|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
فى مستشفى كادقلى الكبير... عملت الدكتورة سناء بكل همة ونشآط.. وأسلمت نفسها تماما للحآلات الطارئة فى قسم الحوآدث من ميادين القتال... ولقد ساءها أن المصابين من الحركة لا يمكن احضارهم الى المستشفى.. وان الوفيات من الحركة لا يمكن نصب الصيوان لها.. والعزاء عليها.. وكانت تقول فى السر والعلن أن ادارة هذه الحرب... لا تعرف الله ولا تخشاه... وأن العنصرية فى السودان تمتد حتى الآموات..
كانت ديناميكية الحركة.. لا تعرف الجهد ولا التعب.. وكانت تتفاعل مع المرضى.. كما لو انهم أهلها... كانت تبكى حينما تعجز عن علاج مريض.. فيسلم الروح.. وكانت تضحك مع الآطفال وتكثر من زيارة قسم الاطفال.. وكانت تنادى الشيوخ بعمى.. وتنادى النساء يا خالة..
وبدا واضحا ان الفقر او ظروف القهر.. ليسا هما من يدفع بالمرء الى الابداع .. ولكن يسر الحال ايضا وهناؤه... يساعدان الانسان فى أن يبدع ويظهر عبقريته...
كان حديثها مع دكتور وآئل متصل بلا أنقطاع.. حول المهن الطبية فى السودان... وما وصلت اليه المهن الطبية فى الخارج.. فهى أيضا تخصصت جرآحة فى جامعة كامبريدج بلندن.. وعاشت فى الغرب بضع سنين.. ثم يقارنان الحال بمستشفيات السودان... ومعاملها..
ثم المستوى العالمى الذى وصلت اليه المستشفيات الخاصة فى طول السودان وعرضه.. ولكنها لا تعالج الآ من أستطآع اليها سبيلا.. ثم يشمل حديثهما نقابة الاطباء.. وأضراب الاطباء... وقد علم وائل أن الدكتورة شآركت فى تلك المظاهرات... واعتقلت.. وضربت..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
كانت أمسية عاصفة بكل المقاييس... فلا الآطباء ولا الممرضات ولا المرضى.. عرفوا طريقهم الى الراحة والاستقرار... فى تلك الليلة التى اشتعلت فيها سماء كادقلى تماما... وأصبح أزيز الطائرت مثل مليون خلية نحل تصدر اصواتها فى نفس الوقت.. وقد كان واضح جدا ان كادقلى لم تعرف طريق النوم فى تلك الليلة...
فقد اتجهت جميع الطائرت واليات القتال صوب كودا.. مرورا بالبرام .... وبدا ان الحكومة قد طاش عقلها.. وان الحركة لا تقل عنها جنونا... كانت الحرب ولا شئ غير الحرب.. وكان الغضب يتطاير من فوهة تلك الاليات... والقنابل تسقط مثل الآمطار..
وسط تلك الاجواء.. كانت الحالات تاتى الى قسم الحوادث.. بعد أمتلاء مستشفى الشرطة.. ومبنى القيادة العسكرية.... بأنتظار الطائرات التى تقلهم الى السلاح الطبى فى الخرطوم.. كان الموت هو سيد الموقف..
كانت سناء تسال نفسها... وهى تهرول من مصاب الى اخر... ما الذى يحرك كل هذه العداوة والبغضاء بين ابناء الوطن الواحد ؟ ما الذى جناه اهالى تلك الولاية حتى يتعرضوا لذاك العداء المزدوج ؟ لا بل العداء المّركب ؟ وهل بالآمكان أن تجلس تلك الاطراف ذات يوم.. وتحاور بعضها البعض مثل أى دولة محترمة؟ ثم تستبعد الصورة تماما... وقد بدا لها أن تلك العداوة و البغضاء تمتد الى الالاف السنين الضوئية... وان السودان لديه القدرة العالية على البغض والكراهية.. رغم ما يدعيه من السماحة وطيب القلب..
ثم تسال نفسها... هل لهذه العداوة من نهاية ؟ هل يعقل ان تكنس مخلفات الحرب ذات يوم.. ويعيش المواطن السودانى.. فى هدوء وثقة بوطنه وبحكوماته ؟ وهل حاملوا السلاح... لديهم سقف للمطالب؟ ام ان هذا السقف لا يقل عن سقوط الحكومة مهما كان؟ وماذا لو أستمرت تلك الحكومة عشرات السنوات القادمة؟ كم مواطن يجب ان يموت خلال سنوات النظام هذه ؟ ومن يضمن أن النظام القادم سوف يختلف عن سا بقيه؟
وهل؟ وهل؟ وهل ؟ حتى بدأت السماء تفرش السجاد الاحمر القانى فى الآفق... ايذانا بقدوم الشمس... أوصلها دكتور وائل.. الذى لم يقل عنها اعياءا وجهدا... وهو يّمنى نفسه.. بدش دافئ ونوم عميق حتى الظهر...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
أنتهت الدكتوة سناء من اعداد وجبة طعام الغداء.. التى كان دكتور وائل مدعوا اليها.. تناولوا جميعا الطعام... هى والباشمهندس وشقيقها ودكتور وآئل..
بعد الغداء والشاى.. أنتحى الباشمهندس بدكتور وائل جانبا... وسلمه رسالة قائلا له.... دى وصلتنى من حميدان اللّكه فى المجلد.. ومفروض أقطعها بعد القراءة على طول... عشان كدا طلبتك تقراها معاى... قبل ما اقطعها.. لانه الاجتماع الجاى ما معروف متين..
رد دكتور وائل.. انت ما محتاج لشاهد على الرسالة دى.. افتكر الثقة البيننا ما بتحتاج لكدا.. رد الباشمهندس.. مش مسالة ثقة.. لكين ومع الحاصل.. لو شآلتنى قنبلة أو رصاصة طايشة.... تقدر توصلها أنت.. رد دكتور وائل.. أمرك عجيب يا الحبيب.. سيرة الموت دى على لسانك 24 ساعة.. يا اخى وحد الله وروق.. رد الباشمهندس... لا اله الا الله... بس الموت دا مش احنا عايشين معاه 24 ساعة ؟ بس مافى واحد بيضع احتمال الموت لى نفسه... الحذر واجب يا اخى...
قرأ دكتور وائل الخطاب.. دار حولها نقاش ثم قام الباشمهندس بتمزيقها.. أستاذن دكتور وائل فى الانصراف.. وطلب منه ان ينادى سناء.. حضرت سناء.. وبما للباشمهندس والدكتور من علاقة تصل درجة الاخاء كما لو كانا اشقاء... ابتدرها بالسؤال أمام الباشمهنس ... فى واحد فى حياتك يا سناء ؟ لا يبدو انها تفاجأت... بل أحتمال انها كانت تتوقع السؤال.. ولكن فى غير تلك الحالة.. ردت بسرعة.. بعفوية... ودون خجل... لا ابدا..مافيش.... خالص.... انفجر دكتور وائل ضاحكا كما لم يحدث فى حياته من قبل... ضحك ثلاثتهم على ردة فعل سناء التى فاجات نفسها.. وعقب الباشمهندس الذى غمرته السعادة تماما... قائلا... اذا على خير الله يا شباب... ردت سناء متسائله فى حيرة... فى زول فى الدنيا دى بيخطب بالطريقة دى ؟ رد الباشمهندس.... وآئل...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
نشط ساش كما النحل... فى الآتصال بأهل الولاية فى مدنها وقراها.. وفى الخرطوم والمدن السودانية الآخرى.... كان دقيقا جدا فى أختياره.... ولا يتم الاتصال الا بمن يعرفه شخصيا... ويعرف ارائه\ها سلفا.. ويتفق معهم فى الطرح العام..
قام بالاتصال بالكوتش وسارتر وزيتونه فى كودا... لانهم أصدقاؤه أولا... ولانه يعرفهم جيدا.. ولانه يعرف انهم مخلصون لآهلهم.. وان الطريق الذى اختاروه... اختاروه بقناعات شخصية... مؤمنين بان ذاك هو الطريق الصحيح... وقد كان متأكد جدا من أنهم سوف يولون الآمر عناية فائقة... ويتعاملون معه بمنتهى المسئولية... وأن اختلفوا فى الرأى...
تم التكليف بكتابة التقارير المفصلة التى اشاروا اليها فى اجتماعاتهم السابقة.. وفضلوا أن لا يتم الاتصال بأى شخص أو جهة فى الخارج... الا بعد ضمان استلام كل التقارير.. ومناقشتها.. وتفصيلها تفصيلا دقيقا.. وتم الاتفاق ايضا على أن تظل الانتهاكات طى الكتمان حتى يصدر بشانها الآمر..
بالنسبة لمآو مآو... فقد أحس بأنه يولد من جديد وللمرة الثانية.. المرة ألاولى بزواجه من كلير... والمرة الثانية هى هذا العمل الذى يقومون به.. فهو يعطيه الاحساس بانه مشارك فى عملية التغيير.. الفكرة التى فجرت كل الطاقات الكآمنه فيه..
حتى وان أختلف أهل الولاية حولها جميعا.. ألا ان الرافضين للحرب.. والمنادين والعاملين على حل قضية الولاية... بالعقل والمنطق.. لهم دورهم الفعال فى تغيير مجرى ألامور... وأن فكرتهم لها من يؤمن بها ويحترمها ويعمل بها ايضا...
فقد وضع الالاف من جنود الحركة سلاحهم.. وانضموا لآحد قيادات الحركة الرافض للحرب.. رغم تصنيفه كخائن من قبل زملائه فى الحركة.. فالمسالة.. اجتهادات من الجميع.. وأن ما ينفع الناس.. هو الذى سوف يبقى...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
بوصول الباشمهندس الى منزل ساش.. كان الظلام قد هبط تماما.. وخلت الشوارع من المارة... واسلمت كادقلى نفسها للقدر.. بدأت الامطار تهطل بوتيره هادئة...
لم يدهش ساش بان راى صديقه فى ذاك الوقت... فى تلك الظروف الطبيعيه.... فقد ألفوا جميعا مثل تلك الزيارات... ولكن ساش أحس بالآنقباض.. وقد كان محمر العينين.. وقلبه يخفق بشده... لآنه ما أن سمع طائر الّشرار ليلة الآمس... حتى اسودت الدنيا فى عينيه.. وتمنى لو أنه لم يعرف الّشرار ولا صوته..
لم تنتظر والده ساش حتى يأتيها ابنها طالبا لآصول الضيافة.. فقد استقبلته عند مدخل المطبخ.. وهى تحمل صينية محملة بأباريق العصير والشاى والقهوة.. يتربع وسطها صحن ضخم ملئ بالبليلة والسمسم.... علق الباشمهندس قائلا... الله لا يحرمنا من بليلة الست والوالدة.. مافى واحدة فى كادقلى كلها بتعملها بطريقتها..
جلس الاثنان.. لم يسلم الباشمهندس الرسالة لساش فى الحال.... فقد عرف ردة الفعل التى سوف تحدثها تلك الرسالة.. ولكنه تناول أمورا هنا وهناك.. واخيرا دخل فى لب الموضوع..
حكى لصديقه أمر دلوكة.. وترك صاحبه فاغرا فاه.. فقد أحكم القلق قبضته على قلب ساش وأعتصره عصرا.. واخيرا خرج صوته الجهور.. دون أن ينطق هو.. وقال لصديقه.. الكلام دا معناه حاجة واحدة بس يا باشمهندس... وانت من قبيل تلف حول الموضوع وماقادر تقوله.. رد الباشمهندس... فعلا..أنا فى حالة صدمة شديدة .... من ساعة ما قريت الرساله الشؤم دى...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
Quote: بقآيا ليل.. وبعض فتآت الخبز المبعثر على طآولة الطعآم.. ونصف كوب من الماء.. والكل نيآم... هدوء مطبق كما لو أن الخلق قد غآدرت المكآن... ولا نسمع غير نبآح متقّطع للكلاب الصآيعة.. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
أنجبت كلير بنتا تفوق جمال والدتها... طار مآو مآو من الفرح ولم تسعه الدنيا بما فيها.. سعدت أسرته وأصدقاؤه كذلك ... وأنتقلت والدة ماو ماو للعيش مع ابنها وزوجته.. لتساعد كلير لبعض الوقت..
طار دكتور وائل والدكتورة سناء الى الخرطوم... وقاما بمراسم الزواج والعودة الى كادقلى.. تلكأ ساش كثيرا فى مسألة زواجه.. فقد هّده الحزن على دبل غبينة كما لو كان شقيقه الاصغر... وأخير جدا... وأفق على اقامة مراسم الزواج.. ولكن فى أضيق نطاق... ورحلت الباشمهندسة سوسن للعيش معه فى منزل أهله..
وأصل الباشمهندس عمله فى أستلام الرسائل من سارتر وبقيه الاعضاء ... ثم ارسال الرد .... وقد كان تفاعلهم جميعا.. قوى جدا بتلك الاتصالات.. غير ان مهمة الباشمهندس قد كانت الاصعب.. وأصلت كادقلى العيش تحت الرصاص.. وسطوة الاشاعات وارتفاع الاسعار.. والقهر و الموت....
وبدا واضحا أن الصراع بين الحكومة والحركة... يتعمق أكثر مما تظهره مجريات الآحداث.. أحكم الجوع والعوز والفاقة قبضتهم على اهالى الولاية.. وهم يتفاعلون مع الحرب... بكل الصبر والجلد والكبرياء...
صّعدت الحكومة من عدائها السافر على اهل الولاية... وسط جملة أسئلة وحيرة ووجوم من موقف الحكومة .. ولكن عزيمتهم لم تهن... فقدت الحكومة صوآبها بالكامل... فيما كنت السماء.. تنظر اليهم جميعا... وهى تضمر شيئا...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
خرجت كادقلى عن بكرة أبيها صباح يوم عبوسا قمطريرا... نساؤهم ورجالهم واطفالهم... قائلين فالتذهب الحرب الى الحجيم ومعها الحكومة والحركات.. وقائلين ايضا فليعتقلهم جهاز الامن كلهم... عن بكرة أبيهم... ويعذبهم كما يشاء.. فلا القنابل أصبحت تهزهم... ولا التعذيب اصبح يخيفهم... ولا الموت أصبح يهمهم..
أقفلت المدارس فى ذاك اليوم... واقفل السوق.. فيما عدا موظفو الحكومة هم الذين ذهبوا لمكاتبهم... يشربون الشاى والقهوة.. ويتداولون الحدث.. حيث لم يوجد مراجعين فى ذاك اليوم..
ولقد صّرحت كادقلى ايضا.. بأنها لا يهمها من ابنائها من التحق بالحركة... أو لم يلتحق... المهم أن فلذات أكبادهم قد جروا الى الحرب جرا.. لهذه الحرب العبثية.. المدمرة.. وتّجمع الآهالى فى ميدان عام ... وسط أحد الآحياء...
أسقط فى يد الحكومة... وأصدر الوالى أوامره باستخدام الذخيرة الحية... وصار يجوب المدينة.. بعربة تحملها البنادق والرشاشات.. ورجال الآمن والجيش.. والممرض الذى يحمل مصل السكرى... وهو فى حالة هياج تام...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
فقد وصلهم نبأ مقتل الكوتش فى كمين نصبته الحكومة فى طريق ام دورين... ولقد مات وتقّطعت اشلاؤوه أربا... وسبب ثورة المدينة كلها على الكوتش... الى درجة ذاك التحدى يعود لشخصية الكوتش..
فالرجل كاريزما.. ضعليه فى مهنة القانون... محامى بارع يطلبونه فى الدلنج والابيض ومدن الولاية الآخرى.. كان كثيرا ما يترافع عن البسطاء دون أجر.. كان قوى جدا.. عامود من الصلب.. وكان رقيقا جدا... كان يعامل الجميع على انهم أهله.. ولا يذكر كائنا من كان أنه شوهد يمارس العنصرية... أو الاستعلاء على الاخرين نتيجة امتيازاته المتعدده.. وقد كان بيته قبله المحتاجين فى المدينة كلها.. حتى ارتبط فى اذهان الناس بأنه جزء لا يتجزأ من كادقلى الاصيلة..
ورغم علم الجميع بعلاقته بالحركة.. ألا ان العقل الباطن رفض.. أن يقبل فكرة أن الكوتش يمكن أن يقتلهم ذات يوم.. فقد اقتنعوا واقنعوا انفسهم.. بان وجود الكوتش فى الحركة هو لدرء الخطر عنهم...
لم يهتف الجمهور... وكثير منهم أكتفى بالدموع التى كانت تنهمر دون توقف... رجالا ونساءا.. ولكن الحكومة كشرت عن انيابها.. وصوبت بنادقها نحوهم.. ووقفت تنتظر الاشارة...
حضر الوالى وخاطبهم.. ثم وحينما لم يجد انفراجه فى الآمر.. هددهم.. ومنحهم وقتا محددا لفض التجمع..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
Quote: الآخ العزيز الحليلة...
شّرفت كتير.... ونبدأ بيك الجزء الآخير من الرواية... جيت فى الوكت المناسب... وأهو تدينا بركاتك... |
شكرا أستاذة نور علي حسن الظن كنت أود أن أحكي قصة ولكن خوفا من أن تخرج البوست من هدفه فضلت أن أحتفظ بها إلي حين ميسرة
وإن شاء الله سأرجع لك
واصلي مستمتعين بالحكي الذي يذهب الهم والغم
مشكورة ________________ الحليلة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: elhilayla)
|
الآخ العزيز الحليلة...
تشكر مرة تانية وتالته.. وألف... على الطلة البهية... يا أخى الحكى بقى لى صعب.. وأرهق اعصابى كثيرا.... ولك أن تتخليل.. طوال مدة كتابة هذا البوست... لا تفارق كادقلى مخيلتى.... صباح مساء... أصوات الرصاص والصواريخ تصم اذانى.. وصور القتلى الملقاة على الآرض لا تفارق عينى.. وحتى الحلم.... أصبح كله عن كادقلى.. ....
شرايينى ارتوت قلقا.. وكدت من الهياج.. أهوى.... أمزق زركشات ستائرى الجزلى ... وأعصف بالسراج....(مصطفى سند.فى رآئعته..مقاطع استوائية).. ..... نهارك سعيد..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
تردد ساش وزوجته على الخرطوم كثيرا... وكذلك مدن السودان ألاخرى... شماله وغربه وجنوبه ووسطه.. بغرض النقاش والحوار حول صّناع الفجر.. فقد أثبتت الباشمهندسة سوسن أن بأسها شديد.. فهى قوية وصلبه وتتحمل السفر كأنها ولدت رحّاله..
بدأت بينها وبين زوجها علاقة أقرب الى الصداقة منها الى الآزواج.. فقد كانت شديده الصبر.... مستمعة جيدة وراقية.. دقيقة فى أختيار الكلام.. بل وأن حياتها عموما مبنية على الدقة والتنسيق... والاهتمام بأدق التفاصيل..
كانت الباشمهندسة متوسطة الطول.. جميلة بأسلوبها الخاص... لها حضور قوى ومؤكد... و لها صوت عميق وقوى ... وهى فوق هذا وذاك.. تعرف متى تتحدث وكيف...
بدأ ساش تعّلقه بزوجته .. وأستغرب كثيرا.. كيف انها لم تلفت نظره من قبل... رغم صداقتها لاخواته.. وترددها الدائم على منزلهم..
فقد عرفها منزل أن كانا طفلين.. تفرقت بهما دروب النزوح.... ثم عادا مرة أخرى.. يحمل كلاهما مخزونا من العلم والخبرات والذكريات.. تعينه على العيش فى كادقلى.. بصعابها وحروبها وقنابلها وقتلاها..
كانت أيضا شديدة الولع بالموسيقى... وتعزف على جميع الالات الموسيقية فى داره.. الشئ الذى قّربها اليه أكثر..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
مرة أخرى ضربت الحركة الشعبية كادقلى بصاروخ... فالحركة يتملكها الهوس والجن من مدينة كادقلى.. مثلما يتملك الحكومة الهوس والجن من بقية الولاية.. سالت دماء فى ذاك الصباح رمادى اللون.... وروت أرض أحدى مدارس الآطفال الابتدائية.. فقد قتلت منهم ثلاثة.. وأدخلت الرعب فى نفوس الصغار.. بالشكل الذى تصعب ازالته والى الابد...
فقد كان التلاميذ وقوفا فى طابور الصباح.. يرددون...
نحن جند الله.. جند الوطن... أن دعا داعى الفدا.. لم نهن... نتحدى الموت... عند المحن... حتى دخل ذاك الصاروخ الآرعن.. وأرعب جند الله وجند الوطن... وجعل كادقلى تخرج عن بكرة أبيها... وهى تهرول نحو المدرسة...
فقد اصبح من الطبيعى أن ترى سكان كادقلى..... يركضون... أما فى كل اتجاه.. أو الى هدف محدد.. جن جنون الآمهات.. وطاشت عقول الآباء... واصدرت الحركة بيانا هزيلا ومستفزا يقول... أنها تأسف على قتل الآطفال.. فلم تكن تقصد... مثلما تفعل فى كل مرة.. وتقتل الناس.. وهى لا تقصد...
الصواريخ تدخل البيوت... والحركة تقول انها لا تقصد... والالغام تنفجر فى الطرقات العامة.. وتقتل الناس.. والحركة تقول أنها بريئة مثل براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. والحكومة تقول انها اكثر براءة من الحركة... والناس تحمل قتلاها وجرحاها... وتلوذ بالصمت..
فقد اصبح الموت يتبختر فى شوارع كادقلى.. مثلما كان الفرعون يتبختر فى شوارع مصر.... والناس التى اصطفت على جانبى الطريق تضحك وتقول... أنظروا ملكنا العريان.. غير أن الناس فى كادقلى لا تضحك... فهى تزرف الدمع فى صمت... وكفى...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
ضرب النحاس.. وجاء صوته عميق وقوى.. غير أنه بطئ ولا يستعجل اعلان الخبر... نطق النحاس فى ذاك الوقت الموجع من اليوم.. حين تسرع السماء فى فرش الافق.... بسجادها الاحمر القانى.. تمهيدا لمغادرة الشمس.. صاحبة الجلالة... لتهيج أحاسيس العاشقين.. وخيال الشعراء والمرهفين.. نطق النحاس فتلقفت الجبال ذاك الصوت.. وأعادته باصرار متزامنا مع الصدى...
حبس الجميع أنفاسهم.. فالنحاس لا يضرب الا لاعلان الخطب الجلل... موت زعيم.. أعلان حرب..وهكذا.. أعلان حرب ؟ فالامر لا يحتاج.. وهذه الحرب تلعلع لمدة عامين كاملين بلا انقطاع.... موت زعيم ؟ فقد نسى الناس الزعامة والزعماء فى ظل هذه الحرب اللئيمة..
ثم أن توقيت ضرب النحاس غريب... فهو يضرب مع غروب الشمس.. هل ماتت كادقلى؟ أم قتلت؟ أم ماذا ؟
تقاطر الجمع نحو المكوكية.. وحتى نقاط التفتيش لم تسال أحدا... ولم توقف احدا.. وتواصلت الجموع وهم يقعون ويقومون بفعل الليل... والحفر... والمطبات.. ومياه الخريف.. وأنعدام الكهرباء..
أمتلآت المكوكية عن بكرة ابيها.. وتدفق الجمع حتى وصلوا نهاية المكوكية... وبداية الحجير.. والكل يسال.... ولا أحد يجيب..
توقف النحاس... وخرجت للناس أحدى بنات المك... فى ثبات وقوة.. وفى اثرها مجموعة رجال يحملون الاضاءه الكاشفة.. بآن وجهها المرهق.. وبدأ صوتها المتهدج... دون أن تنزل دمعة على خدها.. وبدأت...
ايها الناس... نحن الان فى اصعب مرحلة من مراحل تاريخنا الناصع المجيد.... نحن اليوم فى أدق ظروفنا... وفى أحرج لحظاتنا.. فالنبك جميعا... على قائدنا.. ومك مكوكيتنا.. ووالدنا... وأخينا.. الذى قتل فى حادث حركة مّدبر.. فى طريق الدلنج كادقلى...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
الحروف الصادقة تتسرب في مسارب الروح طوالي واصلا مابتروح دي حكايات دي يا نور ول روايات يا نور دي قصص يا نور ولا حروف حية شايلة كاميرا وتصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: عبدالله ود البوش)
|
عزيزنا ود البوش..
نهارك سعيد أو مساؤه... كلام يدفع بالكتابة الى آخر العمر.. شرفتنى كثيرا.. وانا الان فى آخر المشوار... قد نلتقى فى رواية أخرى وموضوع آخر أن شاء الله...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
عادت كادقلى بذاكرتها الى التاريخ... حتى تنسى بعض همومها... وتذكرت يوم كان العمل فى الحقول.. جماعيا.. تعد فيه النساء اشهى الطعام... يغنى الرجال والنساء.. وهم يعملون فى الحقول كتفا بكتف.. فلا الرجال اصيبوا بالارهاق يوما ما.. نتيجة ضغط أو سكرى أو روماتيزم.. ولا النساء.. فقد كانت المدينة كلها فى أوفر صحة وأتم عافية..
تذكرت موسم الدرت.. بمحاصيله الوفيرة.. وكرنفالات الفرح والرقص والغناء التى تصاحبه.. تذكرت القانون يوم أن عرفت معنى القانون.. فلا أحد يستأنف حكم المك.... ليس خوفا من البطش.. ولكن قناعة تامة بعداله القضاء..
وتذكرت ايضا.... نوع الآحكام.. التى تفصل فى النزاعات البسيطة بين الزوج وزوجته.. وبين حدود المزارع.. فقد كان الجميع اسرة واحدة.. يعرفون بعضهم البعض... يحبون بعضهم البعض... يحمون بعضهم البعض..
تذكرت أن الرجل اذا حكم عليه بالسجن فى امر ما.. فى بداية الخريف.. يتركه المك لحاله.... حتى يزرع ويحصد ويّؤمن قوت عياله ... ثم يعود لتنفيذ الحكم.. الى هذه الدرجة كانت الثقة فى القضاء... وكانت ثقة القضاء فى المحكوم عليهم...
تذكرت يوم ان كانت خالية من الجرائم... فلا أحد يسرق أو يكذب أو يعتدى على الآخر ظلما.. وحينما ارتكبت أول جريمة قتل.. قام المك بنفى القاتل.. الى مدينة لا يعرف الجانى اهلها ولا يجيد لغتها.. هذا لآن المك عرف حب الناس لكادقلى.... وأنه فى حالة انتزاع القاتل من ذاك النعيم... فسوف يموت بالحسرة... ولقد كان المك واثق ايضا.. من أن الجانى سوف يبقى فى تلك المدينة التى اختاروها له.. وسوف لا يخالف حكم المك.. حبا واحتراما للقانون...
تنهدت كادقلى طويلا.. وهى تستعيد ذاك الشريط... الذى لن يعود مرة اخرى.. ثم أجهشت بالبكاء على المك منذ تلك اللحظة...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
أنتهى...
وأشكر جميع قرائى.. والذين تابعوا هذه الرواية من أولها لآخرها... واشكر ايضا قرائى من المتداخلات والمتداخلين.. الذين منحونى تلك القوة الهائلة التى شجعتنى على الاستمرار فى الكتابة..
والان افتح الباب للنقاد...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: Hisham Amin)
|
الف شكر يا هشام...
تصدق بالله اننى عايشت تلك الفترة.. وكل شخوص القصة.. كما لوأننى جزء منهم.. حتى بت اشتاق اليهم..
الشكر مكرر يا هشام.. محتاجين محاضرة ثانية حول عدم جدوى الحروب.. فى بوست آل تاور.. فنحن السودانيين نحتاج الى مثل هذه الثقافة.. خاصة من شخص تنصب شهاداته العلمية وتجربته العملية.. حول ذات الموضوع..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: Hisham Amin)
|
نور تاور سلامات يا طيبة يا أصيلة
الواحد من كثرة المشاغل بقى ما عندك استطاعة يواكب. مع المنبر زى زمان
الله يد العافية بس.
عندى اربعه يوم اجازة حا تبدآء الأسبوع الجاى وواحدة من الحاجات الخاتيها فى بالى أنى أنجزها هو تكملة قراءة طبول وأصداء قصة او رواية او مشروع كتاب زى ما كتب بعض الأخوة ناجح جداً عجبنى فية التسلسل المتتابع واحتمال أكون حسدتك لأمن عرفت انك كنت وسط كل هذة الاحداث
تحياتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
كان الجو منعش خارج القاعة.. وكانت تونس تستقبل يومها المشحون بالتفاعلات السياسية.. بعد خلع الرئيس زين العابدين بن على.. وبما للشعب التونسى من لطف ممزوج بصرامة لا تخطئها العين.. فقد كانت الشوارع تعج بالمارة فى غدوهم ورواحهم.. كل يحمل همه وهم تونس.. اين تقودهم تلك الثورة التى فجرت العالم العربى كله من وراء ها ؟ أما بالنسبة للسياح الاجانب... فقد كانت اللغة العربية الممزوجة باللغة الفرنسية.. تزيد من سحر التونسيين بالنسبة اليهم.. وتزيدهم غموضا يحفز على البحث والاستكشاف..
أما فى قاعة المؤتمرات التى شهدت مؤتمر جبال ىالنوبة.. تحت شعار.. الحرية لنا ولسوانا..والعزة والكرامة للسودان.. كان الجميع قد استغرق فى صمت تام.. ولم يسمع الا صوت المتحدث.. تلو المتحدث..
وبالنظر الى القاعة.. يخيل الى المرء أن خطبا جلل يجرى داخل تلك القاعة.. وأن مصير شعب بحاله.. ينتظر ما سوف تسفر عنه مداولات ذاك المؤتمر.. جلس ماوماو كتمثال من البرونز فى ميدان عام فى دولة افريقة حديثة الاستقلال.. كان ساش يركز نظراته على المتحدث كما لو يود أن يبتلع الكلمات التى تخرج من فم المتحدث.. كان الباشمهندس شديد القلق.. يفكر فيما يمكن أن يحدث بعد نهاية المؤتمر.. كانت كلير قد دخلت بكامل عقلها وقلبها فى احداث المؤتمر.. ونسيت كل شئ ما عدا تلك الجلسات..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
أنتهت جلسات اليوم الآول للمؤتمر.. وقد كان من المتوقع شعور جميع المشاركين لذاك المؤتمر بالاجهاد.. ولكن ذلك لم يحدث.. فقد أجتمعت الخلية فى غرفة هّناى رئيس الخلية ورئيس الوفد.. لتقييم الامر ..
أجتمعت فى هناى صفات قل ان تجتمع فى شخص وآحد.. فخلقت له تلك الهالة والهيبة التى يسبغها على من حوله دون أن يقصد ذلك... وهو طبيب متخصص فى جراحة الآعصاب.. ولكن لعدم ذلك القسم فى المستشفى الذى يعمل فيه فى الولاية.. فهو يمارس مهنة الطب عموما..
رفض طلب اللجوء فى الدول الغربية.. وتعرض وعانى من مظالم حكومات المركز بلا استثناء.. وتعرض للاغتيال على يد المؤتمر الوطنى عدة مرات.. كل ذلك لم يؤثر على الهدوء الذى يتمتع به ذلك الرجل... بل ويبدو فى تمام المصالحة مع نفسه ومحيطه... كل ذلك فى تناغم وتلقائية..
وهو فوق هذا وذاك أمين وصادق مع نفسه ومع الاخرين.. زاهد فى هذه الدنيا ولا تشغله غير قضية النوبة... وما آلت اليه أحوال الولاية.. لذلك وبعد تناول الشاى وبعض الكيك.. سرح كعادته ثم بدأ سؤاله.. لدى سؤال يؤرقنى كثيرا يا شباب.. وليت احدكم\ن يجيبنى عليه.. أنتبه الجميع. وتسمرت أعينهم فى وجهه.. فى أنتظار السؤال.. وآصل بنفس الهدوء والاريحية.. سؤالى هو أننا شعب النوبة.. جزء اصيل من هذا الشعب السودانى.. لنا تاريخ وحضارة أمتد اثرها الى أقصى الدول فى الماضى.. لماذا تتابعت هزائمنا حتى وصلنا الى هذه البقعة التى نتصارع فى الحفاظ عليها ؟ ونتصارع على بقائنا ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
طلب ماو ماو الفرصة التالية وبدأ قائلا.. أنا مثل صديقى ساش لا اّدعى علما بتاريخنا بل وبتاريخ السودان عموما.. هذا لآنه قد تم تزويره وتحريفه بالدرجة التى أخلت به.. وما درسناه هو قصص واساطير بعيدة كل البعد عن الواقع.. ثم واصل السودان على ذات التاريخ المزور.. حتى وصل الى درجة التخبط التى نعيشها اليوم..
وواصل.. ارى ضرورة ملحة فى اعادة كتابة ذلك التاريخ.. بدأء بالنوبة.. لآن لدينا ما يفوق الخيال... من التراث والثقافة والحكمه التى تعين السودان على العودة الى جذوره وأصوله.. ومالم نعد سودانيين كما كنا.... فسوف تستمر محرقة الحروب هذه الى ما لا نهاية.. واسمحوا لى ان اضيف الى سؤال الدكتور سؤالا آخر.. لماذ يحن الشمال النيلى لعروبة ليست بذات وجود ؟ بمعنى آخر لماذا يجب ان يكون السودان عروبى اسلاموى.. حتى يصبح سودانا؟ مع العلم بأن كل السياسيين الذين حاولوا تطبيق هذه العروبة الاسلامويه.. اثبتوا فشلهم الذريع... لسبب بسيط جدا.. وهو ان السودان هو مزيج من حضارات وثقافات واعراق وديانات... واى محاولة لنكران هذا الواقع او تدميره.. تجر على السودان ويلات العذاب.. ثم لا ينجح أولئك الساسة فى سياستهم.. لآن الاعراق الاخرى... والتى اشعلت السودان من اطرافه.. سوف لن تقف عند حد... اذا.. وببساطة شديدة يجب الاعتراف بكافة اشكال التنوع فى السودان.. ومن هنا نبدأ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
ملّخص الجزء الثانى...
كانت الخلّية تعمل فى مدينة كادقلى تحت غطاء انسانى.. ولكن وصل الامر الى ضرورة عقد مؤتمر لهم خارج السودان.. لدراسة الاستراتيجيات اللازمة للمرحلة القادمة... اقيم المؤتمر فى تونس.. وكان من بين المنفذين لذاك المؤتمر.. دكتور ّهناى رئيس الخلية وهو من المنطقة الغربية... نصف نوباوى نصف بقارى.. ماو ماو وحرمة كلير وابنتهما كادى.. دكتور وآئل وحرمة الدكتورة سناء.. من شمال السودان.. ساش وزوجته الباشمهندسة سوسن.. والباشمهندس بركّيه..
أنتهى المؤتمر.. واستعد الجميع للعودة الى السودان..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
مرت اللحظات بعد قرار العودة ثقيلة ومشحونة بكثير من الانفعال.. ولم يكن لتلك الانفعالات التى سيطرت على الجميع.. أى علاقة بجهاز الآمن السودانى وما يمكن أن ينتظرهم.. فقد كانوا يعملون ومنذ تأسيس الخلية بروح الفدائى.. ولكنها أنفعالات أثارتها ذكريات السودان المؤلمة.. والواقع الذى يلتف حولهم فى قسوة... فيعتصر قلوبهم بشدة وعنف...
مر الوقت عصيبا جدا.. وحل الصمت التلقائى الفجائى .... محل القفشات والضحكات التى كانوا يتبادلونها اثناء المؤتمر.. فأنستهم الواقع لبعض الوقت.. سرحوا بخيالهم الى مدينة كادقلى... ودون تخطيط مسبق... وصلوا بخيالهم الى مدخل المدينة.. الواقعة تحت الاحتلال السودانى.. ولقرابة الثلاثين عاما.. فالحياة مختلفة فى هذه المدينة.. و البشر ليسوا هم البشر.. الذين يبدأون حياتهم العادية فى هدوء... ويختمونها كذلك.. الحياة هنا تسير بنكهة الحرب.. وأن البشر جميعا يعانون من صراع الآفيال حول السلطة.. وحقائق أكثر تغّلفها الحرب.. بأختصار.. الحياة ليست هى الحياة فى ولايتهم..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
وّدعوا تونس بعد أن ختموا برنامجهم بحفل وداع اقامته السلطات التونسية على شرفهم.. غادروها فى هدوء كمن يسير الى المقصلة.. فى المطار كان منظرهم ملفتا.. مجموعة من النساء والرجال ببشرة دآكنة سوداء.. وبشرة فاقعة بملامح عربية.. يسيرون كما الجسد الواحد.. ويكاد الناظر اليهم أن يتخيل... بأن لهم نبضا وآحدا.. وأنهم جميعا شخص وآحد مستنسخ الى عدة أشخاص.. دون الالتزام بمواصفات الشخص الاصلى..
أحتلوا مقاعدهم فى الطائرة.. بعد أن مّروا بالاجراءات الروتينية فى المطار... و بعد معاملة فى منتهى الرقى من سلطات المطار.. ومجددا سرحوا بخيالهم.. ليس فى تونس وجمالها وحسن حفاوتها.. ولكن فى السودان.. بلد العجائب المليون..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: طبول وأصدآء.... (Re: nour tawir)
|
كانت الخرطوم تغوص فى أنوار النيون المتعددة الآلوان... فقد حّل الظلام ولم يبد منها غير الاضاءة المتناثرة هنا وهناك.. ورغم جمال المنظر والاحساس بأن الآرض سودانية.. ألا أن أحساس أعضاء الخلية... لم يكن كما الشخص العائد الى بيته.. ولم تكن الخرطوم مدينة جاذبة من الجو مثل المدن الآخرى.. التى تنعشك وتغريك بالاسراع فى الدخول..
كانت هناك أحاسيس متضاربة.. منها ما هو قوى قوة جاذبية الوطن.. ومنها ما هو سالب يدعوك الى العودة من حيث جئت..
خرج الجميع من الطائرة ليتلقفهم هواء حار.. وبعض التراب.. وكأن الطبيعة هى الآخرى متآمرة على السودان.. مع القوى الخارجية التى يحلو للحكومة أن تعلق عليها فشلها.. وراسا بدأ العرق يتصبب من الجميع.. ورآن الصمت على جميع الركاب فى ذاك البص.. وهم فى طريقهم الى صآلة المطار...
| |
|
|
|
|
|
|
|