ايامي في معسكر الدفاع الشعبي .....

Quote: ذكريات فى معسكر الدفاع الشعبي 1- الفترة من اكتوبر الى نوفمبر 1996م (دورة أسامه بن زيد السابعه) 2- المكان: معسكر الشهيد عيسى بشارة بالقطينه 3- تحركنا من ميدان المولد بالسجانه (ملعب الليق) بشحانات سالكا (سالكا شركه كانت تعمل فى مجال نقل البضائع) العملاقة وكأننا قطيع من البهائم أو أكداس من البضائع وكان كل منا قد جهّز شنطة حديدtrunk ، كتلك التى حملتها Jane Eyre وهى تغادر الى منزل Mr. Rochester ، فى داخل الشنطه بلح ، رغيف ناشف (قرقوش) وربما طحنيه ومربي بالاضافة لبعض الغيارات من الملابس. حلقنا الصلعه من قبل ان نتحرك من البيت وبعضهم حلقَ فى ميدان المولد والذى تأخر نال جزاء تأخره حلاقة عجيبه قررّها التعلمجيه عقب وصولنا لبوابة المعسكر بالقطينه وهى أن يحلق كل واحد لأخيه وذلك بغض النظر عن ما اذا كان الحالِق أو المحلوق يجيدان مهارة الحلاقة فكان ان تزعمط أناس وتجرّح آخرون فحمدنا الله أننا حلقنا عند أهلنا.. 4- ركبنا شاحنة السالكا نحن وأمتعتنا وقال لنا المنسقون أن هذه آخر عربه تتحرك للمعسكر فكان التدافع عظيماً ووالله الذى لا اله غيره كان كل منا يصارع اخاه على طول الرحله من السجانه حتى القطينه لكى يجد له متسعاً داخل الشاحنه وفى خضم هذه المعركه صاح أحد طلاب الشهادة العربيه قائلاً لأحد زملاءه أننى وجدتُ حديده اتمسك بها ولكن سرعان ما اكتشف ان هذا ساعدُ احد الطلبه السودانيين فمازال أصدقاء ذلك الطالب صاحب الساعد يسمونه حديده الى أن تخرجوا من المعسكر 5- وصلنا بعد هذه الرحله الشاقه الى بوابة المعسكر حيث لا ظل الا تحت الشاحنه والشاحنات الاخرى التى وصلت قبلنا، انزلنا امتعتنا وطلب منا التعلمجيه الجلوس فى صفوف وكتابة أسماءنا اما الذين لم يحلقوا رؤوسهم فكانت قصتهم ما اوردناها آنفاً 6- ظللنا جالسين فى الشمس لمده طويله تخللها كتابة اسماءنا عدة مرات، بعد ذلك طُلب منا القيام وحمل الشنطه والمسير وما أن تمشي خطوات حتى يصيح التعلمجى ثاااااابت فنقف ويطلب منك وضع الشنطه فى الارض، تكرر هذا المشهد الى أن وصلنا الى ساحة بالقرب من مسجد المعسكر فأجلسونا وجاءوا لنا بسندوتشات فول أكلناها بِشَرَه مع أن التعلمجيه إعتذروا لنا بأن الفول مُخَمِّر!!! 7- بعد ذلك بدأ توزيع العُدَد (النمره، ملابس الدموريه ، شدة بلاستيكيه ذقنا عذابها بعد ان لبسناها حيث جرّحت أقدامنا جميعاً) بعد ذلك سمحوا لنا بالمغادرة الى عنابرنا وهى عباره عن راكوبه كبيره ، حدّدَ كلٌ منا المكان الذى يريده وقام بتقطيع الحشائش النابته فى المكان لكى يحصل على أرض مستويه يفرش فيها نمرته! كان الوقت قد قارب العشاء ونحن تحركنا من السجانه حوالى العاشره صباحاً. خلدنا للنوم بعد هذا اليوم الاول العصيب ولكن بدأ الرعب يصيبنا من هوام الارض وبدأت الحكايات ان فلان لدغه عقرب وعلان فى الكتيبه الاولى قتل حيّة ضخمة، ذهب كل منا ليؤمن ظهره فقام بتكويم كميه كبيره من الرمل خلف الراكوبه جهة رأسه منعاً لمرور أى مخلوق صغير والشئ الاخر الذى فعلناه هو أن تلتف ببطانيتك كالجنازة وذلك أيضا مخافة تسرب العقارب والثعابين والكرَب (وهى عناكب سامه ذات لدغه مؤلمه جداً) 8- واجهتنا مشكلة فى الماء حيث كان معتكراً لدرجة انك ترى بُرادة الحديد الناتجه من الصهريج والمواسير ونسبة لأن المعسكر غالبا مايكون مهجورا طوال العام فلا تتم نظافة للصهريج من قبل ، لم تكن هناك أزيار بل خمس أو ست حنفيات فقط لثلاثة ألف مجنّد!! قدّر لوحدك كمية المزاحمه عند الوضوء أو الشراب. أذكر ذات يوم اتى قائد المعسكر (اسمه .... النّو) ليتلقى شكاوى المجندين، فشكا احدهم أن أحدى الحنفيات كُسِرَت فقال له القائد كلما كسرتم واحده قفلناه بالضّبه الى أن نقفل جميع الحنفيات ونرى من اين ستشربون! 9- مسألة الاستحمام كانت غاية فى الصعوبه من عدة نواحى، أولاً يجب عليك المزاحمه فى الحنفيه حتى تملأ الجردل وثانياً تحمل الجردل وملابسك لمسافة بعيده جداً لتصل الى الحمامات وثالثاً تنتظر فى الصفوف حتى تحظى بحمام ، فكنا نستحم أسبوعياً فقط وأذكر أن أحد الزملاء أقسم أن لا يستحم حتى يتخرّج! 10- برنامج التدريب كان يبدأ من تمام 6ص وبعده التربيه (وهى تمارين رياضيه أو جكه حول المعسكر وأحيانا للحله المجاوره) بعد الرجوع من التربيه تكون الساعه حوالى الثامنه والنصف او التاسعه وهذا موعد الفطور الذى فى الغالب فول أو عطرون بالعدس والذى أنهك كل المجندين وقطّع شفاههم بالجروح. بعد الفطور تتحرك للبياده وهى أبيخ برنامج ويستمر من العاشره حتى صلاة الظهر على ما اظن ويوم السعد ذلك اليوم الذى تُقطع فيه البياده من الساعه 11ص نسبة لحضور وفد رفيع من وزير أو والى أو قائد عسكرى أتى لمحاضرتنا فيتم جمعنا فى مسجد المعسكر وهو عبارة عن هانقر ضخم جداً وبااااااااارد لدرجة أننا كنا ننوم بمجرد دخولنا وربما يصحو فقط الصفان او الثلاثه صفوف الأماميه ليستمعوا للمحاضره بينما البقيه فى سُبات عميق على الرغم من محاولات التعلمجيه الدوران بين الصفوف منعاً للنوم ولكن ما أن يذهب التعلمجى للصف الامامى حتى يجد ان الصف الخلفى نائم كله! 11- بمناسبة المحاضرات هذه أحكى لكم هذه الطرفة التى حصلت أثناء محاضرة ووفد رفيع لا أذكر تحديداً من المُحاضر لكن ما أن تم جمعنا داخل المسجد وبدأت المحاضره حتى بدأ احد المجندين بالتكبير بصوت عال جدا وبدون سبب فقام المحاضر بانتهاره فسكت قليلا ثم عاد الكره مره أخري ثم نهره المحاضر وقال له له إن أخواتك يُغتَصبن فى الجنوب وأنت تُكبّر هنا فما كان من المجند الا ان كبّر مرة اخرى فغضب المحاضر وقال له أخرج من هنا يا منافق ! فسكت المجند ولكنه لم يخرج لأنه متأكد انهم لن يعرفوا من الذى كان يكبّر من وسط ثلاثة الآف مجنّد. 12- نرجع لبرنامج التدريب مره أخرى، بعد البياده يرجع الجميع الى ثكناتهم الى أن يؤذن الظهر فنذهب للصلاة وبعد الصلاة تلاوة القرآن فى حلقات، كل حلقه شيخها أحد المنسقين، أحياناً وبعد التلاوة يقوم هذا المنسّق بالحديث عن الحركه الاسلاميه وماقدمته من تضحيات فى سبيل الدين وماقدمتهم من شهداء وبعد حديث طويل يسأل كل طالب فى الحلقه عن رأيه فى الانضمام للحركه الاسلاميه! فيحظى بإستجابه وقتيه فقط من الطلاب لكى يتخارجوا منه! بعد الحلقه غالبا لايوجد برنامج فيخلد الناس للنوم الى حين الغداء هذا الحال كان فى الكتائب من الرابعة حتى السادسه أما من الأولى حتى الثالثه فكان عندهم مايسمى بتمام وحده (اى طابور الواحده ظهراً) نحن نائمون تحت الشجر وهم واقفون فى الهجير! 13- الغداء دائماً طبيخ لايخرج من الاصناف الاتيه: باميه، رِجله (ولها مزرعة خلف المعسكر مباشرة وأحيانا نكون فى البياده ويأتى الكارو حاملاً شوالات فيوقفه أحد المجندين وينظر الى مافى الشوالات فيجد الرجله الخام فيكيل لها كميه من السباب واللعن ويعلن بأن الغداء اليوم رجله!) وآخر صنف من الطبائخ هو الفاصوليا والتى غالبا ما تُطبخ يوم الجمعة فيتركها الناس فى صحنها لأن يوم الجمعه هو يوم زيارات الاهل ومعهم الأطايب المنزليه فيأكل الجميع ، من أتى أهله ومن لم يأتوا، فتبور الفاصوليا فى ذلك اليوم شرّ بور. كل الطبائخ أعلاه غير مسبّكه وخاليه من اللحم الا ماندر والرجله بالذات عباره عن برسيم عائم فى ماء ولكن الجوع كااااااااااافر كما يقولون! 14- بعد الغداء وصلاة العصر نتحرك لبيادة العصر والتى تستمر حتى قبيل المغرب حيث يرجع الجميع الى المسجد لصلاة المغرب وغالبا مايكون هناك محاضرة أو عرض فديو (حلقات من ساحات الفداء) أو حفل إنشاد جهادي يرقص فيه المجندون كما الDJ والراب والروك ..الخ يستمر هذا الوضع الى صلاة العشاء وأحيانا الى مابعد التاسعة مساء فيظن المجندون أن لا تمام 9 اليوم فاذا بالصفارة تنطلق ويتحرك الناس الى التمام كأنما يساقون للموت وهم ينظرون! أيضاً كنا فى الكتائب من الرابعة حتى السادسه محظوظون فما ندر أن نقف إدارة حتى الفجر أما من الأولى حتى الثالثه فكانوا فى ادارات داخليه على الدوام حتى الثالثه صباحاً. 15- أجمل ما فى المعسكر كان إقامة دورة فى كرة القدم بين الكتائب الست وكان اللعيبه على مستوى عال من المهارات والتشجيع والحماس يهز المعسكر فكانت تسريه لانفسنا من ضنك المعسكر، لا أذكر بالتحديد من الفائز بكأس هذه الدورة وأرجح أنها كتيبتنا الخامسه! 16- بعض طلاب الشهادة العربيه إستاء من اول يوم وقالوا: والله دخلنا معسكرات لكن ليست بهذه الصورة! بعضهم أتى بشنطه كأنما السوبرماركت من كثرة مافيها من الاطعمة والمعلبات، بعضهم ظل ساكتاً ومستاءاً طيلة المعسكر وبعضهم أصبح قمة قى الإستهبال والزوغان من التدريب بحجج مختلفة! ومن أغرب ماحدث أن أحد طلاب الشهادة العربيه وفى أول جمعة خرجنا جميعاً تحت الشجر لنغسل ملابسنا فما كان من ذلك الطالب الا ان وقف محتاراً ماذا يفعل فكان أحد الطلبه المحليين يملى عليه أن ضع الملابس فى الطست وكب عليها الماء ثم أفرك الملابس بالصابون فعرفنا أن هذا الطالب يغسل ملابسه لأول مره فى حياته وربما يكون غسل لكن بالغساله وليس بيديه! 17- النقيب شرطه عاطف (كان غريب الأطوار واتهمه بعضنا بالجنون والبعض الاخر بفقدان الوعي)كان من الضباط المسؤلين عن كتيبتنا وكان غالبا مايجمعنا بعد تمام التاسعه ويطلب من تكرار نشيد فى حماك ربنا عشرات المرات وبعد كل مره يقول: مابطّال لكن ضعيف عيدوا مره تانيه. الى ان يزهج فيقول للتعلمجى هل تريد هؤلاء فيجيب أن لا فينصرف النقيب الى ثكنته ويقوم التعلمجى بصرفنا لثكناتنا أيضاً. 18- الصول بشارة (كان يسمى شرحبيل نسبة للشبه الشديد بينه وبين الفنان شرحبيل أحمد) كان يزأر كالأسد فيخاف منه التعلمجيه قبل المجندين. 19- التعلمجيه والضباظ يمتازوا بسرعة البديهه والرد الساخر اللاذع والقطامه المفرطه، ذات يوم ونحن نخرج لتمام 6ص ونأتى فرداً فرداً لأن ذاك يتسوك وذاك قام من النوم لتوه وذاك يأكل..الخ فغضب الرقيب أول المسؤول فقال: أجمعوا سريع ماتجونى كدا زى دم الرُّعاف واحد واحد!! أحد الرقباء أيضاً كان صوته رقيق وفى بروفة التخريج اخذ يصيح طابور صفا فكان الناس يضربون الارض بصوت خفيف يوازى صوت الرقيب المبحوح فما كان منه الا أن صمت قليلاً ثم قال: ليه أنا شاحدكم ماتضربو الارض دى شديد! 20- هذا جزء مما جادت به الذاكره وسمح به الوقت والا فان الطرائف والقصص التى حدثت خلال الخمسة وأربعين يوماً من عمر المعسكر أكثر بكثير من الذى سردناه وربما يأتى من يزيد عليها من نفس دفعتنا هذه وتكون ذاكرته أحسن منى.