التعذيب في المعتقلات السياسية السودان (فيديو )

Quote: فى حلقة الاسبوع الماضى تحدثت عن الشمولية وما ساتناوله فى الحلقات اللاحقة وها انا ذا شاهد عصر وقد بلغت من العمر خمساً وستين عاما. عملت بعد تخرجى فى مهنة المحاماة والحمد لله اربعين عاماً كامله كما عانيت فيها الكثير وخاصة فى نشاطى النقابى بنقابة المحامين وقد كنت امين سر النقابة لست دورات اى اثنى عشر عاما وامتد نشاطى النقابى منذ العام ١٩٧٣ وحتى ١٩٨٩ م فى خلال ذلك الزمن رايت وسمعت واعتقلت مرات ومرات ورايت الكثير من الاذلال لاميز واقيم الرجال والنساء وقد نسى فيه الذين ١٩٨٩ م /٦/ جاؤا الى السلطة عنوة بانقلاب ٣٠ . ان التاريخ القريب جدا اسقط فيه هيلاسلاسى و شاوسكو وهرب موبوتو من بلاده بعد ان تسلط على شعبه ونهب امواله وفى اخر ايامه عين نفسه امبراطور. ونسى اؤلئك ان التعامل مع الشعوب يتم بالتراضى والاختيار الحر وليس بالقبضة الحديدية واستعمال القوة والتمكين وفصل الاخرين وارسال قادتهم السياسين والنقابين ونشطاء حقوق الانسان الى المعتقلات (كوبر و بورتسودان و الدويم و كسلا و دبك وعطبرة) وباحصاء مؤكد بلغ عدد من اعتقلوا اكثر من ثلاثة الف مواطن وهذه فى السجون المعلومة اما ما سمى ببيوت الاشباح فالاعداد لم تحصى ولم تحصر وهناك زنازين الامن والحديث حولها يطول وستكشف الايام الكثير. ١٩٨٩ م على الشرعية (والذى /٦/ ان إنقلا ب 30 يونيو سمى بالانقاذ) فى راينا المتواضع ليس انقاذاً وانما هو انفراد كاملا بالسلطة واقصاء الاخرين. الدليل على ذلك كل الادارات فى البلاد سلمت لمنتسبى السلطة وجلهم من الشباب الذين يفتقدون الخبرة وقد قالها الانقاذى على عثمان محمد طه من قبل ان الخدمة المدنية قد انهارت وفى كل يوم نسمع ان مسؤولاً وامام بعض الحشود يوعدهم بانه سيأتيهم بالماء والكهرباء والشوارع المسفلتة والمدارس والشفخانات بل ان بعضهم يتبرع بالملايين دون تنفيذ. ولما كان الانقلاب فى اى قانون ولاى دولة فى العالم جريمة فان قانون ١ ٩١ م للاجراءات الجنائية قد ادخل لاول مرة التقادم. ففى القانون السودانى المادة ( ٣٨ ) اجراءات ( جنائية لسنة ١٩٩١ م حيث ينص فى الفقرة ( ١ من تلك المادة على ما يلى: لا يجوز فتح الدعوى الجنائية فى الجرائم » ذات العقوبات التعزيرية اذا انقضت مدة التقادم بدءاً من تاريخ الجريمة وهى: ١ . عشر سنوات فى جريمة يعاقب على ارتكابها بالاعدام او السجن عشر سنوات فاكثر. ٢ . خمس سنوات فى اى جريمة يعاقب على ارتكابها بالسجن اكثر من سنة واحدة. ٣ . سنتان فى اى جريمة اخرى. ثم جاءت الفقرة الثانية من ذات المادة قائلة:- ” يمتنع سريان مدة التقادم متى ما فتحت الدعوى الجنائية“. هنا نسأل اسئلة برئية جدا لماذا ادخل هذا النص ولاول مرة فى القانون بالسودان ؟ والسؤال الثانى- كيف تفتح الدعوى الجنائية وكل من فى السلطة عليه من الحصانة التى فى الغالب الاعم لا ترفع عنه ويبقى طليقاً ولا نستطيع اى نيابة ان تقيد بلاغاً ضده، والحصانات كم هى؟ وامامنا فى كل يوم حادث ممن هم فى السلطة ولا يستطيع اى وكيل نيابة ان يقيد بلاغاً ضده. اذاً لماذا هذه الحماية؟ ولماذ هذا النص الخبيث الذى اذا قرأه الرجل العادى يظن ان هنالك فرصة او مدخلاً لمساءلة اى مسؤول؟ هذا النص فى راينا المتواضع قد ادخل فى القانون بعد تجربة محاكمة منفذى انقلاب ٢٥ مايو وما عانوه وما ظهر فى المحكمة التى كانت تبث على عبر الفضائية السودانية والاذاعة وتنشر فى الصحف. و الشمولية التى مازالت تصر على رايها وقرارها المنفرد بالسلطة رغم اتفاق نيفاشاواتفاق القاهرة وابوجا والشرق واتفاق جبال النوبة ” الذى لا نعرف عنه شئياً حتى الان“. ١٩٨٩ م /٦/ ادعت الشمولية التى بدات فى ٣٠أنها ستمنح الحريات كاملة كما نصت فى الدستور فى المواد التى سميت بوثيقة ( الحقوق من المادة ( ٢٧ ) الى المادة ( 48 وهى وثيقة شاملة لكل حقوق الانسان ولكن النص فى المادة ( ٢٢٦ ) فقرة ( ٥ كما ذكرنامن قبل اعطى السلطة الحق فى الاستمرار فى ١٩٨٩ م /٦/ تنفيذ القوانين التى شرعت منذ 30٠ وما جاء بالمراسيم الدستورية الثلاثة عشر والتى الغيت حين شرع دستور ١٩٩٨ م والذى صاغه وسعى اليه ومرره من البرلمان الى ان تم اجازته من رئيس الجمهورية وكل نص متعلق بالحقوق كان يقال فى اخره وفق ما ينص عليه القانون او وفق ما يفصله القانون بما يقل الحق او يمنحك الحرية فى الدستور ولكنه ينتزعها بالقوانين التى تصاغ وجاء نص المادة ( ٢٢٦ ) الفقرة ( ٥ من الدستور قائلاً:- ” تستمر كل القوانين السارية نافذة ويواصل جميع القضاة والعاملين فى الخدمة العامة اداء وظائفهم ما لم يتخذ اجراء اخر وفق الدستور“. هذا النص غريب وعجيب والسؤال كيف وافق عليه الاخوة فى الحركة الشعبية، وجميع ١٩٨٩ م وحتى التاسع من /٦/ قوانين ٣٠يناير ٢٠٠٥ م هى السارية وهى التى تنتزع الحقوق وتنتهك الحريات وتعتقل المواطن؟ وهذا الحق يعطى للضرورة جهاز الامن ويجدد بواسطة المدير ثم يجدد مرة اخرى بواسطة مجلس الامن بالولاية او للدولة، وقد يمتد الاعتقال لسنوات كما حدث للشيخ حسن الترابى وهو عرابهم ومفكرهم وشيخهم ومخطط انقلابهم وجميع من يحكمون اليوم هم تلاميذ له وفى عهد ولايته للاتجاه الاسلامى بممسياته المختلفة كانوا جميعا مطيعين له ينفذون كل ما يقول دون معارضة او تردد. ولكنها السياسة والمصالح والمال والتمكين والسلطة جميعها معا هى الشياطين التى تحكم فى من لا يعترف بالاخرين وينصب نفسه الوالى والسيد والمالك والاخرين خداما له وهكذا راينا نميرى عندما جاء ماذا قال ثم اصبح المعلم والملهم والقائد والكشاف وهكذا تحول اخيراً الى مهووس دنينياًوسقط هو الاخر غير مأسوف عليه. ورأيناالجار العزيز الرئيس انور السادات والذي ظن انه فرعون مصر واغتيل فى ذات اليوم الذى ظن انه يحتفل بانتصاره هو لا بانتصار الشعب المصرى. نرجع الى ما سبق ان عاهدتكم كقراء وهى احدى قضايا ذلك الزمان فى بدايات ١٩٩١ م حيث القى القبض على شاب مهندس يعمل فى وزارة الاشغال بدعوى وزعم انه معارض وهو شيوعى ... الخ الادعاءات والتهم وارسل الى بيوت الاشباح وقد اشار استاذنا الدكتور فاروق محمد ابراهيم الى حالته وكيف عومل وكيف كان يعذب وذلك فى مقاله الشهير بصحيفة الايام عندما اتهم احد تلاميذه بضربه، ومن الصدف الغريبة ان ذلك الشاب المهندس وجد نفسه مفصولاً من عمله بوزارة الاشغال مما اصابه بإكتئاب واصبح لا يتحدث مع احد ولا يخرج من غرفته بل انه اعتزل كل ا لناس وكل حياته وذلك مما جعل زوجته تتصل باخوته فحجزوا له عند احد الاطباء النفسين ورفض الذهاب، وقامت الزوجة بالكتابة الى اهلها خارج الخرطوم فجاء والدها فى صحبته والدتها ووصلا الى الخرطوم مساءاً، وفى الصباح قامت الزوجة بتكليف والدها بالذهاب الى مخبز وصفته له ليشترى لهم خبزاً وذهبت الى والدتها وعندها سمعت هى وامها شخيراً ومقاومة اذ قام المهندس بذبح والدها وفصل راسه عن جسده وشق بطنه من اعلى الى اسفل وعندما هرعت الزوجة لترى ما حدث لوالدها طعنها طعنة قاتلة فسقطت ميته وتبعتها والدتها وكان مصيرها هو نفس مصير ابنتها وزوجها، وجاءت الابنة وعمرها حوالى الخمس سنوات ورأت ما حدث وقام والدها بالقبض عليها والقاها بعيداً عنه واصدمت بالحائط ولولا انها اصدمت بالحائط بقدميها لفقدت حياتها. خرج بعدها المهندس وقد خلع كل ملابسه وحمل رأس صهره فى الشارع واخذ يهتف ضد الحكومة وتجمهر حوله المارة ومن هم جيرانه وهم مندهشين لهذا السلوك وهم يعرفونه مهذبا وخلوقاً وصادقاً واميناً، فبلغ الامر الشرطة وجاءت محاوله القبض عليه وقاومها وضرب نفسه رصاصات فى قدمه وسقط والقى القبض عليه. هذه القصة من واقع ما حدث فى ظل النظام الشمولى الحالى وقد كلفت من قبل أخوته بالدفاع عنه وترددت اولاً وبعد سماعى بعض التفاصيل عن اعتقاله وحالته النفسية قبلت التكليف وزرته بالسجن بكوبر ثلاثة مرات وكان فى كل مرة يقول لى انا ما داير محامى انا فعلاً قتلتهم لاننى احبهم ولا اريدهم ان يعيشوا فى مجتمع يمارس فيه ما مورس معه ، وحكى له عن بعض ما فيها. عندها تمسكت بالتكليف وامام القاضى عمر ادريس كما اذكر وذلك بمحكمة كوبر وسمعنا قضية الاتهام ولم يكن بالطبع هناك شاهد عيان للحادث وكانت كل روايات الشهود رؤيتهم له وهوعاراً فى الشارع ويحمل رأس صهره وحالته او تشنجه بالاضافة الى تقرير التشريح وصور القتلى وهى تدمى القلوب وقفلت قضية الاتهام ووجهت له تهمة القتل العمد. وبدأنا فى تحضير قضية الدفاع بالتعاون بعض اصدقائه واخوانه حيث عثروا على شاهدين كانا معه فى بيت من بيوت الاشباح وتحصلوا على تقرير طبى من طبيب بالمصحة عن حالته الصحية فكانت رواياتهم واضحة. انه كان يوم يضرب ويضرب وكان لا يتحدث مع احد وفى كل وجبة تعذيب كان يأتى وهو يصرخ ويضرب رأسه بالحائط وكان لا ياكل ولا يشرب ولا يتحدث مع احد الى ان اطلقوا سراحه وبعدها وجد نفسه مفصولاً للصالح العام. وبعدها جاء الطبيب النفسى الذى شرح للمحكمة حالته الصحية والنفسية وأتينا بأقوال وشهادة ثابته ان المتهم يعانى من مرض انفصام الشخصية من معاملته بالمعتقل وبعدها سمعت شهادة اكثر من شاهد عن حالته وعلاقته باسرته وزملائه وجيرانه قبل الاعتقال. وبعدها قدمت مرافعات الدفاع والاتهام وكان قرار السيد القاضى، واعتمد السيد القاضى فى حكمه على ما جاء فى بقضية الدفاع حيث أعلن عدم مسئوليته جنائياً لما أصابه من حالة مرضية وبالتالى اصدرت المحكمة أمرها بوضعه فى مصحه للعلاج لمدة حددت بثلاثة سنوات على ان يرفع لها تقرير دورياً. هذه إحدى قصص الشمولية وقبضتهاالحديدية وتعاملها مع المواطن وخاصة الناشطين سياسياً ونقابياً وكانوا الاكثر ولم يمكث فى المعتقل بل تكرر اعتقالهم مرات ومرات وفصلوا من اعمالهم وهم مازالوا اقوياء وبالطبع منهم من تساقط. وسنحكى فى الاسبوع القادم الكثير والعجيب.. الى اللقاء.