المسيح وحملوا معهم كميات كبيرة من الفواكه … والرحالة ابن بطوطة الذى زار هذه المناطق في عام 1328 توقف في ممباسا وذكر انها كانت مدفونة وسط اشجار الموز والليمون … اما البرتغاليون فقد أحضروا معهم عينات كثيرة من الفواكه .. تركوها خلفهم في هذا الساحل الشرقي لافريقيا ..هكذا تقول كتب مناهجنا الدراسية. جين تلتفت نحوي وتقول : - هل رأيت ممباسا ؟ قلت : نعم قالت : كان لي صديق من ممباسا … قابلته في اروشا .. ( العاصمة المقترحة لدول شرق افربقيا في ذلك الزمان وتقع على حدود تنزانيا وكينيا ) .. كانت اياماً جميلة عظيمة .. لكنه اختفي الان … لم تبق الا بقايا ذكريات اجترها كما تجتر الشاة الكآبة … لماذا يختفي الناس الطيبون ولا يعيشون الا في ذاكرتنا ؟ لماذا لا نجدهم دائماً … اصحابنا المسافرون هل تري سيعودون … وهل سيعرفوننا ؟ .. الم يكن لك صديق او صديقة مسافرة ؟ قلت : نعم قالت : هل تفتقدهم .. ؟ قلت : كثيراً جداً قالت : انا منذ ان فقدت صحابي … فقدت القدرة على الاستمرار .. الحياة كذبة كبرى ، انزو من نيجيريا طحنته الحرب الاهلية في بيافرا وتناثرت اشلاؤه في العراء … نيانقا … هاجر الى امريكا … جوموكالا .. اختفي في ممباسا … وهكذا … الطيبون يعيشون فترة وجيزة … انظر ستجد الاف التافهين من حولك يزيد عددهم لكنهم لا يتناقصون ابداً .. وأنت.. لقد تقابلنا في نيروبي .. أليس كذلك؟ - نعم. - ولكنك بعد يومين ستغادر. وسأبقى أنا لأشغل نفسي بقضايا الحزب الآفرو شيرازي الذي فرض علي الإنتماء له. جين تتحدث . صوتها في تلك الليلة كان صدي أرقي المحموم … احسست به في الاحشاء يملؤني هماً ورغبة .. والأشياء تجذب بعضها .. كانت ظلال كلماتها ممدودة على المرفأ .. طويلة تمتد الى ما بعد البحر … والليل يهبط فوق جزيرة زنزنار ويندلق على صدورنا كالزيت – هناك حيث تولد المدن كالاحلام وحيث يموت الفعل داخل المحار … وحيث تذوب القدرة في حفنة من رمال الساحل … كان صوتها تلك الليلة صدي نفسي المنكسرة منذ اعوام . والان … تموت جين لوكياموزي … تنتحر … وتضع خاتمة لعذاب وجودها … فهل تومض نفس اثقلها الحزن؟ … ومن اين اتي بالكلام الفرح ايها الصحاب … معذرة … فلقد تحاورنا مثيراً وتكلمنا كثيراً وامتطينا صهوة الامواج كثيراً في تلك الليلة كانت جين تبكي صحابها المسافرين .. ولأول مرة اشاهد الدموع بهذا الحجم .. الدموع المختلطة بقطرات المطر الشتوي والابخرة المالحة … نقية كقطرة المطر … ساطعة كالنجم الموغل في جوف الظلمة … رائعة كأروع ما تكون الروعة … لكنها تنتحر ألم يقل مساوي رشيدي في رسالته ذلك؟ وتظل عالقة بروحي تلك الدموع كالهزيمة .. اذوق فيها طعم الملح وطعم الحزن . ايتها السحب الممتلئة كنساء جزيرة مدغشقر … يا وهج نفسي المنطفئة منذ سنين هل تقتلني رياحك القارسة ام أن اوراق الاشجار السامقة نحو الاعالي ستأخذني في حضنها … ترضعني من اثدائها . زهو ايامي المقبلة … قاسية تلك اللحظة .. اللحظة التي تصل فيها رسالة تقول ان جين لوكيا موزي قد انتحرت وان الشتاء يزحف مرة اخري ولكن بقسوة هذه المرة… ( من مفكرتي الأفريقية لعام 72- 1975م) عندما كنت اعمل عضواً في هيئة المتاحف الأفريقية)
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إنتحار جين لوكياموزي | Rayah | 10-14-07, 08:32 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | سلمى الشيخ سلامة | 10-14-07, 09:01 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | شهاب الفاتح عثمان | 10-14-07, 09:58 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | Salah Musa | 10-14-07, 10:18 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | Rayah | 10-15-07, 03:13 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | Rayah | 10-14-07, 11:27 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | Manal Mohamed Ali | 10-15-07, 03:36 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | munswor almophtah | 10-15-07, 05:36 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | Rayah | 10-15-07, 06:21 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | munswor almophtah | 10-15-07, 08:23 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | ودرملية | 10-15-07, 08:54 PM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | خالد عويس | 10-16-07, 06:46 AM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | EL fahal Abdelatif | 10-16-07, 08:07 AM |
Re: إنتحار جين لوكياموزي | Rayah | 10-17-07, 06:11 PM |
|
|
|