مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 08:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2007, 10:11 AM

shaheen shaheen
<ashaheen shaheen
تاريخ التسجيل: 11-13-2005
مجموع المشاركات: 5039

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) (Re: shaheen shaheen)

    ورقة د/ ناهد :-
    الاسقاطات النفسية لقضية الهويّة فى الاحاجى الشعبية

    د ناهد محمد الحسن على
    مقدّمة :
    منذ ان ارست (تركيا) فى السودان اولى هياكل وملامح الدولة القوميّة , بدأت تتشكل فى السودان بذرة وعى جديد بالهوية الجامعة والمحاطة بحدود تفترض تمايزنا عن من هم خارج هذه الحدود.وممّا لا شكّ فيه ان هذا الوعى قد نضج وتشكل تحت سعير المعارك التى خاضها السودانيون كإخوة ضد الاستعمار التركى تحت راية وحيدة هى راية الامام المهدى , نزفنا تحتها لاجل وطن واحد يسع الجميع .وفى عهد الحكم الانجليزى _المصرى , اكسبت المعارف الانسانية التى تطورت وقتها بالعلم والتجارب المشابهة فى افريقيا والعالم الكبير , الوعى بالهوية القومية بعدا قيميا آخر, تؤدى فيه الهوية وظيفة نفسية هامّة تدافع عن الذات الانسانية وتحميها .
    والآن وبعد نصف قرن , لازالت الهوية فى السودان سؤال اسلحته مشرعة , فى وجه النوايا المريبة . فهل ضقنا برحابة التعددية الثقافية والاثنية وفشلنا فى ادارة هذا التنوع الثّر , تحت دثار الاحادية الثقافية الضيقة ؟! ام اننا لا نعى حقيقة من نحن؟! ومن نكون؟!
    لوهلة يبدو لى جهلنا فى قرارة انفسنا بمن نحن ؟! مخيفا جدّاً ولائقا اكثر برجل مثل (هنتنغتون) كتب عن إشكالية الهوية الامريكية تحت عنوان(من نحن؟!)(1) وهو سؤال معقول لامّة زحفت من انحاء الارض المختلفة ونزلت بأرض الاخرين , عاركتهم وتعاركت فيما بينها قبل ان تخلق لها علما تتعلم منه هويتها الموحّدة ومعنى وجودها . لكن ان يحضر هذا السؤال فى بلد كالسودان لولا واقعه التاريخى والجغرافى لسرعان ما غدا لونا واحداً , هو ما يجعل هذا السؤال مخيفاً وكارثياً, إذ يدلل على اننا لم نبذل اىّ جهد بهذا الخصوص , واننا الى الان لانعى حقيقة من نحن؟ّّّ فى قرارة انفسنا ..عرب ام افارقة ام حالة وسطية فيزيائية بين العروبة والافريقانية , ام هنالك شخص رابع اسمه السودانى , حاضر فى كل التنوع الثقافى الموجود , يشكل العلاقة بين القبائل السودانية المختلفة التى تلتقى فيما بينها فى خصائص سودانوية تمنحها هويتها القومية وتميزها عن الاخرين .
    من هذا المنطلق يبدو سؤال من نحن ؟ّ! ليس بريئاً تماما ولا بدهيّاً .. إذ انّه يحمل فى طيّاته كل خصائص الاسئلة الموقوتة , والتى ما ان تنزع فتيلها حتى تنفجر بالشكوك.
    يرى ( هنتنغتون) ان( الجدال حول الهوية القومية هى صفة لازمة لهذا العصر ..فى اى مكان الناس يتساءلون , ويعيدون تقسيم وتعريف ماذا لديهم فى العموم ومالذى يميزهم من الاخرين ..من نحن ؟ والى اين ننتمى ؟ ,اليابانيون يتساءلون ان كان موقعهم وثقافتهم وتاريخهم تجعلهم آسيويين, او ثروتهم وديموقراطيتهم وتطورهم تجعلهم غربيين . وصفت إيران بانها (امّة تبحث عن هوية ) ,جنوب افريقيا متورطة ( فى البحث عن هوية ), والصين فى (سؤال الهوية الهوية القومية ), بينما تايوان ( فى اذابة واعادة بناء الهوية القومية ). سوريا والبرازيل قيل عنهم انهم يواجهون ( ازمة هوية ), كندا ( ازمة هوية مستمرة ), والدنمارك ( مشكلة هوية حادّة ) ,الجزائر ( ازمة هوية محطمة ) , تركيا ( ازمة هوية متفردة ) .. تقود الى جدال حار حول ( الهوية القومية ) , وروسيا ( ازمة هوية عميقة )..)(2) ,
    هذا يعنى ان التطورات التى حدثت وتحدث فى العالم باتجاه القرية الكونية هى التى جعلت الاجابة على هذا السؤال حتمية ..اذ تعانى الذات بظهور مجتمع النحن / فى مقابل مجتمع الهم , من خطر التلاشى فى ظل العولمة .
    تهتم هذه الدراسة بمحاولة ايجاد ملامح للشخصية السودانية الاساسية
    BasicCharachtor
    ان وجدت ..انطلاقا من فرضية ان توتر العلاقة بالاخر المختلف يرجع الى وقوف الثقافة بصلابة ضد إذابة الحدود مع الاخر وبالتالى يطغى المكون القبلى العرقى على المكون القومى . ولان القبيلة تقوم على اسس عصبية فى الاساس للحفاظ على وحدتها وبقائها اعتمادا على التراتبية الهرمية , التى تطالب افرادها بالاذعان التام حرصا على المصالح الاقتصادية والاجتماعية والامنية والنفسية فتسود مقولة :
    وما انا الا من غزية ان غزت * غزوت وان ترشد غزية ارشد
    فتنفجر صراعات الهوية الى ان نعثر على هوية قومية جامعة نرضاها .
    تدخل هذه الدراسة فى نطاق علم الانثربولوجيا النفسية والتى تعنى بتأثير الثقافة فى الشخصية والشخصية فى الثقافة .. مستهدية بطرق البحث المعروفة فى هذا المضمار والتى يقول عنها الدكتور عاطف وصفى ما يتعلق بالانثربولوجيا النفسية , فانها تجمع بين طرق بحث علم نفس الشخصية , وتتلخص اهم تلك الطرق فى ملاحظة السلوك ودراسة سير الحياة وتفسير الاحلام والرؤى والاختبارات الاسقاطية ودراسة الادب الشعبى والفن واخيرا الدراسات الترابطية )(3)
    وستكتفى هذه الدراسة بجزئية ضئيلة من هذا المبحث الهام وهى دراسة الاحاجى الشعبية , بايراد نماذج مختلفة من الاحاجى الشعبية من انحاء السودان المختلفة واخضاعها لمنهج تحليلى تفكيكى وتحليلى نفسى يبحث عن الاسقاطات النفسية الشعورية و الا شعورية التى تعطى دلالة ما عن العلاقة بالاخر المختلف , وهل يمكن ايجاد نسق قومى موحد ؟ ..وهذه الدراسة بالطبع لن تقدم سوى خطوط عريضة فى هذا الشأن تكتمل وتتعمق بدراسة النواحى الاخرى فى التراث السودانى والمحددات الجغرافية والتاريخية التى حكمت وجوده . والتعمف فى الادب الشعبى الذى تشكل الاحاجى طرفا منه , يسهّل معرفة القيم والاتجاهات الاساسية فى شخصية وثقافة الانسان السودانى..
    ويرى علماء الانثربولوجيا ( ان اتجاه التحليل التفصيلى للادب الشعبى فى مجتمع ما يقوم على افتراضين , افتراض وجود شخصية رئيسية او منوالية فى المجتمع قيد البحث , وافبراش ان التكامل الثقافى يميل الى تأكيد نوع من الثبات والتماسك فى الادب الشعبى , وبالتالى يمكن استنتاج بعض خصائص الشخصية الرئيسية فى المجتمع قيد البحث عن طريق تحليل ادبه الشعبى )(4).
    تقوم هذه الدراسة بتوظيف الاحاجى الشعبية ما امكن للحصول على اجابة لسؤال من نحن وكيف نرى الاخر ؟ مع محاولة لتلمس منشأ التوترات النفسية المصاحبة لهذه القضية التى تجعل شخص ما مستعد ان يقتل من اجل هويته ...وهنا يبرز دور التحليل النفسى فى تقصى الاسقاطات النفسية والرؤى والاتجاهات الشعورية والا شعورية والتى تقدم لها الحكاية قالبا دسما للدراسة حين تردى الحكاية فى بعض الاحيان وظيفة نفسية لتفريغ العواطف والانفعالات ..يقول د.عاطف وصفى(ان الحكايات الشعبية فى مجتمع ما تمثل شاشة لاسقاط المشاعر والاتجاهات التى تكبت او تعارض عن طريق ثقافة ذلك المجتمع , وهى المشاعر والاتجاهات التى لاتهتم بها الثقافة بصورة ظاهرة والموضوعات التى يركز عليها الادب الشعبى فى تلك الثقافة )(5)
    تأتى هذه الدراسة فى فصل واحد وثلاثة مباحث وخاتمة :
    المبحث الاول :
    يهتم بدراسة الوظيفة النفسية للهوية على مستوى الذات الفردية والجماعية واهمية الانتماء من منظور علم النفس ودلالات الهوية من ذات المنطلق.
    المبحث الثانى :
    يهتم بدراسة الاحجية الشعبية من منظور الرواة وتأثيرات الاحجية فى الشخصية السودانية , وهل لازالت اداة تحليلية فاعلة فى ظل انقراض مؤسسة( الحبوبة) ...
    المبحث الثالث :
    دراسة القيم والاتجاهات العامة للشخصية السودانية وموقفها من قضية الهوية بايراد نماذج من هذه الاحاجى .
    خاتمة :
    تحمل الخاتمة تلخيصا لاهم السمات الاساسية فى هذه الدراسة فى محاولة لتعرية مناطق الضعف فى الشخصية السودانية التى تقف ضد الوحدة القومية والسلام , وايجاد مسارات اخرى اكثر انفتاحا لمستقبل جديد وواعد .

    الفصل الاول
    المبحث الاول :
    الوظيفة النفسية للهوية :
    حين نرى البعض يتقاتلون من اجل هويتهم , يلوح لنا ان نتساءل : هل يحتم تأكيد الهوية ا العداء مع الاخر المختلف ؟ ام يعتبر هذا العداء نتاج لاسواء نفسى يحتاج الى تمرير طاقة سالبة ما نحو الاخر لحماية الذات من التلاشى ؟
    يتطلب الاجابة على هذه الاسئلة , الالمام بمعنى الهوية من منظور علم النفس والوظيفة التى تؤديها للانسان .
    يقول امين معلوف تتألف هوية كل انسان من جملة عناصر لا تقتصر بدهيا فحسب على تلك الواردة فى السجلات الرسمية , ومن بينها بالنسبة الى السواد الاعظم من الناس , الانتماء الى مذهب دينى وجنسية واحيانا جنسيتين , ومجموعة اثنية او لغوية ..واسرة قد تكبر او تصغر , ومهنة ومؤسسة , ومحيط اجتماعى معين ..غير ان القائمة تطول ولا تنتهى من الناحية الافتراضية , فقد يشعر المرء بانتماء قوى بهذا القدر او ذاك الى إقليم او قرية او حى او عشيرة او فريق رياضى او جماعة مهنية ....الخ )(6)
    يعتبر هذا التعريف الذى شرحه أمين معلوف , والذى يتحدث عن الهوية كشعور بالانتماء تعريفاً شائعا عن الهوية انتقل به ( هنتنغتون ) خطوة مقاربا لتخوم علم النفس حين قال عن الهوية انها إحساس الجماعة او الفرد بالذات , وهى نتاج وعى ذاتى باننى او نحن نمتلك ميزات هوية محددة تميزنى /نا , عنك وعنهم .(7)ووفقا لهذا التعريف يفترض ( هنتنغتون ) وجود الوعى يالذات والجماعة كمكون اساسى لادراك الهوية وهو ما يتفق معه علماء النفس . فمثلا تقدم النظرية الاجتماعية النفسية للعلامة اريكسون إطاراً منظما لتطور الفرد ضمن المنظور التطورى الاجتماعى النفسى والتى تقوم على فكرة ( ان عملية انتقال القيم والمعرفة عبر الاجيال تحتاج الى نضج الافراد القادرين على تحويل المعرفة الى ملكية داخلية لدى الطفل , والتواؤم معها ونقلها للآخرين .ينمو الناس ويتغيرون فى اتجاه منظم يثرى إمكاناتهم وقدراتهم الكامنة للقيام بما يلزمهم وما يلزم الاجيال التى ستليهم )(8). يتحدث اريكسون عن مهام تطورية لكل مرحلة عمرية يمر بها الانسان . ووفقا لاركسون تعتبر مهمة مرحلة المراهقة الاولية (12_18)سنة ,الشعور بهوية المجموعة مقابل مقابل التخلص من احاسيس الغربة, وهى مرحلة ضرورية تسبق وتهئ عند اركسون للمرحلة الثانية من (18_21)سنة والتى تهتم بخلق هوية فردية واضحة المعالم والحدود .(9) يعرف علماء النفس الهوية الفردية هىself-image(ego identity مجموعة من المعتقدات يحملها الانسان عن نفسه , تقوم على الانجاز والتداخل الاجتماعى الذى يتحكم فى المعنى والسلوك الشخصى .فى العادة يحتوى على دائرة مركزية مكونة من الاسم والنوع والعمر , ودائرة طرفية كالمهنة والدين والانجاز , والذى يجعل كل شخص مختلف عن الاخر .(10) ومن من الواضح ان اركسون كغيره يؤمن بان الانسان (حيوان اجتماعى ), يحتاج الى الانتماء لاخر لكى ينتمى لنفسه !مما يعنى ان وعينا بذاتنا يأتى نتاج وعينا بالمجموعة التى ننتمى اليها .وهذا هو روح نظرية الهوية الاجتماعية
    Social Identity Theory
    والتى تقوم على فرضية ( ان جزء من الطريقة التى نرى بها انفسنا لها علاقة لصيقة بالمجموعة التى ننتمى اليها . وانتماءنا الى جماعة بعينها له اثر فعل فى الطريقة التى نعامل بها الاخرين الى درجة انها تلون وتحدد علاقاتنا الشخصية والسبب فى هذا ان هويتنا الاجتماعية مربوطة بحافز شخصى هو تقدير الذات والحصول على الاحترام الاجتماعى )(11).
    هنالك ثلاثة اليات نفسية ضرورية لفهم عملية الهوية الاجتماعية يشرحها علماء النفس كالاتى( (1) التصنيف , اى بقصد التبسيط للادراك
    (2) والمقارنة,وهى عملية تقييمية اكثر من التصنيف وفى مجملها مقارنة جماعة باخرى ..فى عالم متساوى , انتماءنا الى جماعة او اخرى قد لا يؤثر كثيرا .. لكن العالم ليس متساوى . الجماعات تختلف من بعضها البعض فى القوة والوضع وهذه الاختلافات مهمة وهذه تقودنا الى الآلية الثالثة للهوية الاجتماعية وهى الميل الانسانى للحصول على مصدر ايجابى لتقدير الذات.
    (3) وتقدير الذات الايجابى, وهذه الية محفزة نحتاج ان نشعر بالرضا عن الذات كما اننا محفزون بصورة عالية للحصول على الاحترام من الاخرين . لذلك الوضع الاجتماعى للجماعة التى ننتمى اليها هو عامل هام للهوية الجماعية حيث اننا قد نغضب او نتحول الى مدافعين ان انتقد احدهم الجماعة التى ننتمى اليها . لانه يعنينا ان تكون جماعتنا محترمة )(12) وهذا بالطبع يرجح ميل الانسان وفقا لظروف نفسية محددة الى السلوك الانحيازى والعصبية للجماعة وكما تقول ( نيكى هيز) ( يلوح لى ان البحوث الاولي عن الهوية الجماعية افترضت ان تصنيفك تبعا لجماعة محددة يقود الى الانحياز مع الجماعة ضد ما هو خارجها in group/out group bias
    حيث يبدا الناس بتفضيل جماعتهم التى ينتموا اليها والتفاعل غير المفضل مع الجماعات الاخرى(13).لكن حتى فى هذه المجموعات هنالك بعض الاختلافات الشخصية فى استجابة البعض .
    يتضح مما ذكرناه ان الهوية ضرورية لتقدير الذات , والعلاقة مع الاخر , الذى ليس بالضرورة عدوّا ما دمت انا متماسكا نفسيا ..وبالتالى تكتنف عملية الهوية وادراكها مشقة ووعورة قد تنتهى بنتيجة كارثية ان اردنا تأكيد هويتنا على حساب الاخرين,وعلينا ان نتعامل معها بحذر ووعى حتى نجيب على سؤال امين معلوف بنضج اكثر ترى اين ينتهى التأكيد المشروع للهوية واين يبدأ انتهاك حقوق الاخرين )(14)
    يدخل فى مهام هذه الدراسة البحث عن معوقات العلاقة مع الاخر فى نص الاحجية الشعبية بتتبع الاسقاطات النفسية ولابد لنا هنا من وقفة لشرح مصطلح الاسقاط النفسى .
    الاسقاط :
    وفقا لفرويد هى احدى دفاعات الذات الغير ناضجة والا واعية ضد القلق الذى يسببه وعيك بدافع غير مقبول لديك وبالتالى تقوم بالتخلص منه عبر اسقاطه فى الاخرين والاشياء .(15)وقد تم استخدام تحليل الاسقاطات النفسية لدى المرضى النفسيين عبر اختبارات شهيرة عرفت باختبارات الاسقاط النفسى ( وهى صورة مبهمة او موقف غامض او سلوك ناقص يعرض على الشخص فى صورة تشكيلية او لفظية ويعرض بمنبهات بصرية او منبهات سمعية , ثم يطلب من المختبر تأويله على حسب ما يدركه منه , فيسقط المختبر فى هذا التأويل محتويات حياته النفسية الشعورية والا شعورية من مخاوف وصراع وقلق , ولذلك سميت هذه الاختبارات بالاسقاطية ..الخ)(16)



    المبحث الثانى :
    مدخل الى تحليل الاحاجى الشعبية :
    تستلهم هذه الدراسة روح نظرية ( كاردينر )التى تقول بان ( كل مجتمع يتميز افراده ببناء اساسى للشخصية ..ويتشكل هذا البناء عن طريق النظم الاولية السائدة فى هذا المجتمع وعن طريق عمليات اسقاطية يشكل البناء الاساسى للشخصية النظم الثانوية السائدة فى هذا المجتمع ..)(17) ..بالتالى تشكل الاحاجى الشعبية مادة دسمة لتحليل الاسقاطات النفسية ..لكن هل لا زال بمقدورنا اعتبار الاحجية الشعبية رافدا للثقافة السودانية التى يسعنا ان نبنى عليها فى تحليلنا ؟
    الحقيقة ان الاحاجى الشعبية فى السودان فى طريقها للانقراض بمعنى ان تأثيرها على ملامح جيل قادم بات شبه معدوم وان ظلت الحكاية فى الارياف لها طابعها وحضورها قبل ان تختفى فى إثر مؤسسة (الحبوبة ), واحاجيها الليلية على ضوء النار .رغم هذا تظل الحكايا الشعبية حاضرة فى تعبيرها عن ثقافتنا ..وقد سبق واثيرت اعتراضات حول امكانية اعتبار الاحاجى الشعبية مصدرا للتعرف على الاتجاهات والقيم الاساسية للشخصية , يقول الدكتور عاطف وصفى يقول البعض ان الادب الشعبى قد يعكس انماطا ثقافية وسمات للشخصية قديمة لم يعد لها وجود فى الوقت الحاضر , ولكن يمكن الرد على ذلك الاعتراض من زاوية ان الادب الشعبى ينقرض فى حالة عدم تعبيره عن الثقافة الموجودة . ويتمثل الاعتراض الثانى فى القول بان الحكايات الشعبية من شأنها الانتشار من مجتمع الى اخر وبالتالى لا تعبر بدقة عن قيم المجتمع قيد البحث , لانها قد تكون مستعارة من مجتمع اخر , ويمكن الرد على هذا الاعتراض من ناحية ان الاستعارات الثقافية تتعرض دائما للتعديلات التى تجعلها فى النهاية متفقة مع ومعبرة عن قيم المجتمع المنقولة اليه , ونصل الان الى الاعتراض الاخير وهو القول انه من الصعب معرفة ما اذا كانت القيم والاتجاهات المتعددة فى الادب الشعبى تعبر عن اتجاهات وقيم موجودة فعلا فى ثقافة المجتمع قيد البحث , او مجرد امنيات وتمنيات وصور من ردود الفعل موقت ويمكن الرد على هذا الاعتراض ايضا بالقول ان معرفتنا الوثيقة بثقافة المجتمع قيد الدراسة تمكننا من التأكيد ما اذا كانت تلك الاتجاهات والقيم امورا حقيقية ام مجرد تمنيات .ومن الواضح ان المناقشة الشابقة تؤكد ان الادب الشعبى يعبر عن قيم وشخصية الثقافة قيد البحث وهى حقيقة عرفها منذ زمن ليس بقريب الانثربولوجى الكبير (بواز) وله كتاب بعنوان ( ثقافة كيوكيوتل ممثلة فى الاساطير )(18).
    اذا تعتبر الاحاجى الشعبية احدى الوسائل التى يرتب بها الانسان نفسه فى عالم مليئ بالكائنات ..يقول ريمون كاربانتيه ( ان الانسان كتعود فى مجرى الاف السنين ان يدافع عن حياته , وان يؤمن اذدهار وجوده ضد الطبيعة والاخرين ولهذا قد خلق علمه وفلسفته واساطيره وميثولوجيته ضمانا لفهم هذه الغزوات وبعث الحماس فيها والقدرة على ارساء مفاهيمها ..ولكن هل عرف ان يفهم الاخرين كعنصر لهذه الطبيعة ؟)(19)هذا ما سنحاول الاجابة عليه بتوظيف الاحجية والاسطورة.
    من هم رواة هذه الاحاجى ؟
    لا شك ان هذا السؤال قد شغل الباحثين فى هذا المجال باعتبار دلالته التحليلية وادراك الاسقاطات النفسية للنوع ...يقول الدكتور عبد الله على ابراهيم يبدو ان دراسة الحكايا السعبية فى اوروبا قد يئست من الوصول الى استنتاجات ذات معنى حول حكى النساء فقد استقرت تلك الدراسة فى الوقت الحاضر على فكرة ان الرجال هم رواة تلك الحكايات بين الشعوب الاوروبية بعد ان نبذت اعتقادها السابق بأن النساء هن حارسات كنوز الحكاية )(20)وفى معرض حديثه عن الحكايا الشعبية فى افريقيا يضيف ( وخلافا لاوروبا فان دارس الحكاية الشعبية الافريقية والشرق اوسطية قد علقوا اهمية خاصة على حكى النساء , فعلماء الانثربولوجيا والفلكلور التزموا بالمفاهيم التى رأينا الدارسين الاوروبيين قد طرقوها فالحدوتة او الحجوة فى قول حسن الشامى الفلكلورى المصرىوالمقيم بالولايات المتحدة مرتبكة عادة بالنساء وهى غالبا ما اعتبرت شغل نسوان )(21).. وسواء اكان الراوى ذكرا او انثى , يرى بعض الباحثين انه لافرق فى ذلك , اذ تصدر جميع الروايات من وجهة نظر رجالية ..بمعنى ان المرأة تستبطن عادة الموقف الرجولى وتفرزه ..( خلصت اريكا فريدل من من تحليل بعض نصوص الحكايات الشعبية الفارسية الى القول بانه رغم ان هذه الحكايات تصور بدقة دونية المرأة فى المجتمع الفارسى , الا انه لادور محسوس لنوع الراوى ذكرا كان ام انثى فى وجهة النظر التى تتخذها لحكاية ذاتها .وتعتقد فريدل ان الرواة من النساء مثلهن مثل الرجال يحكين الحكايات من وجهة نظر رجالية )(22)

    المبحث الثالث :
    الاحاجى الشعبية قراءة نفسية :
    نقوم هذه الدراسة بتحليل الاحاجى الشعبية التى اوردها ووثق لها نفر من المهتمين بحفظ التراث السودانى ومن ذلك :
    1_ (21 ) احجية جمعها البروفسور عبد الله الطيب فى كتاب يحمل اسم ( الاحاجى السودانية )(22 ).
    2_(22) احجية جمعها الاستاذ يحيى فضل الله فى كتاب(حكايات واساطير سودانية )(23).
    3_(11) احجية جمعها الاستاذ محمد الهادى حسن هاشم فى كتاب باللغة الانجليزية واللهجة المحلية يحمل عنوان (حكايات نوبية ) (24).
    لتقوم هذه الدراسة بمهمتها على الوجه الاكمل يفترض فيها ان تقوم بتحليل تفصيلى للاحاجى موضع الدراسة لمعرفة القيم والاتجاهات العامة للشخصية ودلالات الهوية فى هذا الامر ..وهذا بالطبع اكبر من مهمة هذه الورقة , وجديرة بكتاب تفصيلى .وسأكتفى هنا باستعراض نماذج خمسة لطريقة التحليل فى ملحق خاص بهذه الورقة مع ايراد ملخص لهذه النصوص ودراسة تحليلية عامة مصاحبة
    اول سؤال نبتدر به هذه الدراسة هو هل يوجد شكل وحيد للاحجية السودانية ؟
    تظهر الاحجية السودانية نسقا مشتركا فى شكل الاحجية وطولها كما هنالك ملامح خاصة بمناطق معينة كحضور الانشودة داخل النص فى احاجى شمال ووسط وغرب السودان كاحجية (دبلوك ), من احاجى قبيلة التعايشة , و(الوعل ) من احاجى الرزيقات (ويا جلابة) من شمال ووسط السودان (25).
    والاحجية عادة من طويلة الى متوسطة عدا فى الجنوب اذ يغلب عليها القصر ..وهى عادة ما تسهب فى التفاصيل غير واضحة الاهداف, بعكس الاحجية الجنوبية والنوبية التى تصاغ فى قالب فلسفى عالى له هدف محدد كاحجية (الاسراف )لقبيلة الزاندى و(السلم ) ,و(الحبل ) من قبيلة الكوكو.وقصة ( الفأر) و(الضفدع)من القصص النوبية فى الشمال والتى تدعو جميعها الى قيم انسانية عليا بإتجاه الاهتمام بالدواخل دون المظاهر الخارجية وعدم التعويل على القبح الخارجى فى الحكم على الاخرينوعدم الاستهانة بالصغار والضعفاء ونحوذلك.
    تميزت الاحاجى فى شرق وشمال السودان بوجود الالغاز كمكون اساسى داخل النص تدور حوله الحكاية مثال لذلك( مدنفرأو ) من احاجى اهلنا البجة فى شرق السودان ( راجع الملحق ) واحجية ( الاخوان الثلاثة ) و( الفتاة التى تشبهت بالولد)من احاجى النوبة فى شمال السودان .
    تختلف الحجوة فى مضامينها وتتباين شكل واضح بين الشمال والجنوب, إذ يظهر فى الاحاجى النوبية الشمالية المؤثرات الثقافية العروبية, على سبيل المثال (احجية الاخوان الثلاثة )التى بها فقرات تشابه ما تم سرده فى قصص (الفراسة ) العربية واحجية ( الفتاة التى تشبهت بالولد)لاتعدو ان تكون المثل العربى الشهير (وافق شنّ طبقة ).كما هنالك حضور طاغى للاسماء العربية ذات الدلالة الاسلامية, خصوصا محمد وفاطمة وحسن وعلى وزينب على حساب الاسماء ذات اللهجات المحلية والشائعة وسط الشماليين النوبيين مثل ساتى, واوشى,دولى,كدوده وغيرها .
    تحمل الاحجية فى جنوب السودان دلالات الاساطير المحلية والافريقية ولا تظهر مثاقفات عروبية وتغلب عليها آثار الدين المسيحى والحضارات القديمة السابقة ... كأسطورة آكاى الجميلة عروس النيل الجنوبية التى القاها شعبها فى النيل ليكف عن الفيضان. وهو طقس مشابه فى السلوك ومختلف فىالاسباب عن طقس عروس النيل المصرية التى تلقى فى النيل ليفيض (26). وعلى عكس الشمال , تمتلئ الاحاجى الجنوبية بالاسماء ذات اللهجات المحلية مثل آكاى , بوشاى , دينق , أكيدول وغيرها .
    الاتجاه القيمى :
    تحمل الاحاجى الشعبية فى شمال ووسط وجنوب السودان على طول النيل (السودان النيلى)_إن جاز التعبير _ قيم المجتمع الامومى..فتظهر الزراعة والارض بدلالات مختلفة وارتباط قيمى بالارض , ففى حجوة ( ياجلابة ), معالجة نصية ضد هجرة الارض من اجل التجارة وغيرها من المهن فالتى تحجّى تخاف من السفر كام وزوجة لذا تخوف طفلها من السفر وتطرح الزراعة كبديل للكسب . والزراعة هى الارض وهى الخصب,الام والاستقرار بجوار الاسرة والابناء وهى الامان المادى والامان من الفرقة( راجع الملحق الاول ). تظهر الحيوانات فى هذه المجتمعات ذات علاقة بالاستقرار والزراعة كالطيور والثيران والابقار فى احاجى الجنوب والفأر والضفادع فى احاجى الشمال والجنوب .كما هنالك ظلال للتأثر الثقافى بقيم المجتمع الامومى فى شرق السودان( للبجاوى بخشوم بيوته المختلفة علاقة خاصّة مع الحيوان, تظهر ابعادها الاجتماعية فى هذه الحجوة , ان المكافأة الحقيقية لمدنفرأو على صدقه كانت بالماشية .والتضحية التى قام بها كان من ضمن اسبابها ايضا ان يسقى الماشية . كما ان الامتحان الاول والاخير للابن كان عن علاقته بالماشية . حيث ابتدأ بالسؤال عن الذبيحة , احسن ما فيها واقبح ما فيها . فبدت الذبيحة وكأنها قربان حقيقة اولى , تساعد الرجل فى الاهتداء الى شكوكه والتغلب عليها ) ( راجع ملحق رقم 4).
    هنالك ميل الى الخؤولة مقابل العمومة فى احاجى الشمال واعراف الجنوب _ إذ عادة ما يتبنى الطفل الصغير اخواله لامه_- وفى حجوة ياجلابة موقف واضح من العمومة الى حد القتل . (كما ان هذا العداء للعم , هو عداء توجهه الامهات فى المجتمع الامومى الذى يعول على الخؤولة باعتبارها مصدر الحنان والتضامن مع الابناء . فتظهر عبارات من نوع ( الخال شريك الوالد ) . ( الجنى خال). اما لفظة (البت عمّة ) , فهى ليست حسنة النية تماما , (فالبت ضرّة امّها) , و(مكنسة بيت امها) , والاخيرة ليست مدحا اذ انها تعنى انها تفرغ بيت امها من الاثاث وتحمله الى بيت زوجها . وللمدرسة الفرويدية رأى فى هذا الشأن , الذى رتب علافة الطفل بوالديه وفقا للدافع الجنسى , ففى المرحلة العمرية بين الثالثة والنصف والخامسة يمر الاطفال عند فرويد بمرحلة تسمى ( المرحلة الاوديبية Odepal phase ) نسبة الى اوديب ملكا رواية ( سوفولوكيس ), التى عشق فيها اوديب امه وتزوجها , وتحتوى المرحلة على دلالة مقاربة , اذ يظهر الطفل تعلقا بالوالد من الجنس المغاير , وفى حالات التى يعامل فيها هذا الميل بقسوة , ينمو الطفل بعقدة اوديب اذا كان ذكرا وعقدة الكترا اذا كان انثى , وهى شخصية غير ناضجة عاطفيا تستبطن ميلا جنسيا لاواعيا تجاه الوالد مصدر التنازع , يظهر فى الاحلام وفى الخيارات المستقبلية عند الزواج وبالتالى يشوب العلاقة مع الوالد من نفس النوع عداء مستبطن على شاكلة لن اعيش فى جلباب ابى . وفى الحجوة وجه هذا العداء الى الاب البديل والذى عادة ما يحل مكان الاب عند غيابه او موته , فينافس الطفل فى حب امه . وللعداء تجاه العم وجه اخر , سببه المال , حيث يرث العم مال الاب الذى لاابن ذكر له , وهذا ما استبطنته الحجوة , حين دفع محمد دون اخته من دمه ثمن القندول , حتى يخلو الطريق الى المال)( راجع الملحق الاول ).
    تتميز المجتمعات الامومية بتقديس المرأة , إذ انها القربان والاله..وفى احاجى الشمال هنالك إسقاط لهذا الدور التاريخى للمرأة الكنداكة فى السودان , ففى احجية على حجى, لا يعدو دور على حجى وحضوره البطولى داخل النص هذا العنوان الشكلى للاحجية , إذ ان زوجته زينب حجى هى بطلة الرواية النبيلة والمصادمة ذات المواقف البطولية الحقيقية . لا شك إن المؤثرات الثقافية العروبية الذكورية لها ظلالها فى تغيير اوضاع المرأة فى هذه المجتمعات ففى حجوة يا جلابة , استنجدت فاطة بالقافلة لنصرتهافالمرأة فى الاسقاط الاواعى لدورها النوعى فى المجتمع , انها لا تقدر على المواقف المصادمة والمباشرة التى تحتاج للقوة البدنية فتستعيض عن ذلك بالمكر والحيلة وما أكثر الاحاجى التى تتحدث عن تنكر فاطمة فى زى العجور او زى تاجر كما فى حجوة الملك البخيل ) , و( البنت التى تشبهت بالولد ) وغيرها , كما هنالك احاجى كثيرة تتحدث عن المرأة التى ساعدت الرجل _البطل _ حتى قوى عوده وعاد لياخذ حقه كاملا كما فى احجية الوعل )( راجع الملحق 5 ), واحجية الفارس دبلوك وغيرها . رغم هذا تسللت العقلية الذكورية فى الوصايةعلى المرأة ففى احجية يا جلابة (ا ان استهداف محمد بالعقوبة به ظلال ذكورية , تعفى المرأة وتحّمل الرجل الوصى عليها المسؤلية , وهذه طريقة فى التربية , لاتعلم البنت تحمل تبعات سلوكها وقراراتها , كما ان الحرية ستكون وقتها تجربة لاتكترث لها المرأة كثيرا , ومن هنا تسللت الينا فكرة (تغفيل) الحارس ..)( راجع الملحق الاول ).
    فى اعراف جنوب السودان , المرأة هى التى تملا الزريبة بالخير بينما يفرغها الرجل , وهى قربان النيل المقدس , ورغم هذا تسللت الظلال الذكورية عبر الاسرائيليات الى هذه الثقافة لتصبح المرأة هى مصدر الخطيئة الاولى فى اساطير الدينكا ( راجع الملحق الثانى ), وفى احجية ( السلم )هى التى قطعت الصلة بالسماء .كما تأثرت المجتمعات الامومية بالعقلية الذكورية البدوية أثرت فيها ومثال لذلك احاجى القبائل ذات الاصول العربية فى السودان كاحاجى الرزيقات وغيرهم بالاضافة الى احاجى شرق السودان(يفتخر البجاوى بالانتساب الى ابنته فهو ابو أمنة وابو رقية . ومن الواضح فى هذه الحجوة ان المرأة العجوز لها قداسة خاصة , تحيط بها هالة غيبية تحيلها الى قدرة مريدة لها سلطتها , فما كان مدنفرأو ليعطى هديته الوحيدة وعذر غيابه اليتيم لاى عابر سبيل عادى من منطق الكرم المجرد . كما ان الامتثال والطاعة للعجوز هما من جلبا الخير والفلاح للرجل .و الحكمة والفراسة التى ميزت بها الاحجية الرجل , عادت وردتها فى رمزية عالية الى المرأة التى علمت مدنفرأو الحكمة . وما انقذ امرأة مدنفرأو من شكه الا حكمته التى تعلمها من امرأة , وبذا تكون المرأة هى الحكيمة والمعلمة والحامى للمرأة والرجل من رعونة الرجال وتسرعهم . تفعل المرأة البجاوية هذا فى سرية تامة اذ تغيب عن النص وتظل فيه حضورا اصيلا كتميمة مقدسة . تحمى البيت فى الغياب ومن الغياب , حيث ترعى النسل و(العقاب) , وتقف لترد جزاء سنمار فى العرف الرجولى بالصمت الذى يعلى العفيفة البجاوية فوق المظان التى نسجتها السنون والغياب الطويل) ( راجع الملحق 4) .كما جاء فى تحليل احجية الوعل ( راجع الملحق 5)( المرأة عند الرزيقات وان لم تكن فارسة بالشكل الذى يجعلها تحمى مال ابيها الا انها لاتعوزها الحيلة ولا الادراك السليم وحسن التصرف . فالفتاة لم تصدق خديعة اعمامها ولم تمكنهم من التخلص منها بتزويجها , وهى التى انقذت فتاها ووقفت خلفه تشد من ازره حتى انتصر وعلى زغاريد جمولة بدا جمول اكثر فروسية وارهابا. ومن عينى فتاته , يستمد الفارس الرزيقى ايمانه بفروسيته ويصدق ان صدقت المرأة واعلنت ذلك بالزغاريد.فبالتالى المرأةهى الحكم الذى ينصب الفرسان ويحرم !)..لهذا تستمر سلطة المرأة السودانية حتى فى المجتمعات ذات الاصول العروبية والبدوية ..وكلنا يعلم ان لسان الحكامة فى غرب السودان امضى من سيف الفارس والسلطان!
    تحصل المرأة العجوز فى المجتمع السودانى على قداسة خاصة وكأن ما فعلته الثقافة العروبية الوافدة هو مصادرة سنوات الخصب للمرأة خوفا من العار ..تعود بعده المرأة الى عرشها الامومى معززة مكرمة .. (اما العجوز فى الحكاية , فهى العجوز فى كل الاحاجى السودانية من حلفا الى نمولى, مصدر المعرفة والحكمة الانسانية . والذات المجردة لخدمة الغير ,بتفانى نادر وانكار ذات .وكأنها روح مرسلة من اجل الخير ..وهنا ايضا تظهر ثقافة الدينكا كقبيلة تقدس الاسلاف وتوقرهم.) ( راجع الملحق 5).
    تتميز الاحاجى السودانية بفكرة الانجاز الفردى والبطل الوحيد مما يدلل على حضور التراتبية الهرمية فى الاوعى السودانى , هنالك شخص وحيد ذو مهارات عالية وقدرات غيبية ننتظره بفارغ الصبر لينقذنا ويدعمنا ويحمينا وهو دعم لا شعورى لفكرة العبد/السيد , الشيخ / الحوار, القائد/ التابع و نحو ذلك .
    فى السودان يغلب اللون الاسمر الغامق( الاخدر)علىى سحناتنا . وتمتلئ الاحاجى فى الشمال والوسط بوصف شكلى محبب للرجل انطلاقا من القيم اللونيةمثل احجية (اخدر عزاز فى قزاز) وفى احجية يا جلابة ( تحمل الغنوة داخل النص , شكلا للاب هو فى داخله شكلا للحبيب , ففى وقت لم يكن يسمح للنساء فيه بالتعبير عن عواطفهن لاباس ان تمدح المرأة الرجل الذى تحب باسم ابنتها ! وهو اخدرن طويل , لديه المال والجمال وشالو شال حرير , على وزن ( الجلابية السكروتة ) , والجلابية الدلع والحرير ومن جلد النمر جزمة.) راجع الملحق الاول .وهذا الشكل المختار لا يخلو فى نظر فرانسيس دينق من عنصرية تجاه الجلابى باعتباره النموذج الجمالى الجدير بالسيادة ( ولذات السبب تركز العزة العرقية الشمالية على اللون البنى الصحيح للبشرة , الذى يعتبر نموذجا للشمالوبالتالى للسودان , واذا ما كان لون البشرة فاتحا اكثر مقارنة بالقياس فقد تكون المخاطرة فى إعتبار الشخص (خواجة )اجنبى ( اوروبى ) او عربى من الشرق الاوسط او فىاسوأ الاحوال (حلبى ), وهو اللفظ المستعمل للمجموعة العرقية من الغجر الذين يعدّون الادنى بين الاجناس فاتحة اللون . والوجه الاخر للعمله بالطبع النظرة الدونية للجنس الاسود كعنصر منحط الحالة التى تمكن المرء التخلص منها لحسن الحظ , ولهذا فإن عنصرية السودانى الشمالى ونظرته الثقافية القومية الشوفينية تدين كل من كان اكثر سوادا وكل م كان لونه فاتحا اكثر )27)
    تقع مسؤلية رعاية المنزل فى السودان على المرأة (فالغياب المغفور له باذن الله يكاد يكون صفة رجولية ملازمة لاى سودانى , بحثا عن الرزق او العمل او الانجاز . وهى مبررات تفقد معناها حين يطول الغياب ليبلغ العشرة والعشرين من السنوات. وتكاد البيوت السودانية تنمو فى ظل غياب الرجل الذى عاد من التراث ليتعلم الاغتراب والهجرة . ولتجزر هذا الغياب فى الشخصية السودانية , يمكن للرجل ان يعود بعد ما يشاء من السنين خالى الوفاض او حاملا هدية صغيرة , او شكوكه وحسب ! وعلى المرأة ان تظل انتظارا ابديا قانعا وعفيفا .وهكذا تفقد الاسرة خصوصيتها كهدف اصيل , يستمد الرجل منه معنى لبقائه وتضحياته , اذ يبدو الرجل الذى ياتى بعد عشرين سنة معنيا بذاته وبقائه , وعلى الاخرين ان يشعروا بالامتنان لانه تذكرهم وعاد من غيبوبته الذاتية المقدسة . لذلك لايخجل مدنفرأو وهو يعد الاختبارات لولده فمجرد الحصول على اسمه هو فى نظره مكافأة تعدل خطيئة الغياب . كما ان الابوة هى تسيد واستعباد فى مقابل الامومة العطاء والدفء والتضحيات .عدا هذا تعد صفات الكرم والشجاعة والصدق والفراسة والذكاء صفات رجولية اساسية .) ( راجع الملحق 4).
    تعتبر حجوة ( دريس ) من احاجى قبيلة الحمران فى غرب السودان نموذجا للاعتداد القبلى ..اذ يعتبر دريس لحن القبيلة الخاص بها ..وهى مهمة قريبة من العرض والشرف لذلك يكون الحمرى مستعدا للحرب من اجلها .. لذلك انتهت الحجوة بتضحية العروس ( المرأة الحكيمة ) فى القبيلة مجروحة العرض حين تغنى ضيفها بلحنها الخاص فارتبكت ازاء حق الضيف وشرف القبيلة فتنازلت العروس عن مهرها للضيف اى افتدت اللحن والضيف مقابل ان لا يعزف الضيف لحن القبيلة المقدس .وتظهر هذه الحجوة الحدود القبلية العاصفة والمتعصبة كشرط اساسى لتأكيد الهوية الجماعية التى تحمى الذات من التلاشى .
    ظهرت عبارة ( عبد ) بصريح العبارة فى معظم الاحاجى الشعبية التى جمعها عبد الله الطيب , وفى الاحاجى النوبية ..وهى توثيق لفترة الرق فى السودان التى خلفت فينا ذهنية رق تحكم علاقتنا بالاخر وتجعلنا فى هروب دائم من صفات شكلية وجسمانية ولونية محددة ركضا وراء سيادة متوهمة وهربا من تاريخ رق مخزى .
    تعتبر حجوة غيبوبة من احاجى غرب السودان نموذجا لاستبطان الوعى الاستعلائى وافرازه من قبل الاخر الضحية( الحجوة تبدو مكيدة ضد الحب , تقلل من شأنه وتحط من قدره باعتبار انه عاجز عن اقناع فضيل ود طه بالبقاء . وان كانت الحجوة تستبطن موقفا اخرى هو فى نظرى المكيدة الحقيقية , تظهر عندما نقوم بعملية ابدال لرواة هذه الحجوة ..فمن الذى صاغ هذه الحجوة وما مصلحته فى ذلك فالقصة ليست قصة حب بريئة بقدر ما انها موقف من زيجات الجلابة او تبرير لئيم لموقف هذه الزيجات !
    لنقل ان نساء الجلابة فى الشمال والوسط حيث تصدر مثل هذه القوافل او الرحلات باتجاه الغرب او الجنوب هن الائى صغن هذه الحكاية , فستبدو هذه الحجوة مبررا منطقيا يداوى جرحها النرجسى وهى الفتاة او الزوجة التى تم هجرها الى فراش اخرى, لاترى فيها من موقع الاستعلاء العرقى والثقافى الذى تصدر فى الغالب منه اى شىء يستدعى هذا السلوك اللهم الا السحر والعين والكتابة . وهذا الثالوث وبلا مبالغة هو افيون الشعب السودانى وشماعته التى ان انكسرت انكسرت صورة الذات عنده . وكل سودانى ما نجح فى المدرسة ( لانو فى واحد قاصدو او قاصد اهلو فيهو او كتبتو مرت ابو !) , وهكذا التى لم تتزوج , والتى لم تنجب , والذى لم يحصل على عمل , والذى لايثابر او يستقر فى عمله و...و .. الخ . وهذا هو سر الهلع المصاحب لمقولة احدهم لزوجته انا سأصحب هذه القافلة وتلك . كما انها وراء الجزم بعبارة مشى الغرب , الله اعلم يجى راجع تانى !
    او لنقل ان هذه الحجوة هى مبرر الجلابة للسلوك الغير مسؤل فى الهجرة من ارض الاهل وترك الخطيبة او الزوجة معلّقة . وهى الاعتذار للقبيلة التى تصر على الزواج من بنت العم حسب العرف والتقاليد التى تجعل غيبوبة فضيل محض ادعاء صاغه العشق غير المشروط لشامة قدم الحمامة . والذى يعرف العشق يعرف انه السحر الاعظم الذى يختبى الى الابد فى قرعة لا يعبث بها الا قدر عشق جديد . وهو السبب فى ثقل الاقدام عندما يعقد احد العاشقين عزمه على الرحيل ليستأنف قدره . كما انه السبب وراء زغللة العيون ( وطشاشها ) فلا تبصر درب القافلة , طريق القطار , البص و لاحتى الطائرة .
    وربما صاغ هذه الحجوة عشاق شامة المحليين ليوقفوا هذه الاغارات على قلوب فتياتهم من قبل الجلابة الغرباء , فمن الذى لايحب شامة ؟ لهذا تصبح هذه الحجوة رسالة تحذير الى الفتيات المتضررات من هجر الجلابة , والى الجلابة انفسهم بتشويه فكرة الحبيبة بت الغرب عندهم , حين لا يعدو عشقها ان يكون محض سحر ينسيك الاهل والديار والالتزام . وهو تحذير يليق بمتضرر من هجر شامة , وهكذا نشأ نادى القلوب المهجورة باحاجيه التى تكرس للتفرقة بين قلبين جمعهم الحب وفرقتهم الانتماءات القبلية فراقا يجيب الندامة .) ( راجع الملحق 3)
    خاتمة :
    عمدت هذه الدراسة الى القاء الضوء على الطريقة التى نرى بها انفسنا والاخرين .لكن ليس بمقدورها الجذم بشئ عدا بعض الترجيحات وفقا للنصوص المتاحة فتحليل الشخصية السودانية واتجاهاتها القيمية الاساسية يحتاج الى توسيع هذه الدراسة لتشمل مناحى التراث الاخرى من عناء وموسيقى ورسم ونحت وشعر ومسرح وسينما ومحددات بيئية جغرافية وتاريخية ودراسات مباشرة على الانسان السودانى.ومما يبدو من هذه المقاربات التحليلية اننا كسودانيين نلتقى فى كثير من الاتجاهات القيمية فى رؤيتنا للاسرة والعلاقة الزوجية والصداقة والكرم والشجاعة وتوقير الكبار والتسليم للغيب والاذعان للسلطة الهرمية وانعدام المبادرة والقادة فى انتظار البطل الوحيد وتبجيل الانجازات الفردية والعلاقة بالحيوان وغيرها .وما عدا هذا الاتجاه العام تبدو الخصوصية الثقافية لكل منطقة فى السودان حاضرة بجمالياتها . غير اننا جميعا اسرى القبيلة والعصبية الى حد العداء والحرب مع الاخر المختلف . وبروز هذه الحدود القبلية بوضوح فى الوعى او الاوعى هو ما يتطلب العمل بشأنه ..إذ علينا كسودانيين ان نعمل على إذابة الفواصل بإتجاه الهوية القومية الجامعة بأن نبدأ فى التعرف على الاخر دون محاكمة مسبقة وتحامل لنتعرف على ثقافته بحياد من شأنه تعديل المفاهيم السالبة , فكما يقول علماء النفس يبدأ السلوك بفكرة ..فعلينا ان نعمل على هذه الافكار فى مهدها قبل ان تنتهى الى سلوك عدائى ناضج الى حد الاحتراق .



    الملاحق:
    ملحق (1)
    ملخص حكاية (يا جلاّبة):
    سافر الرجل الى الحج وترك ولده (محمد) ,وبنته(فاطمة ) مع اخيه وغاب طويلا هناك, وحين جاء الخريف وخرج الناس للزراعة, خرج محمد واخته وزرعا . طال الزرع وامر العم محمدا واخته بحراسة العيش من الطير وصنع العم لكل منهما (همبول),كما حذّرهما من اكل الزرع وكان حريصا ويقوم بعد السنابل كل يوم ليتأكد ان محمد واخته لم يأكلا منها . وفى يوم جاع محمد جوعا شديدا فقام بقطع قندول واكله بالاقتسام مع اخته واتفقوا ان يخبروا عمهم ان القندول اكلوا( الزرزور) , وقامو بدفن بقاياه فى الارض, وحين سأله العم عن القندول , قال : القندول اكلو (الزرزور), فاستدرج العم محمد بخدعة ان شعره طويل ويحتاج الى قص , فتمكن منه وذبحه ورأت اخته المشهد فصرخت واخذ العم يلاحقها , فقالت للواطه : ابلعينى , فابتلعتها . والعم قبع بانتظارها , وكلما سمعت فاطمة صوت قافلة مارة بالقرب من المكان تخرج اليهم وتغنى اغنية حزينة تسأل فيها القوم ان رأو والدها :
    سلام سلام يا جلابة
    ابوى اخدرن طويل
    يا جلابة سوطه الوروير
    يا جلابة توبو توب حرير
    ياجلابة عمى اخو ابوى
    ياجلابة كتل محمد اخوى
    يا جلابة فيشان قندول
    ياجلابة القندول اكلو الزرزور
    ياجلابة وطار وقع فى سبعة بحور
    وحين يسألها الجلابة عن الامر يظهر لهم العم مدعيا انها ( شاردة منّو ), وينتهى الامر بمساعدة الجلابة للعم فى القبض على فاطمة التى تسأل ا########## ان تبتلعها فتبلعها, وهكذا يتكرر الامر , وفى المرة الثالثة , سمعها والدها الذى كان فى القافلة , وخرج يطارد العم , الذى سأل ا########## ان تبلعه فرفضت , فذبحه الاب وحرقه وذرى رماده مع الريح ..
    حكاية من شمال ووسط السودان
    يحيى فضل الله – حكايات واساطير سودانية – المركز السودانى للثقافة والاعلام
    تشبه الحجوة فى شكلها معظم الاحاجى السودانية , الغنوة الشعبية جزء اصيل فى تفاصيلها حتى انها تتداول بذات اللحن . كما انها تحمل رمزا خاصا او لغزا خفيا , لايفهمه الا الشخص المقصود بالاغنية ! ولان الحجوة للاطفال فالابطال فى الغالب اطفال , تعينهم الطبيعة والاشياء المادية على الانتصار. فى الغالب , قام بصياغة هذه الاحاجى على مر التاريخ العديد من النساء , واختلطت فيها الاسطورة بالواقع , حتى صارت لصيقة جدا بالاوعى الجمعى والوجدان الشعبى . وفى هذه الحكاية يختلط الدين الاسلامى بالدين الشعبى ( مذهب حيوية المادة Animism ). فمحمد وفاطمة والحج هى مظاهر اسلامية , والارض التى تتكلم هى جزء من الدين الذى يعتقد بحلول الروح فى المادة , وان لاشىء يموت فى هذا الكون وهى عادة روح طيبة ومتعاونة , ( فا########## بلعت فاطمة ورفضت تبلع العم الشَرير).
    . والاطفال فى مرحلة من مراحل تطورهم العقلى يعتقدون بهذا ايضا لهذا فى عمر معين اذا قمت بتهدأة الطفل الذى سقط للتو بان تعاقب له الارض بالضرب , فانه سيبدو مقتنعا انها تلقت العقاب الذى تستحقه, وفى السابق وعلى ضوء الاحاجى والمعارف الغيبية المتاحة كان الاطفال يستمرون الى سن الخامسة او السابعة حتى وهم يقتنعون بهذا , لكن اليوم وفى غياب الحجوة وظهور ابطال الديجتال فانه بعد الثانية غالبا ما (يمصمص لك فمه مستعجبا من طريقتك البدائية فى التفكير) .
    فى هذه الحجوة الاب غائب لمدة طويلة , للحج او للتجارة او لمآرب اخرى . وهذا الغياب الذى تسلل الى سمر النسوة , ليحشرج الاغانى الحزينة لايمكن ان يكون عابرا, او مجرد حالة فردية . فالحجوة تجرم السفر الطويل باعتباره السبب الذى ضاعت به الاسرة , وهى تقول ذلك برمزية عالية ولوم حنين . فما كان الاب ليقتل ابنه فى قندول واحد وبشبهة اكله ! والتى تحجّى تخاف من السفر كام وزوجة لذا تخوف طفلها من السفر وتطرح الزراعة كبديل للكسب . والزراعة هى الارض وهى الخصب,الام والاستقرار بجوار الاسرة والابناء وهى الامان المادى والامان من الفرقة . لابد ان هذه الحجوة خرجت لمكافحة داء السفر , وجنون البعض بالجلابة . ولازال الرجال فى الشمال والوسط مسقط رأس الحكاية , يثابرون على الرحيل والنساء على الاغانى والبكاء . ومن ذلك اغنية الشايقية الرقيقة ( عافية منك وراضية عنك ياجنايا ). بدأت الام فى هذه الاغنية بدحض مبررات السفر , وان المال الذى بحوزتهم يكفى ويزيد وهى على استعداد لان تبيع مصاغها , وهى تفعل ذلك وتذكّره بضرورة طاعتها , وتحنن قلبه بانها صارت كبيرة فى السن وبحاجته . ثم تنتقل الى اثارة نخوته بانها ستعتمد على غيره من اصحاب المروءة اذا اصرّ على السفر ثم تختم بتهديده وانه حين يعود بالمال الوفير سيجدها ميتة و( حينها ما بتنفع قروشك وما بتجيبلك ام سوايا ), وصارت هذه الاغنية موضوع التلفزيون السودانى المفضل فى ابتزاز عواطف الشباب ! وليس كل السفر شر لكن تسافرالى الابد , هذا الذى دونه الاغانى !
    الغريبة ان الام ايضا غائبة فى هذه الحجوة , صحيح ان الراوى لم يذكر عنها شيئا , فلا هى ميتة ولاهى مطلقة ولافى سفر ..فأين هى ؟ تغييب الام فى الحكاية هو تغييب لاواعى لسلطة الام فى المجتمع الذى غزته الثقافة الابوية الوافدة . ففى غياب الاب وحضور العم لايمكن ان يكون للام سلطة . كما ان هذا العداء للعم , هو عداء توجهه الامهات فى المجتمع الامومى الذى يعول على الخؤولة باعتبارها مصدر الحنان والتضامن مع الابناء . فتظهر عبارات من نوع ( الخال شريك الوالد ) . ( الجنى خال). اما لفظة (البت عمّة ) , فهى ليست حسنة النية تماما , (فالبت ضرّة امّها) , و(مكنسة بيت امها) , والاخيرة ليست مدحا اذ انها تعنى انها تفرغ بيت امها من الاثاث وتحمله الى بيت زوجها . وللمدرسة الفرويدية رأى فى هذا الشأن , الذى رتب علافة الطفل بوالديه وفقا للدافع الجنسى , ففى المرحلة العمرية بين الثالثة والنصف والخامسة يمر الاطفال عند فرويد بمرحلة تسمى ( المرحلة الاوديبية Odepal phase ) نسبة الى اوديب ملكا رواية ( سوفولوكيس ), التى عشق فيها اوديب امه وتزوجها , وتحتوى المرحلة على دلالة مقاربة , اذ يظهر الطفل تعلقا بالوالد من الجنس المغاير , وفى حالات التى يعامل فيها هذا الميل بقسوة , ينمو الطفل بعقدة اوديب اذا كان ذكرا وعقدة الكترا اذا كان انثى , وهى شخصية غير ناضجة عاطفيا تستبطن ميلا جنسيا لاواعيا تجاه الوالد مصدر التنازع , يظهر فى الاحلام وفى الخيارات المستقبلية عند الزواج . وبالتالى يشوب العلاقة مع الوالد من نفس النوع عداء مستبطن على شاكلة لن اعيش فى جلباب ابى . وفى الحجوة وجه هذا العداء الى الاب البديل والذى عادة ما يحل مكان الاب عند غيابه او موته , فينافس الطفل فى حب امه . وللعداء تجاه العم وجه اخر , سببه المال , حيث يرث العم مال الاب الذى لاابن ذكر له , وهذا ما استبطنته الحجوة , حين دفع محمد دون اخته من دمه ثمن القندول , حتى يخلو الطريق الى المال . كما ان استهداف محمد بالعقوبة به ظلال ذكورية , تعفى المرأة وتحّمل الرجل الوصى عليها المسؤلية , وهذه طريقة فى التربية , لاتعلم البنت تحمل تبعات سلوكها وقراراتها , كما ان الحرية ستكون وقتها تجربة لاتكترث لها المرأة كثيرا , ومن هنا تسللت الينا فكرة (تغفيل) الحارس . لذلك رغم ان البنت اطّلعت على تفاصيل المؤامرة , الا انها لم تجد ما تفعله غير الغناء والبحث عن الرجل المخلّص والذى يمثله الاب فى هذه الحجوة . وموقف الجلابة من قصة فاطمة كان سلبيا يعكس ثقافتنا المجتمعية التى لاتلقى بالا الى ما يقول الصغار , مهما كان مايقولونه مخيفا ويستحق الاهتمام , ونميل عادة الى تصديق الكبار الذين يجيدون الكذب والتلفيق ! ومن هذا الباب تسللت الينا الاساءة الى الاطفال بكل انواعها بما فيها الاساءة الجنسية !.
    وربما لاحظتم ان الرقم ثلاثة له حضور مميز فى الثقافة السودانية , ( فالتالتة واقعة ) ! وربما تعلمت المرأة بشكل لاواعى ان ( تفرمل ) , فى الرقم 3 ! تحمل الغنوة داخل النص , شكلا للاب هو فى داخله شكلا للحبيب , ففى وقت لم يكن يسمح للنساء فيه بالتعبير عن عواطفهن لاباس ان تمدح المرأة الرجل الذى تحب باسم ابنتها ! وهو اخدرن طويل , لديه المال والجمال وشالو شال حرير , على وزن ( الجلابية السكروتة ) , والجلابية الدلع والحرير ومن جلد النمر جزمة.

    ملحق (2)
    ملخص حجوة من اساطير الدينكا :
    فى البدء كانت الصلة بين الارض والسماء قريبة ومتصلة فالله لم يكن بعيدا عن الانسان كبعده اليوم . فى تلك الايام فأن الانسان كان يعيش حياة جميلة وممتعة . اذ ان الشيخوخة لم تكن آفة تخيف البشرية ذلك لان الشخص الذى يبلغ مرحلة الشيخوخة كان يسافر من الارض الى السماء حيث يقيم الله . وهنالك فى السماء لايعود المسافر الا اذا اعاد الله اليه شبابه وهكذا يبدل الله الشيخوخة بالشباب . كما ان المسافر لايعود الى الارض الا مع ظهور الهلال . وقد كانت الرحلة تتم عبر حبل ممدود بين السماء والارض .ولما لم يكن هنالك شيخوخة لم يكن هنالك موت . حتى اتت انثى طائر تدعى ( اتوش ), لتضع حدّا لديمومة الحياة عند الدينكا . حين قامت امرأة بقتل احدى صغار ( اتوش ), وهى تحاول دفعهم سلميا بعيدا عن الذرة التى كانت تقوم بطحنها . فغضبت ( اتوش )وانتقمت من الانسان بقطع الحبل لتفقده الحياة ومتعتها . وبحلول الهلال لم يعد الذين سافروا الى السماء لتجديد الشباب .. وقد انتظر الاهل والاصدقاء طويلا ودون جدوى , ومنذ ذلك الحين اصبح الموت يحاصر البشرية .
    يحيى فضل الله _ حكايات واساطير سودانية

    تقوم هذه الاسظورة على ثلاثة مرتكزات اساسية : (1) العلاقة بالله .(2) العلاقة بثلاثية الحياة , الشيخوخة , الموت . (3) العلاقة بالحيوان .

    (1) العلاقة بالله :
    العلاقة مع الله عند الدينكا علاقة حب , فالله فى عليائه مادّا حبل وصله .. منعما على الدينكا بالحياة والخلود والشباب .الانسان هو الذى يصعد الى الاله ويبقى عنده حتى يحقق مطلبه كدلالة على ان مفهوم الاله هو بعيد كل البعد عن كل ما هو بشرى و ارضى. والبشر يديرون ارضهم كيف يشاءون ويلجأون للاله فقط للشباب والخلود .فيستمد الانسان كماله من الحرية الممنوحة له فى التصرف وهو المدلل صنيعة الاله المتعالى . يسأل فيمنح , متى رغب فى ذلك. ولاوجود لاله قاس, مانع او بنوازع بشرية كالآلهة الاغريقية مثلا , التى تنزل الى البشر لتشيع الفوضى بينهم وتتآمر عليهم , تعشق زوجاتهم وتخطف حبيباتهم . فيستمد الانسان قوته وكماله من صراعه معها .. موظفا الخصومات بين الآلهة لصالحه فيحصل على الدعم الذى يمكنه من التغلب عليها . كما ان الحكاية تجسد الحاجة الى الاله المحسوس والقريب , لان الانسان البسيط يجد نفسه ضعيفا وقليل الحيلة امام قوى الطبيعة وغوائلها . حين لايسند الظواهر الطبيعية اى منطق علمى , فذات النيل الذى يفيض فى الجنوب بكثرة مخيفة تفسر عند الاديان الشعبية بغضب الالهة يفسر عدم فيضانه فى الشمال بالسبب عينه !فتلقى القرابين من النساء الجميلات فى كلا المنطقتين ليكف النيل غضبه عن ارض الدينكا ويطرح رحمته على ارض مصر. وكلما تطورت علاقة الانسان بالعلوم جنح الى التجريد وانحسرت الخرافة , لتصبح مجرد حنين الى الماضى قريب من القلب وبعيد عن العقل والمنطق .فاذا كانت الحاجة الى الله المرئى من اجل الامن فى عالم غريب وغامض على انسان بسيط , فان الله الغيبى والمطلق هو مراد الانسان الذى قهر الطبيعة ووقف على تخوم الغيب طارحا الاسئلة الصعبة عن كنه الغيب وطبيعة الما وراء .وبالتالى ينتقل الاحتياج العاطفى من حيز المحسوسات الى الوله باله مطلق وبعيد عن الادراك البشرى . وهذا ما فطن اليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين تحدث الى الحجر الاسود بقوله , ما كنت لاقبلك لو لم ار رسول الله (ص) يقبلك ! باعتبار ان الرسول (ص) ادرك ببعد نظره الحاجة الى المقدسات المحسوسة فى مجتمع كانت آلهته بقربه طوال الوقت , تصحبه فى حلّه وترحاله , تبارك تجارته وتحمى حربه .. الخ وهذا ماراهن عليه السامرى حين اضل قوم موسى عليه السلام , باتخاذهم العجل , متسللا من ثقوب الحنين الى المحسوس ومشوشا على تجربة العقل الواعى عن الاله الحاضر بارادته والغائب بحجب ذاته عن الكشف والاحاطة والادراك . لذلك كان التدرج الطبيعى لدى الدينكا بعد انقطاع الحبل الدخول الى حيز محسوس آخر هى عقيدة ( الطوطم ) وتقديس الاسلاف .

    ثلاثية الحياة –الشيخوخة – الموت :
    عدا الشيخوخة , لم تحمل الحكاية اى اشارة لاسباب اخرى للموت عند الدينكا , لذلك يتم تفسير الموت والامراض الفتاكة التى تصيب الصغار فتودى بحياتهم باعتبارها لعنة او عقوبة تقام لها طقوس خاصة عند المرض والاحتضار. فمثلا عندما تتعسر احدى النساء فى الولادة , تطالبها النسوة بالاعتراف بخطاياها حتى تتخلص من الاثم واللعنة وتنجو بحياتها . وعلى خلفية الاسطورة تعتبر ( الشيخوخة ) , هى عقوبة للانسان الذى وظّف شبابه وعافيته فى ايذاء الاخرين . فارتبط الشباب بالعنفوان والرعونة , والشيخوخة بالحكمة والرأفة . وان كانت دلالات الشيخوخة جميلة الا انها لا تستطيع ان تعبر حاجزا نفسيا عند الدينكا باعتبارها عقوبة مفروضة ودرس بالاكراه , دفع الدينكا ثمنه غاليا من شبابهم وخلودهم .. لذلك يبرز هذا الحاجز فى اشعارهم :
    جميل ان تترعرع فى العمر
    نعم يا ثورى اقانى ..
    لكن الكبر امر سىء
    نعم يا ثورى ماكير
    فهو يقود الرجل نحو الضعة
    ( وربما لذلك هنالك تقليد لا يسمح بترك زعماء الدينكا يموتون موتا طبيعيا , بل يتم دفنهم احياء عندما يصيرون فى سن متقدمة يكونون فيها غير قادرين على التصرف )- فرانسيس دينق , الدينكا فى السودان .وقد اتى ( الموت ) فى هذه الحكاية عقوبة على عدم تقدير الحياة .. فقتل الطائر كان بمثابة تبذير لطاقة الحياة عند من استغرقتهم ديمومة الحياة , فلم يعودوا يشعرون بقيمتها . وكرد فعل على حقيقة الموت المخيفة , ابتكر الدينكا عقيدة الخلود عبر النسل . لذلك يحافظون على نسلهم باعتباره وعاءا مقدسا عبر طقوس معينة فى الزواج والانجاب وتباعد الولادات , ومثال على ذلك فان الرجل غير مسموح له بممارسة الجنس مع زوجته الا بعد فطام الصغير وانتقاله الى عشيرة امّة ليتلقى الرعاية . اما الارواح التى لم تقترح لها الحكاية بالموت قبرا بعينه , تظل حائمة حول العشيرة تتعهدها بالرعاية وهى ما يطلق عليها الدينكا (ييث ), فى مقابل الارواح الطليقة ( جاك) . وهذه الارواح كما يقول فرانسيس تظهر ثنائية اخلاقية وظيفيةهامّة بين هذه الفئات الروحية . اذ ان ارواح العشيرة _ الاسلاف _ منحازة وتوفر الحماية , بينما تكون الارواح الطليقة حرّة وفى الغالب الاعم مدمرة . ومن ذلك فان هذا الدمار الذى يمكن ان تلحقه ( جوك ) ليس سلبيا على الدوام .. اذ يمكن ان يكون لجوءا الى شر ضرورى من اجل فرض او تأكيد فضيلة . وتحل هذه الارواح فى كائن حى بالقرب من العشيرة او البيت ( عقيدة الطوطم ) .لذلك لبعض الحيوانات قداسة خاصة , كالطيور والثيران والابقار .. كما يظهر هذا الشعر :
    يا عشيرة بول ... يا عشيرة بول
    لست طائرا من عالمكم ..
    بل طائرا من عالم السماوات
    ارسلنى اليكم ابى
    اذهب وتفقد عشيرة بول العظيم
    تفقدهم وعد الى البيت

    العلاقة مع الحيوان :
    فى هذه الحكاية , جلبت الاساءة الى الحيوان على بنى البشر الشيخوخة والفناء . لذلك هنالك علاقة خاصة عند الدينكا بالطيور كرمز تكفيرى عن خطيئة الانسان الاول . لذلك تقبع هذه الطيور بالقرب من او مع الساحر ( الكجورى ) , لتضفى عليه ظلا غيبيا مهيبا , موظفا الاسطورة وندم الانسان وتهيبه فى ابتزاز القداسة .
    ايا دينق ..
    هلا احضرت حبل طائر البرقش
    حتى نجتمع فى محيط واحد
    نحن والقمر والاله
    اعطنا حبل طائر البرقش
    حتى نجتمع فى مكان واحد مع القمر
    وفى الحكاية قصد واضح لابعاد الاله عن اى دور فى اضرار البشر . فالله لم يتدخل لانصاف اتوش التى انتقمت لوليدها ولحزنها من الانسان بقطع الصلة الحسية بالله .لكن الاله بعدم تدخله وكأنه يقر العقوبة التى تلقاها شعب الدينكا . وهذا الموقف من الاله , جعل الدينكا يحيدون الاله تحيدا اظهر عقيدة الدينكا , كأنها عقيدة تؤمن بتعددية الالهة . حيث يتم تصفية حسابات الخطايا والآثام بصورة ارضية تماما . يتم فيها تقديس الارواح النافقة بغض النظر عن صلاحها .. كروح مطلق يقوم بادارة العالم الارضى ويمنح الخير والشر وفقا لاعمالك .
    ملاحظات عامة على النص :
    تظهر فى الاسطورة ظلال التأثر بالثقافات الاخرى او ربما .. هى وحدة التجربة الانسانية .. على كلّ فى الاسرائيليات عن خلق آدم وحواء والخطيئة الاولى التى تسببت بطردهم من الجنة , ثلاثة عناصر مشتركة , هى الخطيئة , الاكل والمرأة .كما ان العقوبة بها وجه الشبه ففى رواية أدم امر بالهبوط . ومنع الدينكا من الهبوط ( لم يعد الذين ذهبوا ) والصعود . ووجود الاله وجنته فى السماء مفهوم عقائدى شائع فى الكثير من الاديان وان كان البعض يفسرون لفظة ( اهبطوا ), فى القرآن بمعنى لفظة قرآنية مشابهة وهى ( اهبطوا مصرا ). معنى لا يحصر الهبوط من السماء فقط .اذ يمكن ان يهبط الانسان من ارض الى ارض . كما ان ربط المرأة بالخطيئة لايعدو ان يكون تلاقحا ثقافيا وافدا من مجتمع ذو ذهنية ذكورية باعتبار ان مجتمع الدينكا ينتمى الى ما يعرف بمجتمعات الخصب وهى مجتمعات تقدس المرأة .
    اما ظهور الهلال كتوقيت يعود فيه الراحلون الى الارض , ربما ليسترشدوا بنوره .. حتى لايضلوا طريقهم الى العشيرة... والذى يشابه اشكالا رمزية فى عقائد اخرى كديانة الموقد عند شعوب اثينا القديمة . وهى عبارة عن نار توضع فى موقد ويحافظ على اشتعالها الدائم لتبقى الارواح فى عالمنا وليسترشدوا بها . وربما لهذا يحافظ بعض الاوروبيين على تقليد وضع الشموع فى الجنائز او الفوانيس فى نافذة بالبيت تظل مشرعة باستمرار ويضاء بها الفانوس ليلا.. حتى لا تضل روح الميت طريقها الى البيت ...

    ملحق (3)
    ملخّص ( غيبوبة ):

    تحكى الحجوة عن فضيل ود طه ود فضيل الذى صحب قافلة الجلابة التجارية فى رحلاتها المختلفة , حتى وقفت قافلته امام قرية عند الظهيرة التى سبقتها امطار خفيفة , اهدت سماء تلك القرية الوان قوس قزح , الامر الذى جعل اصحاب تلك القافلة لايملكون الا التريث ولو قليلا ومن ثم يواصلون سيرهم جنوبا حيث يقصدون . ومن ثم انتقلت الحجوة من الحديث عن الماء الى الخضرة ثم الى الوجه الحسن والمحنة العاطفية التى المّت بفضيل ود طه حين رأى ( شامة ), وتبعها كالمسحور الى دارها .. ورأته شامة واحبته فسحرت له بقص شعرات من رأسه وضعتها داخل قرعة ثقبتها بمسلة وحينها اصبح يشعر بألفة متناهية مع المكان وبدا غير مستعد لمفارقة شامة التى علقت القرعة فى سقف القطية وعلق معها قلب فضيل وقدره الى الابد فرفض فضيل ان يفارق مع القافلة رغم الحاح اقاربه , حتى رحلت بدونه . فصار فضيل كالعاشق المجنون يتغنى بحب شامة
    شامة
    قديم الحمامة
    فراقك يجيب الندامة
    وعشقك حلال
    وفيهو السلامة
    وهكذا تزوج فضيل شامة وانجب منها عثمان , مريم وحمدين . وحين مرضت شامة وشارفت على الموت طلبت من اختها ان تدفن معها القرعة , وهكذا فعلت , فخرج فضيل بعد موتها من القطية وصار لاينام الا بالقرب من القبر رغم الحاح ابناءه ورجال القرية الى ان عبثت بعض الاغنام بالقبر فاخرجت القرعة وبعثرت ما فيها ليفيق فضيل من غيبوبته بعد خمسة وعشرين عاما ليسأل عن القافلة التى اقلته .
    الحجوة تبدو مكيدة ضد الحب , تقلل من شأنه وتحط من قدره باعتبار انه عاجز عن اقناع فضيل ود طه بالبقاء . وان كانت الحجوة تستبطن موقفا اخرى هو فى نظرى المكيدة الحقيقية , تظهر عندما نقوم بعملية ابدال لرواة هذه الحجوة ..فمن الذى صاغ هذه الحجوة وما مصلحته فى ذلك فالقصة ليست قصة حب بريئة بقدر ما انها موقف من زيجات الجلابة او تبرير لئيم لموقف هذه الزيجات !
    لنقل ان نساء الجلابة فى الشمال والوسط حيث تصدر مثل هذه القوافل او الرحلات باتجاه الغرب او الجنوب هن الائى صغن هذه الحكاية , فستبدو هذه الحجوة مبررا منطقيا يداوى جرحها النرجسى وهى الفتاة او الزوجة التى تم هجرها الى فراش اخرى, لاترى فيها من موقع الاستعلاء العرقى والثقافى الذى تصدر فى الغالب منه اى شىء يستدعى هذا السلوك اللهم الا السحر والعين والكتابة . وهذا الثالوث وبلا مبالغة هو افيون الشعب السودانى وشماعته التى ان انكسرت انكسرت صورة الذات عنده . وكل سودانى ما نجح فى المدرسة ( لانو فى واحد قاصدو او قاصد اهلو فيهو او كتبتو مرت ابو !) , وهكذا التى لم تتزوج , والتى لم تنجب , والذى لم يحصل على عمل , والذى لايثابر او يستقر فى عمله و...و .. الخ . وهذا هو سر الهلع المصاحب لمقولة احدهم لزوجته انا سأصحب هذه القافلة وتلك . كما انها وراء الجزم بعبارة مشى الغرب , الله اعلم يجى راجع تانى !
    او لنقل ان هذه الحجوة هى مبرر الجلابة للسلوك الغير مسؤل فى الهجرة من ارض الاهل وترك الخطيبة او الزوجة معلّقة . وهى الاعتذار للقبيلة التى تصر على الزواج من بنت العم حسب العرف والتقاليد التى تجعل غيبوبة فضيل محض ادعاء صاغه العشق غير المشروط لشامة قدم الحمامة . والذى يعرف العشق يعرف انه السحر الاعظم الذى يختبى الى الابد فى قرعة لا يعبث بها الا قدر عشق جديد . وهو السبب فى ثقل الاقدام عندما يعقد احد العاشقين عزمه على الرحيل ليستأنف قدره . كما انه السبب وراء زغللة العيون ( وطشاشها ) فلا تبصر درب القافلة , طريق القطار , البص و لاحتى الطائرة .
    وربما صاغ هذه الحجوة عشاق شامة المحليين ليوقفوا هذه الاغارات على قلوب فتياتهم من قبل الجلابة الغرباء , فمن الذى لايحب شامة ؟ لهذا تصبح هذه الحجوة رسالة تحذير الى الفتيات المتضررات من هجر الجلابة , والى الجلابة انفسهم بتشويه فكرة الحبيبة بت الغرب عندهم , حين لا يعدو عشقها ان يكون محض سحر ينسيك الاهل والديار والالتزام . وهو تحذير يليق بمتضرر من هجر شامة , وهكذا نشأ نادى القلوب المهجورة باحاجيه التى تكرس للتفرقة بين قلبين جمعهم الحب وفرقتهم الانتماءات القبلية فراقا يجيب الندامة .

    ملحق (4)
    ملخص الحجوة :

    خرج ( مدنفرأو) من بيته باحثا عن العمل وتاركا خلفه زوجته التى كانت فى بدايات حمل لاعلم له به . فغاب اكثر من عشرين عاما, وعندما هم بالرجوع الى اهله اشترى ثوبا لزوجته التى غاب عنها طويلا . فطلبت منه عجوز كانت قد التقته فى الطريق ان يعطيها الثوب فاعطاها له رغم انه لايملك غيره . فشكرته وقالت له لا املك الا ان اقدم لك ثلاث نصائح جزاءا على فضلك معى : ان تصدق فى القول مهما كان الموقف , ان لاتضر احدا وان لاتخاف من شىء , اى مشكلة تواجهك او تتعرض لها ليلا ان تتأنى بها حتى الصبح . وهى نصائح وجد الرجل نفسه بحاجة اليها عند اول اختبار , حين وجد بئرا مزدحمة بالمواشى والناس الذين عجزوا عن السقيا . وكلما انزلوا رجلا الى البئر اختفى . فعرضوا على مدنفرأو نصف المواشى باصنافها مقابل ان يسقيهم . وعندما نزل رجلنا الى البئر ظهر له جنى وجنية , وكان الجنى يحمل سكينا , فسال مدنفرأو بذمته من هو الاجمل هو ام الجنية , فتذكر الرجل نصيحة العجوز وهو يهم بالكذب امام تهديد الجنى القبيح . فعدل رايه واقر للجنية الجميلة بالجمال , فاختفى الجنى فى الحال وخرج مدنفرأو , وسقى القوم العطشى وحمل هديته من الماشية وقفل من ليلته تلك الى اهله عائدا . وحين وصل بيته وجد شابا وسيم الطلعة , مفتول العضلات . ولولا وصية العجوز لهمّ بقتله , لكنه تريث حتى الصباح . فسمع زوجته تنادى الولد بمحمد وتسأله ان يوقد النار لوالده . لكن مدنفرأو شك فى نسب الفتى فاراد ان يمتحنه ليعرف ان كان الفتى يحمل من حكمته وفراسته شيئا . فسأله ان يذبح ذبيحة وياتى باسوأما فيها واحسن ما فيها , فاتى الولد بالقلب قائلا لااعرف احسن من القلب عندما يكون حسنا واسوأ منه عندما يكون سيئا . ثم توالت الاختبارات , سأله عن الشىء الذى له اثر جميل فقال الفتى : المطر .ثم عن احسن ظل يستظل به المرء فقال القبيلة .واخيرا ساله ان يصطحب تيسا من الماعز يذهب به الى السوق و يبيعه وياتى بالنقود وان ياتى منه لحما وان ياتى به حيا . فحلق الفتى التيس وباع صوفه وخصاه فعاد لوالده بالمال واللحم والتيس حيا . فتأكد انه ابنه .

    تشبه الحجوة فى فكرتها احاجى كثيرة سودانية وعربية وعالمية ترتكز على اللغز الفلسفى , لتأسيس طقس حكاية بمقدوره تحمل الابعاد الفلسفية للثقافة محور السرد . واشهر هذه الحكايات رواية اوديب ملكا للكاتب الاغريقى ( سوفوكليس ). فلقد سأل الوحش اوديب عن الذى يمشى على اربع واثنين وثلاثة فأجاب بانه الانسان فانتصر على الوحش واصبح ملكا وتزوج من امه التى لم يكن يعرف انها امه وعندما عرف وعرفت , انتحرت الام وفقأ اوديب عينيه . تاركا لنا اسمه نحن اهل الطب النفسى لنعقد منه العقد متى عنّ لنا ذلك ! وبعيدا عن التثاقف والتلاقح والتشابه , تمس الحكاية الكثير من المواقف والمعتقدات فى علاقة البجاوى بالمرأة والاسطورة والقيم المجتمعية والقيم الرجولية وغيرها من المناخات البجاوية المختلفة .
    العلاقة بالمرأة :
    يفتخر البجاوى بالانتساب الى ابنته فهو ابو أمنة وابو رقية . ومن الواضح فى هذه الحجوة ان المرأة العجوز لها قداسة خاصة , تحيط بها هالة غيبية تحيلها الى قدرة مريدة لها سلطتها , فما كان مدنفرأو ليعطى هديته الوحيدة وعذر غيابه اليتيم لاى عابر سبيل عادى من منطق الكرم المجرد . كما ان الامتثال والطاعة للعجوز هما من جلبا الخير والفلاح للرجل .و الحكمة والفراسة التى ميزت بها الاحجية الرجل , عادت وردتها فى رمزية عالية الى المرأة التى علمت مدنفرأو الحكمة . وما انقذ امرأة مدنفرأو من شكه الا حكمته التى تعلمها من امرأة , وبذا تكون المرأة هى الحكيمة والمعلمة والحامى للمرأة والرجل من رعونة الرجال وتسرعهم . تفعل المرأة البجاوية هذا فى سرية تامة اذ تغيب عن النص وتظل فيه حضورا اصيلا كتميمة مقدسة . تحمى البيت فى الغياب ومن الغياب , حيث ترعى النسل و(العقاب) , وتقف لترد جزاء سنمار فى العرف الرجولى بالصمت الذى يعلى العفيفة البجاوية فوق المظان التى نسجتها السنون والغياب الطويل .
    الاسطورة :
    للعالم الماورائى حضور جسدته ظلال الجنى والجنية فى تداخل اسطورى يمد مخلب العالم الغيبى ليتسلط على الحاضر الآنى . ويتسلح البجاوى فى وجه الغيب بدين خليط من القيم الانسانية , التى توقر الشيخوخة وتعتبرها منبعا للمعرفة والحكمة الانسانية وخلاص للبشرية من مجاهل الغيب . كما تعتبر القيم الانسانية مثل الكرم, الصدق , الصبر وعدم ايذاء الآخرين , مرتكزات الخلاص البجاوى لامتحانات الحياة المقبلة . وتقديس كبار السن اتضح انه ملمح سودانى اصيل , رأيناه قبلا فى ثقافة الدينكا , كما امتلأت به الاحاجى الاخرى من مناطق السودان المختلفة .وهو امتداد لعقيدة الطوطم وديانات الموقد الاغريقية وتعاليم الاسلام السمحة فى توقير الكبار . كما انه تقليد سودانى اصيل( فالماعندو كبير يشترى ليهو كبير ), وهم الاجاويد وناس الشورة , وفى غرب السودان عبارة شايبى للوالد ..عبارة حنينة مغلفة بالوقار والقداسة .
    القيم الرجولية :
    يقول محمد المكى ابراهيم ( خير من اعتذر):
    سأعود لا ابلا وسقت ولا بكفىّ الحصيد روائعا
    مدّوا بساط الحب واغتفروا الذنوب وباركوا هذى الشهور الضائعة

    الغياب المغفور له باذن الله يكاد يكون صفة رجولية ملازمة لاى سودانى , بحثا عن الرزق او العمل او الانجاز . وهى مبررات تفقد معناها حين يطول الغياب ليبلغ العشرة والعشرين من السنوات. وتكاد البيوت السودانية تنمو فى ظل غياب الرجل الذى عاد من التراث ليتعلم الاغتراب والهجرة . ولتجزر هذا الغياب فى الشخصية السودانية , يمكن للرجل ان يعود بعد ما يشاء من السنين خالى الوفاض او حاملا هدية صغيرة , او شكوكه وحسب ! وعلى المرأة ان تظل انتظارا ابديا قانعا وعفيفا .
    يقول ود المكى فى ذات الشرف الجديدة :

    واذل ايامى اذا دمعت عيون الشيخ , قالت طفلتى : اين القصور ؟
    وزخرفت امى حماقات الشهور الضائعة
    ياعفّة الكذب الرؤوم تنزّلى بردا عليه ,
    وطيّبيه ,وفتّقى لخطاه صحراء النزوح مشارعا
    لله ما احلى تنفسه هواء البيت , ما احلى تسلّطه وسهد كتابه
    ويحا لرمحته وطيش شبابه
    وهكذا تفقد الاسرة خصوصيتها كهدف اصيل , يستمد الرجل منه معنى لبقائه وتضحياته , اذ يبدو الرجل الذى ياتى بعد عشرين سنة معنيا بذاته وبقائه , وعلى الاخرين ان يشعروا بالامتنان لانه تذكرهم وعاد من غيبوبته الذاتية المقدسة . لذلك لايخجل مدنفرأو وهو يعد الاختبارات لولده فمجرد الحصول على اسمه هو فى نظره مكافأة تعدل خطيئة الغياب . كما ان الابوة هى تسيد واستعباد فى مقابل الامومة العطاء والدفء والتضحيات .عدا هذا تعد صفات الكرم والشجاعة والصدق والفراسة والذكاء صفات رجولية اساسية .
    ملاحظات عامّة حول النص :
    للبجاوى بخشوم بيوته المختلفة علاقة خاصّة مع الحيوان, تظهر ابعادها الاجتماعية فى هذه الحجوة , ان المكافأة الحقيقية لمدنفرأو على صدقه كانت بالماشية .والتضحية التى قام بها كان من ضمن اسبابها ايضا ان يسقى الماشية . كما ان الامتحان الاول والاخير للابن كان عن علاقته بالماشية . حيث ابتدأ بالسؤال عن الذبيحة , احسن ما فيها واقبح ما فيها . فبدت الذبيحة وكأنها قربان حقيقة اولى , تساعد الرجل فى الاهتداء الى شكوكه والتغلب عليها .
    ملحق (5):
    ملخص حجوة ( الوعل )
    توفى رجل ثرى وترك توأما هما (جمل ) و(جمولة )وشقيقهما الاصغر عبد الرحمن .ولما كانت امهم قد توفت سابقا , فقد اصبحوا نهبا لمطامع الغير .ومن ذلك ان اعمامهم تشاوروا فيما بينهم, كيف يسعهم ان يتخلصوا من ابناء اخيهم ليحصلوا على المال .فقالوا نزوج جمولة وعبد الرحمن تلفان لاخوف منه ولكن المشكلة جمول , فقال لهم احد الاعمام ( لو قمنا بقتله قهذا عيب واذا طردناه من البلد سوف يعود لذلك سنمسك به ونربطه على ظهر وعل برى ونترك له يد واحدة دون قيد حتى يستطيع ان يلقط ويأكل بها ويغرف الماء ويشرب, والوعل لن يقترب من القرية وبالتالى لن يعرف احد ما حصل . وهكذا اصطحبوه الى الصيد ونفذوا خطتهم .عاد الاعمام من الخلاء ليخبرواالجميع ان جمول ضاع منهم فى الخلاء , صدق الجميع الا جمولة التى اخذت بالبكاء على اخيها, ورفضت ان تتزوج بابن عمها ولاذت ببيت ابيها مع اخيها التلفان عبد الرحمن . ظل الوعل يركض فى البرية بجمول الذى يرد الماء ليلا وهو يغنى "ورد العقص فى الليل لم انكبن نجوم الليل "وفى القرية جملة تغنى : جمول وليد امى وين ". وهكذا حين يرد الماء يناغى جمول اخاه عبد الرحمن "عبد الرحمن برارى شن تنطيك" ويصل صوته فى الليل الى القرية , فيرد عليه عبد الرحمن " تنطينى القنقو بالدبان تفزعنى باطول الزملان ". حينها عرف جمول بتعاسة اخته جملة .سمعت عجوز هذه المناغاة فتقصت الخبر ووقفت على حقيقته من جمول حين ورد الماء , فاستدرجت العجوز جملة واخبرتهاالقصة وساعدتها على انقاذ اخيها الذى صار هزيلا .فخبأته جملة عند العجوز وراحت تخترع الاسباب لاعمامها كى يذبحوا ثورا كرامة لحلمها باخيها , وهى تخبأ الطعام لاخيها, حتى قوى عوده , فسألت اعمامها ان يعطوها جواد أخيها وسيفة وحربته وسرجه لتضعهم امام البيت يوم العيد علّ رؤيتهم تفرح قلبها , استهجن بعض الاعمام موقفها الا ان البعض وافق طمعا فى ان ترضى جمولة بابن عمها .وهكذا سألت جمولة شقيقها ان يركب فرسه ويأخذ سيفه وحربته ويخرج لاعمامه امام الناس ويسترد حقه . البست جملة جمول ملابس بيضاء وخرج بفرسه على المصلين وجمولة تزغرد وقص على الناس قصته وانه يريد مال ابيه ..فقال له الناس المال مال ابيك وانت سيدو ..اخذ جمول ماله ومال اخته وقرر الرحيل من القبيلة تاركا اعمامه غارقين فى الفضيحة والعيب .
    يحيى فضل الله .اساطير وحكايات سودانية
    تحكى هذه الحجوة شيئا من القيم السائدة فى مجتمع الرزيقات , كالدين والخلفية الثقافية والعلاقة بالمرأة والحيوان ومفاهيم العدل والحق والانصاف .
    الدين والخلفية الثقافية :
    من الواضح ان الحجوة تحمل الكثير من الظلال العروبواسلامية , فاطلاق اسم الجمل على بطلى هذه الحجوة , لايخرج عن الاطار الطبيعى للمجتمعات البدوية التى تعلى من شأن الجمل كحيوان له تقديره وخصوصيته على نحو ما اوضحنا فى معرض حديثنا عن الهمباتة , وفى المثل السودانى :لوسرقنا بنسرق جمل وان عشقنا بنعشق قمر ..وقد رأينا كيف ان سرقة الجمال عند الهمباتة مجلبة للفخروليس العار على عكس غيرها من الحيوانات. واسم عبد الرحمن الذى يبدو شبيها بالاسماء الاكثر انتشارا فى الوسط والشمال كملمح له علاقة بالاستقراروالزراعة ..وقد اعلت الحجوة الاسماء البدوية على الاسم النيلى , فجمل هو الفارس المنقذ وعبد الرحمن هو الدرويش التلفان, الذى يعى بادراك خاص اذ سمع واجاب على اغانى اخيه لكن دون رد فعل ملموس , كما فعلت جملة من حيث انها جملة وليست مجرد امرأة .
    تظهر المظاهر الاسلامية فى مؤامرة الاعمام الشبيهة بمؤامرة اخوان يوسف حين انتصر رأى اطرحوه ارضا على اقتلوه ..كما ان خيار الجب هو خيار ابعاد كان متاحا لاخوان يوسف مقابل خيار الوعل الذى لايرد الحى ابدا . والدافع فى الحالتين هو امتلاك ما فى ايدى الخصم مما يفتقده المتآمرون ويحول ضحيتهم بينهم وبينه ..يخل لكم وجه ابيكم ..كان الدافع العاطفى وراء الخطيئة التى ارتكبها اخوان يوسف , بينما الدافع المادى وراء اعمام جمل واخوته . وفى كلتا الحالتين لم يبلغ الطمع ذلك الحد الذى يحيل صاحبه الى قاتل ..ولقصة واقعية كقصة اخوان يوسف , يبدو هذا الاقتراح مناسبا جدا لاخوان نبى وابناء نبى . لكن غياب العنف القاتل فى هذه الحجوة له مؤشرات ودلالات عميقة يجب ان لانتجاهلها بل نراهن عليها ..فما اسهل القتل فى الاحاجى والحكايات, بمبرر ودون مبرر موضوعى . وفى هذه الحجوة برزت مبررات كثيرة للقتل كالطمع والثأر, غير انه لم تراق قطر دم واحدة بشرية .فقط دماء الكرامات والاضاحى على نحو ما اباح الدين . وفى رأيى ان قبيلة الرزيقات قد تأثرت بالقبائل النيلية ومنها الدينكا , وهى قبيلة يقوم دينها الوطنى على فكرة تقديس الارواح التى يعزى الى تبديدها حرمان الدينكا من الخلود والعلاقة الحسية المباشرة مع الاله, على النحو الذى ذهبنا اليه فى حجوة الدينكا , كما ان الدين الاسلامى هو دين التسامح والمحبة . وبالتالى تبدو قصص المذابح والحروب الدموية قصة طارئة لاتليق بالمكون الثقافى لقبيلة الرزيقات وموروثها الثقافى المسالم . وكما ذكرنا تتدخل اسباب اخرى فى صياغة الشخصية بما فى ذلك جغرافيا المكان, مناخه وتاريخه .تظهر الملامح الدينية فى اقتراح الثياب البيضاء كثياب فروسية جديرة بالحق والعدل والانصاف ولتلقى على المشهد الحكائى رهبة الحضور الدينى الذى يختار وقت الصلاة وزى الصلاة للتدليل على النصرة والمباركة الالهية.كما ان صلاة العيد هى ميقات له حضور غيبى فى وجدان السودانيين وله نفحاته وبركاته. كما له دلالاته كدينونة صغرى لخاطئين . ولوهلة تبدو العقوبة التى اختارها جمل لاعمامه متسامحة..فتركهم غارقين فى العيب والفضيحة , اهون من الاقتصاص منهم بالقتل . ولكن الذى يتفرس فى قيم المجتمع البدوية يدرك ان الحياة بعار العيب والفضيحة افضل منها الموت كالفرسان. واكتفاء جمل بهذه العقوبة يعلى قدره كفارس قدر وعفا دمه . كما ان رحيله واهله من القبيلة عار لا يمكن لبدوى احتماله , وهم الايتام رعايا القبيلة الذين ظلموا وانتصروا ورحلوا ليحتمو بالاغراب ! كما ان مشهد ظهور جمل على فرسه بملابسه البيضاء وهويحمل سيفه وحربته تتبعه زغاريد اخته . له مشهد ترتعش له دماء اى فارس بدوى .ويدلل على المكون الشكلى للفروسية .
    المرأة :
    المرأة عند الرزيقات وان لم تكن فارسة بالشكل الذى يجعلها تحمى مال ابيها الا انها لاتعوزها الحيلة ولا الادراك السليم وحسن التصرف . فالفتاة لم تصدق خديعة اعمامها ولم تمكنهم من التخلص منها بتزويجها , وهى التى انقذت فتاها ووقفت خلفه تشد من ازره حتى انتصر وعلى زغاريد جمولة بدا جمول اكثر فروسية وارهابا. ومن عينى فتاته , يستمد الفارس الرزيقى ايمانه بفروسيته ويصدق ان صدقت المرأة واعلنت ذلك بالزغاريد.فبالتالى المرأةهى الحكم الذى ينصب الفرسان ويحرم !
    اما العجوز فى الحكاية , فهى العجوز فى كل الاحاجى السودانية من حلفا الى نمولى, مصدر المعرفة والحكمة الانسانية . والذات المجردة لخدمة الغير ,بتفانى نادر وانكار ذات .وكأنها روح مرسلة من اجل الخير ..وهنا ايضا تظهر ثقافة الدينكا كقبيلة تقدس الاسلاف وتوقرهم.
    هذه النماذج من كتاب يحيى فضل الله .حكايات واساطير سودانية . نشرت فى جريدة السودانى الاسبوعى تحت عنوان الاحاجى الشعبية مقاربة لشخصية سودانية .

    مراجع و إحالات

    1-Samuel.p.Humtington, who are we? Americas Great debate ,p12.
    2_المصدر السابق .ص13 .
    3_الدكتور عاطف وصفى ,الثقافة والشخصية .دار المعارف .الطبعة الثانية 1977 .ص180.
    4_المصدر السابق .ص 180.
    5_المصدر السابق . ص180.
    6_أمين معلوف . الهويات القاتلة .ترجمة نهلة بيضون.دار الجندى . الطبعة الاولى ...1999 , ص19_20 .
    7_ هنتنغتون .مصدر سابق .ص21 .
    8_د. حسين ابو رياش,د.عبد الحكيم عبد الصافى ,د.اميمة عمور,د.سليم شريف . الاساءة والجندر .دار الفكر .الطبعة الاولى 2006 .ص26_27 .
    9_الاساءة والجندر .مصدر سابق .
    10_ د.عبد الغنى فضل الله .محاضرة فى علم النفس . مجلس التخصصات الطبية _السودان .يونيو /2006 .
    11_ Nicky Hayes. Foundation of Psychology.Thomoson publishing company. Second edition1998. P382.
    12_نيكى هيز .مصدر سابق .
    13_نيكى هيز .مصدر سابق .
    14_ أمين معلوف . مصدر سابق .
    15_Kaplan and Sadock.Synopsis of Psychiatry. Williams and Wilkins. Seventh edition1994.p 250.
    16_د.عاطف وصفى.مصدر سابق .ص191 .
    17_د.عاطف وصفى . مصدر سابق .ص156 .
    18_ د.عاطف وصفى.مصدر سابق.ص 198 .
    19_ريمون كاربانتييه.معرفة الغير .ترجمة نسيم نصر. دار منشورات عويدات .بيروت .الطبعة الثالثة 1984 .ص7 .
    20_د.عبد الله على ابراهيم .وراء حجاب احاجى المرأة .مجلة الدراسات السودانية .دار جامعة الخرطوم للنشر ومعهد الدراسات الافريقية والاسيوية .العدد ½ مزدوج المجلد الحادى عشر اكتوبر 1991 .ص81 .
    21_ د.عبد الله على ابراهيم . مصدر سابق .ص82 .
    _د.عبد الله على ابراهيم .مصدر سابق ص82 .
    22_د. عبد الله الطيب. الاحاجى السودانية . مطبعة جامعة الخرطوم .الطبعة الثالثة 2004.
    23_يحيى فضل الله .حكايات واساطير سودانية.المركز السودانى للثقافة والاعلام .
    24_M. Elhadi Hassan Hashim.Nobiin Stories Volume one. Nubian
    pressBerlin2005.
    25_( سلام سلام يا جلابة
    أبوى اخدرن طويل
    ياجلابةجمله الهدير
    ياجلابة سوطه الوروير
    ياجلابة توبو توب حرير
    ياجلابة )
    26_د.ناهد محمد الحسن. اساطير وتراث الدينكا وحدة التجربة الانسانية ام حوار الثقافات .ندوة التنوع الثقافى_مركز الدراسات السودانية 2002 .
    27_ د. فرانسيس دينق .صراع الرؤى نزاع الهويات فى السودان . ترجمة د. عوض حسن . مركز الدراسات السودانية . الطبعة الثانية 2001 .ص13 .
                  

العنوان الكاتب Date
مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen09-29-07, 07:51 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen09-29-07, 08:12 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen09-30-07, 07:05 AM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen09-30-07, 10:13 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen09-30-07, 01:29 PM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) عوض حمزة09-30-07, 09:44 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-02-07, 01:31 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-02-07, 01:53 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-02-07, 02:24 AM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) عبدالعزيز حسن على10-02-07, 03:09 AM
      Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) HAYDER GASIM10-03-07, 01:19 AM
        Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) صلاح شعيب10-03-07, 01:35 AM
          Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) طلال عفيفي10-03-07, 02:01 AM
            Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) عبدالغفار محمد سعيد10-03-07, 02:20 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) omar ali10-03-07, 03:41 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-03-07, 03:06 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) بهاء بكري10-03-07, 04:41 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-04-07, 10:11 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-04-07, 10:30 AM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) nadus200010-04-07, 12:28 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-04-07, 02:35 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-04-07, 02:46 PM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) Raja10-04-07, 05:16 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-07-07, 09:03 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-07-07, 09:12 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-07-07, 09:27 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-07-07, 10:11 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-07-07, 10:44 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-07-07, 11:00 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) omar ali10-08-07, 04:10 PM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) yumna guta10-08-07, 05:07 PM
      Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) Tragie Mustafa10-08-07, 06:12 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-10-07, 10:20 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-10-07, 10:49 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-10-07, 11:46 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-12-07, 12:57 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-12-07, 03:40 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-13-07, 07:48 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) دينا خالد10-13-07, 03:58 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-13-07, 05:17 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-13-07, 11:36 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-15-07, 04:15 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-15-07, 04:20 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-15-07, 04:24 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-19-07, 11:05 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-22-07, 01:35 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-22-07, 01:44 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen10-28-07, 11:14 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) omar ali10-28-07, 04:11 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen11-01-07, 07:14 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen11-04-07, 01:50 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen11-05-07, 08:18 AM
    Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) Rawia11-05-07, 09:34 AM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) shaheen shaheen11-10-07, 09:57 PM
  Re: مركز الخاتم عدلان للاستنارة :- مؤتمر الهوية والحرب الاهلية فى السودان (الاوراق + الصور) Nasr11-11-07, 01:36 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de