شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 05:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.نجاة محمود احمد الامين(د.نجاة محمود&bayan)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-04-2005, 08:09 AM

bayan
<abayan
تاريخ التسجيل: 06-13-2003
مجموع المشاركات: 15417

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى (Re: bayan)



    التي يكون عندها الخلاص....
    الحلم الأول ـ حلم الرجل ـ كان تفسيره بأنه سيكون هناك ضيق يأتى بعده الفرج، فكأن الأرض الفلاة الصحراء التي تلد الأنبياء هى رمز للضيق بكل معانيه والذى يفضى إلى اليسر والفرج عند الدومة الثابتة. اما الحلم الثانى ـ حلم المرأة ـ فركوب البحر بالنسبة للمرأة بمفردها هو صنو المرض العضال لكن دعوة ود حامد تجلب العافية والسلامة، ويكون ذلك أيضا عند الدومة، فود حامد يتحرك في زمان الحلم لكن الدومة ثابتة عند موضعها....
    نقول بأن الصحراء والبحر هما من مفردات الجغرافية الاساسية لدى أهل ود حامد فكأن قهر الطبيعة والسيطرة عليها لا يتم الا بمدد من الرجل عند الدومة بالنسبة للمرأة او عند الدومة فقط كما هو الحال في حلم الرجل. ونلاحظ كذلك بأن الرؤيا الدينية عند المرأة تأخذ ابعادا طقوسية حيال ود حامد، وتربط بصورة واضحة بينه وبين الدومة، بل ان ود حامد برغم انه يسكن الضريح الا ان له حضورا فاعلا في حياة الناس ولعل الطيب صالح قد فهم بصورة واضحة هذا البعد من الطقوسية الدينية عند النساء وكيف انه يذهب لأكثرمن كونه فرج بعد الشدة كما هو الحال عند الرجل إلى نسق دينى كامل له رموزه الدينية وطقوسه ولعل كثيرا من مثل هذه المرويات تجدها على لسان نساء في كتاب طبقات ود ضيف الله. وقد يسأل المرء هل هذا الأمر مصادفة ان تتطور مثل هذه الطقوسية عند النساء ولا نجد لها مقابلا عند الرجال؟؟ وهل للجنس دخل في هذا النوع من الطقوسية ام لا؟؟؟ هذه اسئلة لن نستطيع الاجابة عنها الآن ولكن بتجميع أطراف الدليل من بقية الروايات نستطيع ان نفهم موضع الخيال الدينى عند النساء في روايات الطيب صالح، ونستطيع كذلك ان نضئ بعض الفقرات الغامضة عند الطيب صالح في هذا الصدد...
    بعد تحليل الحلمين السابقين نقول بأنه في القصة الثالثة التي تروى في نفس
    الاتجاه يتكثف فيها الحلم ليتصل بالواقع مباشرة في قصة تلك المرأة التي تورم حلقها فأقعدها طريحة الفراش شهرين (الدومة: 44) وحينما اشتد عليها المرض في ذات ليلة تحاملت على نفسها حتى اتت إلى الدومة مستجيرة بود حامد وهى لن تبرح مكانها الا محمولة إلى القبراو تذهب معافاة إلى بيتها، فتأخذها سنة من النوم لتحكى لنا قصة فيها تلك الطقوسية التي وجدناها في حلم تلك المرأة السابقة: "وبينما انا بين النائمة واليقظة، اذا أصوات ترتل القرآن واذا نور حاد كأنه شفرة السكين قد سطع حتى عقد بين الشاطئين فرأيت الدومة وقد خرت ساجدة وهلع قلبى ووجب وجيبا حتى ظننته سيخرج من فمى" (الدومة: 45). في هذا الجزء من الحلم نلاحظ ان الدومة تخر ساجدة لشيخ يتكرر وصفه بذات الصورة التي ورد عليها في حلم المرأة السابقة" وضربنى بسبحته على راسى وانتهرنى قائلا: (قومى!)، وقسما اننى قمت وما أدرى اننى قمت وجئت إلى بيتى ولا أعلم كيف جئت ووصلت عند الفجر" (الدومة: 45)، إلى أن تقول: "وقسما ما خفت بعدها ولا مرضت بعدها" (الدومة: 45). هذه القصة تمتاز على بقية قصص الاحلام بأنها تحتوى على حلم وواقع متصل بالحلم بالاضافة إلى أنها قد حدثت بالفعل لشخص في القرية. وفى هذه القصة يمثل الواقع امتدادا لذلك الحلم المقدس، وكذلك يتجلى ذلك الحلم في التاريخ بالاضافة إلى الوضع الدينى الذىتأخذه الدومة ازاء الرجل الصالح حيث انها تصير من أدواته وتسلب منها القداسة في حضرته....
    وللمرة الثانية، فبالرغم من ان النداء لود حامد لكن الرجل الصالح الذي يأتى لنجدة المرأة واصلاح شأنها ليس بالضرورة هو ود حامد، فالرجل الصالح في حلم المرأة الأولى: "ونظرت فاذا رجل صبوح الوجه له لحية بيضاء غزيرة قد غطت صدره، رداؤه ابيض ناصع وفى يده سبحة من الكهرمان" (الدومة: 40)، وعند المرأة الثانية: "ورأيت شيخا مهيبا ابيض اللحية ناصع الرداء...وضربنى بسبحته على رأسى.." (الدومة: 45). نقول برغم التشابه الواضح وظهور ذات الرجل عند الاستعانة بود حامد إلا أن هنالك فضاء للشك في ان هذا الشيخ هو ود حامد، حيث ان التعريف بود حامد فيه كثير من العمومية وكذا الحال الجو الاسطورى المصاحب لتلك العمومية يجعل من الصعب الجزم بأن الرجل الصالح هو ود حامد.. كما وان الرواية بشأن ود حامد تدل على امكانية الا يكون هنالك أحد من أهل القرية على مر تاريخها قد سعد برؤيته او على الأقل ان جيل رواية القصة لم يره ولا يعرف وصفه او سمته فالرواية تقول حدثنى أبى نقلا عن جدى قال: "كان ود حامد في الزمن السالف مملوكا لرجل فاسق وكان من أولياء الله الصالحين يتكتم ايمانه... فهتف به هاتف ان افرش مصلاتك على الماء فاذا وقفت بك على الشاطئ فانزل. وقفت به المصلاة عند موضع الدومة الآن وكان مكانا خربا" (الدومة: 46). نقول مثلما سجود الدومة قد بين موضعها ازاء الرجل الصالح فكذلك تاريخ ود حامد في هذه الرواية يبين موضعه في مساحة الصلة بين المطلق والمتجذر...
    ونقول: إن النص السابق فيه اغفال تام لذكر ان أهل ود حامد قاموا بدفن ود حامد ومن ثم اتخذوا ذلك الضريح له، كما وان القصة تؤكد على معنى ان الدومة لم يقم بزرعها احد وهى سابقة في وجودها لذاكرة أهل ود حامد. فبلا شك ان ود حامد سابق في وجوده لتلك الدومة وبالتالى له الأولوية في الوجود وله الاولوية في الموت وفى اتخاذ الضريح. فالنص لا يعالج قضية هامة مثل موت ود حامد واتخاذ الضريح...
    لنذهب لأكثر من ذلك حيث ان الاجابة على سؤال محورى مثل: (تسألنى لم سميت بدومة ود حامد؟؟) (الدومة: 42) تجئ الاجابة عليه ـ بعد مراوغة وتمهيد ـ لتكثيف ذلك البعد الطقوسى في خلق العلاقة بين ود حامد وبين الدومة من جهة، وبين ذاكرة اهل ود حامد، تلك الذاكرة التي تحاول ان تمجد القرية وتنزهها عن التدرج في التاريخ وعن ان لها بداية مثل بقية القرى الأخرى (وكأنما هذه البلدة بأهلها و سواقيها وعمارها قد انشقت عنها الأرض، كذاب من يقول لك انه يعرف تاريخ نشأتها. البلاد تبدأ صغيرة ثم تكبر (الدومة: 46)، ويستمر في شأن تنزيه القرية عن التدرج في أطوار النمو ليقول: (ولكن بلدنا هذا قام دفعة واحدة، اهله لا يزيد عددهم ولا ينقص وهيأته لا تتغير) (الدومة: 46). لذلك تجئ الاجابة ان اطلاق الاسماء كان بسبب فعل خارجى حينما تحولت القرية ـ بالفعل ـ إلى رمز لمقدسات القطر كله إلى شئ قومى يتكرر بأسماء متعددة لكنه كذلك أخذ اسما ومؤسسة طالتها يد الحداثة أخرجتها من تلك الديمومة التي لا تتغير إلى شئ آخر حيث يقول: (حين أخذتك لزيارتها هل تدر يا بنى السور الحديدى حولها؟ وهل تذكر اللوح الرخامى القائم على نصب من الحجر وقد كتبت عليه "دومة ود حامد"؟؟ وهل تذكر القبة ذات الأهلة المذهبة فوق الضريح؟؟؟ هذا هو الشئ الوحيد الذي وجد على بلدنا منذ ان انبتها الله) (الدومة: 47). هنا الحاق واضح لصفة الخلق والميلاد للقرية و اثبات التغير في حقها عكس الاتجاهه السابق في التعبير عنها.
    نلاحظ ان صراع أهل ود حامد مع الحداثة وممثليها في العهد الاستعمارى او الوطنى كان حول مفهوم الثبات والتطور، كان أهل الحداثة يسعون إلى ازاحة الدومة ـ وليس الضريح ـ واقامة محطة الباخرة أو ماكينة الماء لاقامة المشروع الزراعى بالقرية واتسمت تلك الأزمة بعنف شديد لكن الحداثة نفسها حينما استخدمت في اقامة نصب رخامى وسور حديدى حول الدومة وقبة ذات أهلة مذهبة فوق الضريح لم يحتج أهل ود حامد وانما قبلوا ذلك بطيب خاطر، والأهم من ذلك أنهم قبلوا أن يتحول ذلكالشعور الغريب والغامض حيال الدومة لديهم إلى اسم للدومة يكتب على نصب رخامى وكان اسم الدومة قد اقترحه الآخرون (أهل الحداثة) فقبله أهل ود حامد وكذا الحال بالنسبة إلى احاطة الدومة بالسور الحديدى وخلع النصب الرخامىعليها قد اقترحه اولئك الآخرون فقبله أهل ود حامد كتعبير مناسب عن ذلك الشعور الغامض والمقدس حيال الدومة، والذى تفجر من قبل في صراعهم من اجل بقائها دون ان يعرفوا على وجه الدقة الدوافع التي قادت لذلك السلوك في مواجهة الحداثة واهلها الذين ارادوا ان تذهب الدومة ويقام مكانها محطة للباخرة او ماكينة لضخ الماء.
    ولهذا الامر قصة تربط ود حامد ببقية القطر او بنمط لتشكل الحضارة العربية الإسلامية في المنطقة حيث تصير ود حامد رمزا لكل ذلك الغموض المقدس، قام الساسة في موضع المعارضة باستغلاله بذكاء شديد لاسقاط الحكومة، "اسألوا رئيس وزارتنا الموقر عن دومة ود حامد اسألوه كيف أباح لنفسه ان يرسل جنده واعوانه فيدنسوا ذلك المكان الطاهر المقدس؟؟" (الدومة: 50). و كان لتلك الخطبة السياسية اثر بالغ في النفوس واستجابت افئدة الناس في سائر القطر كما لم تستجب لحادث من قبل. لعل السبب ان في كل بلد من بلدان هذا القطر علما كدومة ود حامد يراه الناس في أحلامهم (الدومة: 50)، وبالفعل نجحت المعارضة في تحريك الناس وسقطت الحكومة بسبب عدم فهمها لنمط التدين السائد!!!.
    لكن جاء العنوان الرئيسى في صحيفة القطر الاولى ان دومة ود حامد اصبحت رمزا ليقظة الشعب (الدومة: 50)، وبالطبع فان هذا التفسير فيه محاولة يائسة لتحوير شكل الصراع واعطائه عنوانا جديدا يخرجه عن حقيقته، لكن من الواضح ان اهل ود حامد ومن شابههم لن يفهموا هذه اللغة الغريبة عليهم، كل ما هنالك انهم عبروا عن احلامهم في مواقفهم بصورة تستعصى على لغة الصحيفة الاولى والتى من الممكن ان تقع في ذات المأزق الذي وقعت فيه الحكومة حينما دخلت في مواجهة مع أهل ود حامد حول أمر الدومة...
    من الطبيعى ان تدرج ود حامد في التاريخ بسبب تلك المواجهة السياسية، وصار لمقدساتها اسم واشارة ونصب تحولت تلك المقدسات من مرحلة الشفاهة إلى مرحلة الكتابة، صار لود حامد تاريح يذكر في التاريخ العام للقطر لذلك لم يعد يفيد كثيرا الحديث عن البدايات الأزلية، اذ ان هنالك لغة جديدة تولد وان نمطا جديدا للحياة لا بد وان تشهده ود حامد وعليه كانت الاجابة على سؤال: (ومتى تقيمون طلمبة الماء والمشروع الزراعى ومحطة الباخرة؟؟ (هي) حين ينام الناس ولا يرون الدومة في أحلامهم) (الدومة: 52)، اى حينما يولد جيل جديد وسيكون ذلك قريبا بسبب ذهاب جيل الابناء إلى المدارس ـ برغم عدم رضا جيل الآباء ـ وحينما يكثر بيننا الفتيان الغرباء الروح (الدومة: 52)، اولئك الذين تخرجوا في المدارس والذين سوف تنقطع الدومة عن أحلامهم ويصير للتاريخ والحلم معنى آخر عندهم سيكون ذلك ايمانا بميلاد جديد يرجو فيه جيل الآباء ان تقوم مكنة الماء والمشروع الزراعى ومرسى الباخرة تحت الدومة بالقرب من الضريح لان المكان يسع الجميع..
    صفوة القول هو ان فكرة ميلاد ود حامد / الدومة / القرية تسعى للتعبير عن ميلاد في الازل ميلاد يتجاوز الزمان بمعناه الانسانى ليضفى القداسة على ذلك الميلاد ولكن الحداثة التي تسعى لمناجزة تلك القداسة وادراجها في التاريخ واعطاء ذلك الازل اسما تاريخيا ومضمونا انسانيا ليحول ذلك الأزل إلى جزء من متحف في التاريخ الانسانى حيث ان الامر برمته هو استبدال مطلق يتسم بالثبات والتقليد بمطلق آخر يتسم بالتغير والتبدل بجملة واحدة، استبدال التقليد بالحداثة، وبالطبع فان لكل منهما لغته ورموزه الخاصة. ربما سعت حكمة الطيب صالح في امكانية عقد تصالح ووجود مواز للتوفيق بين هذه الاضداد بسبب ان المكان يسع كل هذه الرموز واللغات وان الامر المشترك بين التقليد والحداثة هو ان كليهما عمل ومحاولة انسانية للتعبير عن الميلاد: حيث ان اصحاب التقليد يرون ان الميلاد تم خارج الزمان، لذلك يتعاملون مع اشيائه بنوع من الثبات والاطلاق، بينما يرى اصحاب الحداثة ان الميلاد هو فعل متجدد ولا شئ يعلو على هذا التجدد فتلاشى القديم وخروج الجديد منه هو امر حتمى يجب ان يفرض بالقوة احيانا....
    وأخيرا، نلاحظ ان هذا الفهم لمسألة الميلاد لن يتكرر مرة اخرى في روايات الطيب صالح ولكن تصير فكرة الميلاد دائما مرتبطة بالزمان ويعبر عنها في التاريخ ولا تعلو عليه ـ على السياق التاريخي ـ لكنها كذلك تحاط دائما بكثير من الطقوسية والغموض كما سنرى في ميلاد الزين ومصطفى سعيد وبندر شاه وأخيرا بلال.
    2ـ2 ميلاد الزين:
    بالرغم من أن رواية عرس الزين ـ بكثير من التبسيط ـ هى عن زواج الزين من نعمة بنت حاج إبراهيم، إلاّ أن ميلاد الزين هو مقدمة ضرورية لفهم معنى الزواج. وكذلك بالرغم من ان الزين شخصية اساسية في الرواية الا ان سيف الدين البدوى يضئ جوانب مهمة في شخصية الزين، ولا تفهم كل ابعاد شخصية الزين الا مقارنة بسيف الدين. نقول ذلك وفى اذهاننا تقلبات سيف الدين قبل استقراره في معسكر الامام، وكذلك المواجهة الحاسمة بينه وبين الزين وتدخل الحنين لينهى ذلك الصراع الدموى الذي يعقبه عام تعم فيه البركة على الجميع ويصطلح الناس على تسميته بعام الحنين.
    نقول: يمكن ان يكون الضحك سمة لشخص ما، لكنه لن يبلغ تلك الدرجة التي حاول الطيب صالح ان يلحقها بالزين. فالزين قد اعطى الضحك بعدا وجوديا لا بل فان كل مشروع حياة الزين هو عن الضحك ـ كما تبدو سوسيولوجيا الضحك مهمة جدا في فهم شخصية الزين".... والاطفال يضحكون والنساء يتصارخن ويضحكن وتعلو فوق ضحكهم جميعا الضحكة التي اصبحت جزءا من البلد منذ ان ولد الزين" (عرس الزين: 11). فكان الزين هو الذي يحيل رتابة الحياة وصرامتها ـ عند البئر في منتصف النهار ـ إلى مهرجان للضحك. مَنْ غيره له تلك المقدرة الفائقة على الاحتفاء بالحياة والاستهزاء بها وله ضحكة مميزة صارت من معالم البلدة؟ وليس مصادفة ان تجئ الفقرة التالية لذلك الأمر ـ في نص الرواية ـ لتنقلنا إلى أمر عجيب في ميلاد الزين" يولد الأطفال فيستقبولون الحياة بالصراخ، هذا هو المعروف، ولكن يروى ان الزين والعهدة على امه والنساء اللائى حضرن ولادتها أول ما مس الأرض انفجر ضاحكا وظل هكذا طول حياته. (عرس الزين: 15).
    ذلك هو ميلاد الزين، ضحك خال من المرح هى طريقته في الاعلان عن نفسه، عن حضوره القلق، ضحك العارفين باسرار الحياة وبأقدار ومراتب الناس فيها. "لم تكن ام الزين تبالى اين يقضى ليله فقد كان كروح قلق ليس له مستقر" (عرس الزين: 59). لكن فوق ذلك كان للضحك معنى خاصا في حياة الزين، كان يعرف مع من يضحك ومتى يعبث ومع من؟!
    كانت تلك هى حالة الزين ـ في منتصف النهار في الحقل ـ "تجده يصيح بأعلى صوته: أنا مكتول في حوش محجوب، وفى الحقول المجاورة يكف عشرات الناس عن حفر الارض برهة حين يسمعون نداء الزين، الشباب يضحكون" (عرس الزين: 21)، وكذا الحال حين ينتهى العمل في الحقل عند المغيب ويتراوح القوم إلى بيوتهم، "يمشى الزين من الحقل إلى البيت وسط زفة كبيرة من الشباب والصبيان والفتيات الصغيرات؟؟ يتضاحكون" (عرس الزين: 21). نلاحظ من هذين النصين موضع الزين من سوسيولوجيا الضحك في القرية، فهو مركز لذلك الضحك يشيع المرح فيهم دون ان يتسرب اليه ذلك الامر، لكنه قد يتحكم في ميلاده ـ أتى ضاحكاً ـ وكذلك في رسم الصورة التي ظهر بها في القرية فهو قد أراد ذلك الدور لنفسه وحمل الناس على الا يأخذونه مأخذ الجد حتى أخطر عاطفة ـ في قرية محافظة مثل ود حامد ـ مثل الحب تتحول إلى شئ يمكن العبث به وادراجه في اللغة العامة والحديث عنه في دائرة المزاح!!!
    لكن الزين كان يعرف حدود ذلك المزاح وذلك العبث، "كل هذا وفى الحى فتاة واحدة لا يتحدث الزين عنها ولا يعبث معها... كلما رآها مقبلة يصمت ويترك عبثه ومزاحه"... (عرس الزين: 32)، تلك هى نعمة بنت حاج ابراهيم التي سيتزوجها الزين ـ وينطبق هذا الامر كذلك على الحنين "وكان الزين ايضا اذا رأى الحنين مقبلا ترك عبثه وهذره وأسرع اليه وعانقه (عرس الزين: 36). بلا شك فقد كان لنعمة سلطة عليه بحيث يطيعها دون تردد بل يتحول إلى جزء من نظام الاشياء في ود حامد، وليس إلى طاقة تبعث الضحك والعبث بين أهل ود حامد، وذلك حين وجدته نعمة.. يوما في مجموعة من النساء يضاحكهن كعادته فانتهرته قائلة: "ما تخلى الطرطشة والكلام الفارغ تمشى تشوف أشغالك؟" وحدجت النساء بعينيها الجميلتين (عرس الزين: 3. يمكننا القول بأن الميلاد الذي ارتضاه الزين لنفسه والدور الاجتماعى الهازل الذي سعى ليلعبه في القرية لم يكن يمنعه من تحقيقه سوى نعمة بنت حاج ابراهيم وشيخ الحنين كل منهما بالكيفيةالتى يراها، نعمة تذكره بدوره الحقيقيى الذي يخفيه بالضحك والعبث، والحنين يبعث فيه طاقة روحية متوازنة، فكما وان النعمة تذكره بأهم حدث في حياته يأتى الحنين ليعمق البشرى في نفسه بذلك الحدث. كان الزين يعرف في دخيلته من تكون المرأة التي وعده بها الحنين "(باكر تعرس احسن بنت في البلد دى)" (عرس الزين: 67)، كل ذلك ليحقق الزين ذلك التصالح الفريد الذي حدث في القرية، كيف تجمع ذلك الشتات من المعسكرات والناس على صعيد واحد يذكرنا ما كان يرجوه الراوى في (دومة ود حامد) من أن تجتمع الدومة والضريح والماكينة ومرسى الباخرة في المكان لان المكان يسع كل ذلك.
    كان ميلاد الزين امر غريبا لكنه كان كذلك يؤهله لدور المهرج في القرية، و شاءت الاقدار ان يتحول شكله الجسمانى ليؤهله لذلك الدور وهو بعد في السادسة من عمره "ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعا قد سقطت الا واحدة في فكه الاعلى، واخرى في فكه الأسفل" (عرس الزين: 51)، بل انه حينما بلغ مبلغ الرجال صار شكله مفصلا على دور المهرج، اذ كان وجه الزين "مستطيلا ناتئ عظام الوجنتين والفكين وتحت العينين جبهته بارزة مستديرة عيناه صغيرتان محمرتان دائما محجراهما غائران مثل كهفين في وجهه ولم يكن على وجهه شعر اطلاقا، لم تكن له حواجب ولا أجفان وقد بلغ مبلغ الرجال وليست له لحية او شارب (عرس الزين: 16). ذلك وجه لا يمكن ان يوصف بالدمامة او القبح ـ فقط ـ وكذلك لا يمكن ان يثير الشفقة لكنه يثير الضحك، ليمضى الطيب صالح في رسم بقية اعضائه "(تحت هذا الوجه رقبة طويلة.. والرقبة تقف على كتفين تنهدلان على بقية الجسم في شكل مثلث..)" (عرس الزين: 16). هذه الصورة الفذة في قبحها المادى لا تثير الفزع بل الضحك ولها ايضا ضحك يثير الضحك "(فيستلقى على قفاه ضاحكا ثم يضرب الارض بيديه ويرفع رجليه في الهواء، ويظل يضحك بطريقته الفذة ذلك الضحك الغريب)" (عرس الزين: 16ـ17). والشئ الذي يجعل هذا القبح الذي لدى الزين باهظ الحمل هو ان صاحبه كلف بالجمال عارف له "ومهما قال الناس عن الزين فانهم يعترفون بسلامة ذوقه فهو لا يحب الا أروع فتيات البلد جمالا وأحسنهن ادبا وأحلاهن كلاما" (عرس الزين: 25).
    بالطبع فقد ولد الزين في القرية ليؤدى دورا اجتماعيا معينا في تلك القرية، لكن الزين ليس شخصية بسيطة ـ كما يبدو لأول وهلة ـ كما روجت والدته فيه تلك المسحة الغريبة

    (عدل بواسطة bayan on 03-04-2005, 08:29 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:01 AM
  Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:09 AM
    Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:12 AM
      Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:14 AM
        Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:22 AM
          Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:25 AM
            Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-04-05, 08:28 AM
  Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى jini03-04-05, 09:58 AM
    Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-07-05, 08:43 AM
  Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى WadalBalad03-04-05, 10:08 AM
    Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى jini03-05-05, 01:40 PM
    Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-07-05, 08:48 AM
    Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى jini03-07-05, 10:26 AM
  Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى WadalBalad03-06-05, 02:55 AM
  Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى Agab Alfaya03-06-05, 06:58 PM
    Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى bayan03-07-05, 08:53 AM
      Re: شكل التعبير الدينى عند الطيب صالح.... بروف ود البلد وعكاشة وجنى محمد عكاشة03-08-05, 00:55 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de