كالو يتناول إفطاره في السماء.. الأستاذ بشرى الفاضل

Quote: كالو يصعد للإفطار في مائدة الرحمن حكى أبوبكر فقال: كان كالو الأسمر اللامع ذو العينين المتوهّجتين أنشط التلاميذ داخل الفصل. كان أكثرنا ذكاءً وأداءً وحركة ورقة. لكنه واحد من أفقر أبناء القبيلة ويجيء دائماً بلا إفطار وبلا ملاليم يشتري بها اللالوب أو الفول المدمس. وكان لا يسعى لجلب إفطاره مثل بقية أبناء القبيلة الشياطين مما ينبت بريّاًَ من ثمار. كان بعضهم يقول أن كالو يخاف من ظله. ولكنه كان لا يفصح عن شئٍ كان يكتفي بالجلوس في الفناء طوال الفسحة. كان جاري. وأذكر تماماً ذلك اليوم الذي خرج فيه لحصّة الفطور بعد أن قرأ في حصة اللغة العربية نشيدا كان يُرتله ترتيلاً (كنا في السنة الرابعة) وقال له الأستاذ مقرظاً. ـ أحسنت يا إبني. وجلس كالو وقد ازداد بريق عينيه جلس مبتسماً. ثم عندما آذن الجرس للإفطار، عزمت كالو ليفطر معي فاعتذر في إباء، وانطلق جارياً نحو الجبل. وعندما عدنا من فسحة الإفطار سألنا أستاذ الدين: ـ أين كالو؟ فأجاب التلاميذ من أبناء القبيلية بصوت اشترك فيه أغلبيتهم. صوت عميق وحزين: ـ كالو مات يا فندي. والتحمتُ مع المعلم في الدهشة: ـ مات؟ ثم أسرع الأستاذ الذي صعقته المفاجأة: ـ مات كيف؟ وما اهتم أبناء القبيلة بالرد. أخرجو كتبهم المدرسية ولو أن الأستاذ دخل في الدرس وسألهم لفرقعوا أصابعهم ولتصايحوا. ــ فندي فندي فندي! كأن الموت نزهة أو هو عادي بينهم كالعطسة. ولم أصدق أن كالو مات. آه يا كالو، كالو. كان حيّا بشكل لا يوصف. مات؟ كان صديقاً لي دون أن نُصرّح لبعضنا كثيراً بالمودّة، مات؟ وكرر الأستاذ سؤاله للتلاميذ الصّامتين ـ مات كيف يا أولاد؟ ورد أحد التلاميذك ـ طلع ياكل فطور يا أفَندي. وعاجله الأستاذ ـ مفهوم ما كلنا طلعنا للفطور مات كيف؟ متين؟ وين؟ عندو قلب؟ ورد أحد التلاميذ هو يهز رأسه بأسى: ـ لا، يا أستاذ، هو ما طلع زيك. هو طلع فوق شجرة التبلدي ووقع فوق حجر في الجبل ومات. وعقب تلميذ آخر: ـ أصلو كالو كان ما بفطر قنقليس زينا اليوم مشى أو مرة لي التبلدي. وسأل الأستاذ: ـ إنت كنت هناك؟ جاءه رد حسام [أظن المقصود حاسم ولكنها وردت هكذا في الكتاب] الأولاد كتار كانوا هناك وشالوه لي أمه. وناس كُبار لمّوه. ـ وين؟ هناك في الفريق. وجمتُ. وجمتُ. كالو مات؟ في ذلك اليوم لم أستطع مواصلة دروسي فخرجت لأحكي لأبي وأمي. وأظن أن أبناء القبيلة واصلوا دروسهم وهم يتصايحون: فَندِي فَندِي! كأن حادثة كالو كانت جزءاً من مألوف حياتهم. وهكذا صعد كالو وتناول إفطارق في السماء." طبق الأصل .. [رسم تشكيلي بديع في الصفحة سأحاول نقله في مداخلة قادمة] صمت أبوبكر وران حزن علينا معاً وفي اليوم التالي أقنعته بعد لأي بأن أضمن مجموعتي القصصية الجديدة قصته المؤثرة هذه. كان رفضه في البدء معللاً بما سأقوم به من ذكر لإسمه ومن ناحيتي لا بدّ من ذلك، إذ أنه صاحب الذكريات كلها وكان إصراري سببه حزني على الواقعة ولقد اقتنع أبوبكر أخيرا، حين قررنا معاً، أن نهدي هذه الحكاية لكل أبناء القبيلة ولروح كالو وعسى أن يكتبوا ذكرياتهم عن رفقاء أبي بكر ثم يأتون بها في كتاب وهم يهتفون في أب برك وفي هذه المرة: ـ تبارونا؟.