ملخص: خطاب الاستاذ باقان أموم في منطقة واشنطن 29 سبتمبر 2007

Quote: * دأب القادة الجنوبيون على إطلاق تصريحات بين الفينة والإخرى تعيد التذكير بعلو طموح الإنفصال وسط عامة الجنوبيين، وبالطبع ليس لأحد حق الحجر على الجنوبيين في تقرير مصيرهم، وبالتالي مصير وطنهم السودان في أن يظل موحداً بأقاليمه وبشره وحدوده المو######## من الاستعمار الإنجليزي المصري، أو إنشاء دولتهم في حدود المديريات الجنوبية المعروفة تاريخياً باسماء بحر الغزال وأعالي النيل والاستوائية، فقد أقرت اتفاقية نيفاشا هذا الحق ولم يعد من سبيل للتملّص منه، واعتمدته قبلاً وثيقة التجمع الوطني الديمقراطي المعروفة بإعلان مباديء أسمرا 1995 واقتنعت به كل القوى السياسية تقريباً عدا حزب التحرير الذي يسعى لقيام دولة الخلافة الإسلامية ليس في حدود السودان فحسب بل لتشمل كل بلاد المسلمين، وكذلك منبر السلام العادل، الذي يدعو لتقرير مصير مضاد، أي أن يقرر الشماليون الإنفصال عن الجنوب. * إذاً، أضحى هذا الحق هو الوثيقة السياسية المتداولة بين كل الفصائل السياسية السودانية، ولأن الاتفاقية قد حدّدت أجله بعد ست سنوات من سريان الفترة الإنتقالية التي إبتدأت في 9 يوليو 2005، فإنه من نافلة القول إعادة التذكير برغبة الجنوبيين في الإنفصال كلّما حزب أمر الشراكة بين الحركة والمؤتمر الوطني، إذ ليس خافياً على القادة الجنوبيين عموماً أن المؤتمر الوطني لا يمثل أغلبية الشماليين، بل هو في الواقع يمثل خصماً إن لم نقل (عدواً) لتطلعات وآمال جل المواطنين الشماليين، لذلك فإنه من الواجب لفت نظر الجنوبيين إلى نقطة مهمة، وذلك عن طريق طرح التساؤل المباشر عن هل يرغب الجنوبيون عن الوحدة مع كل الشماليين أم هم في الواقع يعبّرون عن أستيائهم من ممارسات المؤتمر الوطني؟ فإذا كانت الأولى، أي أنهم لا يرغبون في الاستمرار في العيش في وطن مشترك مع كل الشماليين فهذا شأنهم ومن حقهم بالطبع رفض مجمل الشماليين، أما إذا كان الأمر تعبيراً عن استياء من ممارسات حزب واحد جعلته ظروف التآمر والانقلاب على سدة الحكم لفترة هي الأطول بين الحكومات منذ الاستقلال، فإن المسألة تأخذ وجهاً آخر ليس أقله تشديد النضال المشترك من أجل حمل المؤتمر الوطني على تعديل سلوكه المراوغ والزامه جماعياً بالاتفاقات والعهود، وقيادة حملات وعي وتنوير لنشر وبسط ثقافة السلام، والعمل جنباً إلى جنب مع كل الفصائل والمجموعات السودانية الساعية لذات أهداف الحركة الشعبية وهي بناء السودان الجديد على أسس العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية وكفالة وصون حقوق الإنسان، وهذه القيم تنادي بها معظم القوى السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني ذات الغلبة الشمالية وليس أدل على قناعات مجموعات واسعة من الشماليين بأطروحات تغيير السودان وبنائه على أسس السودان الجديد من انضواء مئات الآلاف إن لم نقل ملايين الشماليين تحت لواء الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان، فهل يعتقد الجنوبيون أن كل هؤلاء مخاتلون، وهم في نهاية الأمر لا يتجاوزون محطة أنهم (مندكورات ساي)؟؟ إذا كانت نظرة الرفاق في الحركة الشعبية هي تجاهل ثقل ووجود ونضالات واسهامات هؤلاء الشماليين في حركة التحرير الثورية، وإضافتهم كوتة واحدة لزمرة المؤتمر الوطني، فهذه مصيبة كبيرة، بل ردة فكرية تستوجب الوضوح والصراحة. ذلك أن تواتر تصريحات قادة الحركة بما يشبه التهديد بخيار الإنفصال مما يفقد هذا الحق مضمونة ويجعله يبدو وكأنه ورقة إبتزاز لا داعي لها، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الاتفاقية نفسها قد ألزمت الطرفين على جعل خيار الوحدة جاذباً، فإن مماطلة الطرف الآخر وهو المؤتمر الوطني لا تعني أن كل الشماليين يقبلون بهذه المماطلة والتسويف والابتزاز الذي يمارسه المؤتمر الوطني، بل على أرض الواقع نجد أن معظم القوى السياسية السودانية تبدي اهتماماً وحرصاً على انفاذ الاتفاقية وقيام دولة المواطنة العادلة والديمقراطية وتقدّم التضحيات اليومية في سبيل بلوغ هذه الغاية، وتعج صفحات الصحف يومياً بعشرات المقالات والآراء الحاضة على الالتزام بالاتفاقية والشاجبة لممارسات المؤتمر الوطني والمؤيدة لاطروحات السودان الجديد، وكتاب هذه الآراء من الشماليين المتفقين مع رصفائهم الجنوبيين على ضرورة تغيير عقلية الهيمنة والاستبداد تحت أي غطاء جاءت، وتحت أي مظلة حدثت، فلماذا لا يلتفت قادة الحركة الشعبية وعامة الجنوبيين لإخوانهم هؤلاء، والتركيز فقط على إعادة القول عن رغبة الجنوبيين في الانفصال، وكأنما استسلم الجنوبيون للمؤتمر الوطني ولم يعودوا يهتمون بما يفعل بإخوانهم الشماليين الذين تسيمهم برامج وممارسات وسياسات المؤتمر الوطني العذاب يومياً؟ أسوة بما تفعله بالجنوبيين. * نعم، من الواضح أن المؤتمر الوطني غير راغب في سلام حقيقي، وتحول ديمقراطي كامل، واحترام لحقوق الإنسان باعتباره إنساناً قبل أي تصنيف آخر، ولكن هذه المعضلة وهذه الانتهاكات يعاني منها ملايين الناس في دارفور وكجبار وأمري وبورتسودان ومدني والفولة والنيل الأزرق وجبال النوبة، وكل هذه المناطق وكل هؤلاء الناس من الشماليين، فهل يود الجنوبيون الإنفصال عن كل هؤلاء لمجرّد أن السلطة والهيمنة الآن لدى حفنة تمثّل أقلية وسط الشماليين أنفسهم؟! إن رغبة الجنوبيين وحقهم في الإنفصال كان سيكون أمراً طبيعياً ومنطقياً إذا كانت السلطة في السودان (ديمقراطية) كاملة، وكان نهجها إنساني مدني يقوم على أسس المواطنة، ومع ذلك قرر الجنوبيون الإنفصال لنيل مزيد من الحقوق، أو لتحقيق ذاتية جنوبية بخصوصية ثقافية أو عرقية أو دينية، أو وقع العكس وفي هذه الحالة يمكن القول بأن الشماليين عبر اختياراتهم الحرة قد جعلوا الجنوبيين مواطنين من الدرجة الرابعة كما قال الفريق سلفاكير.. أما والحال المعلوم الآن من هيمنة فئة لا تمثّل الشماليين ولا يرضى بسياسات معظمهم، فإن على الجنوبيين توضيح موقفهم بشكل أكثر دقة ووضوح في هذه الناحية، فإن كانوا لا يريدون عامة الشماليين لأنهم شماليون غض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية فهذه تختلف عن رمي غالبية الشماليين بداء أهل المؤتمر الوطني وهم منهم براء. * عموماً، إن أطروحة بناء السودان على أسس جديدة ليس معنياً بها جنوب السودان وحده، كما أن دولة المواطنة واحترام حقوق الإنسان لا تخص الجنوبيين فحسب، فمعظم المجموعات السودانية تتوق لهذه المباديء وهذه القيم، وإذا جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال وقيام دولة جنوبية مستقلة فإن الشماليين- في تقديري- لن يركعوا ساجدين لهيلمان وسطوة وقهر المؤتمر الوطني، بل على العكس، سيكون المؤتمر الوطني لحظتها يمثّل أخطر أعداء السودانيين لأنه تسبب في تشتت وانفصال جزء عزيز وكريم من الوطن، ولن تغفر الأجيال القادمة للمؤتمر الوطني هذا الصنيع، هذا عدا التطوّرات المتوقّعة لجهة قيام حركات انفصالية في أكثر من جزء من الشمال نفسه!! فهلاّ قرأ اخواننا الجنوبيون هذه المعادلة بشكلها الصحيح، وحددوا بشكل واضح موقفهم من الوحدة والانفصال، ليس بناءً على مواقف المؤتمر الوطني، ولكن على ضوء حقائق التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة، إذ عندي أن ما يربط بين السودانيين من مختلف أنحاء الوطن أكبر بكثير من جعله رهناً لممارسات فئة لم تحز على رضا الأغلبية، ولو انفتحت الساحة بالحريات لتضاءل حجم المؤتمر الوطني إلى حفنة لا تتعدى على أكثر الفروص نسبة (1%) من مجموع السودانيين، ولا يغرنّك حشود الموظفين، والانتهازيين فهؤلاء لا يمثلون سوى (جيوبهم) ومصالح أكل عيشهم أما خياراتهم الحقيقية فهي مع هموم وجموع شعبهم!! إذاً، فالنعمل معاً شماليين وجنوبيين على استعادة حقوقنا السليبة كبني آدميين، ولنتضامن سوياً من أجل تنفيذ اتفاقية السلام بنزاهة وإخلاص، فهذا أنفع وأجدى من التلويح بكرت الإنفصال الذي لن يفيد في مثل هذا الواقع كلا الطرفين، الشمال والجنوب.. كما أن المؤتمر الوطني، المعني فيما يبدو بهذه التصريحات، تسعده مثل هذه المواقف من الجنوبيين، ببساطة شديدة لأن فكرة وقيادة وعقلية المؤتمر الوطني هي عقلية وتفكير (منبر السلام العادل) الذي يرى في الجنوب سرطاناً لا بد للبرء منه فهل يصدّق الجنوبيون فرية هؤلاء العنصريين؟ خالد فضل