كسلا الأم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 02:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2002, 07:57 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كسلا الأم


    كسلا بساتين مطرزة بحواف الطفولة .
    كسلا مشرقة كوجه طفل .. غائمة على عروشها وسحابها وخضرتها .. صافية مبللة بنشوة المسك .. نعناع الظل ، حنين السواقي ميعاد الندامى وصفوة الوجوه .
    (أتكرف) رائحتك وأنا على مداخل بساتينك المطرزة بحواف الطفولة والورد وشجر الحناء وإفترار الأمسيات وجبل (التاكا) دوامات من الضياء تتحرى المكان وتتسلق الشجر والبطاح ، مخدد بظل النبات وعروق الذهب وصحبة الرذاذ .. تهاليل الأطياف وماسة تتألق في أفق تكلله الأوقات الحميمة .
    لموائف المريدني والمجين .. مخيلة التمنى لضريح الولي ، باقات من البشر ، ألوان ، أشكال ، أقوا من أصقاع بعيدة ودانية ، لهجات ، لكنات أعجمية تقف ألسنتها عند مخارج الحروف وتبعثرها تارة بلثغة محببة مكسرة ! ومن فرط رؤيتي تملؤني النشوة وتسح روحي كدفق ضياء فتغسل نفسي وسراب أوحالي ... هم مسالك شجن صوفي يقف على عتبات التوبة والضراعة والرجاء .. لمين البشر ، دماء العشق ، هجرة السديم ، وغفوة الوعي ! .
    أناجيك كسلا ، نخل باسقات بطلع نضيد ، أشجار (دوم) ومحراب مسجد عتيق بأعمدة ضاعرة عارية ، ملاذ للطير في هجرتها وسكونها .. أتمعن في أرض مطرزة بالحجارة التي تتخلل فتحاتها نباتات غضة هشة فاقعة اللون .. وكلما أمنعت الرؤية من كوة المسجد يطالعك الجبل كشرفات ... من زخرف ولون وشكل ، يطل على فنان نشوة الأنفعال .. لم يقتله إلا ما آتى منه !
    وجه في ظل وروح في غبار وجسد تملئ بالحزن والقطيعة ! نرى فيه ما يرى ولاترين فيه ..
    والمحلق خطيئة التوبة والتأويل والشعر وجسارة المبدع ! وتاجوج وردة في عجين الأحلام .
    الألفة والحنين .. ملتفاً بالسحاب والضرعات والأسماء وهمهمة المرتلين والمنشدين تسرى في عروقه كما تسرى الأنفاس في النفوس .. رأي مارأي ، وسمع ماسمع ، الحافظ للأسرار لم أر كمثله شئ ! يتشكل للرائي كطبق من ثمار .. سرير برقق موشح بشال أخضر وكسلا تحت أقدامه تزفلء بعيون الصبايا قاصرات الطرف أتراب بفرح يرسم الأعمار ويمحو ذاكرة الأحزان بجمال قطاها وسراب فراشها ورحيق دواليها ، وعشة ياسمينها ، نضرة ثمارها وخضرة مراعيها .
    يطل نبع (كوتيل) مطوق بالمحبين .. فاكهة الصدر وغوث الاسبلة ... حشاشات الفؤاد ولوعة اللقاء العفيف .. وكسلا قريبة مني أتذكر أحياؤها :
    دروق / الحلنقة / الباشكاتب / البوليس / الكارا .
    المرغنية / الجسر / المربعات / بانت / حي البنك .
    حي الهنود / السوديبا / المديرية / البرنو / الضرية .
    الختمية / عواض / حي العرب / المدفعية / السواقي .
    غرب القاش / الكرمتة / السواقي وغيرهم .
    أمنء .. وأتذكر بقبس الاحساس ، الذاكرة ، التكهن ، الحلم والوهم ..
    قبة فسيفساء تشع بنود الكون والحياة ! .
    عيني لم تكتحل بك أمداً يضيع لمعنى مني .. (تتشتت) أقدامي وأتشبث بالخيال وأنا بعيد عنك .. وأدهش بدائقك التي أتعبتها الخضرة أتذكر غابة الشجر النادر عند مدخلك .. أوراق أبريه ناعمة بخضرة داكنة ..
    كانت ملاذاً للبلوم – الهدهد – البغبغاء 0 القمارى والعصافير الملونة ، ونحن مثل رغبها .. نخرج في البكور فتصيد أوكارها وصغارها والنوم في أحداقها بشقاوة الصغار .. فيهدنا التعب فننام في عشبها .. تهدهدنا أنغام السواقي وأصطفان الفراش وخرير الماء ..
    تراودني المدى بحسنك البهي .. أتذكر طفولتي .. حافي القدمين .. آتي إليك (أتلجلج) في شوارعك في يوم أنفرطت فيه الشمس من الغمام . أكحل عيني بجمال أهلها :
    أبو سيف ، فقيري ، أبو طيارة ، حاج داؤود ، المرضى ، الدقرحي ، عطية ، ود عطا ، نقناق ، عروة ، الماحي العوض ، أزرق ، دقلر ، جفون ، الليثي ، محمد جبارة ، قسم الباري ، مكرب ، هلاوي ، أحيمر ، مليح ، الوقيع ، حسن الماحي ، علي الحاج ، أحمد السيد ، درويش ، أبو النجا ، سمحوني ، شنان ، نايل ، جعفر الحلنقي ، الشابك ، السرعبيد (خيرات) ، يا جابر ، دمبلاب ، عم مختار ، جعفر العمدة ، عبد الله الحجازي ، حسن أبو عاقلم ، أبوسن ، عجب ، الجاك ، مرحوم ـ الأمين العوض ، عواض ، محمد الحسن ، جبريل ، كيله ، خليل ، ود النعمة ، محمد الحسن خضر ، كجراي ، علام ، زمر ، أبو فارس ، عبد الله الخليفة ، شكيلاي ، فرج مالك ، وتالي ، عبد الحميد جبارة ، سليمان رايت ، الناظر جعفر ، هريس ، فايد ، مالك ، محمد طاهر شريف ، كيلا وغيرهم ، وأوشيك أوهاج بربابته نمنمات أيامنا الحلوة يترنم بصوته الشجي (عليك الرسول بودي) طلب بسيط ينم عن روح الفطرة والبراءة .. كل هؤلاء وغيرهم يشغلون بالي ، هم جاليات الذكرى ونور البساتين وجمر الذكريات ، وكسلا تمسح خوني وضراعتي .. أتوسل بعد كل هذا الذي ترين وأدخل محرابك .. الذكرى غصة في الحلق ودبكة في اليدين .
    وبيوت كسلا صفر الأنس ، رجال الفضل والمكرمات .. والصبايا الجميلات .. عشيرة تعيش كأسرة تربط (حيشانها) (النفاجات) لفرط المحبة والمحنة ... ولم أر (فزعات الحقول) في سواقيها ومزارعها البكر المثقلة بالثمار والحصاد .. حياة تعمر في هارمونية مطلقة .. العصافير تبني أعشاشها داخل الحجرات وتعيش عيشة سوية تحت سقف واحد ! ألم تر كسلا في مغاربها ؟ تراتيل وتل الطير عند عودتها لأعشاشها في الشجر والسواقي وأشجار الطرقات والأحياء .. أرأيت شجر الطيور ؟ أم طيور الشجر ؟ إيقاع كوني لمساء يموج بالنغم بعد أن مسها الفرح بالعودة الآمنة من هجرة السفر .
    أذكر العشيرة ... طفل صغير أنا .. سيد المحيا .. كبير كسلا ، السيد محمد عثمان المرغني .. نور يشح إلى ماشاء الخيال ! أسنان تفتر كأنها الحليب تقاطيع دقيقة وهدوء مقيم .. يتحدث مع والدي حديثاً لا أفهمه ولكني أحس به كطفل ، هو للهمس أقرب .. أشعر بسرورهم الغامر .. السيد يسكن حي (الكارا) وكلما مررت به الآن تذكرت تلك الأحاديث .. جلبابي ذا الياقة القصيرة البيضاء وقد أمتلأت جيوبه (البركاوي) والقنديلة) وبعض من حلوى المولد في غير موعدها ! وعقلي الصغير المنتشي بذلك الهمس الشفيف الذي ينم عن روح السيد الجليل ومحبته الغامرة لوالدي .
    بعيد عنك .. تذكرت (خلوة ) سيدنا (مالك) في حي (الحلنقة) .. في البكور مع غفوة الطير نحل فيها .. نعرج قبلها لنخل يرمي طلعه وظلاله وثماره خارج الحوش الطيني الجميل ! كالعناقيد والثريات الملونة .. نملأ جيوبنا وأكفنا الصغيرة من (الدقيق) الساقط على الأرض .. مذاق ورائحة لم أذقها ولم أشمها في أي تمر ! وينفح شجر (الحناء) من حوش الناظر جعفر عطراً تكاد تمسه من فرط نشوتنا ... وينفض نهار الخلوة بتراتيل جماعية يكللها سيدنا (مالك) بصوته الشجي ووجه الصبوح ذاك .. ثم نجري ذمراً خوفاً من لاب شرشة تقطن بيتاً من جذوع الأغصان الجافة والشوك لأمرأة عجوز في شارع تتوسطه شجرة (لالوب) ضخمة قيل أنها مسكونة ، لانتجرأ من الإقتراب منها ليلاً ونهجرها بعض الشئ نهاراً .. فصل عبرها (بيا ستي فاطمة) يطل على فناء رحب ترفرف حوله رايات طوال ملونة وعلى مقربة منه شجرة (تنضب) ملاذاً للطير وشرك (السبيب) نتحسس أقدامنا الغضة ومال (المقام) وزمر النساء يطوفن للبركة وحل العثرة والصفاء .
    كسلا بطون لعشائر وقبائل :
    الحلنقة / الرشايدة / الأرقيقة / الهكولاب / السمر ندواب / النواري / البشاريي / البطاحين / الشكرية / البني عامر / الجعلين / الشايقية / التكارنة / الرباطاب / الحباب / البشاراب / السمرأر / الملو وغيرهم بإختلاف ثقافاتهم المتباينة يجوبون أشواق كسلا الغنية بكل شئ ووعاء (التكارنة) بغرب القاش والذي لم ينصهر في المجتمعات التي عددناها ولافي غيرها وبطونها (الغلاتة / البرنو / الهوسا) وغيرهم من الفروع الصغيرة .. قوم أتو لزيارة الأراضي المقدسة فطاب لهم المقام وهم في طريق العودة وأحتفظ بهم الأنجليز أيام حكمهم للسودان لزراعة القطن والمشاريع المطرية الأخرى ! أتذكر إيقاعهم الصاخب في مناسباتهم العديدة .. طبول ومزامير (الكتية) آلة تنفخ بالفم وتضبطها الأصابع ورقصاتهم الجماعية .. نساء بملابس مزركشة فضفاضة صاخرة الألوان .. وراقصين بحركاتهم التي هي أقرب لديوك منفوشة ! يلتفون ويدورون ويرقصون ويتصايحون برشاقة وعذوبة حول الراقصات الفرحات وتتخلل (الكيتة) بعض الفقرات(السحرية) والتي يبرعون فيها ، يرتدي ساحرها جلد نمر حول خاصرته ومجموعة ضخمة من (الحجبات) يستعرض برقصه بعض القصص المجردة بحركات ماهرة ماكرة .
    وغرب القاش مواطن (التكارنة) ... منطقة غنية بأشجارها وبساتينها ، وقبل بناء (الكبري) الخرساني الذي يربطها بمدينة (كسلا) كانوا يحملون المسافرين أو الذين تربطهم بعض الأعمال بالمدينة بواسطة (العناقريب) – أسرة من خشب – في زمن الفيضان ليعبروا نهر القاش القوي التيار للمدينة بأجر زهيد ! فصاغ المغنون الغناء :
    القاش .. القاش ياناس .
    القاش عظيم ياناس .
    أنا من بعديني .
    لكسلا غرب القاش .
    تكاونه شيلوني .
    لكسلا عدوني .
    ياخوانا كان مت
    غرب القاش أدفنوني .
    شالوني بالأيدين .
    ختوني بين جبلين .
    سيدي الحسن في كسلا .
    زيارته بالأتين .
    سيدي الكبير حلم .
    بخشمه ما اتكلم .
    ساده وخفيف الدم .
    بعد الفراق نتلم !
    بعيونه هالك الناس .
    كالمدفع الرشاش .
    أنت الحبش ولدوك .
    ولا ساكنة غرب القاش .
    يا " الهمزة " و " العباس "
    الفي البحور جلاس .
    الماشي لكسلا .
    تعدوه غرب القاش .
    والتكارنة طلاب زراعة وقمالة ولازالوا على مهنهم هذه .. لا يعلمون أبناءهم تعليماً منتظماً ويفضلون (الخلاوي) الخاصة بهم لحفظ القرآن .
    قبيلة (الحلنقة) من بطون كسلا .. هي بهم .. هم أهل فطنة وصدق وشهامة وحنين دافق وجمال فطري .. كنا نسكن معهم .. بيتنا الوحيد بينهم ! أخوتي الكبار يتحدثون لسانهم .. كانوا ولازالوا وناظرهم جعفر يحبون والدي حباً عظيماً .. فأكرموه بالسكن معهم وأتذكر البيت الملئ بأشجار الحناء وبئر للسابلة !
    أهل فطنة وفراسة كما قلت – ولازال إنتمائي ومحبتي بهم لاتوصف – بل هم في حشاشة الفؤاد وحنين النفس .. ترى ذمر الحلنقة يوم الجمعة .. تراهم قبيلاً من النساء والرجال صوب جبل (الختمية) أنه يوم الزيارة .. زيارة الضريح .. الساري الأبيض و(الزمام) الذهبي الضخم يطل كمنقار طائر لوجه ناعن التقاطيع يفتر بإبتسامة حلوة هي من روحهن الذكية .. ولا أتذكر كسلا إلا بهم ! والقاصد لحي ( الحلنقية) يمر بدرب محفوف بأشجار الجميز الضخم (التين البنغالي) بشارع المديرية .. لايفوتني رؤية تلك الأشجار كلما حضرت ! وإستنشاق عبق أزهارها البيضاء المنعشة .. رافلة في الضياء ، مغسولة بالمطر .. بحر الذكريات وضجيج المارة ، جموح القطيع ، نساء ، وصبايا وأطفال فتعود بي الذاكرة لأيام خلت ! أيام كنا نبحث تحت ظلال تلك الأشجار عن حفر صغيرة بتربة ناعمة عند أطرافها تقطنها حشرة دقيقة (أبو الحداد) ونحاول إخراجها من باطن تلك الحفرة بوضع خيط رفيع مبلول طرفه بداخلها ونحن نضرب الأرض براحة اليد ضرباً خفيفاً ونغني له بصوت حنون هامس كي يسمعنا ! ويتعلق في ذلك الخيط ويخرج لنا مبتهجاً :
    أبو الحداد .
    دق لي مرواد
    الساعة أتنين .
    بديك قرشين .
    وينتشي – أبو حداد – بهذه الأهازيح والأغراء بالمال ويتعلق بالخيط فنخرجه ونحمله برفق في نشوة غامرة لتجاوبه معنا ثم نعيده بعد طواف دائري عديد إلى حفرته ! مملكته الصغيرة تلك – فرحين بلطفه معنا وسماع غنائنا له .
    نركض بين أشجار الجميز وحدائق المديرية بأشجار فاكتها الموصولة والمشتل المخضر خلف الجراد الملون بلون أخضر فاقع كلون العشب (والطهارة) فرس النبي بعيونها الحالمة وأنفها الدقيق وأيديها الرشيقتين .. والجراد عموماً حشرة خطيرة لاتقل خطورة عن (المقاتلات) الحربية ! عندما تتشكل في أسراب ضخمة . تلتهم كل شئ أمامها .. لكن ذاكرتي تختزن جراد الحدائق بقلته والذي لايشكل هاجساً .. جرادة دقيقة التقاطيع جميلة التكوين تغر في الفضاء بجناحيها كمروحة هوائية ورقية ملونة شفافة .. خافضة رافعة في المدى الأخضر .. تحلق .. تحلق و(ترك) على فروع الورد والبرتقال وأشتال (الموز) بعيون كحبات العنب الأخضر وأرجل أستطالت تستقطب شوكاً كشوك التين البري .. الحرير ملامسها ! تفر .. تكر .. تحط ، وتعود في نسق رشيق للعراء ودوامة الفضاء وتعرجات المكان المكتز بالخفرة والماء واللون والرائحة .
    ويبطن خلف جناحيه الملونين .. جناحان شفافان يذوبان رقة في الذاكرة لظل ببل النشوة مختوم .. طواف الندى والظلال .. مشرعة للهنة الأودية والدائق والبساتين ، بجدائلها الملونة تتفرس وجوهنا الصغيرة .. هابطة .. صاعدة .. ونامت الجرادة في ذاكرتي ولم تخرج إلا منذ سنوات قليلة في بعض من أعمالي فجأة .. مطموة خرجت ! تذكرني بطفولتي وطفولة المكان والزمان ! . دوارة .. دوارة في سماء الغيوم دوري !
    دوري غيمة المسالك والعشب والثمار والأرتج والرذاذ والمطر وثنايا اللوحة .. جرادة الظل .. جرادة الذاكرة والطفولة .. فري في المدى .. طيري في سموات روحي سيدة الحسن البهي .. ياحرير التلامس ومراجيح الفراغ في كل الفصول .
    دوري .. دوارة في رؤوس الشجر ومرقي الزهر والجدر الشفيفة وروح المتاهة .. دوارة .. دوارة بحب الصغار ، فضاء العين وإنفلات عطر الشجر ! .
    يطل جبل (التاكا) خضة وسحاب .. خاطرة المراعي والهجين ، والعليق ، البطران ، التبر ، العدار ، لسان الطير ، التمليكة ، الحسكنيت ، الضرية ، السنة مكة ، النالي ، العنكوليب ، الحمريب ، الحرجل وغيرها من الأعشاب والنباتات .. واد غني بنباتاته (البروس) وطميه الذي يجرفه النهر من ظهور الجبال وبطون الحفر ، ليروي ويخصب الأرض ، للقرى الآمنة .
    قلوسيت /أكلا/ أروما ، دقيق ، مكلي ، متاتيب ، تندلاي ، وقر ، تامبي ، والقاش داي ! فتنبت فيه كل نبتة وشجرة وعشبة .. ولازال عرب البادية يتحدثون بشي من الدهشة والاستغراب عن مقاومة بذور تلك النباتات البرية الجفاف الذي ضرب الأرض عدد سنين ومقاومتها العطش والحرارة والآفات . وظنوا أنها لن تحيا مرة أخرى ! ومع هطول أول (الرشاش) ففضت قشرة الأرض واهتزت وربت وتطاولت على سوقها وأنبتت من كل زوج بهيج .. بطلعها وجمالها ودثارها وأشكالها .. فرحة بالخلق والسوائم والطير لكون مترابط ! .
    لا تذكر كسلا وبطونها وشعابها بدون قبيلة الرشايدة التي تقاسم القبائل الأخرى الماء والكلأ .. هم رعاة أبل .. ترى خيامهم الوبرية السوداء بحافة الطريق السريع في فصل الخريف الذي يربط بين بورتسودان والخرطوم ماراً بكسلا وأطراف مدينة أروما .. يجوبون أرض القاش ونهر عطبرة وضواحي (قوز رجب) .. رعاة هجن .. تجارة في الأسواق وعبر دروب عديدة لأرض الكنانة – طريق الأربعين – سلكته القوافل كالوشم في راحة الصحراء .. كثبان .. كثبان .. وأرض قاحلة تصل أطرافها النيل وتغيب تارة في بطون المتاهة والسراب واللغز ! .
    شجيرات شحيمة معرفة ضربتها الشمس والملوحة .. جوارح تحوم في الفضاء العريض آتية من آماكن قصية تبحث عن ضالتها ! في ذلك السكون السحيق ! تحط على الأرض المحرقة بصخب وغبار الرحلة رغم أوحالها ولغز عتمتها وحيواناتها الكاسرة وفضائها المتنامي تسدد في نفق الليل وهجير النهار .. عذاب واصب وعرق لازب ! وهواجس ذكرى المحبين والعشيرة في أرض نائية تركوها خلفهم ! .
    وتصل القافة مصر متوهجة الحضور بقطعانها ويبقى هاجس العودة للوطن !
    ونساء الرشايدة : نضرة ولدانة وجمال فطري ! يرفلن في عباءة وخمار مطرز بفصوص الفضة الموشاة بحرير مستورد من بلاد الشام (سوريا) مثلما يستورد (القرمصيص) و(الفركة أم صفيحة) لنساء وسط السودان .
    والرشايديات لايلبسن الذهب وحليهن من الفضة المنقوشة نقشاً دقيقاً خاصة الأسورة والحجول وخواتم تلبس في أصابع الأرجل كعادة نساء الهند ! وهم لغز كسهول أرضهم الواسعة بنشوة فراغاتها وامتلاءها ومحو غبارها العالق بأشجارها زمن المطر ! لم تتحقق معرفتهم من أهل التخصص والعاشقين والمبدعين وأصحاب علم الاجتماع ودارسي الأنثربولوجي – كما خلقت حياتهم منذ الأزل ولم تتغير ، أدوات العيد ، الوسيقى ، الغناء ، العرضة ، الحكاية ، الملبس ، الحلي ، العادات والتقاليد والتي يشكلها الماء والكلأ والحيوان !
    انتعشت منطقتهم الحدودية مع أرتيريا – تجارة غير مشروعة ! لتهريب الذرة الذي تعتمد عليه ارتيريا كغذاء رئيسي والسكر واستجلاب السجائر والسلاح من فصائل المحاربين في الماضي ! ومارست هذه التجارة غير المشروعة قبائل حدودية متاخمة ومتداخلة وتشكلت مجموعات أطلق عليها لفظ (الشفتة) أصحاب قوة وبأس وسلاح نادي متقدم .. يميلون للاستكانة المقصودة في المدينة لوجود حكم القانون في البادية عين حمراء ! . قيل أن ضابطاً برتبة عظيمة أتى منقولاً من الخرطوم لكسلا ، وتعهد بالقضاء على (الشفتة) فجهز كوكبة من الجنود والعربات وتوجه للمنطقة وأختبأ مع أفراد عسكره خلف أشجار ضخمة ظليلة حتى ظهرت قافلة التهريب محملة بالبضائع ووجدت نفسها فجأة وبلا مقدمات وجهاً لوجه أمام الجنود ووقف الضابط منفوشاً يخاطب رئيسها بسؤال غير موفق :
    أين تصريح سلاحك يارشايدي .
    تصريحها في فمها !
    ثم أطلق ومجموعته أعيرة نارية متلاحقة من (الكلاشنكوف) في الفضاء فتلبدت بغيوم من دخان مما أرعب الضابط فنزل من سطح سيارته يرتجف أمام جنوده وأمرهم العودة إلى عرباتهم ومغادرة المكان ببنادقهم اليدوية القديمة في ذلك الحين ! وأصبحت مقولة الرشايدي (أحمد أبو حنك) في مدينة كسلا (تصريحها في فمها) يضرب لقوة البأس والتعالي والتهكم .
    للجالية الهندية بكسلا حضور ، يعملون بتجارة (الساري) :
    أستقروا منذ أمد بعيد ، راقت لهم المدينة – من شاهد بعضاً من مناطق الهند ، فقد شاهد كسلا ! خضرة باهية ، رذاذ ، بخور ، فواكه موصولة ، وتجارتهم رابحة – الفوطة المشهورة بشرق السودان لأهلنا الهدندوة ، ومعظم الهنود نباتيون ، وتمتاز المدينة بوفة خضرواتها وفاكتها – كنا نطلق على بعض أنواع الخضر مثل : الخس ، البنجر ، الجزر ، البقدونس ، الزهرة (خدار البنيات) لإرتباطها بسلوكهم الغذائي . فترى الهندي بالساري الأبيض الفضفاض يجوب سوق الخضرة حاملاً (مخلايته) لشراء ماجادت به أرض السواقي بسعر زهيد !
    والمرأة الهندية رذينة ومحتشمة .. لا تخرج إلا قليلاً وبرفقة زوجها وأطفالها ، فتراهم أما سينما (السيوني) لمشاهدة عروض الأفلام الهندية وتمتاز بجمالها وتقاطيعها الناعمة وأحداقها المزهرة ووجها الندي تتوسط جبهتها هالة حمراء كأنها وردة مفترة ! أو رسم لخطين متوازيين ناعمين من نفس الحمرة ، هي رعشة المكان ، شقيقة الياسمين وغفوة الصبابة !
    للهنود حي خاص ، سور بسور عال وله مدخلان .. بمدارسهم الخاصة ، مسالمون ويمتهن البعض منهم مهنة (الحلاقة) ولم نعرف زعماء الهند ونحن يفعاً – غاندي ونهرو – إلا من تلك (الصالونات) ملونة في أطر ذهبية ! تحيط بها هالة من زهر ووردق وأغصان ! ومن عاداتهم تعليق رزم صغيرة منتقاة من أصابع الفلفل الأخضر الحار عند مدخل باب الصالون في مكان علوي خفي غير مرئي إلا للعين المدققة الفاحصة ! ولست أدري : أهي لاتقاء العين ؟ أم جلب الحظ ؟ أم الأثنين معاً ؟ وتنبعث من تلك الصالونات عبق عود الند الهندي المعروف وهم جلوس يمضغون بعضاً من أوراق نبات أخضر طري يجلب من بلادهم ويحافظون على لمزاجته بطرق شتى – نها لفة بخيش ناعم مبلل بنداوة الماء كما يفعل (التكارنة) بثمرة (القورو) التي يمضغونها ويتم تخزينها بالفم كعادة أهل اليمن السعيد بأوراق (القات) ! ويلتقي نساء الهنود مع نساء البلد وخاصة قبائل الهدندوة في لبس الساري والقوام الجميل وإن كان نساؤنا أكثرة فطرة ونداوة ونغزة في الصدر الدافق بالثمار والكفل المكتز ! أتمشي الواحدة منهن وكأنها تخوض وحلاً ، تمشي ولاتمشي ! عيون كاحلة ! من أين جاءت بهذه العيون ؟ التي تحاكي المها الوحشي ! أمن جمال البساتين ؟ أم من خضرة المدى وكسلا سحاب ولبان وأراك وعسل ورذاذ ونساؤنا نفحة من تلك الأمزجة .
    أتذكرها وأنا غاف أسير بشوراعها وأزلقتها ! أتذكر بعضاً من الوجوه التي أعرفها والتي لا أعرفها وأعرف تفاصيلها وتقاطيعها وهي لاتعرفني ! تتراءى أمامي تقطع كل تلك المسافات والزمن الموغل كلوحة مجودة لوجه من الوجوه ! ترشخ صورهم وأصواتهم وحركاتهم في ذاكرتي البعيدة دون مناسبة ! هكذا فجأة .. هذا من غرابة وحدس البشر!
    أو لم تر حدثاً مضت عليه النين الطوال يقف مشهده أمامك بكل تفاصيله ! من أين أتى ؟ أو تسمع حديثاً تعتقد أنك قد سمعته من قبل ! أو حدثاً كالطيف يمر بخاطرك مراً سريعاً ولاتتحراه بدقة ويحدث فيما بعد كما هو بكل تفاصيله ! فيدخل في روعك الحيرة والتأمل ! حقول لم تكتشف في نفوسنا بعد ! كثيرة هي .. ومن تلك الوجوه التي تطل علي في غفوتي : هاشم خليل .. من أبناء كسلا .. علمنا كيف نقرأ ! وماذا نقرأ ! هدوء وحديث هامس ! طبع هادئ تواضع جم ، جميل المحيا ، بسطة في الجسم والعلم والذوق ، فاكتحلت أفئدتنا اليافعة ببعض من مكتب مكتبته العامرة – وكان وسيطنا لذلك الأستاذ السر محمد مالك من أبناء مدينة أروما – وكان هاشم يعمل بمجلس ريفي المدينة كما تفتحت أعيننا بالكاتب سلامة موسى وخاصة كتابة المهم (التثقيف الذاتي) والمازني في (حصاد الهشيم) والعقاد في (العبقريات) ودواوينه (قبل الأعاصير) – (بعد الأعاصير) (ديوان من دواوين) وأستاذ الجيل الدكتور طه حسين وأحمد لطفي السيد ، جبران ، ميخائيل نعيمة ، المنفلوطي ، شوقي ، حافظ ، البارودي ، المتنبي ، البحتري ، أبو تمام ، أبو العتاهية ، بشار ، أبو نواس ، التجاني ، الشابي ، المجذوب ، العباسي ، جماع المعلقات ، وكتاب (الإلياذة) (الأوديا) (جمهورية أفلاطون) ومن كتب التراث وحوض البحر الأبي وبحر الشمال وأقصى الشرق .. هكذا كنا ومازلنا ! وعندما أعود لكسلا من تلك الغربة المستريبة ، أمني نفسي بمقابلته فتتوه خطاي ، إجازة خاطفة كبرق ! وهاشم خزائن الذكرى والمدد الباهر وقوام الألوان وجمر الإبداع ، كان ومازال همه جمع ما كتب عن كسلا – ولا أدري أين وصلت تلك الهمة والرجل يفني نفسه من أجلنا ! .
    أحب الشعراء كسلا لرقة أهلها وطبيعتها الهادئة المخضرة والجبل وسر ذلك الولي بقبته الخضراء التي تطل على الروابي والسهول الخضر والسحب المعقودة وصفاء باهر في الصيف والمدى يمعن في خضرته والجبل بقامته قيل أن شجرة (الأكسير) تنبت في هامته ! ولا ينالها إلا كل ذي حظ عظيم .
    وما حكى عن صخرة ملساء سقطت عند أقدامه – هي من أطفاله – صقيلة كالمرأة من أثر اللمس طلباً للتبرك ! والإنزلاق عليها للحامل في شهورها الأخيرة استعقاداً بحل عسرها وولادتها بيسر !
    بالصخرة أثر من آثار التعرية تشكل على حدوة حصان قيل أنه حافر (البراق) يتبركون به ويتمسسون بترابه وغبرته ! هل أتى (البراق) ماراً بكسلا ونحن لا ندري ؟ تهويم نساء ونسيج أساطير !
    تتوسط كل ذلك قبة خضراء كنشوة المسك ومعراج العشق وميراث الظل والضوء .. وردة تتفتح في براري الأبدية ومسجد عتيق تختلط عناصره في بهاء ، معمار قديم ، حجارة ، طيور ، سندي لكل هذا العشق وروح التأويل بما أوى ولا أرى فأرى عسل الليل في مديح المصطفى رسول الهداية جوهر الأركان ومنعش الجسوم والقلوب ومبات الروح ! نخل على سفح وسرب ماء عذب من صخر وخيول نورانية مجملة بغرة في عتمى الجبين مشاهد ورؤى تدخل الاستئناس وتسري في الجسد المنهول الناحل برعشة الرهبة وسر من أسرار هذا الولي .. والجبل يأتيك بوجه ووجه كلما أقبلت عليه ! وترتاب : رخام أو حجر ؟ أم مزيج من الأثنين معاً ؟ أم عجينة طيعة ليست من روح الجماد ! تتداعى خواطرك العاشقة ، هذه كسلا أرض (التاكا) (أم تقاق) تقبلها كما هي وتدور بنفسي بعد كل هذه المشاهد (الزوارة) ومل ناعم رقيق وأن أردت الدقة هو أقرب إلى التراب المصفى لصغر ذراته من جوف أرض المقام للتبرك به ومسح سائر أعضاء الجسم يشفى من كل سقم ! فيدلف المحبون في صمت مطبق وابتهالات ودعاء ونجيب مكتوم ، وجوه لا تستبين تقاطيعها من عتمة الضريح . وظلال من ظلال ! وعند الإنتهاء من التبرك والدعاء تأخذ كل زائرة وزائر (صرة) من تلك (الزوارة) لمن لم يسعده الحظ بالزيارة تبركاً وزلفى ! .
    أتذكر طفولتي .. والدتي الرحيمة ترفع يديها الراعشتين تجاه الجبل .. هي في غرفتها ! تسر بكلام كأنه الهمس ، تطالع الجبل بهيبته الجليلة من كوة الغرفة ! لها (نضرة) أن تحقق لتهبه (أب أربعة) .. وراية من الحرير الأخضر مطرزة الحواف على سارية من جريد النخل .
    نخرج في البكور مع الطير لهذا (النذر) نقود كل تلك المسافة البعيدة مابين المنزل والجبل خروفاً بقرون طوال ! له بحة في الصوت من أثر الشحم المكتز فيه .. حيوان عصى الحركة والانقياد ! أرهقنا كل هذا السفر يساعدنا (رحمه الله) بقايا فلول السطوة الرعوية ! نسلمه لشيخ وقور تبدو الراحة في وجهه الجميل ولونه من ومضاء وهجير الشمس ! تتدلى من حنكة (علعلة) كعرف ديك متباهي بألوانه – أشار لصبي بأخذه (الحوش) لولائم القادمين والزائرين المادحين ، القارئين ، القابعين والمسافرين وغيرهم من السابلة !
    وتحكى الأساطير والقصص والحكايا عن سر هذا الولي والجبل والمعجزات فيقول السمع من نشوة الحديث ورهبة التقديس (شعره جلدي كلبت) ويغمر نفسه برذاذ من فمه .. تف ... تف .. تف .. تف ! لترقد تلك الشعرة .
    لحي الختمية والجبل رائحة لم أشمها إلا فيه .. مزيج من ماء المطر مخلوطاً برائحة القطيع واللبن والأعشاب الجافة المبللة بالدخان ! ياإلهي .. لماذا لا أشم هذه الرائحة إلا في كسلا ؟ ويجول بصري ويمتلئ باللون وعصافير الشجر ويمام الجبل وأشجار الفاكهة والسدر المخضود ! الوجوه النضرة والجبل الذي يحتضن كل شئ .. حبي في مودة ، ونحن نشق طريقنا بعربة تهدهدنا فنصير في هسهسة ونخف ولانثقل الأرض والعربة تسلك طريقاً متعرجاً من أثر الوحل فيدغدغ حواسنا المنتشية .. فتشف روحك كبذرة مجنمة .. تعلو .. تعلو ولايعيدك لطين الأرض إلا صوت السائق ها قد وصلنا .
    بسهول التاكا يرتد طيف الحلم والحياة .. طيف (تاجوج) قمر في رائعة النهار وشمس في عتمة الليل ! على عروشها المعطرة بعطر الروابي وألق الجبل وكثافة أشجار (الدوم) .
    أرتحلي قليلاً (تاجوج) بالمباهج ودنف المحب متبتلاً أمام طيفك عاشقاً للأرق والأحلام .. وبين الظل والفراغ تسطع قامة المحب بحب تاجوج ! خالقة الوجود والزوال في نفوس المحبين ! ارتحلي تاجوج قليلاً كفراشة منقوشة وتينة خضراء ونبتة ملونة في حانة أناء ونجمة لصلاة المطر وشال في حرير المراعي !
    أنت قطرة ماء في لهاة (المحلق) ووشماَ في أجنحة القطا وسياج حديقة (اللارنج) وزهرة متبتلة .
    أرتحلي كزخات الحيا .. الهابط والصاعد وهزيم الرعد ولمع البروق وشجو الزمان في رداء الليل وتنفس المحبين .. أنت لشوك المواعي تاجاً ولروح القصائد مفردات ولحزن الخلاص .
    كالنهار المشتهى وسيف (الحمران) .. تمتمة النحاس وصهيل البارقات الصافنات وألق العيون والبسالة والقبون المصفى ..
    أرتحلي تاجوج في غرة الفوارس وتمائم العذارى وشبق الفتوة ووداع المعنى ! المحلق جسارة : أن يطلب منك أن تتجردي !
    تجردي أمامي قطعة .. قطعة ! أمام مشهد الروح الذي أختلط بالجسد .. وإذ عنت .. تجردت .. أدبرت .. أقبلت .. أستدرت .. كما خلقت لأول مرة .. وأنت تفكرين في أفق التأويل والحقيقة وظلالها ! للذي يطلبه المحبوب .. مجللة بالدموع وذفرة الصدر وجرح الكبرياء ! .
    يرى جسدها ، حرير الورد .. خيط العطر .. كما العاج بياضاً مختلطاً بحمرة كرمان نازف .
    النحر ، العيون ، القامة ، الكفل ، تل الورد ، نكهة الدوالي ، عبق الأبطين ، مستكة الفم ، شميم العنق .. مطوقة بالصمت والجمال الحزين ! .
    تمشين في تعثر كعطش التائهين .. صمت .. .. صمت وعبق قديم ومكان يعز فراقه ! والمحلق يمعن النظر والتأمل يتملى في الجسد كما خلق ! هي روح الفنان العابد ، يرى جسدك غيمة تهطل في يباب روحه ، في ذلك اليوم الساكن المسكون بحركة صامتة ! ولاتتحملين كل هذا الصمت وهذا السكون وتحلقين في مذوات الوجوم وبراهين الملاحقة في وجه (المحلق) وهو يتحسس جسدك بيديه الراعشتين في الظلام وإنتما في خلوة الزمن الجميل ! وتجاسرت روحه المتمردة ليرى في ضوء النهاء الباهر هذه الموسيقى التي تتموج ولاتسمح ، كثعبان راقص يحمل السم .. الرؤية موت تاجوج والمحلق بروح الفنان يعز عليه الفراق فيسكب نشاف العطش والتلقي ! . أتى ويأتي (المحلق) في حديث السابلة وحنين الفراق .. أتى ويأتي ولم يحب سوى حبك !
    حسين جمعان
    الهفوف – يناير 1995م
    http://www.gamaan.com/Mother%20Kasala.htm
                  

05-07-2002, 08:09 PM

waleed500
<awaleed500
تاريخ التسجيل: 02-13-2002
مجموع المشاركات: 6653

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كسلا الأم (Re: بكرى ابوبكر)

    تحياتى بكرى ودى لقطات من كسلا


                  

05-07-2002, 09:20 PM

Dafi
<aDafi
تاريخ التسجيل: 04-23-2002
مجموع المشاركات: 460

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
thanx (Re: بكرى ابوبكر)

    شكرا يا بكري علي هذه القطعه النثريه النحفه
    ولمن لا يعرف ..حسين جمعان
    هو واحد من اعظم التشكيليين السودانيين...اصوله حضرميه ..فهم من حضارمة كسلا المعروفين..ولعله قد اغفل او تغافل ذكر ان الحضارمه واليمنيين عموما من اكبر الجاليات في كسلا..وكذلك كان الصوماليون ..والارتريون وبعض الاثيوبيين
    كسلا قوام تركيبتها السكانيه ...لا فئه طاغيه...لا تكاد تلحظ سواد اعظم فيها
    شوايقه..رباطاب.جعليين ..بجا ...رشايده ...تكارنه...صومال..ارتريون
    والكل كان جسدا واحدا
    روحا واحده
    وصفاء سريره ..
    والقاسم المشترك ..كان ذلك الحب الكبير لكسلا..والانتماء الصادق لبواديها ..وناسها...وكل تفاصيل الحياة فيها
    عد فات..زمن العيون الالفه .والحضن الملاذ
    ورهافة الحس البلون...ضحكة الناس العزاز
    بعد الحنان الكان زمان....استوطن المطر الحراز
                  

05-08-2002, 00:45 AM

OmDur
<aOmDur
تاريخ التسجيل: 05-03-2002
مجموع المشاركات: 785

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كسلا الأم (Re: بكرى ابوبكر)

    ارض الحبائب وارض المحنة
    والله الليلة قطعتونا عديييييييل
    الشكر ليكم
    ولمن نتذكرهم كل الود 000 الحب
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de